|
يا شمولية ما دخلك شر !!1
|
الحاج وراق ِ
* ينطلق رفض المؤتمر الجامع من أربع ارضيات اساسية ومختلفة ، الارضية الاولى أرضية الدوائر الشمولية والانغلاقية في الانقاذ ، وترفض هذه الدوائر المؤتمر الجامع لرفضها شراكة القوى السياسية الاخرى في سلطة ما بعد توقيع إتفاق السلام .. وإذ اضطرت هذه الدوائر للسلام، وبالتالي للشراكة مع الحركة الشعبية، فإنها تريد تجيير إتفاق السلام كأسمنت لتوطيد الطغيان في البلاد ، فتتوهم امكان المحافظة على طابع سلطتها الاحتكاري والشمولي مع تعديلات طفيفة تقتضيها الشراكة الجديدة ، فتنظر لهذه الشراكة كشراكة «وظيفية» في الاستبداد (أي الاتفاق مع الحركة الشعبية على احتكار ثنائى للسلطة في البلاد ، مع تقسيم الاحتكار وظيفيا بينهما ، فتحتكر الانقاذ السلطة في الشمال بينما تحتكر الحركة الجنوب ، «وياشمولية ما دخلك شر» !! وتعتقد هذه الدوائر بأنها بذلك، ستضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد ، من ناحية اولى ستواصل احتكارها للسلطة وتوطد من طابعها الشمولي ، ومن ناحية ثانية تحيّد اهم القوى السياسية والعسكرية في مواجهتها ـ أي الحركة الشعبية ـ ، اضافة الى العصفور الثالث، وهو شراء رضا المجتمع الدولي - خصوصا الولايات المتحدة الامريكية - عن نظامها ! وتدخل مثل هذه التقديرات في باب الاوهام ، لعدة اسباب ، ليس هنا مجال تفصيلها ، ولكني اورد اهمها على وجه الاجمال ، واولها الخلافات الايديولوجية العميقة التي تفصل بين الانقاذ والحركة الشعبية، والتي تجعل من المستحيل عليهما التعايش تحت سقف ديكتاتوري مستقر، والثاني ان الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا ، ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، لا يمكن استرضاؤه بمجرد اتفاق السلام وتقديم تنازلات في استثمارات النفط ، وذلك لان حقوق الانسان لم تعد دعوة اخلاقية مجردة ، وانما آلية اساسية في مكافحة الإرهاب ، وبالتالي، فإن الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة تشكل احد مطلوبات الأمن القومي للدول الغربية ! .. وواضعين في الاعتبار طبيعة نظام الإنقاذ الاسلامية ، فلماذا تستثمر الدول الغربية في عملية سلام تنتج نظاما اكثر انغلاقا وأكثر خطراً، وفي ذات الوقت اكثر استقرارا ؟! بالطبع، ليس من سبب يدعوها الى ذلك مهما كان غباء هذه الدول ، ومهما كانت قدرة الانقاذ على المناورة والتضليل ! وهذا اضافة الى نتائج كارثة دارفور ، وما تستدعيه من ضغوط على متخذي القرار في الغرب تجاه تعاملهم مع الانقاذ ... وكذلك التحول نحو اليمين في السياسة الامريكية ، والذي تعبر عنه اعادة انتخاب الرئىس بوش ، وزيادة نفوذ اليمين الجديد في الكونغرس والادارة ، وقد اشار قانون سلام السودان الشامل الى مترتبات ونتائج مثل هذا التحول، فيما يتعلق بالسياسة تجاه الانقاذ ! وبالنتيجة، فإن اقصي ما تطمع فيه الانقاذ ، في حال تحقيقها للسلام، وكفالتها للديمقراطية ، ونجاحها في تحقيق اجماع وطني وابراز ارادة وطنية، في حال تحقيق كل ذلك، فإن اقصي ما تستطيعه الانقاذ ليس نيل الرضا الامريكي وانما قبولها ضمن اطار تعددي ، مما يجنبها ويجنب البلاد «الهوجات» غير المحسوبة للثور الامريكي الهائج منذ الحادي عشر من سبتمبر ، والهائج ليس فقط على الاسلاميين ، وانما لحدود معينة ، على الاسلام نفسه ! * ويتسق مع توهم إرضاء الخارج كبديل عن ارضاء الداخل ، بل وكثمن لقهر الداخل ، رفض المؤتمر الجامع باعتباره سيعيد الصادق المهدي الي الساحة السياسية مرة اخرى ! وبحسب هذه الرؤية، فإن رفض المؤتمر الجامع انما رفض لمشاركة القيادات التقليدية في سلطة ما بعد اتفاق السلام ،والحجة في ذلك ان الامريكان لا يريدون الصادق ! والعجيب أن العديد من رموز القوى الحديثة والديمقراطية، يروجون هذه الاطروحة الاستبدادية دون ادني احساس بالخجل ! فما الفرق اذن بين اقصاء الاحزاب التقليدية ببلاغ عسكري رقم (1)، أو بناءً على انذار من البوارج العسكرية الامريكية ؟! والى متى تراهن القوى الحديثة في منافستها للقفطان على «الكاكي» ؟! او ليس الاكراه بواسطة البندقية واحدا، سواء اكان إكراه بندقية مايو او الانقاذ ، او بندقية قرنق او بندقية المارينز الامريكان ! .. ان الاكثر اتساقا لأى ديمقراطي ، ان يرتضي الديمقراطية أيا كانت القيادات التي تفرزها ، وأن يؤهل نفسه (حزبه) لمنافسة حرة ونزيهة مع القيادات التقليدية، ويوطن نفسه (حزبه) للصبر على هذه المنافسة كعملية تاريخية ممتدة ، وأى خيار غير ذلك ، اضافة الي كونه غير اخلاقي ، فهو كذلك غير عملي، لقد جُرِّب كثيرا وفشل ! ومن هذه الزاوية، فإن التمسك بالمؤتمر الجامع ، اضافة الى كونه انحيازا للديمقراطية، فإنه كذلك انحياز للارادة الوطنية ، الارادة الوطنية العزيزة والراشدة ، الارادة التي لا تستقطب عداء الآخرين ، وتسعي الي التفاهم وتحقيق المصالح المشتركة ، ولكنها كذلك وفي ذات الوقت، لا تقبل المهانة كما لا تقبل الاستخذاء والاستزلام ! * أما الارضية الثانية لرفض المؤتمر الجامع، فهي ارضية الاشفاق على اتفاقات السلام ، والتي تم التوصل اليها بشق الأنفس وبعملية تفاوضية امتدت لثلاث سنوات ، وهذه ارضية ، اتفق شخصيا مع مقدماتها ، ولكني اختلف مع نتيجتها ، وسأثبت لاحقا ان استدامة اتفاقات السلام وحسن تنفيذها، يتطلبان على العكس عقد المؤتمر الجامع. ويقف على الازضية الثالثة عدد من المراقبين والمحللين السياسيين ، الذين يرون أن الفكرة في ذاتها لا غبار عليها، ولكنها غير ممكنة التطبيق عمليا، فيفضلون صرف النظر عنها كليا! والغريب ان هؤلاء يكرسون جهدا ذهنيا مقدرا لاثبات الطابع غير العملي للفكرة، ولو انهم كرسوا بعضا منه في البحث عن السبل العملية لامكن انجاز المهمة، والسبب في ذلك واضح، فالفكر السياسي لا يضع امام نفسه هدفا لا يمكن تحقيقه، والا حكمنا عليه بالعقم!... وعلى كل، فإنني سأطرح لاحقاً، تصوراً لمهام المؤتمر الجامع وكيفية عقده، وقد يختلف معه الكثيرون ولكن من الصعب في تقديري ان يحكم عليه بأنه غير قابل للتطبيق العملي. اما الارضية الرابعة لرفض الفكرة فيقف عليها بعض الناقدين للانقاذ، والذين يتخوفون من إمكان امتطاء الانقاذ للفكرة وتجييرها ـ كما مؤتمرات «الحوار الوطني» ـ لتمرير اجندتها الاحادية ، أى التخوف من ابتذال الفكرة ! وهذا تخوف يبالغ في تقدير الانقاذ ، حيث يشمل المؤتمر الجامع كافة القوى السياسية الاساسية ، ولذا فهو ليس مؤتمرا للاغرار والسذج أو لذوي الظهورالقابلة للانحناء ، فاذا استطاعت الإنقاذ ان تمتطى مؤتمرا كهذا وتستخدمه لتمرير اجندتها الأحادية، فليس من كلمة مناسبة حينها سوى (تستاهل) ! * وحسنا فعل الاستاذ / عادل الباز بمقالتيه عن المؤتمر الجامع : «بريق الفكرة ومأزقها» ، فقد صاغ صياغة رفيعة دفوع الرافضين لعقد المؤتمر الجامع ، وجمع في منطلقاته بين ارضيات الاشفاق على اتفاقيات السلام ، والطابع غير العملي للفكرة ، والتخوف من ابتذالها . وهذه كلها ارضيات مشروعة ومبررة ، وإذ اختلف مع نتيجة الاستاذ / عادل بناء عليها برفض المؤتمر الجامع ، وسأناقش دفوعه واحدة اثر الاخرى ، الا انني اضيف بأن الدفوع التي تستند على ارضيات «حسنة النية»، فإنها وان كانت خاطئة ، الا انها تعبر عن اخطاء (نزيهة) ، وتساعد مناقشة مثل هذه الاخطاء ليس في التصويب وحسب ، وانما في تدقيق الأفكار الابتدائية وتطويرها . ونواصل بإذن الله.
|
|
|
|
|
|