دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012
|
السودان...صناعة الموت وضرورة البديل .. بقلم: د. حيدر ابراهيم علي الأربعاء, 28 كانون1/ديسمبر 2011 13:49 Share [email protected]
(1)
لحق هذا الاسبوع د.خليل إبراهيم بالسلف الوطني الصالح الذي وهب حياته لوطنه ومبادئه حتي وصل الي موت يغيظ العدو.فقد مات واقفا ورأسه الي السماء،وليس جالسا في شيراتون الدوحة المترف ليوقع علي اتفاق لا يحقق لشعبه السلام الحقيقي،والتنمية المستقلة،والمحاكمة العادلة لمجرمي الحرب. وهو الآن علي مقعد تاريخ نبلاء السودان الذين افتدوا الوطن: بالروح بالدم،حقيقة وليس هتافا في مظاهرة أو تجمع. فقد انضم للعظماء الذين اوصلتهم وطنيتهم، وصدقهم الفكري قولا وعملا الي حبل المشنقة أو قصف الصواريخ. هو الآن آخر الواصلين لسلسلة الخلود والعظمة الممتدة من الخليفة عبدالله والآف الانصار، وعلي عبداللطيف وصحبه،وود حبوبة وأهله،ومحمود محمد طه، وعبدالخالق محجوب،وصلاح بشري،والشفيع احمد الشيخ،وجوزيف وجون قرنق ورهطهم من الجنود المجهولين ورفقاهم في دارفور وجبال النوبة،وجنوب النيل الأزرق،وكل الضباط الثوار من علي حامد حتي كرار وبليل ورفاقهم من ابطال28 رمضان؛وغيرهم وغيرهم.هذا الوطن العظيم روى ثراه دم غزير وطاهر،ويستحيل ان يترك لشذاذ الآفاق هؤلاء أن يدنسوه ويزنوا به. فقد اكمل(خليل) دوره الشخصي بفعل القدر،ولكن رسالته الوطنية تستمر حتي يكتمل الدهر نفسه.لذلك لا بكاء ولا عزاء علي (خليل) ولكن كثير من الحزن والاصرار من أجل تحقيق قيم العدل والمساواة –كل بوسائلة وقناعاته. فهذا الشعار-الإسم له دلالاته ورمزيته،لان العدل كلمة تزيد علي المساواة باعطاء حقوق ايجابية ،لذلك تعني تحقيق:الديمقراطية،والحرية،والكرامة الإنسانية مع الخبز الطاهر والكافي والكريم.وتؤكد المساواة حقوق المواطنة الكاملة رفضا لكل أشكال التمييز العرقي، والديني، والثقافي؛ والتهميش الاقتصادي-الاجتماعي. لذلك،شعار الحركة ليس محدودا بمنطقة،أو بأجل ولا مرحلة بل غاية اختارتها الحركة الوطنية الديمقراطية الديمقراطية السودانية جمعاء منذ عهد الكفاح ضد الاستعمار في نهاية اربعينيات القرن الماضي.ولكن غايات الحركة الوطنية الديمقراطية،تعرضت منذ الاستقلال الي نكسات،وخيانات،وسرقات لاسباب ذاتية وموضوعية.وقد حان وقت التجاوز والمراجعة في مناسبة جليلة ومع وجود حركة سياسية يمكن أن تقبل التحدي.
(2) تٌخلد ذكرى (خليل) بتأكيد أن حركة (العدل والمساواة) هي جزء اصيل من هذه الحركة الديمقراطية،وبالتالي عليها التعاون مع كل القوى الوطنية الاخري،وأن تبحث عن اشكال التحالف الفعّالة والمجدية مع هذه القوى بصورة جماعية وفردية:حركات مسلحة،احزاب سياسية، منظمات مجتمع مدني،شخصيات وطنية،طرق صوفية،اتحادات اقليمية.والبداية لهذا تقديم خطاب سياسي جديد واضح وقاطع ضد الجهوية، والعنصرية المضادة.وتنقية الخطاب الحالي من كل ايحاءات الجهوية،والعنصرية المدافعة عن نفسها باستخدام أسلحة العدو الذي يقصد ايقاعها في فخ العنصرية المضادة.وفي هذه يعمل علي عزلها عن حلفائها الحقيقيين لانهم ستقوم بادراجهم ضمن الجلابة أو اولاد البحر.وبتأكيد ذلك علي مستوى الممارسة، والسلوك،والعمل السياسي المشترك،وهذا الابتعاد عن لغة وتصنيفات مثل اولاد الغرب والجلابة أو اولاد البحر،والزرقة والعرب.ومن هنا تكون أي ميول للدارفوريين للعزلة،وفصل أو تمييز قضاياهم عن قضايا السودان الكبرى؛هو انتصار لخط النظام العنصري والتمييزي،وشق للصف الوطني الديموقراطي . فالصراع سياسي-اقتصادي وما القبلية والجهوية الا أقنعة لاخفاء الاسباب الحقيقية:الفشل التنموي،سوء ادارة التنوع الثقافي،شكلانية الديمقراطية.وهذا الخطاب الجديد المطلوب للحركة يهدف لطمأنة الآخرين،ولاثبات أننا أمام حركة قومية تسعي لجمع السودانين الديمقراطيين جميعهم في منبر موحد علي برنامج الحد الادني.ولا أظن أن الحركة الي جهد يبدأ من البداية الاولي لتقديم وثائق لمثل هذه المبادرة.ففي خطاب (خليل )للجماهير عقب وصوله سلاما من ليبيا،اسس وعناصر لورقة عمل ولاحقا ميثاق تتبناه الحركة وتدعو-بعد الانتهاء من صياغته- القوى الاخري للانطلاق منه. فنحن نقرأ في أحد الاجزاء ما يلي:- "حركة العدل و المساواة السودانية حركة قومية تنشد الاصلاح السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الشامل للوطن كله، و تعمل من أجل إقامة دولة مدنية ديموقراطية عادلة، تكون المواطنة فيها مناط الحقوق و الواجبات، و تقف على مسافة متساوية بين مواطنيها، بغض النظر عن إنتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الجغرافية أو ألوانهم أو خياراتهم السياسية. وطن يفتخر بتنوع ثقافاته، و يجهد في تنميتها، و يحارب النزعات الإستعلائية الأحادية العنصرية التي أدت إلى فصل جنوبنا العزيز، و يعمل على تفتيت ما تبقى من الوطن."(خطاب العودة25 سبتمبر2011) في حالة تبني الحركة هذه المبادرة فهذا لا يتطلب تخليها عن تحالف(كاودا)، ولا تخلي(المهدي)عن الاجندة الوطنية علي أن يحترم حق الآخرين في اختيار وسائلهم في الكفاح.ولا يقتضي الأمر تراجع(قوى الاجماع الوطني)عن الانتفاضة الشعبية.لابد أن تقوم المبادرة علي أسس جديدة لتشكيل جبهات العمل المشترك.وهذه المرة لابد أن تكون أول فعالية أو نشاط،هو عقد ورشة عمل تناقش سؤال: لماذا فشلت كل تجارب العمل المشترك السابقة بدءا من التجمع الوطني الديمقراطي حتي الجبهات الكثيرة الحالية؟وأن تقدم كل التنظيمات السياسية اوراق نقد ذاتي عن دورها في الفشل.هناك حاجة ماسة لنوع آخر من العمل التمهيدي،علي هامش هذا المؤتمر، له طابع ثقافي- نفسي خاص بنا نحن كبشر تنقصنا صفات أن نكون ديمقراطيين صادقين،نقبل الاختلاف ونحترم بعضنا.فقد لاحظت ميلا واضحا بيننا علي ان نبخس اشياء بعضنا، ولا نذكر بعضنا كثيرا بالخير،ونعاني من النيران الصديقة اكثر من نيران العدو الواضح.لذلك،هناك حاجة ماسة لورشة تضع مدونة اخلاقية أو ميثاق شرف اخلاقي يوجه اسلوب العمل.فالفشل السابق والحالي في العمل المعارض ليس سببه نقصا في البرامج أو الرؤى السياسية أو الايديولوجيات بل هو نقص في الاخلاق والحميميةالانسانية،والصدق،والقدرة علي التضحية والايثار دون انتظار مكافأة مادية أو معنوية .ولابد من تلافي هذا النقص قيل الانحراط في أي عمل لان هذا هو مقتل كل التجارب السابقة،ولم تفشل الا بسبب غياب هذه القيم والاخلاقيات التي يستند عليها أي نضال اصيل وجاد وغير انتهازي. (3)
اتمني ان تكون للحركة الثقة في نفسها وفي قدراتها علي القيام بهذه المبادرة، وهناك الكثيرون المستعدون لمساعدتها.واعتقد أن من أهم أسباب النجاح والقبول كون المبادرة قد تجئ من حركة تصنف هامشية.كما انها تجمع بين العمل العسكري والسياسي المدني.وهذا الدور كان يمكن ان تقوم به الحركة الشعبية لتحرير السودان،ولكن بعض الشماليين في الحركة اجهضوا باصرار-ولاسباب ذاتية-توجهات الحركة القومية.والآن هذه مسؤولية حركة العدل والمساواة.ولكي يتحول الحزن علي اغتيال زعيمها الي فعل ايجابي يخلد ذكراه،ويواصل نضالاته لتأكيد أن قضية السودان ودارفور ليست مقصورة علي شخصيات وزعامات ولكنها قضية شعب كامل. هذا هو تعبير الديمقراطيين والمحبين لما يمثله (خليل) عن حزن انساني عميق. ولا تكتمل الصورة الا بمعرفة ردود فعل صنّاع الموت واعداء الحياة لاغتيال(خليل). وفي محادثة صباحية مع والدتي وهي امية وذات اسلام شعبي اصيل، تحدثنا عن الاخبار كالعادة، بادرت:-" عليك الله شوف الحريم الغبيانات ديل عاملات مظاهرة عشان كتل خليل عثمان-هكذا تسميه- الموت كمان فيهو شماتة؟".وقد اراحني عمق التعليق الحكيم وكنت قبلها مصاب بشئ من الغثيان بعد رؤية نساء المؤتمر الوطني في موكب مبتهج يلوحن باغصان النيم باياد مثقلات بالذهب المشغول، ومزينات بآخر" نقشات" الحناء وظلال الدخان أو البخور.ويبدو ان الذهب والحناء صارا من السنة المؤكدة في فقه الانقاذ،فهما يملأن التلفزيون والمجلس الوطني وكل الاجتماعات والمواكب. رغم أن صحيح الدين يقول بأن المرأة تتزيين لزوجها وفي بيتها فقط وليس في مظاهرات تمجيد الموت. ولقد استغربت فعلا لتكوين نساء الانقاذ الطبيعي والنفسي،فالمرأة الطبيعية هي صانعة للحياة والخصوبة والنماء والخلق والجمال.ومن تشوهات الاسلامويين الانقاذيين أن يجعلوا من المرأة كيانا اقرب الي البوم والخراب وعزرائيل.وهذا يفسر لماذا يعيشون مع زوجاتهم وفي نفس الوقت يبحثون عن النساء-النساء في الشاطئ الآخر لواقعهم.كانت المظاهرة دليلا علي اعادة صياغة المرأة السودانية من خلال نساء انابيب انقاذية بالتاكيد لم تلدهن امهات سودانيات عارفات لمعني الحياة والامل كارهات للموت خاصة حين يكون في شكل جريمة اغتيال.المظاهرة عار علي تاريخ المرأة السودانية حين تشمت من الموت. يأبي رأس الدولة الا ان يكمل معزوفة الابتهاج بصناعة الموت في جريمة كاملة العناصر. فقد وصف(البشير) التآمر والغدر والاغتيال بأنه" قصاص رباني" فالانقاذيون في تجديفهم الديني عينوا لها ربا مع قائمين المستشارين يقوم لهم بالاقتصاص من خصومهم.وهو بالتأكيد يختلف عن رب المسلمين وكل المتدينين،لانه العادل،العليم،الخبير،البصير.ولانه بهذه الصفات: فالعادل لا يقتص من يدعو للعدالة والمساواة؛ولا يمكن الا يكون عالما وبصيرا بحيثيات وأدلة المحكمة الجنائية الدولية.وهذا ما نرفضه في الدولة الدينية ان تقحم الرب أو الله في جرائمها لتعطيها قداسة وحصانة.
(5) وفي الختام لابد من الاسراع في ازالة النظام وليس اسقاطه،فهو قد سقط منذ زمن،ولكنه ظل متكئا علي عصا سليمان .ولكننا نتردد في الدفع به الي هاويته المستحقة.ونأمل أن تكون البداية بالمبادرة الجديدة.وهذا نظام اسقط نفسه بنفسه ،فعليك أن تقرأ بيانه الاول أي وعوده وتقارن ذلك بالحال الآن.وسقط حين ضحي بعرابه وابيه عام1999 فصار يتيما وبلا رأس أو فكر،واكمل سقوطه بفصل الجنوب.وسقط مع فيديو جلد الفتاة في مكان عام،وسقط حين رد منظره ودرعه (نافع علي نافع) علي تهم محمد حسن في الجامعة، بالاعتقال وليس بتفنيد تهم الفساد علانية، والقائمة تطول كدليل لواقع السقوط الفعلي المتكرر.والمهمة الآن أن نعمل بجدية علي الإزالة الكاملة لركام وبقايا عصبة تحكم.
----------------------
قضاء السودان .. قضاء وقدر ..
بقلم: سيف الدولة حمدناالله الأحد, 25 كانون1/ديسمبر 2011 07:49 Share3
من قال بأن فتية الأنقاذ وحدهم الذين يذبحون هذا الوطن بسكين ميتة !!، فمن بين الأصوات التي كانت تبشر لوقت قريب بفجر الحرية والديمقراطية من هم أسوأ وأضل من ذلك بكثير ، وليس لما نقول به أية صلة بخيار بعض أقطاب الحزب الأتحادي الديمقراطي أقتسام الفساد الحكومي مع الأنقاذ بدعوى الوطنية، فقد قلنا في ذلك كل ما لدينا، وليس هناك مايمكن أن نضيفه، ولم يتبق لنا سوى الأنتظار لنرى ما ستسفر عنه هذه الشراكة في معالجة أزمة الحكم في البلاد كما بشٌرنا بذلك النجل الميرغني الذي تعهد بانهاء الصراع المسلح بالبلاد ومعالجة الوضع المعيشي لرعايا دولة السودان وتوفير فرص العمل للعطالى للخريجين قبل أن يبلغوا سن التقاعد، ولا ندري كيف يتثنى للحزب فعل كل ذلك وهو لا يملك من أسباب القرار في شئون الحكم سوى ما تيسٌر له من سلطة على الأندية الرياضية وأخرى في اصدار الرخص التجارية بحسب الوزارات التي أسندت اليه.
الواقع أن مصابنا في الحزب الأتحادي أفدح من ذلك بكثير، فما أعلنه الحزب على الملأ حول مطالبته بنصيبه في (حصة) في مناصب القضاة يعد سقطة ما بعدها سقطة ، ولو أن مثل هذا الحديث قد صدر عن النجل الميرغني أو من صنوه الآخر الذي ترقى من وظيفة "مصوراتي" الأسرة الميرغنية لمنصب مساعد رئيس جمهورية، لما توقفنا عند هذا المطلب ولا تكبدنا مشقة كتابة هذه السطور عنه، فليس هناك ما يدعو الى تكدير النفس بسبب ما يصدر عن مساعدين تحت التدريب ، بيد أن المصيبة في أن يصدر هذا الحديث من رجل قانون في مقام الأستاذ/ عثمان عمر الشريف الذي أمضى أكثر من 40 سنة في ممارسة مهنة القانون، ومن حزب ظل يقود مطالبة حكومة الأنقاذ برفع يدها عن القضاء وينادي بأجراء أصلاحات على النظام القضائي بما يحقق له الأستقلال المبتغى. وما يدهش المرء، أن حكومة الأنقاذ نفسها كانت تقر بوجود أزمة في نظامها القضائي، فمن بين مقررات اتفاقية القاهرة (2005) التي قام بتوقيعها تجمع الأحزاب برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني، تم الأتفاق مع حكومة الأنقاذ على تشكيل لجنة كانت عضويتها مناصفة بين التجمع والحكومة لتقدم توصيات في شأن الكيفية التي يمكن بها اعادة بناء السلطة القضائية على النحو الذي يعيد لها مكانتها ودورها المطلوب في تحقيق العدالة، وقد شكلت اللجنة من جانب التجمع برئاسة البرفسير البخاري عبدالله الجعلي وآخر كمرشحين عن الحزب الأتحادي الديمقراطي، كما ضمت في عضويتها الزميلين طه سورج وعبدالقادر محمد أحمد الى جانب شخصي كمرشحين عن بقية أحزاب التجمع ، ولم يكن مصير تلك اللجنة بأفضل من مصير أتفاقية القاهرة نفسها فقد أهملت الأتفاقية بلجانها ولم تقم لها قائمة، وقيل أن الأستاذ/ علي عثمان طه قد أعترض على قيام اللجنة أذ أعتبرأن في ذلك تسليم و أعتراف من الحكومة بعدم أستقلال القضاء.
سبحانه وحده الذي غيٌر الحال، وجعل الحزب الأتحادي الديمقراطي الذي كان ينادي باستقلال القضاء لأن يشارك اليوم في ذبحه، فدعوة الحزب لمحاصصة المناصب القضائية أضل سبيلاً مما فعله الأنقاذ بالقضاء، فالحال كذلك، ليس هناك ما يجعل أحزاب الحكومة العريضة لا تنعم بخيرات القضاء هي الأخرى، قضاة "للدقير" وقضاة "للسيسي أخوان" ومحاكم لجبهة الشرق وللاخوة في العدل والمساواة وأخرى للحركة شعبية فرع تابيدا بطرس!! أيٌ عار وفشل هذا الذي أستطال بنا الزمن حتى نعيش ونراه !!.
واقع الحال، أنه وحتى وقت قريب كان الناس يضعون الأمل في القضاء بأعتباره (الأثر) الوحيد المتبقي من (ريحة) جهاز الدولة، والقضاء - دائماً - ينبغي أن يكون خيط الأمل الذي يلجأ اليه كل من اصابته مظلمة من الحكومة أو غيرها، ولا يستطيع القضاء أن يقوم بدوره أذا لم يتحقق له الأستقلال الكامل عن سلطان الحكٌام، ولا يتحقق ذلك بمجرد وجود نصوص في الدستور تقضي بذلك، فكل دساتير الأنظمة التي شهد العالم بظلمها تنص على أستقلال قضائها، ولا فرق بين ما يقول به دستور مثل تلك الدول وما يقول به دستور فرنسا والولايات المتحدة، بما في ذلك الكتاب الأخضر لصاحبه معمر القذافي، ولكن لا يتحقق الأستقلال دون وجود قضاة يدركون معناه ويملكون المقدرة والشجاعة الكافية للعمل على حمايته.
يحكي تاريخ القضاء السوداني عن فصول من الملاحم التي قام بها القضاة في وجه الأنظمة العسكرية السابقة، وهي المواقف التي توجت باضراب القضاة (1983)، والذي كان قد أعلن كنتيجة لقيام النميري بفصل عدد (17) قاضياً من بين أعضاء لجنة القضاة (كان لنا الشرف في أن يكون كاتب هذه السطور واحداً من بينهم)، وقد حقق الأضراب نتائجه بتراجع النميري عن قراره بعد صراع أستمر ثلاثة أشهر تعرض خلالها كثير من القضاة للأعتقال والتنكيل من بينهم القضاة عبدالحفيظ أبوزيد وعمر صديق البشير وعبدالمنعم محمود حسن بشير (عليه الرحمة). الحديث عن مواقف قضاة السودان في الحرص على عدم المساس بأستقلال القضاء لا ينتهي، ومن ذلك موقف رئيس القضاء ميرغني مبروك (1986)، الذي يسجل له التاريخ أنه قام بطرد المرحوم صلاح عبدالسلام الخليفة (وزير شئون الرئاسة) من مكتبه حين جاء اليه للتعبير عن أحتجاجه بسبب أمتناع قاضي جنايات محكمة الخرطوم شمال (القاضي حسن عيسى)عن أصدار أوامره بأستخدام القوة في تفريق مظاهرة طلابية، والحقيقة أن الأولى بالذكر هنا هو موقف رأس الدولة الذي تقدم بأعتذار مكتوب عن تصرف الوزير حمله لمكتب رئيس القضاء المرحوم ميرغني النصري عضو مجلس رأس الدولة.
وفي شأن أستقلال القضاة في أحكامهم نذكر، وهي ليست المرة الأولى التي نشير فيها لذلك، ما ورد في مذكرة محكمة الأستئناف (1976) والتي أصدرها القاضي/ الصادق سلمان حين قضى بنقض حكم صدر في حق شقيق عضو مجلس قيادة مايو أبوالقاسم محمد أبراهيم والذي كان قد أدين أمام محكمة الموضوع بأختلاس مبالغ مالية أثناء فترة عمله بهيئة الخطوط الجوية السودانية، وقد جاء نقض الحكم بسبب تضمنه عقوبة رأت محكمة الأستنئاف أنها خفيفة ولا تحقق الرادع الكافي والذي يتناسب مع حجم الجريمة، وتضمن الحكم أمراً لمحكمة الموضوع بتشديد العقوبة، وقد تم ذلك بالفعل، ولا تزال تلك السابقة أحدى معالم العمل القضائي في بيان عدم تأثر القضاء بمراكز أهل السلطة. لا بد لنا من القول بأنه لا يزال هناك كثير من القضاة الوطنيين الذين يقبضون على الجمر ويعملون بقدر جهدهم على تحقيق العدالة في تجرد وحياد وبأستقلال داخل السلطة القضائية الحالية رغم قساوة الظروف، ونحن نحني لهم رؤوسنا بالأحترام، ولكن لا بد من القول أيضاً أن (عملية) أستقلال القضاء (كلية) لا تقبل التجزئة، فلا يكفي القول بأستقلال قاض بمحكمة سنجة بينما زميله بمحكمة أمبدة جنوب يحمل رتبة عسكرية بجهاز الأمن.
الصحيح هو أن تكون (أدارة) القضاء هي أول خطوط الدفاع عن أستقلاله، والمشكلة الحقيقية التي تجابه دولاب العدالة في السودان أن الذي يجلس على رأس ادارة القضاء هو السيد/ جلال الدين محمد عثمان (يقال له في أوساط القضاء أختصاراً "شيخ جلال")، وهوشيخ بحق وحقيق، يصلح أماماً لمسجد أو مأذوناً للزيجات، ولكنه لا يصلح لأدارة القضاء بأي حال، وليس في ذلك تجنياً على الرجل، فبحكم دراسته وخلفيته العلمية والعملية (شيخ جلال قاضي أحوال شخصية "قاضي شرعي" درس علوم الفقه والشريعة بجامعة الخرطوم، وهو قسم بكلية القانون لا تدرس فيه علوم الدستور وغيره من فروع القوانين المدنية الأخرى كالقانون الجنائي والمدني والجنائي... الخ، وهو قسم يعمل على تأهيل الدارسين للعمل في مجال قوانين الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث..الخ) ، وفي السابق كان القضاء الشرعي قائماً بذاته عن القسم المدني، ويرأسه ما كان يطلق عليه قاضي القضاة، وحتى عام 1983، كان يتعين على القاضي الشرعي الذي يرغب في التحول للقسم المدني أن يجتاز أمتحان تنظيم مهنة القانون (المعادلة) قبل أن يتحقق له ذلك، ثم يخضع لفترة تدريب للتعرف على العمل بالمحاكم المدنية.
كان لا بد من هذه المقدمة للوقوف على خلفية وتجربة من يجلس على رئاسة القضاء لكل هذه السنوات في عهد الأنقاذ، فقد عمل "شيخ جلال" كقاض شرعي لفترة محدودة بمحاكم السودان أن قبل أن يهاجر للعمل كقاض لبلدية أبوظبي (للأستزادة يمكن مراجعة السيرة الذاتية المنشورة بموقع السلطة القضائية بشبكة الأنترنت)، ومثل هذه الخلفية العلمية والعملية لا تؤهل صاحبها للتفريق في نظرية الفصل بين السلطات كأساس لأستقلال القضاء وبين وفصول السنة الأربعة، فالقاضي الشرعي، رغم أهمية دوره في الحياة، لا تتقاطع طبيعة عمله مع بقية سلطات الدولة (التنفيذية والتشريعية) كشأن زميله بالقضاء المدني، وليس في ذلك من مذمة للأول أو ميزة للثاني، فالقاضي المدني تقتضي طبيعة عمله أن يصطدم بجهاز الدولة التنفيذي، ويحدث ذلك حين يقضي بالحق في مواجهة الحكومة كأن يُبطل القرارات الأدارية أو ينزل العقوبة بأفرادها أو التصدي لقضايا الفساد الحكومي ... الخ، كما يجابه - القاضي المدني – السلطة التشريعية "البرلمان" حين يقضي بعدم دستورية ما يصدر عن البرلمان من قوانين (قبل الأنقاذ كانت هناك دائرة دستورية بالمحكمة العليا يقودها بكفاءة وأقتدار العالم الجليل هنري رياض سكلا).
لعل فيما ورد من أمثلة ما يفسر انصراف رئيس القضاء الحالي عن دوره الأساسي كرئيس للمحكمة العليا بحكم منصبه في أرساء السوابق القضائية وصناعة القانون لينهمك في ادارة الشئون المالية وتشييد الدور والمباني وتبادل الزيارات الخارجية والأنصراف نحو متابعة تنقلات القضاة والأحسان للمقربين والمطيعين والبطش والتنكيل بالخارجين عن طوعه، وذلك بخلاف رؤساء القضاء السابقين ونوابهم الذين عُرفوا بأسهاماتهم الغنية في مجال صناعة القانون وارساء السوابق القضائية مثل ابورنات وخلف الله الرشيد وصلاح الدين شبيكة ودفع الله الرضي وعمر البخيت العوض.
في مثل هذه الظروف، كان لا بد أن يختل ميزان التعريف بماهية ومفهوم أستقلال القضاء، ومن نتائج ذلك أن المشكلة لم تعد في وجود ما يجرح في أستقلال القضاء، بل في عدم تمييز القضاء لما يمكن أن ينال من أستقلاله، فوافقت أدارة القضاء على أنشاء محاكم لجباية الديون الحكومية وديون الشركات التجارية (محكمة سوداتل ومحاكم رسوم البلدية) وتتولى مصروفاتها المالية، ومن ذلك أيضاً قبول رئيس القضاء لتعيينه كعضو للهيئة الرقابية لبنك تجاري "بنك الشمال" ومن فرط عدم أدراكه لمغبة فعله أورد ذلك ضمن سيرته الذاتية التي اشرنا اليها، وينطبق ذلك أيضاً على قبوله عضوية هيئة علماء السودان،وأنشاء القضاء لمنسقية للدفاع الشعبي لتدريب القضاة ومشاركتهم في القتال ضمن قوات الدفاع الشعبي.
أذا كان هذا حال أهل القضاء، فمن الطبيعي أن يكون مفهوم حكومة الأنقاذ مختلاً هو الآخر، وقد تيسر لنا الوقوف على مقدار هذا الخلل خلال الأسابيع الماضية بما يمكن وصفه بالفضيحة الأممية، فالأنقاذ لم تكن تدري حجم الخطأ ، حين (أعلنت) بأنها قامت بأستدعاء السفير الكيني للأحتجاج على الحكم الذي اصدرته أحدى المحاكم الكينية بألزام الحكومة - وفق القانون - بالقاء القبض على الرئيس البشير حال دخوله الأراضي الكينية، ولم تجد حكومتنا حرجاً في الأعلان عن طلبها من الحكومة الكينية العمل على (الغاء) القرار، ومثل هذا الفهم للدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة الكينية حيال قرارات قضائية يكشف عمٌا كان يمكن لحكومتنا أن تفعله بقضائها أذا كانت مرٌ بها موقف مشابه وقدم لها طلب من حكومة أجنبية، فحسب فهم أهل حكم الأنقاذ، فان القرارات القضائية تقع ضمن سيطرة الجهاز الحكومي للدولة التي يمكنها الغائه بمجرد طلب من الرئيس البشير عبر العبيد مروح، ويأتي الدرس من المحكمة العليا الكينية التي قامت بتأييد الحكم الأبتدائي بالقبض على الرئيس لأعتبارت قانونية دون التفات لما تقول به أروقة أهل الحكم في كينيا.
قبل أن نختم هذا الحديث في المواجع، لا بد لنا من التعرض لوقائع أخرى سبق لنا أيضاً الأشارة لها في مناسبة سابقة، وهي توضح الجانب الآخر من حالة الأستغراق في حالة عدم القدرة على كشف مواطن الفشل بما يثير الضحك، حدث ذلك عند قيام رئيس القضاء الحالي بفتح بلاغ جنائي ضد رسام الكاريكاتير المعروف سامي المك بسبب نشرع لرسم بصحيفة الوطن اليومية أعتبره رئيس القضاء يشكل أمتهاناً لهيبة القضاء، فيما بعد، وقبل بداية المحاكمة، توصل المك ورئيس القضاء الى تسوية تنازل بموجبها الأخير عن البلاغ في مقابل نشر أعتذار من المك، بيد أن الذي حدث أن الأعتذار تضمن قدحاً في القضاء بأكثر مما أساء له رسم الكاريكاتير دون أن يفطن لذلك من صدر في حقه الاعتذار، أذ يقول الآعتذار بالحرف: " بما أن الأستاذ سامي المك يعيش منذ عقدين ببريطانيا ويعود للسودان في بعض الأجازات والمهام الأسرية، فأن (تشبعه) بروح العمل الأعلامي والصحفي في بريطانيا يجعل ريشته المبدعة تفلت (سودانياً) أحياناً ولا تقيس الأمور بمقياس سوداني عظيم عظمة ومكانة القضاء السوداني". ولعلها هي العظمة التي يسعى الحزب الأتحادي الديمقراطي لمشاركتها مع حكومة الأنقاذ، فهي عظمة مافي (زول) بشبها ، فيا له من قضاء أصابنا فليصبرنا الله على قدرنا!!.
[email protected]
---------------------
لا تخشوا الشعب ولكن اخشوا الله فيه.. كل من يعيش في هذه البلاد تأكد له أن اقتصادها قد انهار، إلا الحكومة..!ا د.سعاد ابراهيم عيسي
الحكومة لديها حساسية مفرطة تجاه سماع الحقائق التي لا ترغب في سماعها. فما من أحد يعيش في هذه البلاد إلا وتأكد له أن اقتصادها قد انهار، إلا الحكومة التي قادت لذلك الانهيار. فقد ظلت هي الوحيدة التي تنكر تلك الحقيقة، بل وتحرم على الآخرين ممن يعيشونها ارتفاعاً في أسعار كل السلع، واختفاءً لبعضها، ثم انخفاضاً في قيمة عملتهم السودانية مقابل الدولار الأمريكي، وأخيراً محاصرتهم بمختلف الجبايات التي تزيد من فقرهم فقراً، وبعد كل ذلك تحرم عليهم الإفصاح عن حال الاقتصاد الذى يعيشونه واقعاً. أما وقد شهد شاهد من أهلها، أي ا?حكومة، بعد أن تكرمت الأستاذة الكريمة والمربية الفاضلة عائشة الغبشاوى، التي لا يتطرق إلى صدقها وشفافيتها بل وولائها أدنى شك، فأعلنت أن الاقتصاد قد انهار، فلا مجال لقائل بعد اليوم بأن انهيار الاقتصاد من بنات أفكار الحالمين أعداء النظام. فالكل يعلم أن الاعتراف بالخلل بداية الطريق إلى معالجته. هذا بجانب تذكيرها للقائمين على الأمر بأن الحكم بشرع الله، لا يمكن الحديث عنه في ظل يتجاهل أهم أركانه الذي يمثله العدل بين الناس. وضربت سيادتها مثلا بحالة المناصير وقضيتهم العادلة التي ظلت تتجاهلها الحكومة بصورة تدعو للده?ة، فقد دخل اعتصام هؤلاء المواطنين وبقاؤهم في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وفى هذا البرد القارس، شهره الثاني، بينما ولاة الأمر والحاكمين بشرع الله ينعمون بالحياة في دفء منازلهم الفاخرة، وبين أسرهم وذويهم، ودون أن يكلفوا أنفسهم مجرد زيارة هؤلاء المواطنين لتطييب خاطرهم إن عزَّت الاستجابة لمطالبهم العادلة، حتى تحرك بعض شباب المناصير وخرجوا للشارع الذى تخشاه السلطة، حينها فقط تحرك القائمون على الأمر في اتجاه معالجة المشكلة.
واتفق مع الأستاذة عائشة الغبشاوى في أهمية مساهمة المواطنين في دعم الميزانية، واقترحت فتح صندوق خاص بذلك الدعم، تساهم فيه كل قطاعات الشعب، لكنني اختلف معها في إمكانية مساهمة كل قطاعات الشعب في ذلك الأمر، لأن غالبية هذا الشعب في حاجة ماسة هو ذاته إلى صندوق لدعم ميزانيته العاجزة دوماً، والقاصرة عن مقابلة أقل القليل من احتياجاته الحياتية. ولكني أرى ان تقوم بذلك الدعم مجموعات الرأسمالية الجديدة، الذين امتصوا رحيق اقتصاد السودان وتسببوا في انهياره، ومن بعد شيدوا على أنقاضه اقتصادهم الخاص، فهم أولى برد بعض مما اغ?صبوه من أموال الشعب لأجل من اغتصب منهم.
رئيس المجلس الوطني ولتأكيد عدم اهتمامهم أو اعتبارهم للمواطنين، أعلن سيادته بأنهم لا يخشون الشعب، ولكنهم يخشون الله، ولا يفعلون إلا ما يرضي الله، بل أكد أنهم سيفعلون ما يرضي الله حتى إن كان في ذلك ما يغضب الشعب. ونتفق مع سيادته في أن الحكم بما يرضي الله يجب أن يكون هو أساس الحكم، ولعل سيادته يعلم بأنه لا يرضي الله شيئاً أكثر من العدل في الحكم، ولا يغضب الله إلا ظلم عباده، فأين رضاء الله في قضية المفصولين للصالح العام، التي ظلت حالة الظلم فيها ممتدة سنين عدداً جاوزت العقدين من الزمان، دون أن تجد طريقاً للحسم?العادل الذى يعطي كل ذي حق حقه. فهؤلاء مواطنون تسببت حكومة المشروع الحضاري في القضاء على استقرارهم وأمنهم دون سابق إنذار، فقطعت أرزاقهم بعد أن حرمتهم من حقهم في أعمالهم، ومنهم من أفنى زهرة عمره فيها، لا لشيء إلا لخشية منهم، وبوهم عدائهم لنظامها الجديد، وإمكانية إقدامهم على خلخلة أقدامها من قاعدة الحكم، فسارعت هي بخلخلة أقدام مئات وربما آلاف الأسر، اقتصادياً واجتماعياً، بعد أن قذفت بعائليها خارج مواقع عملهم ومن بعد أغلقت في وجوههم كل منافذ ومصادر الرزق، فدفعت بالكثير منهم لمغادرة البلاد بحثاً عن مصادر رزق ضا?ت عليهم ببلادهم، وتشاهدون من تسببوا في حرمانهم من حقهم في حياة كريمة، يستأثرون بما ليس لهم فيه حق، ففي هذه الجريمة الكبرى أكبر دليل على عدم خوف السلطة من الشعب الذى بلغ بها حدا أنساها خشية الله.
طبعاً تابع الجميع مشكلة موازنة عام 2012م التي تم عرضها على المجلس الوطني أخيراً. حيث أعلنت قيادة المجلس أنها لا تخشى الشعب الذى تتبوأ موقعها هذا من أجل أن ترعى حقوقه وتقف معها، ولا نقول بأن تفعل ذلك على حساب خشية الله، الذى أكدت أنها إذا رأت أن ترضي الله ولو على حساب غضب الشعب فإنها ستفضل رضاء الله، ونحن معها، ولكن أن تفعل ذلك مع عدم خشية الحكومة التي تنتمي إليها، والتي كثيرا ما يتم التعامل مع إرضائها مهما أغضب ذلك الشعب المسكين. كما لاحظ الجميع المجاهدات التي قادها وزير المالية من أجل رتق فتوق الميزانية ا?تي كلما حاول سدها من جانب اتسع قدها من جانب آخر. وقطعاً لا ننكر جهد بعض أعضاء المجلس الوطني خاصة النساء، اللائي ضربن أروع مثل في الوقوف بجانب الحق، حتى إن أغضب السلطة. ثم بحثهن عن كل الطرق والوسائل التي تحمى ظهر المواطن من تحمل المزيد من أعباء نفقات علاج الموازنة، التي لم يشارك من بعيد أو قريب في اعتلالها. فقد ظل المواطنون الملجأ الوحيد والأسهل، الذى يلتجئ إليه المسؤولون كلما سدت في وجوههم كل الطرق الأخرى.
السيد وزير المالية بدأ معالجاته لأمراض الميزانية وعجزها، بمحاولة رفع الدعم عن البنزين الذي بشر المواطنين به من قبل، ولما كان ذلك الفعل سيقود إلى زيادة أسعار سلع أخرى، وفى ظل ثبات المرتبات على بؤسها القديم، كان لا بد أن ترتفع أصوات أعضاء البرلمان برفض ذلك الأمر، وقد خلصت المناقشات إلى أن يترك رفع الدعم حالياً، على أن يتم ذلك لاحقاً وتدريجياً. وبمعنى آجر قد تم إقرار المبدأ وتأجل التنفيذ. ونراهن على أن التنفيذ قطعاً سيتم، بالتقسيط كان أو في جرعة واحدة، ولكن دون أن يُخطر به المواطن، إلا عندما يذهب لشراء ما اعت?د على شرائه من البنزين، فيكتشف أن الكمية التي كان يحصل عليها بذات القيمة لم تعد هي ذاتها، بل انخفضت بمقدار ما تفرضه الزيادة. هذا وقد بشرتنا الميزانية وكالعادة بألا زيادة فيها بالنسبة للضرائب ولا الجمارك أو رسوم الخدمات، ولكن أضيف لكل ذلك، وبين قوسين «السلع الأساسية» الأمر الذى يعنى أن الزيادة على كل السلع غير الأساسية التي لا ندرى ما هي، تصبح ممكنة.
أما المعالجة الأساسية التي ظلت تتغنى بها الحكومة منذ أن اتجهت عائدات النفط جنوباً ولاحت بوادر الانهيار الاقتصادي، هي قصة خفض الإنفاق الحكومي. لكن يبدو أن تلك المعالجة قد تبخرت بين عشية وضحاها. وبالطبع لن يكون لائقاً ولا مقبولاً أن تستمر الحكومة في ذات بحبوحتها وبذخها القديم، وفى ذات الوقت تطلب من المواطنين بكل فقرهم وبؤسهم، أن يعملوا على مساندتها ومساعدتها في ملاقاة أطراف ميزانيتها العاجزة. فرفعت شعار خفض الإنفاق الحكومي الذى يتطلب بداية، سد جميع منافذ الفساد، الذى قضى على أخضر ويابس الاقتصاد حتى أرداه قتي?اً، والذي لن يتأتى إلا بتفعيل كل القوانين الحامية والحافظة للمال العام، ومن بعد الالتزام الصارم بتطبيقها. كما أن خفض الإنفاق الحكومي يتطلب من جانب آخر القيام بأمرين ظلت تلوح بهما الحكومة دون أن تقدم على تنفيذهما، ويمثلهما أولاً تقليص عدد الوزارات وإلغاء تلك التي فصلت تفصيلاً من أجل إرضاء زيد أو عمر من قيادات الإنقاذ، التي لا يجوز ان تخرج من موقع دستوري قبل أن يُهيأ لها بديل، ومن ثم يقود ذلك التقليص إلى خفض أعداد الجيوش الجرارة من الدستوريين، العامل منهم والعاطل. والأمر الثاني والأهم هو تخفيض مخصصات بقية ا?دستوريين الذين سيمثلون العدد الواقعي والمطلوب لقيادة الجهاز التنفيذي ودون فائض عمالة دستورية.
فبالنسبة للمدخل الأول لخفض الإنفاق الحكومى الذي يتطلب سد كل منافذ الفساد، فقد أعلنت الحكومة ومن تلقاء نفسها، أنها بصدد التخلص من كل الشركات والمؤسسات التابعة لها، والتي لم نعلم عددها ولا مهامها ولا عائدات أنشطتها. فتم الإعلان عن بعضها وعرضها للبيع، ثم توقف الجميع عن الحديث حولها تماما. واليوم واقتصاد البلاد يترنح تحت وطأة عجزه عن الإيفاء بالتزاماته المختلفة، يتجدد الحديث عن تلك المؤسسات الحكومية، لا من أجل متابعة التخلص منها ووقف سيل الحديث عن فسادها، خاصة عدم خضوعها للمراجعة العامة التي تعمل على كشف ذلك ا?فساد. ولكن من أجل الدعوة لإنشاء شركات أخرى جديدة، وطبعاً لمعرفة الداعين لهذا الأمر بحجم ومستوى عائداتها وفوائدها، أما قصة الفساد من حيث هو، وكيفية محاربته فإنها أصبحت مثل «حجوة أم ضبيبينة» لا جدوى من ترديدها.
فالحكومة فشلت تماماً في تحقيق أي من المطلبين الخاصين بخفض إنفاقها. فهي قد أمعنت في التوسع في خلق المواقع الدستورية لتشمل كل القادمين بجانب الإبقاء على القدامى. فمازالت التعيينات الدستورية تنهمر على المؤسسات المختلفة، حتى يومنا هذا. فضرورة الموازنات والترضيات التي مازالت معتمدة، تتطلب ضرورة إرضاء الجميع، وعلى حساب الوطن والمواطن المطالب بتوفير كل مستلزماتها، وعلى رأسها مختلف مخصصات المستفيدين منها. أما المطلب الثاني الخاص بخفض الإنفاق الحكومي والمتمثل في خفض مخصصات الدستوريين، فقد استبسلت العضو عواطف الجعلى?في التمسك بتحقيقه عبر إصرارها على المطالبة بمراجعة قانونه قبل إجازة الميزانية، وهو الوقت والطرف الأنسب لتحقيق ذلك الهدف. لكن السيد رئيس المجلس الذى لا يخشى الشعب، هزم ذلك المطلب المطلوب، بحجة أن الأمر يتطلب تشاوراً مع رئاسة الجمهورية. فلو علم أن أمر مراجعة ذلك القانون قد تمت محاولته أكثر من مرة، ولم تنجح، يكشف ذلك عن عدم رغبة الحكومة في ذلك التخفيض فعلاً، وإلا لماذا لم يتم التشاور حوله مع رئاسة الجمهورية قبل عرض الميزانية؟ المؤسف أن ذات أعضاء البرلمان الآخرين، «دون النساء اللائي اثبتن جدارتهن كأعضاء بالبرل?ان يخشين الشعب قبل خشيتهن للحكومة» قد خضعوا أخيرا لرأى رئيسهم فأجازوا الميزانية، وابقوا على مخصصات الدستوريين كما كانت، ولم لا فلهم في ذلك نصيب.
وقد جاء من بين معالجات عجز الميزانية، الحديث عن اقتطاع جزء من المبلغ المخصص لدعم منظمات المجتمع المدني، قدره 26 مليوناً من الجنيهات، بالجديد طبعاً، ليتم تخصيصه لقطاع الصحة. ونحمد الله أن وجدت الصحة حظاً من اهتمام الحكومة أخيراً، ونرجو ان يتبعه ذات الاهتمام بالنسبة للتعليم. والغريب في هذا الأمر يبدو أن هنالك أموالاً طائلة تخصص لمنظمات المجتمع المدني من جانب الدولة، ما دام الذى اقتطع منها بمثل ذلك الحجم، وما أدهشنا حقا إننا ظللنا نعمل في مجال تلك المنظمات ولأربعة عشرة عاماً، ولم نسمع يوما بأن هنالك دعماً يقد? لمنظمات المجتمع المدني، حتى تستفيد منه تلك المنظمات دون تمييز بينها. لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك، ما دامت العديد من المنظمات على غير علم به، الأمر الذى يعني استمرار ممارسة التمييز بسبب الولاء للحزب أو السلطة، فيتم تقديم الدعم للمنظمات التابعة لها أو المنضوية تحت لوائها، مع إغفال تام لغيرها. أما وقد كشفت الميزانية الأخيرة عن ذلك الدعم، فلماذا لا تكشف للجميع جملة المبلغ الذى ظلت تخصصه لتلك المنظمات، ثم الأسس التي بموجبها يتم الدعم لأية منظمة، وإن كان التصرف في تلك الأموال خاضعاً للمراجعة القانونية، أم سائباً?يعلم السرقة؟ وهنا أيضا نطالب بخشية الله فقط.
الصحافة 28/12/2011
------------------
د.صديق تاور كافي
شئ من حتي مشاركة.. أم محاصصة وإحتواء؟!
٭ لا يمكن قراءة فكرة الحكومة العريضة وتوسيع قاعدة الحكم ودعوة الآخرين للمشاركة، خارج اطار مفهوم جماعة الانقاذ لفكرة السلطة نفسها، فعلى الرغم من ان هؤلاء قد بدأوا عهدهم بالشعار المعروف (هى لله.. لا للسلطة ولا للجاه)، إلا ان الممارسة العملية لهم في الحكم خلال ما يزيد على العقدين من الزمان، كلها كانت تفيد العكس تماماً. ومنذ البداية كان شعار (التمكين) الشهير يقوم أساساً على فكرة تغلغل أعضاء التنظيم في المفاصيل الحيوية والحساسة للدولة في كل مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية. وقد تطلب ذلك ابتداءاً الدوس على?المؤسسية واللوائح والقوانين والاعراف وكل تقاليد العمل واخلاقيات المهنة، عن طريق ثلاثة مداخل اساسية: أولها الفصل التعسفي تحت لافتة الإحالة للصالح العام الذي لم يكن غير صالح خاص للجماعة والمحاسيب، وثانيها التحكم في سياسات التوظيف واللجان الخاصة به على مختلف المستويات حتى صار الحزب هو البوابة المشرعة والسكة السالكة نحو الحصول على وظيفة في الدولة، والاخير صياغة وتفصيل القوانين واللوائح بما يسمح بالتصرف وفق هوى الاشخاص وليس المؤسسات، وبالتالي صارت الجماعة تعز من تشاء وتزل من تشاء. هكذا اصبح الوزير ووزير الدولة ?وكيل الوزارة أو أمينها العام، ومستشارو الوزير ورؤساء الوحدات وأعضاء اللجان والسكرتاريا والحرس هم جماعة الحزب الحاكم ومحاسيبهم فقط واختفت قياسات المهنية والكفاءة والعطاء والقدرة على خدمة الناس، في مقابل قياسات الاستنفاع والمصلحة الخاصة والقرابة والقبلية والجهوية وما الى ذلك. ومن الطبيعي ان تنتهي هذه الممارسة بمرور الزمن الى إنهيار كامل للخدمة العامة وانتشار للفساد والمحسوبية بعد أن تغلغل منسوبو حزب السلطة، وتمددوا بصورة سرطانية في مؤسسات الدولة وأجهزتها. ولا يحتاج ذلك الى كثير عناء لملاحظته أو إثباته، ولكنه?يحتاج جهوداً جبارة وإرادة قوية لاستئصاله والتخلص منه كورم سرطاني مدمِّر. ٭ الانغماس الزائد في السلطة وملذاتها، كان يتم تحت عناوين الجهاد في سبيل الله، وتمكين شرع الله، والقوى الامين، والمشروع الحضاري.. الخ الخ. ولكن أبجديات الاسلام هذا الدين الحنيف التي لم يقرؤها هؤلاء تقول بأن الجهاد الاكبر هو جهاد النفس بكبحها من المفاسد والظلم وأكل حق العباد بالباطل، وسوء إستغلال السلطة والنفوذ وشرع الله يقوم على ركائز العدل والخير والحرية ومخافة الله في عباده، والامانة والصدق وعفة اليد واللسان. فلم يألف الصحابة الأجلاء والمسلمون الاوائل حملة الرسالة وناشروها، لم يألفوا حياة البذخ والدعة، أو?العيش في القصور والعمارات السوامق والڤلل، وأحواض السباحة التي يُحرم من أجلها عامة الناس من ماء الشرب، ولم يألفوا حياة التخمة والنعيم على حساب عامة الناس، ولم يسوسوا الناس بالقهر والقمع. لقد ألِف هؤلاء حياة البساطة والكسب الحلال، والعيش المتواضع، والزهد عن المفاتن والبعد عن أكل السحت. ولو أن هؤلاء قد جاءوا اليوم لما إختاروا العيش في قصور دعاة التوجه الحضاري، ولا إمتطوا فارهات الاساطيل ولا إستطابوا طعامهم، وإنما سوف يختارون حياة عامة الشعب، حياة الكدح والصبر والرزق الحلال والكسب الشريف مخافة يوم لا تنفع فيه ?زارة ولا عمارة ولا معتقلات ولا حاشية، يوم ينفع فيه العمل الصالح فقط لا غير.
٭ لقد كانت مفاصلة العام 9991م تجربة قاسية وكافية كيما يصحو جماعة الانقاذ من غفوتهم وإنغماسهم حتى الاذنين في مفاتن السلطة وبهرجها. فقد أدى صراع المصالح والنفوذ الى ذلك الانقسام الشرخ في البنيان الانقاذي ما بين (القصر) و(المنشية) ولكن الذي حدث هو أن الفراغ الذي أحدثه خروج نصف التنظيم بخروج الشيخ نفسه، قد إستعاض عنه فريق القصر بذوي الاستعداد للتعايش مع الحالة الانقاذية بكل بلاويها من طالبي السلطة والوزارات والمنافع الخاصة، واصبح حزب المؤتمر الوطني هو مدخل أى شخص لمراكز السلطة والمال والجاه. هكذا نشأت طبقة جدي?ة من رأسمالية السلطة في السودان، الذين وجدوا طريقهم للثراء الفاحش في أزمان قياسية من خلال تبوؤ المناصب الرسمية في الدولة، أو من خلال حماية السلطة لانشطتهم الخاصة، تحت عنوان الاستثمار والبزنس.
٭ هذه الخلفية ضرورية لفهم التشوهات التي حصلت في المفاهيم والقيم ذات الصلة بالعمل العام، حتى اصبحت هناك ثقافة جديدة غريبة على ثقافة التضحية والاخلاص والتفاني والوطنية. لقد صارت الوزارة أو الموقع الدستوري في الدولة أو المواقع التنفيذية الحساسة، هى مجال للمساومات والمجاملات والترضيات على أسس الولاء الحزبي لحزب المؤتمر الوطني والمرجعية القبلية أو الجهوية، أو الطائفية وبدلاً من أن يتراجع تأثير الولاءات اللاموضوعية السياسي والاجتماعي، صارت هذه الولاءات هى المعيار الاعلى والاوحد لتقديم هذا الشخص أو ذاك للموقع ال?عني. ولم يعد الانتهازيون من النخب القبائلية يتحرجون من إعتبار الموقع الذي يوكل الى أحد منسوبيها موقعاً للقبلية والحاشية ومن ثم اصبحت فكرة المشاركة في السلطة مطابقة لفكرة المحاصصة وإقتسام المغانم ليس اكثر أو أقل.
٭ فكرة توسيع المشاركة التي طرحها الحزب الحاكم ليست هى رغبة اصيلة، نابعة من توجهات صادقة لدى قيادة الحزب، بقدرما هى مساعي إستباقية أو تحوطية لمواجهة موجة الربيع العربي القادمة على الساحة السودانية. فالروح الإقصائية والانفرادية المتأصلة لدى جماعة الانقاذ قد افصحت عن نفسها بشكل صارخ جداً في انتخابات ابريل 0102 حين اصر هؤلاء على إخراج العملية برمتها بدءاً من قانونها ولجانها وإدارتها والتحكم في نتائجها، بما يضمن لهم الإستمرار بذات النهج السيء. يمكن ملاحظة ذلك في شكل المجلس الوطني والمجالس التشريعية التي يسيطر ع?يها حزب واحد بأكثر من 08%، الشيء الذي لم يحدث في أى انتخابات سودانية أو غير سودانية، اللهم إلا عند هؤلاء ولان النتيجة كانت فضيحة لا يمكن مداراتها، فقد سعى الجماعة الى تغطية عورتهم بالدعوة للحكومة العريضة التي قيل إنها حكومة بذات البرنامج الذي (فاز؟!!) به حزب المؤتمر الوطني في الانتخاباب.
فلو كانت النية صادقة فعلاً في إشراك الآخرين في إدارة البلد، لكان الاسهل والاوفى إجراء انتخابات شفافة في مناخ ديمقراطي حقيقي، وبما أن شيئاً من هذا لم يحدث، فإن ما يطلقه جماعة الحزب الحاكم لا يعدو كونه تغبيشاً للرؤية في عيون الناس الذين منحهم الله سبحانه وتعالى البصر والبصيرة. ويبقى السؤال المركزي هنا هو، ما الذي تغير في نهج وسلوك الجماعة حتى يستدعي التنازل عن المواقف ومسايرتهم فيما هم فيه منغمسون؟ لم يتغير شيء حقيقة لا في القوانين ولا في التعامل مع مؤسسات الدولة وتوظيفها لصالح شريحة الحكام، ولا في السياسات ?لاقتصادية ولا في النظر لدور الآخرين بإحترام. الطريقة التي ارادها المؤتمر الوطني لمشاركة الآخرين هى ليست مشاركة وإنما محاصصة من نوع شراء الصمت بالمناصب على حساب الشعب وعرقه وكده ( أنظر ما يتحصله جيش دستوريي الانقاذ وتنفيذييهم من الخزينة العامة للدولة في مقابل الحد الادنى للأجور لعامة المواطنين). المشاركة في مفهوم الحزب الحاكم هى شراء مواقف وإحتواء، لأن المواقع في فقه هذا الحزب هى منفعة شخصية لمن يشغلها ولذلك فهم لا مانع لديهم من الصراع والاصطراع حولها بلا قيود أو وازع.
٭ وما أقدمت عليه قيادة الاتحادي (الأصل) من (مشاركة؟!) شكلية لا يخرج عن كونه محاصصة ومساومة على ذات النسق الذي اوردناه، ويعني أن هذه القيادة على الرغم من تعليقها لهذه المشاركة الباهتة على شماعة القضايا الوطنية، إلا أنها ليست حريصة على مباديء او جماهير، وإنما على مصالحها فقط. ومن حق أى مواطن ان يتساءل عن المعيار الذي أُختير به نجل الزعيم والذي لا يعرف جغرافية الازمات في السودان، وأغلب حياته خارج السودان، وما امضاه فيه من سنوات في برج عاجي بعيد تماماً عن أهل السودان، وما الذي يُنتظر من هكذا شخص ان يقدمه من مس?عدة لحزبه ناهيك عن رئاسة الجمهورية، وماذا تنتظر الاخيرة منه أصلاً؟ ولا يختلف الحال كثيراً عن نجل المهدي الذي أُختير بمعايير لا يدري أحد ما هى إن لم تكن صفة كونه نجل المهدي.
نقول من حق أى مواطن ان يتساءل عن معايير إختيار هذا وذاك والآخرين، لأنهم يُنفق عليهم من عرق الشعب وعلى حساب قوت يومه ودواء أطفاله وتعليم أبنائه، فالأحق بما يُنفق على هؤلاء هم أولئك الذين يموتون بالسُل والجوع في شرق السودان، وسكان المعسكرات في دارفور ونازحو الحرب في جبال النوبة والنيل الازرق، والذي يعانون العطش في كردفان، والمعاشيون الذين ينتظرون طويلاً لاجل استحقاقاتهم الفتات وفقراء مدن الصفيح في العاصمة والاقاليم وغيرهم وغيرهم.
الصحافة نشر بتاريخ 27-12-2011
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
تسريبات ويكيليكس تفضح المصطفين الأخيار في السودان !! السبت, 19 نوفمبر 2011 00:47
- بارود صندل .بارود صندل
إن الفضائح التي تم تسريبها عبر موقع ويكيليكس لوسائل الإعلام من الصعب نفي محتواها كلية وأن ما نقلته البرقيات الأمريكية من أقوال مسؤولين أقل ما يقال فيها أنها مخازٍ مثيرة للاشمئزاز ولا تليق أن تصدر حتى من مجرد دبلوماسي صغير يحترم نفسه، وفي السودان لنا نصيب وافر من هذه التسريبات حيث انكشفت حقيقة الوجوه البائسة التي تدعي الدفاع عن الإسلام والبلاد.
كنا ندرك أن المجموعة التي خانت أمانة التكليف وفارقت الحركة الاسلامية قد سلبت الشعب حرية ممارسة حقه في تقرير سياسته ونهجه، فالذين نصبوا كمسؤولين كانوا أساساً أشخاصاً لا يمتلكون أهلية اتخاذ قرار باسم الشعب وكانت النتيجة ومنذ المفاصلة المشهودة رضوخ هؤلاء للقوى الأجنبية فالدعم الشعبي ينتج عنه دائماً سياسة مستقرة ومستقلة وبفقدان هذا الدعم تلجأ السياسة الخارجية إلى الإعتماد على دعم أجنبي، وقد بحث النظام بعد فقدانه دعم جماعته عمن يعتمد عليه ويحتمي به من أجل ضمان بقائه , وقد تصور النظام أن بإمكانه خداع الجميع والتظاهر بأنه يسير على خط الإسلام الحقيقي ويعمل لمصلحة العباد والبلاد و لكن الله سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل فقد انكشفت عوراتهم بصورة فاقت أي تصور أو ظن , فقد كنا نعلم كثيراً مما يقولون ويفعلون من سوء الإدارة والفساد في البلاد والعنصرية ولكن أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة من السقوط ما كان متصوراً !! من قادة النظام الذين يظهرون دائما أنهم حامي حمى الإسلام ضد الإستكبار العالمي وأن الله سبحانه وتعالى اصطفاهم من دون بقية عباده لإقامة العدالة ليس في السودان فحسب بل في العالم وأن عدوهم الأول هي أمريكا التي دنا عذابها فإذا بهؤلاء يرتمون في أحضان الاستكبار العالمي بصورة مهينة ويبثون عندها نجواهم وشكواهم واتخذوهم اولياء يستجيرون بامريكا عبر صغار موظفيها ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم!! . لاتستثنى أحد من قادة النظام من هذه المخازي فقد سقط الجميع ولك أن تعلم أيها الشعب لماذا لم تكن أمريكا ترغب أبداً بأن يتعرض نظام مطيع لها منفذ لسياساتها للسقوط ...
فلنبدأ بسعادة مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين ، عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني , رئيس كتلة المؤتمر الوطني بالمجلس الوطني ومسؤول من ملفين (إدارة حوار مع أمريكا) وملف ( حل مشكلة دارفور سابقاً) رجل بهذه القامة وبهذه المسؤوليات، بجانب أنه يوصف بأنه كاتب ومثقف ومفكر عميق الثقافة واسع الإطلاع ويتصف باللباقة والرصانة ودقة العبارة , وكان قد وضع نفسه بديلا للشيخ حسن الترابي كمفكر للمؤتمر الوطني وعالم إسلامي لا نظير له فقد تلبسته الاوهام ووسوست له بانه فريد زمانه ووحيد عصره، فبدأ يتظاهر بانه عديم النظير حتى ظن الكثيرون أنه من خيار المؤتمر الوطني علما وعزة فحظي بشئ من الإحترام، والآن وبعد التسريبات الفضيحة قدر الله أن يعلم الجميع من أهل السودان وخاصة شباب الحركة الإسلامية الذين خدعوا من المجموعة الحاكمة أي نوع من القادة هؤلاء فقد سقط القناع بعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسر العمل الإسلامي في هذه البلاد فقد تم تدمير كل القيم و المثل التي عملت الحركة الإسلامية طوال نصف قرن في بثها في الحياة العامة أحياءاً لنظام إسلامي مغاير لما عليه العالم اليوم ولكن هؤلاء الأقزام نقضوا عرى الإسلام عروة من بعد عروة (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ), وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
غازي وفى لقاء له مع مسئول امريكى صغير قال بعضمة لسانه (اننا اقرب ثقافيا لمسيحي إثيوبيا واريتريا أكثر حتى من مسلمي الجنوب ) لك ان تتصور بؤس هذه المقولة من رجل مسئول يتابط ملف التفاوض مع الجنوب ولك ان تدرك اى قادة هؤلاء الذين سعوا للانفصال بكل مااوتوا من جهد ؟؟ وفات عليهم استحالة خداع الجميع ففى الوقت الذى يتحدث فيه النظام عن الوحدة الجاذبة كذبا وبهتانا و خداعا للشعب يقول أمثال غازي ان انفصال الجنوب أفضل للشمال بكثير. أيعقل أن يكون المسيحي الاثيوبى والاريتري اقرب إلى نفسه من الجنوبي المسلم، علما بأن قادة بارزين من الجنوب مسلمين ومسيحيين أعضاء في قيادة حزبه!!ما المبرر والدافع لهذه العلاقة الحميمة مع الإثيوبيين والأريترييين المسيحيين الأمر يدعوا إلى الدهشة والحيرة !!أهل الجنوب الذين شاركونا الوطن أكثر من قرن ونصف وعرفناهم وعرفونا إخوانا لنا في الوطن والدين وبذلنا الكثير في الحركة الإسلامية لنشر الإسلام في الجنوب ثم يأتي غازى ليقول إن المسيحي الأثيوبي والارتيري أقرب له من الجنوبي المسلم في يقيني أن هنالك سبب واحد لهذه المقولة الإثيوبيين والارتيريين أفتح لوناً من الجنوبيين هذا هو أس المشكلة عند هذا المفكر الإسلامي !! ألم يقرأ هذا المثقف مقولة سيدنا علي بن أبي طالب، الناس صنفان إما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق فأخوة الدين هي الأولى ثم تأتي اخوة الإنسانية ,
بحثنا عن أي علاقة لغازي بالأثيوبيين والأريتريين فلم نقف علي شئي سوى العنصرية التي تتلبسهم ولله في خلقه شئون هذه واحدة. والثاني حديث غازي مع الأمريكان في شأن دارفور (وهو الذي يتأبط ملف هذه القضية) وكان واضحا وصريحا في تعليقه على تعيين الشيخ موسى هلال مستشارا بالحكم الاتحادي حين أستفسره الامريكي عن مغزى هذا التعيين فقال (إن هذا التعيين يهدف الي منع توحد العرب والقبائل الافريقية في دارفور ضد الخرطوم ) مما يعني أن النظام سعي الي توظيف سياسة فرق تسد بين الاثنيات المختلفة بدارفور وهذا المستشار ومفكر النظام أقر بهذه السياسة بغرض منع القبائل العربية من التقرب الي القبائل الافريقية فقد كان هذا الامر واضحا منذ اندلاع الاحداث في دارفور فقد سعي الموتمر الوطني الي أزكاء الفتنة في دارفور فقسم قبائل دارفور الي عربية وافريقية (زرقة وعرب ) وسبق ان قلنا أن هذه التسمية خرجت من اضابير أجهزة أمن النظام فأهل دارفور يعرفون بديارهم وقبائلهم ولا يوجد مثل هذا التصنيف حتي دخل الموتمر الوطني علي الخط فاحدث دمارا هائلا في بنية المجتمع الدارفورى التي كانت متماسكة فظهرت الفرقة و الاقتتال القبلي والشقاق فما حكم الأسلام في هذا الامر ؟
والفتنة أشد من القتل , والنظام كان ينافق أهل دارفور بموتمرات الصلح التي ما أنتجت صلحا مع الصرف الذى بذل من مال الشعب ,والسؤال الذى يطرح نفسه ماذا جني النظام من هذه السياسة البائسة التي لا يمكن لنظام عاقل أن يتبعها ضد شعبه! سوى الخراب الذى حل بدارفور قتلا وتشريدا لملايين الناس في ظاهرة غير مسبوقة وما تبع ذلك من تدخل دولي سافر لحماية مواطني دارفور من حكومتهم الاسلامية ياللعار !!وسوف يأتي اليوم الذى يقف فيه هولاء أمام العدالة للقصاص وما ذلك علي الله بعزيز !فيا أهل دارفور قد أستبان صبح الحقيقة الذى كان غائبا عن كثيرين فما نعانيه من الاقتتال والفرقة والشتات مرده سياسات هذا النظام ( أن الأوان أن ننفض أيدينا من هذا النظام ونتبرامنه).
هذا فحسب بل سعى النظام لتكسير همم بعض أعيان القبائل في جنوب دارفور من تنظيم موتمرات صلح شعبية بعيدا عن سيطرة النظام هكذا قال المستشار لمن والى من العلوج هو لا يتحرج أن يقول كل هذا لهذا الامريكي فكلهم يسعون لاسترضاء أمريكا وكسب ودها ما الذى اخرج هولاء من عز الأسلام الي هذا الدرك من الأهانة والذل !!
ظننا أن هذه التسريبات كفيلة بمحاسبة عسيرة للمسؤولين المتورطين فيها ( من يحاسب من) أوأن يقدم بعضهم علي الاستقالة حفاظا علي ماء الوجه ولكن لا حياة لمن تنادى , وأن الحياء من الايمان ولا أيمان للخائن , فقد فقد هؤلاء حتي نعمة الاعتذار و تاخذهم العزة بالاثم , هذا الامر مع خطورته سكتت الحكومة ولم تنبس ببنت شفة كلهم في الهم شرق !أما غازى فقد أبدى عدم أهتمامه بما نسب أليه ولم ينكر حتي ! ففي النكران أعتراف بالذنب وهذه فضيلة قد فارقها هؤلاء والذى يفلق المرارة تطاول هؤلاء الاقزام على علماء الأسلام العظام والسياسيين الشرفاء الذين لا ترهبهم ضغوط الخارج , تذكرون ما قاله غازي في الشيخ حسن الترابي فاين أنت من هذه القمة السامقة التي ينحدر منها السيل ولا يرقي اليها الطير. سوف تتوالى هذه التسريبات ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة وسيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون . -------------------
مصداقية الطيب مصطفي وفضائح ويكيليكس !!
الخميس, 29 سبتمبر 2011 17:53
ا - بارود صندل
.ما أسهل أن ترمى الناس بالتهم جزافا , فقد درج الطيب مصطفي على توزيع التهم يميناً وشمالاً متهما كل المعارضة بالعمالة والارتزاق أما ياسر عرمان فقد نال نصيب الأسد من تلك التهم ومع علمنا التام بعدم صدقية ما يقوله الطيب مصطفى ولكن نفراً غير قليل حسبوا أن الرجل ينطلق من منطلق الحق أحق أن يتبع حين نصب نفسه ناطقا باسم العروبة والإسلام وكم هاجم القادة السياسيون وقال فيهم ما لم يقله مالك في الخمر وقد سخر الرجل صحيفته 0العنصرية) وعلاقته بالرئيس في زرع الفتنة بين أهل السودان وسعي جاهدا لانفصال الجنوب فكان له ما اراد تحت دواعي عنصرية لا تمت إلي مصلحة الإسلام والوطن بشئي ولكن الله سبحانه وتعالي العالم بالسرائر يمتحن الناس ويختبرهم ليعلم العالمين حقيقتهم وإنهم يظهرون غير ما يبطنون وهذا الحالة اشد من الكفر البواح فقد تدثر الكثيرون بالاسلام كذبا ونفاقا لتمرير أجندتهم العنصرية في هذه البلاد فالطيب مصطفي الذي يملك صكوك البراءة و يوزع تهم العمالة للأجنبي والارتزاق وموالاة الكافرين وهو لا يبالي هاهو الآن يلزم الصمت ويصيبه الخرس حيت ظهرت تسريبات ويكيليكس فهذه التسريبات أظهرت وبصورة فاضحة عمالة كثير من قادة النظام للأجنبي وتحديدا للأمريكان حيث اظهروا للأمريكان ما كانوا يبطنون ويظنون أن الأمريكان لا ينقلون فهؤلاء العلوج كانوا يستنسخون كل ما يقوله قادة النظام وقد استنطقوا الجميع فهؤلاء القادة الذين يعتبرهم الطيب مصطفي خيار الناس في السودان إسلاما وأخلاقا وصدقا وأمانة كانوا صغارا إمام صغار موظفي السفارة الأمريكية وإن ما قالوه وطلبوه لا ندري أن كان ينطبق عليه مواصفات العمالة للأجنبي وإزاء هذا الموقف المشين نحن لا نتفهم أسباب صمت الناطق باسم العروبة والإسلام خال رئيس الجمهورية علي تلك الخيانات تعالوا معنا ندلف علي أقوال قادة النظام فالسيد نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية والرجل الرابع في الدولة والثاني في الحزب الحاكم الذي يعتبره الطيب مصطفي من صقور الإنقاذ الحادبين علي مصلحة الإسلام والبلاد وانه فوق الشبهات فهو نسيج وحده هذا الرجل عرفه الناس بالتصريحات النارية وبألفاظه البذيئة وكان يظهر نفسه عدوا للأمريكان فهذا البطل والمجاهد جلس مرتاحا وكان وديا في حضرة المندوب الأمريكي معاتبا الولايات المتحدة بعدم دعوة قادة المؤتمر الوطني لزيارة واشنطون في الوقت الذي تستقبل فيه واشنطون قادة الحركة الشعبية وآخرين سماهم وعبر عن صعوبة فهمه لدوافع معاملة أمريكا للمؤتمر الوطني وأكد للأمريكي بإمكان حكومته التقدم إلي الإمام إذا عرفت الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية وأكد اهتمام حكومته بتحسين العلاقات مع واشنطون وستقوم حكومته بكل الخطوات الضرورية من اجل تحسين العلاقات مبررا ذلك بان لا خيار أخر لهم !! و حتى لا نذهب بعيدا فان الطيب يدرك ما هي الخطوات الضرورية المطلوبة من المؤتمر الوطني لينال رضا الأمريكان (ولن ترضي عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم )هذا الأقوال من الخطورة بمكان وتبين حجم السقوط والتردي الذي أصاب النظام فبدلا من أمريكا دنت عذابها وإنها تمثل الاستكبار المعادي للإسلام يسعي القوم لاسترضاء أمريكا بكل الوسائل حيث لا خيار لهم! الم يعد هذه عمالة بل خيانة للإسلام ولمبادئ الإنقاذ كما تدعون ! وهذا قليل من كثير . أما السيد مصطفي عثمان وزير الخارجية السابق ومستشار رئيس الجمهورية وأمين العلاقات الخارجية بالحزب الحاكم فهذا القائد لا يري غضاضة في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إذا ما تحسنت العلاقات السودانية الأمريكية ويقول هذا الرجل أن الخرطوم كانت علي وشك تسليم احمد هارون وعلي كوشيب للجنائية الدولية وإحالة الرئيس شخصيا للمعاش ماذا يقول الطيب في هذا !! ما أفدح الثمن مقابل علاقات مع أمريكا إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني _ أيهما أعظم خطرا واكبر ذنبا الزيارة المزعومة لياسر عرمان لإسرائيل ( وقد أقام الطيب الدنيا ولم يقعدها بعد) ! أم إقامة علاقات مع إسرائيل ورفع العلم الإسرائيلي في قلب الخرطوم هب أن ياسر عرمان زار إسرائيل سرا وهذه عمالة وخيانة !!فماذا نقول في مصطفي عثمان الذي يريد رفع العلم الإسرائيلي في قلب الخرطوم !!مالكم كيف تحكمون, أما تسليم احمد هارون وكوشيب لعل الطيب مصطفى يتذكر القسم المغلظ لابن أخته [أمير المؤمنين] وعلى رؤوس الاشهاد بانه لم يسلم أى سوداني للجنائية و وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ومع كل ذلك يريد مصطفى عثمان تسليم أحمد هارون وكوشيب , أى الأوصاف تناسب مصطفى عثمان ...!!وعلى أحمد هارون وعلي كوشيب أن يشكرا اوكامبوا فلولاه لكانا يقبعان في زنازين الجنائية الدولية !!
أما/ السيد غازي صلاح الدين المفكر الإسلامي الفذ ومستشار رئيس الجمهورية فقد اسر إلى المندوب الأمريكي [بأن المؤتمر الوطني أقرب ثقافياً لمسيحي أثيوبيا و اريتريا أكثر من مسلمي الجنوب]هذه المقالة إلا تكفي أن نضع غازي في خانة موالاة المسيحيين ؟! فضلاً عن قوله بأنهم كانوا يطبقون سياسة فرق تسد بين القبائل في دارفور علماً بأن أهل دارفور كلهم عن بكرة أبيهم مؤمنين وأهل قران ومع ذلك سعي النظام للوقيعة بينهم وكانت النتيجة الاقتتال والخراب في دارفور؟! كيف نصنف هذه الأفعال!؟ نريد أن نسمع قولاً فصلاً من السيد / الطيب مصطفى!!
والسقوط للقادة تترى فالسيد علي كرتي وزير الخارجية والمجاهد والقائد السابق للدفاع الشعبي (دفاعنا الشعبي يا هدي) فهذا المجاهد قد أسر إلي الأمريكان بأنه طالب الرئيس بتسليم أحمد هارون وكوشيب عدة مرات بغرض استباق أي لائحة اتهام أضافية ضد قيادات المؤتمر الوطني !! ألم يعد هذه خيانة للرئيس والوطن !! لم يقف السيد/الوزير عند هذا الحد من الانبطاح بل ذهب إلي أبعد من ذلك , استعداد حكومته للنظر في أي اقتراحات أمريكية بناءة في دارفور مطالباً الوساطة الأمريكية في تجميد اتهامات المحكمة الجنائية الدولية (يستجيرون بالامريكان ) وقد ارتمي هذا الرجل في أحضان أولياءه الجدد قائلاً (قولوا لنا ماذا نفعل بشأن دارفور) أي ثوب يلبسه الطيب مصطفى لهذا القيادي......
أما القيادي صلاح قوش رجل الأمن القوي فقد عبر عن أحباطه من أصدقائه الأمريكان بعد تسع سنوات من التعاون المثمر ربما من طرف واحد حتى أصبح الأمن السوداني وباعتراف الأمريكان أنفسهم عينهم في القرن لأفريقي وفي المنطقة العربية وفي العراق ولكن النتيجة كانت صفرا لم ترفع أمريكا أسم السودان من قائمة الإرهاب ولم تطبع معه الأمريكان – كما أسر هؤلاء للامريكان بأنهم علي الاستعداد للانقلاب علي رئيسهم وأخوانهم !!هل تعد هذه عمالة أولا!! أفيدونا يا الطيب مصطفى .....علماً بأن كون الجهاز عينا للامريكان في القرن الافريقي والمنطقة العربية يعني التجسس علي الحركات الإسلامية في هذه المنطقة ويعلم الداني والقاصي ثقة هذه الحركات الإسلامية في ثورة الإنقاذ الوطني قبل انحرافها ، أبعد كل هذا يظل هؤلاء علي سدة القيادة والحكم ، فهذه العمالة والخيانة أعظم درجة من أي عمالة من أي جهة أخرى.
أما المجاهد مطرف صديق فقد أسر إلي أصدقائه الأمريكان ما لم يكن يتوقعه حتي الأمريكان أنفسهم بقوله( نحن نحب أمريكا وهي مثلنا الأعلى ونتمنى أن يصبح السودان مثل أمريكا يوما ما) الله أكبر هي لله لله ، أمريكا وروسيا دنت عذابهما ، كنا نظن وأن بعض الظن أثم أن حب أمريكا وحب الإسلام يصعب أن يجتمعا في قلب مؤمن فكيف تمكن هذا الإسلامي أن يجمع بينهما !! ، وأي نوع هذا الحب لأمريكا إلي درجة اتخاذها المثل الأعلى !!ولله المثل الأعلى والمصيبة أن هؤلاء لا يخجلون من ممارسة التدجيل والكذب علي الناس عندما يخرجون علنا في وسائل الإعلام ليقولوا للناس
كذبا أنهم ضد أمريكا وسياساتها ونقول لا طيب مصطفي لماذا هذا الصمت إزاء هذه الفضيحة المجلجلة التي تهد أساس المؤتمر الوطني والإنقاذ . وتكشف حقيقة قادته ونفاقهم ... لماذا عجز قلمك الصادح بالحق كما تدعي من الجهر بالحق ، ولعلمك فأن الحكومة القادمة التي سوف تشكل في الأيام القادمة سيحتل فيها هؤلاء القادة أغلب المقاعد , لأن المرحلة القادمة هي مرحلة السقوط النهائي في أحضان قوى الاستكبار العالمي وأن هؤلاء قد اكتسبوا خبرة وميزة التعامل مع الأمريكان إلي درجة الحب ومن الحب ما قتل فعمالة هؤلاء تفوقت علي عمالة ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو ومالك عقار وقادة قوى المعارضة الذين سخرت قلمك للنيل منهم بالحق وبالباطل.( علي نفسها جنت براقش )..........
كنا نعلم علم اليقين أن الطيب مصطفي , أتخذ من الإسلام مجرد تقية لأجندته التي تنحصر في استمرار حكم أبن أخته لا طول فترة ممكنة فهذا الحكم وبقدرة قادر قد رفع قوماً إلي أعلى العليين بمقياس هذه الحياة الدنيا وخفض آخرين ولله في خلقه شئون فيا الطيب مصطفي مثلك غير مؤهل لتوزيع صكوك البراءة ففاقد الشئ لا يعطيه .... نذكرك بقوله تعالي( وأتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاويين ولو شئنا لرفعناه بها ولكن أخلد إلي الأرض واتبع هواه فمثله كمثل ال###### أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
أدخلوا الغرباء على خباء العازة فاغتالوا الخليل ورقصوا على شرف الوطن ..
بقلم: صديق محمد عثمان الجمعة, 30 كانون1/ديسمبر 2011 07:58
لم يكن قد مضى على تأسيسها عامان حينما هاجمت حركة العدل والمساواة بعض الطائرات والمعدات العسكرية الثقيلة التي كانت تربض في مطار مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ودمرتها، وقبل أن تنسحب الحركة عقد قسم من قواتها مخاطبة سياسية في ميدان النقعة الرئيسي بمدينة الفاشر وجامعة الفاشر بشروا فيها المواطنين بقرب بزوغ الفجر الجديد، حينها إنطلقت الشائعات عن بطولات الشباب ذوي الشعر المرجل، وحصانتهم ضد الذخيرة بفعل " الحجبات " والرقي وأعمال الكجور والسحر البلدي، وتفننت الشائعات في وراية كيف استعرض الشباب هذه الحصانات بافراغهم عبوات بنادقهم في بعض رفاقهم أمام أعين الناس فقط ليقوم هولاء الشباب بعدها وهم ينفضون عنهم الغبار الذي أثاره ضرب الذخيرة. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد تغنت حكامات دارفور بشباب الخليل الذين أذلوا الوالي واقتادوا سيارته عنوة.
كان تعليق الدكتور جون قرنق حينها أن العدل والمساواة حققت خلال أشهر قليلة مالم تستطع حركته تحقيقه في أعوام من القتال الطويل، ورغم أنه كان منهمكا في التفاوض مع الحكومة فقد استعمل كل ثقله السياسي في إقناع قيادة التجمع التي كانت بصدد الإلتئام في أسمرا بضرورة دعوة الحركة للإنضمام للتجمع ولو بصفة مراقب، والسبب في ذلك أن قيادة التجمع شأنها شأن بعض الأطراف الدولية والإقليمية كانت قد ابتلعت طعم سلطة الخرطوم التي لم تجد ما تواجه به تيار العدل والمساواة الجارف سوى الإدعاء بأن الحركة ما هي إلا صنيعة المؤتمر الشعبي تأتمر بأمر قائده الدكتور الترابي، ولكن قرنق كان يعي تماما من أين يأتي هذا التيار الجارف للعدل والمساواة، كان يدرك أن د. خليل ابراهيم زعيم العدل والمساواة ربما يكون على اتفاق مع الدكتور الترابي بشأن بعض الأطروحات، ولكن خليل لم يعد عضوا في المؤتمر الشعبي إلا بمقدار كون ياسر عرمان لا يزال عضوا في الحزب الشيوعي، قرنق كان يعي أن الدنيا أوسع من المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي.
في مايو 2008 قاد الدكتور خليل ابراهيم جيش حركة العدل والمساواة بنفسه حتى وقف على بعد أقل من كيلومترين من قصر الرئاسة في الخرطوم، وعلى جسر النيل الأبيض فقد د.خليل وحركة العدل والمساواة بعض أخلص القيادات الشابة الذين بهروا قاعات الفنادق والتفاوض الفخيمة بنصاعة الحجة ومضاء المنطق، ولكنهم لم يركنوا إلى مقاعدها الوثيرة بل ركلوها وعادوا إلى الصحراء قريبا من معسكرات النزوح التي ألجأت إليها الحكومة أهاليهم، سقط الجمالي جلال الدين شهيدا، وسقط عبدالعزيز عشر أسيرا، ولكن حركتهما كانت قد أوصلت الرسالة بالصوت الأعلى، أيها الشعب الأسير إن دابة الأرض قد أكلت وهم قيودك فاكسرها وتحرر. ومهما حاول النظام في الخرطوم التشنيع بحملة العدل والمساوة، فقد سبقته الصحافة الشعبية التي التقطت مقاطع من مشاهد دخول قوات العدل والمساواة إلى الخرطوم وبثتها على مواقع التواصل الإجتماعي التي تتحرر من قيود الرقابة الحكومية وتتمرد على قيود ا التنميق والتجمل، بل إن بعض الصحافيين الأحرار في الخرطوم تتبع خطوات الدكتور خليل ابراهيم وجماعته وعاد ليروي كيف أن خليلا جمع جماعته قبيل الدخول إلى أم درمان وخطب فيهم مذكرا لهم بأن:
الحرب صدق واللقاء ثبات والموت في شأن الإله حياة.
بل إن أحد قيادات النظام نفسه ظل يحكي للناس في مجالسه كيف أنه كان شاهدا على بسالة ونبل الشباب الذين حرصوا على مخاطبة جمع من الناس بالقرب من منزله في أحد أحياء ام درمان مطمئنين لهم بانه لا خوف عليهم، وقيادي آخر في النظام تصادف وجوده خارج العاصمة يوم وقع الهجوم، فهاتف أسرته في ام درمان الذين طمأنوه عليهم جميعا ما عدا ابنه الطالب الجامعي الذي كان ضمن الذين حبستهم الأحداث على الجانب الآخر من جسر النيل الأبيض، وبعد محاولات نجح في الحديث إليه عبر الهاتف ليخبره بان قوات العدل والمساوة ارجعوهم من على الجسر وأنهم كانوا لطفاء جدا في التعامل معهم، وأكد له أن الجميع بخير وسأله لماذا لا يتفاوضون مع هولاء الشباب؟!! وتسربت الروايات والحكايا عن أن قوات العدل والمساواة حرصت على دفن قتلاها والصلاة عليهم قبل أن تكمل انسحابها من مشارف أم درمان.
بعد دخول العدل والمساواة لمدينة الفاشر إلتقطت بعض المصادر مكالمة للفريق صلاح قوش مدير الامن والمخابرات مع بعض قيادات المعارضة التشادية يلومهم على تلكؤهم في التحرك ضد نظام ادريس دبي في تشاد، المصادر في الخرطوم كانت تشير إلى أن الفريق قوش كان يحظي بميزانية مفتوحة للصرف على المعارضة التشادية المسلحة، وقالت أنه صرف ما قيمته 21 مليار جنيه سوداني ذلك العام على ما اسماه مصادره في دارفور.
بعد دخول العدل والمساواة إلى الخرطوم كلف الفريق صلاح قوش احد المقربين منه باعداد تقرير استراتيجي بشأن عملية العدل والمساواة، جاء فيه اتهام صريح للحكومة الفرنسية والسلطات الليبية بتمويل عملية العدل والمساواة بملبغ 500 مليون دولار امريكي، ولكن أهم ما جاء في التقرير المذكور هو الفصل الذي حاول الإجابة على السؤال الملح بشأن تغييب الحكومة للجيش في تلك العملية؟ فقد خلص التقرير إلى أن حزب المؤتمر الوطني قد أصاب نجاحا كبيرا لأول مرة إذ تصدى للحملة العسكرية بقوات خاصة به، في إشارة إلى قوة كان الفريق قوش قد أكمل إعدادها باسم "قوات الصفوة" وهي التي تمت الإستعانة بها في معركة الجسر التي قفلت الطريق على قوات العدل والمساوة، ولكنها تكبدت خسائر فادحة في الأرواح زاد من فداحتها طبيعة تكوينها القبلي. ولكن الخسائر لم تتوقف هناك، فالفريق قوش من حيث أراد إستعراض مقدراته على حماية النظام منفردا، أدخل الخوف في قلوب بعض أركان الحكم التي لم تكن تثق في ولائه، فالتقرير كشف ما كانت قيادة الحكومة تحذر منه، أن الحكومة التي تحكم باسم الجيش لا تثق فيه، لذلك تغيبه عن حدث مثل غزو العدل والمساوة لعاصمة البلاد، ولكتها بالمقابل تضع ثقتها في رجل امنها الذي أصبح قوة يجب الحذر منها، وهكذا لم يمض وقت طويل حتى استعملت بعض الأطراف بعض ضباط الامن الحانقين على الفريق قوش للإيقاع به متلبسا بما عرف بفضيحة تجسسه على كبار في السلطة، مما أدى إلى فقدان الفريق لمنصبه كمدير للأمن والمخابرات وهو الذي كان يأمل أن يتمكن من ضم وزارة الداخلية باكملها تحت ولايته. وبحسب وثائق ويكليكس فان قوش كان يعرض نفسه بديلا للنظام، أو بمعنى آخر يريد أن يكون أصيلا بدلا من أن يكون سمسارا بالنيابة عن النظام.
في الساعة الثالثة صباحا فجر يوم الجمعة الموافق 24 ديسمبر 2011 تفذت طائرة عملية إغتيال دقيقة لزعيم حركة العدل والمساوة الدكتور خليل ابراهيم محمد، إستشهد معه فيها أحد حراسه بينما لم يصب أي فرد آخر من قواته باذى، ويلاحظ هذه المرة أن الحكومة سارعت إلى استعمال المتحدث الرسمي باسم الجيش لإعلان الخبر ولكن المتحدث الرسمي لم يكن يتحدث عن تفاصيل عملية قامت بها قواته تخطيطا وتنفيذا، بل كان يتحدث باسم السياسيين الذين كانوا يلقنونه المعلومات حسب التبرير السياسي الذي يروق لهم، وحدثني عدد من الاخوة الصحفيين أنهم لاحظوا تهرب السياسيين الكبار في النظام من التصريح بشأن العملية، وتركوا أمر التصريحات لأمثال وزير الإعلام عبدالله مسار وغيره ممن يتحفظ الصحفيون بشأن رواياتهم، ورغم محاولة الحكومة الإختباء وراء قدسية البيانات العسكرية، فإن سرعة إنكشاف كذب الناطق الرسمي الذي نصبته باسم الجيش سرعان ما فضح أن الحكومة في وضع مزري يجعلها لا تتوانى عن اساءة استخدام آخر ما تبقي للجيش من احترام في نفوس العامة من أجل حفظ ما وجهها الذي اراقته حقيقة أن السلطة الرسمية في البلاد صارت العوبة في ايدي جهات أجنبية تحرص على بقائها باي ثمن ولو كان ذلك الثمن تصفية المعارضين دون أن تملك هذه السلطة حق الإعتراض على مثل هذا العمل المشين.
إذن فقد مضى خليل إبراهيم إلى ربه خببا، إختار طريقا قصيرة وبليغة في إيصال رسالته التي مهرها بدمائه على النحو الذي يجعل كل إدعاءات الحكومة عنه هباءا تذروه رياح الحقيقة، ولكنه قبل أن يمضي حرص على أن يخلع عن سلطة الخرطوم آخر لباس الحياء ويوقفها كما الفرعون ويكتب بدمه حقائق ناصعة لن تستطيع الحكومة بعد اليوم الإختباء منها:
الحقيقة الأولى: أن السلطة في الخرطوم نمر من ورق يمكنه أن يفقدها الصواب والحياء ويلجؤها إلى المنكر من القول والفعل، ويجعلها ترتجف على وقع خطواته الواثقة.
الحقيقة الثانية: أن حكامنا ليسوا سوى بيادق في رقعة الدومينو التي ركلها الربيع العربي فتساقطت كأوراق الخريف بعد أن ظلت تذيق الشعوب خسف الضيم والإذلال.
الحقيقة الثالثة: أن الجيش السوداني برئ من ما ارتكب باسمه في دارفور. الحقيقة الرابعة: أن القوى الخارجية التي فصلت نيفاشا على مقاس مصالحها ثم قامت بازاحة قرنق من طريق أطماعها هي نفسها الآن التي تخطط لفصل دارفور عبر إدخال اليأس في نفوس المقاتلين من تغيير النظام باعلانها الإستعداد للدفاع عنه بكافة الوسائل بما في ذلك الإغتيال.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
رحيل خليل وأزمة السياسة السودانية .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي الجمعة, 30 كانون1/ديسمبر 2011 12:24 Share3 Abdelwahab El-Affendi [[email protected]]
(1)
الذي يتابع ردة فعل الحكومة السودانية وأنصارها من تهليل وابتهاج بمقتل زعيم حركة العدل والمساواة الدكتور خليل ابراهيم –عليه رحمة الله- يكون معذوراً لو خيل له أن الرجل هو الذي كان يحكم السودان، وأن نظامه المستبد قد سقط وتهاوى. وبالفعل فإن أحد كبار المسؤولين استخدم تعبير "مصارع الطغاة" وهو يشير إلى مقتل خليل. وهذا بالقطع سر غاب عنا، لأننا لم نكن نعلم أن خليلاً كان يحكم السودان من وراء ستار، ويغل يد الحكام الظاهرين عن فعل الخير وانصاف الخلق.
(2)
بنفس القدر فإن ما عبر عنه بعض المتعاطفين مع خليل من مشاعر جياشة (لم تخل من جزع) تجاه رحيله المفاجئ يكشف عن مدى الآمال التي علقها كثيرون على شخص خليل أولاً وعلى حركته ثانياً. ومن هنا جاء حجم الفجيعة والإحساس بالفقد.
(3)
ما تؤكده ردود الفعل هذه هو أن خليل نجح في أن يصبح أسطورة عند محبيه وأعدائه على السواء، وهو إنجاز كبير بكل المقاييس. وكما يظهر من ردود الفعل الشعبية لدى الجانبين فإن هذه النظرة الأسطورية لخليل لها أصداء واسعة.
(4)
مثل كل الأساطير، فإن هذه الرؤية تنطوي على إسقاطات كثيرة. فأزمة النظام لم تبدأ مع تمرد خليل ولن تنتهي برحيله. ومحاولة تصوير نهاية خليل على أنها فتح مبين لن تقدم ولن تؤخر في الأمر، كما لم يؤد مقتل جون قرنق وقبل ذلك توقيع الاتفاق معه إلى معالجة الأزمة. فهذه الأزمة داخلية وهيكلية في نظام عجز عن استثمار الفرص السياسية، ومنها اتفاق السلام الشامل وما جلبه من دعم واعتراف دولي.
(5)
بنفس القدر فإن نقائص النظام وأزمته الداخلية المستحكمة تكبر من حجم أهون معارضة وتعظم من شأنها، لأن كل من يخرج عليه يجد تعاطفاً شعبياً ويحمل آمال المتضررين من بطشه. ولم تعد القطاعات الواسعة المتضررة من النظام تكترث كثيراً بمحتوى برنامج أي قوة معارضة ولا بمنبع وتوجهات قادتها، بل يتم تقييم الكيان المعارض بمدى قدرته لمفترضة على مواجهة وتحدي النظام، واحتمالات نجاحه في القضاء عليه.
(6)
هذا يعكس بدوره بداية تبلور ملامح انقسام "طائفي" جديد يشبه ذلك الذي تبلور حول الحركة المهدية بين مؤيد يتجاوز عن كل ذنب، ومعارض لا يبالي بمن يستعين به على إسقاط نظام حكم يراه ظالماً متسلطاً، حتى لو كان عدو الملة والوطن. وقد اقتربنا اليوم من استقطاب طائفي مماثل لو سمح له بالتمادي فلن تشهد البلاد سلاماً لأن النظام القادم سيشابه النظام العراقي الحالي اليوم في تذبذبه بين محاصصة طائفية على مضض، وحروب طائفية معلنة حيناً ومستترة أحياناً.
(7)
من أجل أي تقدم فعلي باتجاه وطن تحكمه قيم الحرية والتسامح والعدل والتعايش، وهي قيم لا قيام لوطن مستقر بغيرها، فلا بد من وفاء كل القوى السياسية بواجباتها تجاه محاربة العنصرية والاستقطاب السياسي والطائفي والقبلي وكل أشكال التخندق والتمييز. وبالطبع فإن المسؤولية الأولى والأكبر تقع على عاتق الحكومة التي لو قامت بواجبها في إحقاق الحق وإنفاذ العدل لما كانت هناك حاجة للتمرد ولما شهدنا ما نشهد من استقطاب.
(8)
للأسف فإن الحكومة لم تقم بواجبها وقد وصلنا إلى قناعة بأنها ليست فقط غير راغبة في ذلك بل غير قادرة أيضاً. ولعلها أصبحت في وضع يصدق عليه قوله تعالى: "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله." فكذلك لو أن الحكومة ضمت إلى صفوفها (كما فعلت من قبل) جون قرنق وخليل ابراهيم وعبدالواحد والسيدين والحزب الشيوعي وكل قوى السودان الفاعلة فإن إصلاحها لن يتحقق، لأن الإطار الذي يضم فيه هؤلاء إطار مختل يقوم على مشاركة صورية واحتكار فعلي للسلطة من وراء ستار.
(9)
هذا يستتبع أن واجب التغيير يقع على الشعب أولاً وعلى قوى المعارضة ثانياً. ولكن الخطوة الأولى باتجاه التغيير تبدأ في نظري بنبذ العنف واستئصال سرطانه من الساحة السياسية السودانية. وأحيل هنا إلى ما كتبته في هذا الصدد غداة استعادة الكرمك من الحركة الشعبية، وكررته من قبل مراراً، وهو أن وقت العمل المسلح قد مضى، وإن إثمه كان وما يزال أكبر من نفعه. وهناك فوق ذلك اعتبارات عملية، أهمها المتغيرات الدولية، تحرم العمل المسلح من فاعليته، فقد خرجت كل دول الجوار من هذه اللعبة، ولم تعد راغبة أو قادرة على تقديم السلاح والملاذ الآمن، وبالتالي أصبح استئصال الجماعات المسلحة مسألة وقت.
(10)
لاستخدام السلاح أضرار أخرى، فوق سفك دماء أناس هم مواطنون سودانيون في نهاية المطاف، وأكثرهم أبرياء. ذلك أن القتل والدمار يؤجج الأحقاد ويعمق الانقسامات ويزيد الاستقطاب. وفوق ذلك فإنه يولد الاتكالية وانتظار المخلص الذي يأتي على ظهر عربة دفع رباعي من الصحراء، عوضاً عن تحمل كل مواطن مسؤوليته في تحرير نفسه وشعبه.
(11)
ألا رحم الله خليلاً، فقد كان رجل مبادئ ومواقف، رغم اختلافنا مع بعض مواقفه. ولكن المبدئية وحدها لا تكفي، فإن كثيراً من أنصار هذا النظام أهل تطرف في التمسك بما يؤمنون به. فلا بد مع المبدئية من إعمال العقل وأيضاً الموازنة بين القيم وتدبر العواقب. فالإنسان محاسب ليس فقط بما يؤمن به بل كذلك بثمرات أعماله. وهناك حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن تتدبر كل القوى السودانية بعمق وتجرد في عواقب أفعالها وثمرات مواقفها.
(12)
ما نحتاجه اليوم هو مبادرة من جبهة القوى الثورية التي تشكلت مؤخراً وكل حركات دارفور المسلح تعلن فيها عن وقف غير مشروط لإطلاق النار من جانب واحد في كل أنحاء السودان، تمهيداً لنبذ العمل المسلح وعقد مؤتمر وطني يضم كل قوى المعارضة السودانية لتبني استراتيجية شاملة للتغيير السلمي الديمقراطي في البلاد. ولعل هذه تكون أفضل هدية يتلقاها الشعب السوداني وهو يستقبل عيد الاستقلال في مطلع يناير القادم.
------------------
أسرار الاغتيال .. خليل < رحيل مدوي> وحياة عاصفة
فايز السليك
December 30, 2011 حين سقطت صواريخ ” توماهوك داخل مساحة تقدر بعشرات الأمتار في مصنع الشفاء بالخرطوم بحري، وتناقلت وكالات الأنباء الدولية خبر القصف الأميركي على الخرطوم، استضافت اذاعة “البي بي سي” وزير الداخلية حينها عبد الرحيم محمد حسين ، وقال في الحوار إن طائرات قادمةٌ من الشمال هي التي قصفت المصنع، فسأله المذيع ” هل رصدتم تلك الطائرات سيد الوزير؟” فانتظرنا الاجابة المؤكدة، والتي ستثبت صدقية الوزير المكلف بأمن البلاد، وامسك كثيرون أنفاسهم من هول المفاجأة ، ، لكن الوزير الهمام قال وبطريقة ” بلدية ” شافوها المواطنين .. شافوها المواطنين”، فشعرت بالحياء، ومع أنني معارض ، وتأسيت على حال بلاد يحكمها أمثال هؤلاء، وهو ذات الوزير الذي رقي بعد “استراحة محارب” بعد تورطه في فضيحة شهيرة، إلى وزير دفاع ، وحين مد الشهيد الدكتور خليل ابراهيم ذراعه الطويلة نحو أم درمان كشف الوزير أن قدراته الدفاعية متهالكة، وأن بعض أسلحته هى من الحرب العالمية الثانية، وهو ـأمر يتسق مع تكرر الاخترقات الاسرائيلية حتى مساء الخميس الماضي لأجواء الشرق، وتحويل البحر الأحمر إلى غزة، أو اريحا لأن الطائرات تخترقها متى ما رادت، ولا نسمع بذلك إلا من ” المواطنين”.
هذا هو حال جيش المؤتمر الوطني، وهو حال يجعل كل ذي عقل يشكك في كل الروايات الرسمية حول اغتيال الشهيد خليل فجر الجمعة الماضي، فالحكومة نفسها تشهد ببؤس وضع قواتها مع أن 70% من الموازنة العامة تذهب إلى العساكر والعسس والجواسيس لقمع السودانيين ؛ لا للدفاع عن تراب الوطن المستباح، فكيف لمثل هذا الجيش من قدرات تمكنه من تنفيذ عملية قصف صاروخي دقيقة؟, وهي تحتاج إلى عمل استخباري كبير، وتقنيات لا تملكها سوى ” دول الاستكبار”، وهي التي اغتالت الشهيد خليل، بمساندة اقليمية لأسباب معروفة للجميع، فهذا النظام هو من أكد المبعوث الشخصي للرئيس باراك أوباما للسودان لايمان بأن واشنطن لا تريد اسقاطه ، ولا تغييره، لكنها تريد تطويره، وبالفعل بدأت عملية التطوير باضافة الفاقد التربوي والسياسي إلى قصر العساكر، والاسلاميين، وهو تطوير يقصد به الاحتفاظ بورقة ” في ملف الارهاب”، وقد أكد ذلك من قبل وزير الخارجية السابق ومستشار البشير الحالي، مصطفى عثمان اسماعيل حين قال ” نحن كنا عيون وأذان الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة”، وأكد أن النظام الاسلامي ساعد أميركا في حرب الارهاب بتقديم معلومات مهمة في الصومال، وافغانستان والعراق!. وهو أيضاً ما أكدته واشنطن عن كشف علاقاتها مع أكبر مسؤولي المخابرات الانقاذيين!.
ولست هنا بصدد الحديث عن القدرات العسكرية، أو علاقة الخرطوم بالمجتمع الدولي، أو تثبيت أركان حكمها في محاولة لاستمرار سيناريو التقسيم والتشظي بعد استقلال الجنوب، ولا الحديث عن الجيش السوداني ، مع أنني كنت أفكر في كتابة مقال عن الجيش بمناسبة الذكرى الخمسين، وما تبثه دعاية النظام من زيف وكذب حول قومية ومهنية الجيش، وعن بسالته في الدفاع عن الوطن، وهو جيش لم يخض حتى الآن حرباً وطنية ضد أي دولة أجنبية، منذ استقلال السودان، وانتهاء قوة دفاع السودان، والتي شاركت في حرب كرن أو ليبيا للدفاع عن الاستعمار البريطاني، لكن ذات الجيش تحوم حوله الشكوك، وحسب التقارير الدولية، فهو يعد من أكثر جيوش الدنيا سيئة السمعة في ملفات حقوق الانسان، ، فصارت تلازمه من حقب طويلة اتهامات ارتكاب الفظائع المتمثلة في حرق القرى، وتشريد السكان، واستخدام سلاح الاغتصاب في الحروب الداخلية، مع أنه يعد من أكثر الجيوش استماتةً في توطيد أركان النظم الشمولية، والارهابية، والعنصرية.
ومع أن هناك استثناءات ، وليس من الصحة تعميم الأحكام، فهناك وطنيون مروا بهذه المؤسسة عبر التاريخ، إلا أن الزج بالجيش في دهاليز السياسة هو سبب تخلي كثير من قيادات المؤسسة العسكرية عن مهنيتهم، وقوميتهم. فحول البشير وصحبة الاسلاميية الحيش إلى أداة حزبية.
لكن حادثة اغتيال الشهيد خليل ابراهيم كانت هي الحادثة الأكبر ، وهي المناسبة الأهم من الحديث عن أمجاد زائفة، لأن الحدث له ما بعده من تداعيات، وله ما قبله من مقدمات، فالحادث الذي هلل له الانقاذيون يعد من السنن السيئة التي يستنها نظام الانقاذ كل يوم، فيمكن أن تكون الحادثة هي أول حادثة تصفية جسدية، واغتيال لقيادي سياسي كبير، ان لم تخني الذاكرةـ فربما تكون هناك حوادث لكنني لا أعلمها ، فهي ستكون مثل حجر ألقي في بركة ساكنة، لكنه ليس حجراً عاديا، لا سيما وأن البركة ليست بركة ماء، بل هي بركة من الدماء المحتقنة، أو الغضب في نفوس مشحونة، وان كان ظن أهل الأنقاذ بأن اغتيال خليل سوف يجعل من ” وثيقة الدوحة” سلاماً دائماً ” لأن قتل خليل يعني قطع رأس الحية، فهم واهمون، فسبق أن قتلوا الشهيد داؤود يحي بولاد في بداية التسعينيات، قبل أكثر من حقبتين، لكن القضية لم تمت، لأن الأيام أثببت صدق بولاد حين قال ” اكشتفت خلال انتمائي للحركة الاسلامية أن الدم أثقل من الدين عند الاسلاميين”، فتمرد على تاريخه، وخرج من حركته جين اكتشف عنصريتها، وبؤس خطابها، فقتل بولاد، وبقيت المقولة، ليأتي، ومن ذات رحم الحركة الاسلامية، جيل آخر شاهد التطبيق للشعارات، فكان أن برز الدكتور خليل ابراهيم ، ليواصل ذات درب رفيقه في ” الدم والدين” بولاد، ومع أن بولاد قتل قبل أكثر من عشرين عاماً إلا أن قضية دارفور تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، فخرج من ذات الأرض مقاتلون منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، من أمثال عبد الله أبكر، ومانديلا، والجمالي حسن جلال الدين، ا والزبيدي ، فيما يواصل الآلاف في ذات الطريق، وعلى رأسهم مناوي وعبد الواحد، وشريف حرير فموت المناضل مثلما قال شاعرنا السوداني الفيتوري ” لا يعني موت القضية”،
وعير شك ؛ فهم حين اختاروا خليل ابراهيم، قصدوا فارساً شجاعاً، ورجلاً جريئاً، ومتمرداً شرساً، وهي صفات ترعب أقوى الديكتاتوريات، وهي سمات لا يمكلها جل قيادات الانقاذ، لأن الفرسان هم ينازلون في أوقات المحن، وهم من لا يغدرون، بل يختارون المواجهة المباشرة، مع أن مسألة الغدر ليست أمراً عصياً في بلد لا يعرف الأسرار، ويتحرك القادة، والسياسيون في فضاءه بحرية، وبدون خوف من اغتيال.
وخليل فارس بصفات الفرسان، فكان موته صدىً لحياته، فهو مثير للحدل، ومصادم، وقوي، ، وهو من ترك الوزارة، وسماعة الطب، وزملائه أطباء في أوروبا وأميركا يصرفون عشرات الآلاف الدولارات، لكنه اختار صحارى دارفور، وأعصايرها، ورمالها المتحركة، فكان أن قاد بنفسه أجرأ العمليات العسكرية، وبعدها بشهور أبعده من كان قريباً منه دماً، وجفرافيةً، من بلاده، ليتصدى خبر ابعاده أو منعه من دخول انجامينا صدر أنباء العالم، ثم يسافر إلى ليبيا، وهناك ظل يدخل الرعب في نفوس الحكام في الخرطوم، فيرسلون الوفود إلى القذافي، وينفذون توجيهاه، حتى ولو كانت اغلاق صحيفة الخال الرئاسي العنصرية!.
ثم يتعرض للحصار، ولمحاولات الاغتيال بالسم، ثم ينفذ عملية ” قفزة الصحراء”، عبر آلاف الأميال، حتى تهدأ روحه فوق تراب بلاده التي أحب، وما أن يستقر قليلاً، حتى يعود خليل إلى سيرته النبيلة في التمرد، والانحياز إلى قيم الدين الحقيقية، في العدالة، والمساواة، ليعود مرةً أخرى خبراً قوي وينهي حياته بذات الألق، وذات العنف الثوري ليغتال في عملية تكشف بؤس تفكير النظام.
وبؤس تفكير بعض القادة السياسيين / وهم من يقفون في منزلة بين منزلتين، أو مثل الذين يصلون خلف علي، ويأكلون في ولائم معاوية، وهم من يصفون اغتيال الزعيم الكبير، بأنه “واجب الجيش الوطني”ّ!!.
وهو ذات الجيش الذي يقول قائده أنه لم يرصد الطائرات القادمة من الشمال، لكن المواطنيين هم من رصدوها، وهي لم تكن طائرات، بل هي صواريخ توماهوك انطلقت من البحر، ولم يعلم به أهل الانقاذ إلا مع سماع دوي انفجاراتها، وهو ذات الجيش الذي يفشل في حماية التراب الوطني، لكنه يحارب في النيل الأزرق، وفي جبال النوبة، وفي دارفور، وفي جوبا، وياي، وكسلا، وهمشكوريب.وهو ات الجيش الذي قدم رئيساً قسم البلاد رغم أنف جولات القتال تلك/ وهو من قسم حزبه وحركته الاسلامية، ودخل في قائمة أول الرؤساء المطلوبين من قبل محكمة الجنايات الدولية؟!
لم يمت خليل، لأن قضيته باقية، بل صار قنديلاً يضي طرق المهمشين الطويلة، أو صار بذرةً لمشروع كبير، فما قتلوه، وما اغتالوه لكنه توهم لهم، لأنه يزداد ألقاً كل يوم، وتوجاً في كل ساعة، وبالطبع فسوف يرد رفاقه، لكن نريده رداً بحكمة، وبلا رعونة، وبدقة،، وبلا عشوائية، وبمثل جسارة الشهيد، ونريد الرد في الوقت المناسب نهايةً لعهود التهميش، وحقب الظلمات، وفصول العنصرية، ووقفاً لشلالات الدماء، لأن بعد ذلك نريد السلام العادل، والشامل، وهو أمر ممكن لو سقط نظام الانقاذ.
فايز الشيخ السليك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
جنرال البشير الى سوريا الشقية!! ..
بقلم: د.على حمد ابراهيم الأحد, 01 كانون2/يناير 2012 09:59
اما الجنرال المعنى فى هذا العنوان ، فهو الجنرال محمد احمد مصطفى الدابى الذى اختارته الجامعة العربية رئيسا لبعثتها الى سوريا . اما لماذا سوريا شقية ، فلأن الجامعة العربية اختارت جنرالا قضى جل عمره الوظيفى ملتصقا بالشموليات الاقصائية ، ويؤدى اعمالا تهدر ليس فقط حقوق الناس ، انما تهدر ايضا ارواحهم . أما لماذا اصفه بجنرال الرئيس البشير تحديدا ، فلأن الجنرال البشير كان وما زال هو ولى نعمة هذا الجنرال .
ولكنى ابدأ الحكاية من أولها . الجنرال الدابى هو شخصية مختلف حولها حتى وسط اهله السودانيين لانغماسه الشديد فى أسوأ مراحل مأساة دارفور منذ عام 2003 و حتى آخر مراحلها فى مؤتمر الدوحة فى العام المنصرم . وكانت النتيجة الحتمية لهذا الانغماس الشديد اتهامات خطيرة ولغط ظل يدور حول نصيب هذا الجنرال فى محنة شعب دارفور لجهة ارتباطه بتنفيذ تعليمات الرئيس البشير الصادرة ة اليه مباشرة ، أو تلك التعليمات التى يتلقاها من مساعدى الرئيس البشير مثل مساعده الاشهر فى نزاع دارفورة المأساوى القاضى احمد هرون . اما ارتباط الجنرال الدابى بمليشيا الجنجويد العربية الفاتكة فى دارفور فهو ارتباط لن يسقط من ذاكرة الذين عاشوا محنة دارفور او اكتووا بنارها .
لقد كان الرجل القاسم المشترك الاعظم فى حراك الحكومة دارفور حتى بدا وكأن السودان الواسع العريض لا يوجد فيه شخص غيره يمكن ان يشير بشئ فى دار فور غيره . وبالطبع القول بأن الرئيس ومساعده هارون هما شخصان مطلوبان للعدالة الدولية بسبب ما ينسب اليهما من تهم بجرائم بادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية لا يضيف شيئا جديدا . ولكنه يؤكد على اقتراب اسم هذا الجنرال وعمله فى دارفور من دائرة الخطر عندما تتسع دائرة البحث والتقصى حول مأساة دارفور عاجلا ام آجلا . خصوصا أن الهمس الذى ظل يدور حول دور الجنرال الدابى السالب فى دارفور ظل يعلو حتى مع تقادم الزمن . اختيار الجامعة العربية له من كل عسكر العالم العربى فتح بابا اخذ يدخل منه الريح الاصفر على الجنرال وسيرته . وقد يأتى يوم يندم فيه فيه الجنرال على اختيار الجامعة العربية له من بين كل عسكر السلاطين العرب وما اكثرهم . صحيح أن الهمس المتواتر القديم الذى ظل يدور حول وجود اسم الجنرال الدابى ضمن قائمة تضم خمسين مسئولا فى حكومة الرئيس البشير سبق أن اتهمهم قاضى تحقيق سودانى رفيع المكانة اثناء تحقيق دولى اولى اتفقت عليه الحكومة السودانية و الاسرة الدولية فى وقت سابق لتأزم العلاقة بين الطرفين لا حقا ، صحيح ان ذلك الهمس لم يحسم أمره شأنه فى ذلك شأن قضية دارفور برمتها . غير أنه يبدو غريبا أن لا تصل تلك الشكوك والشبهات حول ماضى الجنرال الدابى القريب الى مسامع الجامعة العربية وهى شكوك وشبهات كانت وما زالت ترفع بأعلى النبرات . وكان هذا وحده سببا كافيا لرفع اسم هذا الجنرال من قائمة مراقبى الجامعة العربية حتى لا يلقى وجوده ظلالا من الشك والريبة حول قمة البعثة .
وهذا هو الذى حدث بالفعل . ففى عالم الانترنت هذا لم يعد ممكنا الاحتفاظ بأى سر من الاسرار او كتمان أى شئ . فبمجرد النقر على اسم الفريق الدابى حتى تداعت المعلومات كالسيل . فظهر أنه الجنرال الذى التصق بالرئيس البشير منذ يومه الاول فى السطة حين عينه الرئيس لتولى الاستخبارات السودانية فى الثلاثين من يونيو من عام 1989 ( اليوم الذى اطاح فيه العميد اركان حرب عمر حسن احمد البشير للحكومة الديمقراطية المنتخبة ) . ومنذ يومها ىظل هذا الجنرال يدور فى فلك الرئيس ونظامه يتحول من موقع الى آخر فى خفة متناهية . ويتماهى بين المهام العسكرية والدبلوماسية والسياسية فى يسر غير معهود . فقد اسند اليه الرئيس البشير رئاسة الاستخبارات الخارجية فى يونيو من عام 1995 . ثم عينه نائبا لرئيس هيئة الاركان السودانية للعمليات الحربية . ثم ممثلا شخصيا له فى ولايات دارفور. ومسئولا عن الامن فيها . ثم سفيرا لدى دولة قطر التى مكث فيها حتى عام 2004 . بعد مهمته الدبلوماسية فى قطر اعاد الرئيس البشير الجنرال الدانى الى دارفور مرة اخرى فى وظيفة مساعد للرئيس فى دارفور !
اعقب ذلك تكليف الرئيس البشير للجنرال الدابى بمهمة غريبة هى قيادة الحملة الوطنية السودانية المناهضة لقرار مجلس الامن الدولى رقم 1591 الذى فرض عقوبات ووجه اتهامات للعديد من مسئولى حكومة الرئيس البشير اسوة بالرئيس البشير نفسه . بعد كل هذه السياحات الوظيفية اعاد الرئيس الرئيس البشير الجنرال الدابى للخدمة فى دارفور من جديد فى وظيفة منسق الترتيبات الامنية فى دارفور فى عام 2007 . ثم اعاده للخدمة الدبلوماسية مجددا لينتهى به المطاف اليوم سفيرا بوزارة الخارجية منذ اغسطس الماضى . الشئ الوحيد الذى لا تذكره السيرة الوظيفية لجنرال الجامعة العربية صراحة هو صلة هذا الجنرال بمليشيا الجنجويد سيئة الاسم والسيرة فى دارفور . و فى هتك ارواح واعراض الكثيرين من أهل دارفور . اما لغز دوران الجنرال الوظيفى فى دارفور جيئة وذهابا فهو يثبت سحر علاقة الجنرال الممتدة بملف المحنة فى دارفور. لماذا اذن لا تصرخ المعارضة السورية فاول ! وتثير نفس الشكوك والتساؤلات التى ظل ابناء دار فور يرفعونها فى وجه الجنرال . ويطالبون برأسه مثله مثل احمد هارون وعلى كشيب وموسى هلال الذين ما تلبث اسماؤهم أن تطفح فى الذاكرة كلما جاء ذكر مليشيا الجنجويد فى دار فور .
اما اداء الجنرال كرئيس لبعثة المراقبين العرب فى سوريا فى اسبوعه الاول ، فقد كان صادما للمعارضة السورية وللمراقبين وللناشطين فى مجالات حقوق الانسان . ولكنه كان مريحا للنظام السورى . ففى الوقت الذى كانت القنوات الفضائية تبث فيه صورا صادمة فى العديد من المدن السورية لا سييما فى حمص وحماه وادلب ، صرح الجنرال بأن الموقف فى سوريا مطمئن ! وأن النظام السورى متعاون مع بعثته تمام التمام ! وانه شخصيا لم ير شيئا صادما او غير مريح ! ربما تكون تلك هى الحقيقة بمقاييس الجنرال ومقاييس مليشيا الجنجويد التى يعرفها الجنرال جيدا . ولكن بعض مساعدى الجنرال لم يمهلوه طويلا ، اذ ما لبثوا حتى صرحوا بأن القناصة السوريين ما زالوا يحتلون اسطح المنازل . و يشكلون تهديدا كبيرا على حياة المراقبين وحياة السكان المدنيين .
بينما شكا مراقبون آخرون من عدم استطاعتهم الوصول الى العديد من المناطق الساخنة بسبب تهديد القناصة والشبيحة . القنوات الفضائية عرضت لقطات حية للجماهير الغاضبة وهى تحاصر الجنرال بالاسئلة الحادة وتشكو له من تجاوزات النظام الطيرة ضدهم . والرجل يستمع فى برود ىشتوى وهو يمشى ! هذا المنظر استفز احد كتاب جريدة الشرق الاوسط العربية الواسعة الانتشار بصورة جعلته يتمنى عودة الجنرال السودانى الى بلاده السودان . والى دارفور الحزينة التى ما زالت تنتظر الحلول على يد الجنرال الذى يبدو أنه لا يستطيع البقاء بعيدا عنها وهى تتقلب فى محنها .. ليت الجامعة العربية تحقق للاستاذ الصحفى هذه الامنية التى هى من بعض امنياتى . اما أهل سوريا ، فما يقوله هذا الجنرال لا يعنيهم فى شئ . فقد اخذوا قرارا بنظام جديد فى سوريا الجميلة . ولا ينتظرون تزكية من احد اخلص حلفاء الشموليات العربية . هذا زمانك يامهازل ، فامرحى !
Ali Hamad [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
شئ من حتي صديق تاور
الشبيحة والكتائب في سيرة نظام العجائب
وجد مقطع الفيديو الذي صور مداخلة المهندس الشاب محمد حسن عالم «بوشي» في مواجهة الدكتور نافع علي نافع بندوة حزب المؤتمر الوطني بجامعة الخرطوم قبل شهر تقريبا، صدى واسعاً من المشاهدة والتداول والتجاوب ، بحيث جعل المواقع الالكترونية التي عرضته هي الاكثر مشاهدة دون سائر المواقع الاخرى، والسبب بتقديرنا هو أن هذا المهندس الشاب قد استطاع في دقائق معدودة هي كل الفرصة التي اتيحت له في تلك الندوة، ان يعلق على حديث الدكتور نافع بطريقة عبرت عن قطاعات واسعة جدا من السودانيين، بلغة حوارية بسيطة وواضحة وبحقائق يعيشها الناس في علاقتهم بالحكومة دون ان يجدوا منبراً مناسباً يوصلون من خلاله صوتهم..
الدكتور نافع من جانبه تقبل الهجوم الذي وجهه له المهندس «بوشي» بذات الروح الحوارية، وحرص على ان يرد على النقاط التي أثارها في معرض ردوده على المداخلات التي جرت في الندوة، وانتهت بذلك تلك الندوة مثل اية ندوة عامة بانفضاض الحضور.. والذي حدث بعد ذلك هو أن الكلمات التي تفضل بها المهندس «عالم» في تلك المداخلة القصيرة، وبعد ان وجدت طريقها الى المواقع الالكترونية السودانية تحديدا، قد تحولت بسرعة مذهلة إلى حديث يتناقله كل الناس، ومقطع يتبادلونه في بريدهم الالكتروني أو مواقع الفيس بوك واليوتيوب والتويتر، او في أجهزة الموبايل، مشفوعة بتعليقات متفاعلة بحماس مع هذه الكلمات التي حوت بالنسبة لهم «المختصر المفيد».. وما زاد من هذا التفاعل هو كون هذه الكلمات قد قيلت في وجه الدكتور نافع بما يمثله من رمزية لأنصار حزبه ولنظامه، وبما يمثله في ذاكرة الكثير من خصوم النظام بوصفه مصدر استعداء وحماسة للخصومة الزائدة والعداء السافر والظلم المبين.
٭ وبالمقابل هناك فريق من المتفائلين اعتبروا ما حدث دليلاً دامغاً على جدية نظام «الإنقاذ؟!» في التحول الديمقراطي والاستعداد لقبول الآخر والتحاور معه من موقع القوة والثقة بالنفس وبالتجربة، لا من موقع الضعف والخوف من الانهزام امام المنطق والحجة. وقد راهن هذا الفريق على أن سوءاً بأية درجة لن يمس المهندس «بوشي» ولا شيء يستدعي ذلك.. وقد استدعى هؤلاء من ذاكرتهم اقوالا وافعالا كثيرة في هذا الخصوص، مثل الدعوة للحكومة العريضة، واشتراك خمسة عشر «حزبا؟!» فيها، ودخول الاتحادي «الاصل» بجلالة قدره في الحكومة، واشتراك المهدي بابنه فيها، والصحف تقول ما تقول في حرية «تامة»، وحديث الرئيس عن أهمية وجود معارضة قوية، فضلاً عن الحديث عن عدم وجود معارضة تزعج الحكومة «قال قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني انه لا توجد قوى معارضة في السودان،
والسودانيون كلمتهم أجمعت بمشاركتهم في الحكومة العريضة، ومن بقوا لا يملكون مقومات لتكوين حزب دعك من تشكيل معرضة». أخبار اليوم، العدد «6176» والصحافة، العدد «6591» بتاريخ 2011/12/5م، وهكذا وهكذا، ولكن الذي حدث هو أنه في ظهر يوم الثلاثاء 2011/12/26م، داهمت مجموعة كانت مرابطة على مقربة من منزل المهندس «عالم» منزله، بعد أن اطمأنت الى عدم وجود شخص آخر معه بالمنزل.. فقد قامت هذه المجموعة المكونة من ثمانية أشخاص بحسب الروايات المتواترة بتسوّر الحائط، وهم يحملون عصي ومسدسات بينما ساعدتهم عربة بوكس عبرت امام المنزل واخذوه بطريقة «الاختطاف» لا الاعتقال، حيث شاهد المنظر بعض الجيران بينما لاذت العربة بالفرار، وقد ظل مكان اختفاؤه مجهولا بسبب النفي الذي وجدته أسرته من قبل جهاز الأمن حول علمهم باعتقاله، ولكنه تبيَّن وجوده بطرف الجهاز بعد الملاحقة المستمرة من جانب الاسرة التي انتهت بالسماح لوالدته باحضار بعض الملابس له، وأيضا كتابة طلب مقابلة بعد «15» يوماً، حسبما أورد موقع «سودانيز اونلاين» يوم أول من أمس. ٭ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا اعتقال «البوشي» وبعد اسابيع من الندوة المذكورة؟ ولماذا بهذه الطريقة.. المثيرة للانتباه والشكوك؟!
فهو قد عبَّر عن وجهة نظره في منبر عام، ومُنح الفرصة من منصة الندوة، ورد عليه المتحدث فيها بما يعتقد أنه كافٍ ومقنع.. وتحدث البوشي عن حال البلد في ظل حكم الدكتور نافع وحزبه، وعن البطانة والمحسوبية والفقر ومواطني دارفور وهمشكوريب ودار السلامات والظلم والقهر. وهو ليس وحده الذي يقول بذلك، وإلا لما وجد حديثه كل هذه الرواج والصيت الذائع.. واذا كان كل من لديه مثل هذا الرأي يستحق الاعتقال والاختطاف على طريقة «البوشي» فإن على الحكومة العريضة أن توسع من مساحات سجونها لتأوي ملايين السودانيين الساخطين عليها.. ألقى خطيب «الجمعة» في احد مساجد العاصمة في خطبة عنوانها «السودان يحترق» كان قد خصصها لحال السودان بعد 23 عاما من حكم «الانقاذ»، حيث قال من بين ما قال: نحن امام كارثة، 23 سنة كل ما تم قد تم باسم الله، والله يصبر ويوشك الله ألا يصبر فإن القذافي قد فعل بقومه ما فعل 40 عاما باسم الكتاب الاخضر، وحسني مبارك فعل ما فعل بشعبه باسم العلمانية، وبشار الأسد يفعل ما يفعل بشعبه باسم القومية العربية، ونحن فعلنا ما فعلنا بقومنا من تمزيق للكتلة الاسلامية، وانتقاص السيادة الوطنية، واحياء النعرات القبلية باسم القرآن.. الخ..
وهناك الكثير الكثير الذي يُقال في منابر عديدة على هذا النحو وأكثر، بما يجعل معالجة الأسباب مقدمة على معالجة الظاهرة، فالجهر بالحق في وجه السلطان الجائر «او غير الجائر» هو من مطلوبات الدين القيّم، والسكوت عن الحق يصنفنا ضمن قائمة الشيطان الأخرس، و«سيد الشهداء حمزة ثم رجل قام الى امام جائر فقوَّمه فنهاه فقتله».. الخ والقرآن الكريم يأمرنا ان نتواصى بالحق قبل أن يأمرنا بالتواصي بالصبر.. اذن ما الذي فعله هذا الشاب حتى يحدث له ما حدث؟! ولماذا تسوَّر الحوائط والاختطاف والاخفاء؟! وكان بالامكان استدعاؤه بطريقة اجرائية عادية، واتباع صيغ العدالة المعروفة اذا كان هناك ما يلزم.. وهنا يبرز استفهام اهم من كل ذلك عن التكييف الشرعي والفقهي قبل القانوني والدستوري لما حدث، خاصة ونحن نرفع شعار دولة «المشروع الحضاري» والحكم بما انزله الله، ونعاهد الله وانفسنا ان نقتدي بالصحابة والتابعين وتابعي التابعين. نُسب للرئيس المخلوع نميري في لقاء المكاشفة الشهري الذي درج على مخاطبة المواطنين عبره عن استفساراتهم وآرائهم، نُسب اليه قوله عن مشروعية ما يقوم به جهاز أمنه ضد معارضيه السياسيين، بينما القرآن يمنع التجسس على الناس.. فقال: الآية بتقول ولا تجسسوا ولا تحسسوا، لكن نحنا حا نتجسس ونتحسس وننط الحيط كمان.. والعهدة على الراوي
٭ من بين ما شغل تفكير الناس حول ما جرى للمهندس «بوشي» هو من الذي اصدر قراره باعتقاله، وكيف سيقوم باخراج العملية التي هي في نظر الغالب الأعم من المتابعين، لا تزيد عن كونها انتقاما منه على ما قاله في مواجهة الدكتور نافع في ندوة جامعة الخرطوم. هل سيُقدم للمحاكمة؟! وبأية تهمة ؟! وهل سيُطلق سراحه ام يبقى هكذا الى اجل غير مسمى؟! وتحت اي مسوغ قانوني؟! ومن الذي لديه المصلحة من غير الدكتور نافع في هذا الاجراء من اساسه؟! وما هو القانون الذي يحكم البلد؟! وهل في فقه الجماعة أن قول الحق في وجه الحكام جريمة؟! هل الحكام مقدَّسون أم منزَّهون عن الخطأ حتى يتم تجريم منتقديهم؟! وأين هؤلاء من المقولة الشهيرة التي قيلت لأمير المؤمنين «لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا»؟!! وأمير المؤمنين «رضي الله عنه» نفسه يقول لنا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!
--------------------------
ستة وخمسون عاماً من التيه .. ألا تكفي؟
خالد التجانى
عام آخر أضيف لسنوات استقلال السودان. ذكرى ظلت تتعاقب لستة وخمسين عاماً، تحتفل بها الطبقة السياسية بخطابات باردة الحس وفاقدة للمعنى لا تكاد تعي حجم مآزقنا، وتتغنى بأناشيد تجتر الحنين لماضي لم تتعظ ولم تتعلم ولم تنس شيئاً من حوادث دهره، وقد عجزت أن تبني وطناً نفتخر بحاضره، أو نتطلع بأمل لمستقبله، كيف نحتفل وقد جاء احتفال هذا العام والسودان ليس هو السودان الذي طالما احتفلنا شكلاً باستقلاله وفقدنا معناه، صار السودان سودانين فبأيهما نحتفي؟، انحتفل بخيبتنا الوطنية الكبرى بتقسيم البلاد في خطوة لم تكن قدراً مقدوراً ولا قضاءً محتوماً لا سبيل لدفعه، وبلا مسوغات مقبولة ولا مبررات منطقية في سباحة رعناء عكس تيار التاريخ، وخارج سياق العصر في عالم تتغير فيه حدود الدول ويعاد رسمها خرائطها من أجل خلق كيانات أكبر، وليس توليد كيانات أصغر، كما ذهب إلى ذلك المفكر الاستراتيجي ووزير الخارجية التركي أحمد داؤود أوغلو، وهو يشخص الحالة السودانية.
تأتي ذكرى الاستقلال هذا العام وقد بلغت أزمتنا الوطنية ذروة سنامها، لم تصب وحدة البلاد في مقتل فحسب بل باتت مرشحة للمزيد من التمزق والتشرذم، وقد تهدد نسيجها الاجتماعي إذ إرتدت إلى أتون الصراعات القبلية والعنصرية البغيضة، وتاهت في النزعات الجهوية والإقليمية وحروب لا تنتهي يخبأ أوار إحداها فتنشب محله حروب وحروب عبثية لا طائل وراءها، لتصبح هذه الصورة المأساوية القاتمة عنواناً لعجز الطبقة السياسية بعد أكثر من نصف قرن عن بناء مشروع وطني حقيقي لا يحفظ وحدة البلاد فحسب، بل يحقق لها الأمن من خوف والإطعام من جوع والتطلع للتنافس على مكانة رفيعة بين الأمم، يستحقها الشعب السوداني الذي حباه الله تعالى موارد بشرية وطبيعية وإمكانات كامنة هائلة مما قل نظيرها بين الدول، كانت قمينة بأن ترفع ذكره بين الشعوب وتمنحه مجداً وشأناً لو قيض له من بين طبقته السياسية قيادة صالحة فالحة عالية الهمة على قدر الوطن وفي مقامه
ليس السودان بدعاً بين الأمم حتى نركن لتبريرات بائسة وساذجة تحاول هذه الطبقة السياسية المأزومة عبثاً أن تغطي بها عورة فشلها وعدم قدرتها على التصدي لمهمة بناء وطن يملك كل مقومات النهوض، ولننظر لعشرات الدول في أركان الدنيا الأربعة التي تشابه ظروفها السياسية وتنوع تركيبتها الاجتماعية المتعددة ما يشابه واقعنا لولا أن السودان كان حظه عاثراً لم يحظ بما حظيت به تلك الدول من قادة ذوي بصيرة نافذة ورؤية ثاقبة، وبعد نظر وإرادة سياسية قوية وعزيمة لا تلين وتخطيط سليم وأهم من ذلك كله سلموا من شح النفس وتمتعوا بعلو الهمة فصنعوا من بلاد ليس لها ما للسودان من نصيب وافر في كل مقومات النهوض، ومع ذلك صنعوا أوطاناً آمنة مستقرة وبلداناً ناهضة ارتقت لمصاف تنافس أرقى الدول وكبرياتها، ودوننا نماذج الهند، وكوريا، وماليزيا. نهض بها قادة نجحوا في أن يحولوا واقع بلدانهم المعقد وتناقضاتها الاجتماعية إلى روافع للبناء، وهندسوا أنظمة سياسية خلاقة ومشروعات وطنية فعالة إئتلفت حولها العقول والقلوب، واستجابت بوعي وتضحية ومسؤولية لتلك التحديات، وخلقت فرصاً سانحة أمام شعوبهم للتطلع إلى المستقبل بأمل لا الركون إلى الماضي والغرق في وحله
لقد كان حرياً بالطبقة السياسية على امتداد طيفها أن تصحو اخيراً على هول ما انتهى إليه حالنا، فحدث تقسيم السودان أمر جلل، إن لم نقل كارثة وطنية بكل المقاييس، لم يمر وقت طويل حتى استبنا حدود ومعالم التوازنات والتغييرات الاستراتيجية التي خلفها على الصعد كافة جيوسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وطالت آثاره السلبية العميقة الطرفين المنقسمين، ولا تزال تنذر بالمزيد.
وكانت دواعي المنطق والحكمة تفترض أن حدثاً بهذا الحجم والتأثير الجذري العميق والمحتوم على مستقبل أوضاع البلاد أن تتداعى له الجماعة الوطنية إلى حراك سياسي غير مسبوق يسبر أغوار أسباب الأزمة الحقيقية في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السوداني التي أدت بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال إلى هذه النتيجة المفجعة، تقسيم البلاد وفتح الطرق أمام تفتيتها بالكامل، والاستفادة من عظات وعبرات هذا الدرس القاسي في استعادة الوعي والضمير الحي والتضحية الجسورة للعبور إلى مشروع وطني جديد جامع لا يقي البلاد من المزيد من التشرذم فحسب، بل يفتح كوة أمل أمام إنطلاق جديد.
بيد أن ما يجري على المسرح السياسي في الخرطوم لا يشي بأن أي شيئ من هذا يحدث على الإطلاق. لقد كان الظن أن صدمة التقسيم ستكون صاعقة بدرجة تكفي لأن تقتنع الطبقة السياسية على امتداد طيفها بأن الوقت قد حان، ولو متأخراً وبعد أن دفعت البلاد هذا الثمن الباهظ، لأن تتواضع بعض الشئ وتعكف على مراجعة جذرية لمواقفها وحساباتها، وتقدم بشجاعة على إطلاق بداية جديدة حقيقية وفعلية لمشروع وطني، ظل مفقوداً، قادر على مخاطبة التحديات الراهنة ويضع أسسا متينة لنظام سياسي ديمقراطي سداته الحرية، والعدالة، واحترام التنوع وكفالة حقوق الإنسان، والنزاهة وتكافؤ الفرص والمساءلة والمحاسبة.
ولكن نظرة واحدة على المشهد السياسي السوداني خلال الأشهر الماضية منذ الإعلان رسمياً عن قبر حقبة «السودان الموحد»، تكفي ليرتد إليك بصرك حسيراً، لا شئ مما تظن أن الشروع فيه عاجلاً بحسبانه أمرا بدهيا يحدث على الإطلاق، فالطبقة السياسية، في الحكم والمعارضة، تعاطت ببرود تحسد عليه مع هذه الكارثة الوطنية، ولم يتعد تفاعلها معه أكثر من تعليقات سطحية عابرة مما درج أن يتداوله غمار الناس في مجالس المدينة، لا تصح ولا تصلح أن تكون هي سقف مواقف من يتحملون مسؤولية الحكم أوالمعارضة في مثل هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، ويعول عليهم أن يكونوا الطليعة التي تأخذ بيد مواطنيها إلى بر الأمان. إن أكبر خطر يهدد البلاد في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، وينذر بذهاب ريحها وتشرذم وتفتت ما تبقى منها، هو حالة الفراغ العريض السائدة حالياً بسبب عجز الطبقة السياسية المستشري، وهي حالة فريدة من العجز السياسي والفراغ القيادي غير مسبوقة، فلا حزب المؤتمر الوطني الممسك بسدة السلطة قادر على تحمل مسؤولية الحكم والقيام بواجباته، ولا أحزاب المعارضة بشتى أشكالها قادرة على تحمل أعباء المعارضة والنهوض بدورها والعمل بجدية لتكون بديلاً موضوعياً جاهزاً لحزب حاكم شاخ في السلطة وترهل وأرهق ولم يعد لديه ما يقدمه، ولا سبب يبقيه ممسكاً بتلابيب الحكم إلا ضعف معارضيه وهزال دورهم.
ما يحتاجه السودان لينهض من تحت براثن هذه السقطة والخيبة الوطنية الكبرى أعظم شأناً، وأعمق بعداً، وأوسع مدى بكثير مما تحاول الطبقة السياسية، في الحكم والمعارضة، الإيحاء بأنها تزمع الإقدام عليه من أجل الخروج من هذا الوضع المأزقي، وكلا الطرفين لا يبدو أنه معني بأكثر من الفوز في معركة التشبث بالسلطة بأي ثمن، أو الوصول إليها بأية وسيلة. فالمؤتمر الوطني الحاكم، الذي اجتهدت نخبته لدفع الأمور بإتجاه تقسيم البلاد ظناً منها أن ذلك سيخلي لها جو السلطة صافياً من عنت من ينازعونها الشراكة فيها، وقف حمارها في العقبة فلم تحر ما تفعل بما حل بالبلاد من كوارث سياسية واقتصادية وعودة الحرب بعد أن ذهب الجنوب في حال سبيله، مكتفية بإطلاق شعار هلامي «الجمهورية الثانية» التي لا يعرف لها أحد معنى ولا مبنى غير وعود مبهمة بتغييرات شكلية، وفي الحقيقة لا يعني أكثر من أن تمضي الأمور كالمعتاد، لا تمضي خطوة أكثر من أن تردف في مركب السلطة بعض من ينازعونها من معارضيها. ولم يعد من بيدهم السلطة يملكون مشروعاً سياسياً للحكم اللهم إلا إذا كانوا يحسبون التشبث بكراسي السلطة بأية وسيلة وبغض النظر عن التبعات مشروعاً سياسياً في حد ذاته.
لقد حان الوقت لتدرك الطبقة السياسية، في الحكم والمعارضة، وقوى المجتمع المدني والأهلي الحية، أن نواميس الكون لا تعرف الفراغ، واستمرار الحلقة المفرغة الحالية لن يورث إلا فوضى لن تبقي ولا تذر، وما من سبيل للخروج من ذلك إلا بتغيير حقيقي يقدم عليه الجميع، ومسؤوليته لا تعفي أحداً، فلا الحكم يستطيع الاستمرار في سلطته وهو في هذه الحالة المنكرة من انعدام الرؤية والفاعلية السياسية وعدم القدرة على تحمل مسؤولية الحكم بحقها، ولا المعارضة تستطيع الزعم أنها تمثل بديلاً ناجعاً وحالها ليس أقل بؤساً ممن بيدهم الأمر، وقوى المجتمع الأهلي لا تستطيع الوقوف متفرجة تنتظر أن تمطر السماء تغييراً وسلاماً واستقراراً. وحان الوقت لأن تنهض الأغلبية الصامتة من قوى المجتمع السوداني من غفوتها الطويلة لتصنع مستقبلاً أفضل لأبنائها، وواقعنا الذي وصلت حالته المرضية مداها لا يمكن أن يعالج بغير تشخيص صحيح لجذور أزمتنا الوطنية.
لقد ارتهنت البلاد لنصف قرن لوهم أن هناك فروقاً حقيقية بين القوى السياسية التي ظلت تسيطر على السلطة فيما يعرف بهتاناً بالدورة الخبيثة بين أنظمة شمولية وأخرى ديمقراطية، والحقيقية الجلية أنه ليست هناك دورة خبيثة ولا يحزنون، بل هناك ذهنية سياسية واحدة معطوبة ظلت تدور في رحاها هذه القوى السياسية جميعاً على الرغم مما يبدو من خلافات ظاهرة بينها، فهي العقلية ذاتها تتشكل بأزياء متعددة ترتدي مرة لبوساً عسكرياً وتتعمعم في أخرى، فالأحزاب التي تدعي الديمقراطية ليس لها من ممارستها شئ في ذاتها حتى تزعم تحقيقها في دست الحكم، وفاقد الشئ لا يعطيه، هل هي مصادفة ظاهرة الخلود في الزعامة حتى يأتي أمر الله، لا تسلم من ذلك الأحزاب المؤدلجة ذات اليمين أو ذات اليسار، أو ما بينها من قوى تستند على طاعة المريدين العمياء يشرقون معها ويغربون؟. وهل هي مصادفة أن تمارس «أحزابنا الديمقراطية» التوريث السياسي جهاراً نهاراً لا تخشى عاقبة ولا تعبأ بلوم؟. وهل هي مصادفة أن الحكم الديمقراطي الذي تذرف عليه هذه الأحزاب السياسية دموع التماسيح هي ذاتها التي ظلت تتآمر عليه؟، اختلفت في كل شئ إلا أنها اشتركت جميعاً وتفننت في قيادة الانقلابات العسكرية، حتى أنه للغرابة ومع أن العسكريين حكموا أغلب سني الاستقلال، إلا أن انقلاباً عسكرياً صرفاً واحداً لم ينجح في الوصول إلى القصر الجمهوري. لقد كانت هذه الطبقة السياسية هي نفسها التي ظلت تحمل جواز مرور العسكريين إلى السلطة. وهل هي مصادفة أن الأحزاب السياسية الأعلى صوتاً في التنديد بالحكم الشمولي هم الأسرع دائماً في الانخراط في لعبته طمعاً فيما عنده من ذهب السلطة؟.
لا نحتاج إلى تسويد الصفحات بالمزيد من البراهين لتأكيد أن الشعب السوداني سيحصد وهماً كبيراً إن انتظر أن تخرجه من أزمته الوطنية هذه الطبقة السياسية التي ثبت أنها تنتمي إلى ذهن شمولي واحد، تتعدد تمثلاته، ولذلك تتبدل الحكومات وتتغير الوجوه والأزمة باقية، بل وتزداد أزماتنا عمقاً، فقد ثار الشعب بدل المرة مرتين في غضون عقدين في سابقة لم يشهدها بلد آخر، وانتخب أربع حكومات حزبية، وخضع لحكم ثلاثة انقلابات مدنية-عسكرية، وفي كل مرة نرذل أكثر، ونفتن مرات ولا مرات فلا نتوب ولا نتذكر شيئاً. وليس صحيحاً أن الحكومات الحزبية لم تجد فرصة كافية لتحقق حكماً ديمقراطياً، بل الصحيح أنها لم تكن أحزاباً ديمقراطية حقاً ولا تمارسها فعلاً ولذلك عجزت أن تقيم نظاماً ديمقراطياً حقيقياً ذا جذور عميقة في وعي الشعب وبإرادته؛ لأنها لو فعلت لما تجرأ أحد على الانقلاب عليها عسكرياً. لقد كتب على بني إسرائيل التيه أربعين عاماً حتى يفنى الجيل الذي لا يستحق الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم وطناً، وها هم السودانيون وبعد ستة وخمسين عاماً لا يزالون في تيه لأن الطبقة السياسية عجزت أن تبني الوطن الذي يستحقه الشعب السوداني، وما يزال هناك من يأمل أن تفعل ذلك، ستة وخمسون عاماً من العجز.. ألا تكفي؟.
لقد آن الأوان لأن تتنادى القوى الحية في المجتمع من شرائحه المختلفة، لا سيما الشباب الذين يشكلون أغلبية السكان، وتنهض بدعوة لحوار جامع جدي جهير وعميق تتجاوز به الوقوف عند محطة الطبقة السياسية المأزومة التي هرمت وتكلست وليس لها ما تقدمه سوى المزيد من الفشل، وتتجاوز الجدل السطحي أو السعي المتحمس لتغيير الوجوه أو الأشكال وتبقى جرثومة الأزمة حية لتنتقل من جديد، وأن تؤسس لحراك اجتماعي وسياسي وحوار عميق بآفاق جديدة تفتح الأبواب لطريق ثالث يتوافق فيه على مشروع وطني جديد، يمنح بداية جديدة وأملاً جديداً يتساوى فيه السودانيون جميعاً بالعدل والقسط والحرية في رسم مستقبلهم. [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
رأي الشعب ورأي النظام ورأي الضحايا في السودان د. عبدالوهاب الأفندي 2012-01-0 (1) تستحق قيادات المؤتمر الشعبي المعارض في السودان التهنئة لأنها تعرف كيف تحتل صدارة الأنباء، وتضع الحكومة دائماً في موقف الدفاع، رغم محدودية موارد المؤتمر الشعبي وحظه من التأييد الجماهيري. وبسبب علاقة قيادات الشعبي بحكام السودان ومعرفتهم بدواخل كثير منهم، فإنهم يعرفون مواضع الألم التي تثير هؤلاء وتدفعهم إلى خطوات غير محسوبة. وليس أدل على ذلك من قيام أجهزة الأمن هذا الأسبوع بإغلاق صحيفة رأي الشعب التي يصدرها المؤتمر الشعبي واتهام الحزب بأنه يخطط لانقلاب عسكري، رغم أن قلة قرأت ما صدر في الصحيفة وما زال كثيرون لا يعرفون فحواه.
(2)
بالمقابل فإن اعتصام ضحايا سد مروي يدخل الآن أسبوعه الثامن في مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل، دون أن تظهر الحكومة أدنى اهتمام بمعاناة الآلاف ممن افترشوا الأرض في هذا البرد القارس، كما لم تظهر من قبل معاناة عشرات الآلاف من ورائهم ظلوا بلا مأوى ولا ما يسد الرمق لأعوام متتالية. ولكن نفس الحكومة ردت بعنف عندما تظاهر طلاب جامعيون في العاصمة تأييداً لمطالب المتضررين.
(3)
ما يستنتجه العاقل من كل هذا هو أن الحكومة لا يهمها موت المواطن برداً أو جوعاً، كما يظهر من عدم اكتراثها بمصير المدنيين الذين شردتهم الحرب أو حزبهم الفقر. ولكن الحكومة تتحرك بجدية وسرعة لكل ما ترى أنه تهديد للنظام، وتدفع أي ثمن لدرء الخطر المتخيل، سواءً أكان الثمن التفاوض وتقديم التنازلات، أو القمع وانتهاك حقوق الإنسان، أو تلبية كل مطالب القوى الأجنبية البعيدة والقريبة التي تخافها. فنحن كما يقول المثل المصري، أمام 'عالم تخاف ما تختشيش'.
(4)
إدراك قادة المؤتمر الشعبي لنقاط الضعف هذه مكنتهم من المناورة لاحتلال صدارة الأحداث بأقل جهد ممكن، وذلك لدفع النظام وأجهزة إعلامه للتبرع بالدعاية المجانية للحزب ومنحه حجماً أكبر بكثير من حجمه. لقد مضى الزمن الذي كان فيه المؤتمر الشعبي وزعيمه الشيخ حسن الترابي قادرين على إنجاز انقلاب عسكري، لأن الفصيل المناوئ له نجح عبر عمليات تطهير متتابعة في تصفية كل من له شبهة ولاء لزعيم المؤتمر الشعبي، مما سبب ضرراً كبيراً للقوات المسلحة وأثر في كفاءتها القتالية، خاصة وأن هذه الجراحة المؤلمة التي تجرى للقوات والنظامية في عهد الإنقاذ، ويتم فيها بتر وإعادة زرع الأعضاء على أساس الولاء قبل الكفاءة. وبالتالي فإن التصريح بأن الشيخ الترابي يخطط لانقلاب هو من قبيل التهويل والدعاية السمجة التي لا يقبلها عقل، خاصة وأن خيار الانتفاضة الشعبية هو الأسهل على كل حال.
(5)
الحديث عن مؤامرات انقلابية مزعومة شبيه بحديث حبيب الأمة السورية بشار الأسد عن العصابات المسلحة، وهوعلى الأرجح محاولة استباقية لاستهداف من يعتقد أنهم قد يقودون الاحتجاجات الشعبية. وهذا بدوره قد يدفع هؤلاء للمباشرة بالتحرك الشعبي الاستباقي قبل أن يعتقلوا وينكل بهم، وبالتالي تكون لدعاية الحكومة أثر عكسي، تماماً كان الحال عندما استهدفت الطلاب المتظاهرين دعماً لضحايا السد، فقامت باستعداء كل الطلاب، مما جعلها الآن تواجه موجة احتجاجات طلابية لا علاقة لها بالمتضررين. (6)
نصح كثير من أنصار الحكومة والحادبين عليها مراراً وتكراراً بسرعة التصدي لأزمة ضحايا السد وسرعة منحهم حقوقهم المشروعة التي لا خلاف عليها، وقد تعهدت بها الحكومة من قبل مراراً وتكراراً دون وفاء. وقد نبه العقلاء إلى تكلفة التأخير في الوفاء بالتزامات الدولة تجاه المتضررين ستكون أكبر بكثير من الوفاء بها، فوق أنه لا مبرر أساساً للتأخير في هذه الالتزامات المستحقة، خاصة وأنها مسألة حياة وضروراتها من مأوى ورزق. فقد كان هؤلاء المواطنون راضين قبل ذلك بكفاف عيشهم قبل أن تقرر الحكومة إغراق بيوتهم ومزارعهم. وكان من واجبها توفير البديل قبل الإغراق، خاصة وأنها تجبي المليارات من عائدات كهرباء السد. أما الآن وقد مرت أربع سنوات على إغراق الديار فما هو العذر؟
(7)
ليس نقص الموارد حجة، لأن جزءاً يسيراً مما تنفقه إدارة السدود على الدعاية والرحلات المجانية إلى السد، والرشاوى للأولياء، ومرتبات ومخصصات كبار موظفيها وما يتقلبون فيه من نعيم حذر الله أمثالهم من أنهم سيطوقون به يوم القيامة ناراً نعوذ بالله من غضبه- كان يكفي لحل المشكلة. (8)
قبل أيام علق أحد الكتاب السودانيين بأن كل من مساعدي رئيس الجمهورية الجدد خصصت له سيارتان، سوداء وبيضاء، إحداهما لليل والثانية للنهار. ويبدو أن معلومات ذلك الكاتب المقتدر كانت منقوصة، لأن ما رشح هو أن ما طلبه هؤلاء هو ثلاث سيارات من كل لون، وقد قدرت التكلفة بقرابة ثلاثة ملايين دولار، هذا بدون حساب تكلفة العاملين من سائقين وحراسة وموظفين وحشم وتابعين. فلنفترض أن الحكومة لم يكن لديها سوى هذا المبلغ، ألم يكن ألاولى، على أقل تقدير، قسمة المبلغ بين ضحايا السد ورفاهية المسؤولين؟
(9) لكل هذا قد لا يكون هناك بد أمام المتضررين من التصعيد ونقل احتجاجهم إلى الخرطوم. فلم الاعتصام أمام مكاتب والي الولاية، في حين أن القرار هو في القصر؟ لقد كانت خطة قيادات الاحتجاج هي التصعيد نحو العاصمة إذا لم يستجب لهم بعد اعتصام الولاية. ولعل الوقت حان لاتخاذ هذه الخطوة. ولعلهم يجب أن يستلهموا في هذا المقام هتاف ثوار أكتوبر 1964 المشهور: 'إلى القصر حتى النصر'. فعلى بركة الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
في البحث عن جوامع وطنية لطريق ثالث ..
بقلم: خالد التيجاني النور السبت, 07 كانون2/يناير 2012 07:45 Share [email protected]
أعلن المجلس الوطني عقب مداولاته حول تقرير اللجنة الطارئة لمتابعة الأوضاع الامنية بالبلاد عن خلاصات بالغة الخطورة والحساسية بما يترتب عليها من تبعات وتداعيات مصيرية في المستقبل المنظور, أهمها على الإطلاق تصنيف دولة جنوب السودان بأنها "المهدد الأمني الرئيسي للبلاد", واعتبارها جزءً من "مخطط إسرائيلي أمريكي" يستخدم تحالف المعارضة السياسية, وتحالف كاودا لشن حرب على السودان.
ونقلت الزميلة (السوداني) عن وزير الدفاع قوله أمام البرلمان "إن قوات يوغندية موجودة على الحدود مع إفريقيا الوسطى بحجة محاربة جيش الرب تتأهب للهجوم على الشمال ضمن مخطط تقوده الحركة الشعبية من عدة محاور بمناطق النيل الأزرق, وحدود بحر الغزال مع جنوب دارفور, بجانب قوات تحالف كاودا الموجودة في أعالي النيل وولاية الوحدة بجوار جنوب كردفان", وأعلن وزير الدفاع عن "مخطط إسرائيلي أمريكي ذي شقين لزعزعة استقرار البلاد متهماً أحزاب جوبا بقيادة المخطط السياسي, فيما تقود الجناح العسكري للمخطط الحركات المسلحة جناح عبد الواحد وناوي, بدعم إسرائيلي فني ولوجستي" واضافت الصحيفة أن وزير الدفاع "أقر بتحديات ومخاطر اقتصادية تجابه البلاد خلال العام القادم, وحذر من تحركها في آن واحد", وأن الوزير "طلب السند السياسي من البرلمان وتقوية الوحدة الوطنية بإشراك المعارضة".
وبعيداً عن التهويل فإن ما جرى في البرلمان بالأمس من مداولات النواب حول تقرير وتوصيات اللجنة الطارئة بشان الأوضاع الامنية في البلاد, وإفادات كبار المسؤولين عن الأجهزة الامنية والعسكرية, وعلى محدودية ما رشح من معلومات في التقارير الصحافية على ألسنة مصادر شاركت في هذه الجلسة السرية, يرسم صورة مخيفة ومثيرة للقلق بشأن المستقبل المنظور على خلفية خطورة التحديات المصيرية التي تواجه البلاد اليوم وليس غداً, أوضحها أن نذر حرب شاملة على وشك الإندلاع على أكثر من جبهة.
وهذه الصورة القاتمة ليست متوهمة أو يجري تهويلها مما تجري به أقلام المحللين السياسيين, أو الكتابات الصحافية, استناداً على قراءة وربط لقرائن الأحوال, مما يسهل دمغها عند قادة الحزب الحاكم بسوء النية, وحتى إنكار وجودها, بل هي نتاج وقائع أقر بها القادة الكبار المسؤولون عن الملفات العسكرية والأمنية, وهو ما يستدعي بالضرورة أن تؤخذ عند صناع القرار بما تستحقه من الجدية الكاملة والتعاطي معه بالمسؤولية الوطنية الكاملة وبالتحرك العاجل والناجع, وبعقل مفتوح وآفاق واسعة للمراجعات العميقة لتشخيص الجذور الحقيقية لأسباب أزمتنا الوطنية الراهنة الآخذة في تضييق الخناق وباتت تشكل مهدداً جدياً وشيكاً ومصيرياً لمستقبل البلاد والعباد, واجتراح حلول حاسمة لمعالجة جذور الأزمة بكل أبعادها الخطيرة. ودرهم وقاية خير من قنطار علاج, هذا إن أسعفنا الوقت لذلك.
مما من شك أن الأمور لم تنزلق إلى حافة الهاوية إلا جراء إصرار الطبقة السياسية في الحكم والمعارضة على التعاطي مع القضية الوطنية بقدر غير قليل من السطحية والشح السياسي وقلة المرؤة الوطنية والافتقار للعمق الاستراتيجي المدرك لمآلات الصراع على السلطة بغير سقوف وطنية تفرق بين أجندة تصفية الحسابات السياسية القصيرة النظر والولوغ في تصفية الوطن نفسه. ومما من شك أن المسؤولية في وصول الحال إلى ما عليه تقع على الأطراف جميعها بالطبع بأقدار مختلفة موزونة بقدرة التأثير على مجرى الأحداث, ومن المؤكد كذلك أن المسؤولية الأكبر تقع في المرتبة الأولى على الطرف الممسك بمقاليد الحكم فهو بطبيعة الحال الطرف الأكثر قدرة على نزع فتيل إشعال القنبلة الموقوتة التي تهدد بقاء الوطن ووجوده, إن أقدم على تدبير الامور بحسن سياسة ومبادرة رشيدة مبرأة من شح النفس وغلبة الإثرة, وهي مبادرة ليست ممكنة ولا وارد نجاعتها ما لم تكن سداتها هدف وحيد لا غير الحفاظ على الوطن, وليس المناورة من أجل المحافظة على بقاء النظام بأي ثمن.
والتنبيه والإنذار, للأسف غير المبكر, الذي أطلقته مداولات البرلمان بشأن الأوضاع الأمنية التي تجابه البلاد ليس كافياً في حد ذاته لدرء المخاطر الوشيكة من حرب شاملة شبه محتومة ما لم يتم تدارك هذه التحديات الخطيرة بحراك وطني عاجل وواسع, إذ أن كشف هذه المخططات والاكتفاء بتوصيفها وتأكيد العلم بها لا يقدم وصفة ذاتية فعالة لمواجهتها بمجرد المعرفة بها, بل تقتضي الحكمة ما هو أبعد من التعاطي بطريقة بروقراطية متثاقلة فاقدة للإحساس بعنصر الوقت وبجسامة اللحظة الوطنية الراهنة بكل تعقيداتها وتبعاتها المستقبلية.
وفي الواقع فإن خرج من كواليس البرلمان ومداولاته من نذر ليس بجديد تماماً ولا ينبغي أن يفاجأ به أحد فارهاصات ذلك كانت جلية لكل مراقب يتابع تطورات الأوضاع في السودان عن كثب, ليس الآن فقط بل منذ أن بدأت تتعثر اتفاقية السلام الشامل ووتبعثر أوراق تسوية نيفاشا التي كان من الممكن أن تكون فرصة تاريخية لوضع أسس جديدة لبناء وطني موحد يستوعب تطلعات وطموحات كل السودانيين لو تعاطعت معها الأطراف بذهنية استراتيجية واعية وعميقة وسعة أفق باعتبارها الفرصة الأخيرة والمخرج الوحيد لميلاد وضع جديد في السودان لا تضع الحرب فيه أوزارها فحسب, بل تفتح آفاقاً بلا حدود لبناء السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي, ولكن للأسف تقزمت تلك التسوية التاريخية على أيدي صانعيها لتتحول إلى مجرد صفقة سياسية بائرة وعلاقة عابرة ما كان لها أن تثمر سلاماً, بل بذرت بذور الردة لما هو أسوأ عاقبة, السيناريو الأسوأ خسارة وحدة البلاد وفقدان السلام وعودة الحرب بأجندة أكثر خطورة. والاحتجاج بوجود مخططات خارجية واستهداف أجنبي لا تغني من الحق شيئاً, ولن تدفع غوائلها, فهذه هي طبيعة الأشياء, ونواميس الكون, وقواعد اللعبة الأمم, فليس لك أن تلوم الآخرين لسعيهم لتحقيق مصالحهم وإن كان على حسابك, ولم تلوم غيرك إذا كانت ليس لديك مصالح وطنية معلومة تعمل من أجل تحقيقها.
وتلك آفة النظام السياسي السوداني الذي فشل على مدى سني الاستقلال الست والخمسين عاماً من التوافق على المصالح الوطنية العليا, والاتفاق على نظرية لمحددات ومهددات الأمن القومي, وآثرت القوى الحزبية المختلفة تعاطي الهم السياسي بكثير من الخفة والعشوائية والسطحية وقصر النظر لا تلقي بالاً لعمق استراتيجي ولا أبعاداً للمسؤولية الوطنية تتجاوز الصراع المحموم على احتكار السلطة أو طلبها. وغياب الرؤية المبصرة والذهنية الاستراتيجية والافتقار لتخطيط استراتيجية حقيقي هو الذي أورثنا الورطة الكبرى التي نواجهها اليوم, ولو كانت هناك ثمة نظر في العواقب لما تعامل الحكم بكل هذه الخفة والاستخفاف بتبعات وتداعيات تقسيم البلاد, وظنه الكثيرون من علية القوم مجرد نزهة وتغيير لشكل الخريطة لا أكثر, وها نحن لم نتجاوز أشهر معدودة حتى أدركنا بعد فوات الآوان حجم المصائب والكوارث الاقتصادية والأمنية والعسكرية جراء الخضوع لخيار تقسيم البلاد بلا تدبر ولا دبارة الذي اكتشف الناس أنه تم للغرابة مجاناً بلا أي مقابل.
على أي حال لم يعد البكاء على اللبن المسكوب بذي نفع, والأزمة الوطنية التي بلغت قمة تجلياتها والمخاطر الوشيكة لا تحتاج إلى المزيد من تسويد الصحائف لإقامة الدلائل عليها, فما هو المخرج وما العمل؟. اللافت في ما تسرب من مداولات البرلمان ما رشح من توصيات اللجنة الطارئة من أن العمل العسكري وحده غير كاف, والمطالبة بضرورة دعمه بالتفاوض مع قوى المعارضة السياسية والمسلحة, وتحسين وتعزيز العلاقات مع دول الجوار, لا سيما يوغندا, كما طالب وزير الدفاع بالسند السياسي وتقوية الوحدة الوطنية بإشراك المعارضة. ومن الواضح في هذا السياق أن طبيعة الأزمة سياسية, وأن التصعيد العسكري نتيجة وليس سبباً في تعميق المأزق الراهن. وبالتالي فإن الجاهزية العسكرية مهما بلغت لن تكون فعالة وحدها لمواجهة هذه التطورات الخطيرة وتوابعها.
وهذه رسائل بالغة الدلالة وواضحة العنوان إلى صناع القرار في الحزب الحاكم ان تعاطيها مع الأوضاع السياسية في البلاد يفتقر إلى القدرة الفاعلة في مخاطبة التحديات الخطيرة التي تجابه البلاد على الصعد كافة بما يقتضيه واقع الحال المأزقي, وبالطبع لا أحد يعتقد أن القيادة السياسية ليست على علم بحجم هذه المخاطر والتهديدات ونذرها الوشيكة, ولكن من الواضح أن استجابتها لهذه التطورات الخطيرة لا تحمل آفاق حلول ناجعة, إذ أنها مع معرفتها الأكيدة هذه تقدم حلولاً جزئية وانصرافية لا تعالج جذور الأزمة. ومن ذلك أن مبادرتها إلى تشكيل حكومة عريضة لمجابهة هذه المخاطر التي تقر بها تقاصرت إلى درجة أنتجت جسم بالغ الترهل لم يضع حساباً لأية قيمة سياسية ذات جدوى لغياب مضمونه السياسي فحسب, وفضلاً عن قلة التعويل على كفاءته في إخراج البلاد من مأزقها الراهن, بل كشف عن افتقار مريع لمراعاة أزمة البلاد الاقتصادية وهزمت به أهم تعهدات برنامجها الاقتصادي الإسعافي بالتقشف في النفقات الحكومية مما أفقد البرامج مصداقيته.
وعندما يخرج البرلمان بتوصية لمعالجة سياسية لجذور الأزمة السياسية الراهنة لتلافي تبعاتها العسكرية والأمنية ومخاطرها على البلاد فهو ينعي ضمناً الرهان الذي وضعه صناع القرار على الحكومة المترهلة الحالية, ويدعو لمقاربة أكثر جرأة وعمقاً وخطوات أوسع أفقاً في سبيل الحوار والتفاوض مع القوى المعارضة السياسية والمسلحة.
والمطلوب بصراحة من القيادة السياسية للحزب الحاكم أن تجري مراجعة جذرية وعاجلة لحساباتها ورهاناتها الحالية, وأن تتقدم بمبادرة جديدة أكثر جدية ذات أبعاد استراتيجية تتجاوز ذهنية المناورات المحدودة الأثر, وان تتواءم مبادرتها مع مطلوبات التحديات الراهنة, لا أن تقفز عليها, ولقد قدمت سلفاً تنازلاً كبيراً حين تجاوزت أو ألغت عملياً نتائج الانتخابات الأخيرة التي طالما تباهت بمشروعيتها والأغلبية التي حصلت عليها, بسعيها لضم العديد من الأطراف في الحكومة الجديدة لا وزن سياسي معلوم لها بدعوى أن في ذلك "إرضاء للناس", فإذا لم تسعف تلك الأغلبية المؤتمر الوطني في نيل رضا الناس, فما الذي يجلب لها وهي تسعى كحاطب ليل للبحث عنها خارج أسوار الانتخابات؟.
لقد مشى صناع القرار في الحزب الحاكم نصف خطوة حين اعترفوا ضمناً بأن الأغلبية الانتخابية التي استندوا عليها لم تحقق الاستقرار السياسي المطلوب, والحل يكمن في أن يمضوا إلى النصف المنطقي الآخر من هذه الخطوة ان يدعوا لانتخابات مبكرة عقب فترة انتقالية يتفق فيها من خلال مؤتمر شامل لكل القوى الحية في المجتمع على جوامع وطنية تشق طريقاً ثالثاً عسى أن نرى في نهاية النفق المظلم بصيص امل.
Khalid Tigani [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
المناصير أهل أرض وأصحاب حق
الطسي زين العابدين
انتهى مسلسل مأساة المناصير المعتصمين في العراء، أمام ساحة حكومة الولاية بمدينة الدامر لحوالي 50 يوماً، إلى إعلان مؤسف من والي نهر النيل، الفريق الهادي عبد الله، يقول فيه بتعذر الوصول لاتفاقٍ نهائي مع أصحاب الخيار المحلي (أي الذين يريدون العيش حول بحيرة السد) من المتأثرين بقيام سد مروي. وأفاد الوالي بأن لجنة التفاوض من الطرفين توصلت إلى إتفاق حول عدة قضايا هي: اعتبار كل الاتفاقيات والقرارات السابقة مرجعاً للاتفاق الجديد وهذه نقطة مهمة لأنها تشمل أهم مطالب أصحاب الخيار المحلي (قرار رئيس الجمهورية لسنة 2002 المتضمن للخيار المحلي، قرار معتمد محلية أبو حمد في يونيو 2004 الذي اعتمد انتخاب مجلس المتأثرين ولجنته التنفيذية، القرار الجمهوري رقم 70 لسنة 2006 الذي فوض والي نهر النيل بتخصيص الأراضي الناتجة عن بحيرة سد مروي للمتأثرين وعمل المسوحات اللازمة لمشاريع الخيار المحلي، قرارات الوالي بناءً على تفويض رئيس الجمهورية بتكوين معتمدية للمتأثرين ومسوحات مشاريع إعادة التوطين حول البحيرة وتأجيل العمل في مشروع الفداء «المرفوض من قبل أغلبية المتأثرين» والعمل على توصيل خدمات الكهرباء والطرق، اتفاق لجنة المؤتمر الوطني التي ترأسها إبراهيم أحمد عمر مع اللجنة التنفيذية للمتأثرين في يونيو 2007والذي تضمن الالتزام بقرارات الوالي والقيام بدراسة علمية حول الخيارات المقترحة وتوفير السكن والخدمات لكل مواقع الخيارات بما فيها المحلي وإجراء استبيان لتحديد مواقع السكن للمتأثرين وإحصاء المتأثرين وبدء التنفيذ الفعلي للخيار المحلي، وتبشير المواطنين بهذا الاتفاق ودعوتهم لتأييده.
«وقّع الاتفاق من جانب الحكومة كل من الزبير أحمد حسن وزير المالية وغلام الدين عثمان والي نهر النيل ومحمد أحمد البرجوب رئيس مجلس المتأثرين). الغريب في الأمر أن وحدة تنفيذ سد مروي العاتية وقفت بقوة ضد كل تلك الاتفاقيات والقرارات ونجحت في تعطيل تنفيذها إلى يومنا هذارغم مرجعيتها الرئاسية والولائية والسياسية! شمل اتفاق الوالي الحالي أيضاً: قيام مفوضية لتنفيذ قضايا الخيار المحلي المرتبطة بالتوطين والتعويض وحصر حقوق المتأثرين وتشييد المساكن بخدماتها الصحية والتعليمية ودور العبادة وإدخال الكهرباء وربط المنطقة بالطرق القومية، وإقامة وتشغيل المشروعات الزراعية، ومعالجة حقوق الترحيل والإعاشة، واستكمال دفع متبقي استحقاقات المتأثرين.
ولم يكتمل التوقيع النهائي على هذا الاتفاق الجيد لأن المتأثرين تمسّكوا بأن يكون هناك تفويض واضح من قبل رئاسة الجمهورية للولاية بشأن ملف أصحاب الخيار المحلي، ورهنوا رفع الاعتصام الذي تطالب به الحكومة المركزية بصدور هذا التفويض. والمتأثرون محقون كل الحق في المطالبة بهذا التفويض الرئاسي لأن مهام المفوضية العديدة المذكورة سابقاً تحتاج إلى صلاحيات قانونية ومالية وإدارية فوق سلطات الولاية التي يعجز حاكمها المنتخب عن مجرد ترتيب مقابلة مع رئيس الجمهورية، دعك من تنفيذ المهام الكبيرة المناطة بالمفوضية والتي تعارضها بقوة وحدة تنفيذ السدود ذات الحظوة العالية وغير المفهومة لدى رئاسة الجمهورية! ولأن المتأثرين لدغوا من هذا الجحر من قبل حين استطاعت وحدة تنفيذ السدود أن تعطل قرارات الرئيس والوالي واتفاق لجنة ابراهيم أحمد عمر، بل ومن حق المرء أن يتساءل في ظل التجارب السابقة: هل يكفي تفويض الرئيس لحكومة الولاية ضماناً لتنفيذ الاتفاق الجديد؟
أم أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك مثلاً إجازة حكم قضائيٍ على أعلى مستوى بصفة أن القضية محل الخلاف عبارة عن تسوية حقوق معترف بها ومتفق عليها بين الطرفين المتنازعين، والقانون يعتمد نتيجة التحكيم في النزاع إذا كان بالتراضي، أو البديل الآخرالذي أدمنته الحكومة وهو الضمان الدولي مثل ما حدث في اتفاقيات الجنوب والشرق ودارفور. لقد صبر أهل المناصير طويلاً منذ أن أغرقت ديارهم ومزارعهم ومدارسهم ومساجدهم ومتاجرهم في يوليو 2008 بقصد طردهم من ديارهم وإجبارهم على اللجوء إلى الخيارات التي حددتها لهم وحدة السدود عنوة واقتدارا، وبرهن المناصير أنهم على قدر التحدي الذي فرض عليهم فقبلوا بالسكن العشوائي المؤقت فيما تبقى من أرضهم المستباحة تحت ظروف قاسية، وما لجأوا للإعتصام في برد الشتاء بساحة الولاية لعشرات الأيام إلا بعد أن ضاقت بهم السبل وحرموا من كل حقوقهم المالية والسكنية والمعيشية والخدمية بواسطة عصبة متنفذة مستبدة قاسية القلب وجدت أذناً صاغية من رئاسة الدولة.
وليعلم المناصير أن الحق لا يضيع مهما كانت قوة الخصم إذا وقف من ورائه مطالب ذو عزيمة وإرادة وهمّة. وقديماً قال شاعر العربية الفحل المتنبئ: وما نيل المطالب بالتمني * ولكن تؤخذ الدنيا غلابا (وخاصة مع هذه الحكومة!)لقد عجزت هذه الحكومة عن معالجة قضايا البلاد المصيرية بصورة سلمية وتفاوضية منذ أن استولت على السلطة في يوليو 1989م، وبرهنت في كل منعطف أنها لا تف بما تلتزم به إلا أن يحاط بها من كل جانب، ولا بأس على المناصير أن يحيطوا بها في قلب عاصمتها الخرطوم حتى ترعوي وتعود إلى صوابها، فقد وصف الله سبحانه قوم فرعون بالفسوق لأنهم قبلوا إعطاء الطاعة للحاكم المستبد رغم استخفافه بهم، قال تعالى «فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين» (الزخرف: 54).
وحجة وحدة تنفيذ السدود في تعطيل تنفيذ القرارات والاتفاقيات السابقة التي لا تمل تكرارها في كل موقف وفي كل إعلان مدفوع القيمة هي أن الدراسة التي قامت بها هيئة جامعة الخرطوم الاستشارية توصلت إلى أن المشاريع الزراعية حول بحيرة السد غير ذات جدوى اقتصادية وعليه فإن الخيار المحلي لا ينبغي أن يكون وارداً. وهذه الحجة ليست دقيقة لأن ما طلب من هيئة جامعة الخرطوم هو البحث عن مشاريع دائمة الري وليست موسمية، ولكن الهيئة تدرك بأن الري الموسمي ممكن ومجدٍ اقتصادياً على الأقل في بعض المناطق. ويقول المناصير إن دراسة أخرى أشرف عليها المهندس الكبير يحي عبد المجيد برهنت على إمكانية قيام مشاريع زراعية حول بحيرة السد. ولنفرض جدلاً بأن إقامة مشاريع زراعية في منطقة السد غير مجدية اقتصاديا ولكن مع ذلك يريد أهل الأرض أن يقيموا في أرضهم لأسباب عاطفية أو أدبية أو تراثية، فمن الذي أعطى وحدة تنفيذ السدود الحق الإلهي في حرمان المناصير من ممارسة خيارهم ولو كان خطأ؟ فقد أسكن إبراهيم عليه السلام ذريته بوادٍ غير ذي زرع عند بيته المحرم، ودعا الله أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وقد كان (إبراهيم:37). وهل أكبر مشاريع السودان الزراعية ذو جدوى اقتصادية منذ عشرات السنين؟ حتى احتارت الحكومة ماذا تفعل فيه!
يقول الأستاذ محجوب محمد صالح في عموده الأشهر «أصوات وأصداء» بجريدة الأيام (5/1/2012) على لسان المهندس الحضري وزير الدولة بوزارة السدود إنهم يعترفون بأن قرارات رئيس الجمهورية تعطي المواطنين الحق في الخيار المحلي، ولكنهم في الوزارة لا ينصحون به لأن الدراسات أثبتت عدم جدواه الاقتصادية، وأن ما يقولونه مجرد نصيحة غير ملزمة لأحد ولن تمنع الوزارة مواطناً من اختيار الإقامة حول البحيرة متحملاً نتيجة اختياره. ورغم أن لهجة التواضع الطارئ هذه من وحدة السدود لا تنطلي على أحد لأنها فعلت (السبعة وذمتها) حتى تحول بين المناصير والخيار المحلي، لكن دعونا نصدق ما يقولون ونقبل منهم هذه الهداية المتأخرة. ويردفون القول بأن الوزارة غير ملزمة بإعداد أماكن التهجير المحلي، وحسناً فعلوا لأن ذلك يعني أن لا صلة لهم بأي عمل يتعلق بسكن وخدمات ومشاريع الخيار المحلي
ولكن السؤال هو: هل استلمت الوحدة من وزارة المالية أية أموال تتعلق بتعويض وتهيئة أماكن السكن المحلي الذي ورد في أول قرار لرئيس الجمهورية منذ عام 2002؟ ولكن تلك قضية داخلية بين وزارة المالية ووحدة السدود ولا نريد أن ندخل بين القشرة والبصلة! وبالمناسبة فإن وحدة تنفيذ السدود المحظوظة لا تخضع لأية إجراءات مالية أو لوائح أو قوانين للخدمة المدنية بما في ذلك طريقة التعيين والترقي والهياكل الراتبية ومراجعة الحسابات وهلمجرا! وبما أن وزارة السدود قالت إن لا صلة لها بالخيار المحلي، يصبح إنشاء المفوضية المكونة بقانون أو قرار رئاسي هو الأمر الطبيعي للقيام بكل ما يتطلبه الخيار المحلي من إجراءات ومسوح وتعويضات وغيره حسب ما ورد في القرارات والاتفاقيات السابقة مع الحكومة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
حتي
الفرصة الأخيرة من الزمن بدل الضائع
صديق تاور
٭ يلخص المشهد السوداني الماثل اليوم أزمة البلد العامة في أكثر صورها وضوحاً وفي أعلى درجاتها تفسخاً، فقد تراكمت بالتدريج مشكلات كثيرة معقدة وكثيفة غطت على تفاصيل المسرح تماماً، ولم يعد مجدياً ولا ممكناً التخدير الموضعي أو الترقيع هنا وهناك، لأن الأزمة شاملة ولا يصلح معها إلا حل شامل. وإن كانت المناورات والمراوغة وتغبيش الحقائق قد أسعفت الجماعة في وقت من الأوقات، إلا أن الأمور اليوم صارت أوضح من الشمس، والحقائق عارية تماماً أمام أعين أبسط مواطن بحساب النتائج قبل كل شيء، وبالتالي لن ينفع لا تضليل إعلامي ولا وعود وهمية، ولا أمنيات لتسكين ذوي النوايا الطيبة. وتكفي تجربة عقدين من الزمان رصيداً يزوّد ذاكرة العباد ويعينها على قياس أقوال وأفعال الحكومة وحزبها بشواهد حية في الأذهان، بما يضع الأخيرين أمام خيارات محدد ومحدودة: إما مغادرة عقلية المكابرة على الحقائق، وبالتالي التفكير جدياً في تقديم تنازلات كبيرة على صعيد الحكم والإصلاح السياسي والاقتصادي، أو حجز مقاعد لهم في مزبلة التاريخ على طريقة بن علي والقذافي ومبارك وغيرهم.
٭ لقد تشكل المؤتمر الوطني بوصفه حزباً سياسياً من قمة السلطة على خلفية صراع داخلي عنيف في منظومة الانقاذ الحاكمة انتهى بفريقين رئيسين هما «القصر» و«المنشية»، حيث استطاع الفريق الأول أن يحتفظ بموقعه في السلطة على حساب الفريق الثاني الذي انتهى إلى صف المعارضة، وبدلاً من أن تشكل هذه المفاصلة فرصة حقيقية للمراجعة النقدية الجادة، ومحاولة للخروج بالبلاد بكاملها من مستنقع الأزمة، انتهزت جماعة القصر هذه الفرصة واعتبرت أن المجال قد خلا لها كيما تسرح وتمرح وتعربد في السلطة كما تريد. ولم يكن هناك ضابط لا مؤسس ولا أخلاقي في النظر الى السلطة والتعامل معها، حتى لم يعد هناك فرق بين الحزب والدولة على أى مستوى. لقد تم بناء الحزب من خلال توظيف إمكانات الدولة ووظائفها الحساسة وسطوتها الامنية وصيتها الإعلامي لمصلحة منسوبي الحزب بالدرجة الاساس دون سواهم من المواطنين، وصارت بوابة الحزب الحاكم هى أقصر الطرق ليس فقط للوزارة أو المواقع الدستورية والسيادية في الدولة، وإنما لأية وظيفة عادية، حتى صار الحزب طبقة جديدة من رأسمالية الامتيازات السلطوية والتعيينات السياسية. ولم يعد التنافس على أساس التضحية لخدمة المواطنين وابتغاء مرضاة الله، وإنما صار التنافس المتهافت على «مغانم» السلطة فقط بصورة منفرة ومقززة. وأصبحت أساليب تزييف إرادة الناس والقبضة الأمنية الخانقة والتضليل الإعلامي هى آليات معتمدة من قبل حزب السلطة في جميع السوح والمجالات، فاتحادات الطلاب والنقابات ولجان الأحياء والانتخابات العامة تم تسخيرها ببساطة لجماعة الحزب الحاكم من خلال هذه الوسائل والأساليب دونما أدنى حرج. وبهذه الكيفية في التغلغل في جسد الدولة والروح المتهافتة على المناصب والامتيازات على حساب الخدمات والتنمية وعلى حساب حقوق المواطنين الحياتية، تحول حزب المؤتمر الوطني الحاكم الى جماعة من أصحاب المصالح في السلطة، بحيث لا تساعدهم هذه المصالح في النظر الى ما هو أبعد منها.
ولأن صراع المصالح وحمايتها يستدرج معه مواعين أخرى من باب فقه المأكلة، فقد انسحب الصراع الى داخل جماعة القصر تدريجياً باعتماد معايير التوازنات القبلية والصراعات الجهوية في السلطة، على حساب معايير الوطنية والاهلية والكفاءة والقدرة على خدمة الناس، حتى صارت هناك مجالات عمل يشترط في التقديم لها تحديد الهوية القبلية لمقدم الطلب، في سابقة لم توجد في أى مكان من العالم. وهكذا وجد الفساد فرصته ليستشري في أوصال الدولة بشكل سرطاني لا ينفع معه سوى استئصال الورم السرطاني من جسد الدولة كيما تستعيد عافيتها. ٭ وأسفرت حصيلة عشر سنوات من الانغماس في السلطة وملذاتها والانشغال بالترضيات المناصبية والصراع حول المكاسب، أسفرت عن ضياع كل فرص استنهاض الهمة الوطنية من أجل المحافظة على تراب البلد وجغرافيته، ومن أجل توفير فرص العيش الكريم للمواطنين، ومن أجل الاستقرار وإعلاء قيم الولاء للوطن. بل على العكس تماماً فقد أقدم حزب المؤتمر الوطني الحاكم على تقديم تنازلات كبيرة جداً بحق الوطن والشعب ابتداءً من اتفاق سويسرا 2002م الخاص بجبال النوبة، الذي مهّد لأول مرة لاستقدام قوات أجنبية للسودان، وخروج الإقليم عن سيادة الدولة للبلدان الراعية لذلك الاتفاق. ثم تبعه اتفاق مشاكوس 4002م ونيفاشا 5002م الذي انتهى بالتفريط في ربع السكان وثلث الرقعة الجغرافية، وما رافقه من اتفاقات خاصة بإقليم دارفور، حتى صار عدد القوات الاجنبية الموجودة في السودان اربعين ألفاً، وأصبحت المنظمات الدولية تتحرك باستقلالية كاملة بعيداً عن إشراف الدولة السودانية، ولديها مطارها الخاص وطيرانها الخاص وحصانتها التي تحميها من رقابة الدولة وسيطرتها. وأسفرت هذه الفترة عن تأجيح النعرات القبلية والجهوية بمستوى لم يعهده السودان حتى في تاريخه القديم، بحيث صارت إدارة الدولة وخططها الإدارية والسياسية تنطلق من الترضيات القبلية أولاً وأخيراً، بعيداً عن أي معيار موضوعي على شاكلة معايير البلدان المعاصرة. واقتصادياً وعلى الرغم من مليارات الدولارات من النفط والذهب والزكاة والاتصالات والضرائب والجمارك والجبايات والرسوم، لم يعرف عامة الشعب مجانية التعليم والعلاج، ولم يعرفوا العيش الكريم ولا الأمن والاطمئنان، فما يُنفق على التعليم والتعليم العالي والصحة والزراعة لا يتجاوز عُشر ما يُنفق على قبيلة الحكام ومحاسيبهم وحماتهم، والديون تثقل كاهل البلد والمشروعات الاقتصادية الكبرى قد تبخرت في الهواء بسبب الإهمال الرسمي من قمة الدولة، وضاقت موارد البلد بعد أن كانت رحبة ومتسعة تغطي الجميع دونما تململ. وأصبح الفساد يمشي بقدميه في الطرقات ويأكل الطعام وينام ويتحدى الناس إن هم يستطيعون الإمساك به. ويتحدث مسؤول التنظيم في الحزب الحاكم عن رجال أعمال من شباب الحزب بالعشرات دون أن يرينا كيف ومن أين جاءوا. ومع ذلك لا يزال من بين رموز الحزب من يدعي أنها مسيرة قاصدة لله، وأنها ليست للسلطة ولا للجاه!!! ويتحدثون عن أنهم وضعوا السودان في الطريق «الصحيح؟!!» على منصة الانطلاق. ٭ بعد عشر سنوات من حكم المؤتمر الوطني تقلصت المساحة الجغرافية للسودان الى الثلثين باسم السلام الشامل، لتغطي الحرب 05% منها، وتنزح آلاف الأسر، ويهدد شبح المجاعة الذين لم ينزحوا، وتتعطل الحياة تماماً في هذه الأقاليم المأزومة، ولا يزال رموز الحزب الحكم يتحدثون عن تفويض شعبي حازوا عليه في انتخابات «حرة ونزيهة؟!!»، وعن شرعية دستورية وعن توجه للدولة هم من يمثله، وما إلى ذلك من إدعاءات هم أدرى الناس ببطلانها وزيفها. إن درجة السخط على حكم المؤتمر الوطني وأهله لا تحدها حدود بين كل أهل السودان من أقصاه الى أقصاه. والسبب ليس مزاجياً أو عاطفياً وإنما هو نتائج سياسات وممارسات وسلوك منظومة حكم شاذة في كل شيء من تفاصيل حكمها.. منظومة تحولت في فترة وجيزة إلى ورم سرطاني في جسد الدولة لا بد من التخلص منه بهذه الطريقة أو تلك، حتى يمكن إنقاذ حياة البلد.. هذه هي خلاصة التجربة الفاشلة، وعلى أهلها أن يواجهوا أنفسهم بوضوح وبحساب الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان.
(
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
المهدي والترابي والخلاف على التهام الموز السياسي! .. بقلم: كمال الجزولي الخميس, 19 كانون2/يناير 2012 19:49
لو كان الترابي أقل "دغمسة" للحقائق، والصحفيون أكثر اعتباراً بالتاريخ، والذاكرة الشعبية أقوى مما هي عليه، لما تحولت دعوة الجبهة الإسلامية للمهدي وحزبه للمشاركة فـي انقلاب يونيو/حزيران 1989م من واقعة تاريخية إلى مغالطة سياسية!
ظلت هذه الواقعة تتواتر في مقام الإثبات عقداً ونيفا، والترابي يؤثر الصمت تجاهها، بينما القاعدة الفقهية الراسخة هي أن الصمت في موضع الحاجة للكلام.. كلام! وحتى عندما تطرق المهدي إليها ضمن خطاب اﻻستقلال بتاريخ 2/1/2012م -رداً علـى اتهام حزب الترابي له بالسعي للمشاركة في السلطة، مقنعاً كان ذلك الرد أو غير مقنع، إذ ليس هذا مطلبنا هنا- فإن الترابي لم يجد ما يعقب به سوى اﻻلتواء بالمعنى قائلاً إن "من يريد أن يعمل انقلاباً ﻻ يستشير المهدي"!
هكذا، وبتأثير هذه "الدغمسة الجنائية"، تحول المهدي -في تقارير صحفية كثر- إلى "شاهد ملك"، وأضحى موضوع تصريحه "السياسي"، كما لو لم يكن انقلاب 1989م، بل اﻻنقلاب الذي اتهمت السلطة مؤخراً -كعادتها في التلفيق- حزب الترابي بالتحضير له، مما حدا بمكتب المهدي ﻹصدار توضيح، في 7/1/2012م، يستعيد فيه المعنى اﻷصلي لتصريحه.
فما الذي يغلب أصلاً اعتبار دعوة الجبهة اﻻسلامية باكراً للمهدي كي يشارك في انقلاب 1989م، "واقعة ثابتة" غير قابلة للتزوير أو المحو مـن الذاكـرة بمـثل هـذه البهلوانيات؟!
(1) يجدر أن نذكِّر -بادئ ذي بدء- بأننا ربما كنا أول من اهتم بتحقيق تلك الواقعة ودور المرحوم أحمد سليمان المحامي فيها، ﻻ من باب المبالغة في تقدير دور الفرد، وإنما بالعكس من باب عدم الإهدار المطلق لهذا الدور؛ فالرجل كان قيادياً بارزاً في الحزب الشيوعي، ولعب -من خلف ظهر الحزب- دوراً مهماً فـي انقلاب النميري فـي مايو/أيار 1969م، قبل أن ينتقل -عقب انتفاضة أبريل/نيسان 1985م- إلـى قيادة حزب الترابي.
سبب آخر لهذا اﻻهتمام هو أن القليل مما يُجتر من وقائع انقلاب "الإنقاذيين" يكاد لا يغادر محطة العموميات، فمعظمه -كسلفه "المايوي"- إما تحت التراب أو طي الصدور، أو رهن المشافهات والمغالطات الكثيفة. ونخشى -مع كر مسبحة الزمن المتلاف، وتفويت مثل مكيدة الترابي هذه- أن تنطمس الأحداث، وتنبهم المعلومات، ويختلط الواقع بالخيال، والحقيقة بالوهم، مما يستحيل معه التأريخ للحدث، دع تحليله.
(2)
حدثني السيد الصادق المهدي أواخر 1992م، قال: "كنا، في مارس/آذار 1989م خارجين لتوِّنا من أزمة ديسمبر/كانون الأول 1988م، وسببها زيادات كنا اعتزمناها فـي اﻷسعار، وكانت اﻷجواء ملغومة بـ"مذكرة الجيش" لمجلس السيادة في 20/2/1989م، عندما جاءني- في ما حسبته للوهلة الأولـى زيارة اجتماعية- أحمد سليمان القيادي في الجبهة الإسلامية المؤتلفة معنا وقتها فـي "حكومة الوفاق". وأثناء أنسنا سألني فجأة: ـ "ألا توافقني في أننا معاً اﻷكبر تفويضاً شعبياً"؟! فهمت أنه يشير لحزب الأمة والجبهة الإسلامية مجتمعين، فأجبته: ـ "بحسب صناديق الانتخابات.. نعم".
ـ "حسناً.. أنا لا أرى مخرجاً من هذه الأزمات ما لم نحسم قضية السلطة عسكرياً، ونتحول إلى النظام الرئاسي، ونغلق البلد لعشـر سنوات انتقالية، نعالج خلالها مشكلة الجنوب، ونصفي ديوننا، وننعش اقتصادنا، ونرمم علاقاتنا الخارجية، ونحسم الفوضى الحزبية والنقابية والصحفية، فنهيئ البلد بالتدريج لديمقراطية راشدة؛ ولا أرى أنسب منك طوال الفترة المذكورة رئيساً للجمهورية"!
ومضى المهدي يقول: "لم يخطر ببالي -أثناء حديث الرجل- سوى أنه مَن ورَّط الشيوعيين فـي انقلاب مايو/أيار 1969م، وها هو يريد أن يسوِّق للجبهة الإسلامية ولنا معها مغامرة أخرى، فقلت له: قد تبدو الخطة نظرياً براقة، لكنها عملياً ليست كذلك. انظر.. بالديمقراطية عالجنا أزمة ديسمبر/كانون الأول، وأزمة الحكم التي فجرتها "مذكرة الجيش"، وهذا لا يعيب النظام الديمقراطي لكونه من طبعه، أما النظام الشمولي فيركز -وفق قوانينه الباطنية- على تأمين نفسه، من تضييق إلى تضييق، ومن عسف إلى عسف، مع ما يجره ذلك من إنفاق بلا حدود على اﻷمن والدفاع، وهيهات أن ينجح مع ذلك في تحقيق أي استقرار".
وختم المهدي روايته قائلاً: "بعد أيام وأثناء مناسبة عائلية، اقترب مني الترابي هامساً: هل جاءك أحمد؟! ففكرت برهة، لكني حين أدركت المقصود والتفت إليه ألفيته فص ملح وذاب!، هكذا بلغتني الرسالة واضحة: ننتظر ردَّك"!
(3)
لم أنشر رواية المهدي تلك إلا مطالع مايو/أيار 1999م، بعد زهاء سبع سنوات، عبر ندوة "أخبار اليوم" بمناسبة "لقاء جنيف" المفاجئ آنذاك -وكان لا يزال مستمراً دون أن يرشح منه شيء- بين الترابي والمهدي، بوساطة د. كامل إدريس ود. عمر الترابي. وممن شاركوا فـي ندوة الصحيفة: د. إبراهيم أحمد عمر، د. علـي حسن تاج الدين، عـلي السيد، تاج السـر محمد صالح، الحاج وراق، يحيى الحسين. وعلمت ﻻحقا أن المهدي روى تلك الواقعة فور عودته من جنيف فـي احتفال حزبه، خلال النصف الثاني من مايو/أيار 1999م، بعيد العمال في مقره بالقاهرة.
دفعني لرواية الواقعة في ندوة "أخبار اليوم" احتياجي لأن أسند بها تحليلاً للقاء جنيف بدت لي وجاهته، وفحواه أن الفتق اتسع علـى الراتق بين الترابي الذي كان يريد المضـي في خطة العشر سنوات حتى نهاية الشوط، وبين تلاميذه الذين أرادوا تكريس تحالفهم نهائياً مع العسكر. ومن ثم خلصت إلى أن اللقاء لا بد من أنه وقع من خلف ظهر أولئك التلاميذ، خصوصاً أنهم كانوا -قبل ذلك بخمسة أشهر- قد فاجؤوا الترابي بـ"مذكرة العشرة" فـي 10/12/1998م، قبل أن يقصوه من السلطة نهائياً بـ"قرارات رمضان" في 12/12/1999م.
(4)
في مغارب عمره أجرى أحمد سليمان حوارين مهمين: الأول قبل خمس سنوات من وفاته مع "الصحافة"، واﻵخر قبل أربع سنوات منها مع "الرأي العام"؛ وعقب وفاته أعيد نشر الحوار اﻷول في 2 أبريل/نيسان 2009م، والآخر فـي 3 أبريل/نيسان 2009م. واشتمل كلا الحوارين علـى رواية مغايرة لرواية المهدي، لكنها متناقضة ومفتقرة للتماسك؛ إذ قال إنه هو الذي أقنع الترابي بتلبية دعوة تلقاها من المهدي للتفاكر حول "مذكرة الجيش"، وإنه ذهب مع الترابي بطلب منه إلى المهدي، حيث "عرضت عليه أن يقود معنا انقلاباً داخل البرلمان لتغيير نظام الحكم.. إلى رئاسي.. ويكون هو رئيس الجمهوريَّة.. (لكن) الصادق شعر وكأنني أستدرجه لقيادة انقلاب عسكري.. لم يفهم مقصدي جيداً!" (الصحافة، 2/4/2009).
غير أن الرجل عاد -في الحوار اﻵخر مع "الرأي العام"- لينقلب على روايته السابقة تماماً، حيث أكد أن الترابي اتصل وحده بالمهدي، لإقناعه بالمشاركة في الانقلاب ".. ولكن الصادق تَردَّد.. لم أكن الوسيط، ولكني أثرت على الترابي ليقابله" (الرأي العام، 3/4/09).
نقطة الضعف الأساسية في رواية المرحوم اﻷولى هي زعمه أنه كان يدعو للتغيير بالوسائل الديمقراطية! وهي حُجَّة يصعب شراؤها لكونها تتعارض ليس فقط مع رواية المهدي التي تترجح بالمضاهاة، وإنما مع مجمل ما عُرف عن المرحوم من تغليب -في مستوييْ التنظير والعمل- للأسلوب "الانقلابي".
وليس الدليل اﻷوحد على ذلك انحيازه المطلق ﻻنقلاب مايو/أيار 1969م، حدَّ قيادته -في سياق صراعه مع عبد الخالق- ﻷخطر انقسام شهده الحزب الشيوعي؛ فثمة ما هو أدنى من ذلك للتدليل على غربة الأساليب الديمقراطية عن فكره ومزاجه، حيث تباهى قبيل وفاته بأنه عندما كان في قيادة الحزب الشيوعي كان ينادي بالنهج اﻻنقلابي؛ مثلما كان في قيادة الجبهة الإسلامية يدعو علناً بعد "مذكرة الجيش" للانقلاب، مردداً: "أحَرامٌ علـى بلابلهِ الدَّوْحُ، حَلالٌ للطيْر مِنْ كلِّ جِنْس؟!"(الرأي العام، 2/4/09)؛ بل بلغ به التباهي حدَّ أن برَّأ غريمه عبد الخالق من أي "تأهيل انقلابي"، محتكراً هذه "المعرفة" لنفسه: "كنت.. أسهر الليل كله مع الضباط ومسؤولي اﻷمن، وأعرف منهم تفاصيل ما يدور؛ أما عبد الخالق فقد كان يفتقر لمثل هذه التجارب التي "تؤهل" لقيادة انقلاب عسكري ناجح!" (الصحافة، 3/4/09).
ذلك، فضلاً عما رواه بنفسه عن تحريضه ﻻنقلابيّي يونيو -في اجتماع مشترك بين مجلس الثورة وقيادة حزب الترابي- على الاستمساك بشموليتهم، سائقاً الموعظة من غفلة مجلس الثورة في غواتيمالا حسب وود وورد فـي كتابه "القـادة ـ The Commanders"، حيث نصحهم وزير داخليتهم المتأثر بالأفكار "الديمقراطية الليبرالية" بإجراء انتخابات ففعلوا، "فراحوا فـي ستين داهية!" (المصدر). ولعل تلك الوقائع وحدها تغني عن أي دحض آخر للزعم بأن المرحوم أراد إقناع المهدي بالتغيير بالوسائل "الديمقراطية"، أو ما أسماه في تلاعب لفظي "الانقلاب الديمقراطي"!
(5)
أما د. الطيب زين العابدين، العضو السابق فـي مجلس شورى الجبهة، فقد قطع حول مـا إن كان ﻷحمد سليمان موقـف مغايـر للترابي في موضـوع اﻻنقـلاب، بقـوله: "على العكس تماماً، أحمد سليمان ساهم حتى فـي إقناع الترابي نفسه بالموضوع ده!، وكان يردد قولته المشهورة: الانقلاب زي الموزة، أحسن حاجة تأكلها أول ما تنضج، مش قبل ما تنضج أو بعد ما تنضج خالص!" (الوطن، 7/2/09).
وبصرف النظر عما إن كان "الموز" هو ما ضرب به المرحوم مثلاً، أو "المانغو" -كما في رواية أخرى- فقد قال الطيب قولاً شبيهاً بقول المهدي لأحمد سليمان عندما دعاه للمشاركة في اﻻنقلاب، حيث تمسك الطيب بالموقف المبدئي من الانقلاب، مغلباً سداد التحمل لكلفة الاستحقاق الديمقراطي على مخاطر كلفة المشروع الانقلابي، "فالانقلاب.. شغله الشاغل تأمين سلطته.. بأي وسيلة أخلاقية أو غير أخلاقية، دينية أو غير ذلك، ويفعل أي شيء لتثبيت سلطته، وعبارة (أي شـيء).. بمعيار الدين والأخلاق، غير مقبولة!" (المصدر). (6) وأما د. علي الحاج، أحد أبرز قياديّي الجبهة، فبصرف النظر عن تناقضه مع الترابي حول اﻻنقلاب، حيث إنه "مع اﻻنقلاب، لكن ليس مع نتائجه!" (سودانايل، 11/11/2009م)؛ بينما يصفه الترابي اﻵن بأنه "خطيئة الإسلاميين!" (اﻷخبار، 5/11/2009م)؛ فثمة نقطة في حديث الحاج تشد اﻻنتباه -بوجه خاص- حول ما إن كانوا قد كلفوا أحمد سليمان بإقناع المهدي باﻻشتراك في اﻻنقلاب، حيث قال: "لم نكلفه، لكنه شخص انقلابي بطبعه، وقد حكى لنا اﻷمر كمبادرة شخصية منه!" (سودانايل، 11/11/2009م).
(7) خمس روايات إذن ترجِّح واقعة دعوة الجبهة للمهدي للاشتراك في انقلابها عام 1989م، سواء بواسطة أحمد سليمان أو الترابي أو كليهما: الرواية اﻷولى للمهدي نفسه، واﻷخرى للطيب زين العابدين، والثالثة لعلي الحاج، واثنتان متناقضتان ﻷحمد سليمان، بينما الترابي يفاقم التعتيم و"الدغمسة"، ساحباً أقدام الصحافة وراءه؛ فانظر مدى صعوبة استجلاء الحقيقة بتكبُّد التقاط مثل هذه الجزازات، وتدقيقها ومضاهاتها قبل لصقها إلى بعضها البعض -على طريقة الكوﻻج- للظفر بـ"صورة" ربما قربت، وربما لم تقرب، شيئاً من "اﻷصل"!
وما كان أغنانا عن كل ذلك لو توخت الصحافة الحذر، ودوَّن صناع اﻷحداث مذكراتهم وصدقوا، وأدلى شهودها بإفاداتهم خالصة لوجه الحقيقة، والتاريخ، واﻷجيال القادمة!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
زنازين نافع ولا شفاعة ضياء بلال - فيديو - سيف الدولة حمدناالله
ان الشجاعة التي أظهرها المهندس محمد الحسن العالم "البوشي" وجسارته التي كشفت عنها مواجهتة للصقر الانقاذي الجارح نافع علي نافع ليقول في حضوره ما يريد أن يُفصح به كل مواطن سوداني، كشفت تلك الشجاعة عن خيبتنا نحن وعجزنا بأكثر مما فعلته بالنظام ، فقد انتشينا لحديث "البوشي" وادرنا شريط ملحمته على (اليوتيوب) مرات ومرات كما تدير الصبايا شرائط غناء شريف الفحيل وطه الضُرس، ثم وقفنا نرقب ونتراهن على ما سيفعله به رجال الأمن، وحينما جرى اعتقاله واجه مصيره المظلم وحده حيث قضى (22) ليلة في حبس انفرادي بزنزانة في سجن كوبر دون أن يُسمح له بمقابلة محاميه أو أهله ودون أن توجه له تهمة أو يخضع لتحقيق (تصريح البوشي لقناة الشروق)، ولم يتحرك حزبه بحشد مظاهرة نسائية للمطالبة بالافراج عنه، ولم يتحرك جيش الشباب الذي يبلغ قوامه مئات الألوف من الخريجين العطالى الذين حكى "البوشي" باسمهم لمناصرته في محنته التي خاطر بها من أجلهم، وكأن ما قال به "البوشي" كان ملاسنة تعبٌرعن عجزه الشخصي في ايجاد وظيفة حكومية، أو أنه أخذته الغيرة من ابن دفعته (نجل) النافع الذي أُنشئت له منظمة ويمتطي سيارة بقيمة 200 مليون جنيه كما قال، أو من قصر كريمته الذي قدمه لها كهدية رمزية بمناسبة الزواج.
ولا أعتقد أن هناك ما يمكن أن يسيئ لما فعله "البوشي" ويهزم منهجه البطولي بقدر ما فعلته به بعض الأقلام التي كتبت تدٌعي مناصرته في المطالبة باطلاق سراحه، فقد قرأت حديثاً للصحفي ضياء الدين بلال (صحيفة الأخبار عدد الأربعاء الماضي) ينزع فيه قلادة الشرف من البطل "البوشي" ويضعها في عنق جلاٌده نافع، فقد كتب يقول : ( لم أكن أتوقع أن تتم استجابة الدكتور نافع بتلك السرعة الفائقة لمناشدة الزميل الصحفي الأستاذ محمد عثمان ابراهيم "أدروب" الذي كتب بصحيفة السوداني تحت عنوان (نظرة يا نافع) الذي كتب باسلوب حصيف يقول :قبل أسابيع اعتدى مواطن شاب على مساعد الرئيس بعبارات نابية .... ورأيت في الشريط المصور كيف أن الضحية الكبير تلقى الأمر في صبر وجلد، وأن الشاب حاول استثمار موقفه الغاضب فيما بعد كرصيد سياسي له ولحزبه الصغير). ثم رجع ضياء بلال بالحديث لنفسه حيث واصل يقول: ( ان الطريقة المتوازنة التي كتب بها محمد عثمان ابراهيم مقاله والتي حفظت لدكتور نافع حقه في ذكر الإيجابيات، ثم انتقلت بسلاسة لتسجيل الاعتراضات على خطوة الاعتقال، والتذكير بأقلام التاريخ، هي التي جعلت الأحداث تتداعى بهذا الإيقاع السريع الذي انتهى بالافراج عن البوشي) ، ثم أختتم حديثه يقول : (ان الاعتقال لم يعد يجدي كاسلوب عقابي لردع المعارضين، بل هو هوليود سياسي لصناعة النجوم في مسرح الربيع العربي، أكاد أجزم أن بعض المعارضين - وخاصة الحريصين على غسل أسمائهم وثيابهم- بإمكانهم دفع كل ما يملكون مقابل اعتقالهم شهراً أو أكثر، فهم يهتفون في سرهم :"نظرة يا جهاز الأمن"). انتهى كلام ضياء بلال.
ما الذي قال به "البوشي" ليستحق مثل هذا اللغو، حتى يُصبح التراجع عن جريمة (اعتقال غير مشروع) خطوة تقتضي الاشادة بمرتكبها على هذا النحو المبتذل!! فالبوشي خاطب مسئول في الدولة برأيه في شأن عام بعدما أُتيحت له فرصة مداخلة في ندوة عامة نُظٌمت لهذا الغرض، ولم يقل "البوشي" غير الحقيقة، فهو حكى عن سوء المسئول الذي وفٌرت له الدولة أفضل تعليم جامعي (والحري كل المراحل الدراسية) بالمجان بما في ذلك السكن والاعاشة والترحيل والمصاريف النثرية، ثم حصل على شهادة الدكتوراة من الجامعات الاوروبية على حساب الشعب السوداني، وقارن بين مستوى ما كانت توفره الدولة في ذلك العهد من تعليم وبين مسخ الانقاذ الجامعي الحالي، ثم شكى عن حالة العطالة الجماعية التي يعيشها جيله، فهو مهندس بتخصص رفيع عمل كصبي جزار بعد أن انتقل للوظيفة من عمله السابق كعامل يومية في مجال المباني وفق ما ذكره للصحف قبل اعتقاله، وقارن حال جيله المايل بما وفٌره نافع لأبنائه من مراكز ومنافع لا يستحقونها، ثم تكلم عن الظروف المعيشية الصعبة وحالة الفقر المدقع الذي يعيشه المواطن نتيجة لسياسات الانقاذ الاقتصادية.
تُرى هل حقاً خرج "البوشي" عن حدود الأدب في حضرة (الكبار) كما تُوحي كتابة الصحفي ضياء وممدوحه "أدروب"!! اذا حدث ذلك، فهو كما يقول العوام من (فضلة خير) أهل الانقاذ ، فمن أين يتعلم هذا الجيل لغة أفضل مما قال به "البوشي" اذا كان هذا الجيل قد فتح عينيه على الدنيا ولم يجد أمامه غير لغة نافع (بتاع اللٌحس) وكلام الرئيس (بتاع الجزم) وهو جيل يسمع قائد البلاد وهو يقول في حق خصم سياسي (مالك عقار) أنه "ثور" له "جتٌة" كبيرة بدون عقل!! فمهما قال "البوشي" من عبارات (نابية) فلن تبلغ شيئاً مما (فعله) نافع بخصومه، فالمثل الانجليزي يقول ما يمكن ترجمته الى (العصى والحجر يكسران عظامي ولكن الكلمات لا تؤذيها) ، فنافع الذي يرأف عليه ضياء من عبارات "البوشي" قام بتعذيب الدكتور فاروق محمد ابراهيم في بيوت الأشباح وشتمه بما لا يليق ترديده هنا من ألفاظ، وفاروقاً هذا، ليس اقل مقاماً من نافع فهو أستاذه الذي استقى منه العلم والمعرفة، ولم يكن بينهما أكثر من الخصومة السياسية التي تقوم اليوم بينه وبين "البوشي"، والتي دفعت به لتوجيه مجرد عبارت تحتوي حقائق دون أن يؤذيه بيديه، ولغة "البوشي" التي قال بها لنافع تعد من عيون الأدب حيال ما طفح به بالأمس حاج ماجد سوار وهو رئيس قطاع التعبئة بالمؤتمر الوطني حينما انصرف عن مناقشة موضوع الحلقة في برنامج (الاتجاه المعاكس) بقناة الجزيرة لينزل (شتماً) في شخص بمقام الاستاذ الكبير والمحترم علي محمود حسنين بما لا يليق أمام عشرات الملايين من مشاهدي البرنامج ومن بين ما طفح به وصفه لحسنين ب (العميل) ولغز به بما يعني (عديم الأصل) وحسنين هذا في مثل عمر والده.
بل أين نقف نحن أنفسنا من "البوشي" !! فنحن نهتف بمثل ما قال به "البوشي" كل يوم ولكن من تحت ألحفتنا وأغطيتنا وبصوت خافت، ونشكي حالنا في حديث النفس للنفس لذواتنا ، وعن شخصي، فلم يسبق أن شعرت بضآلة مقداري وتواضع دوري في الحياة العامة بمثل ما لمسته بعد مشاهدتي لمداخلة "البوشي"، فقد استطاع "البوشي" أن ينهش عظم النظام في حديث الست دقائق بأقوى ألف مرة مما تفعله مئات المقالات التي تُنشر كل يوم، فقد اثبتت الأيام أن المقالات لا تهز شعرة في جسد النظام، فقد كشف لنا "البوشي" الطريق للميدان الذي ينبغي علينا فيه منازلة النظام، فالكتابة باتت ضرب من ضروب التسلية والتسرٌي والترويح عن الكآبة وتعزية النفس، فنحن نطرب لها (للمقالات) وننتشي بها ونكتفي بالقول للكاتب بعد الفراغ من القراءة "ينصر دينك يا شيخ "، ثم ننصرف في حال سبيلنا، فنحن نلعن من أوصلوا بنا الى هذا الحال وننسى أن من شروط اللعنة أن يبلُغ نصٌها للملعون في مكان وجوده لا مكان وجودنا، والنظام ماض في غيٌه دون يسمع بتلك اللعنات أو تصيبه.
يقول سجل الشرف لقائمة الرجال الذين قالوا كلمة الحق في (وش) امام جائر أن الأستاذ/ صلاح المصباح هو الرائد في هذا المجال (المصباح هو أحد قادة الحزب الاشتراكي الاسلامي الذي قام بتأسيسه في منتصف الستينات كل من الأستاذين بابكر كرار وميرغني النصري وتلميذهما الأستاذ مجدي سليم المحامي بوادمدني)، فالمصباح سبق (البوشي) فيما قام به بثلاثين سنة، ففي عام 1983 وبعد أن أصدر النميري قوانين سبتمبر وتلقى البيعة من رجال الطرق الصوفية وحزب الجبهة القومية الاسلامية كامام للمسلمين ، وقف النميري يخاطب المصلين في يوم جمعة بمسجد القوات المسلحة، وقال ضمن ما قال بلغة الخليفة عمر بن الخطاب: "اذا رأيتم فيٌ اعوجاجاً فقوموني" ، فاستجاب لطلبه صلاح المصباح وطلب الاذن له بالحديث، ثم وقف يقول للنميري في وجهه: ان القوانين التي اصدرتها لا تمت للاسلام بصلة وأنها تشوه الاسلام وتضر به ، وأن الأحكام التي تُصدرها محاكم العدالة الناجزة بالاعدام والقطع والصلب والجلد لا تراعي اصول وعدالة الدين الاسلامي في طريقة تطبيقها (كانت المحاكمات تصدر في اجراءات ايجازية ودون السماح بظهور المحامين للدفاع عن المتهمين).
فور انتهاء الصلاة اصطحبت قوة الأمن المرافقة للرئيس صلاح المصباح وخصصت له غرفة لحافها من الأسمنت الخشن بزنزانة في سجن كوبر، حيث مكث بها بضعة أيام قبل أن تقوم محكمة من محاكم الطوارئ نفسها بجلده ثلاثين جلدة بتهمة تطاوله على الذات الرئاسية دون مراعاة لمكانته وسنه ودون أن يكون هناك نص في القانون يسعف بتوجيه تهمة من الأساس، ثم أقتيد بعدها لقضاء عقوبة أخرى بالسجن حتى صدر في حقه عفو مشابه لعفو (نافع) من النميري بموجب شفاعة تقدم بها رجل الأعمال المرحوم الدكتور خليل عثمان كشفاعة "أدروب".
في تقديري أن الذي جعل كل من "المصباح" و "البوشي" يمتلكان مثل هذه الارادة والتصميم في منازلة الطغاة بمثل هذه الشجاعة والجسارة، هو تشبعهما بفكرة (الانتماء)، فالانتماء الفكري والحزبي أيٌ كان نوعه يشكل البذرة الأولى لانكار الذات والعمل من أجل الجماعة والقبول بالتضحية والمخاطرة في سبيل (الأهداف) التي تشكل أساس الفكر ومبادئ الحزب، وليس في ذلك ما يقلل من عنصر البطولة والتميز الشخصي فيما قام به أي من بطلينا، فهناك آلاف من أصحاب (الانتماء) الذين ليس لديهم استعداد للتضحية بمثل هذه الجسارة أو بأقل منها، فنحن شعب نتفق على ظلم النظام لنا وعدم صلاحيته لحكمنا، ولكننا فشلنا في خلق (كيان) يجمعنا حتى نستطيع تنظيم صفوفنا لمنازلة النظام وفق ما توفره ميزة (الانتماء) .
فالواقع يقول، أنه لا يمكن لشعب أن يقوم بثورة دون تنظيم، فثورة أكتوبر 1964 كانت وراءها قوى الأحزاب السياسية التي كانت قائمة آنذاك قبل أن تهترئ ويتراجع دورها، وثورة ابريل 1985 كانت نتيجة عمل النقابات والاتحادات المهنية قبل أن تُصبح ضمن كردون الفتى الأدروج غندور، فليس من المتصور أن يقرر (مواطن) مهما ضاق به الحال أن يخرج من بيته للتظاهر مع جيرانه وبني عمومته لاسقاط نظام هكذا دون تنظيم له قيادة تعمل على ترتيب خطواته، فالمظاهرات (العفوية) التي تنشأ بفعل انقطاع المياه أو المطالبة بوضع (مطبات) اصطناعية على الطرقات لحماية الأطفال من السيارات المسرعة لا تسقط نظاماً مهما تعددت، فهي مظاهرات (ودية) و (أليفة) كالقطط المنزلية، وهي تتفرق مع أول قذيفة (بنبان) يطلقها جندي بالاحتياطي المركزي أو بحضور الوالي أو من ينوب عنه أيهما أسبق، (ألرئيس البشير يفتخر بأنه انضم لمظاهرة من هذا النوع قوامها جيرانه وأحبائه بحي كوبر).
النتيجة تتلخص في أنه لا بد لنا من تنظيم أنفسنا تحت (كيان) يضمنا نحن الأغلبية الصامتة التي يتم تعريفنا باستبعاد انتمائنا للأحزاب القائمة Elimination)) ، فقد ناشدنا كثيراً، ولن نمل ترديد المناشدة، لكي تتوحد جهودنا لبناء هذا (الكيان) الذي نُؤمٌن به لأنفسنا تحقيق فكرة (الانتماء) في سبيل بلوغ حلمنا في أن ننعم بحياة الحرية والعدالة في ظل سيادة حكم القانون ولنقوم بمحاسبة الذين أجرموا في حقنا ونسترد منهم ثرواتنا المنهوبة.
نحن وبحمد الله لا تزال عروقنا تنبض بالأمل، فلدينا على الأرض شباب يعملون بوعي وجدية نحو تحقيق حلمنا الكبير، فقد وصلتني رسالة من بعض شبابنا عبر بريدي الالكتروني تبشر بميلاد الخطوة التي طالما انتظرناها، وهي انتهاء الترتيبات لانطلاق قناة فضائية تعمل على نشر الوعي بين أبناء شعبنا، وتوحد كلمتنا وتوفر لنا المنبر الحر الذي يمكننا من بلوغ هدفنا، فالتحية لأولئك الشباب ومثلها لبطلنا الشجاع محمد حسن عالم "البوشي" الذي لا بد أن شبابنا قد استلهموا الكثير من الدرس الذي قدٌمه في بيان الكيفية التي يمكن بها تحويل ذئب الأنقاذ الى حمل بلا أظافر حين تتم مواجهته علنيً في أرض الواقع ، وسوف يكتب التاريخ اسم "البوشي" بأحرف من نور يوم يغرب عن وجهنا اسم شخص يقال له نافع وهو في الحقيقة (مستنفع).
سيف الدولة حمدناالله
saifuldawlah
----------------
مراسيم البشير لتقسيم دارفور: جَرح فوق الجٌرح النازف ..
بقلم: أم سلمة الصادق الخميس, 19 كانون2/يناير 2012 20:20 Share بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في صحف الأربعاء الموافق 11 يناير 2012 أن الرئيس البشير أصدر في يوم الثلاثاء 10 يناير 2012 ، مراسيم رئاسية تقضي باستحداث ولايتين إضافيتين لدارفور التي كانت قد قسمت أصلا منذ 1993 إلى ثلاث ولايات لتصير عدد ولايات دارفور منذ تاريخ إصدار المراسيم المذكور خمس ولايات ، مما يترتب عليه إعادة هيكلة وتراتيب إدارية جديدة . ذكر في نص الخبر أن التقسيم الجديد استند إلى قرار سابق كان قد اتخذه مجلس الوزراء منذ 2011 بشأن إلغاء وإنشاء ولايات في دارفور.
وبموجب تلك المراسيم الرئاسية صارت دارفور تتكون من: ولاية جنوب دارفور التي تضم عشر محليات وعاصمتها نيالا ،ولاية شرق دارفور تضم خمس محليات و عاصمتها الضعين ،غرب دارفور وتضم ثمان محليات وعاصمتها الجنينة ،وسط دارفورتضم ثمان محليات عاصمتها زالنجي ، ولاية شمال دارفور(لم أعثر على معلومة عن عدد محلياتها بحسب التقسيم الجديد) و عاصمتها الفاشر. لم تصاحب الخبر تفاسير مقنعة لدوافع أو مبررات قرار التقسيم، وقد كان مستحقا للشرح : أولا بسب الغبار الكثيف الذي أثاره لتناقضه الفاقع مع فكرة من يرون أن دارفور يجب أن تظل إقليما واحدا كما كانت قبل 89 ،وثانيا لصعوبة إدراك دواعي ذلك التقسيم ،على الفهوم التي تحتكم لمنطق سليم إذ أن التقسيم يأتي بالضرورة بمزيد من أوجه الصرف في ظل أوضاع الراهن السوداني الإقتصادية المزرية منذ خروج البترول من الميزانية بعد الإنفصال والحديث الكثير عن وجوب تقليل المنصرفات. التفسيرات اللاحقة لقرار (مزيد من التقسيم لدارفور) مثل:
- إنفاذ رغبات أهالي دارفور التي تبدت منذ 1994(هل أجري استفتاء لتقرير تلك الرغبات؟) -أو الإستناد إلى دستور السودان الإنتقالي لعام 2005 بحسب تصريح وزير العدل السوداني محمد بشارة دوسة لصحيفة الخليج(هل يقضي دستور 2005 –المنتهي الصلاحية منذ 2009 بتقسيم دارفور؟). - قرار التقسيم أتى تجسيدا لتوصيات ملتقى دارفور في 2008 وتمشيا مع مقتضيات استراتيجية سلام دارفور. - ما قاله المتحدث باسم وزارة الداخلية: (أن هذا التقسيم سيجعل الوضع أكثر استقرارا وأمانا لوجود قبائل كثيرة في المنطقة وكل منها تريد أن يكون لها ولاية خاصة بها) كما تكهن بعض المحللين السياسيين بأن أسباب القرار ربما كانت بهدف تقصير الظل الإداري بما يسهل السيطرة الأمنية والعملية التنموية. وكان المرحوم مجذوب الخليفة قد صرح سابقا بأن خطة الإنقاذ تقضي بتوزيع البلاد إلى وحدات صغيرة ليسهل التحكم بها .(حريات).
لكننا لم نشتر أيا من تلك المبررات التي رأيناها مبهمة وواهية للغاية : فنحن لم نعهد قبل تلك المراسيم ولا بعدها ، اهتماما حكوميا برغبات الأهالي(خيار المناصير المحلي مثلا) ولا حرصا على تنفيذ توصيات ما تخرج به المؤتمرات، وما نرى ذاك (التوليد الأميبي) للولايات إلا: في إطار الترضيات وشراء الولاءات والذمم بالمناصب وباستحداث الوظائف الوهمية، ونراه أيضا ضمن ما علقت به حركة تحرير دارفور (لحريات) بأن: تقسيم دارفور بدرجة أكبر جاء تبعا لاعتبارات قبلية لاضعافها بسياسات فرق تسد وقد ورد أن التقسيم يتطابق مع الحدود القبلية. خاصة وأن القرار لم يكن بلا ثمن حتى يتخذ خالصا لوجه رغبات الأهالي ولو أغضب المحاسيب ، فقد صحبته ضجة احتجاجية واسعة بسبب رفض السيد موسى كاشا والي جنوب دارفور (المنتخب)لمنصبه الجديد واليا على شرق دارفور بعد عزله من ولاية جنوب دارفوربصورة فوقية تماما. وقد جاء في الصحف أن كاشا رفض المنصب ولم يؤد القسم وخرج مغاضبا!
كما أن التبرير بأن في دارفور قبائل عديدة كل منها تريد الإنفراد بولاية: حديث غث ،يثير الريب من مثل تلك القرارات بأكثر مما يبررها :إذ كيف ترضخ الدولة المسئولة لتفكيك نظمها على أسس قبلية وكيف ترتد دولة محترمة بمواطنيها من عصر شهد تعايش وانصهار إلى تعصب قبلي يستبدل الولاء للوطن بولاء للقبيلة؟خاصة أن كتاب دارفور قبل هذا العهد لم يعرف تلك النعرات الإثنية وقد كان نسيجها الإجتماعي متلاحما ومتواصلا بغير ضجر مما يعطي مؤشرا لمن يريد الخير لأهل دارفور أن يبحث حلول مشاكلهم ضمن تلك المعطيات عوضا عن تقنين واقع مصنوع وكريه. أما ما يقال بخصوص تقصير الظل الإداري فأمر حوله جدل ،وليفتينا فيه ناس الإدارة: هل يأتي إكثار عدد الولايات من ضمن ما يتحقق به تقصير الظل الإداري؟ أم يكون تحقيقه بمزيد من تفويض الصلاحيات؟ خاصة وتفويض الصلاحيات يغنينا عن إستيلاد المناصب والولايات الذي يؤدي لمزيد من الترهل الإداري ومزيد من الإنفاق .
ربما نصحنا ناصح بالإقلاع جملة عن تناول خلافات (آل البيت) –ذلك أن تلك الخلافات وما يسبقها ويلحقها أو يصحبها من قرارات، هي ذات ما يجري كل يوم دون جديد يستحق الذكر، فالخلافات تحدث بين الحاكمين لتضارب المصالح وللتكالب على الدنيا. أما قراراتهم فلا يجب أن تعنينا في شيء و لا يجدر بنا تضييع وقت الناس أو استنزاف حبرنا في تتبعها لأنها بغير طائل-إذ لم نعهد منها فوائدا لصالح الوطن أو المواطن كما أن رفضها أو استحسانها من قِبلنا يستويان عند أصحاب القرار، لذلك لا جدوى بالمرة من وراء الحديث عنها .إضافة لأننا نعلم خواء العبارات مثل (الوالي المنتخب) لأننا شاهدنا بأم أعيننا :بتجارب مباشرة أومن خلال ما تم ضبطه و تصويره من مشاهد لتزوير تلك الإنتخابات(تصوير الفيديو عن انتخابات إحدى دوائر البحر الأحمر في انتخابات 2010).فنحن نعرف إذن بطلان تلك الإنتخابات يقينا وبالتالي بطلان كل ما انبنى عليها من هياكل الحكم وتشكيلاته المختلفة من: الرئيس وحتى أصغر موظف في الدولة.
وتلك نصائح وجيهة في حد ذاتها غير أن لنا بعض الغرض من الحديث عن تلك الخلافات ،مثل:
- اتخاذنا لها دليلا إضافيا على أن تلك الإنتخابات الإبريلية مزيفة حتى باعتراف أهلها :فها هم لا يحترمون نتائجها التي كانت قد أفضت إلى فوز كاشا بجنوب دارفور ! حتى أن قضية (الولاة منتخبون) لم تشكل أدنى عقبة في طريق عزل أو تعيين أيا منهم والمعيار يكون بحسب ما تقتضيه المصلحة أو تأمر به الأهواء(سواء ما تم بموجب مراسيم الثلاثاء من إعفاءات وتعيينات، أو ما حدث حينما عزل والي النيل الأزرق (المنتخب) مالك عقار-بأمر طواريء- وتولية اللواء الهادي بشرى مكانه)! - ومن أغراضنا أيضا التحسر على المليارات من أموالنا، التي صرفت على تلك الإنتخابات التي أعلنت :(فوز الخاسر): صرف من لا يخشى الفقر ولا ينتظر الحساب! وها هم يلقون بنتاج ما أفرزته من عبث بجرة قلم دون شرح يبين لدافعي الضرائب:ما الداعي أصلا لصرف تلك الأموال الطائلة طالما كان أمر الرفت والتعيين يبدأ وينتهى بيد الرئيس؟ ! -كما نتحسر أيضا على أملنا الذي خبأ :فقد ظللنا ردحا من الزمن نعاني من عقابيل الإحباط وخيبات الأمل بسبب ضياع فرصة تلك الإنتخابات التي لاحت لنا لإصلاح الحال وبسبب ما تعرضنا له من غش وتدليس واختطاف إرادة.
لكن الذي زاد وجعنا الوطني بخصوص مراسيم البشير ، والذي حفزنا اليوم لمناقشة سطورها وما بين السطور : أن تلك الإضافة الجديدة لعدد ولايات دارفور تعيد إلى الواجهة ما سبق أن وقر في القلوب :أن حكومة المؤتمر الوطني التي لا تحترم ما تدعيه وتتذرع به من أسباب الشرعية الإنتخابية حتى بين صفوف مؤيديها ،ولا تعبأ بما يراه الشعب أو يريده و لا تراعي ما يجمع عليه الرأي،وهي كذلك تتعمد تمزيق دارفور- فقد أتى قرار إضافة تلك الولايات لطمة صادمة لما سبق أن أجمع عليه أهل السودان الحادبون بعد تشاور وتفاكر:بوجوب عودة هياكل الحكم في السودان إلى نظام الستة أقاليم بدلا من الـ26 ولاية الحالية التي تم اعتمادها في 1993- خفضا للإنفاق الحكومي ومنعا للترهل الإداري- مثل النقد الذي وجهه الإمام الصادق المهدي (إلى الوضع الإداري المترهل الذي أدى إلى هياكل كثيرة وبرلمانات كثيرة) في مؤتمر صحفي عقده في 6 مارس 2011 . وعن دار فور تحديدا كان الحديث دائرا بين هؤلاء الحادبين عن وجوب رجوعها للعام 89 (كما كت) بخصوص الحدود والإقليم الواحد. هذا المطلب (أي الإقليم الواحد لدارفور) من مطالب أهل دارفور ومن مطالب الحركات المسلحة أيضا ، فقد أكدت حركات المقاومة الدارفورية تمسكها بالوضع الإداري لدارفور -الإقليم الواحد- بحدوده المعروفة. قدم حكيم الأمة نصحه للمؤتمر الوطني عبر المرحوم مجذوب الخليفة الذي زاره في أوائل 2006 ليستشيره بشأن مشكلة دارفور قبل توجهه لمحادثات بشأن الإقليم المنكوب - إن هم أرادوا حلا لدارفور عليهم أن يتبعوا الآتي:( تعطى دارفور نصيبها من السلطة والثروة حسب عدد السكان، تعيين نائب رئاسي لدارفور،التعويضات الفردية والجماعية،العدالة لأهل دارفور الذين قتلوا وشردوا ونالهم ضيم كثير ،تعود دار فور (كما كت) في 89 بالنسبة للحدود والاقليم الواحد) وقد وعد الحكيم مجذوب إن نفذت الحكومة تلك المطالب فلن تضطر لملاحقة الحركات المسلحة المتعددة وأنه (أي الصادق) سيكون ضامنا لإقناع الكل في دارفور ولكل الطيف السياسي السوداني بمن فيهم الحركات المسلحة بجدوى هذا الإتفاق ووقف القتال). لكنهم لم يفعلوا ما أشار به عليهم فكانت النتيجة المشهد الكارثي الماثل أمامنا في دارفور.
علمنا من تلك النصيحة التي شكلت زبدة شورى وبحث أكاديمي وميداني واسع استند إلى ترجمة رغبات أهل دارفور الحقيقية و بما اتضح من استقراء مطالب الحركات المسلحة والرأي العام الدارفوري الشعبي والمستنير:أن شرط الإقليم الواحد لدارفور من أهم شروط ومطلوبات حل المشكلة والذي يعني تجاهله وتقسيم الإقليم إلى خمس ولايات (أن جهدا جديدا يصب في خانة الحرب) بحسب د.صلاح الدومة الذي أكد للجزيرة نت ( أن عدم الرجوع إلى رغبة المواطنين بتوحيد الإقليم هو بمثابة إعادة إنتاج أزمة كبيرة). فلماذا إذن نرى حكومة المؤتمر الوطني تصدر من القرارات ما يسير متوازيا مع هذا الشرط بلا أمل في التقاء أو تلاق؟ لا بد لنا من نظرة عجلى على المشهد الدارفوري قبل محاولة إلقاء بعض الضوء على ذلك السؤال المحوري. تمتعت دارفور منذ القدم بقدر وافر من الإستقلالية وقد ظلت بمنجاة من الإستعمار، فقد دامت سلطنة دارفور الإسلامية حوالي خمسة قرون تنعم باستقرار حتى 1917م عندما تم ضمها بواسطة الإحتلال الثنائي إلى السلطة المركزية، وهي آخر إقليم تم ضمه للحكم المركزي في السودان.
في دارفور تقاليد إدارية موغلة في القدم وهي بلد بها حضارة راسخة، ويتجلى ذلك في الزراعة والعمارة والدين والمطبخ الدارفوري وفي إكرام العلماء والكرم عموما، وهي البلد التي التزمت بكسوة الكعبة الشريفة ردحا من الزمان(20 عام)، حيث يجمع مال الزكاة والعشور والفطرة في بيت المال، ويستخدم لدرء الكوارث، ويرسل الجزء الأكبر منه في المحمل للحجاز، مما يعد سفارة لكل السودان «ابراهيم محمد اسحق، دارفور وخدمة الحرمين الشريفين». كان لدارفور قصب السبق في تحقيق استقلال السودان الأول فقد حمت الثورة الوليدة ورفدتها بأبي عثمان خليفة المنتظر كما كان لها قدح معلى في تحقيق استقلال السودان الثاني تجلى في وقوف رجالها ونسائها مع الإمام عبدالرحمن المهدي ابن يومة مقبولة بنت سلطان الفور وقد عملوا معه في صنع الثروة التي اشترت استقلال السودان الثاني بعرق الجبين وخدمة اليمين وكانوا حراسا لمشارع الحق. كانت دار فور إقليما إداريا واحدا يقطنه طيف واسع من القبائل العربية والافريقية المتصاهرة والمتداخلة اجتماعيا دون حساسيات عرقية .وكانت به نزاعات محدودة بين الزراع والرعاة تم التراضي فيما بينهم على السيطرة عليها بتنظيم مسارات للرعاة يحفظونها بالعرف عن ظهر قلب حتى لا تخرب البهائم في ترحالها الزراعة .ما كان يحدث من تجاوزات اتفق على تجاوزه عن طريق تحكيم نظام الإدارة الأهلية والجودية وهو تحكيم تميز بالفاعلية والقدرة على الفصل وحل النزاعات ،كان هناك وجودا محدودا للنهب المسلح وانتشارا محدودا للسلاح نتيجة للصراع الليبي التشادي . الحديث عن دارفور ومساهماتها الوطنية والإسلامية يكشف بوضوح عن استحقاق دارفور للاعتراف بدورها الوطني الإسلامي وتكريمها عوضا عن عقابها وتدمير نسيجها الإجتماعي وإهلاك زرعها وضرعها. و الحديث عن دارفور واستقلاليتها واعتدادها بنفسها يسلط الضوء ساطعا على : أنه لا يمكن تجاهل ما تطلبه دارفور دون أثمان! منذ 2003 ظهرت في دار فور مشاكل جديدة فوق التي أشرنا لها أعلاه: الإثنية المسيسة،رفع السلاح ضد الحكومة،الحالة الإنسانية المتأزمة،التدخل الأجنبي الواسع. والناظر لمشكلة دارفور بتمعن يدهشه أن تلك المشكلة ماضية في التعقيد بلا أفق للحلول برغم بساطة عناصرها الأولى وإمكانية الحل لو صحت العزائم. من يحاول البحث عن أسباب هذا التعقيد المستمر يصطدم بهول عظيم يستصرخه ويكشف لناظريه بلا مواربة:أن" دارفور مستهدفة" و "تمزيقها متعمد". ذلك أن الحرب في دارفور حرب انتقامية مثل حملات الدفتردار الإنتقامية كما كتب أحد المعلقين في صحيفة الراكوبة الالكترونية.
عند هذه المحطة يجب أن يتوقف الباحث ليلتقط أنفاسه ويسأل لماذا؟ علينا هنا التحدث بتفصيل تحليلي عن أسباب المشكلة والتي كنا قد أجملنا الحديث عنها بعمومية . تتحدث بعض البحوث الأكاديمية(مثل تلك المنشورة على موسوعة مقاتل من الصحراء على الانترنت) عن ثلاث مستويات لأسباب مشكلة دارفور: 1- جذرية:غياب التنمية وغياب الديمقراطية. 2- ثانوية:التنافس على الموارد ، التعدي على الحواكير،تقويض النسيج الاجتماعي لتحقيق الكسب الحزبي والتمكين،تسليح القبائل خارج القنوات النظامية،تسيس الإدارة الأهلية،النهب المسلح والتنافس على السلطة. 3- عوامل مساعدة:الجفاف والتصحر،الصراع التشادي الليبي،الهجرة من المناطق الأخرى لدارفور،انتشار السلاح،الفاقد التربوي وتردي التعليم،انتشار ثقافة العنف ،تكريس الجهوية والقبلية،تفشي الفساد،وجود الحركات المسلحة، النزاع بين المؤتمر الوطني والشعبي. لو أردنا تصنيف تلك الأسباب بغرض معرفة من يقف وراءها(بين الديمقراطية الثالثة والشمولية الانقاذية) لحصلنا على الجدول الآتي:
من يقف وراء مشكلة دارفور؟
مسئولية الديمقراطية مسئولية الشمولية(الجبهة الإسلامية والمؤتمر الوطني) مسئولية مشتركة بين الديمقراطية والشمولية غياب الديمقراطية غياب التنمية التنافس على الموارد التعدي على الحواكير تقويض النسيج الاجتماعي لتحقيق الكسب الحزبي والتمكين تسليح القبائل خارج القنوات النظامية تسيس الإدارة الأهلية النهب المسلح الجفاف والتصحر الصراع التشادي الليبي* الهجرة من المناطق الأخرى لدارفور انتشار السلاح الفاقد التربوي وتردي التعليم انتشار ثقافة العنف تكريس الجهوية والقبلية تفش الفساد وجود الحركات المسلحة النزاع بين الشعبي والوطني إذا نظرنا لهذا الجدول بتمعن : نجد أن هناك أسبابا مشتركة بين الديمقراطية والشمولية مثل: شح الموارد والصراع الليبي التشادي . لكن لابد لنا هنا :أن نأخذ في الحسبان الاختلاف في درجات المسئولية بين الديمقراطية والشمولية فمثلا بالنسبة للصراع التشادي الليبي فقد وجد مشروعيته في زمن الإنقاذ بسبب انحياز الدولة لأحد الفريقين ضد الآخر بسفور مما جعل دارفور ساحة متوقعة للحرب وتصفية الحسابات، بينما شهد كتاب الديمقراطية بحياديتها وعدم تدخلها إلا لإصلاح وبموافقة أطراف النزاع(أنظر الديمقراطية راجحة وعائدة،الصادق المهدي). بالنسبة لمسألة تسليح القبائل في الديمقراطية الثالثة –تلك تهمة سقناها فقط من باب الأمانة العلمية فحتى إن أثبتت فهي غير متعلقة بأمر الصراع في دارفور ذلك أن الإتهام الذي يوجه للديمقراطية كان بخصوص تسليح المسيرية لكي يصدوا عدوان الجيش الشعبي آنذاك ، أما تسليح القبائل في عهد الإنقاذ فقد اتخذ بعدا اثنيا خالصا عندما تم تسليح القبائل العربية في حربها ضد زرقة دارفور: قامت الإنقاذ منذ بداية التسعينيات باستنفار القبائل العربية وتسليحها لمقاتلة منتسبها السابق داؤود بولاد الذي كان قد انضم لقرنق احتجاجا على التهميش في دارفور، وقاد في عام 1991م مجموعة لاحتلال جبل مرة فقبض عليه وقتل بمحاكمة سريعة وسرية. ثم قامت الحكومة بخطوات غاية في الخطورة فيما بعد باستيعابها للجنجويد «وهم رعاة من قبائل عربية شتى سودانية وغير سودانية يمتهنون النهب» في هياكلها الأمنية والرسمية مثل الدفاع الشعبي، حرس الحدود، الشرطة الشعبية وشرطة الحدود، ومنذ 2003م قامت استخبارات الحدود بقيادة اللواء الهادي الطيب باطلاق سراح سجناء وتسليحهم ومن ثم استخدامهم في الصراع الدائر. زاد الوجع في دارفور وأذكى نيران الصراع فيها ما تم رصده في العمود الثاني من الجدول أعلاه وقد كان وأد الدسيمقراطية أم كبائره. في هذه المرحلة يمكننا العودة مرة أخرى لطرح السؤال السابق لماذا استهدفت دارفور بداية؟ كنت قد كتبت في 4/11/2011 مقال عنوانه: (الإنقاذ) خلقت من عود أعوج ودليلنا دارفور..!! وقد تكشف لي حينها :أن تدمير دارفور كان قصدي و اتضح من المقال المذكور أن الحرب في دارفور كانت بغرض خلخلة النسيج الإجتماعي لتغيير حقيقة أن دارفور كانت قد أعطت حزب الأمة 34 من عدد مقاعدها البالغة 39 وأن تلك الحقيقة لم يمكن تغييرها عبر الوسائل الملتوية والإغراء بالمال . كثير من الدلالات ومن بينها مثل تلك المراسيم التي صدرت لتقسيم دارفور تجعلنا نصل الى نتيجة مفادها أن الإنقاذ بعد أن يئست من نيل وطرها من دارفور بالعصا وبالجذرة فهم اليوم ينفذون سياسات ستنتهي –لا قدر الله -إن سمح لهم بالمضي قدما فيها، إلى التخلص من دارفور مثلما فعلوا بالنسبة للجنوب . وقال محلل سياسي لـ (حريات):( ان تقسيم دارفور على أساس اثني وقبلي يعد استمراراً لنهج تفكيك البلاد ، ولإلحاق أقاليم جديدة بمصير الجنوب ، ليتبقى (مثلث حمدي) الذي يبشر به الطيب مصطفى وغيره ، والذي يعيد توصيف السودان بحسب المقاييس الآيدلوجية للمؤتمر الوطني وقدراته المتآكلة على السيطرة وعدم قدرته على تقديم رؤى وبرامج وقيادات تصلح للنطاق الوطني العام ، فيعيد إنتاج سلطته كسلطة مأزومة في إطار التبعثر والتفكيك ). البقاء مكانك سر بالنسبة للحلول في قضية دارفور يرجح وصف د.صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية للمشهد الدارفوري بـ"حالة اللا حل"، رابطا بين وجود المؤتمر الوطني على سدة الحكم وبقاء الأزمة "لأن ذهاب الأول يعني حل المشكلة" وبدورنا نؤمن على توصيف الدومة للمشهد الدارفوري و بخلفية ما ذكرنا من تفاصيل أعلاه -نبصم على قوله بالعشرة : فمما لا شك فيه أن بقاء المؤتمر الوطني على سدة الحكم هو بقاء للأزمة بل لمزيد من الأزمات. اللهم قد بلغت فاشهد! وسلمتم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
جميل إعادة الاعتبار إلى بلاص وكدكي ..
بقلم: صلاح شعيب الجمعة, 20 كانون2/يناير 2012 19:49 Share
-1- حكوماتنا لا تعرف أقدار الرجال والنساء معا. والسبب أنها افتقرت إلى رجال الدولة ونساءها ـ الذين واللائي يقيمون، ويقمن، أعمال الحكمة الإنسانية. هذا ضرب من الجهد البسيط في فكرته، ولكنه عميق في محتواه. فتكريم الذين صنعوا الترابط الاجتماعي، ورققوا أحاسيسه ضرب من الوفاء لأهل الوفاء. ومع ذلك، هناك نفر متبتلون في محراب العمل الثقافي غير الرسمي. يصنعون المختلف تجاه المبدعين. وما تكريم نادي الطمبور لبلاص وكدكي سوى جهد مسؤول من رجال حذاق نحو رجلين هما من رسل الثقافة، وسدنتها.
جمعتنا ببلاص أيام ما تزال حيثياتها مركوزة في الذاكرة رغم بعدنا عنه لمدى عقد ونصف. كانت صحيفة ظلال التي جاء إليها بلاص ذات صباح بكتاب عن الطيب صالح هي منشأ العلاقة المورقة. آنذاك كان أديب السودان يتعرض لمحاولات بقصد المهانة، والابتزاز، والتبخيس. يتقاذف اسمه الكبير هجوم الصحافة. تحجب روايته عن التدريس. لا يمر يوم إلا ووصف بأنه صاحب الأدب الخليع. وهكذا كاد النقدة الإسلاميون أن يوصموا خلقه الفني بأدب الفراش كما فعل البعض بأدب إحسان عبد القدوس. وما كان كل هذا ليحدث لولا عبارة الأديب النحرير التي شككت في أخلاقية الذين هيمنوا على البلاد، وأذاقوا سكانها الويل، والثبور، وعظائم الأمور.
في ذلك المناخ المعكر كتب بلاص عن الروائي الراحل بأروع العبارات. ثم جاء إلى (ظلال) التي أحسها متجاسرة، وربما تملك الشجاعة على نشر ما لا تنشره صحف ذلك الزمن. بجلبابه الأبيض الناصع قدم إلينا، متلفحا عمامته التي لم تفارقه، ويرتدي مركوبا فاشريا. يومها لاقى الفنان ترحابا كبيرا من أسرة ظلال. أجلسناه تحت شجرة كنا نستقبل فيها ضيوفنا بمباني (سوداناو) التي كانت تستضيف الصحيفة. أكرمناه بكوب من الشاي، ولما استرخى بجسده الستيني على كرسي متواضع تجاذب معنا أطراف الحديث عن منغصات البلد، وما آلت إليه من إساءة للسوداني ذائع الصيت. وحينما أحس بالأمان فاجأنا بلاص بأن أدخل يده في جيب جلبابه ليخرج ذلك المكتوب الذي سطره بخط جميل.
فرحنا. كان مقالا دسما يتماشى مع خط الصحيفة التي لم تساير الموجة. وما ساعات إلا وأعملت يدا الزميل نبيل عوض عملا في المقال. ونبيل كان إنسانا فنانا وأسرع من يستطيع كتابة النص على شاشة الكمبيوتر. نبيل كان من النفر الذواق الذي يستمع إلى الفنان مصطفى سيد أحمد طوال الوقت بينما تلتهم يده حروف المحررين والكتاب التي يصففها عبر الكمبيوتر. وقبل أن يسدل العصر خيوطه يكون نبيل قد سلم الزميل محمد عكاشة كل صفحات ظلال التي تبلغ ست عشرة صفحة بحجم التابلويد. ولقد اندهش الأستاذ عبد الله النجيب الذي زارنا يوما حاملا مقالا عن صديقه محجوب سراج. سلمنا المقال حالا لنبيل الذي دردش مع النجيب ثم دلف إلى مكتب التصميم. وقبل أن يكمل النجيب كوب الشاي أسقط نبيل في يده مقالته حتى يصححها بنفسه. وحين بص النجيب على مكتوبه متسقا بحروف الماكنتوش تفاجأ، واستعدل نظارته سميكة العدسات وقال لنا: "الزول ده خت المقال في إبطو أسي ثم أخذ لفة ورجع بيهو مصفوف..ياخي ده أسرع من الكمبيوتر." لم يمنح نبيل الفنان بلاص مادته في ذلك اليوم ليراجعها. ولكن المهم أن المقال صدر في الصفحة الثالثة من ذلك العدد الذي كنا نعد فيه. فرح بلاص بنشره، خصوصا وانه أشفى غليله هو الذي رأى ابن المنطقة وقد تناوشته سكاكين الآيديلوجيا، وحاكمت أدبه دينيا وسياسيا، ولم تكن تأبه لسرده الرائع وعباراته التي تتراقص، و(تشع) كما قال لي أبو آمنة يوما ليصف عبارة الطيب صالح التي تضيق كلما اتسعت رؤيته عبر الأيام.
بعدها ظل بلاص ابن جزيرة مساوي يكرر زياراته لنا حتى صار ضمن أسرة التحرير. يأتي قبلنا، ويجلس على تربيزة حزينة، ويعد منوعات صحفية تتناسب مع خط الصحيفة الذي أعجبه كثيرا. وهكذا عاد لمهنته التي تركها حين صار فنانا يدير فرقته الاستعراضية منذ نهاية الستينات. وبلاص، وهو بتعدده الإبداعي كان قارئا نهما للكتب، وكاتبا مقتدرا. وإن كان قد تفرغ للصحافة، والكتابة الأدبية، لوقفنا على أثر أديب، أو كاتب، لا يشق له غبار. وهكذا ألفيتنا نتلاقى مع بلاص يوميا إلى أن أوقفوا الصحيفة، فتفرقنا أيدي سبأ. وما نذكره أننا يوما ذهبنا إلى الزميل الزبير سعيد الذي غاب أياما، فما كان من بلاص إلا وأن أتى إلينا بكدكي في ذلك اليوم وصحبتهما مع الزميل محمد عكاشة إلى منزل أسرة الزميل الزبير، بيد أننا وجدناه متوعكا. وبعد أن أكرمتنا الأسرة جلسنا في فناء الدار وعرف الجيران بوجود المبدعين الكبيرين. وتجمعوا في ذلك الفضاء. وما كان من بلاص إلا وأن طلب جركانة فأتى أهل الدار بها. جلس على البساط ومدد رجليه ثم حقن الجركانة بقوة ما بين رجليه فبدأ يغني مرة، وكدكي ينثر الفضاء بشعره الذي يشجي السامعين تارة، ويضحكهم تارات كثيرة. وأحيانا يرقص كدكي أمام الحلبة التي تحولت إلى فرح غامر. وهكذا ظل كدكي يضخ مفرداته الشعرية الكاريكتورية، وبلاص بجركانته يستولد الإيقاع الحار منها. وما لحظات إلا ووجدت الزميلين الزبير سعيد ومحمد عكاشة يعرضان في الدارة بينما كدكي يقفز من السرير، بنشاط صبي صغير، ثم يثبت أقدامه، ويبادلهما العرضة بالتصفيق على إيقاع الدليب المركب: طق طرق طق .. طق طرق طق. وما من شك أن عبد الرحمن بلاص مبدع نادر جمع بين الإبداع في الصحافة، والقصة القصيرة، والبحث في مجال التراث، والغناء، وكتابة الشعر، والعمل الإداري الثقافي. -2- أما الشاعر محمد جيب الله كدكي فقد تعرفت عليه في مكتب صحيفة الحياة اللندنية، حيث كان مديره الأستاذ كمال حامد، وآنذاك يشرف على عملنا أستاذنا إبراهيم عبد القيوم بجانب المرحومين عمر محمد الحسن، وصلاح عبد الرحيم، والذي كان متخصصا في الصحافة الاقتصادية، ولقد رحل الزميلان العزيزان فجأة، وأصابني حزن كبير على فقدهما الباكر. في مكتب الأستاذ عبد القيوم كان هناك ملتقى يعقد لعدد من أصدقائه المايويين، وأبناء منطقته. وكان من بين الحضور الأساتذة كامل محجوب، وآمال عباس، ومحمد الطاهر، ومحجوب كرار، وآخرون. كدكي كان نوارة ذلك المجلس الفريد. وكانت المؤانسات تعقد، آنذاك، متى ما التقى هذا الجمع كثير الجدل حول السياسة والأدب والشعر، بينما كان كدكي يرطب الأجواء برباعياته الشعرية الجميلة. هناك تعرفت عليه، ووجدته كارها للوضع القائم، ومريخيا صرفا لا يرضى انهزام فريقه. وهكذا يؤلف القصائد التي تمجد النجمة ويؤلف قصائده العاطفية المرتبطة مفرداتها بمنطقة الشايقية. ولعل عددا من فناني المنطقة، وخارج المنطقة، تغنوا بأشعاره الجميلة، والحكيمة، والحنينة، والساخرة. ومن بين هؤلاء الفنانين عثمان اليمني، وصديق أحمد، والنعام آدم، وعبد الرحمن بلاص نفسه. وأذكر أن كدكي كان يجد في غناء مصطفى سيد أحمد بعض السلوى، وكنا نتابع أخباره بالدوحة. ولقد كلفني ذات مرة أن أبعث إليه بقصيدة (الفرقة الطويلة) وقد كان. وعرفنا لاحقا أن الفنان مصطفى لحنها. ولكن لم نعثر على تسجيل لها. ونأمل يوما أن نعثر على آثار تلك الأبعاد اللحنية التي قاربت كلمات كدكي الحارقة، والنافرة عن التدجين السلطوي.
وكدكي القادم من تنقاسي لا يختلف عن صديقه بلاص كثيرا، من حيث إنسانيته العالية، وتواضعه الجم، والتصاقه الأكيد بتراث المنطقة التي منها انحدر، وشفافيته في التعامل مع الآخرين. الإثنان استماتا في أن ينقلا إلينا تراث منطقة الشايقية ذي المضامين الجميلة الرائعة، والولهة بالمحبوبة في هجرها المصون هناك بينما يتعذب الشاعر هنا في فناء السواقي بقريضه اللوعة. إنهما قدما لنا فصولا من طرائق الأهل هناك في النظر إلى الأرض، والمرأة، والحب، والسياسة، والماضي. إنهما، في الحقيقة، قبضا على كل البيئة في أكفهما الأربعة ثم فتحاها، ضاحكين، أمام ناظرينا. الحقيقة أن بلاص وكدكي كانا سفيرين معتبرين لمنطقة الشايقية. صدحا بمكنون البيئة، وأسهما في الحفاظ على تراث المنطقة من خلال الشعر، والغناء، وبذلا لما يقرب نصف قرن من الزمان، في مضمار النسج الشعري، والغنائي. وربما هما آخر مبدعين من الرعيل الأول الذي حمل على عاتقه هم تعريف بيئات السودان المختلفة بتراث المنطقة. ولا بد أن الجيل الثاني، والذي يمثله السر عثمان الطيب، عبدالله محمد خير، وحاتم حسن الدابي، ومحمد الحسن سالم حميد، وآخرون، تأثروا بتجاربهما الباكرة، وبنوا عليها، ومن ثم عجنوا خميرة هذه المفردات بمسائل فلسفية، وثقافية، وسياسية، حملت عبء الهم بالتغيير الوطني نحو الحرية والديمقراطية. وعلى هذا الأساس ما عادت شعرية المنطقة، بخصوصيتها اللغوية، إلا مزجا من مزيج التعبير الشعري الذي يجد التقدير من كل أهل البلاد. وربما يجد الباحث في بعض شعر بلاص، وكدكي، والسر عثمان الطيب، المفردات الناهلة من مفردات البيئة وقد طفقت تعبر عن القضايا الجوهرية للإنسان السوداني في شماله، وغربه، وجنوبه، وشماله. ولذلك كان من السهل أن يجد المتلقي في كل بقاع السودان هذه المفردات الشعرية عاكسة لأحلامه، وهمومه، ومعاناته اليومية، التي ظلت تترحل من زمن إلى آخر، دونما نهوض لمسؤولين من أجل معالجتها.
وبرغم أن القصائد التي شدا بها بلاص وكدكي كانت في مرحلة من المراحل يصطلح عليها بأدب الربوع، أو تعد ضربا من التراث الشعبي، أو ملمحا من الفلكلور، وغيرها من المصطلحات، إلا أن الجيل الجديد من المغنين كذب هذه المزاعم. لقد صارت هذه القصائد تنافس عامية أم درمان في كل شيء، بل وتجازوتها في كثير من أخيلتها، ومواضيعها الدائرة في فلك العاطفة. ولقد قام بعض الفنانين بتلحين هذه القصائد، وصارت مقبولة، لا كنمط فلكلوري يعبر عن المنطقة، أو ربوع منها كما قصد وعرف، وإنما كفن أصيل، ذاك الذي يبني في اتجاه التعدد الثقافي السوداني، حيث لا أفضلية لنمط ثقافي إزاء آخر إلا بالقدرة على تجويد التناول الإبداعي، وتجديده، أو بالجرأة في تكثيف التجريب الفني. ولا شك أن قصيدة منطقة الشايقية بالإضافة إلى قصيدة بقارة منطقة كردفان، ولاحقا قصيدة منطقة الجزيرة أو البطانة، والقصيدة الدارفورية في شقها العامي والبقاري، وحتى القصائد المغناة بلغات من مختلف السودان، كل هذه التجارب الإبداعية السودانية تعزز ثقتنا في كون أن بيئات السودان المتباينة في منتوجها الإبداعي هي التي ترفد تجارب المركز الثقافي، وتحميها من الضمور والتكلس الإبداعيين. بل وتمنح مبدعي المركز المجال للتنافس أكثر مع الأصوات الجديدة، ذات الحساسية الإبداعية المستندة إلى تراث اللهجات العامية، وأيضا تفرض على هؤلاء المبدعين تجويد أعمالهم. وللأسف فأن التسميات التي تلحق بقصيدتي بلاص وكدكي، وغيرهما، مثل القول بأنها إبداعات الربوع، أو نوع من الفلكلوريات، أو نمط من الأدب الشعبي، هي محاولة لتحجيم المبدعين في الدائرة الضيقة، وإبعادهم عن تراث مناطقهم، بينما، والحال هكذا، تتسع المواعين الإعلامية لقصيدة الوسط كي تبدو أكثر قومية، أو عصرية، أو إبداعية، وعلى أن تكون قصيدة الوسط، هي التي تستوعب أو تدجن خيال أبناء الأقاليم في طرائقها، وقوالبها الفنية، حتى لا يلتفتوا إلى التعبير بمفردات نشأوا عليها، وشكلت وجدانهم، وشخصياتهم الثقافية. ولا يقتصر هذا الأمر على مستوى الشعر، وإنما يغدو سياسة ثقافية مسكوتا عنها، تلحق بالغناء، والفن التشكيلي، والدراما، والمسرح، حيث لا تسود إلا لهجة محددة، ولا يعترف إلا بسمة فنية معينة، ولا تقيم إلا موضوعات محددة في سبيل التدجين من خلال ثقافة أحادية. -3- الأمر الأهم هو أنه مع عظم فكرة نادي الطمبور في الالتفات إلى المبدعين الكبيرين بلاص وكدكي، وتكريمهما بما يليق، كونهما حققا فتحا للمنتمين لثقافة الطمبور، إلا أن المؤسف هو أن يجيء التكريم (مناطقيا) لهذين المبدعين الذين عرفا كل السودان بإبداعات جزء أصيل من أجزائه. والمؤسف الأكثر أنه في سودان الإنقاذ بدت مهرجانات تكريم المبدعين تأخذ الصبغة الجهوية في ظل عجز وزراء الثقافة والإعلام في أن يكونوا رجال دولة حتى يقوموا بإعفاء الجهات الجغرافية من الحرج العرفاني. وما كان هناك شيء يقف أمام هؤلاء الوزراء المتعاقبين في أن يتبنوا مشروعا كبيرا لتكريم المبدعين لا على أساس جهاتهم التي وفدوا منها، وإنما على أساس أنهم مبدعون سودانيون بذلوا الغالي والنفيس في حفظ إبداعات الثقافات، وتطويرها، وإشاعة تداولها على أوسع نطاق. نقول هذا وفي ذهننا الحال الذي وصلت إليه الثقافة في البلاد التي تأثر مناخها الثقافي بما للسياسة من مناخ يدفع إلى العشائرية، والجهوية، والقبلية. ونأمل ألا يأتي يوما لنرى مبدعا سودانيا أصيلا مثل عبد القادر سالم وقد تنادى أهل كردفان لتكريمه، خصوصا وأن ما قدمه هذا المبدع تجاوز المحلية، وعرف العالم بجزء من تراث بلاده. والأمر كذلك إذا رأى الناس أبناء الجزيرة وقد تنادوا للاحتفاء بمبدع كبير مثل عبد العزيز المبارك، وهو الذي ارتقى بالذوق السوداني محليا، وله في أوروبا مساهمات لعرض الإبداع السوداني، وقس على هذين المثالين.
وبلا أدنى شك أن دور المنطقة مهم في تكريم المبدعين، بل وهو ضروري لدعم أبنائها الذين عكسوا صورة مشرفة على المستوى القومي. كما أن هذا الدور مطلوب بإلحاح متى ما كانت هذه المناطق قادرة على تشجيع المبدع الذي تحدر منها بأكثر من تكريم، ولكن المطلوب الأكثر هو ألا يكون هذا التكريم المناطقي هو الأسبق، أو الوحيد، الذي يشمل المبدع في حياته في وقت تعجز فيه الوزارة القومية المعنية، أو المنظمات الثقافية القومية، عن أن تكون سنة التكريم قائمة لكل المبدعين، لا في حالات الموت أو المرض فقط وإنما في حالات يكون فيها المبدع سليما معافى. خلاصة الأمر نثمن دور نادي الطمبور الذي أحس بالفراغ في التكريم القومي لابني المنطقة، ونثمن، أيضا، دور إدارته في الاهتمام بتراث المنطقة، ودعم أبنائها المبدعين من الشعراء.
وما تكريمها للأستاذين عبد الرحمن بلاص ومحمد جيب الله كدكي إلا عرفان لا يأتي إلا من أهل عرفان، وذوق. والأمل في أن يوسع النادي نشاطه ليشمل كل المبدعين السودانيين دون التقيد بمنطقة بعينها. وربما في ذلك إثراء لنشاطات نادي الطمبور، وفرصة للتثاقف، والتعرف على إبدعات أخرى. ولعل الطمبور، كما نعلم، آلة ضمن العائلة الوترية التي تضم الكربي، وأم كيكي، والربابة، والباسنكوب، ومن على البعد نرسل تهانينا لأستاذينا بلاص وكدكي وهما يستحقان أكثر من ذلك. ولا بد أن زمنا أفضل سيأتي ليجدا التكريم القومي في أجواء من الحرية والديمقراطية تتيح لنا معرفة نضالاتهما ضد البؤس السياسي. salah shuaib [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
أيهما يتقدّم على الآخر .. الحركة الإسلامية أم المؤتمر الوطني ؟ عادل إبراهيم حمد
أعيد ترتيب هذا المقال ليتسق مع مقال الخميس الماضي عن مذكرة الإسلاميين التصحيحية و ما أثارته من جدل حول (بنوة) المؤتمر الوطني للحركة الإسلامية . و أحاول أن أرصد التطور الذي يفترض أن يكون ، عبر قصة هذا الإسلامي . قصة هذا الإسلامي مع السياسة بدأت عندما كان طالباً صغيراً ، حدثه يوماً – ضمن آخرين – مُدرّس إسلامي عن كمال الدين الذي يعني - بحسب المدرس – أن الإسلام يقدم وصفة لكل منحى في الحياة ، وإلا لما اتّصف بالكمال وأضاف ذلك المدرس أن المسلم يجب أن يكون إسلامياً وإلا يكون متشككاً في حقانية الدين وشموله .
منذ ذلك اليوم ظل صاحبنا الصغير لا يجد مجلساً يناقش هماً من هموم الحياة إلا وشارك بديباجته الحاضرة أن ( الإسلام هو الحل ) .. يقول ذلك إذا تحدث الناس في الري أو الهندسة أو الأمراض أو الاقتصاد أو النقل أو الزراعة فيحدث الطالب الصغير عن الهندسة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي والطب النبوي مع أنه لا يعرف أبجديات علوم الهندسة أو الطب أو الاقتصاد أو الزراعة وغيرها من علوم ، مكتفياً بأن يضفي صفة ( الإسلامية ) على ما يتوهمه من هذه العلوم . انتقل الى محطة أخرى في حياته امتلأ عندها غيظاً لما سمع أحد المدرسين (المسلمين) يقول في ندوة إن الإسلام لم يقدم رأياً في هندسة البناء ولا الهندسة الميكانيكية أو الكيمائية ولا الاقتصاد أو الطب أو الزراعة وازداد صاحبنا حنقاً لما سخر المدرس من دعاوى شمول الإسلام ومن شعار (الإسلام هو الحل ) .
ولم يتطرق الشك الى نفس الطالب – الذي كبر قليلاً - بأن (معلمه) سفيه يستخف بالدين وأحس بالحقد تجاه هذا العدو.. ولكن ذات الأفكار سمعها في إطار آخر وذلك في ندوة بالجامعة التي دخلها صاحبنا متفوقاً وملتحقاً بكلية الهندسة . قال المتحدث في تلك الندوة إن من كمال الإسلام أنّه ترك شؤون الدنيا وحياة الناس اليومية للبشر يجتهدون فيها بما يناسب عصرهم ، ولن يكون من الحكمة في شيء أن يحدد الدين قوالب جامدة يتجاوزها الزمن ويتخطاها العصر، فأحس أن فهماً دينياً جديداً يدب في ذهنه . ولما تبحر قليلاً في علم الهندسة الذي ألم بعمومياته في السنين الأولى وتخصص وتفوق في أحد فروعه في السنين الأخيرة أيقن أن الدين لا يمكن أن يحدد قوالب جامدة لعلم تستزيد منه البشرية بالتجربة يوماً بعد يوم . وسكنت نفسه وأحس بالانشراح لما وقر في قلبه أي كل خاطرة أو فكرة في الهندسة لا تخرج من الإرادة الإلهية الكلية ، وأنها كلها إلهامات بل وحي إلهي وقرأ في سره ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ) واستعرض بخياله سيرة الإنسان منذ أن كان بدائياً يستظل بالأشجار وتسوقه الأفكار ( الموحاة ) درجة درجة حتى تسكنه ناطحات السحاب .
تخرج طالب الهندسة وأرتقى في تخصصه حتى صار علماً فيه ، ينهل من المعرفة التي لا تحد ، تارة من زملائه وتارة من كورس في بلاد الإنجليز النصارى ومرة من صينيين لا يولون الغيب كبير اهتمام. ولكنه كان في كل مرة يستصحب فكرة الإرادة الإلهية الكلية . وفي مجالات بعيدة عن تخصصه لم يكن يعرض طفله الذي تنتابه أحياناً نوبات الربو على صديقه الطبيب الذي يؤدي صلواته الخمس في المسجد القريب بل كان يعرضه على طبيب عرف بالبراعة في التشخيص والعلاج ولم يحرص صاحبنا على معرفة إن كان هذا الطبيب مصلياً أم لا. وهكذا خرج تماماً من هوس إلحاق صفة ( إسلامي) على كل علم إلى عالم رحب بدون أن يحس بأنه قد فارق جوهر الدين . كان يقول لإخوانه الذين بقوا في المحطة الأولى أو الثانية إنه قد أدرك معنى التوحيد. وقد استغرقته الفكرة تماماً حتى أنه كان يستمتع و يتسلى بمتابعة جذور كل حالة أو واقعة أو حدث أو فكرة يستلهم الآية ( أفرأيتم النار التي تورون ) فيعيد النار الى شجرتها ثم يعيد الشجرة إلى بذرتها. ويمسك بالرغيفة فيتابع قمحها منذ أن زرع في تلك البراري البعيدة في كندا أو استراليا ، ويتابع شحن القمح , وماكينات المطحن منذ أن صهر حديدها وشكل .. ويتأمل الجوال البنغالي خيطاً خيطاً منذ أن زرع الكناف. فإذا ما التهم الرغيفة سبح الله ثم حمده كثيراً أن جعله يغوص عميقاً فلا يقف عند ختام القصة فيحرم متعة التأمل وتفوته قيمة الذكر.
ويخضع المهندس الكبير برنامجه الذي رسمه صباحاً لـ ( أقدار) اليوم فيعجب ويفرح فرحاً طفولياً وهو يرى كيف أن شارة المرور قد أخرته،وكيف أن صفاً طويلاً من السيارات صنع بعضها في اليابان وآخر في ألمانيا وآخر في كوريا ،شحن بعضها عن طريق دبي وجاءت أخرى عن طريق السعودية وأخرى رأساً من بلد المنشأ ،تتراص كلها في طريق (عبيد ختم) ,, وأخواتها في كازبلانكا وبعضها في كوالالمبور وأخرى في كوبنهاجن ،وجاء القدر بهذه الى السودان لتنتظم على شارع عبيد ختم . وتصطدم واحدة صنعت في (سول) بأخرى مولودة في برلين ويجرح سائق الأخيرة . تدفع المروءة المهندس لاصطحاب السائق الجريح إلى مستشفى قريب يقابل فيه طبيبة اعتنت بالجريح ,, وتزوجها المهندس فيما بعد. بعد أن أدرك بتخصصه الهندسي أن ( السد) يبني بمعارف متاحة لكل البشر بمختلف معتقداتهم , وكذلك كل ما يتعلق بعلوم الطب والزراعة وميادين الصناعة والتعدين , تساءل في نفسه: وماذا هي إذن الشريعة التي كنّا نهتف بها ( شريعة سريعة وللا نموت )؟ ما دامت جل مناحي الحياة مفتوحة على فضاء واسع من الخيارات بدون أن تلزم الشريعة بأحدها أو تحرم آخر , فلا يبنى السد لأن الشريعة تلزم به وقد يستعاض عنه بمشروع زراعي أو صناعي وفي موقع آخر بدون أن تحرم الشريعة هذا الخيار أو تفرض ذاك البديل. وقد يحظر العمل الحزبي وقد يباح بدون أن يكون أي من الخيارين مخالفاً للشريعة. وقد يمنع تداول النقد الأجنبي خارج النظام المصرفي وقد يباح وبلا ضوابط فلا تلزم الشريعة بذلك الخيار ولا ببديله. وهكذا قد يحكم السودان مركزياً أو فدرالياً وقد يزرع مشروع الجزيرة قطناً أو ذرة أو قد يأتي خبير زراعي ويدعو لأن تزرع كل أراضي السودان قمحاً وفولاً ، وقد تعطى الأولوية في الصناعة للسكر أو المصنوعات الجلدية . وهكذا تتعدد الخيارات في فضاء واسع . ورغم سعة الفضاء التي توهم بالتراخي تجاه معنى الشريعة , اهتدى صاحبنا إلى محور جوهري هو ضرورة العزم والتوكل ثم اختيار خيار بعينه بلا قداسة له ولا تحقير لغيره والدفع بقوة لتحقيق النفع للناس . ثم اهتدى لمعنى للشريعة يكاد (يخصه) , هو أنها كل قوانين الظاهر التي تصوغها الفطرة ومنطق الأشياء ، متسقاً بذلك مع تيار المنطق والفطرة . ويلزم نفسه بــ (شريعة) السعي لا تقعده ( حقيقة) إن الله هو الفاعل الأوحد ، فتكتمل المنظومة بين فعل الله الظاهر في قهر الطبيعة وفعله اللطيف في ( ما يبدو) أن الإنسان فاعله..
تجسد كل ذلك يوم افتتاح سد مروي ، حين سمع هدير مياه تجمعت قطراتها في أثيوبيا وفكتوريا ومن السوباط وعطبرة , فكاد أن يسمع وجيب قلبه الذي يخفق كل هذه السنوات وهو لا يملك من أمر قلبه شيئاً . ولما أطلت الشمس مشرقة , رفع يده اليمنى وكأنه يملك أمر حركتها ثم وضعها على الكتف الأيمن لمهندس صيني حتى كاد يحتويه وقال بصوت مسموع ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ... ) . هكذا جعل معيار التزامه بالشريعة هو مدى اتساقه مع قوى الدفع الظاهرة . يذكر ذلك وهو يشتري غطاءً لطفله في الشتاء ، وإذا فتح نافذة للهواء . ويتذكره متأملاً وهو يستعيد تدافع الجيران نحو بيت جار يستغيث وقد احترق بيته يحملون – كلهم- ( صفائح) الماء يحثهم قانون اجتماعي لتلبية نداء الاستغاثة وقانون كيمائي يحكم العلاقة بين الماء والإطفاء . وينسجم مع فكرة الإتساق مع قوانين الدفع الظاهرية قرار الوزير بحفر بئر في قرية شكا أهلها شدة العطش وقرار الوالي بإرسال مواد إغاثة عاجلة من الدقيق والزيت مع بعض الخيام والبطاطين لقرى داهمها الفيضان. ومن عجب أن ذات ( الحزمة ) قد أرسلتها دول صديقة بحكم امتثالها لقوانين ودوافع الفطرة الإنسانية. لقد تخلص صاحبنا تماماً من أثقال حملها منهكاً لما حمل لسنين عدداً لافتات لا يعرف لها معنى .
وأسر لبعض ( إخوانه ) أنه قرر الانتقال من ضيق الحركة الإسلامية الى رحابة المؤتمر الوطني . فلما عجبوا لحديثه محتجين بأن الحركة هي الأصل قال على الفور ( ولو هي الأصل فإنها الأضيق) ودعم رأيه بأنه التقى من خلال الحزب - لا الحركة – في ساحة العمل الوطني بجوزيف مكين إسكندر وجورج كنقور قبل الانفصال وقلواك دينق قبل أن يتمرد وعبد الباسط سبدرات الذي قدم اجتهاداً مقدراً في تفسير سورة الكهف . طلب منه صديق مقرب أن يفعل ما يريد بدون أن ( يجاهر) بذلك .
لم يسمع هذه ( النصيحة ) وجاهر برأيه معلناً أن السياسة رؤى وجهود لا حصانة فيها لجماعة أو فرد ولا قيمة للافتة إلا بقدرات أصحابها على الفعل والتأثير الايجابيين. وجمع منظومته الفكرية الجديدة بأن التوحيد هو الجوهر وأن الشريعة هي الاتساق مع قوانين الدفع الظاهرية وأن الهندسة والطب والزراعة علوم برع فيها المسلم وغير المسلم ... وكذلك السياسة.... فإذا أسندنا شأناً هندسياً لمسيحي أو يهودي وطلبنا العلاج عند طبيب نصراني ، فلم لا نسند الشأن السياسي في قمته لمن يديره بدراية بغض النظر عن دينه؟ فإن لم نفعل فكأننا نعلي شعار (النقاء الديني ) على شاكلة (النقاء العرقي) الذي روجت له الفاشية وأخواتها. وأسر صاحبنا لبعض إخوانه أنه يتمنى أن لو يعطي صوته مستقبلاً لأستاذ العلوم السياسية صفوت فانوس لو ترشح للرئاسة بل إنه سوف يسعى لإقناعه بالترشح . الحركة الإسلامية كانت مرحلة عاطفية في حياة هذا الإسلامي (السابق) الذي أيقن أن التنافس السياسي يكون بين أحزاب لا يجوز لأي منها حق الوصاية على الآخرين .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
أيهما يتقدّم على الآخر .. الحركة الإسلامية أم المؤتمر الوطني ؟ عادل إبراهيم حمد
أعيد ترتيب هذا المقال ليتسق مع مقال الخميس الماضي عن مذكرة الإسلاميين التصحيحية و ما أثارته من جدل حول (بنوة) المؤتمر الوطني للحركة الإسلامية . و أحاول أن أرصد التطور الذي يفترض أن يكون ، عبر قصة هذا الإسلامي . قصة هذا الإسلامي مع السياسة بدأت عندما كان طالباً صغيراً ، حدثه يوماً – ضمن آخرين – مُدرّس إسلامي عن كمال الدين الذي يعني - بحسب المدرس – أن الإسلام يقدم وصفة لكل منحى في الحياة ، وإلا لما اتّصف بالكمال وأضاف ذلك المدرس أن المسلم يجب أن يكون إسلامياً وإلا يكون متشككاً في حقانية الدين وشموله .
منذ ذلك اليوم ظل صاحبنا الصغير لا يجد مجلساً يناقش هماً من هموم الحياة إلا وشارك بديباجته الحاضرة أن ( الإسلام هو الحل ) .. يقول ذلك إذا تحدث الناس في الري أو الهندسة أو الأمراض أو الاقتصاد أو النقل أو الزراعة فيحدث الطالب الصغير عن الهندسة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي والطب النبوي مع أنه لا يعرف أبجديات علوم الهندسة أو الطب أو الاقتصاد أو الزراعة وغيرها من علوم ، مكتفياً بأن يضفي صفة ( الإسلامية ) على ما يتوهمه من هذه العلوم . انتقل الى محطة أخرى في حياته امتلأ عندها غيظاً لما سمع أحد المدرسين (المسلمين) يقول في ندوة إن الإسلام لم يقدم رأياً في هندسة البناء ولا الهندسة الميكانيكية أو الكيمائية ولا الاقتصاد أو الطب أو الزراعة وازداد صاحبنا حنقاً لما سخر المدرس من دعاوى شمول الإسلام ومن شعار (الإسلام هو الحل ) .
ولم يتطرق الشك الى نفس الطالب – الذي كبر قليلاً - بأن (معلمه) سفيه يستخف بالدين وأحس بالحقد تجاه هذا العدو.. ولكن ذات الأفكار سمعها في إطار آخر وذلك في ندوة بالجامعة التي دخلها صاحبنا متفوقاً وملتحقاً بكلية الهندسة . قال المتحدث في تلك الندوة إن من كمال الإسلام أنّه ترك شؤون الدنيا وحياة الناس اليومية للبشر يجتهدون فيها بما يناسب عصرهم ، ولن يكون من الحكمة في شيء أن يحدد الدين قوالب جامدة يتجاوزها الزمن ويتخطاها العصر، فأحس أن فهماً دينياً جديداً يدب في ذهنه . ولما تبحر قليلاً في علم الهندسة الذي ألم بعمومياته في السنين الأولى وتخصص وتفوق في أحد فروعه في السنين الأخيرة أيقن أن الدين لا يمكن أن يحدد قوالب جامدة لعلم تستزيد منه البشرية بالتجربة يوماً بعد يوم . وسكنت نفسه وأحس بالانشراح لما وقر في قلبه أي كل خاطرة أو فكرة في الهندسة لا تخرج من الإرادة الإلهية الكلية ، وأنها كلها إلهامات بل وحي إلهي وقرأ في سره ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ) واستعرض بخياله سيرة الإنسان منذ أن كان بدائياً يستظل بالأشجار وتسوقه الأفكار ( الموحاة ) درجة درجة حتى تسكنه ناطحات السحاب .
تخرج طالب الهندسة وأرتقى في تخصصه حتى صار علماً فيه ، ينهل من المعرفة التي لا تحد ، تارة من زملائه وتارة من كورس في بلاد الإنجليز النصارى ومرة من صينيين لا يولون الغيب كبير اهتمام. ولكنه كان في كل مرة يستصحب فكرة الإرادة الإلهية الكلية . وفي مجالات بعيدة عن تخصصه لم يكن يعرض طفله الذي تنتابه أحياناً نوبات الربو على صديقه الطبيب الذي يؤدي صلواته الخمس في المسجد القريب بل كان يعرضه على طبيب عرف بالبراعة في التشخيص والعلاج ولم يحرص صاحبنا على معرفة إن كان هذا الطبيب مصلياً أم لا. وهكذا خرج تماماً من هوس إلحاق صفة ( إسلامي) على كل علم إلى عالم رحب بدون أن يحس بأنه قد فارق جوهر الدين . كان يقول لإخوانه الذين بقوا في المحطة الأولى أو الثانية إنه قد أدرك معنى التوحيد. وقد استغرقته الفكرة تماماً حتى أنه كان يستمتع و يتسلى بمتابعة جذور كل حالة أو واقعة أو حدث أو فكرة يستلهم الآية ( أفرأيتم النار التي تورون ) فيعيد النار الى شجرتها ثم يعيد الشجرة إلى بذرتها. ويمسك بالرغيفة فيتابع قمحها منذ أن زرع في تلك البراري البعيدة في كندا أو استراليا ، ويتابع شحن القمح , وماكينات المطحن منذ أن صهر حديدها وشكل .. ويتأمل الجوال البنغالي خيطاً خيطاً منذ أن زرع الكناف. فإذا ما التهم الرغيفة سبح الله ثم حمده كثيراً أن جعله يغوص عميقاً فلا يقف عند ختام القصة فيحرم متعة التأمل وتفوته قيمة الذكر.
ويخضع المهندس الكبير برنامجه الذي رسمه صباحاً لـ ( أقدار) اليوم فيعجب ويفرح فرحاً طفولياً وهو يرى كيف أن شارة المرور قد أخرته،وكيف أن صفاً طويلاً من السيارات صنع بعضها في اليابان وآخر في ألمانيا وآخر في كوريا ،شحن بعضها عن طريق دبي وجاءت أخرى عن طريق السعودية وأخرى رأساً من بلد المنشأ ،تتراص كلها في طريق (عبيد ختم) ,, وأخواتها في كازبلانكا وبعضها في كوالالمبور وأخرى في كوبنهاجن ،وجاء القدر بهذه الى السودان لتنتظم على شارع عبيد ختم . وتصطدم واحدة صنعت في (سول) بأخرى مولودة في برلين ويجرح سائق الأخيرة . تدفع المروءة المهندس لاصطحاب السائق الجريح إلى مستشفى قريب يقابل فيه طبيبة اعتنت بالجريح ,, وتزوجها المهندس فيما بعد. بعد أن أدرك بتخصصه الهندسي أن ( السد) يبني بمعارف متاحة لكل البشر بمختلف معتقداتهم , وكذلك كل ما يتعلق بعلوم الطب والزراعة وميادين الصناعة والتعدين , تساءل في نفسه: وماذا هي إذن الشريعة التي كنّا نهتف بها ( شريعة سريعة وللا نموت )؟ ما دامت جل مناحي الحياة مفتوحة على فضاء واسع من الخيارات بدون أن تلزم الشريعة بأحدها أو تحرم آخر , فلا يبنى السد لأن الشريعة تلزم به وقد يستعاض عنه بمشروع زراعي أو صناعي وفي موقع آخر بدون أن تحرم الشريعة هذا الخيار أو تفرض ذاك البديل. وقد يحظر العمل الحزبي وقد يباح بدون أن يكون أي من الخيارين مخالفاً للشريعة. وقد يمنع تداول النقد الأجنبي خارج النظام المصرفي وقد يباح وبلا ضوابط فلا تلزم الشريعة بذلك الخيار ولا ببديله. وهكذا قد يحكم السودان مركزياً أو فدرالياً وقد يزرع مشروع الجزيرة قطناً أو ذرة أو قد يأتي خبير زراعي ويدعو لأن تزرع كل أراضي السودان قمحاً وفولاً ، وقد تعطى الأولوية في الصناعة للسكر أو المصنوعات الجلدية . وهكذا تتعدد الخيارات في فضاء واسع . ورغم سعة الفضاء التي توهم بالتراخي تجاه معنى الشريعة , اهتدى صاحبنا إلى محور جوهري هو ضرورة العزم والتوكل ثم اختيار خيار بعينه بلا قداسة له ولا تحقير لغيره والدفع بقوة لتحقيق النفع للناس . ثم اهتدى لمعنى للشريعة يكاد (يخصه) , هو أنها كل قوانين الظاهر التي تصوغها الفطرة ومنطق الأشياء ، متسقاً بذلك مع تيار المنطق والفطرة . ويلزم نفسه بــ (شريعة) السعي لا تقعده ( حقيقة) إن الله هو الفاعل الأوحد ، فتكتمل المنظومة بين فعل الله الظاهر في قهر الطبيعة وفعله اللطيف في ( ما يبدو) أن الإنسان فاعله..
تجسد كل ذلك يوم افتتاح سد مروي ، حين سمع هدير مياه تجمعت قطراتها في أثيوبيا وفكتوريا ومن السوباط وعطبرة , فكاد أن يسمع وجيب قلبه الذي يخفق كل هذه السنوات وهو لا يملك من أمر قلبه شيئاً . ولما أطلت الشمس مشرقة , رفع يده اليمنى وكأنه يملك أمر حركتها ثم وضعها على الكتف الأيمن لمهندس صيني حتى كاد يحتويه وقال بصوت مسموع ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ... ) . هكذا جعل معيار التزامه بالشريعة هو مدى اتساقه مع قوى الدفع الظاهرة . يذكر ذلك وهو يشتري غطاءً لطفله في الشتاء ، وإذا فتح نافذة للهواء . ويتذكره متأملاً وهو يستعيد تدافع الجيران نحو بيت جار يستغيث وقد احترق بيته يحملون – كلهم- ( صفائح) الماء يحثهم قانون اجتماعي لتلبية نداء الاستغاثة وقانون كيمائي يحكم العلاقة بين الماء والإطفاء . وينسجم مع فكرة الإتساق مع قوانين الدفع الظاهرية قرار الوزير بحفر بئر في قرية شكا أهلها شدة العطش وقرار الوالي بإرسال مواد إغاثة عاجلة من الدقيق والزيت مع بعض الخيام والبطاطين لقرى داهمها الفيضان. ومن عجب أن ذات ( الحزمة ) قد أرسلتها دول صديقة بحكم امتثالها لقوانين ودوافع الفطرة الإنسانية. لقد تخلص صاحبنا تماماً من أثقال حملها منهكاً لما حمل لسنين عدداً لافتات لا يعرف لها معنى .
وأسر لبعض ( إخوانه ) أنه قرر الانتقال من ضيق الحركة الإسلامية الى رحابة المؤتمر الوطني . فلما عجبوا لحديثه محتجين بأن الحركة هي الأصل قال على الفور ( ولو هي الأصل فإنها الأضيق) ودعم رأيه بأنه التقى من خلال الحزب - لا الحركة – في ساحة العمل الوطني بجوزيف مكين إسكندر وجورج كنقور قبل الانفصال وقلواك دينق قبل أن يتمرد وعبد الباسط سبدرات الذي قدم اجتهاداً مقدراً في تفسير سورة الكهف . طلب منه صديق مقرب أن يفعل ما يريد بدون أن ( يجاهر) بذلك .
لم يسمع هذه ( النصيحة ) وجاهر برأيه معلناً أن السياسة رؤى وجهود لا حصانة فيها لجماعة أو فرد ولا قيمة للافتة إلا بقدرات أصحابها على الفعل والتأثير الايجابيين. وجمع منظومته الفكرية الجديدة بأن التوحيد هو الجوهر وأن الشريعة هي الاتساق مع قوانين الدفع الظاهرية وأن الهندسة والطب والزراعة علوم برع فيها المسلم وغير المسلم ... وكذلك السياسة.... فإذا أسندنا شأناً هندسياً لمسيحي أو يهودي وطلبنا العلاج عند طبيب نصراني ، فلم لا نسند الشأن السياسي في قمته لمن يديره بدراية بغض النظر عن دينه؟ فإن لم نفعل فكأننا نعلي شعار (النقاء الديني ) على شاكلة (النقاء العرقي) الذي روجت له الفاشية وأخواتها. وأسر صاحبنا لبعض إخوانه أنه يتمنى أن لو يعطي صوته مستقبلاً لأستاذ العلوم السياسية صفوت فانوس لو ترشح للرئاسة بل إنه سوف يسعى لإقناعه بالترشح . الحركة الإسلامية كانت مرحلة عاطفية في حياة هذا الإسلامي (السابق) الذي أيقن أن التنافس السياسي يكون بين أحزاب لا يجوز لأي منها حق الوصاية على الآخرين .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
في أزمة السودان وحكامه: هل تصلح المذكرات ما أفسد الحزب؟ د. عبدالوهاب الأفندي 2012-01-23
ما يزال كاتب هذه السطور يحتفظ بالرقم القياسي في أطول مذكرة رفعت لقيادة نظام الإنقاذ في السودان، ممثلة في كتابنا 'الثورة والإصلاح السياسي في السودان' الصادر عام 1995 (قرابة مائتي صفحة). ولكن مع ذلك، من الصعب ادعاء السبق في هذا المضمار، لأن هناك 'مذكرات' عدة رفعت إلى القيادة، بداية من عام 1990، معظمها شفاهية، تمثلت في طلب اجتماع بالقيادات والتعبير عن قلق حول التوجهات العامة للنظام. وقد جاءت قبل الكتاب وبعده عدة مذكرات مكتوبة، لعل أهم ما كان يميزها، وهي مسألة محورية سنعود لها، أنها كانت مذكرات من شخصيات ومجموعات قيادية في الحزب والدولة، بل إن واحدة من المذكرات كانت من جهاز الأمن!
ولا شك أن تقديم المذكرات، سواء من داخل الحزب أو خارجه، له دلالاته. فعندما يتداول قطاع كبير من العضوية في حزب معين في قضية معينة، ويفضي التداول إلى اتفاق حولها دون بقية الأعضاء، فهذا مؤشر خطير. وعندما يلخص هؤلاء الأعضاء ما توصلوا إليه في وثيقة تحدد ملامح هذا التوافق، فهذا مؤشر أخطر، خاصة إذا كان ما اتفق عليه مخالفاً لرأي قيادة الحزب، بل يشتمل على انتقاد واضح وصريح لهذه القيادة ومنهجها وخياراتها. ويكون الأمر أخطر بكثير حين تكون كل كوادر الحزب القيادية غافلة تماماً عما يجري، حتى تفاجأ بتقدم هؤلاء الأعضاء بآرائهم كتابة فيما يشبه الإنذار. فكل من هذه التطورات يعكس وجود أزمة، وهي مجتمعة تنبىء بأن الأزمة قد وصلت مرحلة الانفجار. وأهم دلالة لتداول فئة كبيرة من عضوية حزب في شؤونه وفي الشأن العام، بمعزل من بقية العضوية وخارج أطر الحزب، هو أن هذه الأطر قد فقدت وظيفتها، وفقدت الثقة فيها.
وحينما يخفي الأعضاء مداولاتهم عن القيادة، فهذا يعني أنهم فقدوا الثقة في القيادة، وكل من يتصل بها بحيث يمكنه أن يوصل المعلومات إليها. وهذا بدوره يؤكد عزلة القيادة وبعدها عن هذه القواعد. من هنا فإن المذكرة التي رشحت المعلومات عنها خلال الأسبوعين الماضيين، وتمت صياغتها من قبل فئة من الإسلاميين المنضويين في إطار حزب المؤتمر الوطني، وتقديمها للقيادة ثم نشرها على الملأ، تمثل مرحلة متقدمة في تصدع الحزب الحاكم، وتكشف بصورة غير مسبوقة عزلة القيادة عن قاعدتها الإسلامية العريضة. ويزيد من أهميتها أنها لم تكن ظاهرة معزولة، بل هي تندرج في سياق أكثر من خمس مبادرات معلومة، وما خفي أعظم. فقد قامت مجموعة من كبار الأكاديميين ومدراء الجامعات السابقين والحاليين من منسوبي الحزب بإعداد مذكرة إصلاحية في الصيف الماضي، وفي نفس الوقت عقدت ثلاث مجموعات تمثل قطاعات الطلاب والشباب والعمال في الحزب لقاءات مباشرة مع الرئيس، وجهت فيها انتقادات صريحة ومباشرة لأداء الحزب والدولة، وفي حالة الطلاب، كانت انتقادات غاية في الحدة. وكانت الخاتمة مذكرة من الهيئة البرلمانية للحزب، وجهت كذلك للرئيس نهاية العام الماضي، وذلك قبل المذكرة الأخيرة. ويشاع أن هناك مذكرات أخرى في الطريق.
من هنا، وبغض النظر عن محتوى هذه المذكرات، فمن الواضح أن الحزب الحاكم في أزمة عميقة، تشكك في فاعليته، بل وفي إمكانية بقائه كحزب، خاصة بالنظر إلى أن معظم هذه الكوادر من المفترض أن تكون قيادية. فهذه الأعراض تشير إلى أن الحزب مصاب بانسداد الشرايين، وانغلاق قنوات التواصل الداخلية، بحيث أن معظم القوى الفاعلة، في قمته وقاعدته معاً، تجد نفسها بمعزل عن مواقع اتخاذ القرار، وتضطر إلى كتابة 'العرضحالات' شأنها شأن المواطن العادي. وقد اضطرت عناصر قيادية من قبل إلى تدبير 'انقلاب قصر' ضد القيادة، ولعل مظاهر الاحتقان الحالي هي إرهاصات انقلاب وشيك قادم. فعندما تفقد القيادة ثقة كتلتها البرلمانية، وقطاع العمال والشباب والطلاب وكبار الأكاديميين، ثم الآن القطاع الحي في قلب كتلتها الإسلامية، فما الذي بقي؟
أما إذا نظرنا في متن المذكرة، فإن أشياء أخرى تتكشف، من أبرزها أزمة الفكر والفقه في داخل ما بقي من الحركة الإسلامية السودانية. فمن الواضح من لهجة المذكرة أنها كانت من إعداد جناح 'اليمين' في المؤتمر الوطني، أي الجناح الأكثر تمسكاً بالتوجهات الإسلامية (حتى لا نقول المتشدد)، مقابل الجناح 'البراغماتي' المهيمن الذي يهمه الاستمرار في الحكم قبل كل شيء آخر، بما في ذلك تعاليم الإسلام. ولكن هذا الجناح لا يريد أن ينازع البراغماتيين الأمر، بل هو يسلم لهم باستمرار القيادة، بل يعدد إنجازاتهم ومآثرهم. ويذكرنا هذا بموقف علماء السعودية وتسليمهم الكامل للعائلة المالكة هناك بأن الأمر كله لها، وقبولهم فقط بدور الكومبارس والمحلل.
وهذا يطرح أسئلة مهمة عن فهم هذه الفئة للإسلام، حيث تبدأ مذكرتها بالإشادة بحكم الإنقاذ واعتباره فتحاً للإسلام لم تكن له سابقة منذ سقوط الخلافة العثمانية. ونمسك هنا عن نقد المبالغة التي زعمت أنه لولا انقلاب عام 1989 لكان الإسلام في السودان اندثر كما حدث في الأندلس، ونقف فقط عند نقطة دعوى أن السودان أصبح، بفضل الإنقاذ، من 'الاقطار التى لها سبق في درب الوصول الى مجتمع اسلامي تحكمه وتنظم حياته قيم السماء بعد ان غابت عن عالمنا الاسلامي لفترة من الزمان'. ثم لنأخذ هذا مع نقد المذكرة الصريح والمضمن لهذه التجربة المباركة، بدءاً من تقصير في تطبيق الشريعة الذي يحتاج إلى استكمال، مروراً باستشراء الفساد، ثم فقدان استقلال القضاء، وانتهاج نهج الوصاية والقمع تجاه الآخرين، وغياب الشورى والحرية، والخلط بين الحزبية ومؤسسات الدولة مما أفقدها حيادها، ثم لا ننسى 'الاخطاء التي ارتكبت فى قضية دارفور'، بحسب تعبير أصحاب المذكرة. فإذا كان كل هذا وقع، كيف يصح تسمية ما قام بأنه كان 'سبقاً' في الوصول إلى 'مجتمع إسلامي'؟
على سبيل المثال، كيف يستقيم الحديث عن نظام تحكمه الشريعة وليس فيه استقلال قضاء؟ إن أساس تحكيم الشريعة هو السماح للقضاء بأن يمضي الأحكام بمقتضى الشرع، بغير تدخل لأغراض السياسة وأهوائها، وإذا كان ذلك غائباً، كما تعترف المذكرة بتكرارها أكثر من مرة المطالبة باستقلال القضاء وحياد مؤسسات الدولة بعيداً الحزبية والمحسوبية، وأيضاً تكرارها المطالبة بمحابة الفساد والتحقيق فيه، فكيف يستقيم الحديث عن نظام عادل، ناهيك عن أن يكون إسلامياً؟ لا يجب أن يساء فهم الأمر، فمعظم ما تطالب به المذكرة، من تصد للفساد، واستقلال للقضاء، وتحييد لمؤسسات الدولة وإبعادها عن الوصاية الحزبية، وتوحيد الصف الوطني وضمان نزاهة وعدالة الانتخابات، وغير ذلك من الإصلاحات، هي مطالب محقة، وقد ظللنا ردحاً من الزمن ندعو لها، وما من سميع. ولكن على أي أساس يمكن أن يوصف النظام الذي يفتقد كل هذه المقومات بأنه أعاد شرعة الإسلام إلى واقع الحياة بعد غياب؟ وأهم من ذلك، كيف يستقيم دعوة من سمحوا بكل هذه الانحرافات أن يقودوا النهضة والعودة إلى الدين؟ أليس من الأجدر المطالبة بمعاقبتهم بما شوهوا الإسلام وصدوا عن سبيل الله كثيراً؟
ولنأخذ فقط قضيتين تم طرحهما، أولهما 'الاخطاء التى ارتكبت فى قضية دارفور'، وثانيهما الفساد والمحسوبية وما تعلق بهما من انحرافات. فهل حقيقة ما وقع في دارفور مجرد 'أخطاء'؟ وهل الإشكال هو، كما جاء في المذكرة، أن ما حدث في دارفور 'أدخل البلاد في مشكلة كبيرة'، في تلميح إلى الانتقادات الدولية والعقوبات والإحالة على المحكمة الجنائية الدولية، أم أن الإشكال الحقيقي هو مخالفة تعاليم الدين في قتل الأبرياء؟ تقديرات الحكومة تقول بأن ضحايا الحرب كانوا عشرة آلاف قتيل، وقد قضى الآلاف منذ أن سمعنا ذلك التقدير، بينما تقول المنظمات الدولية أن مئات الآلاف قضوا. ولا خلاف على قرابة مليوني شخص قد شردوا من ديارهم. وكل هؤلاء من المسلمين، وغالبيتهم الساحقة من المدنيين الأبرياء. فكيف تمر مجموعة تدعي تمثل قيم الدين على هذه 'الأخطاء' مرور الكرام، ولا تطالب بالتحقيق والتحري وإحقاق الحق ومعاقبة المسؤول، حتى لو كانت مسؤوليته مجرد التقصير والإهمال؟ لقد أطيح بابن علي بعد أن قتل أقل من ثلاثمئة شخص، بينما قتل حسني مبارك حوالي تسعمائة، وكان العدد في اليمن أقل من ذلك. وقد وقع التدخل في ليبيا بعد قتل بضع مئات، وتعرضت سورية للمقاطعة والإدانة من كل جانب بعد أن وصل الضحايا إلى ثلاثة آلاف. ولكن دعنا من كل هذا، ألم يعلمنا الله تعالى أن قتل نفس واحدة بغير حق يساوي قتل الناس جميعاً؟ أم أن هناك إيمانا ببعض الكتاب وكفرا ببعض؟
أما موضوع الفساد، فحدث ولا حرج. فقد وصف الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد، زعيم حركة الإخوان المسلمين المشاركة في النظام الحالي، الحكومة الحالية بأنها أكثر حكومة عاصرها فساداً، وهو عاصر كل الحكومات منذ الاستقلال. وليست المشكلة هي في مجرد أكل الأموال بالباطل، وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات، يكفي أن تقارن مرتبات كبار المسؤولين بما ينفقونه وهم وأقاربهم. ولكن المشكلة في اختيار القيادات وأسرهم عيش الترف في بلد عامة أهله يكابدون الفقر ولا يكادون يجدون قوت يومهم. فهذا أمر لا يشي فقط ببعد عن أمر الدين ونسيان لأمر الآخرة، وإنما ينبىء كذلك عن فقدان للحس السياسي وللإحساس عموماً. فأين هم من حديث لا يؤمن من بات طاعماً وجاره جائع، فكيف بمن يكون متخماً وشعبه يكابد المسغبة؟
إننا في حالة مؤسفة، يبدو فيها أن دعاة الإصلاح في حاجة إلى إصلاح الفكر والفهم، إن كانوا يعتقدون أن ما يجري في البلاد يجسد روح الإسلام، فمال بال المفسدين الذي يوكل إليهم هؤلاء الإصلاحيون أمر الإصلاح! إذا كان يمكن وصف 'انتفاضة' بقايا الإسلاميين في المؤتمر الوطني بأنها، بحسب وصف أحد المعلقين، 'عودة وعي' لأنها انتبهت فجأة إلى ما كان معلوماً للقاصي والداني من بديهيات حول أوضاع البلاد، فإنه يبدو أن هذه الصحوة في حاجة إلى صحوة.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
العصب السابع جدل الشريعة..!! شمائل النور
أول من أمس القريب، فاجأ شيخ ابو زيد محمد حمزة الزعيم التاريخي لجماعة أنصار السنة المحمدية الناّس عندما قال إنّ الأجواء غير مهيأة لتطبيق الشريعة، رغم أنّ الشيخ هو رئيس مجموعة سمّت نفسها جبهة الدستور الإسلامي، قدّمت مقترحا لدستور دائم أساسه الشريعة الإسلامية.. يقوم الدستور جملة على أسلمة الحياة السودانية، وكان ابو زيد قد قال بعد تسليمهم مسودة الدستور إنّ أي رفض لتطبيق الشريعة يُعد خروجاً عن الإسلام..
هاهو اليوم فيما يبدو يتراجع عن موقفه، أو على الأقل يتزحزح عن موقفه الأول، هو يرى حسب قراءاته أنّ الشارع السوداني لا يريد تطبيق الشريعة كُرهاً في هذه الحكومة وكذلك الأحزاب لاتريد، لكن الشيخ ابو زيد لم يقف عند هذه المحطة كثيراً، الشعب السوداني لديه خبرة طويلة مع حكومة جاءت بشعار الشريعة ولا زالت تردده، لكنه لم ير شريعة إسلامية منبعها الإسلام الذي هو دين غالبية السودانيين، ما الذي جعل الشعب رافضاً للشريعة أو حتى ممتعضاً من شعاراتها المرفوعة.. أظنه يعلم أكثر من الشعب، تطبيق الشريعة يعلو صوته في مواقف التوعد والترهيب، ما يجعل الشعب يختزل الشريعة في إقامة الحدود وتمكين الظالم تحت ألوية الحكام، هكذا مقت الشعب شعارات الشريعة.
لكن هل تطبيق الشريعة هو حل، يتنزل وهل إقامة دولة مدنية يتعارض مع الشريعة الإسلامية.. فمنذ بداية الجدل الكثيف والترويج لمصطلح دولة مدنية يكون فيها التساوي على أساس المواطنة فقط وليس على أي أساس آخر، يتم فيها التناوب على السلطة عبر الديمقراطية التداول السلمي، دولة أساسها الحرّيات والمساواة والعدالة الاجتماعية.. منذ بداية هذا الجدل سارعت كثير من التيّارات الإسلامية خاصة المتشددة منها برفض مصطلح دولة مدنية جملة وتفصيلاً ناهيك عن قبول الفكرة وتداولها ودراستها وتمحيصها إسلامياً وفقاً للوضع الراهن والمتغيّرات العصرية المتلاحقة ويحدث ذلك من التيّارات الإسلامية دون التعمّق في فهم كلمة ماذا تعني مدنية والتي في أصلها لا تتنافى والدين الإسلامي ولا يعارضها إن لم يكن هو الأصل في مدنية الدولة قبل أن تخرج من الغرب...
الداعية الإسلامي المعروف طارق السويدان، أظن أنّه فاجأ كثيراً من التيارات الإسلامية بحديثه الأخير، السويدان بدا وكأن فقهه يتعارض جوهرياً مع فقه التيّارات الإسلامية المعارضة لمصطلح دولة مدنية وحتى أنه قال لا مانع لديه من أن يكون حاكمه غير مسلم، طالما أنه سوف يُقدم برنامجاً هو من اختيار الشعوب، السويدان يرجع الحكم للشعب دون قيّم عليه، بل إنه يرى أن تطبيق الشريعة الإسلامية كما هو مرفوع في الشعارات لا يُمكن أن يتم بالإجبار ولن يكون إلا بالإقناع، وفي نهاية الأمر الحكم للشعب لا الحكومات، فالشعب عندما يطالب بتطبيق الشريعة ينبغي أن يطبق الحاكم الشريعة وفقاً لمطلب الشعب، لكن لا ينبغي أن تُطبق عنوة، وبذلك انتفت نظرية "الإسلام هو الحل".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
عن سالم وجيل سالم اكتب يا معين ..
بقلم: صالح علي سر الختم الأربعاء, 25 كانون2/يناير 2012 19:30 . [email protected]
.............................. كان سالم فينا بشائر طبقات من التفاعل الحي المتداخل بين الفكر الواعي للذات ، والفعل النبيل المتجاوب مع الاخر، في دفات دفاتره رقائق شقائق النعمان ، وبساطة ملامسة التعاطف مع قضايا الخلق ، يقطر منه الطيب نبلا وتعبق الاخلاق ، حين هاتفني من باريس في ضحي يوم ، بارد قارس البرودة ، وانا علي قرب من مشارف طور سيناء ، بمدينة السويس ، نقل لي لتوها دفا احس الكليم موسى وهو علي قرب من نار ، وقد بورك من في النار وبورك من حولها ،( انا سالم يا صالح حدثني عنك شقيقي ازهري ) ولبرهة غاب الصوت ، وهي لحظة من الزمان ، وموقع من المكان ، تلاشت فيها المساحات بيننا ، وانطوى ايقاع الزمن ، فاذا انا في قلب عاصفة من العواطف تتجاذبني ، نحو الخرطوم حيث ازهري، ونحو باريس حيث سالم سالم الوجد والوجدان ، وتعثرت الكلمات في لساني وتقطعت مقاطعها ، فهي تمتمات ، من اللاوعي الواعي ، يوصلها دف شوق حتما كان ازهري الغائب عن المشهد حاضر معنا ...... وتابع الم يبلغك ازهري اني ساتصل اليك ، وجاوبه قلبي انت يا سالم سباق في كل ، وما كان لازهري ان يسبقك علي الرغم ، من انه الهميم اللبيب الاريب ، ، انا يا سالم اعرفك وانت لا تعرفني ، وحتما بعد ان تم الاتصال اصبحنا اصدقاء 0
عرفت سالم بدءا في دارهم بالامتداد ، في زيارة له خاطفة لذويه من تلك الزيارات المتناثرة الابعاد ، كنت في صحبة صديق حدثني عن سالم فأغراني الحديث ان التقيه ، كان الحشد يومها كبيرا مهنئين بمقدمه ، ولم يكن لي يومها سابق سهم في كنانة سالم ، فضاع مني صوتي في الزحام ، فاكتفيت بلقاء التحية والانزواء ،فما كان لذلك اللقاء ان يعلق بذاكرته فيذكرني حين جد اللقاء ، رغم اني حينها اجتاحتني مشاعر قديمة ، كامنة في دواخلي كمون نار بعود لم تعد بعد خباء، ظلت تعاودني ، تلوح بخاطري كموج ما له انتهاء ، كلما التقيت بقادم من وراء قمم بلاد الثلج والضباب العتيق ، يطاردني هذا الاحساس وتساؤل عن سر الطيبة الدافقة ، كاملة البيان والبنيان في نفوس هؤلاء القوم ، الذين غابوا عنا لسنوات طوال في تلك الفجاج البعيدة ، طيبة تكاد تلمسها لمس اليد فما تلبث فتحتويك بسحر كيان فريد ، هي نفس الطيبة في كل ، تلتقيك من لدن كل مهجار جسور، من فرنسا حيث عباس الامين ومن يونان بريطانيا سيد احمد بلال ، وعلي بعد مكان بين الزومة والخرطوم والقاهرة حيث كان عباس في الاولي وسيداحمد وسالم في الثانية والطيب صالح والفاضلابي في الثالثة سنا لقاءات عابرة ،
جمعتني بودهم لحظات ، طوت عني صفحات حنينهم ، يد الزمان ومتتابعات الايام ، حين عانقت عباس الامين في الزومة وهو قريب لنا في باريس كما سيداحمد بلال ، ولما دنوت من سالم والطيب صالح طاف حولي منهم عبق الطيبة نفسها ، فعاودني من ذكراهم دوار، هذا جيل يختلف ، نقف نحن علي اطراف سهله الممتد الموصول، بلهفة ود أمل حزين ، وبحبل من صبر ،ونبع جزيل ، ولله في امره شئوون ، كلما تذكرت هذا الجيل تفزع قلبي ، من هول المصير، حين تراءات لي صور ازمان تناثرت بقاياه ، حيث لم يكن للسودان عاصم بدستور ، عصمت أهدابه رابطة ود هذا الجيل الموصول ، الذي يوشك ان يتفلت منا برحيل اثر رحيل ، فكل من هؤلاء امة تمضي اثر اخري ، ونحن وقوف حيارى نهفوا الي خيار ولا خيارمجيد ، ايقاعنا بطئ فما للجمال مشيها وئيد اجندل يحملنا ام حديد ، اليس هكذا تري يا محمد المكي ابراهيم ، ضاع البلد منا حين غاب سالم والطيب صالح وامثالهم ، وبقي القريب القريب منهم بعيد ، وضاع الق ما يختزنون في اعماقهم من ود الاصل الاصيل ، وتنفت وتناسلت خيوط ارض بلادنا بين جيل وجيل ، جيل كان يحفظ المودة في الاهل ،وجيل ينكر حتي العشير ،ويا لهول هذا من سعير !
حين هاتفني من باريس، كان الاصل في الاتصال، اني بمبادرة ذاتية حاولت رتق فتق يوشك ، ان ينفتق علي صفحات الجرائد بين سالم وصديقنا هاني رسلان ، حيث ظن سالم ان هاني خصم لبلادنا، ولم ازد ، ان قلت له في ذلك الأتصال يا سالم ، ان هاني ليس خصما ، بل صديق لبلادنا في زمن عز فيه الصديق ، فقاطع سالم علي الفور ، هذا يكفي ! فهاني منذ هذه اللحظة اخي ، كان ازهري علي علم بمبادرتي ، ونقلها لسالم فما تردد في الاتصال ، وكان رد سالم حاسم ومضئ ، علمت فيما بعد ، انهما التقيا علي هامش منتدي الاعلاميين في الخارج بالخرطوم ، وحين خطا هاني نحو سالم مصافحا - ولم يك قد التقيا من قبل - فلما قال الصديق انا هاني رسلان يا سالم اجابه سالم مرحبا اخي هاني وانداحت بينهم ابتسامة ، نقلت لي علي اثرها تفاصيل ايماءات ذلك اللقاء ، واصبحا صديقين ، في كل مرة كان يحادثني عن عزمه زيارة القاهرة ومركز اهرامها الاستراتيجي ، حيث مكتب صديقنا هاني لكنها الاقدار ! لما نعي الناعي لي سالم تقازفت امامي دواخلي دفعة واحدة ، حيث لم اك اتوقع رحيله بل مجيئه معافا خاصة ، وان الاخبار التي كانت تنقل الينا من باريس ، حيث تواجده في المشفي عبر شقيقه ازهري مطمئنة ..... وانا اخطو الي مكان العزاء خطر خاطر بذهني ، انه ربما كان يمر بحالة اغماء ، وان بعضهم سوف يبلغني ان الامر علي عكس ، ما اشيع وانه استجاب اخير للعلاج هكذا النفس حين ترفض اليقين يشايعها اللا يقين !
وانا جالس في سرادق العزاء وحدي مع الذكري ، وماض غير مردودي احس بلحظتي ، زحفت علي صدري كجلمودي ، دهمتني صور شتي لراحلنا المقيم ، فاذا سالم بداخلي تتراء صوره امامي، انه لم يكن فرد ا من لحم ودم ، بل كان كيانا رائعا من لحمنا و دمنا ، واتسع مدى الرؤية ، فاذا سالم في دواخلي جيل برمته عظيم ،جيل يمتد من لدن جمال محمد احمد والمحجوب ، ومحمد المكي ابراهيم والطيب صالح والتجاني الطيب وعبد الله علي إبراهيم وحسن كفاح و حسن عبد الوهاب وسيد احمد بلال وعباس الأمين ، وهاشم صديق والفاضلابي الجوهري الدواخل النبيل ، كثر سبق وكثر تباع علي الطريق ، جيل تداخل نسيجه بين شاعر وكاتب وسياسي ورجل بسيط وطفل فقير وامراة ثكلي ، وفتاة جسور ليس من بينهم فاسد ولا قمئ ، هذا هو السودان الذي كان بارضه بغابه بنيله بنخيله ، بخيله بنوقه الغرثى الصوادي ،بدوابه وواجفات الزروع ، يوشك ان يتلاش في فناء فضاء الاثير وابنائه غيب نيام ! ومرة اخري اعيد ما للجمال مشيها وئيد أجندل يحملنا ام حديد !
ايا سالم انبكيك ؟ ! أم نبكي بلدنا ؟! حين واريناك الثري ، شق قلبي ذلك الطفل الصغير، ممسكا علم البلاد ! واحتضنه بأسي، واسقط من عينيه لؤلؤات الدموع ..... با صغيري من ادراك ان العب ثقيل وانا فقدنا السبيل ، يوم وارينا الثري عزمة الحر الجسور ! ////////////
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: أبو ساندرا)
|
شكرا ابوساندرا على الاطراء واهديك مقال مهم لسيف الدولة عن استقلال القضاء وارد اليوم
يا سيادة الرئيس: أسمعنا مرٌة ..
بقلم: سيف الدولة حمدناالله
السبت, 28 كانون2/يناير 2012 08:00
السيد/ رئيس الجمهورية بعد التحية ،، لقد أوحت لنا في مخاطبتكم بهذه الرسالة ما ورد بالمذكرة التي قيل أنها رفعت اليكم بواسطة عدد من أعضاء حزبكم ، والتي حوت ضمن أشياء أخرى مطالبتكم بالعمل على (استقلال القضاء)، والواقع أن تقديم مثل هذا المطلب لرأس الجهاز التنفيذي بالدولة يوضح حجم المشكلة بأكثر مما يمهد الطريق لحلها ، فالمفروض أن يكون القضاء قادراً على تحقيق استقلاله عن بقية سلطات الدولة بنفسه كما تقول نصوص الدستور، لا أن يستعين بغيره من السلطات، بل من واجب القضاء حماية نفسه من تدخل سلطات الدولة الأخرى في أموره، فما الذي أقعد بقضائنا حتى لا يكون قادراً على حماية استقلاله !!، ولسنا وحدنا في السودان الذين تتغنى الحكومة عندهم باستقلال سلطاتها الثلاث عن بعضها وفق دستورها بخلاف الواقع ، فليست هناك دولة في هذا الكون لا تقول بأن قضاءها مستقل وليست هناك أمة لا ينص دستورها على الفصل بين السلطات، بما في ذلك دولتي بورندي وكوبا، فمثل هذه النصوص كشفت عن عورتها ثورات الربيع العربي، فالنيابة والقضاء المصري كانا عاجزين عن حماية الحقوق والحريات وملاحقة جرائم المسئولين الحكوميين التي كشفت عنها ثورة 25 يناير مع ما يقول به الدستور المصري عن استقلال القضاء. ، اذن فلننصرف عن النصوص وندخل فيما يقول به واقع قضائنا.
ليست هذه المرة الأولى التي ترفع اليكم فيها مذكرة بشأن استقلال القضاء، فقد سبق أن تقدم لكم القاضي الشجاع عبدالقادر محمد أحمد بخطاب يشير اليكم فيه بالانتهاكات التي حدثت لحرمة القضاء وسيادة حكم القانون في بداية عهدكم بالحكم وهي الانتهاكات التي كانت سبباً في تدحرج القضاء الى أن بلغ هذا المستوى من العجز والمهانة، ولم يخرج عبدالقادر في خطابه عن أصول وتقاليد مهنة القضاء، فقد خاطبكم عبر رئيس القضاء ورئيس الجهاز القضائي للعاصمة القومية (بحسب التسمية في ذلك الوقت)، واستهل خطابه لكم يقول: " ارجو فى البداية أن أؤكد لكم ياسيادة الرئيس اننى لا اخاطبكم من باب اختلاق البطولات فنحن نعيش فى وطن كله ابطال ، ولا اخاطبكم مدعيا الشجاعه فهذه يفترض ان تكون من شروط تولى القضاء ، ولا اخاطبكم من باب المشاركه فى العمل السياسى فأنا أؤمن ايمانا مطلقا بأن من يختار العمل فى سلك القضاء ينبغى عليه أن ينأى عن الخوض فى امور السياسة، فأنا اخاطبكم يا سيادة الرئيس فى امر من الامور التى اصبح السكوت عليها فيه احتقار لنفسى كقاض" ثم مضى يقول : " لقد اتضح لنا جليا انكم ياسيادة الرئيس ومنذ قدومكم للسلطه فى 30/6/1989 قد بادرتم بخرق مبدأ استقلال القضاء بتدخلكم الصريح فى شؤون السلطه القضائيه ، تدخلا افقدها استقلالها وسلبها كرامتها واقعدها عن اداء دورها المنوط بها "
ثم واصل القاضي عبدالقادر يوضح لكم في خطابه ما جرى من انتهاكات في حق القضاء تمثلت في قيام مجلس قيادة الثورة بتشكيل محاكم عسكرية موازية للقضاء لمحاكمة المدنيين في الجرائم العادية ، وقيامه بفصل عدد كبير من القضاة من ذوي الخبرة والكفاءة بالمخالفة للقانون والدستور وبموجب توصية من رئيس القضاء (جلال علي لطفي) الذي قام المجلس بتعيينه بعد عزل رئيس القضاء (مولانا ميرغني مبروك) الذي كان قد جرى تنصيبه بموجب انتخاب من الجمعية العمومية للقضاة، واستعان رئيس القضاء الجديد في اعداد توصيته لكم بعزل القضاة - والتعبير هنا لعبدالقادر- ) بعدد من زملاء المهنه ممن تمردوا على سلوك واخلاق مهنة القضاء فجعلوا من مكتب السيد رئيس القضاء غرفة عمليات تحاك فيها الدسائس ضد القضاة بخيوط الاقاويل والانطباعات الخاصه ، ثم يخرجون منها ليلوحوا فى وجه البعض بكشف رفديات او تنقلات مرتقب من باب التهديد وليهمسوا فى اذن البعض بكشف ترقيات من باب الاغراء وللأسف نجحوا فى اغتصاب شجاعة وكرامة البعض فانهارت السلطه القضائيه انهيارا لم يشهده التاريخ بطوله وعرضه ) ولعله يعني هنا القاضي أبا يزيد حسن أحمد ورفاقه من الاسلاميين (أبا يزيد اختار الانتقال فيما بعد للعمل الديبلوماسي حيث عيٌن وزيراً مفوضاً باحدى السفارات قبل أن يصطدم بخلافات اطاحت به ثم انتهى الى مغترب بدولة قطر) .
ثم ختم القاضي عبدالقادر مذكرته لكم بكل الأدب وهو يقول : "وبدورى لا اجردكم من فضيلة العدل والرجوع الى الحق فأن كسرى قد عدل ذات مره وانتم احق بالعدل من كسرى انو شروان فاعدلوا يا سيادة الرئيس ودون عدلكم استقالتي بين ايديكم فأرجو قبولها استنادا لحكم الماده 73 / 2 من قانون السلطه القضائيه لسنة 1406 هـ ". بطبيعة الحال، القاضي عبدالقادر لم يكن من بين الذين جرى فصلهم من العمل وكان في امكانه أن يصمت كلآخرين الذين واصلوا العمل لينهل مما يترفون به اليوم من نعيم ،
(القاضي عبدالقادر كان يشغل وظيفة قاضي جزئي بمحكمة الخرطوم المدنية) . ومثل شجاعة قاض كعبدالقادر كان من المؤكد أن يقابلها الرئيس الأسبق نميري بكل تقدير، فالرئيس النميري حين قام القضاة بتنفيذ اضرابهم الشهير ضده احتجاجاً على قراره بعزل بعض القضاة في العام 1983، وتخاذل سبعة من القضاة ولم يشاركوا في الاضراب، قال عنهم النميري أن القاضي الذي يتخاذل عن زملائه ######## ولا يصلح للعمل بالقضاء، فأصدر قراراً بنقلهم للعمل بديوان النائب العام، فماذا كان جزاء شجاعة القاضي عبدالقادر عنكم والذي لم يصدح لكم بغير قول الحق ، الذي حدث أنكم لم تأخذوا من مذكرته الاٌ بما ورد في سطرها الأخير، حيث قبلتم استقالته من العمل، فخسر السودان قاضياً شجاعاً مثله بأكثر مما خسر عبدالقادر، ولم تمض ليلة واحدة على قبولكم استقالته حتى تلقفته أجهزة الأمن لتقوم بحبسه في زنزانة بسجن كوبر لعدة أشهر دون تهمة .
لقد ظللنا نقول أن القضاء، كشأن العسكرية، مهنة تقوم على التقاليد والأعراف غير المكتوبة والتي يجري توارثها جيلاً بعد جيل، وقد تسبب خروج معظم القضاة الذين كانوا بالخدمة نتيجة الفصل أو الاستقالات في انقطاع حلقة تواصل الأجيال ومن ثم تلاشي التقاليد المهنية التي عرف بها القضاء السوداني، ومن ذلك – وأخطرها - دخول السياسة في دنيا القضاء، حيث تم تعيين كثير من القانونيين من منسوبي تنظيم الجبهة القومية الاسلامية الذين استقدمتهم ادارة القضاء من السعودية ودول الخليج ومن مهنة المحاماة للعمل كقضاة، وجعلتم على رأس القضاء قاض لا تسعفه خلفيته العلمية والعملية (قاضي شرعي) لادراك معنى وحقيقة ومفهوم استقلال القضاء، ولذلك لم ير رئيس القضاء في الأمر غضاضة أن يدخل القضاء في مجال العمل التجاري والاستثمار، فأنشأ ادارة للاستثمار القضائي برئاسة قاضي محكمة عليا تقوم بالعمل في المشاريع التجارية ومن بينها مشروع (أبقار القضاة) وله منافذ لبيع الحليب والأ######## بأنواعها وكذلك تأجير الفنادق (فندق موني بدار القضاة) وتأجير محطات الوقود.
تعتبر المحكمة العليا السودانية - قبل الانقاذ – المنهل الأساسي لصناعة القانون، وكان قضاة المحكمة العليا يتفوقون في ذلك على علماء القانون الاكاديميين من أساتذة الجامعات، وكانت الأحكام التي تصدر عنها (السوابق القضائية) تشكل المصدر الأساسي لدراسة القانون بالجامعات، ويمكن لكم الرجوع بالسؤال للسيدة/ فريدة ابراهيم التي تعمل معكم كمستشارة لرئيس الجمهورية، فهي بحكم عملها بالقضاء لفترة طويلة تستطيع أن تحدثكم عن مقدار ما أسهم به قضاة أجلاء مثل هنري رياض سكلا وحكيم الطيب ووقيع الله عبداالله وعبداالله ابوعاقلة ابوسن وحسن محمود وغيرهم في دنيا العدالة وصناعة القانون وترسيخ معنى استقلال القضاء، في مقابل مستوى المحكمة العليا اليوم، الذي بلغ تدنٌي الاداء المهني بها الى الحد الذي اضطرت فيه ادارة القضاء للاستعانة بقانونيين من خارج الخدمة والتعاقد معهم على كتابة الاحكام القضائية من منازلهم بنظام المقطوعية لقاء أجر معلوم ، حيث تقوم ادارة القضاء بارسال (موتوسيكل) اسبوعي يجوب الاحياء السكنية لارسال وجمع الملفات من قضاة المقاولة، وهي ملفات قد تشمل أحكاماً بتأييد عقوبات بالاعدام ، ومما يؤسف له أن كثير من الزملاء قد شاركوا في هذا المسخ القضائي المخالف للتقاليد المتعارفة ولعل ذلك قد حدث بسبب قسوة ظروف الحياة.
كان من الطبيعي أن يؤدي انقطاع تواصل الأجيال الى فقدان من يهدي الجيل الحالي الى ما ينبغي فعله وما يتعين تركه في محيط العمل القضائي ، فلولا انقطاع تواصل الأجيال لما سمح القضاء بتخصيص محاكم لتحصيل ديون الشركات التجارية (محكمة سوداتل) ، ولم يكن ليخطر ببال أحد أن يشهد قضاء السودان بكل تاريخه ما يقال له (القاضي الموبايل) ، وهو قاض ينتقل الى القضية في مكان اختصاصها ، فهو قاضي نوعي يختار القضايا التي يحكمها اينما كانت، وأمره معلوم ومشهور بين ضحاياه في كل اركان ولاية الخرطوم. لقد انصرفت ادارة القضاء عن التصدي لمهمتها الأساسية في ترقية المهنة واتجهت نحو تحقيق رفاهية ألقضاة بتشييد المنازل والمباني والاثاثات وتمليك السيارات والحصول على مزايا العلاج بالخارج والبعثات والاعارات، ففي الوقت الذي لم يشارك فيه رئيس القضااء.وهو بحكم منصبه رئيس للمحكمة العليا في اصدار حكم واحد (هذه حقيقة من مضابط المكتب الفني للمحكمة العليا) يفتخر لقضاته بأنه قد أنجز لهم تحقيق مليار ومائتي مليون جنيه عند استبدال قاضي المحكمةة العليا لمعاش التقاعد.
لا ينتهي هذا الحديث دون سرد هذه القصة التي تبين مدى المهانة التي بلغها القضاء بأيدي أهله ، والتي تقول تفاصيلها أن أحد القضاة كان يقوم بواجبه في مراجعة حالات المقبوضين في منتصف الليل بحراسة قسم شرطة امتداد الدرجة الأولى، وعند خروجه من القسم اعترضته دورية من القوات المسلحة على رأسها ضابط ذي نفوذ كبير وقد جرى ذلك أمام أفراد شرطة القسم، وأصدرت له الدورية الأوامر بالمبيت حتى الصباح داخل سيارته في الشارع العام بدعوى سريان حالة حظر تجول في ذلك الوقت، رغم بيانه لصفته وحمله لتصريح من الجهات المختصة بالمرور، وليست المهانة فيما فعله الضابط ما يستحق الوقوف عنده ، فمثل هذا السلوك ليس بأسوأ مما حدث للقاضي الذي تم رفعه في (دفار الكشة) بالسوق العربي في حادثة معلومة كتبت عنها الصحف، ولكن الذي يحزن المرء بأكثر من ذلك هو قيام (شيخ) جلال الدين محمد عثمان باستدعاء القاضي في اليوم التالي حيث قام بتعنيفه على تطاوله بالاحتجاج على تصرف الضابط أمام جنوده، ثم قام بتسليمه خطاباً بفصله من الخدمة يداً بيد دون توجيه تهمة أو عرضه على مجلس محاسبة بحسبما يقول القانون.
اننا لن نرتكب الخطأ الذي وقع فيه أبناء حزبكم لنناشدتكم لاتخاذ خطوات تضمن استقلال القضاء، فقد أوضحنا خطل الاستعانة بسلطتكم لنجددة سلطة كان ينبغي أن تكون رقيباً عليكم، ولكننا نطلب منكم أن تأخذون العلم بما ورد في هذه الخطاب من باب توضيح ما أغفلته مذكرة أبنائكم عسى أن تدركوا حجم المعضلة. سيف الدولة حمدناالله [email protected]
تصويب: في مقالنا السابق ورد اسم القاضي حسن عيسى باعتباره القاضي الذي امتنع عن اصدار الأمر للشرطة باستخدام القوة في تفريق مظاهرة الطلابية، والصحيح أن القاضي المعني هو مولانا عوض الحسن النور والذي خلف زميله حسن عيسى في منصب القاضي المقيم بمحكمة جنايات الخرطوم شمال وكلاهما من أعلام القضاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
الطريق إلى إيقاف حرب الجنوب الثالثة في السودان
د. عبدالوهاب الأفندي
في عام 2010، أجاز البرلمان السوداني قانون الاستفتاء لجنوب السودان، محدداً توقيت الاستفتاء وإجراءاته والأسئلة المطروحة فيه ومن يحق لهم التصويت. وقد اشتمل القانون على فقرة تشترط لعقد الاستفتاء أن يتم حسم القضايا الخلافية العالقة بين الشمال والجنوب، وعلى رأسها قضايا أبيي، والحدود، ونزع سلاح منتسبي الحركة الشعبية والحركات المسلحة الأخرى، والديون والأرصدة، ثم قضية المواطنة. بعد إجازة القانون وتوقيعه من رئيس البرلمان، وقبل إرساله لرئيس الجمهورية للتوقيع، جاء الدكتور نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية، واجتمع مع الهيئة البرلمانية للمؤتمر الوطني ووجه الأعضاء، في مخالفة واضحة للإجراءات البرلمانية، بإعادة القانون إلى منصة التداول وحذف الفقرة التي تشترط حسم القضايا العالقة قبل الاستفتاء. واستند نافع في هذا الطلب إلى اتفاق تم بين نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، ورياك مشارك نائب رئيس حكومة الجنوب. وبالفعل تم لنافع ما أراد، وأعاد النواب صياغة القانون، ضاربين بلوائح المجلس- حتى لا نقول مصالح البلاد- عرض الحائط.
قبل ذلك، وبعيد توقيع اتفاق مشاكوس الإطاري بين حكومة السودان والحركة الشعبية في عام 2002، تقدم الوفد السويسري المشارك في عمليات الوساطة بمقترح يتم بموجبه الاستغناء عن استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان عبر عقد اتفاقية سلام تتضمن مطالب الجنوب وشروطه للوحدة، حتى تحسم القضية مسبقاً، ولا تترك الأوضاع معلقة بالمجهول. ولكن الإدارة الأمريكية تدخلت وأصرت على الاحتفاظ بمبدأ الاستفتاء، ولم تكتف بذلك، بل قامت باستبعاد السويسريين كلية من جهود الوساطة. وجارى الوفد الحكومي هذا التوجه الأمريكي، وقبل بأن يكون الاستفتاء هو حجر الزاوية في حسم قضية الجنوب. من الواضح الآن، وقد كان من الواضح وقتها، أن كلا هذين القرارين كان خطأً كبيراً. ذلك أن تأجيل حسم الخلافات التي أدت إلى اندلاع الحرب عبر اتفاق إجرائي لا يؤدي إلى توافق موضوعي على حسمها، خاصة إذا كانت البلد ستدفع ثمناً مرتفعاً بالمقابل، قد يؤدي إلى تفجر الصراع من جديد بصورة أعنف. فقد شهدنا ذلك من قبل، حيث أدى اتفاق أديس أبابا الموقع عام 1972 إلى مجرد هدنة عادت الحرب بعدها أعنف مما كانت، وكلفت البلاد من الضحايا والموارد وفرص التنمية المهدرة أضعاف الحرب الأولى.
وها نحن اليوم نشهد تفجر حرب الجنوب الثالثة. فالأمر لم يعد مجرد توقعات وتكهنات، لأن الحرب قائمة فعلاً. فقد اندلعت في أبيي عام 2008، ثم عادت إلى الاندلاع مرة أخرى خلال العام الماضي، ولا تزال القوات في الميدان هناك. اندلعت الحرب أيضاً بين الحكومة وفصائل الحركة الشعبية في كل من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق العام الماضي ولا يزال أوارها مشتعلاً. وتتهم الحكومة السودانية حكومة الجنوب بدعم وتمويل الحرب، وتقديم المساندة إلى متمردي دارفور، بينما تتهم حكومة الجنوب الشمال بدعم متمردين في الجنوب. ومن الصعب تفنيد مثل هذه التهم، خاصة أن عمليات التمرد المسلح تحتاج إلى دعم لوجستي لا يتوفر إلا لدول، ولا توجد دول كثيرة مرشحة لهذا الدور. وبغض النظر عن صحة الاتهام، فإن كلا الدولتين تتصرف على أنه صحيح، وبالتالي ترى نفسها في حالة حرب مع جارتها. وما الخلافات المستعرة حالياً بين الشمال والجنوب حول قضايا النفط والحدود إلا امتداد لذلك النزاع المشتعل. ولا ينتظر أن تحسم هذه القضايا وفاقياً والحرب مشتعلة، لأنه لا يعقل أن يقدم خصم تنازلات لمن يطلق عليه الرصاص ولديه خيار آخر يضر به. إذن نحن قد عدنا إلى المربع الأول، وهو مربع الحرب، ومعها كل ما تجلبه ليس فقط من دمار وخراب وإهدار للموارد وانتهاكات للحقوق، بل كذلك العزلة الدولية والإقليمية وما لها من ثمن لفادح. ويجب عليه أن تكون الأولوية هي لوقف هذه الحرب. وعلى الحكومة أن تسارع بالتقدم بمبادرة لوقف القتال ومعالجة أسباب اندلاعه والتأكد من عدم تكرار الصراع في تلك المناطق أو غيرها. ولكي يحدث هذا لا يكفي فقط إطلاق مبادرة لوقف إطلاق النار، وهي ضرورية في حد ذاتها،
ولكن لا بد من حسم قضايا الحكم بصورة جذرية، وإنهاء النظام الدكتاتوري القائم، والدخول في حوار جاد مع كل قوى المعارضة حول وضع دستوري وسياسي وجديد يحظى بإجماع غالبية القوى السياسية ويضع أساساً سليماً للدولة. ولا عبرة هنا في ما يردده المسؤولون من أن الحكومة الحالية حكومة منتخبة تحظى بتأييد شعبي كاسح، لأن المذكرات التي تطايرت مؤخراً من قلب عضوية المؤتمر الوطني الحاكم تؤكد أن هذه الحكومة لا تحظى برضا قطاع مهم من أعضاء الحزب الحاكم، ناهيك عن أن تكون مؤيدة من قبل أغلبية المواطنين. مهما يكن فإن كبار القادة يتصرفون (وكثيراً ما يتحدثون أيضاً) تصرف من يعرف أنه غير منتخب. وليس أدل على ذلك من تصريحات مساعد الرئيس الدكتور نافع، وهو رجل 'خشمو ما بجيب عديلة' بحسب التعبير السوداني. فقد كان تفاخر من قبل في قلب عاصمة برلمان ويستمنستر بأنهم جاءوا إلى السلطة بانقلاب، وتحدى من يجرؤ على انتزاع السلطة منهم أن يفعل. وقبل يومين عاود الكرة، فوصف قادة المعارضة (الشرعية والمعترف بها) بأنهم 'عواجيز الخرطوم' الذين ينتظرون انتفاضة من الأرياف حتى تسلمهم السلطة، وتوعد بغزو الجنوب.
مهما يكن، فإن تحقيق توافق سياسي ينهي التوتر في الشمال ويوحد الجبهة الداخلية هو أمر ضروري لإنهاء الخلاف مع الجنوب على أسس سليمة. ويجب أن تتبع ذلك مبادرات لإنهاء التوتر مع الجنوب، بدءاً من التحرك لنزع فتيل المواجهة في أبيي. وكنا قد طرحنا في السابق مقترحاً يدعو للتمهيد لحل قضية أبيي، وهي المحور الأساسي في الخلاف بين شطري البلاد، وقد كانت قبل ذلك أحد أهم أسباب انهيار اتفاق أديس أبابا، بإعطاء المنطقة وضعاً خاصاً في الشمال والجنوب، ومنح كل سكانها من المسيرية والدينكا الجنسية المزدوجة في الشمال والجنوب، وأن تعتبر المنطقة جسراً للتواصل ونموذجاً للتعايش بين الشمال والجنوب. ونرى الآن أن الوقت مناسب لطرح مبادرة مماثلة. ولا بد كذلك من طرح مبادرة إضافية فيها مزيد من التسامح تجاه المواطنين الجنوبيين المقيمين في شمال السودان، ومعاملتهم على قدم المساواة مع إخوتهم في الشمال، خاصة أن كثيرين منهم أقاموا لعقود، وبعضهم ولدوا في الشمال، واستحقوا المواطنة بأكثر من وجه. وكنت من قبل اقترحت 'الحل الأيرلندي' لهذه القضية، حيث تعطي بريطانيا مواطني أيرلندا كل حقوق المواطنين، بما في ذلك حق التصويت في الانتخابات البريطانية، وذلك بسبب التداخل بين شعبي البلدين.
ولكن قبل كل هذا وبعده، لا بد من حسم جذري للقضية الأساس التي ولدت كل هذه المشاكل، ولا زال تولد الكثير منها، وهي شكل الحكم وأشخاصه. ونبدأ هنا من الأخطاء التي أدت مباشرة إلى الأزمة الحالية، ومنها الأخطاء التي عددناها أعلاه. ولا يكفي هنا لوم النائب الأول للرئيس، علي عثمان طه، وحده على مثالب اتفاقية نيفاشا وطريقة تنفيذها. فهذه الاتفاقيات تمت إجازتها من قبل الحزب والبرلمان ومجلس الوزراء، وبالتالي فإن الجميع شركاء في المسؤولية. وفي هذه القضايا التي أشرنا إليها تحديداً، فإن المسؤولية تضامنية بين الرئيس ونائبه الأول ومساعده ورئيس البرلمان. وعلى هؤلاء أن يعترفوا أمام الشعب بمسؤوليتهم، وبأنهم يقودون البلاد إلى حروب جديدة وكوارث سياسية واقتصادية، ليست هي الأولى وبالقطع لن تكون الأخيرة إذا استمروا في مواقعهم.
وليس من العدل أن يدفع الشعب بأكمله والوطن ثمن أخطاء أفراد نصبوا أنفسهم حكاماً، وأن تنجر البلاد إلى حرب بعد حرب فقط لأنهم لم يؤدوا واجبهم. وقد مللنا ومل الشعب من تذكيرهم بأخطائهم وتنبيههم إليها، قبل وقوعها ثم بعد وقوعها لتداركها قبل أن يستطير شرها. وقد آن الأوان لأن نكفي ويكفون- هذه البلايا. وعليه فإن الحل هو أن يتقدم الرئيس ونائبه ومساعده ورئيس البرلمان باستقالاتهم فوراً، بعد الاعتذار إلى الأمة والشعب، وأن يكلف نائب الرئيس الحاج آدم كرئيس مؤقت لفترة انتقالية مدتها عام واحد، يتم خلالها التشاور مع المعارضة على إقرار دستور جديد ثم إجراء انتخابات تتوفر لها شروط النزاهة، حتى يختار الشعب من يحكمه. فلم تعد الأمة والبلاد قادرة على تحمل ما يحملها هؤلاء القادة، فجزاهم الله خيراً على ما أحسنوا، وعفا عما أساءوا، ونتمنى لهم الخير في مقام آخر. ومن الخير لهم وللأمة أن يرحلوا بالتي هي أحسن، حتى يجنبوا البلاد صراعات جديدة، وحتى يجنبوا أنفسهم مصائب كبيرة. ومن يدري، لعل خيراً إضافياً يحل عليهم، فيكسبوا جائزة مواطننا مو إبراهيم، التي تمنح للقادة الأفارقة الذين يتخلون عن الحكم طواعية.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
مأزق التفاوض «الصيف ضيعت اللبن»!!..لم يعد بوسع الطبقة الحاكمة أن تستعصم بقبضة السلطة، إذ لا عاصم اليوم مع وضع اقتصادي متداعٍ. يلزمنا التواضع أن نقر ونعترف بأن قادة الحركة الشعبية، والنخبة الجنوبية بوجه عام، أظهروا حنكة وقدرة سياسية تفوقت بكثير على قيادة المؤتمر الوطني، والنخب الشمالية عموماً على امتداد طيفها،
خالد التيجاني النور
وضع مأزقي وانسداد أفق غير مسبوق انتهت إليه مفاوضات دولتا السودان بشأن الترتيبات الانتقالية لملف النفط بانهيار آخر وأهم جولات التفاوض بينهما على الرغم من أنه حشد إليها أرفع ممثلين للطرفين بمقام رئاسي، وارتفع فيها سقف الوسطاء أيضاً، ومع ذلك لم تفشل في تحقيق أي تقدم ولو ضئيل، ولم تحافظ حتى على الوضع الذي كان سائداً، بل شكلت ردة كبرى وخلفت أكثر الأوضاع تدهوراً بين البلدين في غضون أشهر معدودة على التقسيم وصلت حد القطيعة، واستدعت بشدة أجواء الحرب.
وتوترات تصريحات المتحدثين باسم الحكومة السودانية، ووفدها المفاوض، ترمي كلها اللوم في انهيار المحادثات على عاتق حكومة جنوب السودان وحزبها الحاكم الحركة الشعبية ، معتبرة أن تعنتها ودفعها بأجندة آخرى، تسوية الملفات العالقة بشأن أبيي والحدود وغيرها، على طاولة مفاوضات النفط وتراجع الرئيس سلفا كير عن التوقيع على اتفاق «هدنة نفطية» اقترحها الوسطاء، ان كل تلك الأسباب مجتمعة تقف في وصول المفاوضات إلى طريق مسدود. بالطبع بوسع المتحدثين باسم الحكومة السودانية أن يصبوا المزيد من اللعنات على الحركة الشعبية وتحميلها المسؤولية عما آلت إليه الحالة المأزقية للعلاقة بين الطرفين، غير ان ذلك بالتأكيد لا يكفي لإعطاء تفسير موضوعي لما يحدث، ولا يوفر تحليلا منطقيا للحسابات الاستراتيجية، ولا يسهم في وضع خريطة طريق لاستشراف مستقبلي لما تترتب عليه تبعات وتداعيات تقسيم البلاد على خلفية استمرار الحالة العدائية بين بلدين ما بينهما من تشابك مصالح ومصير مشترك على الرغم من التقسيم اعمق تأثيراً، وأكثر بكثير من اية علاقات عابرة بين بلدين جارين تربطهما مجرد علاقات مصالح عابرة متغيرة.
لقد آن الآوان لتطرح الطبقة الحاكمة في المؤتمر الوطني على نفسها الأسئلة الصعبة، وأن تجيب عليها بشفافية ووضوح، وأن تملك الجرأة والشجاعة للقيام بتنفيذ ما تفرزه هذه الأجوبة من مراجعات جذرية وجراحة عميقة لعلاج جذور وأسباب الأزمة الراهنة. ف»لعبة التلاوم» التي تحاول الحكومة تسويقها لتبرير الفشل في إدارة علاقات ما بعد التقسيم مع الجنوب لن تجدي فتيلاً ولا تصلح نفعاً، ولا بأس من الاستمرار في تسويق سياسة «بيع الكلام» لو أن الأمور تسير سيرتها الطبيعية بعد التقسيم وكانت هناك فسحة من رغد الحال، ولكن ما أن حل التاسع من يوليو الماضي ومضى الجنوب إلى غايته، حتى بدأت تبعات ذلك وتداعياته تنهال كوارث تترى على الشعب السوداني، ولم تمض سوى اشهر معدودة حتى بات كل مواطن يحس في خاصة نفسه وطأة تأثير تقسيم البلاد، بلا هدى ولا كتاب منير، كيف لا وقد لحقته في لقمة عيشه، لم يعد مجرد جدل نظري تتلهى به النخب والسياسيون في التكهن بمآلات التقسيم وعواقبه الوخيمة.
سيظل تقسيم البلاد أم الكبائر وأسوأ الجرائر التي أنتجها حكم المؤتمر الوطني باسم «الحركة الإسلامية» التي تواطأ منسوبها أيضاً بالصمت على تمرير هذه الكارثة الوطنية، ليس مقبولاً من الحزب الحاكم أن يكتفي بتوجيه «اللوم» والاتهام ب»التعنت» للحركة الشعبية، هل نسى هؤلاء السادة أن الجنوب بات دولة مستقلة له الحق في تحديد مصالحه وكيفية تحقيقها، ولماذا يتوقعون أصلاً أنهم يملكون حق أن يقرروا لجوبا ما هو الموقف الذي يجب أن تتخذه من أجل رعاية مصالح الشمال، ما تفعله دولة الجنوب ببساطة هو ما تعتقد أنه يحقق مصالحها الاستراتيجية في العلاقة مع الشمال، شأنها شأن أية دولة في العالم تعرف أهمية تحديد مصالحها الوطنية، وتحترم نفسها وتدرك ماذا تعني مسؤولية الحكم. والسؤال ماذا هي المصالح التي كانت تظن الطبقة الحاكمة في المؤتمر الوطني أنها ستحققها بتقسيم البلاد؟ وهل كانت للطبقة الحاكمة اصلاً رؤية استراتيجية لتحقيق مصالح وطنية من الاتفاقية. .
من الواضح أن كل الرهانات التي بنى عليها المؤتمر الوطني حساباته في اتفاقية السلام قد انهارت بأسرع مما كان يتوقعه حتى أكثر المحللين تشاؤماً، فصفقة الشراكة مع الحركة الشعبية لضمان استدامة اقتسام الحكم وفق ترتيبات نيفاشا فشلت بعدما منت الحركة بها المؤتمر الوطني إبان المفاوضات وجعلته يغض الطرف عن إحكام التفاوض حول الخيارات كافة في معادلة التسوية ليكتشف الحزب الحاكم أنه اشترى الترام بعد فوات الآوان وقد ورطته الحركة في حقول ألغام احتشدت بها ترتيبات الاتفاقية لا تزال تتفجر في وجه الشمال، كما انهارت معادلة التقسيم مقابل السلام، فقد كان أهم تبرير تسوقه الطبقة الحاكمة في المؤتمر الوطني لتسويغ وتسويق فكرة التقسيم هي أن أزمة الجنوب أعيت من يداويها على مدى عقود الاستقلال وأرهقت البلاد والعباد من أجل وحدة مستحيلة، فإذا كان الانفصال يحقق السلام فلماذا لا نقبل به، أو كما كان يقال تقسيم مع سلام خير من وحدة ما حرب، ولكن تحقق السيناريو الاسوأ السيناريو حدث التقسيم، وتمت إعادة إنتاج الحرب وهذه المرة ليست حرباً بعيدة في أدغال الجنوب، بل في عقر دار الشمال، وليست حربا عسكرية فحسب بل كذلك حربا اقتصادية قاسية في وقت أدمن فيه الشمال الاعتماد على مداخيل النفط تأتيه من تلقاء الجنوب. والمفارقة أن من حذر من احتمال السيناريو الأسوأ منذ وقت مبكر كان الرئيس البشير نفسه، ومع ذلك لم تجد الطبقة الحاكمة في المؤتمر الوطني أن ذلك تحذير مهم وجاد يقتضي التعامل معه بجدية لدرء غوائله، وانتظروا حتى تحققت بالفعل أسوأ التوقعات.
ما حدث في جولة أديس أبابا الأخيرة، وما قبلها منذ أيام التفاوض المتطاول بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على تفاصيل اتفاقية السلام، يكشف عن فارق كبير بين منهجين في تطور الرؤية والقيادة والإدارة السياسية، ويلزمنا التواضع أن نقر ونعترف بأن قادة الحركة الشعبية، والنخبة الجنوبية بوجه عام، أظهروا حنكة وقدرة سياسية تفوقت بكثير على قيادة المؤتمر الوطني، والنخب الشمالية عموماً على امتداد طيفها، لقد استقر في وجدان المخيلة الشمالية لزمن طويل تقدير راسخ أن النخبة الجنوبية قليلة الحيلة مفتقرة للرؤية والإرادة وسهلة المنال، لم تكن النخبة السياسية الشمالية تأبه أبداً للمطالب الجنوبية وتعدها أمراً مفتعلاً لا يستحق ذلك، أو حتى حقوق يمكن شراؤها بالمناصب والمال، ولم يبذلوا جهداً صادقاً لمخاطبتها باعتبارها قضايا حقيقية من أجل ترسيخ ركائز بناء أمة سودانية موحدة باستحقاقات رعاية طبيعة تركيب مجتمعاتها المتعددة إثنياً وثقافياً ودينياً.
لقد بدأت مأساة الطبقة الحاكمة في المؤتمر الوطني حين ذهبت للتفاوض مع الحركة الشعبية بسقف منخفض للغاية، وبهدف محدود، إبرام صفقة شراكة سياسية تضمن لها عمراً أطول في كراسي الحكم، وإن كان ثمن ذلك سلطة أقل تتقاسمها مع نخبة الحركة الشعبية، لقد كان تقدير موقف الطبقة الحاكمة لحسابات وموازين القوة في الساحة السودانية مع الأخذ في الاعتبار العوامل الدولية أن المهدد الوحيد لاستمرار محافظتها على السلطة يأتي من قبل الحركة الشعبية التي تملك القوة العسكرية والدعم الخارجي، وبالتالي فإن عقد صفقة معها لتسوية تحت لافتة اتفاقية سلام شاملة سيضمن لها في نهاية الأمر إنجازاً مهماً اعترافاً دولياً يحقق لها شرعية وعضوية في نادي المجتمع الدولي ظلت تبحث عنها منذ مجيئها للسلطة، والأمر الثاني أن التسوية ستضمن لها أيضاً الاستمرار في السلطة بواحد من خيارين، الاستمرار في الحكم بشراكة مع الحركة الشعبية في حالة اختيار الوحدة عند الاستفتاء، أو استمرار السيطرة على الحكم في الشمال في حال الانفصال بعد أن تكون تخلصت من أكبر عامل تهديد ومنافس لها على السلطة، في حين ستكون حظيت باعتراف دولي يقوي موقفها في مواجهة المعارضة الشمالية المفككة والضعيفة.
لقد كانت تلك بداية مأساة الطبقة الحاكمة في المؤتمر الوطني، كما كانت مآسي كل الحكام الساعين عبثاً لتحقيق فكرة الخلود في السلطة على مر التاريخ، فما حدث هو أن قيادة الحركة الشعبية التقطت بذكاء وفهمت جيداً مرامي الطبقة الحاكمة في الخرطوم من التفاوض، وأحسنت إلى أبعد مدى استغلال ذلك في تحقيق أكبر المكاسب للحركة وللجنوب بما يفوق حتى حقوقه المعلومة، لقد أدركت قيادة الحركة أنها أمام فرصة تاريخية لن تتكرر لتبرع في تكتيكات التفاوض وفق استراتيجية مدروسة تقودها إلى تحقيق بما لم يكن الجنوبيون يحلمون أن يأتيهم من أكثر أصدقائهم رأفة بهم، فإذا هم يجدون الطريق معبداً لتحقيقه من بين براثن من؟ من هم أهم أشد خصومة لهم من «الإسلاميين» الوحيدين الذين يفترض أنهم يملكون مشروعاً سياسياً مناوئاً لهم. لقد نجحت الحركة الشعبية بالفعل في استدراج المؤتمر الوطني إلى ملعبها لتحدث أكبر تغيير استراتيجي في السودان وفي المنطقة، ولتغير قواعد اللعبة بالكامل فالشمال الذي كان فاعلاً وحيداً في الشأن السوداني دارت عليه الدوائر ليتحول إلى مطية مستخدمة لتحقيق أجندة الجنوب لا العكس.
لقد حفل كتاب «هجوم السلام» الذي ألفته السياسية النرويجية والوزيرة السابقة هيلدا جونسون عن تفاصيل المفاوضات التي قادت إلى توقيع اتفاقية السلام بالكثير من الأسرار المثيرة والخفايا والوقائع الخطيرة لعملية التفاوض التي كانت قريبة منها، ما يؤكد ما ذهبنا إليه آنفاً، ومن الواضح أن المؤتمر الوطني ذهب إلى التفاوض وهو لا يملك استراتيجية واضحة ورؤية بعيدة النظر عما يمكن أن يترتب على التسوية التي كان يتفاوض حولها، فضلاً عن أنه لم يكن على قلب رجل واحد وقد أوردت الكثير من الصراعات التي كانت تدور بين كبار المتنفذين في الطبقة الحاكمة خشية أن تؤدي التسوية إلى فقدان نفوذهم. ولعل أكثر ما يثير الاستغراب أن هذا الكتاب على الرغم من أنه صدر قبل نحو عام، وتمت ترجمته أيضاً إلى اللغة العربية، حاوياً الكثير من الوقائع التي لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال إلا خصماً على مفاوضي الحكومة وتحملهم المسؤولية التاريخية عن تبعات وتداعيات الاتفاقية، إلا أن أياً منهم لم ينبري للرد على ما جاء فيه أو تفنيده، وهو ما يجعل أن الاحتمال الوحيد هو أن ذلك يعني موافقتهم الضمنية على ما أوردته هيلدا جونسون خاصة وأنها أثبتت في الكتاب مرجعية المصادر التي تحدثت إليها ومن بينهم معظم الفريق التفاوضي للحكومة موردة الاسماء واللقاءات التي تمت معهم بالتواريخ.
لم يعد ممكناً للطبقة السياسية الحاكمة في المؤتمر الوطني أن تستمر في المغالطة أو بيع الوهم نحو ما ظل يروج له المتحدثون باسمها قبل نهاية الفترة الانتقالية من أن التقسيم لن يضار منه الشمال في شئ، وبددوا وقتاً ثميناً في مقاومة الحقيقة المرة التي كانت بائنة لكل من «كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»، بدلاً من الاعتراف مبكراً بفداحة ما سيقود إليه التقسيم والعمل بكل جد لسد ثغراته الكثيرة التي تتسع على الراتق، إذن لربما أفلحوا في التقليل من الخسائر والعواقب الكارثية.
لم يعد بوسع الطبقة الحاكمة أن تستعصم بقبضة السلطة، إذ لا عاصم اليوم مع وضع اقتصادي متداعٍ وقد تجاوز الحاجة لإقامة براهين عليه، ودعك من إعادة إنتاج التمرد وحرب عصابات مفتوحة في «جنوب جديد» بدا وكأنه مزحة حين جاءت به النذر، وأوضاع سياسية غارقة في سيولة لم يفلح تشكيل حكومة أعرض من كل مصائبنا إلا أن تخلق المزيد من البلبلة والاضطراب حتى داخل حوش الحزب الحاكم الذي كان يظن نفسه في مأمن من أن يثور عليه خصومه، فجاءه التمرد من حيث لا يحتسب من خاصة منسوبيه. أما وقائع الفساد المؤسسي والمحمي والمقنن الذي بدأت تتسرب وثائقه أخيراً إلى صفحات الصحف فهو غيض من فيض مما ظل حتى العامة يحيطون به فيشكل عامل سقوط أخلاقي غير مسبوق لن تفلح إجراءات محدودة هنا أو هناك في إقناع الرأي العام بأن هناك حربا حقيقية على الفساد، فالقانون الذي لا يصل إلى الرؤوس الكبيرة سيجعل مسألة محاربة الفساد ملهاة آخرى أكثر مفسدة. [email protected]
الصحافة 2/2/2012
-----------
اعلانات قوقل
شئ من حتي
عمى البصر والبصيرة في أزمة جنوب كردفان (2-2)
د.صديق تاور كافي
* يمكن رصد مجموعة من التطورات المهمة ذات الدلالات الكبيرة فيما يتعلق بالأزمة الجارية في ولاية جنوب كردفان، والحرب الدائرة هناك منذ يونيو الماضي وحتى الآن. وهي تطورات من الخطورة بمكان بحيث تجعل هدف الوقف الفوري للعمليات القتالية واللجوء الى حل سلمي للأزمة يتقدم ما عداه من أهداف وبإلحاح زائد على طرفي الأزمة. الحدث الأول هو الهجوم الذي نفذته مجموعة من مسلحي الحركة الشعبية على معسكر الشركة الصينية العاملة في بناء الطريق الدائري، على مشارف مدينة العباسية الاسبوع الماضي، وتم فيه اختطاف العشرات من العاملين بهذه الشركة (صينيين وسودانيين). أدى هذا الهجوم الى ترويع وتلويع مواطني مدينة العباسية الآمنة، ودفع بهم الى النزوح بأعداد كبيرة نحو منطقة أم روابة بشمال كردفان، في حال مزرية. وأدى أيضاً الى عزل كامل المنطقة الشرقية لولاية جنوب كردفان عن بقية مناطق السودان في ما يشبه الحصار والخنق الاقتصادي والخدمي للمواطنين وليس الحكومة. فالطريق الذي استهدف بهذا الهجوم هو القناة الأساسية التي يتنفس عبرها مواطنو هذا الجزء خدمياً وتجارياً واجتماعياً، حيث تعتمد عليه كل المنطقة من العباسية، رشاد، أبو جبيهة، كلوقي، تلودي، الليري، وامتداداتها ومحيطها. وقد فاقم هذا الفعل من معاناة هؤلاء المواطنين الذين يقارب تعدادهم المليون نسمة. وبالنتيجة فقد توقف العمل في بناء ورصف هذا الطريق كمشروع حيوي يحتاجه الناس. ولا ندري ما هو المكسب السياسي الذي يجنيه حاملو السلاح في المنطقة، من معاقبة المواطنين (المهمشين) بهذا النوع من الأعمال. الحدث الثاني والذي يسير في ذات الاتجاه هو استهداف مدينة الدلنج ببعض القذائف التي سقطت على رؤوس المدنيين في المدينة، ولم تسقط على أهداف عسكرية حتى يقال انه فعل مبرر، كرد للعمليات والتصعيد الذي جرى ويجري في أرياف مدينة الدلنج بين الحكومة ومسلحي الحركة الشعبية، وهي المرة الثانية التي يقوم فيها الأخيرون بهذا العمل، علماً بأن المدينة هي دائرة جغرافية كانت قد فازت بها الحركة الشعبية نفسها. وقد اسفر هذا الفعل عن موجة جديدة من النزوح بين المواطنين بلا تمييز أو تخصيص. فالقذيفة التي تسقط على منطقة مدنية لا تميز بينهم انتقائياً، وأذى الحرب لا يصيب مجموعة دون أخرى. الحدث الثالث والذي يمثل تطوراً خطيراً في هذه الأزمة، هو اعتداء احدى المليشيات القبلية (الجنوبية) على القرى في الريف الغربي لمدينة كادقلي، وحرق بعضها بالكامل مثل قرية الحرازاية في منطقة ميري وغيرها. وهذه أول مرة تتعرض فيها قرى للحرق، وكذا اول مرة تدخل فيها أطراف غير معنية بالنزاع للحلبة. المتداول من المعلومات يفيد بأن هذه المليشيات كانت تستهدف المناطق التي يُشتبه بوجود مسلحي الحركة الشعبية فيها لصالح الحكومة، ولكن يبقى السؤال هو من الذي أتى بها ولحساب من تعمل ووفقاً لأية مسوغات؟. أيضاً تتواتر معلومات عن ظهور مجموعات غير نظامية تحت لافتة (حرس الحدود)، وهو نفس العنوان الذي ارتبط في الذاكرة المحلية والدولية بجماعات (الجنجويد) في دارفور، وارتبط بإرتكاب فظائع بحق المدنيين هناك، ذهبت بالبعض الى تصنيفها ضمن دائرة الإبادة الجماعية. من التطورات التي نشأت اخيراً أيضاً ظاهرة عودة مجموعات غفيرة من المواطنين من المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية ولجوئهم الى بعض المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وهم في ظروف انسانية حرجة. اللافت ان أغلب هؤلاء من الأطفال والنساء والعجزة، ما يعزز الإتهام بممارسة التجنيد القسري للقادرين على حمل السلاح الذي يصر مسلحو الحركة على نفيه. ولكن الخلاصة الأهم هي أن المقاتلين التابعين للحركة لم يأتوا مع هؤلاء المواطنين، بمعنى أنهم منتشرون في المنطقة ويواصلون الحرب، بدليل عمليات التصعيد التي تدور في المنطقة الشمالية والمنطقة الشرقية، بعد ما سبقها من تصعيد في منطقة تلودي ومنطقة كادقلي، والنتيجة هي اتساع النطاق الجغرافي لحالة عدم الاستقرار الأمني ليغطي أغلب الولاية. وهو ما يبدو الهدف الذي أراده حاملو السلاح من باب اثبات الوجود واثبات القدرة على إقلاق الحكومة، وان كان المواطن هو من يدفع الثمن.
* أخطر التطورات هو خروج الأزمة من الماعون الوطني السوداني، واتجاهها بخطوات مستعجلة نحو التدويل، عبر مدخل الكارثة الانسانية. فمن ناحية لا يمكن نفي وجود كارثة انسانية في المنطقة مهما علا صراخ الحكومة بذلك، وهي لا تفعل أكثر من هذا الصراخ، ولا تريد ان تتحمل مسؤولياتها بجدية. ومن ناحية أخرى لا يمكن تجاهل مخاطر تسليم الأمور بلا ضوابط لأي طرف دولي لا يستبعد ان تكون له نواياه في الاصطياد عبر تعكير الماء أكثر هنا أو هناك، خاصة إذا كان هذا الطرف هو الولايات المتحدة الأمريكية بسمعتها السيئة على صعيد الأزمات الدولية. والأمر لا يحتمل الانتظار ولا المراوغة ولا التعتيم والتضليل الإعلاميين، وما الى ذلك من الأساليب التي درجت حكومة حزب المؤتمر الوطني على اعتمادها مع هذه الأزمة بشكل خاص وغيرها من الأزمات عموماً. الحقيقة ان هناك أزمة سياسية ذات تأثيرات أمنية استنزافية لا يمكن التقليل منها. وهناك وضع انساني متفاقم بطول الولاية وعرضها. وهناك أطراف دولية تريد أن تفعل شيئاً، ولا تكتفي بمجرد موقف المتفرج أو المتعاطف. منها من هو مخلص ويريد أن يؤدي واجبه انسانياً، ومنها من هو متربص ويريد أن يصطاد في الماء العكر. والحكومة السودانية لا هي قادرة على مواجهة الموقف ولا لديها أي أفق لحل الأزمة، ولا لدى الشلة المسيطرة على القرار في مركز حزبها الحاكم.. الاحساس بأن ما يصيب أهل المناطق المشتعلة بالحرب، يستحق منهم استنفار كل طاقة البلد وكل شعور بالمسؤولية الوطنية لوضع حد لمعاناتهم، وهذا ليس بغريب لأن العقل الذي تفكر به هذه الشلة هو عقل جهوي ـ قبلي حتى النخاع.
تبدو الحكومة مصابة بالدوار وفاقدة للإرادة والاتجاه، عند التعامل مع ملف الحرب في جنوب كردفان. فتطاول هذه الحرب يؤكد يومياً إقتفاء أثر نفس الخطوات التي قادت الى أزمة دارفور حافراً بحافر، بدلاً عن التعلم من أخطائها فقد عاد حزب المؤتمر الوطني مرة أخرى الى لغة الجهاد والتعبئة الدينية، وتجييش المليشيات، وحرس الحدود بذات الطريقة، دون النظر إلى خطورة التعقيدات التي يمكن أن يخلفها هذا النوع من الخطاب والأفعال، في منطقة تعرضت لسباق الفرز السياسي ـ القبلي بين شريكي نيفاشا طيلة خمس سنوات متصلة. والإعلام الرسمي وإعلام حزب الحكومة يتعامل مع هذه الحرب على اعتبارها حربا منسية حتى لا يتفاعل معها الرأي العام، وهناك تقليل من آثار الحرب الإنسانية والإقتصادية بطريقة تجعل الآخرين يخجلون لحال هذه الحكومة غير الأمينة. * مهما كانت الأسباب والمبررات فإن من واجب الحكومة أن تتصرف كحكومة مسؤولة في دولة لها مكانتها بين الدول، وليس كشُلة متحكمة في مصائر الخلق. هذا يستوجب ضبط الخطاب الذي يصدر من المسؤولين فيها بضبط أفراده ومفرداته أولاً، وحساب أثره على المواطنين جميعاً من أفراد الشعب، وعلى صورة السودان في الأوساط الإقليمية والدولية، وهذا يعني تجنّب العبارات السوقية والتحلي بالرزانة والحكمة وبعد النظر.
بمقدور الحكومة بل من واجبها أن تقدم الحل الذي ينهي الحرب على الحل الذي يطيل أمدها، وفي ذلك يمكن أن تثبت للجميع أنها جادة وحريصة على كل مواطني السودان لا على شلة بعينها داخل الحزب. بمقدور الحكومة أن تصدر قراراً رئاسياً بوقف إطلاق النار ولو من طرف واحد، والعفو عن حاملي السلاح، وتفرج عن المعتقلين، وتعلن استعدادها للجلوس والتفاوض حول المطالب المشروعة بما يوقف الاقتتال وينهي حالة الحرب نهائياً. وان تقدم من الضمانات ما يبدد المخاوف من أي نكوص على العهد. ومن واجب الحكومة أن تستنفر طاقاتها وامكاناتها وكوادرها وإعلامها وعلاقاتها من أجل احتواء آثار الحرب وويلاتها على المواطنين وعلى الأرض، من توفير حبة الدواء وجرعة الماء ولقمة العيش والكساء وحتى فتح المدارس وعودة الحياة الى طبيعتها. على الحكومة أن تقر بأن ولاية جنوب كردفان هي من مناطق الظلم التاريخي التي تحتاج إلى معالجات استثنائية على صعيد التنمية والمجتمع والاستحقاقات السياسية.
هذه أشياء لا خلاف عليها، وما كانت لتحتاج أن تحمل أية مجموعة من المواطنين السلاح إحتجاجاً عليها، لأن هذه هي أوجب واجبات الدولة نحو مواطنيها، والحكومة المسؤولة هي التي تُشعر مواطنيها بالعدل والإنصاف لا بالقهر والظلم. على الحكومة أن تضبط منسوبي حزبها من الذين يصدرون تصريحاتهم على الملأ بدون إنضباط أو مسؤولية. فهناك مسؤولون حكوميون يمثلون مواقع رسمية في الدولة هم المعنيون بالحديث إنابة عن أية حكومة، بحيث يكون ما يصدر عن الناطق الرسمي هو الحديث الرسمي المعبِّر عن الحكومة. أما أن يتحدث كل من هب ودب من منسوبي الحزب باسم الحكومة في الأمور الخطيرة مثل تلك المتعلقة بالإستقرار والأمن والعلاقات المجتمعية وغيرها، فهذا مما لا يجوز. هذا الخلط المتعمد بين خطاب الحزب وخطاب مؤسسات الدولة الرسمية هو واحد من الأسباب التي أوجدت الأزمة وفاقمتها إلى درجة الحرب في جنوب كردفان. فتصريحات من نوع ما صدر عن قطبي المهدي في مايو الماضي، هي التي أشعلت المسرح قبل أن ينتهي أمد نيفاشا في يوليو 2011م.
الصحافة نشر بتاريخ 02-02-2012
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
الرئيس ادريس: كيس العريس في موسوعة غنيس ويالها من أرقام قياسية!ا
عبدالرحمن الأمين
التعليق علي شأن خاص ، أي شأن خاص ، له من المعايير الاخلاقية العامة مايستلزم حذرا يقظا . ببساطة ، لأن الشأن الخاص يقع في منطقة الحظر في مايتصل بحقوق الناس، فالحقوق ذمم معصومة لابد من الاستماته في المحافظة عليها . لهذا ، ولأكثر من هذا ، غدت شؤون الناس الخاصة طابية عالية الأسوار محصنة في كل التشريعات العقائدية والقانونية التي رفدت في كافة القيم الانسانية النبيلة .
تساءلت بدءا : هل صحيح أن المهر المقدم لأسرة السيدة أماني موسي هلال للزواج من فخامة رئيس تشاد الشقيقة ، الجنرال أدريس دبيي، هو "حقا" 26 مليون دولار كما أوردت الصحف الصادرة بالخرطوم ومئات المواقع الاسفيرية طيلة الاسبوع الماضي ؟ واذا لم يكن هذا الرقم صحيحا ، فلماذا لم تتكفل الأطراف ذات الصلة ، وبالذات "نسيبنا" فخامة الرئيس من تصحيح الخبر أو تكذيبه وبخاصة أن الرجل يتوفر علي وزارة أعلام ووزير بلسان ناطق ووكالة أنباء ومستشارية اعلامية رئاسية بمكتبه ، بل وحتي قناة فضائية ؟ فمثل هذا البيان التشادي له ضرورات قصوي ، كما سنأتي علي تفصيله .....ولأن "ولي أمرنا "المنافح عن القيم الاسلامية حضر المناسبة وكيلا للزوجة ، كأحدي بنات رعيته ،هل علم انه ليس من الحكمة ، ولا من المصلحة ، التغالي في المهور ، والإسراف في حفلات الزواج بمثل ماشهدت به صالات فندق السلام روتانا علي مدي يومين كاملين ؟
هل فكر في الاستتباعات النفسية لهذه "الرعاية الرسمية" وما ستعنيه لشباب بلده من تأيم الفتيان والفتيات امتثالا لقول- شبيهه في الأسم فقط،- سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه : " ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ". هل سعي عمرنا بالنصح لأطراف الزواج بضرورة خفض المبلغ ؟ فلعمري كنا ننتظره أن يفعل شيئا من هذا ، فلو لو يكن لأسباب أسلامية ، فعلي الأقل ألا تصبح بلاده في ذات الاسبوع مادة للتندر الدولي بعد أسبوع من الحرائق الاعلامية لأسم السودان بسبب تقرير الدابي وتصريحاته المنفرة..فلو شاء لوجد أمامه مسوغات تبريرية "شرعية" جاهزة ، منها أن "الدين النصيحة " ، ومنها صفته الشرعية كولي شرعي للعروس ، ومنها كونه ولي أمرنا . رغم ذلك ، فجعنا به راعيا رسميا ، حتي وان وفر له غياب الرئيس العريس تحللا بروتوكيا لايلزمه بحضور المناسبة ، دع راعيتها! من ينكر أن ولي أمرنا من غلاة المتحدثين عن ضرورات حماية "بيضة الاسلام " في بلاد السودان وماجاورها ، وهو ممن شهد له تلفازنا بانه أكثر الزعماء المسلمين دواما وحرصا علي شد الرحال حجا أو أعتمارا .لكن .... أين كان كولي لأمر أربعين مليون نفس ، نصفهم من الشباب المتعطل وبقيتهم من يجاهد صباحه ومساه لتأمين خبزة العيش لأهله وقد لا يجدها ، بينما هو يرعي زيجة غينيس هذه بأرقامها الفلكية ؟ أين ذهب الاجتهاد في أن يكون أسوة حسنة ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً " [ رواه مسلم ] . ؟؟؟
هذا السؤال ، علي أهميته الاخلاقية والفقهية، الا أنه يظل هامشيا وليس محور مقالنا، لذا لن نتوقف عنده كثيرا ..ولننصرف لمن بيده عقدة النكاح ، فهو مبتغانا إ
*المهر والسفاهة المالية :
أستطردت بسؤال للنفس : هل مثل هذا المهر ، بافتراض صدقية الارقام ، هو شأن خاص ، أم عام ؟ هل يعقل أن يكون شأنا خاصا ودوننا حصيلة البلاد من النقد الاجنبي ( قبل المهر الاخير ) والتي قدرتها أرقام الميزانية العامة المنشورة في ديسمبر 2010 بأنها بلغت 638.6 مليون دولار ، وللمفارقة فانها نمت عن تلك المحققة في 2009 بما مقداره 21.9 مليون دولار فقط ..وثمة سؤال لانبرئه من خبث ######رية : ياتري هل كان المهر في ديسمبر 2011هو الفائض في حصيلة النقد الأجنبي لدولة تشاد عن ذلك المحقق في 2010...للأسف لم تظهر الأرقام المراجعة حتي بعد قرابة الاسبوعين بعد الزواج الميمون ! ثم ، وبجدية هذه المرة ، هل التزم هذا المهر بالشروط الاسلامية الخماسية البنود الواجب توافرها عند الاكثار من المهر وهي ، ترتيبا ،1- أن لا يكون الصداق كله ديناً ،2- أن لا يتقصد الشخص المباهاة بالاكثار ،3- تأكد القدرة واليسار ،4- الا يكون منشأ المال والطريق التي تحصل بها الرجل علي الصداق محرمة ،5- أن يكون الصداق كله مالا حلالا .....وسؤال آخر: مادام أن الزواج تم علي شرع الله وسنة نبينا المعصوم عليه صلوات الله وسلامه ، فهل ياتري توافق عقد نكاح هذه الزيجة مع الحديث المنقول عن حميد عن أنس ، رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهيم فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال ما أصدقتها قال وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة)..أو أين هو من الحديث المتعدد الرواه والمنسوب للصحابي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل ) .
ونأتي الان للحديث عن ضرورات صدور "بيان رئاسي تشادي " يوضح المبلغ بدقة . فالزيجة أسلامية ، وواضح أن ماسقناه من أحاديث وتدليلات أن زواج (ادريس أماني) لم ينسجم مع السنة التي سارت بها مقادير الصداق لا في بلاد الاسلام ، ولا في عاصمتنا المثلثة التي تعودت علي "كشح الفاتحة " والدعاء للعروسين بالرفاه والبنين وان بقت ذاكرتها مشدوهة بما توارد من أنباء ذلك المتنفذ الانقاذي الذي أمطرت يداه قبل 5سنوات 250ألف دولار علي رأس زوجته الثانية استحسانا منه لحضورها "شخصيا"حفل زواجه الثالث وأطلاقها زغرودة رضا بالزواج في حفل ضرتها الجديدة !
أدبيات السنة النبوية توردالكثير من النماذج لما يفترض ان يكون عليه المهر ومراسم الزواج من بساطة .ونحن لا نوردها هنا ادعاءا لتفقه ، فهذا ما لاندعيه من تخصص، وانما في اطار عقد مقارنات لواقع دولة وشعب عزيز علينا نجزم ان حاكمه أساء لنا ولهم بهذا التصرف الذي يجمع الفقهاء علي وصفه بالسفاهة . فقد عرفوا السّفيه بأنه من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التّبذير، فلا يمكنه إصلاحه لغياب التّمييز أوالتّصرّف فيه بالتّدبير. أما السفة المالي فالفتيا تقول بأنه التّصرّف في المال بخلاف مقتضى الشّرع والعقل بالتّبذير فيه والإسراف- مع توافر خفّة بالعقل-.
قال عليه الصلاة والسلام :" وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ".بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أشر الناس جاهل سفيه يملك المال فلا يحسن التصرف فيه , فيبدده ويضيعه , ومن هنا فقد نهي الإسلام عن إعطاء السفهاء الأموال , وأجاز الحجر على مال السفيه قال تعالى : "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ "الاية .والسفه المقتضي للحجر عند من أثبته، هو صرف المال في الفسق أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض ديني ولا دنيوي كشراء ما يساوي درهما بمائة درهم .
بل وان السيرة تذكر أن الصحابي الجليل معاذ بن جبل كان رجلا سخيا لا يمسك شيئا من ماله حتي غرق في الدين فأتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طالبا منه أن يكلم غرمائه وهؤلاء من فرط محبتهم لرسول الله كانوا سيسامحون الدين الا أن النبي العادل "حجر علي معاذ ماله وباعه " لاستيفاء الدين، كما نقل الدارقطني روايته نقلا عن كعب بن مالك . بل أفتي الامام الشافعي ،رحمه الله، معاقبة هذا الفساد المالي بالحجر علي هذا النوع من الفساد بطريق الزجر ، والعقوبة ، ولهذا لم يجعل الفاسق أهلا للولاية تطبيقا لقوله تعالي (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ). روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني تزوجت امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل نظرت إليها ، فإن في عيون الأنصار شيئاً ؟ قال : قد نظرت إليها ، قال : على كم تزوجتها ؟ " قال : على أربع أواق ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " على أربع أواق ؟ " ، كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك في بعث ـ أي سرية للغزو ـ تصيب منه " قال : فبعث بعثاً ، وبعث ذلك الرجل فيهم " .قال النووي في شرح مسلم : " معنى هذا الكلام : كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج ".
*كيف وصل الجنرال أدريس "لخزائن "السلطة :
قصة وصول "نسيبنا" الجنرال للسلطة في بلاده هي قصة نمطية ألفناها ممن احتنك أمرنا ، وكانت الاعراب تقول احتنك الجراد الزرع ، أي أكله كله. دانت له الرئاسة "أقتلاعا " بقوة الذراع في ليلة من ليالي حمل الجنرالات رؤوسهم بأكفهم سعيا الي محطات الأثير وبيانهم الأول في الجيب الخلفي للبنطال . ففي أكتوبر 1990 ، وبمساعدة السودان وليبيا بدأ تمرده علي راعيه وأستاذه الرئيس حسين حبري ، وفي 10 نوفمبر قاد تجريدته المسلحة باتجاه أنجمينا وبعد قتال دام 3 أسابيع ، أصبح الجنرال أدريس دبيي الرئيس أدريس دبيي لجمهورية تشاد المنكوبة في 2 ديسمبر 1990.أما غير المألوف فهو ماأوردته صحيفة "نيويورك تايمز " مفيدة أن الرئيس دبيي ، أتي للحكم بشهية مفتوحة علي الفساد ، فخلافا للنمط السائد في خطاب الانقلابيين ، الذي مايدعي عادة الطهر والنقاء الثوري ويدين فساد العهد البائد، قالت النيويورك تايمز أنه أستهل عهده بالفساد عندما أبلغ القذافي باطلاقه سراح كل أسري الحرب الليبية الموجودين لديه وطلب من العقيد ارسال طائرة لنقلهم وزاد في طلبه بشكوي مفيدا أن حسين حبري سرق كل السيارات الرئاسية الفخمة وهو الأن ،كرئيس،ليس لديه مايركبه ! وبالفعل ، أرسل القذافي طائرة عسكرية لترحيل أسراه حملت في جوفها سيارة فرنسية طراز "رينو" سوداء فارهة كهدية للرئيس الجديد ، خصمه القديم !
*بعض من الفساد في جمهورية عريسنا !
الفساد وسوء الادارة في جمهورية دبيي كتاب كبير له عنوان عريض وقصص تروي ! ففي عام 2006 ، أفادت مجلة "فوربز" الامريكية ، ذات الصدقية المؤكدة ، أن تشاد أفسد بلد في هذا الكوكب وقالت ان تشاد أفترعت تخصصا غير مسبوق ، فيما أسمته نصا (نهب المنح الخيرية المخصصة لمشاريع محددة من المانحين والتي يمولها ، جزئيا، البنك الدولي واتباعها أسلوبا متفردا في ذلك " وأفصحت المجلة عن نموذج محدد هو خط الانابيب البترولي الذي موله البنك الدولي مابين تشاد والكاميرون والذي هدف لترقية حياة الفقراء من الدولتين مفيدة أن حكومة ديبي "حولت " 30 مليون دولار من المخصصات لشراء أسلحة لقواته لسحق المتمردين عليه لضمان بقائه في السلطة !!
ترتيب تشاد في قائمة الفساد عالميا رقمه هو 171 ، يقف السودان ملتصقا ، تماما، بأردافها ، محتلا للمرتبة 172 من أصل 178 بلدا .... لا بد من التذكير بأن البلد الذي يمسك بذيل هذه القائمة ، وهو الصومال، ربما نجد له ثمة عذر.فقد غابت عن الصومال مؤسسات الدولة منذ الاطاحة بالديكتاتور محمد سياد يري في 1991( عامين بعد انقلاب منقذي الخرطوم وعام بعد منقذ أنجمينا ) ، فاتجه اليوم ليتعيش علي غنائم القرصنة وصناعة ملوك الحرب ..ولكن التصاق السودان بنسابته الجدد في هذه القائمة الخائبة ، لا نجد مانفسره بها الا قول الشاعر :
لا تعذل المشتاق في أشواقه***حتى يكون حشاك في أحشائه والعشق كالمعشوق يعذب قربه***للمبتلى وينال من حوبائه
ينطلق الاعلام الغربي من منصة التقليد الاخلاقي القائل ( عبث وفساد الرجل العام المؤتمن لمباشر شأن عام يرفع الحصانة عن تصرفاته ).لذا فان الكثير تم نشره عن الرئيس دبيي وزيجاته المتعددة وان كان الاجماع هو أن زواجه بالسيدة (هندا) ، الوزيرة وسكرتيرة الشؤون الخاصة ، كان الأكثر جذبا للأضواء في بلاده.وفسر الأمر وفق نظرية ربط القبائل بحبل المصاهرة ، بحثا عن الدعم والولاء .والأمركذلك، فاننا نجزم أن مصاهرته الاخيرة لنا تعدت نظرية ربط القبائل هذه بل وتعدتها بنجاح غير منظور .فالزيجة أصبحت أمم متحدة (علي مصغر)..فالعروس سودانية ، والمأذون جزائري ، والمهر أمريكي ، والوليمة أيطالية والفندق أماراتي وبملكيتنا لحصة 35% ، رغم مايقال بأن تلك النسبة وان مثلت حصتنا كدولة الا أن المهندس عبد الباسط حمزة مدير عام شركة الزوايا للتنمية والاستثمار يتصرف وكأنه الدولة ...أنطلاقا من التقليد الاخلاقي المرشد ، مهنيا، للاعلام الغربي في نهشه ونبشه لكل مستور،فان الصحافة الفرنسية كتبت الكثير عن أبن الرئيس دبيي الراحل - أبراهيم ( 27 عام) . فقد عثر عليه ميتا في جراج سيارة شقته بباريس في 2 يوليو 2007، وأوضح التشريح الطبي موته مختنقا بمادة بيضاء من مطفأة حريق . وبالرغم من ان الشرطة الفرنسية وسعت تحرياتها الجنائية مفترضة عملية أغتيال ، الا أن تلك الفرضية غاب عنها الدليل . أوردت الصحف الباريسية أن الرئيس فصل ابنه وجرده من وظيفته كمستشار للرئيس في عام 2006 بعد ان تمت ادانته بحيازة مخدرات واسلحة. الا أن قصة عزله أصبحت أهم من موته وبالذات بعد خروج رواية الزعيم المعارض ماكائيلا قولبيلا الذي أضفي بعدا سلوكيا للموضوع وتربية القصر ! قال المعارض أن سلوكيات ابن الرئيس كانت غاية في السوء مع كل الناس ، وبالذات المسؤولين الكبار ووزراء النظام .قال أن ابراهيم" تعود"صفعهم بشكل اعتيادي مما زاد من حركة الانشقاقات والحنق العام والتمرد ضد الرئيس.والخلاصة ، كما قال الراوي ، أن الرئيس ضحي بابراهيم بعزله مستفيدا من قصة "كبش الفداء" للبقاء في السلطة !
*الارقام واللامعقول: هل يصبح مهر بالخرطوم حجارة تحصب قصر انجمينا الزجاجي؟
ومادام ان الرئيس ، كرصفائه الرئاسيين من حوله ، حريص علي البقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة ،كما بينت القصة السابقة وغيرها من القصص ، اذن فالمنطق ورجاحة العقل يفترضان الا يؤذي الحكيم نفسه بأن "يصوب الرصاص علي قدمه " كما يقول الفرنجة . حسابيا فقد أمضي نسيبناالآن أكثر من ثلث عمره في الحكم ، ولايزال العرض مستمرا. اذن، فالحكمة والعقل يقولان أن مايتعين فعله هو الاستمرار في تغذية كل روافد الاستقرار في بلده الذي تتجاذبه الخلافات الاثنية المعقدة من كل جانب ويحفه واقع تشيب الولدان من أرقامه .ولو من درس يستفاد منه في ثورات الربيع العربي فهو مايمكن أن يفعله فساد الحكم والحرمان والظلم والجوع والتبطل بالشعوب ، ولشعب جارتنا نصيب وافر من كل بند .....هذا ماأستقرأه أبو الطيب المتنبي مبكرا ، منشدا :
إنَّ السِــلاحَ جَــميعُ النـاسِ تَحمِلُـهُ وَلَيس كــلُّ ذواتِ المِخــلَبِ السَـبُعُ تَصفُــو الحَيــاةُ لجِـاهِلِ أو غـافِل عَمَّــا مَضَــى فِيهــا وَمـا يُتـوقَّعُ ولِمَــن يُغـالِطُ فـي الحَقـائِقِ نَفسَـهُ ويَسُــومُها طَلــبَ المحـالِ فتطمَـعُ
فمن أصل أكثر من 120 لهجة ، يكشف التوزيع الاثني عن وجود لأغلبية لاتحكم ، وعن أثنية تملك أقطاعيات زراعية كأقلية لكنها ، أيضا، لاتحكم .. بينما أقلية تحكم وتتحكم وتملك ، والي هذه الفئة ينتمي الرئيس ديبي .فاحصاءات 1993 تقول أن التركيبات القبلية الأكبر في تشاد هي ترتيبا السارا الجنوبية وتمثل 27.7% ،العرب 12.3 % ،مايوكيبي11.5 %، برنو كنيم 9% ،كوداي 8.7 ،حادجراي 6,7 ، تاندجيلي6.5 ،القرعان 6.3% . نعرف أن الرئيس ديبي ينتمي لفخذ من قبيلة الزغاوة يسمي "البديات " وهم الأقل عددا والاوضع مكانة داخل الهيكل العام لقبيلة الزغاوة . نعرف أيضا ان الرئيس ، كأي رئيس في العالم الثالث ، لا يردعه راداع في محاولات البقاء . فنسيبنا "المسلم " انقلب علي الاسلاميين تأمينا لنفسه ضد "صداع " خصمه القيادي الاسلامي اللدود عبدالقادر كموج الذي يتمتع بشعبية في جنوب البلاد .فأضطر الرئيس في عام 1996 لاصدار أمرا رئاسيا حظر بموجبه كافة المنظمات الاسلامية من العمل بالجنوب ورهن أي عمل اسلامي بالوازارات والحكومة فقط .
حل بين ظهرانينا جارنا المسلم ورضي ولي أمرنا باسلامه فزوجه ، الي هنا والقصة في رومانسية مثيلوجيا الاغاريق (زيوس وهيرا)، الهة الحب والزواج . ولعمري هذا شئ محمود بيد أن فخامة الرئيس لايأنينا من بلد غالبيته مسلمة ليباركوا الزيجة مثل ماباركنا ، فالمهر ، ومادفعه الرئيس العريس من مال في مهره بنظر كثير من هؤلاء، وغيرهم من هواة أرقام غينيس القياسية في أركان الدنيا الأربعة، مبالغ فيه .فتشاد ليست بدولة أسلامية ، في الأساس،فمن تقديرات التعداد السكاني (2011)يتبين أن من أجمالي السكان (2011)10.758.945مليون، تتفاوت الديانات (باحصاء 1993) حيث يمثل الاسلام 53,1 %، الكاثوليكية 20.1%، البروتستانية 14.2 % بل وهناك حتي الملحدون 3.1% والمتبقي أما بلا ديانات معروفة، أو من أهل الديانات الطبيعية .بل ويكشف الهرم السكاني ان أكثر من نصف سكان تشاد (51%) ممن هم في سن الزواج . ومن حق هذه الملايين ، مسلمين وغير مسلمين ، النظرللرئيس كقدوة نموذجية ،.وبخاصة أن شباب تشاد هؤلاء من أكثر الشباب تضجرا من واقع الحال ببلادهم اذا أعتبرنا أحتلال تشاد مركزا متقدما (188) من أصل 220 من البلدان الطاردة لشبابها ، لذا فان غالبيتهم أخذت بخيار الهروب للخارج، بلسان حال يقول لأي مكان ولو كان السودان ! ولاترانا بحاجة لأستذكار مافعلته الفاقة والعوزوالشكوي من البطالة والفساد بدول مجاورة لتشاد..
المتوسط العمري معيار خطير لأنه يظهر شبابية الاجيال ويبلغ متوسطه بتشاد أقل من 18 عاما للجنسين أما أن أمعن شباب تشاد المسلم في أمر أرقام المهر ، فان الامر ، بلا محالة ، أنكأ وأمر ! حينها، كيف ستقرأ تلك الجموع المليونية سيرة السلف الصالح وفقه الاسوة الحسنة بعين ، وتتابع بأخري أرقام غينس التي حلل بها "ولي أمرهم " زوجته الرابعة بالخرطوم ؟ ففي المقارنة بلا شك تتوفر مشقة التناقض . , وربما يكون الرقم الفلكي لرعية تشاد المسلمة سببا ان هي فحصت واقع حياتها المزري وتصفحت سيرة نبيها الكريم وعرفت ، مثلا، ان صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته في حدود خمسمائة درهم ،بل زوج امرأة على رجل فقير ليس عنده شئ .من المال ، بما معه من القرآن ، بعد أن قال له : " التمس ولو خاتماً من حديد " ، فلم يجد شيئاً [ متفق عليه ] .
*هنا تشاد :دخل الفرد أقل من دولارين وطبيب لكل 250 ومراكز عالمية في البؤس:
واذا ماتركنا الاسلام جانبا ونظرنا لمآلات تشاد ولعموم أهلها ، مسلمين ومسيحيين وملاحدة ، وماتعني قيمة المهر والنفائس التي رافقته كهدايا للعروس ، من منظور( تكلفة الفرصة البديلة)، تأكد مأساة المال العام المبدد وتكشفت لنا استدارة حلقات الخطب الجلل . مدخلنا لذلك "فكرة" الرقم السحري للمهر.لماذا هو 26 مليون دولار وليس 25 مثلا ، أو 30مليونا حتي ؟ تقول الروايات أن الرقم جاء مطابقا لعمر العروس : مليونا يحك المليون الأخر عن كل عام من عمرها المديد باذن الله . وحاشانا أن نطعن في مدي استحقاقها لأي مبلغ من المال .فالسيدة أماني موسي هلال سليلة أسرة موسعة الثراء ، ولم تكن علي "باترينة" العرض لتشتري بل وأن ماحباها الله به من جمال وهيئة بهية ورزانة عقل وطلاقة في اللسان ورصانة في المنطق "مما قرأنا لها من حوارات" يكفي لالغاء دعوي الأستكثار هذي. ونحمد الله أن العريس لم يمهرها بسنوات عمره هو لأن ماسنعرض له كان سيكون أكثر ايلاما في بلد يعني فيه الدولار أكثر من نصف يوم عمل ، لمن يعمل ، أما للعطالي فالدولار الواحد هو الفارق مابين الحياة والموت ! كثير هو الذي سنعجز حتما علي تفسيره ، الا اذا دفعنا بسوء الادارة والفساد والتخبط ، فشعب تشاد يعيش منه 80% دون خط الفقر(بأقل من دولارين في اليوم) حسب أحصاءات عام 2001 .وحتي هذا المواطن الذي يصل معدل دخله السنوي 1600 دولار ( وهو الاسوأ في العالم حيث تحتل تشاد رقم 198 )، فانه مفروض علية تغذية الخزينة العامة بجبايات وضرائب أسهمت في ميزانية 2010 بما نسبته 25.7% من الميزانية العامة ! وهذا ماجعل تشاد تحتل بجدارة المركز 122 في العالم من حيث المعاناة الضريبية ! وبرغم ذلك ، فان تشاد ضمن (طيش) العشرة الاواخر من بلدان كوكب الأرض من حيث عجز الميزانية الذي قدر بما نسبته 11.6%(سلبا) في قيمة التاتج المحلي الاجمالي لعام 2010 وفي الوقت الذي تصل الايرادات الي 2.019 بليون دولار الا أن الصرف يتجاوزها ووصل في عام 2010 الي 2.929 بليون دولار.....!
ولنستزيد من الارقام المرعبة التي تبين أن الدولار في تلك الديار ينتظره من هو أكثر أستحقاقا له للبقاء علي قيد الحياة بدلا من "تنقيط " رزم منه علي رؤوس من أطربوا تلك الليلة بالخرطوم .
تحتكر تشاد الرقم الثالث في معدلات الوفاة عند الوضوع حسب بيانات 2008، فيقضي الموت علي 1200 روح سيدة وجنينها من كل 100 ألف نسمة ! وبالرغم أنها البلد رقم 13 في العالم في معدلات الولادة ، الأ أن من يموت من هولاء الأطفال حديثي الولادة يمثلون 100 من كل ألف مولود مما أوصلها للمرتبة التاسعة عالميا في هذا الازهاق الجماعي للأرواح البريئة .واذا تحدثت عن صحة الامهات والمواليد فأعلم أن مؤشر البؤس (معدلات أوزان الأطفال ممن هم دون سن الخامسة )يقول أنه لا يتفوق علي تشاد الا 11 بلد منكوبا ! أضف لذلك أن أطفال هذه الشريحة من منتظري الموت ، فيمثلون أكثر من ثلت أطفال تشاد (33.9% وفق تقديرات 2004).أما ان سألت عن نسب الوفيات العامة فهي البلد السابع دوليا في الموت الزؤوم من أصل 233 دولة !
بيانات الدولة ، لاغيرها، هي وحدها الكفيلة بتفسير هذا النشاط الدؤوب لملائكة الموت الموكلين في تشاد.فقد تم تخصيص 7% (فقط) من التاتج المحلي الاجمالي للصرف علي الصحة العامة ،بكل مرافقها ،عام في 2009 ..لايوجد سوي 4 أطباء لكل 1000 نسمة ولا أكثر من 43 سرير بالمستشفيات لكل 1000 مريض ولا يتوفر 33% من سكان المدن علي مياه صالحة للشرب الادمي بينما يعاني قرابة 60 % من سكان الريف من ذات المشكلة !وبالنتيجة ، يعيش عوام التشادييين أحصائيا عمرا " أفتراضيا" يبلغ 49.33 عاما فقط (تصنف عالميا برقم 218) في قائمة لا يفصلها عن المؤخرة الا 3 بلدان فقط هي ترتيبا نايجيريا ، أفغانستان وأنجولا!
الامراض ، وماأدراك مالامراض ! فالاسهالات قاتلة لسوء نوعية ماء الشرب . وبالتالي فان الكوليرا والتايفويد والملاريا هم ثالوث الاسلحة المدمرة للصحة العامة بتلك الديار .لنطرح جانبا هذا الثالوث من الامراض المستوطنة ونستعرض أحدث الامراض عمرا وأكثرها فتكا (وأكثرها سهولة في المحاربة بالتوعية)، لتبيان علاقة التعليم والفقر بالموت . انه مرض نقص المناعة المكتسبة المعروف أختصارا بالايدز، حمانا بالله ..في هذا تحتل تشاد 3 مواقع "متقدمة " بأرقام 2009 أولا، انتشار المرض في شريحة البالغين بلغ 3.4% مما أجلس الدولة في الترتيب 19 عالميا ( متفوقة علي الصين والهند والولايات المتحدة ، وكل واحد من هؤلاء العملاقة يفوقها سكانيا بسنوات ضوئية)، وثانيا ، في عدد المصابين فوجود 210 ألف نسمة يعيشون بالايدز جعلها البلد رقم 26 في ذات القائمة ،أما من منظور عدد الموتي الذين بلغوا 11 ألف نسمة ، فانها رقم 24 عالميا! ولنتذكردوما أننا نتحدث عن بلد لم يصل تعداد سكانها 11 مليون من الأنفس الي يومنا الماثل هذا ! في بند الصرف علي التعليم ، فان تشاد لها أرقاما قياسية أيضا .فقد أنفقت حكومتها الرشيدة في ميزانية 2009 مانسبته 3.2% علي التعليم فاستحقت ، عن جدارة ، الترتيب رقم 124 في العالم من حيث شح الانفاق علي حقل التعليم ويزول الاستغراب ان علمنا أن 74.3 من سكانها يسبحون في أمية عدم القراءة أو الكتابة بأي من اللغتين (العربية والفرنسية) ! ثلاثة أرباع الامة في ظلام دامس...تصور !
هل يعقل أن تكون الصورة الاقتصادية بهذه القتامة لبلد انتج في عام 2010 نفطا جعله رقميا ميحتلا للمقعد رقم 49 في في نادي الدول المنتجة النفط ؟ بل هو أيضا يصدر القطن والماشية والصمغ العربي وأنتج ، قبل عامين، 126.200 ألف برميلا نفطيا يوميا وصدر منها 115 ألف برميل يوميا ! أين ذهب ويذهب العائد ؟؟؟ بل ، وهذا أهم ، أين ياتري ستذهب عوائد أحتياطاته البترولية المؤكدة التي قدرت في 2011 بأنها تبلغ 1.5بليون برميل - البلد رقم 37 في العالم من حيث الاحتياطي المؤكد!تتعين الاشارة الي أن القطاع الزراعي يسهم بحوالي 52% في الناتج المحلي ،بأرقام 2010، ويتعيش علي الزراعة 80% من السكان بالريف .بدأ انتاج النفط تجاريا في 2003 ، وتزايد الصادر منه بدءا من 2004 بعد ن استثمرت شركات أمريكية 3.7 بليون دولار لتنمية المخزون وأقامت أنبوبا ناقلا طوله 300 كيلومتر لأول مصفاة بترول...لكن ؟
منذ أستقلالها في 1960وتشاد ترضع من ثدي المعونات الدولية بلا فطام حتي وبعد تجاوزها العقد الخامس !فالمعونات الخارجية تفعل أي شئ وكل شئ من مهام الدولة بدءا من تمويل خطط التنمية ، والي التغذية الوريدية المباشرة لجوعي الجفاف والمجاعات ..وحتي لشن الحروب ! ومع تقلبات السياسة الخارجية وحكام البلاد ظل الثابت الوحيد هو(جيب)العالم الخارجي بحضور كبير تنوع من رشوة للمتمردين ليصبحوا حكاما ، أوسحب الغطاء من الحكام ليصبحوا متمردين ، أو أنهاء سياق طموحات من أنتهت صلاحيتهم من الجانبين . وبالنتيجة ، ظل شعبها يدفع فاتورة كل هذه الكلف من حروب ومجاعات وسفه اداري وسياسي : كالتي شهدنا في خرمومنا قبل أسبوعين.فبرنامج الغذاء العالمي في عام 1985 أدرج تشاد كأكبر متلقي لشحنات الاغاثة في العالم ، وفي 1987 تلقت تشاد30 ألف طن بلغت قيمتها 250 ألف دولار. بالبداهة ، هذا الرقم يمثل أكثر من عشر المهر "مع اغفالنا للهدايا الماسية وتكاليف الزواج وحفلاته ومارافقها من اعدادات لوجستية مكلفة!"
وأخيرا...... ومادام أننا نتحدث عن الرفاهية السالبة ( أو الفارغة ، لايهم، فليس من فارق قاطع)، حري بنا التعرض لخدمة التيلفونات في تشاد التي بلغ عدد من ينعمون بها (51,200) الف مشترك فقط في عام 2010 –وهو المعدل العالمي الأسوأ الذي أجلسها عند المركز 161 من أصل 229 بلد. هذا الواقع لا يشير الي سوء الخدمات فقط ، بل يظهر بجلاء ان تشاد تحت ادارة "نسيبنا" من منظور الاتصالات هي قرية خارج أسوار القرية العالمية التي نعيش فيها ، فهناك 5 شركات للانترنت يقبل علها 168,100 الف نسمة مما يرجح أن الزواج الميمون وماكتب عنه في الاسافير ، بما فيها هذه المقالة، ربما لم يسع به الا شخصين من كل مائة تشادي ، بينما شبع وطن أهل العروس من "شمارات" الأرقام القياسية!
[email protected]
.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
من الوريد … إلى الوريد..!ا February 5, 2012
معاوية يس
ما أَمضَّهُ من شعور: أن تملأك الحسرة، ويتغشاك الأرق، ويفيض بك الإحساس بالقتامة والعدم، ولا يملك مثلي من السودانيين غير أن يثكل مع الشاعرة السودانية، التي صاحت وهي ترى زوجها وولدها وأهلها قتلى في ميدان المعركة: «نوح من دا الخراب… وتاني نوح من دا الخراب» وهل ثمة خراب غير ما نحن فيه الآن؟! والأشد زراية ونكاية أنه مع خراب الأنفس والديكتاتورية والفساد والضلال والافتراء على الله ودينه، يأتينا الخراب الأكبر من الولايات المتحدة وحلفائها الذين لا يريدون بنا ولا بديننا خيراً، ولن يجدوا فرصة مواتية، ومصلحة أكبر من أن يشتروا بأثمان بخسة شريحة من مسلمي السودان ترفع راية «ثورة الإنقاذ الوطني» ليحققوا من خلالها أهدافهم القديمة والمتجددة.
ومثلما حدث في بلاد السودان قبل نحو 1700 عام، هاهم مواطنو الدولة السودانية يتفرجون على وطنهم وهو يذبح من الوريد إلى الوريد، غالبيتهم يكتفون بالفُرجْة، وقلة منهم يتألمون لكنهم عاجزون عن فعل شيء، وبعضهم غارق في أوهام الأمل بأن السياسة يمكن أن تصنع المستحيل، وبأن الله سيبعث في السودانيين منقذاً ينجيهم من هلاك يرونه رأي العين مقبلاً عليهم.
يعتقد مخططو السياسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة أن حكومة محفل الرئيس عمر البشير هي أفضل قناة لتمرير المصالح الغربية، خصوصاً مخطط تقسيم السودان. وهو مخطط لن توقفه أي ثورة عربية أو سودانية. ونجحت عملية شراء ذمم أقطاب المحفل السوداني الحاكم بطمأنتهم إلى وعود أميركية بعرقلة أي مساعٍ دولية للقبض على البشير وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، وبعدما تبين للولايات المتحدة أن الزعيم الجنوبي الراحل الفقيد جون قرنق كان سيعيد صياغة وحدة الأرجاء السودانية على أسس جديدة، تكفل قيام دولة تراضٍ سودانية فاعلة، تم في ظروف لم يتضح غموضها حتى اليوم التخلص من قرنق في حادثة سقوط مروحية خاصة بالرئيس الأوغندي يويري موسفيني في عام 2005. وبعدما اتضح أن زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور (غرب السودان) الراحل خليل إبراهيم ماضٍ إلى تحالف يهدف إلى توحيد المجموعات العرقية بهدف الزحف إلى الخرطوم، وتغيير النظام بالقوة، لضمان دولة سودانية موحدة تساوي بين مواطنيها أمام القانون وفرص الحكم والتوظيف، بما في ذلك الأمل الباقي في نفوس السودانيين بأن تمكن العودة إلى الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي، تمت أيضاً في ظروف غامضة تصفية خليل إبراهيم في غارة لم تعرف هوية الطائرة التي شنتها، ولا هوية الدولة التي صنعت أجهزة التصويب وتحديد المواقع التي استخدمت في تنفيذها.
للرئيس البشير ألف حق في أن يعتقد بأن حادثتي الاغتيال المذكورتين ليستا سوى رد لجميل أسداه للولايات المتحدة يوم أبعد زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن من الخرطوم، ويوم فتح أضابير جهاز الأمن والمخابرات لضباط الاستخبارات الأميركية، وباع لهم حلفاءه من متطرفي الجماعات الإسلامية. بيد أن مشكلة الرئيس السوداني تكمن في أنه أضحى يفكر بعقلية المحاصر الذي تطارده قبضة العدالة الجنائية الدولية. ويطارده في الوقت نفسه الرعب من أن ينقلب عليه أقطاب محفله إذا سوّلت له نفسه تسليم وزرائه ورجال عَسَسِهِ المتهمين بارتكاب الفظائع في دارفور.
وفي سياق عقلية الحصار والرعب من الشركاء، باع البشير وحدة التراب ليحقق لنظيره الأميركي باراك أوباما حلم قيام دولة منفصلة في الجنوب السوداني، فتنطوي بذلك نهائياً ادعاءات النظام السوداني بأن الجنوب هو بوابة الإسلام إلى إفريقيا السوداء. ولم تشمل صفقة البيع وحدة التراب والباب إلى الإسلام وحدهما، بل تسلم المشتري معهما نفط السودان… الأمل الوحيد الذي يمكن أن يحقق له نهضة يستعيد بها نفوذه ويبسط بها التنمية ويعيد بناء ما دمره حكامه في الصحة والتعليم والإدارة المحلية والتجارة والصناعة.
بالأمس قال البشير، في حديث إلى التلفزيون الحكومي، إنه على رغم أنه كان منتصراً في الحرب على الجنوبيين، لكنه وافق على تمرير اتفاق السلام، ووقف النار، وإجراء الاستفتاء على تقرير المصير. لم يسأل الجنرال المنتصر نفسه كيف سمح لجنرالات مهزومين أن يكتبوا التاريخ ويصوغوا الجغرافيا ويعيدوا رسم الخرائط.
ها هي ذي عقلية الحصار والرعب من الشركاء ستقود الرجل إلى الركوع قريباً بإرادة ثلة من المخططين في أحد مكاتب البنتاغون ليمهر بتوقيعه مرسوماً يقبل بموجبه استقلال إقليم دارفور. وهي خطوة تنتظر نضوج الظروف الملائمة لتحققها: قيادة دارفورية واضحة في تمسكها بالانفصال، وعدم المساومة في رفض وحدة السودان، وإبداء انفتاح على الغرب حتى لو أفضى بأرض «المَحْمَل» إلى أن تقيم علاقات ديبلوماسية نشطة مع إسرائيل. وحين يأتي ذلك اليوم سيكون البشير أدى دوره المرسوم في ذلك المكتب داخل مقر البنتاغون. وخيارات التخلص منه وفيرة، فثمة من سيقترح إرسال فرقة من كوماندوز البحرية الأميركية للقبض عليه وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وثمة من سيوعز للذمم التي اشترتها واشنطن أصلاً في قصر البشير وقيادته العسكرية بقتله بأبشع وسيلة. وثمة من سينادي بالإبقاء عليه مهيناً محكوماً بعقلية الحصار والرعب ليمرر بقية البنود الغربية لضرب الإسلام والعروبة في ما سيبقى من السودان.
المؤسف أن غالبيتنا لا نملك حيلة سوى التفرج على هذا الخراب الذي ينتاشُ عمارتنا لَبِنَةً فَلَبِنَة. إلا إذا تنادينا وصرنا على قلب رجل واحد لتعم الثورة الشعبية بلادنا من أدناها إلى أقصاها. وهو خيار وحيد يتطلب تضحيات جَمَّةً ودماء زكيةً، وجَلَدَاً على ما سيحيق بنا من نقص في الأنفس والولد والثمرات. هل صحيح أننا بحاجة إلى معارضة لتقودنا إلى تلك المرحلة الحاسمة في مسار وطننا؟ ها نحن نعي ما هو محدق بنا من خطر ودم وفناء وتشجيع على الاقتتال لتتم تصفيتنا بأيدي شرذمة مارقة من بني جلدتنا. ألا يكفي ذلك الوعي لتنظيم الانتفاضة في مجاميعنا بحثاً عن خلاص؟ أم أفضل لنا أن نواصل التفرج على رئيسنا وطغمته وهم يمررون للغرب صفقاته على حساب وحدة ترابنا، ومستقبل أجيالنا، وثبات عقيدتنا؟ صحيح أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيتخلصون من البشير وأقطاب محفله في نهاية المطاف، لكن الدولة السودانية المقبلة بعد البشير لن تكون من صنعنا، ولن يكون لنا فيها خيار سوى الإذعان لدستورها وقادتها وسياساتها. وسيحق للبشير وأعوانه أن يدعوا أمام الله والتاريخ شرف إعادة الاستعمار إلى السودان وتمزيقه… نوح من دا الخراب… وتاني نوح من دا الخراب.
* صحافي من أسرة «الحياة».moawia
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
في الازمة السودانية: كل الرسائل لا تصل إلى الرئيس د. عبدالوهاب الأفندي 2012-02-06
في الثورات التي تفجرت في بلاد العرب طوال العام الماضي، وقبل ذلك في انتفاضة نيسان/أبريل في السودان عام 1985، كانت خطابات الرؤساء بمثابة الزيت الذي صب على نار الانتفاضات فزادها التهاباً. ولهذا كان الثوار على حق حين شكروا الرؤساء على مساهماتهم المقدرة في إذكاء نار الثورة بإظهارهم الفجوة الكبيرة التي تفصلهم عن الواقع من جهة، وعن الأمة وآمالها وآلامها من جهة أخرى. وكلنا تابع ويعرف آثار خطابات الرؤساء بن علي ومبارك والقذافي وابنه والأسد، حيث كانت من أهم العوامل التي قوت عزيمة الثوار على الثبات والاستمرار في المواجهة.
من هذا المنطلق، لا علم لي بمن زين للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير الخروج على الشعب السوداني بتصريحاته التي أوردها في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه يوم السبت الماضي، وبثت على القنوات المملوكة للنظام في الداخل والخارج، فهي بالقطع لم تصب في مصلحة النظام، وقد هزت ما بقي من الثقة فيه. ففي المقابلة التي استمرت قرابة الساعتين، وجه الرئيس انتقادات لجنوب السودان ولأنصار الحزب في دارفور ومن الإسلاميين، كما قلل من معاناة ضحايا سد مروى، واستخف بمطالبهم وبالمعاناة التي ولدتها الازمة الاقتصادية الراهنة لغالبية السودانيين، وسفه الاحتجاج المتصاعد حول الفساد. وقد ترك الخطاب انطباعاً عاماً غاية في السلبية، ويشي بأن كل الرسائل التي وجهت إلى الرئاسة خلال الفترة الماضية لقيت أذناً صماء، سواءً أكانت تلك رسالة طالبي الإصلاح من أنصار النظام، أو عضوية الحزب في دارفور، أو المنتقدين لتوسع الفساد وتفاوت الدخول، أو المعتصمين في حاضرة ولاية نهر النيل، أو من حملوا السلاح في النيل الازرق، وغيرهم من أصحاب المطالب والمخاوف. وهذه رسالة خطيرة، لأنها تشي بأن كل السياسات التي أدت بالبلاد إلى أزمتها الحالية، وقبل ذلك إلى أزماتها وحروبها ومصائبها المتوالية طوال العقدين الماضيين، لن تتغير، مثلما أن الأشخاص الذين أشرفوا على تنفيذ هذه السياسات المدمرة مقيمون ما أقام عسيب، بدون حساب أو مساءلة. على سبيل المثال رفض الرئيس في المقابلة انتقادات التهاون في مقارعة الفساد، محتجاً بأن حالات الفساد محدودة، وأن كل الحالات التي أثيرت تم التعامل معها بحسم قانوني. وطالب بأن يقدم كل من لديه بينة ضد المفسدين الأدلة إلى الجهات المعنية، لأن الدولة لا تأخذ الناس بالشبهات. مثل هذه الحجة تكون مقبولة لو أن الدولة فعلاً كانت لا تأخذ الناس بالشبهات. يكفي أن نائب الرئيس الحالي الحاج آدم يوسف ظل لفترة هارباً من العدالة بعد أن اتهم بالضلوع في محاولة انقلابية، وشهر به وقتها في الإعلام، قبل أن توجه له التهمة جهة عدلية أو قضائية. ثم بعد ذلك اتضح أن التهم غير صحيحة، وسمح للرجل بالعودة إلى البلاد وممارسة حياته الطبيعية. فالدولة تأخذ الناس بالشبهات حين يروق لها، وحين تحجم عن ذلك فلأمر تراه.
ولكن إشكالية 'الفساد' الذي كثر الحديث عنه أكبر من ذلك، لأن الفساد المقصود ليس هو قيام شخص بتحويل المال العام إلى المنفعة الخاصة، بل السياسة الرسمية التي تخلق أطراً تخلط بين الخاص والعام، وتقنن للفساد والمفسدين. ومن ذلك تعيين كثير من الأشخاص من غير المؤهلين في مناصب عليا، مع تولية المهام الفعلية لغيرهم، والتداخل بين الشركات والمؤسسات المملوكة مباشرة أو بالوكالة للدولة أو الحزب أو المؤسسات الأمنية والعسكرية، أو لأقارب المسؤولين أو لأنصار الحزب، وبين مؤسسات الدولة وأشخاص القائمين عليها. وهذه المعلومات متوفرة للدولة، لأنها تعرف من هم القائمون على شركات مملوكة لأقرباء هذا المسؤول أو ذاك، وكيف تقع التجاوزات في منح العقود الحكومية لمثل هذه الشركات. ولو أرادت الدولة إنهاء هذه الظواهر لما أعياها ذاك. أما مطالبة المواطن العادي الذي لا يملك المعلومات وليست لديه القدرة على مطالبة المؤسسات بالكشف عن حساباتها، بأن يكون هو من يكشف الفساد والمفسدين، فهو تعجيز وتهرب من المسؤولية. بل قد يفهم منه أنه محاولة للاستمرار في التستر على الفساد. وهذا يقود إلى مسألة حكم القانون واستقلال القضاء، وهي أحد أهم مطالب مذكرة الإسلاميين، إذ لوكان القضاء مستقلاً والأجهزة العدلية قائمة بواجبها، والشفافية متوفرة في منح العقود والتعيين في المناصب، لما كانت هناك حاجة للحديث عن محاربة الفساد. ولكن الرئيس رفض المذكرة، بل توعد بمحاسبة من صاغوها ووقعوا عليها. وفي ترداد لما قاله الرئيس جمال عبدالناصر في خلافه مع الإخوان بأن 'لا وصاية على الثورة'، رفض الرئيس ما يراه 'وصاية' من جهات لم يحددها على الحزب والنظام. الفرق بالطبع هو أن الإخوان المسلمين لم يكونوا هم من ولوا عبدالناصر السلطة، بخلاف البشير. وممارسات السلطة الحالية محسوبة على الإسلاميين، ولو أن النظام أعلن براءته من الإسلام والحركة الإسلامية، لنزل ذلك برداً وسلاماً على كثير من الإسلاميين الصادقين الذين يتمنى كثير منهم لو أن أوزارها حطت عن ظهورهم. وفي التعليقات التي وردت من شباب الإسلاميين على مقابلة الرئيس كان التساؤل: من الذي يحاسب من؟
في مقام آخر، تناول الرئيس حالة أصبحت نموذجية في تحويل تجارب النجاح القليلة للنظام إلى فشل ذريع، ألا وهي حالة تفجر الغضب في نيالا، حاضرة جنوب دارفور، بعد إبعاد الوالي المنتخب عبدالحميد موسى كاشا. فقد كان كاشا أحد ولاة المؤتمر الوطني القليلين الذين تمكنوا من بناء شعبية قامت على الاستجابة لتطلعات ومطالب أهل الولاية. وقد أدى إبعاده إلى إهدار هذا الرصيد السياسي وتحويله إلى رصيد سالب، بحيث لم يفقد الحزب فقط حصاد ما زرعه كاشا، بل أصبح أمام أزمة جديدة خلقت شرخاً في داخل الحزب نفسه. وكان تعليق الرئيس اتهام كاشا وقادة الحزب بتأجيج الأزمة من أجل مصالحهم الشخصية، وقدح في نزعة كاشا الاستقلالية. وإذا صح تحليل الرئيس، فإن الأزمة أكبر مما كنا نتوقع، لأنه يعني أن كل قادة المؤتمر الوطني في الولاية هم انتهازيون لا تهمهم سوى مناصبهم، وأن كل مواطني نيالا رعاع ودهماء، قابلون للخداع من قبل هؤلاء الانتهازيين.
وفي رأي الرئيس كذلك فإن الحكم الاتحادي هيكل أجوف لا معنى له، وأن الوالي المنتخب يجب أن يأتمر بأمر المركز، لأن الحزب هو الذي رشحه. (هذا مع العلم بأن سيادته قد رفض في سابق حديثه الاستماع لرأي الحزب ومطالبة أعضائه بالإصلاح). ولكن القضية التي أظهر فيها سيادة الرئيس حجم عزلته الكاملة عن الواقع كانت تناول قضية المناصير، واعتصامهم الذي دخل شهره الثالث مطالبين بحقوقهم. فمن جهة رفض الرئيس بأن للمهجرين حقوقا أصلاً، وقال إن ما تقدمه لهم الدولة هو منة. ومن جهة أخرى اتهمهم بالطمع والتحايل. ومن جهة ثالثة كرر تكليفه للولاية بحل مشكلتهم، ولكنه رفض باصرار منح الولاية الصلاحيات القانونية أو المالية لأداء هذا الواجب.
وتزداد غرابة هذه التصريحات من كون السيد الرئيس قد زار المنطقة بنفسه في كانون الثاني/يناير من عام 2009، ورأى بأم عينه ما حل بأهلها وقال عندها بالحرف الواحد: ' نحن طايرين بي فوق شايفين الحال شايفين الخيم شايفين الحلال الغرقانه والبيوت الغرقانه شايفين الحال ما عاجبنا. والله ما نرتاح إلا لما كل واحد يكون عنده بيت وبيت صحي وعنده خدمات تعليم وخدمات صحه وخدمات مياه ومشروعات اعاشه ونحن معاكم لغاية ما نحل مشاكلكم كلها ولغاية ما تقولوا نحن ما عندنا مظلمه تاني ونرفع شهادتنا لله.' ورصد وقتها مبلغ أربعة ملايين جنيه للإغاثة العاجلة، لم يصل منها حتى اليوم، وبعد أربع سنوات، مليم واحد للمتضررين، ولم تسكن حتى اليوم أسرة واحدة في منزل.
وقد أعطى الرئيس الانطباع بأن الخلاف بين المناصير وإدارة السد يتعلق بقيمة التعويضات، وأن الطمع كان دافعهم. وفي حقيقة الأمر فإنه لا خلاف حول قيمة التعويضات، بل إن إدارة السد، كجزء من سياسة الفساد والإفساد (خلافاً لما صرح به سيادته من حرص على المال العام بزعمه) تدفع بسخاء لمن يقبل بالهجرة إلى المواقع الصحراوية التي نفت إليها المهجرين، بل إنها قد صرفت أموالاً طائلة لغير المستحقين، بحيث أن هناك أربعة آلاف أسرة على الأقل لم تتلق تعويضات بحسب احصائيات الاستئناف. ومشكلة المناصير مع الحكومة هي أنها تريد أن تهجرهم قسراً من أرضهم، ولا تريد أن تفي بوعودها لهم بتوطينهم حيث يريدون. وإذا كان هناك استنتاج من حديث الرئيس فهو أن المناصير لن ينالوا حقوقهم إلا تحت قيادة رئيس جديد، وبنفس القدر فإن الحكم الاتحادي الحقيقي والإصلاح السياسي داخل الحزب والدولة لن يتحقق منها شيء تحت القيادة الحالية. وعليه فإن مطالب الإصلاح والمذكرات وغيرها لن تجدي شيئاً، ويجب من الآن أن يتجه الجميع نحو هدف التغيير الجذري. ولا يضير المناصير شيئاً أنهم لن ينالوا حقوقهم بعد بانت الحقيقة وانكشف الزيف.
فقد كما في الماضي نتهم إدارة السد بأنها رأس الإجرام في الحرب المزدوجة على ضحايا السد، ولكن اتضح من تصريحات الرئيس أنه شخصياً يقف بصلابة خلق تلك المواقف، وأن لم يكن يوماً جاداً في ما وعد به في السابق. مهما يكن، فإن الملحمة النضالية التي سجلها المناصير بمواقفهم الصلبة المشرفة ونضالهم السلمي، هي مكسب أهم من كل حق ضائع. لأن رفضهم الظلم والإذلال، ووقوفهم الجماعي الصلب وراء قيم العدل والخير، قد سطر اسم المنطقة والقبيلة بأحرف من نور في سجل إنجازات الشعب السوداني. فالبيوت ستبنى، والمواطن ستعمر، شاء من شاء وأبى من أبى، وطال الزمن أو قصر. ولكن الأجيال القادمة في كل السودان ستذكر إلى الأبد هذه الملحمة النضالية الوضيئة التي تسجل اليوم في أرض المناصير وفي الدامر، وقريباً إن شاء الله في العاصمة. أحد الشباب كتب معلقاً في صفحة الفيسبوك بعد مقابلة الرئيس: 'عسى ان تكرهوا شيئا وهو خيرلكم - ما ادراكم يا مناصير وانتم ترجون الخيار المحلي وقد ادخركم الله للسودان كله؟' وعلق آخر في نفس الصفحة في تلميح إلى الآية الكريمة حول أهل بدر، وفيها: 'وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته.' وصدق الله العظيم.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
الفساد.. قوة العين .. وإزدراء الشعب السوداني!! ..
بقلم: إبراهيم الكرسني الأربعاء, 08 شباط/فبراير 2012 09:19 لقد أصبت بحالة من الإعياء الشديد، لدرجة الغثيان، وأنا أستمع للقاء السيد عمر البشير المباشر مع القنوات الفضائية الثلاث مساء الجمعة الماضية. يمكن إعتبار اللقاء مثالا صارخا لقوة العين التى يتميز بها جميع قادة الدولة الرسالية دون إستثناء، والتى وصفناها فى عدة مقالات سابقة بأنها صنعة إنقاذية خالصة. هنالك عدة أمثلة ونماذج من حديث البشير يمكن أن ندلل بها على قوة العين هذه، ولكننا سنكتفى بإيراد مثال واحد فقط فى هذا الخصوص، يمكن أن يكون كافيا لإصابة كل من يقرأه بحالة إكتئاب قاتلة، إن لم يكن بإرتفاع الضغط، ونسبة السكر فى الدم معا. ويستر الله على الأصحاء من القراء الأعزاء! هذا المثال لا يؤكد قوة عين قادة البدريين فقط، وإنما يقف دليلا صارخا كذلك على مدى إستهبال قادة الدولة الرسالية وإزدرائهم لعقول كافة بنات وأبناء الشعب السوداني. هذا المثال يتعلق بالفساد وما أدراك ما الفساد. نعم أتى البشير ليكرر على مسامعنا نفس الحديث الممجوج الذى ظل يكرره، دون كلل أو ملل، طيلة السنوات السابقة والذى يدور محوره حول، "البلد ما فيها فساد، والعندو بينة فليقدمها للجهات المختصة لإتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها". هذا الحديث يعني أحد أمرين: إما أن يكون السيد البشير لا يدرى ما يدور فى أروقة دولته الرسالية، وهذه مصيبة. أو أن يكون شريكا أصيلا فى معظم حالات الفساد التى يعرفها القاصي والداني من عامة الناس، وهنا تكون المصيبة أكبر.
هل يعقل أن السيد البشير لم يسمع بمبلغ الثلاثمائة مليون جنيه التى سرقت من منزل السيد قطبي المهدي، القيادي بالمؤتمر الوطني، حينما كان فضيلته يؤدي شعائر العمرة بمكة المكرمة، مما أضطره للعودة سريعا للسودان، ويقطع زيارة دينية جليلة، ليتابع أمرا دنيويا خالصا، على الرغم من أن فضيلته قد أصم آذاننا بصياحه ليل نهار، وكذلك بقية زملائه من البدريين، بشعار "هي لله...لا للسلطة...ولا للجاه"؟ وهل يعقل أن السيد البشير لم يسمع بتفاصيل المبلغ المذكور التى نشرت فى جميع الصحف السيارة، والذى يتكون من عدة عملات منها الجنيه السوداني، واليورو، والفرنك السويسري، والليرة اللبنانية وكذلك السورية، والجنيه المصري، والريال السعودي، والجنيه الإسترليني وأخيرا ’سيد شباب العملات‘ الدولار الأمريكي؟ بربكم هل هذا منزل مسؤول كبير فى الحزب الحاكم وجهاز الدولة، أم مكتب لصرافة العملات الأجنبية؟
هل يعقل أن السيد الرئيس لم يطلع على كل هذه الحقائق من الصحف التى يزعم بأنه يقرأها، أو يكلف مكتبه الصحفى برصد جميع ما يكتب بها عن الفساد، حتى يتمكن هو شخصيا من متابعته، وإتخاذ الإجراء اللازم بشأنه، كما زعم فى مقابلته المذكورة؟ بل هل يعقل أن السيد الرئيس لم يكحل عينه بهذه ’البينات‘، والتى تدحض الشائعات التى زعم سيادته بأن الصحفيين يروجون لها، لا لكشف الفساد أومحاربته، وإنما لشئ فى نفس يعقوب، كما أفاد بذلك الصحفى ’العبيط‘، الذى زعم أنه قد كتب ما كتب حول الفساد لأنه قد "شاف الناس كلهن قعد يكتبوا كده"، حينما إستدعي من قبل الجهات المختصة ليستوضح منه حول مقالاته عن الفساد، أو كما قال؟
قضية ’أموال‘ السيد قطبي المهدي يعرفها كل من يعرف ’يفك الخط‘ فى بلادي، إلا السيد البشير الذى لا يزال يطالبنا بمده بالبينات حول قضايا الفساد حتى يتمكن من إتخاذ الإجراء المناسب بشأنها. ليس هذا فحسب بل إن السيد البشير يزعم بأنه سيسائل كل من ’سرق‘ أموال الشعب، والذى يعرف عند قادة الدولة الرسالية بإسم الدلع، "الإعتداء على المال العام"، وكأن ما يحدث من نهب و’لغف‘ لموارد البلاد هو مشابهه لمشاجرة بين أطفال يمكن وصفها بالإعتداء و العدوان...فتأمل! لم يحرك السيد البشير ساكنا حول هذه القضية بالذات، ليس فقط لأنها قضية فساد تتعلق بأحد قياديي دولة ’البدريين‘، وبالتالي فهي تستوجب إهتمامه الشخصي، ليس لأنه قد قال ب’عضمة‘ لسانه بأن ليس هناك كبير فوق القانون، أو أنه ليس هنالك كبير على المحاسبة، مهما كان موقعه، بل لأن السيد قطبي المهدي قد خرق القانون تماما حينما توصل الى تسوية مع ’سارقيه‘ خارج المحاكم. فأين الحق العام يا سيادة الرئيس فى هذه القضية، حتى لو إفترضنا أن تلك الأموال هى من حر مال السيد قطبي؟
إذن فالسيد البشير لا يغض الطرف فقط عن الحقائق و البينات المتعلقة بقضايا فساد كبار مسؤوليه ورجال دولته، وإنما يشجعهم كذلك على خرق القانون الساري فى البلاد، والدوس عليه بأحذيتهم، تأكيدا منه على أن دولة الفساد والإستبداد، التى رسخها على أرض السودان الطاهرة، هو وزبانيته، تعلو ولا يعلى عليها! وإذا ما تركنا قضية قطبي المهدي جانبا، بإعتباره من أكابر ’البدريين‘ الذين لا تسرى عليهم قوانين قادة الدولة الرسالية التى إستنوها بأيديهم، وأخذنا قضية فساد السيد مدحت، المستشار بوزارة العدل، فما هو يا ترى موقف السيد البشير، وآليات قصره، ومفوضيات فساده منها؟ هل سيطلب السيد البشير البينات حولها كذلك بعد أن قتلها الإخوة فى صحيفة السوداني، وبالأخص الأستاذ الطاهر ساتي، بحثا؟ إن فعل السيد البشير ذلك فسيثبت بالدليل القاطع، الذى لا يحتاج الى بينات، ضلوعه هو شخصيا فى ’تسونامي الفساد الرسالي‘ الذى مزق نسيج المجتمع السوداني، وأفقر شعبه، وكاد أن يتسبب فى إنهيار دولته، التى إضمحلت أصلا، حتى كادت أن تتلاشى، بفضل سياساته الرعناء فى جميع ميادين ومناحي الحياة.
إن وجود السيد مدحت على رأس عمله كمستشار بوزارة العدل حتى لحظة كتابة هذا المقال ، بعد كل ما كتب عنه، وبعد كل البينات التى قدمت ضده، يقف دليلا قاطعا على إزدراء السيد البشير، وجميع قادة الدولة الرسالية، لعقول بنات وأبناء الشعب السوداني. بل إن وجود السيد مدحت على رأس عمله حتى الآن يقف كذلك دليلا صارخا على مدى الإستهبال الذى يميز عقلية قادة ’البدريين‘، ومدى إستغفالهم للبسطاء من بنات وأبناء شعبنا حينما يغطون ممارساتهم الإجرامية تلك بغطاء من الدين الإسلامي الحنيف، أو يربطون مثل جرائمهم تلك بممارسات السلف الصالح، من أمثال العمرين العادلين، رضي الله عنهما، كما فعل السيد البشير فى إشارته لموقف الرسول الكريم(ص) بعد معركة حنين، حينما أشار للولايات الجديدة التى إستحدثها فى دارفور، وما إستتبعها من وظائف، وجيش عرمرم من الوزراء، والمستشارين، و الموظفين الجدد، وبالتالى إهدار المال العام، الذى يعتبر مسؤولا عنه بالدرجة الأولى، كغنائم وترضيات سياسية، بغض النظر عن مدى آثارها على تضخيم جهاز الدولة، وترهله، ومستوى أدائه!
ولكن ثالثة الأثافي تمثلت فى حديث السيد البشير حول الموقع الذى يحتله السودان فى مؤشر الشفافية الدولية، حيث يحتل دائما المواقع المتأخرة، حتى يكاد يكون "طيش" دول العالم فى هذا المجال. فماذا قال السيد البشير حول هذا الموضوع؟ كنت أتمنى لو لم يدل السيد البشير بدلوه فى هذا الشأن، إحتراما للموقع السيادي الذى يحتله،ولكنه أفصح فقال عجبا. لقد قال سيادته بأن السودان هو من الدول القلائل فى العالم، إن لم يكن الدولة الوحيدة، التى تقر بتقارير المراجع العام، وتنشرها على الملأ، وتناقشها فى البرلمان، بكل شفافية، فى ذات الوقت الذى تبني فيه منظمة الشفافية العالمية دراساتها ليس على تقارير الجهات الرسمية فى الدول، وإنما على تقارير المنظمات المدنية ذات العلاقة بهذا الشأن. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يشذ السودان عن جميع دول العالم ولا يسمح بمنظمات المجتمع المدني بمتابعة قضايا الفساد، وفضحها، ومحاربة المفسدين، و التعاون مع المنظمات المشابهة لها فى بقية دول العالم، حتى تستكمل دورها بكل وضوح وإقتدار؟ أم أن فتح مثل هذا الباب سوف يسمح للصحفيين الشرفاء من كتابة كلام ’ساكت‘ عن موضوع الفساد؟
ولكننا نقول للسيد البشير أن السودان لم يتفرد بهذا الموقف العجيب و الغريب حول قضايا الفساد و المفسدين لأن به دولة طاهرة وحكام صالحين نزيهين لا يمدون أياديهم الطاهرة الى المال العام،سواء كان بالإعتداء أو السرقة، وإنما لأن الإلتزام بمعايير منظمات عالمية، كمنظمة الشفافية العالمية، يعتبر إلتزاما بأفضل الممارسات التى توصل إليها المجتمع البشري فى هذا المجال. وإن عدم إلتزامكم بها لا يدل على تميزكم وتفردكم فى هذا الخصوص، وإنما على العكس تماما، فإنه يؤكد أن البون بينكم وبين الشفافية و محاربة الفساد، فعلا لا قولا، هو بمثابة البون بين السماء والأرض. بل إن عدم إنضمامكم لتلك المنظمات، والإلتزام بمعاييرها، يؤكد الحقيقة المرة والتى نعتبرها أمر من تراخيكم فى محاربة الفساد، وهي أنكم تفضلون أن تقبعوا فى ذيل الدول الفاسدة، بدلا من الإنضمام إلى تلك المنظمات، وإفتضاح أمركم، وكشف ممارساتكم الفاسدة، ونهبكم لثروات وأموال الشعب السوداني فى وضح النهار. لكن الأمر المدهش حقا هو دفاعكم المستميت عن جرائم الفساد، وذلك بإقراركم أن قضايا الفساد التى رصدها المراجع العام لم تتجاو بضعة وثلاثين حالة، وأن المبالغ المنهوبة لا تكاد تتجاوز الخمسة ملايين جنيه!
ثم أشار سيادته الى دور ديوان المراجع العام، وكيف أنه كان مهمشا فى فترات حكم ما قبل الإنقاذ، ولا يؤدى الدور المناط به، كما فى عهدهم الراشد. ولمجرد المقارنة، و التذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، نود أن نوضح لسيادته الحقيقة التالية حول ذمة قائد وطني واحد فقط، كنموذج للرئيس العفيف الطاهر لحقبة ما قبل كارثة "الإنقاذ". هذا الرئيس هو السيد إسماعيل الأزهري الذى كتب خطابا بخط يده الى السيد بشير النفيدى يطلب تسليفه مائة جنيه، ليستكمل بها باقى دينه منه حتى يصبح إجمالي المبلغ المستحق عليه مئتان وثلاثون جنيها بالتمام والكمال، وليس ثلاثمائة مليون مسروقة من قوت الشعب يا سيادة الرئيس. حدث هذا و السيد الأزهرى كان رئيسا للبلاد وقتها فى ظل نظام ديمقراطي منتخب، وليس سارقا للسلطة بليل!
إن أخشي ما أخشاه هو أن يطالبنا السيد الرئيس بالبينات و الدليل على صحة ما نقول. وإن كنا لا نستبعد ذلك إنطلاقا من قوة العين التى يدافع بها عن الفساد و المفسدين فى دولته الرسالية. وإن فعل ذلك فإنى أؤكد لسيادته بأن أي تلميذ فى مدارس الأساس السودانية سوف يمده بالوثيقة التى تثبت صحة ما أقول، من فرط إنتشارها كوسام يعلق على صدور رؤساء سودان ما قبل الإنقاذ قاطبة، وليس الزعيم الأزهري وحده.
8/2/2012م ibraheem karsani [ba
------------------
انتهاء سياسات التطهير والتمكين (1-2) ..
بقلم: محمد المكي إبراهيم الأربعاء, 08 شباط/فبراير 2012 07:16 Share4
اعلن الفريق البشير تخلي نظامه عن سياسة التطهير التي خربت بيوت الناس وشردتهم في الآفاق كما اضعفت الخدمة المدنية او بالاحرى قضت عليها قضاء مبرما إذ جاء عديمو الخبرة والموهبة ليجلسوا على مقاعد الخبراء والموهوبين من فطاحلة الخدمة المدنية والعسكرية فتخبطوا يمينا ويسارا وبدا عجزهم وفشلهم وفسولة رأيهم لكل ذي عينين بما في ذلك عيون ذويهم وارباب نعمتهم . لقد تأخر كثيرا هذا القرار ولن يذهب احد من اولئك المغتصبين او يحاسب بسببه اذ انهم قد ذهبوا قبل صدوره بسنوات الى التقاعد المريح فوق أكداس من المال المنهوب بل راح بعضهم يزين صورة نفسه بالوقوف – سرا او جهرا- ضد النظام وسياساته وذلك على مختلف الصور والاشكال متظاهرا بغيرة (كاذبة ومتأخرة عن موعدها) على مباديء الاسلام التي –حسب رأيهم- تلاعب بها الرمز السلطوي وزمرته ومؤيدوه وذلك كلام خارم بارم فقد ولغوا هم شخصيا في الضلال لعشرين عاما وبتلذذ تام والان لن تشفع لهم توبة غير نصوح عمرها بضعة شهور وليس دافعها خشية الله بل خشية الحساب والرغبة في الانتقام من المحسن الذي انفتحت عيناه فأوقف عنهم إحسانه .
لا اتهم البشير بالعقوق او التنكر للرجال الذين خدموه عبر السنوات الطوال فانه لولا خدمتهم لظل مرهوب الجانب عزيز المكانة عند الناس وما خفض مقداره الا خدمات اولئك المتسلقين فقد قادوه الى مراقد الفتنة والضلال وباسمه ارتكبوا الموبقات الضخام ففتحوا بيوت الاشباح لايغار صدور الناس عليه وعلى حكمه وقاموا بتشريد كبار رجالات البلد من اهل العلم والموهبة وبلقنوا السودان الى دولتين متناحرتين لن يجف الدم بينهما الى يوم القيامة وأعملوا يد الفساد في البلاد والعباد فأصبح الحجر لو قلبته يصيح :آه من الفساد..ويتنهد قائلا: خيبة الله على هذا النظام. قال أديبنا الاكبر في عنوان روايته "بندر شاه" انها حكاية ان الجد ضحية حفيده .وتنطبق هذه العبارة (بعد تعديلها طبعا) على وضعنا الحالي فهو حكاية ان الرئيس ضحية مؤيديه –ضحية حبهم لذاته العلية وتفانيهم في خدمته او بكلمة اخرى الرئيس هو ضحية الظلم الذي ارتكبوه باسمه.
ولكنك لو انعمت النظر لوجدت ان معظم ما قام به اولئك الاعوان لم يكن خدمة للرئيس ونظامه وانما خدمة لانفسهم وارضاء لشهوة انتقامهم وطمع انفسهم ورغائبهم ال########ة في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة وغيرها من شهوات النفس الامارة بالسوء. اما الان والنذر تتجمع في الفضاء وطوالع النحس تملأ الآفاق فانهم يرددون بلا خجل انه وحده يتحمل وزر ما جرى وليس ذلك فحسب بل يتحمل ايضا وزر ما لحق الحركة الاسلامية من مقت الناس واحتقارهم. وفي الخلاف الذي نشب اول الامر بين اخوان مصر واخوان السودان قال الجانب السوداني ان الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن ولذلك يجب الاستيلاء على السلطة واخضاع الناس عن طريقها لاحكام الدين وذلك بالحراك السياسي بدلا عن التربية الروحية وقال مشهور أحمد مشهور(المرشد العام الاسبق للاخوان المسلمين بمصر) ان فكرة الاخوانية تنهض على التربية الدينية الصحيحة وغرسها في ارواح الافراد وبدونها ستظل ترتكب خطأ بعد خطا اذ ان فاقد الشيء لا يعطيه. وبالفعل ثبت ان الافراد الذين لم تنغرس في ارواحهم مخافة الله وحب الخير لعباده سيفسدون في الارض ويسعون في مصالح انفسهم ويقدمونها على مصالح الجماعة المسلمة. ومصداق ذلك انهم بعد أن شبعوا من المناصب والمال المنهوب وغيرها من خيرات الدنيا وآثامها انقلبوا على بعضهم يتلاومون متخذين من الرمز السلطوي كبش فداء وأضحية تكفر عنهم ذنوبهم الجسام. لا اعتقد ان التاريخ يتحرك بمشيئة الافراد وما نسميه دور الفرد في التاريخ هو في واقع الامر من عمل المحيطين باولئك الافراد من حاشية وبطانة واتباع ومتنفذين ومستفيدين يتحركون بنوازع انفسهم الخاصة بعد اقناع الرمز السلطوي بتبني ما يصدر عنهم من افكار شريرة دافعها الحقد او التسلط او ضعف النفس امام المال والشهوات. واولئك هم الذين التفوا حول الرمز السلطوي واغتنوا باسمه وتسنموا المناصب التي ما كانوا بالغيها في ظل المنافسة الشريفة وفي سبيل ذلك لم يكن ضحاياهم من خارج الحركة الاسلامية فحسب بل ايضا خيرة الموهوبين من ابنائها.وامامك امثلة محجوب عبيد وعلى الحاج وآخرون الله يعلمهم.
ونظرا للكثرة العددية للمشتغلين بالسياسة فان الناس لا تدخل في مثل هذه التفاصيل فالمهم بنظرهم هو الرمز السلطوي الذي تتلخص في شخصه كل الاثام والموبقات ولذلك لن تجد من يتحدث عن اخطاء المائة وسبعين ألف وزير اوالمائة مليون حرامي وسيكتفي الناس بالتحدث عن الرمز السلطوي وحده اختصارا للوقت وتفاديا للتفاصيل.وبذلك المعنى فان بطانة السوء وقد تلوثوا بأقذار الدنيا يجرون الرمز السلطوي معهم الى الاوحال. Better late than never يقولها السكسون تعزية للنفس عن الشيء يتأخر عن موعده فيقولون ان مجيئه ولو متأخرا خير من عدم مجيئه على وجه الاطلاق ولكن لهم قولة تناقضها تماما هي قولهم
Too late,too little عن الشيء يتأخر عن أوانه وحين يأتي يكون مقداره اقل من المتوقع فلا يشفي غليلا لأحد.فلو اشتمل القرار على الطرد الاجمالي للمتسلقين او التعويض الأدبي للمشردين والمبعدين من مناصبهم ووظائفهم لهان الخطب قليلا وما التصريح الحالي إلا مجرد اعلان لا تتبعه خطوات تنفيذية من أي نوع. ومع ذلك فقد وقع من أنفسنا موقعا ودعم دعوانا في ان ما جرى ما كان ليجري لوأنهم أبقوا علينا في مناصبنا واستمعوا الى نصحنا.وفي مأتم السودان الحالي لا نستطيع ان نقول شيئا سوى تلك الكلمة القديمة المتجددة:لله ما أعطى ولله ما أخذ وذلك رضاء بما يشاء المولى وما يختار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
شمائل النور ردت على تشنج اهل الانقاذ وهم يواجهون الانهيار الاقتصادى بقولهم بان الارزاق على الله وكانهم يعلمون بهذه الحقيقة الان بعد بان الحق وظهرت انياب الانهيار واثاره عليهم اخيرا عرفوا بان الارزاق على الله تلك الحقيقة التى تنااسوها وعملوا على فصل الجنوب ودعوا اليه ..
اقرا تعليق شمائل الشامل العصب السابع الأرزاق بيد الله..! شمائل النور حديث الرئيس في الحوار التلفزيوني الأخير حول محاولات الدولة للخروج من الضائقة الاقتصادية التي حلت بعد الانفصال، اتضح من خلاله أنه ليس هناك ثمة رؤية واضحة يُهتدى بها، بل ليس هناك رؤية أصلاً ولا حلّ يلوح في الأفق.. الرئيس قال: إن الأرزاق بيد الله، والمقولة هذه تعني الكثير المثير الخطير، وتفتح كل الاحتمالات بما فيها مجاعة شاملة، الرئيس يعول على ذهب في باطن الأرض، وزراعة تدمرت على مدى سنين، واستثمار لم يفلح في جذب مستثمرين ذلك للظروف التي يمر بها السودان
إذن ودون اجتهاد كل الاحتمالات واردة، خاصة إذا ما نظرنا إلى تذبذب سعر الصرف الذي يهبط فجأة وبشكل صاروخي، ثم يعلو، عدم الاستقرار في سعر الصرف في حد ذاته مؤشر غير مطمئن.. الفجوة التي أحدثها الانفصال كبيرة جداً، ولا يُمكن أن تُغطى بعد وقوع الكارثة، فالاقتصاد الذي كان يعتمد مباشرة على النفط الذي تدور فيه معركة حامية هذه الأيام، الآن يعتمد على لا شيء، مرة ينتظر دعماً قطرياً، ومرة يدعو الدول الصديقة لإيداع مبالغ مالية بالبنك المركزي. ثم لا استجابة. وزير المالية كشف قبيل إعلان الانفصال عن خطة إسعافية لإنقاذ اقتصاد السودان بعد ذهاب البترول، هذه الخطة ضمنت تماماً "6" أشهر من الاستقرار الاقتصادي أي حتى نهاية العام 2011، خاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية التي تلي المواطن في معيشته أما مرحلة ما بعد الـ "6" أشهر فهي تحت رحمة نجاح هذه الخطة،
قلنا: حسناً لا بأس.. لم تمرّ أيام على حديث الوزير إلا واشتعل السوق ثم اشتعل ولا زالت أسعار السلع الاستهلاكية تزيد بشكل لا يُصدق.. ثم يقولون لك: البرنامج الثلاثي لاستدامة الاستقرار، والذي بدأ الترويج له بعد الانفصال، وعندما بدأ وحتى الآن لا يوجد استقرار، فعلى ماذا يقوم هذا البرنامج، وماذا حققت الخطة الإسعافية لوزارة المالية..؟؟ كل يوم يتضح أن فكرة انفصال الجنوب كانت فكرة مجنونة وكارثية لا يفكر فيها إلا مخبول، ولا يُمررها إلا خائن.. والذي يدعو الجميع إلى الدهشة أنهم جميعاً كانوا على يقين أن الانفصال قادم وقدومه مسألة زمن، ويعلمون كذلك أن النفط هو المورد الوحيد، وسيذهب جنوباً مع ثلث الوطن.. لكن السؤال السخيف،
لماذا لم تتحوّط الدولة على أن تُفعّل موارد اقتصادية أخرى يُمكن أن تحل محل النفط.. قطعاً الحكومة كانت تعتمد تماماً على الاقتراض، فعندما صرخ وزير الخارجية أمام العالم، وقال: لا يُمكن أن يقف العالم متفرجاً على اقتصاد السودان وهو ينهار، كانت هذه هي الحقيقة العارية، الاقتصاد ينهار، لكن كيف نلوم العالم ونحن نرتكب بأيدينا أكبر الحماقات التاريخية.. وكيف لنا أن ننتظر دعماً خارجياً ونحن نفتح جبهات جديدة للحرب، ولم نفلح حتى في حلحلة أزماتنا الداخلية.. الوضع يحتاج تدخلاً يتخطى الخطوط الحمراء حتى نخرج من هذا النفق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
الكرسني "القوة الناعمة"..إستراتيجية شيطانية.. للحركة "الإخواماسونية"!! ..
بقلم: إبراهيم الكرسني الأربعاء, 15 شباط/فبراير 2012 09:38 Share
لقد تابعت كغيرى من المهتمين بالشأن السوداني العام المقالات النقدية اللاذعة التى دبجها مؤخرا الكاتبان الطيب زين العابدين وعبد الوهاب الأفندي، قدحا فى تجربة حكم الإنقاذ، التى يبدو أن الضرر الذى جرته عليهما، وعلى بقية من يشايعهم من قادة تنظيمهم الجديد، لا يقل عن حجم الضرر الذى لحق بالسودان وشعبه، وتأملتها جيدا، علنى أصل الى إجبات محددة حول مجموعة من الأسئلة، من قبيل ما هو المقصود منها؟ وما هو الهدف الذى ترمي إليه؟ ولماذا تمت كتابتها ونشرها فى هذا الوقت بالتحديد، علما بأن كوارث الإنقاذ قد بدأت منذ شهورها الأولى، وكان هذان الكاتبان تحديدا يعلمان بها تفصيلا و يقينا؟ هنالك عدة نقاط أود أن ألفت نظر القارئ الكريم إليها قبل أن أدخل فى صلب موضوعنا اليوم، وهي:
1- أن مسمى ’الإخوان المسلمين‘ قد تم نجره فى مصر خصيصا لتغبيش وعي الجماهير عن طبيعة تنظيمهم الماسوني، بل هو فى واقع الأمر أخطر منها بكثير، كما أوضحت تجربة حكمهم المريرة و الظلامية فى السودان. هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن الهدف الأول لنجرهم هذا المسمي فهو لخداع بسطاء المسلمين بإسم الدين وإستدرار عطفهم لكسب تأييدهم فى الوصول الى أهدافهم التى هي للماسونية أقرب منها لأهداف الدين الإسلامي الحنيف، وتمييز أنفسهم عن بقية أفراد المجتمع المسلم بالفطرة، حيث أطلقوا شعارهم الشهير،"الإسلام بحر ونحن كيزان نغرف منه". ومن هنا أتت كنيتهم الشهيرة،"الكيزان".
2- إنهم لا يلتزمون كثيرا بهذه المسميات وإنما ينجرونها نجرا حسب مقتضى الحال، ودونك قارئي العزيز تلونهم وتقلبهم فى الأسماء و المسميات لتنظيمهم الإجرامي فى السودان بدءا من حركة الإخوان المسلمين، ثم جبهة الميثاق الإسلامي، ثم الإتحاد الإشتراكي السوداني، ثم الجبهة الإسلامية القومية، ثم المؤتمر الوطني/الشعبي، وأخيرا الحركة الإسلامية. بمعنى آخر فإنهم يغيرون جلودهم كما الحرباء تماما طالما أن ذلك يحقق هدفهم المتمثل فى خداع الجماهير و المتاجرة بالدين الإسلامي الحنيف لأغراض دنيوية بخسة و رخيصة. 3- إعتماد الكذب الصراح كمنهاج عمل لهم وفقا لفتاوى تستند الى الدين الإسلامي الحنيف، زورا وبهتانا، يصدرها شيوخهم الكذبة وفق مقتضى الحال، وبإنتهازية مكشوفة وإستغلال ردئ للدين دون أن يطرف لهم جفن، حتى إكتسبوا ’قوة عين‘ يحسدون عليها من واقع ذلك الكذب الممنهج. 4- تمكن هؤلاء القوم، من خلال هذا النهج الردئ و المتهافت، من الإطاحة بنظام حكم ديمقراطي منتخب، وسرقة السلطة السياسية بليل، وخداع الناس جميعا بأنهم قد فعلوا ذلك بإسم القوات المسلحة السودانية، وهي منهم براء، كما براءة الإسلام منهم، و الذي ظلوا يتاجرون بإسمه منذ ذلك اليوم المشؤوم وحتى اللحظة الراهنة. 5- حينما دانت السلطة المطلقة لهم فعلوا بإسم الإسلام ما لا يخطر بعقل بشر سواء من خلال إستعمالهم للقوة الخشنة المفرطة ضد خصومهم السياسيين ووصولهم حدا بلغ حد الإغتيال و التصفية الجسدية، حتى وإن كان ذلك لتصفية حسابات شخصية محضة، كما حدث للشهيد مجدي محجوب مع إبراهيم شمس الدين! 6- تقول الفرنجة، "إن السلطة تفسد...والسلطة المطلقة تفسد فسادا مطلقا". فما بالك، قارئي العزيز، حينما تكون هذه السلطة ذات طابع عسكري دكتاتوري، وفوق هذا وذاك متلبسة لبوس الدين الحنيف؟ عندها تكون الفاجعة الحقيقية التى يكون ضررها على الدين أكبر من ضررها على المجتمع نفسه. لقد أفرزت هذه السلطة المطلقة المتلبسة بلبوس الدين فى السودان مفهوما غاية فى الغرابة، وهو مفهوم ’التمكين‘، الذى لا يستند الى أي علم، أو تجارب بشرية ناجحة، أو حتى ما عرف من قيم الدين الإسلامي الحنيف التى تنادي بالعدل و المساواة بين البشر بغض النظر عن الجنس أو اللون، لا لفضل لمسلم على آخر إلا بالتقوى، وليس بالإنتماء السياسي، أو الحركي، أم الأسري، أو الشخصي، كما فعل هؤلاء الأبالسة فى السودان. 7- إنطلاقا مما ذكر أعلاه فإنني أناشد جميع قادة الفكر و الرأي فى السودان، والعلماء الأجلاء، والأكاديميين بالكف عن ربط هؤلاء المجرمين بالدين الإسلامي الحنيف بأي شكل من الأشكال، وإن كان ذلك على مستوى التنظيمات السياسية، أومنظمات المجتمع المدني الأخري. فهل هنالك إساءة للإسلام أكبر من أن تجد مؤسسة ما تنهب ثروات السودان، وتسرق قوت شعبه ليل نهار، ومن ثم تطلق على نفسها إسما يقترن بالإسلام لذر الرماد فى العيون، ولدغدفة مشاعر بسطاء المسلمين فى السودان، من قبيل’بنك...الإسلامي‘،..’مؤسسة...الإسلامية‘..’سوبرماركت..الإسلامي‘..’شركة...الإسلامية‘، حتى بلغ السخف بهم أن أسموا كوافير تسريح النساء بأسماء إسلامية! فهل هنالك عبث وإستخفاف بقيم الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده النبيلة أكبر من هذا؟ ولنأتي الآن الى صلب موضوعنا المتمثل فى تحديد الهدف المحوري للكتابات الأخيرة للطيب زين العابدين والأفندي، وسنأخذ المقالة الأخيرة لعبد الوهاب الأفندي، والتى أعادت نشرها صحيفة الراكوبة الغراء بالأمس الموافق 14/2/2012م كنموذج لهذه الكتابات. تمحورت المقالة حول سياسة ’التمكين‘ التى سنتها الإنقاذ فى بداية عهدها، وإستمرت تعمل بهذا النهج طيلة ثلاثة وعشرين عاما إلى أن إكتشف رئيسها الهمام بالأمس القريب حجم الضرر و المآسي التى جرتها ليس على جهاز الخدمة المدنية فقط، وإنما على المجتمع السوداني بأسره، وعلى مستقبل التنمية الإقتصادية و الإجتماعية فى البلاد لعقود طويلة قادمة، لأنها وببساطة شديدة قد أصبحت أسلوب حياة لكل من له علاقة بهذا النظام الفاسد المستبد. إنني أشك كثيرا فى أن الإنقاذ ستقوم بمراجعة سياساتها الخاطئة فى مختلف المجالات و الميادين، ويأتي فى قلبها بالطبع سياسة ’التمكين‘ سيئة الذكر، لأن البداية الصحيحة تكون ليس بمعسول الكلام وحده، كما ورد على لسان السيد الرئيس مؤخرا، وإنما بالإعتراف بالخطأ أولا، والإعتذار عنه علانية وعلى رؤوس الأشهاد ثانيا، ومن ثم تحديد الوسائل التى سيتم بمجبها جبر الضرر وتعويض جميع من تضرر من هذه السياسة الظالمة تعويضا عادلا، ورد الإعتبار إليه إجتماعيا وأخلاقيا. أما أن يأتي الحديث على عواهنه، فإن الشعب السوداني قد شبع من الحديث الفارغ الذى لا يقدم ولا يؤخر من أي إنقاذي أتى، حتى لو كان ذلك رئيس البلاد نفسه! لقد إكتشف هؤلاء الأبالسة عقم سياسات التمكين و القوة الخشنة المفرطة التى جربوها لفترة تزيد على العقدين من الزمان ولم تجر على البلاد وشعبها سوى المأساة تلو المأساة، و النكبة تلو الأخرى، ومن ثم بدأوا فى إعادة النظر فى إستراتيجيتهم التى أدخلت البلاد فى عنق الزجاجة و التفكير فى كيفية الخروج من هذا المأزق. عندها تفتقت عبقرية كتابهم ومفكريهم، كالطيب والأفندي، فى إستراتيجية جديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلوة الإنقاذ!
تتمثل هذه الإستراتيجية فى إبعاد من يسمونها ب’الحركة الإسلامية‘، ومن ينتمون إليها، من جريمة الإنقلاب العسكري الذى نفذته نفس هذه الحركة فى الثلاثين من يونيو من عام 1989م، وكذلك غسل يدها، وأيديهم، من جميع الجرائم الفظيعة وغير المسبوقة فى حق الوطن و المواطنين. وتتلخص هذه الإستراتيجية فى توجيه النقد اللاذع للإنقاذ كتجربة سياسية، ولقادتها الحاليين كأكباش فداء يفتدون بهم المجرمون الحقيقيون الذين خططوا لهذا النظام الفاسد المستبد، وأشرفوا على جميع الجرائم التى إرتكبها، وأصدروا له الفتاوى الدينية التى تبرر إرتكابها. وقد كان هؤلاء الكتاب جزءا لا يتجزأ من تلك العصابة المجرمة إنها إستراتيجية ’القوة الناعمة‘ التى يحاولون من خلالها إحياء تنظيمهم الذى أسموه ’الحركة الإسلامية‘، والتى يحاولون أن يوهمونا بأنها قد ماتت وإندثرت من قبل قيام الإنقاذ! وفى تهافتهم هذا يودون إقناعنا بأن ’الحركة الإسلامية‘ بريئة من هذا الإنقلاب وتبعاته براءة الذئب من دم إبن يعقوب! وبالتالي فإن تسجيل جريمة الإنقاذ على مجهول سيساعد كثيرا فى نجاح هذه الإستراتيجية التى تقوم على إفتراض أن الشعب السوداني لا ذاكرة له، وأنه فوق هذا وذاك، مسامح كريم! ويعتمدون فى ذلك على أسلوب الإستهبال السياسي و الكذب الصراح الذى أصبح منهجا لهم، ومكنهم من حكم البلاد طيلة هذه الفترة الكالحة، بل وبلغ بهم الإستخفاف بعقول الشعب السوداني مبلغا يفوق حد الوصف، كما تدلل على ذلك المقالة الأخيرة لعبد الوهاب الأفندي، وهي خير برهان على صحة ما نقول. وسأورد لك، عزيزى القارئ، نماذجا فقط من هذا المقال، لكيلا أرفع ضغطك، المرتفع أصلا بفضل جرائم هؤلاء القوم، لأدلل بها عن محاولة خداعهم مرة أخرى لهذا الشعب العظيم وبيعنا ’الإنقاذ2‘، ولكن هذه المرة فى ثوب جديد ناعم الملمس كالحرير. يقول السيد الأفندي فيما يتعلق بالتمكين بأنه مجرد زعم و’أسطورة‘، وأيم الله إنه قال أسطورة، ألصقت بالإسلام والإسلاميين، لاحظ عزيزي القارئ ربطهم للإسلام بكل ما يكتبون ويفعلون، وهم لم يكن لهم نصيب منه. وإليك ما قاله هذا الرجل فى هذا الشأن، " المحصلة النهائية لكل هذا هي أن 'التمكين' المزعوم لم يكن للإسلام والإسلاميين كما هي الأسطورة الشائعة، بل لطائفة واسعة من المنتفعين وأهل الطاعة والمستعدين لإرسال عقولهم وضمائرهم في إجازة مدفوعة الأجر". إذا كان من يسمون أنفسهم بالإسلاميين لم يستفيدوا من هذا التمكين، فمن هو المستفيد ياترى؟ إن ما أود أن أقوله فى هذا الشأن أن السيد الرئيس لم يتراجع عن هذه السياسة الإجرامية، ولو قولا على الأقل فى الوقت الراهن، إلا بعد أن مكن جميع ’الإسلاميين‘ من مفاصل الحكم، و الخدمة المدنية، والجيش و الشرطة، وحتى الشركات و المؤسسات التجارية، و لم يجد إسلاميا واحدا ’فضل‘ ليمكنه بعد تطبيق هذه السياسة لفترة زادت على العقدين من الزمان!
ثم يأتي السيد الأفندي ليقول لنا بأن تمكين الإسلاميين مجرد ’أسطورة‘، أو ليأتي السيد الطيب زين العابدين ليصفهم ب ’الأطهار‘، ويذهب خطوة أبعد من الأفندي ويدعوهم الى إعادة تنظيم أنفسهم وإستعادة تنظيمهم الذى سرقوه ’إخوانهم‘ فى الضفة الأخرى من بحر الإنقاذ المتلاطم الأمواج! وقد ذهب الأفندي فى محاولة إبعاد نفسه ومجموعته من حكم الإنقاذ مذهبا إفترض فيه إرسال عقول وضمائر الشعب السوداني فى إجازة، ولكنها غير مدفوعة الأجر، حيث قال وبجرأة يحسد عليها،" وقد علمت من إسلامي مخضرم يعمل بالخارج إنه التقى أحد وزراء الحركة الشعبية بعد اتفاقية السلام فطلب منه مازحاً- أن يوجد له وظيفة في وزارته، فرد الوزير بعفوية صادقة: 'إن جماعتك هؤلاء لا يريدون الإسلاميين!'... فتأمل عزيزي القارئ، أليست قوة عين يحسد عليها؟ لكنني أرجوك، عزيزي القارئ، أن تتأمل معى هذه الهضربة،" ولكن رغم شكوى كبار المسؤولين من 'انتقادات' الإسلاميين، فإن موقف غالبية الإسلاميين كان في مجمله سلبياً. فكثيرون قبلوا بما فرض عليهم إقصاء، وانزووا إلى شأنهم الخاص، إلا حين توكل لهم مهام محددة. آخرون قبلوا بالأدوار التي أوكلت لهم، سواءً في المؤسسات العامة أو الخاصة، ولم يشغلوا أنفسهم بالاتجاه العام للأمور أو السياسات المحورية، فكان هذا أشبه إلى حد كبير بالاهتمام بالشأن الشخصي. على سبيل المثال فإن كثيراً ممن عملوا في ملف الجنوب، وهو في نظري أهم ملف في عهد الإنقاذ، لم يكونوا يطرحون أسئلة حول التوجهات الاستراتيجي حول الجنوب، ولم يكن هناك منبر لهؤلاء لمناقشة التوجهات الكبرى والقرارات المحورية حول هذه القضية. ويمكن أن يقاس على ذلك من تولوا مهام أخرى أقل شأناً. آخرون اختاروا الانصراف إلى 'الجهاد' في الجنوب فيما يشبه التوجه 'الانتحاري' هرباً من تعقيدات لم يستطيعوا التعامل معها".
إن محاولة السيد الأفندي إبعاد نفسه ومن معه من جسم الإنقاذ المهترئ أجبرته بأن يقول الشئ ونقيضه فى ذات الوقت. وإن لم يكن ذلك كذلك فكيف يكون ل"كثيرون قبلوا بما فرض عليهم إقصاء، وأنزووا الى شأنهم الخاص" أن توكل لهم "مهام محددة"، كما أشار الى ذلك فى ذات الجملة! هل يعقل ذلك وبالمنطق البسيط ؟ هل يعقل أن تهمش إنسانا حد درجة الإنزواء، ثم تكلفه فى ذات الوقت بمهام محددة؟؟ أرجوك قارئي الكريم أن تتحسس "القنبور" الذى يفترض وجوده على رأسك السيد الأفندي!؟ هذا ناهيك عن وصف السيد الأفندي ل "جهادهم" فى الجنوب ب"التوجه الإنتحاري". وسؤالي له لماذا لم تقل هذا الحديث على الملأ حينما كانت تدور رحى محرقة الحرب فى جنوب البلاد لتقضى على شباب البلاد من الجانبين، وتقضى كذلك على الأخضر واليابس بها. لكن ثالثة الأثافي تمثلت فى محاولة إنكار السيد الأفندي بمعرفته المسبقة بالإنقلاب أو هويته فى شهوره الأولى جملة وتفصيلا. وهاك ما قاله فى هذا الشأن، "بعد مرور بضعة أشهر على انقلاب يونيو 1989 الذي أوصل نظام الإنقاذ القائم إلى السلطة، وصلت إلى الخرطوم في زيارة بعد غياب عن السودان لقرابة عامين. وكنا وقتها لا نزال على كثير من الشك حول هوية الانقلابيين وتوجهاتهم، رغم تواتر المعلومات عن كون الإسلاميين وراء الانقلاب."
تواترت للسيد الأفندي معلومات، وهي صادقة وموثوق بها بكل تأكيد، بحكم موقع السيد الأفندي القيادي بهذه الحركة منذ أن كان طالب بجامعة الخرطوم، ولكنه على الرغم من ذلك كان،"على كثير من الشك حول هوية الإنقلابيين وتوجهاتهم".... فتأمل...إنه رجل صادق بالفعل!! هذا الرجل قد دافع عن جرائم الإنقاذ فى أسوأ أعوامها، حينما كان مستشارا بسفارة السودان بلندن، وإستفاد إستفادة شخصية من سياسة التمكين التى يهاجمها الآن، ثم يأتى ليقول لنا بأنه لا يعرف عن هوية الإنقلابيين وتوجهاتهم شيئا!
ما أود تأكيده للسيد الأفندي ومجموعته فى نهاية هذا المقال هو أن إستراتيجية ’القوة الناعمة‘ التى تفتقت عنها عبقرية ’الإسلاميين الجدد‘ لن تنطلى على أحد. وأن محاولتكم إعادة إنتاج نظام ’الإنقاذ2‘ سوف تبؤ بالفشل المؤكد بإذن الله، لأن محاولتكم الفطيرة هذه لن تنطلى على أحد، وأن أكاذيبكم المفضوحة لن تصمد أمام شمس الحقيقة الساطعة التى عرفها شعبنا عن طبيعتكم، وطبيعة تنظيمكم، الذى تحاولون بعثه مرة أخرى بعد أن إندثر. وإنكم إن ظننتم أنكم بفعلتكم هذه ستخدعون الشعب السوداني مرة أخرى، فإنكم واهمون. وإنما بفعلتكم هذه فإنكم لن تخدعوا سوى أنفسكم وسوى" المنتفعين وأهل الطاعة والمستعدين لإرسال عقولهم وضمائرهم في إجازة مدفوعة الأجر" فى نهاية المطاف.
15/2/2012م ibraheem karsani [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
الشتامون February 18, 2012 فيصل محمد ثالح [email protected]
لسبب يتعلق فيما يبدو بسيئات أعمالنا وشرور أنفسنا التي نحاول أن نتقيها، وقد لا ننجح بدرجة كاملة، بسبب الضعف البشري، فقد رزئنا بطائفة من الكتاب فتحت لها الصفجات فعاثت فيها فسادا، شتما وسبا للناس وانتهاكا للأعراض، وتخايلا بكل ما هو قبيح ومستنكر. والأدهى والأمر أنهم يفعلون ذلك باسم الدين الحنيف، جاعلين من انفسهم وكلاء عن الخالق عز وجل، يصرفون للناس روشتات الدخول للجنة، ويخرجون من لا يحبون إلى نار جهنم. وبسبب ما يظنونه بأنفسهم، فإنك عندما تختلف معهم وترى غير ما يرون، إنما ترتكب الكبائر، وتخرج من الملة والدين، أليسوا هم ممثلي الملة والناطقين الرسميين باسم الدين؟، فهم إذن لا ينطقون عن الهوى، والعياذ بالله من هذا الظن، ولا يتحدثون باسم نفوسهم الضعيفة، لتتفق وتختلف معهم، بل هم هيئات اعتبارية مقدسة، لا يأتيها الباطل، ولا الظن السئ، ولا الهوى، ولا الخطأ البسيط.
وهم إلى جانب ذلك عاطلون عن مكارم الصفات التي أمر بها سيد الخلق، لا يحملون شيئا من أدب الحوار والمجادلة، ولا يتماشون مع قوله تعالى ..”ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”، فلهم في الفظاظة وغلظ القلب سهم وافر، حتى كأنهم لم يتركوا شيئا منه للخلق من بعدهم. ولم يسمعوا بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه ” رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” وهو ايضا القائل “وماناظرت أحدا إلا و لم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه ولوددت أن الخلق يتعلمون منى ولاينسب إلى منه شيء”….فهم ملوك اللجاجة والسماجة في القول والحوار، يتسقطون الكلمات تسقطا، ويصطادون المواقف ويحورونها ليظهروا الآخرين بموقع المخطئ والكافر, يبدو أنهم لم يسمعوا بجادلهم بالتي هي أحسن، فغايتهم المجادلة من أجل المجادلة، وهدفهم لفت النظر وإثارة الغبار، ومتعتهم في تخطئة الناس، يأخذون مكافآتهم على عدد من كفروهم وخطأوهم ووصموهم بسئ الصفات والنعوت.
والغريب أن أكثرهم ممن بلغ عمرا لا يمكن ان تجد له فيه عذرا فيما يفعله، فلا هو بالصغير ولا قليل التجربة، ولا ممن قد تأخذهم حماسة الشباب وفورانه، بل هم شيوخ بلغ بعضهم من العمر عتيا، وفيهم من حمل الشهادات العليا، لكنه آثر ان يجعل من نفسه مثالا للقول الفصيح “القلم ما بيزيل بلم”. يسكت كثير من الناس الذين تأذوا من أمثال هؤلاء، ليس خوفا منهم ولا تسليما بما يكتبون ويقولون، لكن لأنهم لا يعملون بنفس منطقهم ولا يعرفون كيف يسبون الناس وكيف ينتقلون من مناقشة قضية موضوعية ومنطقية إلى ساحة الشتم واللعن والطعن والهمز واللمز.
في زمان مضى، تخصص الصحفي المصري الراحل موسى صبري، في سب وشتم الكتاب والصحفيين الذين يختلفون مع السادات، وسكت معظمهم تأدبا وترفعا، حتى رماه الله في قلم ولسان محمود السعدني السليط، فمسح به الأرض. وكان مما كتبه السعدني لموسى صبري : “إنك شتمت أحمد بهاء الدين، وهو ابن طبقة وسطى رباه أبوه وأدخله المدارس العليا والراقية، فهو لا يستطيع ولا يعرف طريقة للرد عليك، أما أنا فتربية حواري الجيزة وزقاقاتها”.
وفي يقيني إن الله سيسلط على هؤلاء الشتامين بعض من فصيلتهم ومن شاكلتهم، فيمسحون بهم الارض سبا وشتما، حتى يصم الناس آذانهم ويغلقون أعينهم، لكي لا يروا أو يسمعوا، وحتى ذلك الحين فليحتسب كل من مسته ألسنتهم واقلامهم كل ذلك ، وليعتبروه في ميزان حسناتهم.
------------
شفرة أوكامبو February 18, 2012 سيرة سوداء مصورة تبحث فى باطن متهم
الليلة الاولى
صديق محيسى
حسب الويكيبيديا ان شيفرة دا فينشي رواية تشويق وغموض بوليسية خيالية للمؤلف الأمريكي دان براون نشرت عام 2003.حققت مبيعات كبيرة تصل إلى 60.5 مليون نسخة (حتى مارس 2006) وصنفت على رأس قائمة الروايات الأكثر مبيعاً في قائمة صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. تم ترجمة الرواية إلى 44 لغة حتى الآن.
تدور أحداثها في حوالي 600 صفحة في كل من فرنسا وبريطانيا. تبدأ بالتحديد من متحف اللوفر الشهير عندما يستدعي عالم أمريكي يدعى الدكتور روبرت لانغدون أستاذ علم الرموز الدينية في جامعة هارفارد على أثر جريمة قتل في متحف اللوفر لأحد القيمين على المتحف وسط ظروف غامضة، ذلك أثناء تواجده في باريس لإلقاء محاضرة ضمن مجاله العلمي. يكتشف لانغدون ألغاز تدل على وجود منظمة سرية مقدسة امتد عمرها إلى مئات السنين وكان من أحد أعضائها البارزين العالم مكتشف الجاذبية اسحاق نيوتن و الرسام الاشهر ليوناردو دا فينشي.
أما رواية شفرة اوكامبو فهى حقيقية ماثلة ولا خيال فيها دارت ولاتزال تدوراحداثها فى ارض دافور وبطلها ضابط عادى حنث شرفه العسكرى ووصل الى السلطة عن طريق الانقلاب على الدستور قبل اكثر من عقدين من الزمان ولم يك يحلم فى يوم من الايام ان يصبح حاكما للسودان لولا شخصية محورية اخرى فى الرواية اختفت من مشهد السلطة الان هى التى اتت به الى كرسى الحكم , فالفى الصانع نفسه خارج اللعبة السياسية , بينما وطتد المصنوع صلبه كوتد انغرس فى الارض عجزت المعارضة عن خلعه لضعفها وقلة حيلتها.
فى شفرة دافنشى منظمة سرية مقدسة يحسب عمرها بمئات السنين ربما تكون وراء جريمة المتحف , وفى شفرة أوكامبو تظهر منظمة علنية هى الجبهة القومية الاسلامية التى تحولت الان الى المؤتمر الوطنى وتتم المقاربة بين التنظيمين إن الأخيرة إختارت السرية فى عملها عندما أستولت على السلطة بالقوة , أما الاولى فـان غموضها يقلل من ترجيح الشك فى أنها وراء جريمة المتحف, فألامر تكتنفه الشبهات حسب سير الرواية, تبدأ رواية شفرة اوكا مبو عندما وجهت المحكمة الجنائية الدولية تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية لرئيس السودان، إضافة إلى مذكرة توقيف بحق المسؤول البارز، والى جنوب دارفور حاليا أحمد هارون، وكذلك علي كوشيب، المتهم بأنه قائد مليشيا الجنجويد سيئة السمعة . ثم الحق اخيرا وزير الدفاع الساعد الايمن للبشير عبد الرحيم محمد حسين الى ركب الجماعة باتهامه بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في اقليم دارفور ، وذلك خلال الفترة من اغسطس 2003 إلى مارس / 2004. وفقا لبناء الروائي الذي اخترناه لقص الوقائع في هذه السيرة , فأن شفرة اوكامبو ستكون العقدة الرئيسة التي ستدور حولها الإحداث الجانبية ,
والمحك العملي لسلوك الرجال المقربين من بطل الرواية استنادا إلى موقع كل منهم ودرجات حبه , أو كرهه للبطل, ورغبته الكامنة في كهفه الباطني بالتخلص منه , أو الاستعداد حتى الموت للدفاع عنه بصدق باعتباره رمزا للسيادة الوطنية, ومنذ ظهور الشفرة أصاب الاضطراب جهاز الدولة وكبر شك الرجل فيمن حوله وفى كل شيء, وكره حرفا الواو والكاف , وأصبح لا يطيق نطقهما , بل و تعمد كاتبو خطاباته إن يقللا بقدر الإمكان من استخدامهما تجنبا لارتفاع درجات التوتر النفسي عنده , وسوف تتخلل سيرة القص للشفرة زعماء لقوا مصرعهم بطريقة مأسوية مثل ملك ملوك أفريقيا معمر القذافى الذي قتله الثوار وهو مختبئ في ماسورة للصرف الصحي أثناء محاولته الهروب , والرئيس المصري حسنى مبارك الذي تجرى محاكمته وهو طريح فراش المرض محدقا في الفراغ طوال الوقت غير مصدق لما يجرى وزين العابدين بن على الذي اعتمد على قرني استشعاره فولى هاربا إلى المملكة السعودية ناجيا ببدنه من غضبة الثوار , وبشار الأسد الذي يصارع من أجل البقاء والغا في دماء شعبه شبابا وشيبا وأطفالا ونساء , وعلى عبد الله صالح الذى لم يستطع اللحاق بقطاره فى محطته الأخيرة .
يقول الراوي وهو أحد الحرس الخاص ببطل الشفرة انه سمع قبل صلاة الفجر صراخا قويا وحشرجة متقطعة تبعها كحة متواصلة , وصوت نسائي ملهوف يصدر من غرفة نوم البطل , ولم يتبين الراوي تفاصيل ما سمعه جيدا ولكن أذناه التقطتا اسم اوكامبو, اوكامبو اوكامبو,اوكامبو , كان الصوت النسائي يردد باسم الله بسم الله , يا لطيف يا لطيف,ما الذي حل بك أيها البطل, سارعت المرأة إلى غرفة من غرف القصر تحمل في يدها كوب ماء وأيقظت رجلا ذى لحية بيضاء يحمل مسبحة, سارع الرجل صوب الغرفة فوجد الزعيم يلهث ويتصبب عرقا مرددا فى هلع اوكامبو اوكامبو اوكامبو,
بسم لله بسم الله فوضع يديه على صدغيه وبدأ يقرا له آيات من القران الكريم مع توجيه رذاذ بصاق خفيف إلى رأسه لزوم طرد الشيطان, قال له فكى القصر أحكي لي هذا الحلم الكابوس, قال البطل وهو يأخذ نفسا عميقا إنه كابوس مخيف يا شيخى , رأيت إعصارا اسود عنيفا يجتاحني يزلزل كياني وانأ وحيد وسط جبال جرداء ينمو أسفل سفوحها شجر صبار له رؤوس أشبه برؤوس الشياطين , ظلت العاصفة تهب بعنف محدثة أصواتا مثل صوت الصواعق تحمل في أحشائها الفاقعة الصفار أشجارا وبقايا منازل , وفى بعض الأحيان منازل بأكملها تطوح هذه الأجسام الضخمة فو ق رأسي تخنق انفاسى , كنت ياشيخى اصرخ واصرخ ولا أحد يسمع صراخي , أنا نفسى لم أكن اسمع صراخي كنت كالذبيحة تصدر من صدري حشرجة لا استطيع وصفها من غرابة طلوعها ونزولها , يصغى الشيخ ويطالب بالمزيد , يواصل البطل, في غمرة هذا الجنون , جنون الإعصار , وفى وسط هذا الركام من الأشياء المتطايره رأيت جمالا , وأبقارا , وأغناما لها أجنحة وزعانف سوداء , في تضاعيف هذا الظلام الكثيف أطل على وجه كان يظهر ويختفي في سديم رمادي كثيف ,
لم اتبينه جيدا لعدم سباته و حركاته المخاتله, في نومي ذاك يا شيخى وأنفاسى المتقطعة إستطعت بعد برهة أن أحدد ملامح الوجه, كان هو وجه اوكامبو ذلك الخواجة اللئيم الذي ما أنفك يلا حقنى في يقظتي ا و فى عز منامي , ما ذا يريد منى هذا الشيطان ’ كان اوكامبو كما يقول الراوي ممسكا بأياد غريبة أربعة بأذني كل من القذافى , وبشار الأسد حسنى مبارك وزين العابدين بن على ’ إن مسك الإذن يستمر الراوى هو منتهى الأستخفاف بصاحبها , و هو تقريع وتحقير وإستصغار للممسوك وقرع الرجل أوجعه باللَّوْم والعِتاب.
يواصل البطل سرده لكابوسه الأسود والفكي يلامس فكه الساقط من الدهشة و يقول , ثم ماذا هات المزيد لعن الله هذا الشيوعي الكافر, يقول البطل طاف اوكامبو فوق راسي كما تزن الذبابة الصغيرة , لم يتحدث معي , ولكنه كان يحدق في ويتوعدنى بيديه وتصدر من حركات ساخرة لا اذكرها بالضبط وفجأة وسط هذه الفوضى تظهر ألاف جماجم الموتى, كان بالقرب من هذه الجماجم تله من عظام بعضها أبيض وبعضها أسود , وحين حدقت فيها جيدا عاد اوكامبو وطلب من هذه الجماحم والعظام إن تنهض , صرخ فيها الرجل صرخة زلزلت كياني , نهضت , كانت الجماجم تبحث عن هياكلها عادت كل جمجمة إلى إلى مكانها تحولت الرفات إلى أناس يرسفون في أغلال تبينت رغم غشاوة في عيوني, تبينت شخصا غريب الشبه بصديقي وقائد جيشي بل كان هو نفسه , مخروطي الوجه ,به بله ظاهر تعبر عنه حركات لسانه الذي يملأ فمه, من وقت لأخر يتحول وجهه إلى وجه حمار, ثم يعود إلى الاستطالة تماما كشخص ينظر في مرآة معقرة , كان وزير دفاعي يسوق هذه الجماجم وسط مقابر مفتوحة تفوح منها روائح كريهة ,
وكنت أقول له أبعد هؤلاء الناس عنى , لا أطيق رؤية هذه الوجوه السوداء, يصغى الشيخ ويطالب بالمزيد , يستمر الغارق في كابوسه, فجأة يتغير المشهد يعود أوكامبو منتفخة أوداجه يصرخ في النائم , هؤلاء ضحاياك, أنت أصدرت الأوامر بقتلهم قلت لوزير دفاعك لا أريد أسيرا ولا أريد حيا من هؤلاء , لا تستطيع إن تكذب هناك عشرات الشهود جاؤا إلى المحكمة وأدلوا بأقوال ضدك فلماذا لا تريح شعبك وتسلم نفسك , ولماذا لا تمثل أمام العدالة الدولية وتدفع التهم عنك إذا كنت حقا بريئا , لن يفيدك شيئا إخراج التظاهرات ضدي وصفى بالكفر والعمالة وأوصاف بذيئة أخرى, إن هذه التظاهرات المليئة بالمهاترات لن تجعلني انكص عما هو إرادة العالم و عليك وعلى الرجرجة التي تخرجونها في الشوارع إن تفهموا بأنني ليست لي قضية شخصية ضدك أو ضد وزير دفاعاك , أو هارون ,اوكوشيب ,إنني مكلف من قبل مجلس الأمن للتحقيق معك بشأن أنت تعرفه جيدا, نعم لقد تم اتهامي من قبل بالتحرش بامرأة من جنوب إفريقيا ولكن المحكمة برأتني بعد إن عادت المرأة وتراجعت عن اتهامها لي, فلماذا لا تكون شجاعا وتمثل أمامنا لنبرأ ساحتك , يستمر الحالم في سرد كابوسه ليتوقف فجأة ويقول انه شيء مرعب ورهيب يا شيخي , لقد رأيت القذافى وهو مخضب بالدماء يصرخ , إما م الثوار لا لا تقتلونى اننى رئيسكم يا اولادى, قال الشيخ كان على القذافى ان يتصرف كرجل ولكنه تحول الى امراة , لا اصدق ان زعيما كالقذافى وصف شعبه بالفئران ان يصير نفسه هو فأرا عندما عثروا عليه داخل ماسورة صرف صحى, أهمل الراوى تعليق الشيخ وطفق يغرق فى كابوسه وطفى الى سطح مخيلته صدام حسين والسجان يلف الحبل حول عنقه كان صدام ثابتا من كثرة الخوف ,يقال ان ذروة الشجاعة هى ذروة الخوف
الليلة الثانية
كانت الليلة الثانية شديدة الوطأة على البطل , ففيها طال كابوسه حتى ظن أنه حقيقة مؤكدة, وحاول ما في حيلته من قوة أن يخرج إلى عالم الصحو , ولكن محاولاته باءت بالفشل لتمكن الطنين الحاد المؤلم من رأسه موشكا أن يفجره مرة واحدة , صاح صياحا عاليا تردد صداه في برية مليئة بالصبار والحكسنيت, ولكن أحدا لم يسمع صياحه, في هذه الليلة التي كثرت فيها غربان ممعنة في السواد يصدر منها نعيق كأنه صليل أجراس ضخمة, رأى وجها مألوفا لديه , ولكنه هذه المرة كان يضحك عليه ويتوعده بإشارات من يديه, انه ذلك الشيخ ذي الأسنان التى كانت البيضاء وتاكلت بفعل الزمن, هو الشيخ الذي جاء به إلى السلطة وجعله رئيسا على الخلق,هو نفسه الذي ذهب إلى السجن ليخدع الناس بأن الذين نفذوا الإنقلاب هم أعداء للديمقراطية بينما ذهب هو إلى القصر غير مصدق انه سيكون زعيما, كانت الليلة عصيبة مليئة بهذه الغربان ذات الروائح النتنة , تسارعت أنفاس البطل وهو يركض ركضا بطيئا ليس كالركض الذى يريده , إنه ركض الكابوس, حاول أن يزيد من سرعته غير أن رجليه تحولتا الى صخرتين صلدتين , كان الشيخ الذى تحول فجأة الى نمر مرقط يركض بدوره وراء الطريدة,
يصيح الشيخ لن اتركك حتى انال منك أيها الرعديد, قال صاحب الكابوس ان أكثر ما يهد كيانى هذا الزائر الليلى العجيب, كنت تيقنت أننى هزمته فى صراعى معة على السلطة منذ اكثر من عشر سنوات ,ولكن هاهو كطائر خرافى يخرج من الرماد يحلق فوق رأسى كأنه العنقاء . أى انسان هذا الذى لاينسى ولا يعفو؟, تتناسل الكوابيس الصغيرة من الكابوس الكبير يقول للرجل ذى اللحية عندما أبحر بى كابوسى فى المهاوى المظلمة رأيت وما أعجب ما رأيت, رأيت ثمانى وعشرون حمامة كانت تحط كلها على كتفى وتأكل شيئا ما من أنواط اكتافى , كان هديلها عنيفا كصواعق تشرخ صمت نفسى , لم تكد تلك الحمائم تنهمك فى نقر انواطى حتى تفجرت الدماء من كتفى, قال الفقيه الجالس يهرف السمع للحالم , ان تفسير هذا الكابوس هو ان الثمانية وعشرون حمامة تلك هم اولئك الضباط الشباب الذين اعدمتهم عشية العيد , حقق معهم (الثعبان ) فى ساعات وكان تقريره انهم خونة مذنبون فصادقت أنت على قتلهم ودفنهم فى مقبرة جماعية واحدة ,بالرغم من انك اعطيتهم الامان اذا سلموا أسلحتهم , أنهم الان يظهرون لك فى المنام
اما الهديل فهو إحتجاحهم لماذا فعلت فعلتك ذلك بنا ,نحن صغار لم نر فى الدنيا شيئا لماذا انهيت حياتنا وبعضنا ترك زوجته حبلى ولم يسعد بمولوده الاول , ان امهاتهم , واخوانهم , واخواتهم لايزالون يكيلون الرماد فوق رؤوسهم حزنا على اقمار قصف بها اعصارك, لا لا لا ياشيخى انه كابوس طويل كيف لى ان اتحمله , لم أعد قادرا على إستيعاب مايجرى , ففى هذا الدغش الاصفر هجمت على صور من البوسنة والهرسك , رأيت راتكوراتكو ملاديتش يبكى ويقول لى لماذا يصفنى الناس بأننى جزار البوسنه , كان الرجل يلح على بالذهاب طوعا الى لاهاى وإلا , وفجأ يعود القذافى بوجهه الملطخ بالدماء, وامعائه التى يخرج منها شىء اشبه بالكتاب الآخضر,كنت اركض واركض بلاجدوى ,وحين اظن نفسى قد خرجت من دائرة الكابوس , تلفنى موجة عاتية وتعيدنى الى قاع كثيف الظلمة فأجد داخله حسين حبرى يلعب الديمنو مع جوكونى واداى , هل تصدق ياشيخى ان احجارهما التى كانا يلعبان بها هى جماجم صغيرة أظنها جماجم أطفال, كيف لى ياشيخى الخلاص من هذا العذاب الطويل, كلما اتوق الى الفكاك من الكابوس الى الوعى تباغتنى اياد عجفاء لتعيدنى الى شيمة الظلام , انه عالم مرعب ياشيخى, يسهم الشيخ مليئا فى الارض ثم يقول للحالم المعذب ,ان ظهور الشيخ الضاحك دائما وبجانبه الفهد الاسيوى هو امر محير, بل هو شر مستطير , اننى لا استطيع تفسير هذا بالتفصيل , ولكنه كما قلت شر مستطير,
يعود الحالم المعذب ليقوص فى كابوسه من جديد ويروى , رأيت وما اغرب مارأيت ياشيخى, رأيت اننى اجوس فى مدينة تغطيها ثلوج بيضاء وسط مقابر عليها شواهد اسمنتية, وحارس يغط فى نوم عميق ,لم ادر ما لذى جاء بى الى هنا, كانت الثلوج تغطى كل شىء , اشجار تئن تحت بياض كئيب ودبابا ت معقوفة فوهاتها الى اسفل , كانت الدبابات تبكى بكاء مرا, تخرج الدموع منها بلون فضى, فتسيل بين المقابر ويتغير لونها الى احمر قان , استيقظ الحارس من نومة وقال لى ما لذى اتى بك الى هنا, هذى المقابر التى تراها يملكها شخص يدعى كراديتش, قلت ومن كراديتش هذا, قال الحارس , انهم يقولون انه اكبر مصمم للموت فى التاريخ بعد الفوهرر
, قلت ومن هو الفوهرر , ضحك الحارس من سؤالى , وقال لى ايها الغبى الم تسمع بهذا الاسم من قبل! ’ غادرنى وتركنى بين هذه الآجداث المغطاة بالثلوج , وبغتة انفتحت المقابر وخرجت منها الاف الجماجم ,جماجم اطفال , وجماجم امهات , وجماجم رجال وصبيان, صرخت ولكن صراخى عاد الى داخلى وكدت أختنق منه, اطبقت الظلمة على البياض فغطت الارض بسواد مثل سواد البحر , طبقات فوقها طبقات,تتناسل الكوابيس كما تتناسل البكتريا , يغوص النائم فى لجج كوابيسه ليجد نفسه كما يروى لشيخه فى مكان غريب وسط اقوم قصار ذوى سحنات وسيمة ولكن عيون بعضهم ضيقة بها نعاس خفيف, يظهر فى الكابوس شبح له جناحان مثل جناحى الخفاش, كان يصيح صحيات مخيفة تخرج من فمه المخروطى شرائط من النيران , كانت الشرائط تكبر وتكبر حتى تتحول الى كتل من اللهب الأصفر يحرق أتونه كل شىء, سمعت طقطقات اللحم وسط أصوات رصاص تنطلق من سحابة برتقالية اللون كانت تسير وتمطر غازات ما ان تصل الى الارض حتى تظهر الثعابين من شقوقها ,وتتسلق الفهود اشجارها وتشاهد الاسود والافيال وهى تحتضر مصدرة اصوات كأنها أصوات حجارة ضخمة تسقط من الجبال يحدث كل هذا قرب بحر من النيران يزداد إشتعالا كلما ازداد تهاطل الغاز, وفى غمرة هذا الفوضى القاتلة يظهر رجل له وجه سعلاة وقرنا ثور وله اظلاف مثل اظلاف الجاموس, سألت الحارس الليلى للمقبرة الذى جاء ذكره فى مكان اخر, رد على وهو يدخن غليونا طويلا ان ما تسأل عنه يدعى بول بوت جزرا كمبوديا زعيم الخمير الحمر, قلت لم افهم شيئا
قال هو( احد أحد أكبر السفاحين في القرن العشرين. إنه بول بوت، الذي أعدم عدة مئات الآلاف من الكمبوديين، بل وبلغ الذين قتلهم خمس سكان البلاد، أي ما يقارب المليون ونصف من الكمبوديين، ذلك على أيدي المنظمة الشيوعية التي كان يترأسها والتي اشتهرت في العالم أجمع بتسمية “الخمير الحمر( انظر الجماجم التى خلفها انه كابوس داخل كابوس لكن فى خور يابوس رايت مقابر مثل المقابر التى ذكرتها, ان القبور كما يقول شيخنا ودتكتوك هى مستودع سر الموت .ولكن ياشيخى هل يصح ان يشبهوننى بقاتلين مثل الذين جاءت بهم سيرة كاتب الرواية , يرد الشيخ , لم يقل ذلك احد ولكن كل قاتل يحمل اوزاره حتى قيام الساعة.
الليلة الثالثة
كان شقشقة طيور حديقة القصر تؤذن بقدوم الصباح , صلى بطل الكوابيس صلاة الفجر حاضرا بالقرب من سريرنومه , وتناول المصحف ليقرأ من ماتيسر من سورة يسن, وما ان انهى اوراده الخاصة حتى طلب من الشيخ سماع كابوس الامس صارالشيخ مولعا بسماع الكوابيس الرئاسية , يتلهف قدوم الصباح حتى يستمتع بحكاية من حكاياتها التى تشبه المسلسلات التركية فى طولها, قال البطل ياشيخى ان كابوس الامس لهو امر عجب بالرغم من حجم الرعب الذى كان فى تضاعيفه , ولكنه كشف لى مايدبر ضدى من مؤامرات أعتدل الشيخ فى جلسته
ورأخى اذنيه كطبق لاقط إستعدادا لسماع ما يرويه ,قال البطل وأنا أغرق فى نومى شاهدت جمهورا يتجمع بالقرب من القصر الرئاسى , أرسلت مدير مخابراتى ليستطلع الأمر , ولكنه عاد وقال إن المعلومات التى لديهم ان هؤلاء جاؤا للتظاهر ضد اخرين كانوا ينوون المجىء قبل هؤلاء لإحتلال هذه الساحة , انهم من الحزب, بدأ عددهم فى ازدياد , كنت شقوفا بمتابعة هذه الحركة النشطة لدرجة اننى تسمرت فى نافذة القصر أرقب ما يجرى, توقفت حافلات عدة وخرج منها عمال يلبسون سترات زرقاء ويحملون لافتات كتب عليها كلام بلون احمر لم استطع ان اتبينه ,كانوا كثيرون يزدادون كثرة كلما علت هتافاتهم التى لم اسمعها جيدا, وفجأة ومن جهة الشرق وهو الطريق المؤدى للجامعة التقطت هتافات بعيدة ولكنها كانت ذات رزيم تعلو شيئا فشيئا ,
وقبل ان أرهف السمع جيدا لها , فأذا بأصوات أخرى أكثر صخبا تجىء من الجهة الأخرى جهة وزراة الإعلام, قلت لمدير مخابراتى الذى بدا واثقا من ان هذه الحشود جاءت لتجدد الولاء لى , رديت عليه ولكن ما المناسبة, قال إنها بمناسبة إنتصار الجيش على المتمردين فى النيل الازرق , عموما ياشيخى كان الناس يأتون من كل حدب وصوب , تكاثروا مثل سحابة جراد تغطى عين الشمس ,اقتربوا من القصر كثيرا , لمحت فيما لمحت جيشا من الذين يرتدون عباءات سوداء ذكرنى هذا بالغربان التى شاهدتها فى حلم الليلة الاولى, لم ينقطع سيل الناس هؤلاء طلاب جامعات يحملون فى أياديهم كتبا عليها دماء, وأولئك طلاب مدارس ثانوية يحملون لافتات تطالب بوجبة إفطار,قلت لمدير مخابراتى مرة اخرى ارجو ان تتأكد مرة أخرى مما يجرى, غادر المدير القصر سريعا وهو يتحسس مسدسه متوجها صوب الجموع , كان يشعر بخوف شديد من غضبة الزعيم عندما يتبين كذبه فهو كان يعرف مايجرى ولكن ما بيده حيلة لوقف تصاعد الأحداث.
كان المطر يهطل غزيرا في الخارج , والسحب المتخمة بالماء سوداء شاسعة تغطى صفحة السماء , لم يكن ممكنا سماع شيء وسط صخب المطر إلا صوت الحراس الخاصون وهم يحملون مدافع صينية الصنع , وأجهزة اتصال صغيرة تصدر إصواتا محشرجة يبدو أنها متابعات ليلية من وحدة الأمن الخاصة بالحماية بينما يقبع بالقرب منهم دبابتان ودبابون شباب ذوى لحى مدببة مهمتهم مراقبة الحراس الخاصون, كان الجميع يحملون أسلحة غريبة وأجهزة اتصال تخرج منها أصوات مشخشة يبدو أنها صادرة من غرفة العمليات المكلفة بأمن الزعيم , وفى داخل القصر كان الزعيم يغرق في كابوسه متنقلا بين أودية الخوف ,سائرا في برية مليئة بأشجار الصبار التي تشبه رؤوس الشياطين , لم يكن الشيخ موجودا في القصر, فقد غادر إلى قريته بعد أن أجزل له الزعيم العطاء كان كابوسا عجيبا هذه الليلة, يا الهى ما الذي يحدث لي, هكذا خاطب زوجه التي كانت تجلس بالقرب منه, كان الزعيم يتصبب عرقا ,تعلو وتنخفض أنفاسه مثل قارب ترفعه وتحطه الأمواج بلا توقف, روى الزعيم لزوجه كابوسا غريبا ومن شدة غرابته قال أوشك إن يكون حقيقة, بعض الكوابيس يقول بعض مفسري الأحلام قد تتحول إلى واقع يعيشه صاحبه ولو بعد أيام أو شهور,
قال زعيم الكوابيس لزوجته , أنها ليلة مرعبة حقا رأيت شيئا لم أره من قبل, رأيت عاصفة شديدة الإصفرار تتجمع من جهة سوبا يسبقها هواء ساخن به رائحة تراب متعفن, عاد الكابوس من جديد يمسك من أنفاسي, كانت جيوش من البشر تزحف تجاه القصر تهتف هتافا واحدا الشعب يريد إسقاط النظام, إلى الجحيم يارجيم, كثرت أنهر البشر, من الجسور الأربعة يزحف الناس كأنما هو يوم الحشر , ومن جهة الشرق تتدفق طوابير من العمال يحملون في أياديهم أحذية قديمة يلوحون بها في الهواء , وفى غمرة هذه الفوضى كانت حافلات كبيرة تأتى من الأقاليم مزارعون من مشروع الجزيرة , ومزارعون من مشاريع الرهد , وطوكر, وكنانة, يتقدمهم طلاب جامعات يهتفون جميعا ضدي يريدون خلعي, وفجأة يعود مشهد أولئك الذين رأيتهم في كابوس سابق , أناس يرتدون عباءات سوداء تبينت إنهم المحامون ومن وراءهم الآلاف من أبناء المناصير يحملون في أياديهم عصى وسيوفا وخناجر, كانت جيوش البشر تأتى من كل فج , اطباء يحملون على اك########م مرضى ومهندسون يحملون خرائط باهتة للخرطوم, جنود شرطة يلقون بنادقهم ويلتحقون بجنود جيش يحملون نعوشا عليها علم السودان القديم ,جسور العاصمة كادت إن تختنق من الناس, ألاف من النساء وفتيات المدارس يصرخن ويبصقن في وجهي, بعد برهة إنزاحت ستارة من أمام عينى, أنحسرالكابوس القديم , سبق ذلك خيوط لزجة كانت تحاول الإلتفاف حول عنقي, وكنت أجاهد فى إبعادها بيدي ولكنها كانت عنيدة فى إصرارها للالتفاف حول عنقى,
إتسع مشهد الكابوس, رأيتنى اتناول هاتفى الجوال وأشرع فى الإتصال بنائبى, أسمع رنة هاتفه طويلا ولكنه لايرد, بدأت الهواجس تلعب برأسى ,تركت نائبى وإتصلت بمدير مخابراتى الذى وعدنى بالعودة , ولكنه لم يعد, هو بدوره أغلق هاتفه نهائيا (هذا الشخص لايمكن الإتصال به حاليا حاول مرة اخرى,) الفأر بدأ يلعب فى عبى , حاولت وزير دفاعى ولكن كانت النتيجة نفسها, كانت أنفاسى تتقطع عدت مرة أخرى لأتصل بمسئول الدفاع الشعبى ولكن بلاجدوى, فكرت فى مسئول الميلشيا السرية الخاصة لمثل هذه الحالات ولكن أيضا بلاجدوى,كان الكابوس يضغط على رأسى يكاد يفجر عروقى, , مالذى يجرى ؟ هل أنا فى حلم حقيقية , أم انه منطق الكابوس؟عاد الشيخ الضاحك يطل على من جديد بسخريته وضحكاته البهلوانية واشارات إصبعة ال######ة, أختفى وجهه فجأة ليظهر مرة اخرى وجه أوكامبو الذى كان يحمل هذه المرة مجلدات من الكتب وكان يغمز لى بعينيه بطريقة لا استطيع تفسيرها, كان بصحبة الرجل إمرأة أفريقية مكتوب على تنورتها فاتو بن سوده قدمها لى وأختفى فى عتمة الحلم, أقتربت المرأة منى شيئا فشيئا , كانت تنسحب الى الوراء وتنادى علىَ ان اتبعها ولكنى تراجعت الى الوراء لأدخل فى دوامة كابوسى , وعند حافة الكابوس ثارت زوبعة لولبية غبارها الكثيف أنعقد فوق رأسي, تبع الزوبعة صوت رجرجة عظيم أشبه بصوت طائرة مروحية عملاقة,
إزداد الغبار كثافة, كان الجسم يقترب منى وكنت اتكور على نفسى من شدة الخوف , تبا , ماهذا الذى يجرى ؟هل هو حلم داخل حلم ؟ اننى اشهد الان جنودا يهبطون من الطائرة فى سرعة فائقة يحملون خريطة تتبعهم كلاب بوليسية ذات انوف مثل انوف الخنازير,انهم جنود بيض إستمر نزولهم السريع من الطائرة وسط زخات من الرصاص والقنابل الضوئية,كانت القنابل الضوئية تحول المكان الى نهار,وسط هذه الفوضى رأيت وجه بن لادن يطفو ويختفى فى بحر لونه أصفر, يا الهى مالذى يجرى هل انا فى باكستان ام السودان ؟ مالذى يريدونه منى؟كيف دخل هؤلاء ووصلوا الى غرفة نومى دون ان يكتشفهم وزير دفاعى؟ كان أوكامبو يحمل فى يدية قيد فضى, طلب منى مد يدى فممدتهما له مذعنا وضعيفا , وسرعان ما البسنى ذلك السوار المشهور,وفى وسط هذه الجلبة اقلعت المروحية الى اعلى وعلى مسافة تمكن من الرؤية , رايت كل رجال حكومتى فى طابور طويل نواب ,ووزراء ووزراء دولة , وولاة ,لكن الذى ادهشنى وقتلنى من الدهشة هو رؤيتى نائبى فى مقدمة هؤلاء يقف بالقرب رئيس قلم مخابراتى, ولكنى لم اعثر على وزير دفاعى وعند اجتهادى فى العثور عليه ضمن المودعين كانت المفأجاة ان جذبنى من كم جلابيتى فقد كان يقبع بجانبى ولكنى لم اره جيدا وسط غبار المروحية,
كان يلبس سوارى نفسه , وهنا ضحك اوكامبو ساخرا ورتب على كتفينا فى حب وحنان ونشوة . وقبل ان تختفى المروحية فى سماء الخرطوم رأيت من عل قطيعا من اسود جائعة تنهب الارض على غير هدى, كا ن ملايين الناس يزحفون الى وسط الخرطوم, انه عملاق له ملايين الرؤوس يشعل الحرائق فى الأبنية الحكومية , والمحال التجارية ,كان هناك ماسحو أحذية وتجار احذية وصبيان شوارع يركضون فى إتجاهات متقاطعة يحملون مشاعل نيران صنعوها من دواليب قديمة للسيارات يقذفونها على المحال التجارية فترتفع السنة اللهب, كان كابوسا عجيبا أغرق فيه كلما اوغلت فى النوم, رايت فكا وزيرى يتدليان حتى كادا ان يلامسا الارض يخرج منهما سائل بنى وهو منطو على نفسه كدودة غزل, قال لى وهو يئن أنين عنزة على وشك الوضوع ,
لقد هربوا كلهم يا سيدى قلت من ؟ قال الجماعة, قلت ماذا تقصد ,قال شاهدت بعضهم يحملون صناديق فى سيارات اظنها ملايين , رأيت الشاب البوشى يطارد نافع من شارع الى شارع ونافع يولول كالنساء , وتتطاير من حقيبة يحملها دولارات ويورو , ورايت مئات سيارات الدفع البراعى محملة بالدولارات والذهب تنهب الارض فى إتجاه الحدود الإثيوبية والأريترية ورأيت و يا هول ما رأيت رأيت خليل ابر اهيم يطعى أوامره لقواته بالبحث عنى حجرا حجر وطوبة طوبة , يقول لهم أريده حيا لاتقتلوه كما قتلنى, وقبل ان أبلع ريقى فى هذا الكابوس أطلت على وجوه غاضبة مكشرة, أمعنت النظر فيها مليئا وعرفتها , كانت لعقار, والحلو , ومناوى وبولاد انهم يحدقون فى وجهى طوال الوقت ولايتكلمون صمتهم ذاك يقتلنى كانت قواتهم تحاصر المدن الثلاثة , يزحفون مثل النمل الأحمر فى جميع الجهات, يتلاقون مع الخلق فى منعطفات الشوراع وتقاطعاتها ايه ياشيخى من هذا الكابوس الذى لايغادرنى لحظة, عاد الشيخ يحدق فى وجه سلطان الكوابيس وحرك مسبحته فى يده ميمما وجه شطر القبلة , مرددا آورادا كثيرة أنصت لها الزعيم وهو فى دوامة هواجسه بينما كان أوكامبو يتصفح أوراقا كثيرة ويدخن سيجارا كوبيا والمروحية تحلق فوق واد اخضر تهم على الهبوط ولكن الضباب يمنعها فتدور دورة كاملة وتعود من جديد فتنجح فى النزول محدثة غبارا كثيفا وبعد برهة ينكشف الغبار فيظهر طابورا طويلا من القضاة ذوى القلنصوات السوداء يبتسمون للقادم الجديد , يرحبون به وبوزير حربه الذى لايكاد يصدق ما يجرى . انتهى
اضاءة
لويس مورينو أوكامبو (4 يونيو 1952 في بوينس آيرس، الأرجنتين) هو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الحالي، وهو مسؤول عن التحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. أرجنتيني الجنسية، حصل على سمعة حسنة خلال ملاحقته كبار المسؤوليين العسكريين وعلى جهودة في مكافحة الفساد في بلاده.
تخرج في عام 1987 من جامعة بوينس آيرس ،كلية القانون، عمل ملازم قضائي من عام 1980 إلى عام 1984 قبل أن يذاع صيته بوصفة مساعد المدعي العام للجنة الوطنية المسؤولة عن اختفاء الاشخاص في الأرجنتين بين العامين 1984-1985 التي قامت بمحاكمة 9 من كبار المسئوليين الأرجنتينيين من ضمنهم ثلاثة رؤساء دولة سابقيين وعدد من الدكتاتوريين العسكريين الذين أتهمو بعمليات قتل جماعي.
ترك مورينو اوكامبو في عام 1992 موقعه الرئيسي كمدعي عام للمحكمة الاتحادية الأرجنتينية حيث قام بأفتتاح مكتب محاماة متخصص في القانون الجنائي وقانون حقوق الإنسان وفي نفس الوقت عمل أستاذ مساعد في القانون الجنائي في جامعة بوينس آيرس وكان أيضا أستاذ زائر في جامعة هارفارد وجامعة ستانفورد في الولايات المتحدة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
وقفات مع لقاء
بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى منذ 12 ساعة 12 دقيقة حجم الخط: محمد زين العابدين عثمان
ما كنت أظن أن اللقاء الذى أجراه الطاهر حسن التوم مع السيد رئيس الجمهورية فى قناة النيل الأزرق مساء يوم الجمعة الموافق 3 فبراير 2012م ونقلته فى نفس الوقت قناة التلفزيون القومية وقناة الشروق وأذاعة أم درمان يمر مرور الكرام على الكتاب الصحفيين والكتاب السياسيين وكذلك النخبة المتعلمة والمثقفة فى بلادى ، أذ كانت أجابات السيد الرئيس على كل الأسئلة التى طرحت عليه غير مكتملة وبعضها غير موفق علماً بأن اللقاء معلن له بوقت كاف والأسئلة معروفة للسيد الرئيس ولم تكن مفاجئة له. كما أن الأخ الطاهر الذى اجرى اللقاء لم يحاول أن يستولد أسئلة جديدة من أجابات الرئيس ويدفع بها اليه فى مقابل أجابات السيد الرئيس. ولا أدرى هل الكتاب السياسيين الصحفيين قد أحجموا من تلقاء أنفسهم للتعليق على اجابات الرئيس زهداً أم خوفاً أم أنهم قد كتبوا ولكن مقص يد الرقيب كانت لهم بالمرصاد ومنعت ردودهم من النشر.
وأنى الآن متوكل على الله لأدلف تعليقاً على أجابات السيد الرئيس بالنقد الكامل بكل الجراءة وأتمنى أن تبتعد يد الرقيب عما أكتب لأن وسائل النشر التى لا تتحكم فيها يد الرقيب كثيرة ومقروءة بأعداد كبيرة من القراء أكثر من الصحف اليومية وأن الحكومة ليس لها المقدرة للتحكم فيها أو ايقافها فالعالم قد صار قرية بفعل تطور ثورة تكنولوجيا الألكترونيات. أجاب السيد الرئيس عن أنتشار الفساد المالى فى البلاد وخاصة من قبل المسئولين بأنه ليس هنالك فساداً يذكر ومعظم ما يقال عن الفساد فهو تهويل وأن الفساد المالى الذى تحصل عليه المراجع العام يساوى حفنة من ملايين الجنيهات وقد قام المراجع العام باسترداد الكثير منها ولا أدرى أنسى أم تناسى السيد الرئيس أن الفساد ليس كله فى القطاع العام فجزء كبير منه فى الشركات شبه الحكومية وهى شركات الحزب وجهاز الأمن والجيش والشرطة وأن هنالك كثير من المال يجبى ويجنب ولا يدخل قنوات المحاسبة ولم تجبى بأرنيك 15 وبذلك لا تمر على وزارة المالية ولا تخضع للمراجعة وكذلك ما حدث فى شركة اقطان السودان ليس ببعيد ومثلها كثر من شركات شبه القطاع العام.
عن فساد الدستوريين والتنفيذيين والتشريعيين فى حكوماته قال الرئيس أن كل من يتولى منصباً يودع أقراراً بأبراء ذمته قبل أن يباشر عمله ويبقى السؤال هل النائب العام تحقق من أن كل ما كتبه المسئول فى أقراره يملكه؟ أم كتبه أحتياطى لينهب عليه؟ وهل حدث أن راجع النائب العام ممتلكات أى من المسئولين بعد ان فارق المنصب ليتأكد ما أذا كان قد أفسد أم لا؟ والرئيس قال أنه شخصياً قد أودع أبراء ذمة عند النائب العام وفيه أقر أنه يملك منزلاً فى كافورى وآخر بالمنشيئة وشقة بمجمع نصر ومزرعة كبيرة بالسليت ويبقى السؤال هل أودع هذا الأقرار بابراء الذمة يوم أن أستولى على السلطة فى 30 يونيو 1989م أم بعد أنتخابه أخيراً رئيساً للجمهورية. اذا كان اقراره هذا منذ عام 1989م فالكل يعرف حاله وحال اسرته وأنه لا أكثر من ضابط بالجيش والذين فى رتبته لا يملكون منزلاً حتى فى أمبدة. وأذا كان أودع أبراء الذمة من قبل سنتين من حقنا أن نتساءل من اين للرئيس كل هذا؟
لا أدرى لماذا أعتقد السيد رئيس الجمهورية أن الفساد عند العاملين فى دوواوين الحكومة فقط. وهذا اللقاء معلن منذ زمن أليس للرئيس من مستشارين يساعدونه فى الأجابة على هذه الأسئلة حتى يبدو اكثر حصافة وهم يعلمون ان الشعب السودانى شعب لماح وكا يقول المثل عندنا يفهمها وهى طائرة ومخفية. ولماذا لم يسأله مقدم البرنامج عن الفساد فى أنهيار مبانى عمارات جامعة الرباط والتى كان المتهم فيها وزير داخليته وأحد أقربائه المقاول المهندس؟ وهى قضية تمت تسويتها بعيداً عن أعين الشعب ولم يحاكم فيها أحد وحتى وزير الداخلية تقدم بأستقالته وقال الرئيس أن رفيقه قد ذهب فى أجازة محارب وأتى به ثانية بعد شهور مترقياً كوزير للدفاع، حسبى الله ونعم الوكيل.
أن كل قرائن الأحوال تقول أن أى أشاعة فى السودان خصوصاً عن الفساد هنالك فيها جزء من الحقيقة اذ المجتمع السودانى مجتمع مفتوح ومتداخل وكل صغيرة وكبيرة معروفة بين الناس وليست هنالك الخصوصية الشديدة بين ابناء المجتمع السودانى ويعرف أفراده بعضهم بعضاً جيداً وعندما يرى الثراء الفجائى يتساءل ويبحث ويستقصى ولا يلقى بالقول على عواهنه ويصل للحقيقة التى يعتبرها البعض أشاعة. ألم يسمع السيد الرئيس أنه هو وأسرته متهمين بأنهم قد أستحوزوا وأستولوا على شريط الأرض الممتد فى كافورى والذى ترك فى المخطط ليكون للخدمات من مدارس ومستشفيات وغيره وأن صاحب الملك عزيز كافورى لم يعوض عليه بأعتبار أنه للخدمات وتبرع به وصار هذا الشريط عند الشعب السودانى يعرف بشريط حوش بانقا تهكماً كناية عن موطن الرئيس الأصلى بنهر النيل أذ أمتلكته أسرة الرئيس ونسابتهم وشهدائهم مساجداً. أضافة الى ذلك فأن اشاعات الفساد على كل الألسنة تلاحق أخاه عبد الله وزوجته وداد وحالها عند الشهيد أبراهيم شمس الدين والآن وكذلك ما يحوم من شبهات فساد حول زوج أخت الرئيس. ليت مقدم البرنامج قد طرح هذه الأسئلة الشخصية على السيد الرئيس أو فتح البرنامج لأشئلة المشاهدين.
السيد الرئيس يطالب الشعب أو من يتحدثون عن الفساد بأن يقدموا المستندات والوثائق وهو شخصياً قد أعترف بالفساد ضمنياً عندما كون للفساد مفوضية أو آلية لمكافحة الفساد برئاسة أبوقناية ومع ذلك يقول أن هنالك تهويلاً للفساد. فالفساد سيدى الرئيس جزء من التمكين الذى اعترفت به ومقنن بواسطة الدولة ومحمى بها وهو يضرب بأطنابه فى معظم الدستوريين والتنفيذيين والتشريعيين وأقربائهم وأبنائهم وأصدقائهم وهو ظاهر للعيان فى غابات الأسمنت وناطحات السحاب فى السودان الفقير الذى يعيش معظم شعبه تحت خط الفقر المعروف عالمياً، كيف تحكم سيدى الرئيس؟
الفساد سيدى الرئيس تحسمه كلمة واحدة دونما أن تكون محتاجة الى مستندات أو وثائق وهى من اين لك هذا؟ وهنالك قانون من اين لك هذا وقانون الثراء الحرام فعلهما وأجعل عليهما أمناء هذه الأمة الذين شهد لاهم بالأمانة والكفاءة والنزاهة لا يخافون فى الحق لومة لائم. والثراء الحرام حتى ولو بالشبهة قد عرفه سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه فى حادثتين. الأولى عندما رأى وهوماراً يتفقد الرعية أن هنالك جمالاً ونوقاً سمينة وملساء من الشحم واللحم ورأى بقية النوق والجمال ضعيفة وعجفاء فسأل لمن هذه النوق والجمال فقيل له أنها لعبد الله بن عمر أمير المؤمنين. فنادى أبنه وقال له نوقك هذه قد أكلت كلأ الآخرين لأن الرعاة أفسحوا لها المراعى الخصبة لأنها أبل أبن أمير المؤمنيين فصادرها منه واضافها لبيت مال المسلمين ومثل هذه الشبهة كثيرة عند كثير من مسئولى حكومتك فهل أخذت لنا بحقنا منك ومن غيرك؟ والحادثة الثانية هى عندما أتى سيدنا عمر الصحابى الجليل أبوهريرة وكان قد ولاه على البحرين أتاه فى الديباج والحرير ومعه كثير من النعم، فسأله أمير المؤمنين عمر أن من أين له هذا؟ فقال أبوهريرة أنما أهدى الى وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية فقال له سيدنا عمر هلا جلست فى بيتك ليهدى لك فسلبه كل ذلك واضافه لبيت مال المسلمين وعزل أباهريرة عن أمارة البحرين فالسلطة العامة ليست فيها هدايا غير مغروضة وبذا يكون فيها سمت من الفسلد
أليس هذا هو سيدنا عمر سيدى الر ئيس الذى تمت تسميتك عليه؟ لماذا لا تتشبه بمن سميت عليه؟ ومن تشبه بمن سمى عليه من أهل الصلاح فقد افلح والتشبه بالرجال العادلين فلاحة. أليس هذا هو الأسلام الذى تقول أنك تريد أن تقيم شريعته؟ والأسلام هو من صدق القول بالعمل وأعلم أنك تعرف طريق عدالة الأسلام ولكنك تزيغ عنها هوى فى النفس. وألا ما الذى يمنعك أن تقيم عدل الأسلام فينا؟ وشعاركم هى لله لا للمال ولا للجاه ولا للسلطان فقد دلت التجربة انكم قدكذبتم فيه وصار العكس هو الصحيح وصار صحبك ينطبق عليهم قول الرسول الكريم أن ترى الحفاة العراة رعاة الشاه يتطاولون فى البنيان ,أنظر اليهم أن كنت تتذكر حالهم قبل سلطتك فستعرفهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول. تحدث السيد الرئيس عن مذكرة الأسلاميين والمعروفة بمذكرة الألف أخ والتى ينوون رفعها للحركة الأسلامية ولم يقولوا نريد أن نرفعها للمؤتمر الوطنى وأن كانوا كلهم فى المؤتمر الوطنى ولكن الحركة الأسلامية قامت على الفكر الأسلامى ولها مسارها الطويل قبل المؤتمر الوطنى ولها تاريخها ومجاهداتها.
لقد قام الرئيس بأستعدائهم عندما قال أنه سيحاسبهم وأنهم منفلتون وهم أقلة بالنسبة لعضوية المؤتمر الوطنى البالغة خمسة ملايين وهو يعلم علم اليقين أن معظم هذه الخمسة ملاييين كغثاء السيل مع السلطة اينما تميل ولن تجدهم عند الحارة وسينفضوا منك ويتركوك قائماً كما تركت عضوية الأتحاد الأشتراكى ذات الملايين المشير نميرى فى السهلة عندما جاءت الحارة. والسيد الرئيس يعلم أن مركز وقلب المؤتمر الوطنى هم الأسلاميون من الحركة الأسلامية او الذين تربوا فى حركة الأخوان المسلمين وبدونهم لن يكون هنالك مؤتمراً وطنياً تعتد به. أنسى السيد الرئيس أو تناسى لا اعلم أن هذه السلطة هى سلطة الحركة ا\لأسلامية وهم أهل الحل والعقد فيها وهم الذين نفذوا الأنقلاب فى 30 يونيو بكوادرهم أكثر من ضباط وافراد القوات المسلحة وأن الرئيس نفسه لم يكن له ضلع فى التخطيط لهذا الأنقلاب ولم تكن له كتيبة تابعة له فى سلاح المظلات وقد أتى به ليكون على قيادة الأنقلاب بعد استشهاد مختار حمدين رئيس التنظيم العسكرى الأسلامى داخل القوات المسلحة وقد اتى الرئيس من الجنوب وهو يجهز للسفر لبعثة الى جمهورية مصر
هل نسى السيد الرئيس كل هذا التاريخ القريب؟ أن من حق الأسلاميين ان يرفعوا مذكرة لتنظيمهم اذا احسوا ان مشروعهم ودولتهم التى بنوها قد صارت ظالمة وأن مشروعهم الأسلامى قد ضاع هباءاً منبثاً مع سلطة فسدت وافسدت واضاعت الوطن والعباد ولذلك لا بد من تصحيح المسار. والسيد الرئيس يعلم علم اليقين أن البقية الباقية معه من المنتمين فكراً وثقافة لمشروع الحركة الأسلامية لو رفعوا ايديهم عن النظام اليوم لسقط هذا النظام غداً ولن تنفعه عضوية المؤتمر الوطنى المليونية ولأن هذه الملايين لم تنفع المشير نميرى عندما أستعدى نميرى الأسلاميين ورمى بقياداتهم فى السجون. الأسلاميون سيدى الرئيس هم الذين ثبتوا هذا النظام وهم الذين قدموا الشهداء فى حرب الجنوب وهم الذين سهروا وحركوا مسيرات التاييد وهم الذين خدعوا الشعب السودانى باسم الدين طوال السنوات الماضية ليستمر حكم الأنقاذ أكثر من أثنين وعشرين عاماً ولن تنفعك القوات المسلحة حتى ولو كانت معك على قلب رجل واحد ولكن فيها الكثيرين الذين يأتمرون بأمر الحركة الأسلامية وليس بأمر القائد العام او الأعلى. ونواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
الناعمة (2): خطايا دولة ’البدريين‘ الست!؟ا.. إنقلاب الثلاثين من يونيو لم يولد سفاحا " أمه هي ’الحركة الإسلامية‘ وأباه الشرعي هو الدكتور حسن الترابي " إبراهيم الكرسني
تطرقنا فى مقال القوة الناعمة السابق الى الأساليب الماكرة التى ظل قادة ومفكري وكتاب ما تسمى نفسها ب’الحركة الإسلامية‘، وبالأخص السادة الطيب زين العابدين وعبد الوهاب الأفندي، يجتهدون فى تجويدها بهدف إعادة مشروعهم القديم البائر فى ثوب جديد يمكن تسويقه للشعب السوداني مرة أخرى، و التى أثبتت تجربة العقدين الماضيين بأنه يصلح نموذجا للدمار الشامل، وهو الى البؤس الفلسفي والفكري أقرب منه الى تحقيق عدالة دولة ’البدريين‘ التى وعدوا الناس بها كثيرا، فى جعجعة إعلامية أصمت آذاننا، ولا تزال، من خلال تلك الكتابات البائسة التى سنأخذ نموجا لها المقال الأخير للسيد الطيب زين العابدين، أحد منظري تلك الحركة وكادرها القيادي، الذى أعادة نشره صحيفة ’الراكوبة‘ الغراء.
تمثلت إجتهادات هؤلاء السادة فى محاولة إقناع الناس بالمستحيل نفسه، وهو الفصل التام بين التوأم السيامي المتمثل فى ’الحركة الإسلامية‘ ونظام الإنقاذ، فى محاولة بائسة لإقناعنا بأن نظام الإنقاذ ليس سوى نبت شيطاني ظهر فجأة كطحلب طفيلي، وهو بالفعل كذلك، ليقضى على الأخضر واليابس من على أرض السودان الطاهرة. بمعنى آخر يود هؤلاء السادة إقناعنا بأن إنقلاب الإنقاذ قد ولد سفاحا فى صبيحة الثلاثين من يونيو من عام 1989م، فى ذات الوقت الذى يعلمون فيه يقينا بأن أي طفل فى شوارع بلادنا المترامية الأطراف، ناهيك عن القادة السياسيين، وكتاب الرأي، و المفكرين، والأكاديميين، وغيرهم ممن لهم إهتمام بالشأن العام، يعلم تماما فى ذلك الوقت تفاصيل شهادة ميلاده. ونود أن نذكرهم بها فى هذا المقام، لعل الذكرى تنفع المؤمنين، لأنهم بمثلما إفترضوا جهلنا بها فى بداية عهدهم البائس، فقد إفترضوا أن أمرنا كذلك الآن، وإلا فما هو المبرر الذى دفعهم لتدبيج تلك المقالات والتى حاولوا من خلالها تبرئة ’الحركة الإسلامية‘ من ذلك الإنقلاب المشؤوم؟!
إن شهادة ميلاد ذلك الكابوس الجاثم على صدر شعبنا لفترة تزيد على العقدين من الزمان، يا سادة يا كرام، تقول بأن إنقلاب الثلاثين من يونيو لم يولد سفاحا بل إن أمه هي ’الحركة الإسلامية‘ وأباه الشرعي هو الدكتور حسن الترابي. إذن فإنقلاب الإنقاذ ليس مجهول النسب، أو مجهول الأبوين، وليس كذلك بلقيط، مثل أطفال دار المايقوما الذىن أنتجهم ذات النظام، وإنما أقر بأبوته السيد زين العابدين نفسه فى خطيئته الأولى التى ذكرها فى صدر ذلك المقال حيث قال، "وبدأ العمل السياسي القح يطغى على كل أنشطة الحركة الأخرى مما دفع ببعض القيادات، من أمثال محمد صالح عمر وجعفر شيخ إدريس وصادق عبد الله عبد الماجد، الاحتجاج على هذا النهج الذي يتزعمه الترابي وذلك في مناقشة ساخنة داخل مجلس الشورى في منتصف عام 1968 بنادي أمدرمان الثقافي والذي أدى فيما بعد إلى انشقاق الحركة عقب مؤتمر فبراير 69. واعترف بأني كنت في الصف الذي انتصر للترابي في تلك المواجهة الفكرية. وبالطبع كان نتيجة ذلك أن صرفت معظم موارد الحركة البشرية والمادية على العمل السياسي على حساب الأنشطة الدعوية والفكرية والتربوية والاجتماعية".
إذا كان السيد زين العابدين قد فضل العمل السياسي ’على حساب الأنشطة الدعوية والفكرية والتربوية والإجتماعية‘، وإنحاز الى معسكر الترابي منذ عام 1968م، فماذا كان تصوره، يا ترى، عن طبيعة مولود هذه المعادلة؟ بل ماذا كان يعني العمل السياسي أصلا عند السيد زين العابدين إن لم يكن الوصول الى السلطة السياسية، بغض النظر عن الوسيلة، لتنفيذ برنامج ’الحركة الإسلامية‘ السياسي؟ فإذا كان السيد زين العابدين قد إنحاز الى معسكر السيد الترابي فى تلك المعارك الفكرية والسياسية، بالتالي يحق لنا أن نفترض كذلك إنحيازه الكامل لنفس المعسكر الذى خطط ونفذ إنقلاب الثلاثين من يونيو، أليس كذلك؟ وبالتالي يصبح السيد زين العابدين مسؤولا، ولو بقدر أقل من مسؤولية الترابي، عن جميع الجرائم التى إرتكبها نظام الإنقاذ فى حق الشعب و الوطن، على الأقل فى عشريته الأولي، أليس كذلك؟ إذن لماذا يحاول السيد زين العابدين ومشايعيه المستحيل الآن لإقناعنا بضرورة الفصل بين ’الإنقاذ‘ و ’الحركة الإسلامية‘؟ أم أن ’الشينة منكورة‘، على حد القول المأثور لأهلنا الطيبين!!
لقد سمعنا كثيرا عن إنكار أبوة الطفل والتى يتطلب إثباتها إجراء الفحوصات الطبية، بما فى ذلك تحليل الدم، لمعرفة الأب الطبيعي له. لكنها المرة الأولى التى نسمع فيها بإنكار أمومة أي طفل، وهي ’الحركة الإسلامية‘ فى هذه الحالة. إنها لعمرى أحد ’عبقريات‘ الإنقاذ، التى يمكن إضافتها الى أعمال مسرح اللامعقول! وللنظر الآن الى ماذ قال السيد زين العابدين فى ذلك المقال، فى محاولاته البائسة تلك لفصل التوأم السيامي. تأمل معي، قارئي الكريم، هذه الفقرة من ذلك المقال العجيب،" وتطور الأمر مؤخراً لإبعاد الحركة نفسها عن أي دور لها في المجتمع أو الدولة لأنها غير مؤتمنة على حسن السلوك، وبمناسبة الململة الحالية التي ظهرت في القواعد ارتفع صوت بعض السياسيين المحترفين «الذين ظلوا يتكسبون من العمل السياسي سنوات طويلة» ينادون علانية بدمج الحركة الإسلامية «المؤودة» في المؤتمر الوطني، وأن يكون رئيس المؤتمر الوطني هو شيخ الحركة الجديد «وكأن رئاسة الدولة والحزب لا تكفيه!»، مما يعني حقيقة التخلي تماماً عن كل الأنشطة الإسلامية الأخرى التي كانت تقوم بها الحركة غير العمل السياسي!" إن السيد زين العابدين يتبع نفس نهج الإستهبال فى العمل الفكري والسياسي الذى إبتدعه قادة دولة ’البدريين‘، ويمكن تسجيل براءته كمنتج فكري لهم، وقد برعوا فى تجويده بدرجة إمتياز وصل بهم حد وصف ’الحركة الإسلامية‘ ب"المؤودة"، وبأن الأمر قد تطور ’ مؤخراً لإبعاد الحركة نفسها عن أي دور لها في المجتمع أو الدولة لأنها غير مؤتمنة على حسن السلوك‘. بربكم هل يوجد إستهبال وإستغفال سياسي أكثر من هذا القول الفطير؟ لكن درجة إستغفال السيد زين العابدين لنا تصل درجة الغليان حينما يصف تخلي ’الحركة‘ تماما ’عن كل الأنشطة الإسلامية‘، فى محاولة يمكن إعتبارها نموذجا لإستهبال قادة ومنظري ’الحركة الإسلامية‘!! عن أي أنشطة إسلامية يتحدث هذا الرجل؟ فليذكر لنا السيد زين العابدين مثالا واحدا لتك الأنشطة المزعومة غير مرتبط بالسياسة وبأساليبهم الماكرة لإستلام السلطة، ولو عن طريق الإنقلاب العسكري؟ وحتى إن وجدت مثل هذه الأنشطة، فإن السيد زين العابدين يتحمل المسؤولية الأخلاقية فى وأدها لأنه قد إنحاز لمعسكر السيد الترابي فى تلك ’المناقشة الساخنة داخل مجلس الشورى فى منتصف عام 1968 بنادي أم درمان الثقافي‘، والتى أقرت تفضيل السياسة على الدعوة!!
إن الهدف الثاني، بالإضافة الى الهدف الذى أسهبنا فى تحليله عن محاولتهم البائسة لفصل التوأم السيامي، ’الإنقاذ‘ و’الحركة الإسلامية‘، من خلال تنفيذ الخط السياسي والإعلامي الجديد لمنظري وكتاب ’الحركة الإسلامية‘، هو محاولة خلق جسم هلامي معادل لجسم الإنقاذ، وإخراجه فى ثوب جديد، كعادتهم دائما فى تبديل جلودهم، كما الحرباء تماما، وفق مقتضى الحال، وتسخير كل إمكانياتهم الفكرية والسياسية لتحويل مجرى نهر المعارضة السياسية الهادر نحوه، بدلا من جريانه السريع ليجرف بدولة ’البدريين‘ الى مزبلة التاريخ. بمعنى آخر يود هؤلاء السادة تبديد طاقات حركة المعارضة فى مصارعة طواحين الهواء، ’الحركة الإسلامية الجديدة‘، حتى يتمكن توءمها، المتمثل فى ’دولة البدريين‘ من تبديل جلده، وإخراج نفسه فى ثوب قشيب جديد يمكن أن يتمكن من خلاله من التسلط على رقاب شعبنا لربع قرن قادم من الزمان!!
وقد بدأ يتضح الدور المرسوم لكلا التوأمين فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ شعبنا حيث يتولى المنظرون غسل أدران ’الحركة الإسلامية‘، وتبرئتها من كل الجرائم و الموبقات التى إرتكبتها فى حق الشعب و الوطن، بما فى ذلك عمل المستحيل لمحاولة فصلها عن نظام الإنقاذ، بينما يتولى قادة الدولة الرسالية التراجع عن جميع السياسات التى طبقوها طيلة ما يقارب ربع القرن من الزمان أذلوا من خلالها جماهير شعبنا وأذاقوها الأمرين. وما إعلان السيد الرئيس عن إنتهاء فترة التمكين، وبدء مرحلة جديدة لإستعادة هيبة الدولة و الخدمة المدنية المفقودة، إلا محاولة بائسة أخري فى هذا الخط المرسوم!
لكن ما نود تأكيده لقادة دولة ’البدريين‘، وبالأخص لكتابهم ومنظريهم، فى هذا الشأن هو حتمية فشل هذه المحاولات البائسة أيضا لأنها، وإن إنطلت على بعض المؤلفة قلوبهم من قادة المعارضة، فإنها، وبكل تأكيد، لن تنطلي على القيادات الشابة لحركة المعارضة،داخل وخارج أحزابنا الوطنية، لأنها هي التى إكتوت بلظي نيرانكم الحارقة، و هي التى خبرت خبث أساليبكم، وجميع وسائل إستهبالكم ومكركم الخبيثة، وغدركم ونقضكم للعهود والمواثيق، بحكم صراعها اليومي مع كوادركم ومؤسساتكم الدكتاتورية البغيضة، سواء كانت أمنية أو غير ذلك. وفوق هذا وذاك لأن البلد بلدهم، وليست ملكا لكوادركم الفاقدة للمواهب، والتى أضاعت مستقبل هؤلاء الشباب، فى خطة مدروسة من قبل التنظيمات الأم لحركة الإسلام السياسي على مستوى العالم. ولابد من الإعتراف فى هذا الشأن بأنكم قد نفذتم تلك الخطة ببراعة تحسدون عليها!
ما أو تأكيده فى خاتمة هذا المقال هو إستحالة فصل التوأم السيامي المسمي ب’الحركة الإسلامية‘ و’الإنقاذ‘. فهما ليس سوي إسمين لمولود واحد ليس مجهول النسب، وإنما معروف الأبوين. لكن تلك المحاولات البائسة من قبل كتاب ومنظري دولة ’البدريين‘ ليست سوى فرفرة مذبوح تؤكد تلك الحقيقة أكثر مما تنفيها. بل وتؤكد حقيقة أخرى وهي قرب نهاية دولة الفساد والإستبداد فى السودان، وهو ما سنتطرق له من خلال تحليلنا لبقية الخطايا الست لدولة ’البدريين‘ فى مقالنا القادم بإذن الله تعالي. 23/2/2012م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
شباب السودان .. الدستور الإسلامي .. وتجار الدين!؟ ..
بقلم: إبراهيم الكرسني الثلاثاء, 06 آذار/مارس 2012 08:18 Share
Ibrahim Karsani [[email protected]] أكتب هذا المقال لتأكيد المؤكد فقط، حيث أنه لم يخالجني أدني شك، حتى ولو للحظة واحدة، بأن شبابنا قد إستوعب دروس تجربة الدولة الرسالية تماما، وحفظ أساليبهم الماكرة عن ظهر قلب، وبالتالي يصبح من العسير جدا، إن لم يكن من المستحيل، أن يلدغ هؤلاء الشباب من جحر دولة ’البدريين‘ مرتين، ناهيك عن أن تكون عشرات المرات. لقد تجمع نفر من علماء السلطان، وبعض الإنتهازيين من السياسيين الذين أدمنوا كراسي السلطة، وذاقوا حلاوة مالها الحرام، وإستغلوا هيبتها ونفوذها لتحقيق مآربهم الشخصية، تجمع كل هؤلاء داعين الى تطبيق ’شرع الله‘، وإعتماد دستور إسلامي لتحكم به البلاد، وكأنما كنا نحكم منذ إنقلاب الثلاثين من يونيو المشؤوم بغير ذلك؟!
إذا لم يكن الأمر كذلك فبأي شرع يا ترى كنا نحكم؟ وبأي قانون؟ فليوضح لنا هؤلاء العلماء بماذا كنا نحكم، قبل أن يدعوا الى دستور إسلامي آخر؟ وإذا كنا نحكم بغير شرع الله طيلة ثلاثة وعشرون عاما من عمر الإنقاذ، فلماذا لم يقيموا الحد على رئيس البلاد، وفقا لشريعتهم تلك، والذى ظل يذكرنا ليل نهار بأنه لا يحكم سوى بالشريعة، ليتضح لنا أخيرا بانه كان يكذب على الشعب السوداني طيلة هذه الفترة، وإنه إنما كان يحكم بغير ذلك؟ ثم لماذا لم يطالبوا بتطبيق ’شرع الله ‘ عليه حينما نسي هذا الشرع وهو جالس أمام مذيعة قناة الجزيرة السافرة، وتعلو وجهه إبتسامة عريضة، وبالأخص حينما سألته عن فتاة الفيديو التى تم جلدها على الملأ، فقال لها مذكرا بإنه يحكم بشرع الله؟ لقد أوضحت تجربة الإنقاذ المريرة وما نتج عنها من موبقات وجرائم مست جميع شرائح المجتمع السوداني بأن الدعوة الى ’شرع الله‘، أو ’الدستور الإسلامي‘، أو قيام دولة دينية فى السودان، ليست سوى أحد سبل كسب العيش فقط لا غير، ولا يربطها أدني رابط بالدين الإسلامي الحنيف، أو بمقاصده النبيلة. نعم إنها وسيلة لتحقيق دخل مالي، أو زيادة ذلك الدخل، أو تحسين لوضع مالي متهالك. بمعني آخر إنها مجرد وظيفة لتحسين الوضع المعيشي ليس إلا! وإذا ما أردنا الدليل على صحة ما نقول فلنأخذ شخصا واحدا من أؤلائك الذين يدعون الى ’الدستور الإسلامي‘ بصورة عشوائية، ونقارن وضعه المالي وأسلوب حياته قبل الإنقاذ بوضعه المالي وأسلوب حياته الراهن. بمعني آخر كيف كان حاله قبل أن يسمع ب’شرع الله‘، وكيف أصبح بعد أن توظف فى ’العمل‘ من أجله؟ إن هذه المقارنة البسيطة ستوضح لنا كيف تمكن هذا الشخص من سرقة ونهب المال العام، وثروات الشعب، وأكل مال السحت، ولكن بإسم ’شرع الله‘!!
إننا حتما سنرى العجب العجاب! سنرى شخصا ينحدر من أسرة بسيطة الحال، أو من أسرة متوسطة الحال، فى أحسن الفروض، كان يسكن فى بيت بسيط مبني من الجالوص، أو الطوب اللبن، فى أحد الأحياء الطرفية لمدن السودان، ويركب المواصلات العامة، حيث أن وضعه المالي لا يسمح له بإستئجار سيارة أجرة، إلا عند الضرورة القصوي، وفى بداية الشهر فقط، علما بأنه قد تلقى جميع مراحل تعليمه، والتى أهلته لشغل وظيفته الحالية، فى المدارس والجامعات الحكومية، وبالمجان! ولكن ما هو وضعه بعد أن بدأ العمل فى وظيفة ’شرع الله‘؟ لقد تبدل حاله تماما. فخلال فترة وجيزة من الزمن تمكن من بناء مسكن له فى أحد أرقى الأحياء بالمدينة، وأصبح يمتطي صهوة سيارة من نوع الدفع الرباعي بسائق خاص، ويمتلك أخرى بسائق خاص آخر لقضاء حاجيات الأسرة، وثالثة بسائق خاص كذلك لزوم توصيل الأطفال الى المدارس الخاصة ورياض الأطفال، التى ترفض إلا أن تأخذ مصاريفها الباهظة بالدولار فقط! ثم بعد هذا كله فقد مكنه العمل فى وظيفة ’شرع الله‘ من قضاء إجازته السنوية، هو وأفراد أسرته، ليس فى مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، وإنما فى منتجعات البلدان الأوربية ودول شرق آسيا، أو فى مدينة الأسكندرية، على أسوأ الفروض، لرقيقي الحال منهم، كحال ’الداعية‘ الذي ظل يدير مشروعا زراعيا خاسرا لفترة عشرين عاما، بالتمام والكمال، بعد أن إمتص رأسماله من دماء كادحينا من جمهرة المغتربين، لم يسأل خلالها، ولو لمرة واحدة، عن أسباب تلك الخسائر، طالما ’أن أموره مرتبة‘!!
وليت من إشتغل فى وظيفة ’شرع الله‘ قد إكتفى بذلك، لكن ورعه أبى عليه إلا أن يعلم أبنائه وبناته فى أفضل جامعات العالم، وبالأخص الجامعات الأوربية والأمريكية منها، وأبى عليه ’شرع الله‘ أن يتلقى فلذات كبده العلوم ’الشرعية‘ من الأزهر الشريف، أو فى جامعات أم القري، أو حتى فى جامعة أم درمان الإسلامية، حتى يكونوا بالقرب منه فى حالة وقوع الكوارث الجوية! ليس هذا فحسب وإنما زهد هذا الشخص الزائد فى هذه الفانية قد فرض عليه تلقي العلاج، هو وأفراد أسرته، فى أفضل المشافي والمستشفيات الخاصة فى أمريكا، و بقية البلدان الأوربية والآسيوية. وأن إيمانه التام ب’شرع الله‘ قد فرض عليه، وعلى أفراد أسرته، عدم تلقى العلاج فى المستشفيات الحكومية، كغيره من بنات وأبناء شعبنا الذى يدعو لإعادة صياغتهم، وفقا لذلك ’الشرع‘، إلا إن كان ذلك لضرورة قصوي. وإذا كان الأمر كذلك فليكن تلقي العلاج فى أحد المستشفيات الخاصة المميزة، كمستشفي ’رويال‘، وعلى أن لا يكون موقعه فى وظيفة ’شرع الله‘ أعلى من وكيل وزارة، حيث يتطلب ذلك نقله مباشرة لتلقي العلاج فى أحد مستشفيات سويسر، كما حدث لإمام مسجد النور. لاحظ عزيزي القارئ تفعيل مسرحية التأصيل وفق ’شرع الله‘ فى إسم المستشفى الخاص المحلي،’رويال‘، الذي يطلبون العلاج فيه بمذكرات رسمية! لكن زهد هذا النموذج الحقيقي من هؤلاء ’الموظفين‘فى الحياة الدنيا قد تمثل فى زواجهم من مثني وثلاث ورباع، على الرغم من أن معظم تلك الزيجات قد تمت فى سرية مطلقة، ولم تتم وفقا ل’شرع الله‘، الذي يدعون له، حيث يفترض ذلك الشرع إعلان الزواج كأحد شروط صحته. لكن المسخرة الحقيقة تتمثل فى إنكارهم لأبنائهم من زيجاتهم الأخري وكذبهم على زوجاتهم الأول وأبنائهم الآخرين. يكذبون ثم يدعون الى تطبيق ’شرع الله‘ فى ذات الوقت ... فتأمل!!
نعم، هؤلاء هم تجار الدين الحقيقيون. يتخذون الدين الإسلامي الحنيف كوسيلة لكسب عيشهم. يساعدهم فى ذلك نظام فاسد مستبد وقهري يستغل كل آليات قمعه، وكذلك كل أموال الدولة وأجهزتها الإعلامية، لدعمهم وإرهاب بنات وأبناء شعبنا، والتنكيل بقيادات المعارضة، والزج بهم فى السجون، وتعذيبهم، من أجل إستمرار التبشير بهذا الإبتزاز الرخيص بإسم الدين، علهم يخدعون به العوام من الناس، لكيما يستمروا هم في فسادهم الذى أزكم الأنوف، ونهبهم لثروات وأموال البلاد ومقدراتها. إنني لعلى قناعة تامة بأن هذه المسرحية السمجة لن تنطلي مرة أخري على شباب السودان، بعد أن جربوها وذاقوا مرارتها لفترة تزيد على العقدين من الزمان، إلا إذا كانو ينوون إضاعة باقي عمرهم تحت حكم تجار الدين! لكن الخوف الحقيقي يتمثل فى إبتزاز تجار الدين لبعض قيادات أحزابنا الوطنية الكبرى المعارضة لهذا النظام، وبعض رجالات الطرق الصوفية الذين إنطلت عليهم هذه المسرحية، أو إستفادوا منها، وكسبوا من ورائها، لأن تأثيرهم كبير على شباب السودان
. وأن حديثي هذا موجه بصورة خاصة الى هذه الفئة التى لا تزال ترزح تحت تأثير هذا ’المخدر‘ ولم تفق بعد، حيث أقول لهم لا تصدقوا هؤلاء الأبالسة. إنهم مجرد موظفون، حيث حولوا ’شرع الله‘ الى مجرد مشاريع طفيلية تدر عيهم أموالا طائلة، مثل ’مشرع سندس الزراعي‘. وإن ما يدعونه ليس سوى مسرحية سيئة الإخراج، ربما إنطلت على البعض لأنهم بارعون حقا فى التمثيل، وتجويد ’أدوات شغلهم‘، حيث تجدهم يدعون الورع ومخافة الله، ويصلون معظم الأوقات فى المساجد، ويصنعون ’الغرة‘ إصطناعا، ثم تتدلى ’المسابح‘ من أياديهم التى لا تحترف سوي النصب والإحتيال، وتتلطخ بدماء الأبرياء، إن دعت الضرورة ذلك.
بإختصار شديد إذا رأيتهم للوهلة الأولي حسبتهم من عباد الله الصالحين، وهنا مكمن خطورتهم، ولكن حينما تري أفعالهم الحقيقية، فهم ليسوا سوى أبالسة مضللين لكم. لذلك عليكم بهم، ولا تصدقوا كل من يدعوا الى ’الدستور الإسلامي‘، أو الى تطبيق ’شرع الله‘، فى هذه الأعوام العصيبة التى يمر بها شعبنا المكلوم، أعوام الرمادة، وإنما أنظروا الى أعمالهم، والى حقيقة وضعهم قبل الإنقاذ وبعدها. حينها ستكتشفون إنهم بالفعل ليسوا سوي تجار دين، لا أكثر و لا أقل، يتاجرون بإسم الدين الإسلامي الحنيف لتحقيق مآرب ومكاسب دنيوية رخيصة، وليستمتعوا بنعيم الدنيا الزائل. وعلى العموم أقول لكم من جرب المجرب حاقت به الندامة!! سؤال أخير برئ، ماهي يا تري طبيعة العلاقة بين ’شرع الله‘ والدولار؟!
6/3/2012م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
مفاكرة الإسلامويين حول الدولة والدين (1) ..
بقلم: د. حيدر ابراهيم علي الأحد, 11 آذار/مارس 2012 21:26 Share
آليات انتاج النخبة الإسلاموية المعاصرة :-
شكلت الحركة الإسلاموية السودانية نخبتها الدينية المعاصرة، حسب شروط التفكير وانتاج الأفكار ضمن نظام شمولي ،أحادي واقصائي.فقد ظلت الحركة تعاني من الهزال الفكري بسبب الانشغال التنظيمي وغلبة السياسوي علي جميع مناشطها ،وقبل ذلك علي رؤيتها.وقد اقر كثيرون في صفوفها بهذه النقيصة في كتاباتهم التي تمارس شيئا من النقد الذاتي الخجول والغامض،خاصة في كتابات اخيرة. شرط الفكر هو توافر مناخ الحرية،وقبول الآخر المختلف، والاعتراف بالتعدد والدفاع عنه حسب شعار:الحرية لنا ولسوانا.وهؤلاء المتفاكرون لكي يستحقوا صفة المفكر والمثقف التي اضفتها عليهم التغطية الاعلامية – مجانا وبكرم- اختبارهم الحقيقي،قبل التنظير في الدولة،والرسالية،والوظيفية؛موقفهم العملي من الحريات وقبول الآخر.ومن غير هذا الموقف الصريح والعملي تصبح مثل هذه الندوات و"المفاكرات" مجرد سفسطة واستهبال فكري واقرب الي قعدة شيشة ذهنية.وذلك لسبب بسيط،هي أنها لا تقرن الفكر بالعمل:-" وكبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".ولم نسمع من هذه النخبة طوال أكثر من عقدين من حكمهم احتجاجا علي منع كتاب أو اغلاق صحيفة أو اعتقال صحفي أو كتاب.ولا يوقعون علي مذكرات استنكار لانتهاكات حقوق الإنسان،لأن هذا عمل"منظمات عميلة للغرب".فأي مثقف أو مفكر هذا لا تقلقه انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الحريات؟ تتسم هذه النخبة الجديدة بقدر كبير – للأسف-من عدم الجدية واللاصدقية. فهي نخبة سلطة مطالبة بالتبرير وليس التفسير والتغيير.فهذه انواع من المثقفين يقفون خلف السلطة وليس أمامها،كما أنهم لا يمثلون ضمير شعبهم حاصة حين يكون تحت القمع والاذلال والافقار.فالسلطة تقرر ثم يهرع هؤلاء الي خزانتهم من الكلمات والتعابير المنمقة لتزيين مقابح القرارات ،ويصنعوا منها ايديولوجيا وافكارا رسالية ونورانية.وهذه النخبة الجديدة معذورة في تهافتها،فهي مدينة للسلطة بصعودها وانتشارها.فهي نتاج ومولود الانقلاب الانقاذي السفاحي غير الشرعي،لذلك فهي مطالبة باضفاء شرعية مصطنعة علي سلطتها وعلي نفسها.فقد صعدت هذه النخبة الجديدة نتيجة تدخل مباشر للانقلابيين في اعادة تكوين النخبة.فقد قام الاسلامويون بعد انقلاب1989 بتجريدات استهدفت النخبة السودانية الحديثة التي بدأت في التشكل منذ مطلع القرن الماضي مع مجئ الاستعمار البريطاني.فقد تمت عملية اجتثاث ممنهج بدعوى علمانيتها واغترابها الروحي،وصاحب ذلك إحلال تمت فيه عملية تصعيد واحلال النخبة السائدة الآن.فهؤلاء الذين يملأون ويحتلون مقاعد مدراء الجامعات والمعاهد العليا،وعمداء الكليات،وادارات مراكز البحوث والمنظمات، ويرأسون تحرير الصحف،ويقيمون الندوات والمؤتمرات؛كلهم جاءوا بالتعيين وقرارات فوقية فرضتهم علي الناس والدولة.فالنخبة المتسيدة راهنا، لم تبرز نتيجة قدراتها الذاتية ومواهبها الخاصة،ونتيجة تنافس وتدافع حر للأفكار،فقد احتكرت الساحة الفكرية والثقافية مسنودة بالأمنوقراطية أي تدخلات الأجهزة الامنية،ودعم الطبقة الطفيلية سريعة الثراء،وقوائم الفصل التعسفي بدعوى الصالح العام.فهذه النخبة ذات نشأة وتكوين معيبين،لأنها لم تأت نتاج صراع فكري متكافئ وعادل.وعليها أن تخجل من ذلك،فالدولة التي تعين قائدا للدفاع الشعبي تعين أو تفرض مثقفيها العضويين الذين يطلون غصبا عن الجميع من الشاشات والمنابر والصحف.عليك ايها القارئ أن تتأمل في المقاعد الصحفية القيادية التي كان يجلس عليها بشير محمد سعيد،واحمد يوسف هاشم،ورحمي سليمان،وعلي حامد وغيرهم؛ومن يجلس عليها الآن؟ قامت السلطة الإنقلابية بعملية اغراق للمجال الفكري والاكاديمي.ولم يقتصر التضخم علي الاقتصاد فقط،بل طال الفكر والعلم.واعني بالتضخم الفكري والاكاديمي تغليب الكمي والعددي علي الكيفي والنوعي.ففي ضربة واحدة فتحت26 جامعة والآن بلغت أكثر من خمسين جامعة.وتبع ذلك الكرم والسخاء في منح الشهادات العليا التي ملأت حتي صار لقب يادكتور مثل ياحاج،ولقب يابروف مثل عمو وخالو.ومن الممكن أن تجد في بعض الجامعات اساتذة يمنحون درجات عليا وهم أنفسهم يجهلون طريقة كتابة الهوامش في البحث والاوراق العلمية.والنخبة الجديدة توزع علي نفسها ايضا صفات الشيخ فلان والشيخة فلانة! لتقوم بعملية ابتذال صريح لهذه الصفة المحترمة. ولكن كل هذا من آليات صناعة نخبة سلطة الشمولية. هذه النخبة المصنوعة والمصطنعة ليس لديها جديد تقدمه،رغم أن بعضها مؤهل اكاديميا:"اخشي ما اخشي علي أمتي من عالم يضلها بعلمه"،ولكنها تفتقد الصدق والاتساق مع الذات.وهي فوضت من قبل الحكم بسلطة الإعلام والتعليم.والخشية من قدرتها علي التضليل وتزييف الوعي،لذلك لابد من مواجهتها وفضحها فكريا.خاصة وهي تتحايل علي الحوار الجاد وتنتقي محاوريها بعد اطلاق صفات الموضوعية والعقلانية خلافا لآخرين تمنحهم صفات،مثل: المغرضين، المتشنجين، حتي اعداء الإسلام.ونجحت في تدجين محاور ديكوريين لا يقولون إلا ما يرضي الله ورسوله والمؤمنين!وكما تضم الحكومة الحالية18 حزبا،للنخبة الإسلاموية كتائب من المحاورين العقلانيين الموضوعيين.
في المتن والمضمون:-
وقع المتفاكرون في الفخ السوداني أو العربي وهو تقديم كلام كثير ولكن لا يحتوي علي افكار وقضايا جديدة.ويلاحظ غياب المفاهيم،والمصطلحات،والفرضيات التي تبني عليها الافكار والنظريات.وحين تعلن بعض أجهزة الإعلام:-"قدم محمد محجوب هارون اطروحة جديدة ومثيرة"،سوف ابحث عن هذا الجديد والمثير في ثنايا طروحة (هارون)فارجع خائبا تماما. ويستهل حديثه بالقول:-" الدولة ليست بهذه المركزية في التصور الإسلامي".وباستخفاف غريب تقوم كل الورقة علي التصور الإسلامي،دون أن يزعج المفكر الهمام نفسه بتحديد وتعريف هذا التصور الإسلامي،ما هو وماذا يعني،وما هي مصادره ومرجعيته،ومن الذي يمثله من المفكرين أو الحركات؟ولحسن الحظ لاحظ ذلك من اظنه من الشباب الحضور.ونقرأ في تغطية الندوة:" اشار الباحث محمد الواثق إلى عدم وجود إجماع حول المفاهيم المطروحة بجانب ما اسماه بالفشل في صياغة المفهوم الحديث للدولة ولفت إلى أن الدولة الإسلامية نفسها اتخذت مجموعة من النماذج والتجارب الأخرى".وفي تعليق آخر:-" وقالت رحاب عبد الله من جامعة الجزيرة إن هناك حاجة لإعادة قراءة المفاهيم بصورة صحيحة". وقالت رحاب عبد الله من جامعة الجزيرة إن هناك حاجة لإعادة قراءة المفاهيم بصورة صحيحة". استخدم المتفاكرون العديد من المفاهيم والمصطلحات، ولكنها بقيت عارية من التعريف وبلا تحديد ولا ضبط.فهل عناصر النخبة الجديدة لهم اعفاء ضمن الاعفاءات الاخري من ارهاق أنفسهم من مثل هذه المهام البايخة أم ما هو سبب هذا التجاهل والذي يبدو متعمدا لأنه متكرر؟واليكم مثل هذا التعريف الذي لا يعرّف شيئا،وبالمناسبة وصف الشئ غير تعريفه،فلو قلت مثلا:حجر بني اللون هذا لا يعرّف للناس ما هية الحجر. يقول(هارون):- " الدولة هي المالك الموكل لأداء وظائف متعاقد عليها وهنا أريد أن أقول إن الدولة كمخلوق معني بالعمل وفق نظام متفق عليه.. ولديها خارطة مكوناتها الرئيسية وهي الهياكل ومجموعة المؤسسات والسياسات والتشريعات حتى تؤمن سلامة وسلاسة تشغيل هذه الهياكل". (هارون،سودانايل8/3/2012) وللمقارنة قد نرجع لتعريفات ماكس فيبر وماركس وحتي العروى والايوبي للدولة،هناك فوارق في مفاهيم غالبا ما تخلط،وهذا ما فعله المتفاكرون: الدولة، جهاز الدولة،الحكومة ،المجتمع. ويضاف الي ذلك،الخلط بين ما هو معياري (أي الدولة كما يجب ان تكون) وماهو تحليلي وصفي.ويستخدم(هارون) لغة غير دقيقة ولا محكمة بل متناقضة،مثلا:الدولة هي المالك الموكل،هي لا يوجد لأي فرق بين الكلمتين؟ بلي، المالك اصيل والموكل يتنازل له طرف او أطراف اخري وتفوضه بممارسة ما تملك بالوكالة أو بالنيابة عنها.وهل الدولة مخلوق أم كيان؟ لايوجد تعاقد علي اداء وظائف معينة.ولو قصد العقد الاجتماعي الذي يراه البعض أساس قيام الدولة، فقد تنازل الانسان عن بعض من حريته المطلقة مقابل ضمان ما تبقي منها. وهنا يأتي التعريف السائد للدولة أنها الوحيدة في المجتمع صاحبة الحق في استخدام العنف الشرعي. ويواصل(هارون) ابتكار تعريفات وتحديدات غريبة عن الدولة. مشيرا الى أن العلاقة التعاقدية في النظم الغربية تقوم على (حقوق الدولة ممثلة في الجمهورية وحقوق المواطن في الخدمات).وهل يخرج الملكيات الدستورية من الدولة التعاقدية ويكتفي بالجمهورية فقط؟ لم تكن حقوق المواطن في البداية مقتصرة علي الخدمات بل المطلب هو الحريات والمشاركة(الضرائب والتصويت).جاءت الخدمات لاحقا في دولة الرفاهية. وفي موضع أخر،يضيف وظائف غريبة، مبينا:-" أن الدولة في تطبيق الدين معنية برعاية الأخلاق والسمو الروحي وليس تحقيق ذلك. بجانب أنها معنية بتوفير المعرفة والأمن والعدل".مجرد انشاء لا تلزم كاتبها بشئ ولا حتي شرح المقصود بالكلام المجاني. ولفت( هارون) الى أن تلك الأشياء؟ بالضرورة تقود للحديث عما يشاع حول هيبة الدولة قائلاً: "الغريب أن الحديث عن هيبة الدولة أجده في المجتمعات الأكثر تخلفا لأن المشاكل في الغالب تكون عند تأكيد وتعزيز سطوة الدولة وقدرتها على البطش".والمحاضر رغم تحفظه المبطن علي هذا النوع من الهيبة، فهو-عمليا- من محبي الدولة مدعية الهيبة.والدليل علي ذلك وقوفه بلا تردد الي جانب النظام االشمولي وكان من اوائل منظريه حتي قبل أن تتضح معالمه.وفي هيبة الدولة،لابد من التفرقة بين الدولة القوية والدولة العنيفة.فالاولي،تكتسب قوتها من الشرعية الشعبية؛بينما الثانية تجلس خائفة علي الرماح:الاجهزة الامنية، القمع، الاقصاء...الخ وهي خائفة باستمرار مهما طال عمرها. تنسي أو تتناسي النخبة الدينية السودانية أنها تختلف عن الحركات الإسلاموية الأخري في كونها ممسكة بدولة وسلطة مطلقة منذ عام1989.وهذا يعني أن تبتعد عن الينبغيات ويجب أن يكون..لانها تحكم فعلا وبالتالي أن تطبق ما تقول.فالحركات الاخري خارج السلطة ولذلك توعد الناس أنها حين تصل الي السلطة سوف تفعل كذا وكذا.ولكن انتم- الاسلامويون السودانيون-في السلطة منذ قرابة23 عاما وبلا منافس-فما الذي منعكم من تطبيق دولة المدينة الإسلامية؟ومع ذلك وبكل جرأة يحسد عليها،يصف(هارون):" الدولة الإسلامية بأنها دولة وظيفية وأنها دولة عالية الكفاءة في الوظائف المناطة بها وأي دولة يسود فيها عدم المعرفة وعدم العدالة والتخلف المادي يصعب مقاربتها باتجاه أي تصور ديني والدولة الوظيفية بالنص القرآني هي دولة العمل الصالح". إن مشكلة(هارون) ورفاقه من النخبة الإسلاموية،أنهم يغيرون مواقفهم وآرءهم كما يغيرون احذيتهم.ويلاحظ المتابع أن نفس هذا الشخص الذي خط الكلمات المثالية السابقة،لم يكن يتحفظ عام1992 علي تبني دولته الإسلامية،نظام المؤتمرات الشعبية بقصد سد الباب أمام عودة الاحزاب السياسية.وكان يؤيد أن تقوم الدولة بإعادة صياغة الانسان السوداني وفق هوائها وبالقوة.ولم اقرأ له حتي اليوم نقدا ذاتيا علي تلك المواقف،وهذه عينة من فهلوة النخبة الجديدة التي تعتمد علي الذاكرة الضعيفة والتي لا تتابع.يكتب(هارون) بقناعة لا يأتيها الباطل من أي جهة:- " وليس خفيا أن نظام المؤتمرات يسعي لتوفير معادلة تقوم علي الحرية والانضباط. وهو علي صعيد النظرية مشروع أصيل ليس في ذلك شك.ولكن ما يستوجب الاهتمام هو بناء نظام سياسي جديد لا يتحقق إلا في إطار بناء مشروع حضاري شامل، والذي بصدده السودان هو صفقة تغيير شاملة لا عملية تجزئة".وفي نفس المقال يبشر الأمة السودانية:-" ..أن ثورة الإنقاذ تطرح مشروعا حضاريا،مضامينه إسلامية،ووسائله إعادة تفعيل الدين وتشغيل دينامياته وتحريك سكونه،وغايته بناء مجتمع إسلامي معاصر في امثل صورة ممكنة".(راجع النظرية كاملة في مجلة: قراءات سياسية،السنة الثانية،العدد الثالث،صيف142-1992 تصدر عن مركز دراسات الإسلام والعالم- تامبا-الولايات المتحدة الامريكية). Hayder Ibrahim [[email protected]]
-------------------------------------------------------------------------------- إلى متى تدوم الحروب الأهلية في السودان؟
الطيب زين العابدين
ما كاد السودان يخرج من الوصف الشائن الذي ألصق به أنه خاض أطول حرب أهلية في إفريقيا لأربعة عقود بين الحكومة المركزية وحركات التمرد في جنوب السودان إلى أن عقد اتفاقية السلام الشامل (2005) التي أدت في نهايتها إلى تفتيت وحدة السودان وفصل الجنوب عنه، وبنهاية حرب جبهة الشرق (1994- 2006)، وخفض حدة حرب دارفور (2003-2011)، حتى اندلعت فيه حرب جديدة في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان (يونيو 2011- إلى اليوم)، وتهديد بحرب ثانية قد تكون أشد ضراوة بين دولة الشمال ودولة الجنوب. وقد توعد رئيس الجمهورية قبل أيام وهو يرتدي لباسه العسكري في احتفالية الدفاع الشعبي (3/3/2012) بأننا قدمنا 18 ألف شهيد من قبل وعلى استعداد لتقديم ذات الرقم اليوم، وهدد بأن «أي زول يرفع أصبعو على السودان بنقطعوا ليهو وأي زول يرفع عينو بنقدها ليهو». ولم يبدُ على الرئيس أنه كان يتحسب لشئ او يبالي بشئ وهو يذكر بذلك الحجم الكبير من التضحيات الجسام ويهدد الاعداء بقطع الأصابع وقلع العيون، بل في الحقيقة أنه كان يعني ما يقول بممارسته لكل الطقوس السابقة التي اعتادها في مثل هذه الاحوال ، وطلب في نهاية حديثه من كل ولاية في السودان على بؤس حالها أن تجهز لواءً كاملاً استعداداً للحرب المتوقعة (اللواء حوالي 1200 عسكري)، أما ولاية الخرطوم فخصّها بنسبة أعلى وهي أن تجهز كل محلية فيها لواءً كاملاً أي سبعة ألوية لكافة المحليات. وأحسب أن الرئيس كان جاداً فيما يقول بصرف النظر عن مقدرة الولايات في تجهيز ما أمر به (يعني مش هظار)، وقد بدأت بعض الولايات المطيعة بالفعل الاستجابة لتعليمات الرئيس التي صدرت على الهواء مباشرة
! وهذا يعني أننا لم نكتفِ بسمعة أطول حرب أهلية في إفريقيا، ولا بسبة أول بلد موحد لأكثر من مئة سنة في إفريقيا تنفصل عنه ثلث أرضه وربع سكانه، بل يبدو أن الطريق أصبح سالكاً لمزيد من الحروب والتضحيات واحتمالات التفتيت. والسؤال الذي يؤرقني هو: لماذا يكون قدر أهل السودان كل هذه الحروب والمعاناة فيما بينهم وهم الذين عرفوا بالسماحة والطيبة والعفو عند المقدرة والمجاملة الزائدة للغريب أكثر من أي بلد في إفريقيا؟ يبدو أن هناك انفصاماً تاماً بين طبيعة الشخصية السودانية العادية وبين سلوكيات النخبة الحاكمة التي تعاقبت علينا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وعرضتنا إلى كل تلك المحن والرزايا التي ما زلنا ندفع ثمنها غالياً. ما هو السبب في هذا الانفصام؟ وما هو السبب وراء سلوكيات أولئك الحكام النشاز؟ وإلى متى تدوم تلك الحروب الأهلية الطاحنة ويدفع الشعب الطيب ثمنها على حساب قوته وصحته وتعليم أبنائه؟ الغريب أن السلطة الحاكمة تستطيع أن تلوذ بالصمت والاستكانة عن أراضٍ سودانية اغتصبتها بعض دول الجوار (كينيا وأثيوبيا وليبيا ومصر) ولا تطيق الصبر على مطالبات بعض أقاليم الهامش بقسمة عادلة في السلطة والثروة حتى تخوض معها حرباً ضروساً تهلك الحرث والنسل، وعندما تعجز السلطة عن كسب الحرب تقبل مرغمة أن ينفصل ذلك الإقليم عن البلد الأم! فالسودان لم يخض منذ استقلاله قبل ستين عاماً حرباً واحدة ضد عدو خارجي بل كانت كل حروبه لسنوات متطاولة ضد بعض أبنائه في الجنوب والغرب والشرق، فإلى متى يتخصص الجيش السوداني في معالجة المشاكل السياسية الداخلية بالقوة المسلحة؟
والمفارقة بين الشعب والسلطة الحاكمة ليس فقط في مجال العداوة والحرب ولكنها تمتد لمجالات أخرى، فأفراد الشعب السوداني عرفوا بين دول الخليج بالأمانة والصدق أكثر من أية جنسية أخرى ولكن المؤشرات الدولية تضع السودان بين أكثر دول العالم فساداً وأقلهم شفافية، وخبراء السودان من أنجح وأكفأ الناس في دول الاغتراب ولكن خبراء الحكومة السودانية عرفوا بالفشل والتسيب والإهمال، ولقد كانت مؤسسات التعليم والعلاج من أحسن المؤسسات في إفريقيا والعالم العربي ولكنها تدهورت إلى المؤخرة في زمن البترول والمشروع الحضاري. هل هذه المفارقات بين طبيعة الشعب وقدراته وبين ممارسة السلطة وسياساتها محض صدفة أم قدر رباني وقع علينا من حيث لا ندري ولا نحتسب؟ أم هو مما كسبت أيدينا ويد السلطة التي تحكمنا؟ لقد تعاقبت علينا منذ الاستقلال ثلاثة أنظمة ديمقراطية حكمت (11 سنة) كل منها كانت أضعف من سابقتها وأقل كفاءة وثلاثة أنظمة عسكرية امتد حكمها لـ( 43 سنة) كل نظام منها كان أشد قسوة وأسوأ أداءً وأكثر فساداً مما سبقه.
لماذا هذا التدهور المريع في أداء حكوماتنا بمعايير التعددية الديمقراطية التنافسية التي تجنح عادة للأفضل وبمعايير الضبط والظبط في الإدارة العسكرية القوية؟ لقد ابتلينا بسلبيات النظامين دون حسناتهما، وعلى كل تظل الديمقراطية هي الأفضل بما توفره من حريات وحقوق ووسيلة سلمية للتغيير. وحتى انتفاضاتنا الشعبية ضد الاستبداد سبقت كل دول العالم العربي ولكنها تأخرت عندما بدأ ربيع العالم العربي يجتاح المنطقة!يبدو أن هناك خطأ ما أو جرثومة ما في كيان هذا الشعب الطيب المتفرد القابل لكل التناقضات النفسية والاجتماعية. فالسوداني قد يقدم أغلى ما عنده إكراماً لضيفه الغريب ولكنه قد يقتل قريبه اللصيق انتقاماً لكلمة جارحة لا تسوى عند الآخرين جناح بعوضة. نحتاج من الدارسين والخبراء في علم النفس والاجتماع والسياسة من يفسر لنا مثل هذه التناقضات والمفارقات التي قعدت بنا من المضي قدماً في النهضة والنمو، ويجدر بالحكومة أن تلتفت لمثل هذه الدراسات المفيدة التي تسبر مواطن الضعف والقوة في كياننا النفسي والاجتماعي قبل أن تحاول إعادة صياغة الإنسان وفق تصور آيديولوجي بعينه.
وبما أننا نعاني في الوقت الحاضر من عداوات واحتراب خارجي وداخلي مع جنوب السودان وفي ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فإني اقترح وصفة جديدة سهلة التطبيق وقليلة التكاليف لمحاولة حل المشكلات العالقة بيننا والجنوب وبين الحكومة وولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور لعلها تكون أكثر نجاعة من حلول الحكومة الاحترابية. لقد سعت الحكومة في الماضي للبحث عن وساطة إفريقية بينها وبين حركات التمرد بدأت في أديس أببا ثم أبوجا ثم مجموعة الإيقاد، ودخل في الخط أصدقاء الإيقاد ثم شركاء الإيقاد، ودول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، والسناتور الأمريكي دانفورث الذي أشرف على وقف الحرب في جبال النوبة وكتب مسودة بروتوكول أبيي، وفريق الخبراء لرسم حدود منطقة أبيي، ثم جاءت من بعد ذلك الجامعة العربية والاتحاد الافريقي ولجنة ثابو أمبيكي لحكماء القارة، وعدد يصعب حصره من مبعوثي الرئيس الأمريكي وغيره من رؤساء الدول الكبرى، ثم دولة قطر التي احتكرت بنجاح استضافة وفود مشكلة دارفور.
ولم تكن تلك الوساطات في معظم الأحيان لمصلحة حكومة السودان، ومع ذلك صبرت عليها طويلاً. واقتراحي السهل الممتنع أن تحاول الحكومة هذه المرة وساطة سودانية محلية من بعض الشخصيات الوطنية المستقلة ذات القبول لكل أطراف النزاع من أمثال السادة أبيل ألير ودفع الله الحاج يوسف وأنيس حجار وبونا ملوال ومحجوب محمد صالح وعبد الماجد حامد خليل وسعاد ابراهيم عيسى وبلقيس بدري والتجاني الكارب وكامل الطيب إدريس وقاسم بدري وإبراهيم الأمين وغيرهم، على أن يكون تكوينها وتحديد مهامها بالتشاور مع أطراف النزاع في الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن تمكن بالاطلاع على وثائق النزاع ومواقف الأطراف المختلفة وأن تستعين بمن تشاء من الخبراء والمختصين. وقد نجحت في اليومين الماضيين الوساطة التي قادها الأستاذ حسن عثمان رزق مع بعض الشخصيات في حلحلة مشكلة المناصير التي اعتصم أهلها في العراء أمام مباني حكومة الولاية لأكثر من ثلاثة أشهر بعد أن تمترس كل طرف في موقعه لا يحيد عنه رغم الاتفاق على عناصر الحل من كل الجهات المعنية. وعلى كل إذا لم تنجح الوساطة التي نريدها لمشكلة الحرب في السودان لأن قضاياها أكثر خطورة وأشد تعقيدا فلن يخسر أحد من أطراف النزاع شيئا وإذا نجحت سيربح الجميع ويربح الوطن أيضا، ولذا فهي تستحق المحاولة والمخاطرة
----------
دلالات كذب وزير الداخلية السوداني! ..
بقلم: د. محمد وقيع الله السبت, 10 آذار/مارس 2012 19:44
تماما كما زار المخلوع التونسي زين العابدين بن علي ضحيته محمد البوعزيزي، قام وزير الداخلية السوداني، المدعو إبراهيم محمود حامد، بزيارة أهالي ضحية زبانيته من منسوبي جهاز الشرطة الهمجي، الذي أودى بتلك المرأة الشريفة، عوضية عجبنا، من أهالي حي الديم العريق الوادع بالخرطوم، ثم ادعى عليها دعاوى كاذبة، بقصد التشويش والتضليل والإهانة، وتبرير العدوان والقتل العمد أو شبه العمد، وتمرير خلق الغطرسة الذي يتعامل به بعض ضباط وأفراد الشرطة مع الجمهور. وادعى وزير الداخلية لدى مخاطبته ذوي القتيلة أنه:" مافي حد فوق القانون والناس سواسية"!! وهي قولة أُقسم بالله تعالى، غير كاذب، أنها قولة كاذبة. فقد علمتنا التجارب المتكررة على تواليها أن كثيرا من قادة الإنقاذ المتنفذين الفاسدين المفسدين هم فوق القانون. وأنهم لا تطالهم أحكام القانون، وأنه باستطاعتهم أن يفلتوا من أحكامه، وأنه بمكنتهم أن يعطلوا إجراءات المحاكم، ويتلاعبوا بأحكامها بما لهم من نفوذ سياسي مقيت. وقد علمتنا التجارب المتكررة على تواليها أن أكثر مستضعفي الشعب السوداني الصابرين هم دون القانون. وأنه لا يستمع إلى شكواهم أحد من المسؤولين، ولا يسعى لنصفتهم أحد منهم، وإن كان معهم الحق كل الحق ولا شيئ غير الحق. وقد علمتنا التجارب المتوالية أنه لا يصعب على هؤلاء القادة الإنقاذيين الفاسدين المفسدين أن يضطهدوا مواطنيهم الصابرين اضطهادا نموذجيا ممنهجا باستخدام البلاغات الكيدية ضدهم واستعداء القضاة المرتشين عليهم. وقد جاء في أنباء الأمس أن وزير الداخلية، المدعو إبراهيم محمود حامد، تعهد بتقديم المتورطين في حادثة قتل المواطنة عوضية إلى محاكمة عادلة!! وهو تعهد زائف كاذب، والوزير شخصيا هو أول من يعرف زيفه وكذبه. وأولى دلالات زيف وكذب الوزير أن هذا البيان لم يصدر عن مكتبه في الوقت المناسب المطلوب. لم يصدر هذا التصريح الوزاري الزائف الكاذب عند وقوع الحادثة البربرية الوحشية الهمجية بذلك الحي الآمن، وإنما صدر تحت الضغط القوي الصُّلب الذي مارسه المواطنون الشرفاء من أهل الحي الذين تظاهروا استنكارا لهذا الحادثة الفظيعة. ولست أصدر هذه الأحكام القوية ضد الشرطة ووزيرها لصلتي بحي الديم العاصمي ومعرفتي الجيدة به وبأهله وحسب، وإنما لأن لي تجربة ذات عبرة مع هذه الأجهزة المتسلطة الفاجرة. وقد كدت أن أقع مرة ضحية لعبث ضابط أمني خبيث فاسد، ، قام مستخدما جهاز الشرطة، فرع رئاسة مجلس الوزراء، حيث كان يعمل عميلا وبيلا وذيلا ذليلا لسيده ، للإيقاع بي, وذلك بعد أن تصديت لمواجهته بفساده الوخيم، ووبخته على جرأته ال######ة، ونددت بقيامه بتزوير مستندات ثبوتية تخصني، واستخدامه لها استخداما يعاقب عليه القانون. ولم يجد هذا الضابط الفاسد المفسد، المسنود بسيده ، وزمر أخرى في جهاز الأمن الشعبي والوطني، إلا أن يستخدم ضدي الشرطة الفاسدة، ثم تواقح أكثر فشتمني، ثم هددني على مرأى من الناس بأنني لن أستطيع السير في شارع الخرطوم غير محروس. فما كان مني إلا تناولته بصفعتين عنيفتين على خديه الأسيلين أمام الضباط وأمام الناس الذين لم يروا مشهدا مثيرا مثل ذلك من قبل! فمن مألوف الناس أن يروا منسوبي الشرطة وهم يعتدون على المواطنين الأبرياء، وربما كانت تلك أول حادثة في تاريخ السودان يقدم فيها مواطن عادي مثلي على صفع ضابط مجرم من ضباط جهاز الأمن والمخابرات الوطني صفعتين عنيفتين. وبالحق فإنه لم يكن أمامي إلا أحد خيارين اثنين: أن أكون أباعزيزي السوداني، في ذلك الوقت المبكر، فأتلقى الهوان وأحرق نفسي. أو أن أرفض هذا الهوان المهين وأحرق هذا الضابط الفاسد بصفعتين ناريتين سددتهما إلى وجهه الفَجور. وسريعا ما اخترت الخيار الثاني، ونفذته بأقصى ما أوتيت من القوة. ومن يومها ما رآني هذا الضابط الذي كان يستأسد ويرغي ويزبد، مستخدما سلطتة الرسمية التي يسترجل بها، إلا وتفادى النظر إلي، وطأطا رأسه، وأطرق إلى الأرض، و(دَنقِر) في هوان! وبالطبع فلست أدعو أحدا إلى أن يعتدي على أفراد الشرطة ولا على ضباط جهاز الأمن الوطني، ولكن أدعو الحكومة بقوة وحزم لكي تحكم قبضتها على منسوبيها السفهاء المعتدين في جهازي الشرطة والأمن. وذلك حتى لا يستمرئ هؤلاء السفهاء الأغبياء الاعتداء على الناس فيثور الناس في وجههم وفي وجه النظام العام. وقديما قال الشاعر: أبَني حَنيفَة َ أحكِمُوا سُفهاءكُمْ إني أخافُ عليكمُ أنْ أَغضبا!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
: القاتل الحقيقي March 14, 2012 ■عمر الدقي
ر منذ بواكير الإنقاذ والمسرح السوداني عبثي تراجيدي، وإن كان ثمة كوميديا على هذا المسرح فهي كوميديا سوداء على طريقة شر البلية ما يُضحك .. منذ بواكير الإنقاذ وخيوط الدم والدموع تأبى أن تنقطع .. أمثلة لا حصر لها لمواطنين أبرياء ذهبوا في موتٍ عبثي مجاني وبقي الأسى يقطر من شواهد قبورهم، وبقي جُرح الحزن عليهم مفتوحاً كفمٍ بليغ يشهد على واقعٍ غاشمٍ يخسر فيه الورد رائحته لمصلحة الدم.
فقبل أن يجفَّ ماء الوداع الأخير الذي نُثِر على تراب قبور ضحايا نقص الأوكسجين بمستشفى بحري الحكومي، ها هي شرطة أمن المجتمع تدخل بسلاحها في مواجهة مع أهل بيتٍ عزل في حي الديم بالخرطوم وترشهم بالرصاص الحي لتفريقهم كما تُرش الحشرات بالمبيدات، لتسقط المواطنة عوضية عجبنا مضرجة بدمائها وتفارق الحياة (رحمها الله) وتصاب جدتها بكسرٍ في ذراعها (شفاها الله). والأنكى من ذلك أن تُصر الشرطة على مضاعفة مأساة هذه الأسرة المكلومة وإيذاء الشعور العام وازدرائه ببيانها الذي صدر في أعقاب الحادثة (انتقده وزير الداخلية ووعد ببيان تصحيح واعتذار لم يصدر حتى الآن!) والذي يقلب الحقائق ويخلط الأدوار ويضيف إلى المأساة بعداً آخر، بحيث يصبح على القتيل أن يعتذر لقاتله لأنه تسبب في إخراجه عن طوره وكلّفه استخدام السلاح وثمن الذخيرة.
أما لجنة التحقيق، فالتجارب مع سابقاتها تعطينا حق سوء الظنِّ بها لأنها كانت مُعلَنة فقط للإستهلاك الإعلامي وذرِّ الرماد في العيون وامتصاص الغضب العام. ولأن الشجى يبعث الشجى والدم يستدعي الدم في الذاكرة الملتاعة، فالسؤال ما زال قائماً عن نتائج التحقيق في حادثة بائعة الشاي نادية صابون التي لاقت حتفها قبل عامين بعدما سقطت على آلة حادة في طريق عام وسط الخرطوم وهي تحاول الإفلات من إحدى “كشات” شرطة النظام العام على الباعة المتجولين، كما لم نسمع عن أي محاكمات لمن تسببوا في إزهاق أرواح من خرجوا في مظاهرات سلمية مطلبية واحتجاجية في سوبا وبورتسودان وأمري وسنار وكسلا والقضارف وسوق المواسير ونيالا وغيرها من المدن التي سالت دماء المتظاهرين في شوارعها وأُسدل عليها الستار بلا محاسبة وأُريد لها أن تتوارى خلف غبار النسيان بلا خجل، لأن الخجل لحق بالحرية والعدالة وغادر الثلاثة أرض السودان الواسعة.
القاتل الحقيقي الذي أودى بحياة عوضية عجبنا ومن سبقها في القائمة الحمراء ليس هو رصاص الشرطة .. الذي قتل عوضية، ويقتلنا جميعاً، هو هذا الليل الذي أرخى سدوله على الوطن وتمدد مثل ليل النابغة الذبياني حتى أدرك بظلامه كلَّ مناحي الحياة .. القاتل الحقيقي هو هذا النهج السُّلطوي الذي أفرغ مؤسسات الدولة من المضامين الإنسانية والغايات السامية وتلاعب بالتشريعات لتبيح التجسس وانتهاك الحرمات الخاصة ومصادرة الحريات العامة، وشوّه المفاهيم النبيلة – مثل أمن المجتمع – وجرّدها من مقاصدها الحقيقية، إذ يكون الأمن في المقام الأول هو أمن الحكم وضمان بقائه ولو كان ذلك على أشلاء جثث المحكومين.
لا شيء أبداً، ولا مجال هنا لحيادٍ أو مخاتلة، يُبرر التجاوزات والحماقات الدموية التي تعصف بأرواح الأبرياء العزل إلاّ من أصواتٍ تخرج من حناجرهم احتجاجاً على ظلمٍ واقع أو طلباً لحقٍ مهضوم. إن السبيل الوحيد لتلافي مثل هذه التجاوزات والحماقات هو أن يُعاد لمؤسسات الدولة مضامينها النبيلة وغاياتها السامية لتكون في خدمة الشعب لا حرباً عليه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)
|
لدواعى الارشفة اشكر كل الذين شاركوا معى هنا والى لقاء فى بوست اخر
العصب السابع
هي فوضى ...!!
شمائل النور
قبل أيام حكت سيدة عن واقعة حدثت لها بمستشفى ما بالخرطوم،السيدة كانت تُجرى لها عملية قيصرية بتخدير نصفي..السيدة بأذنيها سمعت الطبيب يتحدّث مع فريق العملية ويده في بطنها،كان يقول "المقص ميت" أي يعني أنه في حالة "ملاواة" مع المقص حتى يقوم بعمله..السيدة التي قصت قصتها هذه للزميلة هويدا سر الختم عندما انتفضت في وجه فريق العملية تم تخديرها كاملاً...يا مؤمنون، إن كان "الترزي" لا يستخدم المقص الميت في قطع القماش لأنه يؤثر سلباً على مسار التفصيل،فكيف يستخدمونه في "تقطيع" لحوم البشر..الأسبوع الفائت نقلت صحيفة "الوطن" حادثة مؤسفة وفضيحة تعودنا على سماعها،
نسيان قطعة من الشاش في بطن مريضة،استقرت القطعة في بطنها لمدة ستة أشهر حتى اتضح في التشخيص أن هناك جسماً غريباً يعيش داخل بطن السيدة،أُجريت لها عملية،تم التخلص من الجسم الغريب "الشاش" لكن مع استئصال حوالي "10" سم من المصران لأن الشاش استقر داخل بطنها..هذا الوضع المُبكي مقروء كاملاً مع أزمة حقيقية تصل مرحلة "القتل عمداً" بلغتها الصحة في السودان ولم يكن أبداً جدل التشخيص بعيداً عن المسؤولية المباشرة عن أرواح المواطنين. أزمة التشخيص هذا الواقع المتنامي بكثافة في قطاع الصحة في السودان هو نتاج واقع يعيشه التعليم العالي في السودان بعد ثورة التعليم التي بقدر ما قدمت فقد أخذت بل أخذت أضعافا،،
العلوم التي تتعلق بحياة البشر وصحتهم تتطلب عقولاً بشرية بسقف إمكانات عالي لا ينبغي أن تقل أو تتراجع مهما كان الوضع ولا ينبغي إتمام القدرات الفطرية للبشر بمبالغ مالية..يتابع الجميع صباح كل يوم وقوع أخطاء فادحة تصاحب عملية التشخيص ثم تعقبها أخطاء العلاج ليزيد الطين بِلة،فذاك مريض شُخص مرضه على أساس أنه سرطان في المرئي،ويشرع المريض بأقصى ما يملك من سرعة في العلاج مستنزفاً كل ما يملك،إلى أن يكتب الله له أن يطير خارج السودان وإلى أقرب مكان ،مصر، ليكتشف أن المرض الذي يصيبه ليس هو إلا إلتهاب في اللوزتين..وإن كل هذا العلاج الذي تجرعه كان خطأ،،هذا مثال لواحد من آلاف الحالات الطافحة الى السطح بشكل يومي ومزعج،هذا غير سقوط أدوات العملية سهواً في أحشاء المرضى لتخلف لهم مرضاً جديداً..لابد من مراجعة شاملة وحقيقية لما يحدث في الصحة ولا تغفل كل سياسات التعليم العالي التي خلفت أرقاماً مهولة من الأطباء،ينبغي أن تُراجع بشكل جاد مسألة تقليص كليات الطب أو وقفها عند هذا الحد،وينبغي كذلك أن تخرج كليات الطب والكليات المتصلة به من قطاع التعليم مدفوع القيمة،وإلا لا شيء.
التيار
0 | 0 | 74
| |
|
|
|
|
|
|
|