|
الحاج وراق يكتب عن ...انتهازية كتاب السلطة
|
مسارب الضي غياب (المشهاد) لدى الإنقاذ !
الحاج وراق
* مرة اخرى ينطرح بقوة السؤال عن سلامة عقل الانقاذ الفكري والسياسي ! فلأيام يشن الكتاب الاسلاميون الموالون للحكومة هجوماً منسقا على الدكتور الترابي وحزبه المؤتمر الشعبي ، بسبب أن هيئة شورى الحزب في اجتماعها الأخير اجازت ضمن ورقته عن الوفاق الوطني ما نصه : (للمسلمين حيثما كانوا في الوطن حق الإحتكام لقوانين تمثل دينهم ، ولغير المسلمين كذلك الاحتكام لقوانين تمثل دينهم ، ولا تفرض بالغلبة علي أقلية احكام من غير دينهم ) ... ويعتقد هؤلاء الكتاب أن في هذا النص خروجا على الشريعة ، وردة عن ميراث الحركة الإسلامية ، وموالاة للكافرين، وإشاعة للرذيلة باعادة فتح البارات بعد ان تحولت البلاد بالإنقاذ ومشروعها الحضاري إلى أرض الأطهار ! لقد تلمظوا في نشوة وسعادة : (أخيراً وجدنا سلاحاً ناجزاً للإجهاز على الترابي وحزبه) ! ولكنهم التقطوا السلاح الخاطئ ، هو من نوع أسلحة الارتداد الذاتي ، تطلقه على الخصم فيرتد الي النحر ، وتلك خصائص اسلحة الماضي الصدئة ، فكما يعلمنا التاريخ أن جحافل الأمس الآفلة عادة ما تتسلح في معركتها مع الغد بأسلحة المحافظة والتكفير ، وفي البدء يكون زعيقها صاخباً يصم الآذان بينما صوت قوى الغد خافتا مخنوقاً ، وتلك هي طبيعة الاشياء ، كل شجرة سامقة إنما تبدأ نبتة صغيرة وكل جديد يبدأ مدانا وملعونا ! ولكن صوت الغد يعلو ساعة فساعة لأن جبال الواقع الصلدة تردد صداه فتتضاعف قواه مرة أثر أخرى إلى أن يسود الآفاق ويشرخ الحلاقيم القديمة ! ... وإذا أردت أن تعرف افكار الغد فإنها الافكار المصادرة الملعونة اليوم !. وقد اختار كتاب التيار الحاكم بانتهازية ضيقة الأفق إعتقال أنفسهم في الأمس وتنازلوا بطيب خاطر للترابي عن مقعد الإسلاميين في المستقبل ، فبئس الإختيار وبئس غياب (المشهاد) ! . * ولا ينطلق موقف كتاب التيار الحاكم الحالي من الإخلاص للإسلام وانما من الانتهازية السياسية ، والدليل على ذلك أنهم ظلوا يغيرون مواقفهم المدعاة دينية بتغير موازين القوى السياسية في البلاد : أيدوا في البداية تطبيقات نميري في سبتمبر 1983م التي فرضت التشريعات الاسلامية على الجنوب، وبرروا ذلك بضرورة تطبيق الشريعة على كل بقاع الدولة الإسلامية ! ثم حين استقوت بندقية الجنوب لم يجدوا حرجا في التخريج الفقهي لاعفاء الجنوب ، رغم ان النصوص هي ذاتها النصوص ، ولم يتحول العقل الذي يتأولها الا بتحول الميزان العسكري والسياسي !. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعاصمة القومية ، فقد سبق لهم في الجبهة الاسلامية القومية ان أجازوا (ميثاق أهل السودان) اواخر الثمانينات ويتضمن ذات فكرة التطبيق الشخصي للقوانين ، وهي الفكرة التي يصمونها حاليا بالمروق والردة ! فما الجديد فيما يطرحه الترابي حاليا ؟ وهل كانوا انفسهم مرتدين في الثمانينات ؟ واذا كانت الأحكام الاسلامية واجبة التطبيق على غير المسلمين في العاصمة ، فلماذا يحصر هذا التطبيق على العاصمة وحدها ولا يمتد الي الجنوب ؟ أترى ان العاصمة عاصمة المسلمين وحدهم أم عاصمة كل السودانيين ؟ وألا يؤسس موقفهم هذا لتقسيم البلاد ؟ ومن فوضهم بناءً على تأويل قاصر أن يقسموا البلاد ؟! . ثم هناك اسئلة اكثر جوهرية : هل خلاف المسلم مع المسيحي أنه يبيح تعاطي الخمر ، أم أن الخلاف الاساسي حول العقيدة ذاتها ؟ وأيهما الأهم العقيدة أم الخمر ؟ وإذا قبل الاسلاميون الاختلاف حول العقيدة أليس من البديهي قبول الاختلاف حول الخمر ؟ إن مثل هذه الاسئلة الجوهرية لن تطرح لدي العقول الغائبة بالمزايدة والتهريج . مما يعطي دلالة واضحة بأن الهدف ليس مصلحة الإسلام ، ولا مصالح الوطن ، وإنما احراج الخصوم أيا كانت السبل ، حتى ولو بالمزايدة غير المسؤولة .. واذا كان مثل هذا السلوك مفهوماً من الجماعات الإسلامية خارج الحكم، فإنه ليس مفهوما ولا مقبولا من سلطة حاكمة، مسؤوليتها السهر على بناء إطار مشترك لعيش السودانيين غض النظر عن عقائدهم الدينية، ومسؤولياتها تحقيق السلام الذي يستدعي مثل هذا الإطار كشرط لازم وضروري .. والمأساة - الملهاة ان السلطة الحاكمة انما هي المستفيد الاول من هذا وذاك، ولكنها وبغياب (المشهاد) الفكري السياسي تخرب مصلحتها بيديها !! * وللتيار الحاكم أن ينتقد المؤتمر الشعبي بما يشاء ، والأخير عرضة للنقد من شتى الوجوه ـ فلينتقده على مبدئيته المجروحة ، أو على انعدام المسؤولية الوطنية ، وعلى صبه الزيت في الحرائق الوطنية ، أو على صدقية دوافعه الحالية في مقترحاته الليبرالية المتأخرة ، فربما تكون مثل مقترحاته في الثمانينات غطاء لمغامرة عسكرية أخرى تخرب البلاد على خرابها خرابا اضافيا شاملا - كل ذلك ممكن ومبرر ، ولكن ان تحتل الحكومة مقعد المزايدة والتهريج فتنتقد الترابي من خلفه ، فهذه غشامة ما بعدها غشامة ! . * وإن أهم انتصار فكري وسياسي للترابي على التيار الحاكم، نجاحه في أن يصور نفسه الأكثر استجابة لمطلوبات السلام والوحدة الوطنية ، والأكثر إحساساً بإستحقاقات المعاصرة من ديمقراطية وحقوق إنسان وحرية نساء .. الخ ، قطعا ان الترابي يراقب حملة الحكومة الحالية عليه بمزيج من السخرية والسعادة ! وهو محق هذه المرة، لقد أهدوه بمواقفهم السلفية والمتخلفة المقعد الذي يرغبه ! .. ولأن البلاد ستشق طريقها حتما نحو المستقبل والأزمنة الحديثة ، فإن مصير التيار ا لحاكم الواقع تحت قبضة الأكثر انغلاقا وانكفاءً لن يختلف بأى حال عن مصير سابقيهم من الأخوان المسلمين - مصير الذين لم يتجاوزوا وضع الزائدة الدودية في جسد الإسلام السياسي الناشط في البلاد !
|
|
|
|
|
|