دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توثيق
|
زادت احزان السودان على احزانه المتتالية... فقدنا عماد وركيزة الوطن الفنية اليوم هو يوم حزن السودان الاكبر على فقيدنا الفنان الكبير الاستاذ الموسيقار محمد عثمان وردى .. الفنان الذى ارتبط بالسودان بارضه وباهله وبوحدته وكانه اراد ان يغادرنا حزنا عليه وعلى تقسيمه وعلى مستوى من يحكمونه اليوم عندما علمت بحالته الصحية الحرجة تعمدت انزال احسن الحوارات معه التى اجراها فى الاونة الاخيرة والتى قال فيها كل ما يريد قوله بصدق وشجاعة وكان لسان حال الشعب فى هذا الراى كما تعودنا منه .. وردى بعطائه الفنى الكبير وبانتاجه الكبير سجل رقما عاليا وتربع على قمة الفن السودانى والافريقى مقدما اعذب الالحان واجمل الكلمات لشعراء السودان الذين نفخر بهم وبعطائهم الذى لا تحده حدود .. ابكى انا اليوم دمع الدم على الفقيد الكبير
كان وردى يمثل الشخصية السودانية بعمق تاريخها الوطنى وبعزة نفسها المرتبطة بهذا الارث التاريخى الحضارى المعروف ومن هنا انطلق يغنى لهذا الشعب الذى خرج منه فالتصق بالوطن وبالقضية الوطنية وبالوحدة والسلام .. كان حنينا عندما غنى اعذب الالحان للشاعر الذى يتدفق حنانا لاهله وووطنه الشاعر الكبير اسماعيل حسن وجد وردى نفسه قريبا من هذا الحنان والعاطفة الجميلة للحبيبة وللوطن وللارض وللعادات والتقاليد والحكاوى التى تمجد الشعب العظيم انطلاقان من شاعرية هذا الرجل القادم من شمال السودان اسماعيل حسن .. فى حوار اجرته صحيفة الايام اجراه معه الاستاذ عثمان عابدين وكنت معه قبل انقلاب الانقاذ وكان اخر حوار يجرى معه قبل الانقلابعام 1989 قال لنا وردى ان اسماعيل حسن مدرسة العاطفة والحنان وجدت نفسى فيه وعن ما كنت ابحث عنه فى الوطن فهو رجل وطنى وابن البلد الذى 1 يعشق كل شىء فيه لهذا وجدت نفسى فيه وكان نتاج كل ذلك اروع الالحان المرتبطة باجود الكلمات الصادقات وانا بفتكر ا سماعيل حسن اصدق شاعر فى التعبير عن واقعه وواقع اهله ووطنه وعاداتهم وتقاليدهم ..
وبعد الانقلاب والذى قلب كل شىء فى حياة اهل السودان ومرور الايام والسنوات التقيته بالنادى السودانى فى ابوظبى عند زيارته فى رحلة فنية وذكرته بهذا اللقاء وقلت له الا تذكر بانه كان اخر لقاء معك قبل وقوع الانقلاب بيوم واحد فقط فضحك وقال بروحه الساخرة .. لى طيب ياخى ما تجى تعمل واحد تانى ممكن تتصلح ... اتصلت بالزميل عثمان عابدين الذى يعمل الان بصحيفة المدينة بمدينة جدة واخبرته بالقصة فقال لى لا تنساها ولابد من ان تكتبها .. قلت له اتمنى ان تكون محتفظا بهذا الحوار لانه تاريخى ..
الشعب السودانى اليوم وبفطرته السليمة ووجدانه الذى تكون بفضل الغناء الوطنى يحس بفراق شخص عزيز عليه وجزء منه ..ويحزن لفراقه كشىء طبيعى اما اولئك من اصحاب المزاج المتوحش والوجدان الخرب لا يحزنون لامثال وردى لانهم لم يدركوا بعد ما قدمه وسوف يدركون ذلك متاخرا ودائما هم متاخرون فى الاداراك والفهم الصحيح للاشياء .. فالذى يحزن على فنان مثل وردى انسان مرهف الاحساس انسان .. تشرب حب الوطن واهله ويسعى دائما للخير والذى لا يحزن تعود على قتل الناس واذلالهم وتحقيرهم والتشنيع بهم وكل اناء بما فيه ..مستخدما العنف حتى مع الاموات .. ولكن هل يحتاج وردى منا الى اضافة لكى نقولها ولم يفعلها .. كان نزيها وكان مؤمنا بالوطن ووحدته ولم يكن مرابيا يحب المال كان مهنيا يحب مهنته واحترفها وكان يمقت اولئك المنافقون الذين يقولون ولا يفعلون خاصة فى ما يتعلق بالحقوق والملكية وقال رايه بصراحة فيهم بالاعلى فى حوار اخر لحظة ..
ارسل لى واحد من الزملاء رسالة حزن على وردى وحزن على اجهزة اعلام لم تعرف بعد قدر محمد وردى ولم اجد غير هذه الكلمات الغاضبة .. ولهذا حديث اخر
----------------
القصيدة الوردية .. شعر: محمد المكي إبراهيم الأربعاء, 15 شباط/فبراير 2012 19:16
الى مقام صاحب الانغام التي انعجنت بها طينة كل سوداني وصارت من مكونات تركيبته الى محمد عثمان وردي قائد جيل العطاء الى باحات الخلود ايمانا بهمته العالية التي ستقهر المرض كجزء من دفاعه الدائب عن الحياة. اليه اهدي : القصيدة الوردية
الورد سرو العبير سحرو في شذاه المثير يركب خيول الاثير يدخل في كوخ الفقير يجبر فؤادو الكسير ويطمنو. يغافل السجان ويدخل يحيي السجين ويرحمنو . حييني بالورد حييني واحييني شبعني وارويني من لحنك الفنان. انسج حبال النور وارفعني من ظلمة الديجور خليك كمان وكمان يا وردة من ألحان تبدد الاحزان وتمجد الانسان.
محمد المكى ابراهيم
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
فرعون الأغنية السودانية يقلب أوراق السياسة والفن.. السبت, 04 فبراير 2012 09:21
حاورة: عبد الرحمن جبر: تصوير سفيان البشرى
فنان كبير ترك بصمة واضحة لا تخطئها عين، امتد عطاءه الوطني والعاطفي وشمل كل الأجيال، أُطلقت عليه العدد من الالقاب منها (الأمبراطور) و(الفرعون) وغيرها، لكنها أقل قيمة مما قدمه لهذا الوطن، فيكفي ذكر اسمه فقط حتى تهتز كل القلوب والعقول.. إنه الفنان الكبير الدكتور محمد وردي هذا الهرم الغنائي العملاق.. (آخر لحظة) جلست إليه بمنزله وأتحفنا بكرمه الفياض في الاستقبال، وكرم آخر في الرد على كل الأسئلة الساخنة بشجاعة يحسد عليها وليست غريبة عليه فهو محمد وردي وكفى.. أدرنا معه حوار مطول جمع بين الفن والسياسة وغيرها من المواضيع التي تهم الساحة الغنائية في السودان.. فكانت ردود الفرعون وردي على النحو التالي:-
لفن بصفة عامة رسالة في مختلف المجالات.. ماهو الدور الذي لعبه الفن تاريخياً من أجل استقلال السودان عبر الأغنية على مدى الحقب السياسية المتعاقبة؟
- رسالة الفن هي التعبير عن واقع الناس، بمعنى أن الفن لا يمكن أن (يعرض خارج الدلوكة) ويكون في حسبانه مشاكل وهموم الناس ورؤيتهم للمستقبل وتعميق روح الأمل عندهم، واستمرار الفن يطالب بالتقدم.. لذلك يعتبر الفن ناقد لا يرضى بواقع الحال أياً كان.. وكان للأغنية دور كبير عبر تاريخ السودان لمقاومة المستعمر من مهيرة الشايقية ضد الاستعمار التركي التي غنت «يا الباشا الغشيم قول لي جدادك كر»، وحسن خليفة العطبراوي غنى «يا غريب يلا لي بلدك»، وغيرها من الأعمال، وأنا لم أمارس الغناء في تلك الفترة لكن الفنان السوداني تغنى لجنود الوطن وللبلاد وهذا يؤكد مواكبة الفن لجميع ظروف الوطن.
الفن بمختلف دروبه.. هل تعتقد بأنه أدى رسالته في المجالات الأخرى؟
- نعم الفن ساهم في مختلف قضايا الوطن من تنديد القبلية، ومساندته لمؤتمر الخريجين قبل الاستقلال بالغناء والمال، وهكذا كان الفن في السودان يساهم في جميع المؤسسات الخدمية.
السياسة والفن.. أوجه الشبه والقواسم المشتركة والخطوط المتباعدة؟
- أنا ضد الفنان السياسي المباشر، ولكن لا يوجد أي فاصل بين الفن والسياسة لأن السياسة في الأساس عبارة عن «صحن فول ورغيف العيش»، فالشعب يكافح من أجل لقمة العيش والتعليم والعلاج وغيرها والفن هو تعميق هذه المطالب، وهناك من يتحدث عن أن الفن ليس له أي دخل بالسياسة وهذا (مغفل) فالفن تنويري وتثقيفي لذلك يجب أن يشارك في جميع ظروف وأحول البلد.
هل تعتقد بأن من حق الفنان أن (يضرب) أو يتوقف عن عطائه لأي أسباب سياسية أو غيره؟
- التوقف الفردي مرفوض، ولكن اتحاد الفنانين لو له أي رأي أو مشاكل أو مواقف مع الدولة وأجهزتها الإعلامية التي تجحف في حق الفنانين عليهم أن (يضربوا) عن العمل كما (أضربوا) في السابق ضد الإذاعة والتلفزيون.
نصيب الأغنية (الوطنية) ضئيل جداً مقارنة بالأعمال العاطفية؟
- الأغنية الوطنية لا تعني الغناء للوطن في المناسبات وهذه النوعية من الغناء تحتاج لصدق، ولا يستطيع أي فنان التعبير وإلهاب مشاعر الشعب، فمن لا يملك هذه الخاصية فاليمتنع عن الغناء للوطن حتى لا تكون الأغنية الوطنية ركيكية وسهلة الكلمات والألحان بمعنى (مضيعة للوقت)، وعلى مدى تاريخ الأغنية الوطنية في السودان كانت تلهب أحاسيس ومشاعر الناس، فأنا مثلاً حضرت ثورة أكتوبر وثورة أبريل والأغنية الوطنية كان لها دور كبير جداً في المشاركة وسط الشعب، فعندما أُجبِر الرئيس السابق إبراهيم عبود بالتنازل عن السلطة تغنيت «أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باقِ» واستمرت أناشيد أكتوبر من «شعبك يا بلادي» و«أكتوبر الأخضر» وغيرها وكلها أعمال من مواليد ثورة أكتوبر.. وفي ثورة أبريل تغنيت «بنبنيو البنحلم بيهو يوماتي» و«يا شعباً تسامى» و«عرس السودان» و«وطنا بي اسمك كتبنا ورطنا» و «عرس الفداء» و«يا شعباً لهبت ثورتك»، وهذه الأناشيد الوطنية تركت أثر كبير جداً في الشعب منذ تلك الفترة وحتى الآن.. فعندما يكون الفنان صادقاً ولديه معرفة بوطنه.. تاريخه وجغرافيته وحياته واجتماعياته يتعمق في الغناء للوطن، ولكن لا أعتقد بأن أي فنان يستطيع أن يفسر علاقته بالثورة وبالجمهور.
مقاطعاً.. هل تعني بهذا الحديث أن الغناء للوطن يحتاج لنوعية خاصة من الفنانين؟
- نعم.. لذلك محمد الأمين كان ظهوره في ملحمة ثورة أكتوبر ولكن لا تستطيع أن تحسب الآن أي فنان آخر كان له الحمية والوطنية في التعبير عن الثورات.
رأيك في الوضع السياسي الراهن؟
- الوضع السياسي الحالي أدخل شمال السودان في مطب، أولاً التقسيم الذي حدث في الجنوب والذي ظهرت آثاره بوقف البترول والتحرش الموجود بين الشمال والجنوب ومشكلة دارفور ثم جنوب كردفان والنيل الأزرق، فعدم المرونة في سياسة النظام الحاكم أدخلت السودان في أمر ضيق فمهما إدعى النظام بأن الحالة مستقرة فهناك ظواهر تدل على أنهم غير قادرين على وحدة البلاد ولا على علاقتنا مع الجيران ولا التقدم للأمام.
هل قدمت أي تنازلات سياسية أم رأيت أن الحالة العامة قد تحسنت سياسياً؟
- انفعل شديداً وقال: أتنازل لمن وعن ماذا..!! فأنا يا عبد الرحمن لم أعود للوطن من أجل النظام ولكن لإجراء عملية تغيير الكُلى، ودعوتي للجلسة في منزل الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين فهو من بلدياتي وأنا أقدره وأحترمه كثيراً، فقد ضمت الجلسة السيد رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء وكانت جلسة عادية لم أقدم فيها أي تنازلات ولم يكن فيها أي خلاف أو وفاق بيننا إلى أن جاءت ظروف الانتخابات الأخيرة والتي أعلنت فيها موقفي بالتصويت لياسر عرمان ولكنه انسحب، فالحكومة أخذت موقفي هذا بأنني أقف ضدها ولم تحترم حرية ارادتي.
مقاطعاً.. أثارت علاقتك مع الراحل جون قرنق والحركة الشعبية العديد من التساؤلات والاستفهامات.. ما سر هذه العلاقة؟
- الراحل جون قرنق صديق عزيز جداً وفقده السودان كثيراً ولو كان موجوداً لتغيَّر الوضع الحالي، وليس عيباً أن أنتمي للحركة الشعبية لأنها حركة لتغيير السودان القديم لسودان جديد وأنا مؤمن جداً بهذا الطرح.
هل ترى بأن المناخ الحالي ملائم للتعبير بحرية أم أن هناك تحفظات؟
- أبداً لا توجد أي حكومة شمولية تستطيع إعطاء حرية الرأي كاملة فالرأي رأيها، بدليل أن هنالك الآن مسألة ايقاف الصحف، ومسألة جذب الفنانين لها، ويكفي أن قانون مجلس المهن الموسيقية والمسرحية تمت إجازته ووضعت قياداته من فنانين منتمين للنظام مثل علي مهدي وصلاح مصطفى وعبد القادر سالم، والنظام الحاكم وضع هذا المجلس ولكن اخترقه بنفسه بدعوى أن القانون هو لحماية الملكية الفكرية، ولكن مع ذلك الادعاء أتوا بفنانين في عيد الاستقلال استباحوا اغنياتي وأنا موجود، وسبق أن تغنيت في عيد الاستقلال الماضي ومنحني رئيس الجمهورية وسام الانجاز والجدارة، فهل شخص يحمل وسام الجدارة تنتهك حقوقه الفكرية والمادية وياتوا بفنانين يرددوا أعمالي دون استشارتي مثل كورال كلية الموسيقى والدراما وسيف الجامعة وعصام محمد نور وعمار السنوسي وغيرهم، وبصراحة أكثر هذا القانون كذب واضح.
مقاطعاً.. هل تعني بهذا الحديث أن مجلس المهن الموسيقية والمسرحية غير صالح للدفاع عن حقوق الفنانين؟
- نعم.. فالفنان لو لديه أعمال غنائية وجمهور لا يرتضي اطلاقاً بأن يكون موظفاً، فقيادة مجلس المهن الموسيقية والمسرحية الحاليين يتقاضون أجرهم من الحكومة ولو كانوا يمتلكون أي شعبية أو قاعدة جماهيرية لما ارتضوا لأنفسهم ذلك، بل كان الأجدر بهم أن يتقاضوا أجورهم من أعمالهم الغنائية ولكنهم (مفلسين) فنياً، فأي موظف يستطيع أداء علمهم هذا ولكن ليس الفنان لأن الفنان يعتمد على فنه وابداعه وعطائه وتقدير الجمهور له.
صرحت من قبل وعبرت عن غضبك في ترديد أغنياتك الوطنية من قبل بعض المطربين في أعياد الاستقلال؟
- نعم.. وهذا (إفلاس)، فاذا كان الفنان لا يستطيع الغناء لوطنه منذ الاستقلال وحتى الآن ويستعين بأعمال الغير بدون أي (خجل) فما معنى ذلك غير (إفلاس فني)، وثانياً تشجيع الدولة لهذه المسألة هي إنتهاك لحقوق فنان أعطى الوطن الكثير ولديه القدرة على العطاء أكثر والزمن كفيل باظهار الحقائق أما الزبد فيذهب جفاء.
هل تعني بهذا الحديث بأنك سوف تتجه لمقاضاة كل المطربين الذين تغنوا باعمالك؟
- نعم كلهم بما فيهم الدولة.. لسماحها بهذا العبث السخيف.
دور المطربين كان ضعيف في تعزيز الوحدة قبل عملية الانفصال بين الشمال والجنوب؟
- لم يكن ضعيفاً بل كان غائباً تماماً ولم يظهر لهم أي دور، بل بالعكس هنالك فنانين هللوا وفرحوا كثيراً بالانفصال وشاركوا الصحفي الطيب مصطفى أفراحه بذبح الثيران وتغنوا لذلك ومنهم أعضاء في مجلس اتحاد الفنانين وهذا شيء مؤسف للغاية بل يعتبر من أسوأ ما فعله الفنانين في تاريخ السودان لأنهم فرحوا لتقسيم وطنهم.
قيام وزارة خاصة بالثقافة.. هل خدم القضايا الثقافية أم أنها كانت اسماً على غير مسمى؟
- ليس هناك أي تقدم تحرزه هذه الوزارة ولا تمتلك أي تخطيط لاعطاء الفرصة للمبدع الحقيقي من أجل إبراز أعماله، وأعتقد أن عمل هذه الوزارة هو (عبث) واستهانة بالإنسان السوداني كمستمع وكمثقف.
هل تعني بهذا الحديث أن وزارة الثقافة الاتحادية لم تقوم بالدور المنوط بها حتى الآن؟
- ضحك وقال ساخراً: أنا لا أعرف الدور المناط بيها شنو..!! ولا هي ذاتها شنو..!! فهل هي وزارة شكلية فوقية..!! هذا الوزارة لم تخدم الفن في شيء.
عفواً محمد وردي.. وزارة الثقافة الاتحادية أقامت الأماسي الموسيقية في الخرطوم وأم درمان.. ألم تخدم هذه الخطوة الغناء في شيء؟
- هذه الأماسي «كلام فارغ» ولم تخدم أي شيء، فماذا قدمت.. وماهو الإبداع الذي حوته.. وما السبب الحقيقي من قيامها.؟ فهي عملية دعاية من وزير الثقافة لنفسه، فهل سمع الناس إبداع في تلك الأماسي، وهل قدمت بها أغنية جديدة رسخت عند المستمع، وكلها دعاية فارغة وأهدرت أموال الدولة، وكنت أتمنى أن تصرف هذه الأموال في الابداع الحقيقي ولكنها تصرف على كل من هبَّ ودبَّ.
هاجمك أحد أئمة المساجد في الأيام القليلة الماضية وأتهمك بالكفر وغيره؟
- إمام المسجد كاذب، فأنا لم أرى في حياتي إمام مسجد يصلي بالناس ويكذب، فقد قال إن وردي بلغ سن الـ (90)، وأنا عمري (79) عاماً، وأعطاني (11) عاماً مجانية (كتر خيرو)، واتهمني بالمساهمة في (أعياد الكفار ويقصد أعياد الميلاد)، فنحن نعترف بسيدنا عيسى عليه السلام كنبي، فعلى ماذا الهجوم إذن..!.. فأنا تغنيت في أعياد الميلاد خاصة وأنها تصادف أعياد الاستقلال، فالمسيحيين أخواننا في الوطن ولم تكن هناك أي مشكلة في التعايش بيننا على الاطلاق، فنحن نشاركهم أفراحهم وأحزانهم لتعميق الأخوة والمواطنة، ومثل حديث إمام المسجد غير الموفق هذا يخلق فتنة.
تقصد بهذا الحديث بأن هناك أيادي خفية تحارب الغناء؟
- نعم.. وإمام المسجد الذي هاجمني هذا «عينة» منهم، وقبل ذلك جاءت جماعة أمام مبنى اتحاد الفنانين (وشتمونا)، ولكن إذا كان هؤلاء كفروا الإمام الصادق المهدي..!! فهذه جرأة غير عادية.
ما رأيك في اتجاه عدد كبير من الفنانين لتجربة المديح النبوي الشريف عبر قناة ساهور الفضائية وإذاعة الكوثر؟
- هذه فوضى وعبث وتقليل من قيمة القداسة الدينية، فقد عرضت ساهور والكوثر مدائح عديمة القيمة وجه الشبه فيها كيفية كسب المال بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمديح للمصطفى عليه السلام «عندو ناسو» لأنه يحتاج لقدسية وخشوع وليس تغني وتنشد مدائح بألحان أغنيات مثل «القمر بوبا» و«سمسم القضارف» واحدهم يمدح ويقول «رسول ذي ده اصلوا ما شفنا» فهذا تقليل من قيمة القداسة الدينية، فأنا عندما استمع لأولاد الماحي يمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم أشعر وأحس بصدقهم في حب الرسول ولكن حب «القروش» ظاهر عند الآخرين.
مقاطعاً.. هل تعني بأن قناة ساهور وإذاعة الكوثر ساهمتا في تدني الذوق العام للاستماع للمدائح النبوية الشريفة؟
- نعم.. فقد هبطت بمستوى المدائح النبوية ومستوى التذوق لها، وهي تعمل على تدني هذه الرسالة العظيمة بأعمال «هشة وغثة»، وأنا لا أدري من أين تأتي قناة ساهور وإذاعة الكوثر بهذه الأموال التي تصرفها على أشباه الفنانين الذين فشلوا في الغناء فأتجهوا للمديح وفشلوا فيه أيضاً، وهذا سؤال محير، فقناة ساهور وإذاعة الكوثر تهبطا بالرسالة وعلى النظام الحاكم إيقافهما فوراً .
بمناسبة القنوات الفضائية.. بصراحة شديدة أصبحت تتجنب استضافتك لارتفاع أجرك المادي؟
- نعم.. ولكن الواضح أن بعض القنوات (أفلست) لأنها قامت بدون تخطيط، فأنا لم أسجل طوال الفترات السابقة عمل كبير إلا في قناة الشروق بعد أن أوفت بالتزاماتها المادية تجاهي، والآن أنا بصدد أن أسجل لها كل أغنياتي الوطنية من الأول إلى الآخر وهذا سرد لتاريخ السودان الحديث.
الساحة الفنية الآن بعيون محمد وردي؟
- ليست مثل السبعينيات أو الثمانينيات، ولم يحدث قبل الآن أن يُجلد الفنان بقانون النظام العام بسبب تصاديق الحفلات، وهذا الفعل سبب إرهاب للفنانين، بالإضافة إلى أن هناك فبركة في قانون حقوق الملكية الفكرية، فالقانون الذي تقدمنا به عام 1986م رفضه الوزير كمال عبد اللطيف ووضع القانون الحالي، فمشكلتنا الأساسية مع الإذاعة والتلفزيون فكيف تحل لأن هذه الأجهزة هي الخصم والحكم في نفس الوقت، وهناك (بلبلة كبيرة) في القانون، فهو قانون مزيف ومن وضعوه أخترقوه ولم يحترموا الإبداع الفكري للفنان.
انتشرت في الآونة الأخيرة الإساءات بين المطربين على صفحات الصحف بصورة لا تشبه الفن وأسلوب الفنان؟
- ديل ما فنانين، فقط يرفعوا أصواتهم في الصحف وليس لديهم أعمال فنية يتحدثون عنها، وهذا فراغ إبداعي وسقوط، وهؤلاء فنانين غير مؤدبين ينشروا غسيلهم ال######.
بصراحة.. أنتم متهمين بمحاربة الفنانين الشباب وكادت أن تنعدم عملية تواصل الأجيال؟
- «أنا لا أحارب أحد» وأسعى لتواصل الأجيال لضرورته، واتجهت لذلك بنفسي لمساعدة الشباب ولكن بعد تمحيص دقيق جداً لم أجد فنان شاب أفضل من طه سليمان لأنه صاحب صوت رائع وأداء رائع وتطريب عالي جداً لذلك تعاونت معه بالألحان، فتواصل الأجيال لم ينعدم وما أقوم به مع طه سليمان هو جزء من هذا التواصل، ولكن بصراحة إنعدم التواصل في أشياء كثيرة ومجالات عديدة.
وردي قلت من قبل بأن الأصوات الغنائية النسائية الموجودة حالياً ضعيفة جداً؟
- نعم.. ومازلت عند رأيي، فالأصوات النسائية الحالية تحتاج لتربية صوتية وهي أصوات غريبة، وللأسف الشديد هذا لا يحدث إلا في السودان، فالصوت الجميل هو الصوت المدرب الذي يعرف المقامات التي يغني فيها والتي تتناسب مع صوته وللأسف هذه المعرفة غير موجودة.
الألقاب التي أطلقت عليك وأنت أهلاً لها مثل «الأمبراطور والفرعون والعملاق» وغيرها.. هل كنت تحلم بالوصول إلى ما أنت فيه الآن من نجاحات؟
- لكل مجتهد نصيب، فكل تلك الألقاب أطلقها عليَّ الجمهور إلا لقب (الفرعون) الذي أطلقه عليَّ صديقي العزيز الأستاذ الراحل حسن ساتي ويرجع سر هذا اللقب للعلاقة التاريخية بالفراعنة فهم جزء من تراثنا النوبي، وأنا لست مثل مغنواتية اليوم الذين يطلقون الألقاب على أنفسهم.
من تقصد بالمغنواتية الذين يطلقون الألقاب على أنفسهم؟
- مثل أحمد الصادق، فماذا قدم هذا المغنواتي، فهو عديم إبداع ولم يقدم شيئاً حتى الآن وهو نتاج عن تدني الذوق العام، وكما يقال «هذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق».
ألا تعتقد بأن هناك اختراق للثقافة السودانية من قبل المطربين العرب وفُرضَت علينا؟
- نعم هناك اختراق للفن والثقافة السودانية بدليل أن الآن أصبحت (العروس) السودانية تزف بزفة على الايقاعات المصرية والغربية وغاب الفن والتراث السوداني، ولذلك يجب أن نقف ضد الاختراق الثقافي ونغلق الأبواب في وجهه.
هل تعني بأن لديك أفكار جديدة لذلك..تُرجِع طريقة الزفة السودانية لأصلها؟
- نعم.. نحن نمتلك من الايقاعات السودانية ما يكفي لصنع وعمل زفة العروس، واشتركت في ذلك مع الشاعر اسحق الحلنقي في إنتاج عمل جديد بايقاعات «السيرة» ونال إعجاب الجمهور، وذلك لوقف التغول الأجنبي وحماية التراث السوداني.
من واقع خبراتك الفنية الطويلة.. كيف ننقل الأغنية السودانية للخارج؟
- وسائل الإعلام التي تنقل الفنان المحلي للخارج ضعيفة جداً وليس لديها أي اهتمام بالمبدعين، والفنان السوداني الجيد ينجح في أي مكان مثلما نجحنا نحن في أفريقيا، ولدينا تراثنا الحقيقي ولكننا لم نوجه ثقافاتنا في الاتجاه الصحيح فنحن أفارقة أكثر من عرب لذلك يجب أن نوجه أعمالنا صوب أفريقيا.
رأيك في برنامج (أغاني وأغاني)؟
- لا أعتقد بأن هناك ضرورة لهذا البرنامج فليس لديه أي وجود، فما معنى أن يحضروا فنانين لترديد أعمال الفنانين الراحلين أو الحاليين فأين أعمالهم الخاصة.!
ألا تخاف من أن تخلق لك هذه الردود والاجابات الملتهبة أي عداوات؟
- أولاً أنا لا اخاف على الإطلاق، والأهم من ذلك أن الحقيقة عمرها ما كانت مخيفة، وأنا أتحمل نتيجة وتبعات كل ما قلته.
أخيراً الفرعون محمد وردي ماذا تود أن تقول؟
- أولاً أنا أشكر صحيفة (آخر لحظة) لشجاعتها، وأشكرك أنت بالأخص يا عبد الرحمن فقد نشرت لي من قبل أحادث وتصريحات كثيرة وهذه هي رسالة الصحافة الحقيقية بدون أي تزييف أو خوف لذلك أشكركم.
اخر لحظة
----------------
العربية : رحيل فنان إفريقيا الأول السوداني محمد وردي جماهير غفيرة تدافعت في موكب مهيب لوداعه ضم كل أطياف المجتمع خيّمت حالة من الحزن والبكاء على قطاعات واسعة من المجتمع السوداني عقب سماعهم وفاة فنان السودان وإفريقيا الأول الموسيقار محمد عثمان وردي عن عمر ناهز الثمانين عاماً، حيث توفي في ساعة متأخرة من مساء السبت بمستشفى فضيل بالخرطوم.
وتدافعت جماهير غفيرة وفي موكب مهيب ضم كل ألوان الطيف السياسي والفني الرياضي والاجتماعي، تقدمه نائب الرئيس السوداني د. الحاج آدم، وعدد كبير من قادة الدولة وأهل الفن والثقافة بالسودان، إضافة إلى أعداد ضخمة من محبي الفنان الراحل إلى مقابر فاروق وسط العاصمة الخرطوم لتشيعه إلى مثواه الاخير، وقد استمرت مراسم الدفن التي حضرتها لأول مرة وفي ظاهرة استثنائية أعداد كبيرة من النساء والبنات، منذ الفجر حتى منتصف نهار اليوم، وسط تغطية إعلامية واسعة من قبل الإعلام المحلي والإقليمي والدولي حضرها مراسل "العربية.نت" بالخرطوم.
وكان الفنان محمد وردي يعاني من مرض الفشل الكلوي قبل أكثر من ولكن تعافى منه بعد أن أجريت له عملية زراعة كلى ناجحة في تسعينات القرن الماضي، ولكن في الأسبوع الماضي قد تعرض لوعكة صحية مفاجئة بسبب التهاب حاد وحموضة في الدم أدخل على إثرها للعناية المكثفة، ثم ساءت حالته الصحية بعد أن عانى من زيادة الضيق في التنفس.
وقال الامين العام لاتحاد الفنانين السودانيين الفنان حمد الريح في تصريحات خاصة لـ"العربية.نت" من داخل مقابر فاروق أثناء مراسم تشييع الراحل، إن وفاة وردي تعني الكثير جداً لكل الناس، مضيفاً "نحن نعزي بعض كسودانيين وهو ملك السودان كله".
شعلة فنية متقدةوأكد رائد المسرح السوداني أمين اتحاد الفنانين العرب السابق د. علي مهدي لـ"العربية.نت" أن رحيل الفنان وردي يمثل له على المستوى الشخصي إحساس عميق بفراغ كبير، أما على المستوى الإنساني فقد قال إن وردي كان مبدعاً ومؤثراً على المجتمع السوداني وعلى المجتمع الاقليمي والدولي، لكنه أضاف "أن صور محمد وردي ستظل في حياتنا لتركه أثره البالغ على المجتمع ولأنه عبر بأغنياته عن وجدان هذه الأمة بصدق وأمانة وأشواقها للتحرر الوطني وللتنمية الاجتماعية والاستقلال والحرية والديمقراطية".
وأشار مهدي الى أن الفقيد كان قد عبر عن الأفكار الإنسانية الخلاقة بتحويلها الى إبداعات غنائية وموسيقية، وتوقع أن يشكل فقد وردي دافعاً للمبدعين السودانيين للمزيد من الابداع وأن يذهبوا على خطه في صناعة الأغنية السودانية واللونية الخاصة التي أوصلته الى أن يكون فنان إفريقيا الاول وأن يكون محبوباً في العواصم العربية والإفريقية وأن يكون له ذلك التأثير في المستوى العالمي، وختم قائلاً: "أعتقد أن ساحات التعازي الآن مفتوحة في كل مكان".
ووصف الاتحاد العام للصحافيين السودانيين في بيان له الراحل محمد وردي بعملاق الفن والأدب والإبداع ليس على المحيط الداخلي وإنما المحيط العربي والإفريقي، لقد كان شعلة فنية متقدة وكان على الدوام وردي رمزاً شامخاً عطر سماوات الإبداع تغنى للوطن وللإنسان وللطبيعة عبر ألحان خالدة وأشعار باسقة جميلة هفت إليها القلوب.
ويمثل الفنان محمد وردي لكثير من قطاعات الشعب أسطورة الفن السوداني، حيث ولد في يوليو من عام 1932 بقرية صوداردة بشمال السودان، حيث عمل في بداية حياته معلماً، وكان ناشطاً نقابياً في رابطة المعلمين السودانيين، وبدأت مسيرته في عام 1957، وارتبط اسمه بالأناشيد الوطنية وله 88 أغنية للوطن برز فيها التوجه اليساري الثوري خاصة في بداية حياته، لكنه خلف كذلك العديد من الأغنيات العاطفية.
وغنى للعديد من الشعراء السودانيين من بينهم محمد مفتاح الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم وإسماعيل حسن وإسحاق الحلنقي ومحجوب شريف وعمر الطيب الدوش، واكتسب شعبية كبيرة خلال مسيرته الفنية في العديد من الدول الإفريقية خاصة إثيوبيا وأريتريا
العربية
------------------
اعلانات قوقل
صباح الحزن أيها السودان الجميل !
خالد عويس روائي وصحافي سوداني
[email protected]
سيمر وقتٌ طويل قبل أن يولد - إن ولد - (سوداني) نبيل هكذا غني بالمغامرة هكذا إنني أغني جماله بكلمات تئن وأتذكر نسيماً حزيناً بين أشجار (النخيل).. الشاعر الإسباني، فدريركو غارسيا لوركا ,,,, يا محبوبي لا تبكيني يكفيك ويكفيني فالحزن الأكبر ليس يقال الشاعر السوداني، محمد الفيتوري ,,,, • لن يمر يومٌ أكثر مشقة وحزناً على هذا الشعب الحزين الحزين أكثر من هذا اليوم. ذهب محمد وردي، أطول النخلات في السودان، وأبهى الأقمار المعلقة في سمائه، وأحلى العنادل. • مَن مثل وردي عمّر وجدان السودانيين الجمعي بأغنيات الحب وسوناتات العشق في أصدق صوره ! مَن مثله وظّف عبقريته الموسيقية ليرسم الحب في المشهد السوداني كائناً بجناحين من ضوء ! • مَن مثله أغنى أرواحهم حتى الثمالة..حتى الثمالة بشرابٍ صافٍ في عشق وطن، كان يراه وردي على طريقته، شامخاً فتياً عاتياً، حراً ديمقراطياً ! • مَن غنى لشهداء الحرية في السودان مثله، مَن غسل أقدام بيعانخي وتهارقا والمهدي والخليفة ومهيرة والمك نمر وعلي عبداللطيف والماظ بماءٍ النيل المقدّس، ورشّّ على تيجانهم عطر الصندل المخبوء في جوف صوته ! • لم يكن أسطورة في الغناء السوداني وحسب، لم يكن إمبراطوراً في إفريقيا وحسب، كان رمزاً شاهقاً في ثقافتنا، وواحداً من الذين صاغوا الوجدان حجراً مذهباً على حجرٍ من نور. • كان الأخير الذي تبقى لنقول في كل ميناء نعبره في رحلات منافينا الطويلة: نحن من بلد هذا العملاق ! • وردي منحنا هويةً خاصةً لوطن مزقته الحروب ودمرته إرادة السياسيين الفاشلين، فكان هو الإرادة السودانية الحرة، وهو الجسر بين تاريخ مثقل بالتاريخ والبطولات الكبرى، ومستقبل نرجوه مزداناً بالأغنيات والشموخ. • مَن منا تتفتق عبقريته الوطنية ليجلس على الثرى بتواضع وهو يغني: "في حضرة جلالك يطيب الجلوس، مهذب أمامك يكون الكلام" ! مَن ليكون أكثر تهذيباً في حضرة وطن عشقه بجنون، ومنحه بجنون، وأفرط في عشقه إلى درجة الهذيان الجميل: "وعنّك بعيد أنا أبيت الرحيل..وبيك اعتزاز الصباح الجميل". • الوطن في عيني وردي "نهر قديم" يسيل بالعطر والتاريخ الذي يجهله أنصاف المثقفين الذين أضحوا "ساسة" الزمن الردىء. الوطن في عينيه طفل منسيٌ في حفل، عليه هو وحده أن يهدهد حزنه، ويعيده إلى حضن أمه: النهر، الصحراء، البحر، عمق الإنسانية ! • وردي عاصفةٌ ملونة من الكلمات والألحان ضربت السودان برفق ولين من غابته إلى صحرائه، من بحره إلى نهره، ومن عليائه إلى عليائه ! • خائنٌ هو السوداني، وخائنةٌ هي السودانية. خائنٌ للغاية من لا ينفطر قلبه ويتصدع اليوم. فوردي، صنو الوطن، وروحه. حين يفرد قامته لكأنما هو الوطن من يفرد هامته ليتنفس عشقاً..ووعداً وتمني ! • وردي هو أول الأحزان وآخرها. وردي هو الحزن الأكبر الذي لا يُقال ! • وردي هو أيقونتنا التي ندخرها من الماضي السحيق. قارورة معتقة عبأناها من أنفس عطورنا وأقواها أثراً وأجودها طيباً. • لكل بيت قصة مع وردي، ولكل حكاية قصة مع وردي. لكل عاشق وعاشقة، لكل ثائر من أجل الحرية، ثمة أغنية دوزنها وردي من دم إبداعه ودموع معاناته: "لو بهمسة"، "الطير المهاجر"،"بعد إيه"، "خاف من الله"، "الحزن القديم"، "بناديها"، "نور العين"،"أرحل"، "عرس الفداء"، "أكتوبر الأخضر"، " "يا شعباً لهبك ثوريتك". لكل ذكرى رشة عطر من وردي، ولكل همسة حب بعض منه، ولكل صرخة ثائر نبض منه ! • يا الله يا وردي، تمددت في كل حياتنا. تمددت في عروقنا وشراييننا وأوردتنا. تمددت في قصص عشقنا وفي أدق تفاصيل نضالنا من أجل الحرية. • يا الله يا وردي، كيف نعشق من بعدك؟ ومن سيغني لنا إن سقط الطغاة؟ من سيغني: "يا شعباً لهبك ثوريتك..تلقى مرادك والـ..في نيتك..عمق إحساسك بي حريتك..يبقى ملامح في ذريتك" ! • إنها هي ملامح روحك الحرة زرعتها فينا جميعاً وأنت تغدق علينا معانٍ كبيرة..كبيرة، وترسم لنا وطناً ملوناً في الفضاء، نتقافز - كالأطفال -لنمسك بخيوطه المذهّبة كأشعة الشمس. وطنك يا وردي يرحل معك. يرحل وطعم الدمع على شفتيه، وما من وطن لنا، ما من وطن يتسع لأحلامنا، ما من شىء سوى المنافي يا وردي ! • أنت المعلّم يا وردي. أنت مدرستنا الإبتدائية والمتوسطة والثانوية. أنت جامعتنا الأكثر عراقة. وهل علمونا في الدروس كيف أن الدماء تدوس على جلادها وتستشهد بجلال؟ هل علمونا أن "الشعب أقوى وأقدر..مما كان العدو يتصور"؟ و"مكان السجن مستشفى..مكان الطلقة عصفورة..تحلّق حول نافورة"؟ • مَن - يا وردي - علمنا هذا الوطن غني إلى هذا الحد، وبهي إلى هذا الحد، وعظيم إلى هذا الحد، وخرافي وموجع وحزين وجميل كطفلٍ مشطت شعره أمه في صباح العيد. • مَن يا أيها البهي زرع الضياء في كل ركن وكل قلب؟ • اليوم يا وردي سقط القلب. اليوم أصبحت كل ذكرى ملحاً يكشط الروح، لأنك في كل زاوية من كل شىء في حياتنا. • كم نحن نحبك أيها السوداني الجميل، وكم نحن حزانى اليوم. • والحزن الأكبر ليس يقال !
----------------------
السودان يشيع فنانه الأشهر
آلاف المواطنين السودانيين والرئيس عمر البشير شيعوا الفنان الراحل محمد وردي (الجزيرة نت)
الجزيرة نت- الخرطوم
شيع آلاف المواطنين السودانيين تقدمهم الرئيس عمر البشير الفنان السوداني الراحل محمد عثمان وردي، الذي توفي الليلة الماضية بعد وعكة ألمت به بالحادي عشر من الشهر الجاري. وعرف الراحل بشعبية الكبيرة في السودان والدول الأفريقية ونهجه المتفرد في الغناء.
وتسابق المشيعون من كل أطياف الشعب السوداني سياسيين ورياضيين وموسيقيين وشعراء ومن عامة الشعب إلى توديع فنانهم الكبير كل يعدد مآثره على نحو يراه مناسبا لمقامه.
ولم يختلف الشعب السوداني بجميع مكوناته، على من أطلقوا عليه رمز الغناء السوداني رغم تصنيفه ضمن مناصري الفكر الشيوعي والاشتراكي.
الفنان الراحل محمد وردي تميز بأداء الأغاني بالغتين النوبية والعربية (الجزيرة نت) مطرب أفريقيا الأول
ولد الفنان محمد وردي في العام 1932 م في بلدة صواردة إحدى عموديات منطقة السكوت والمحس المكونة لمنطقة وادي حلفا وأرض النوبة بشمال السودان، وتربى في كنف عمه بعد وفاة والديه، وهو لم يبلغ العاشرة من عمره.
تلقى تعليمه بشمالي البلاد ليشتغل بعد ذلك معلما بذات المنطقة قبل أن ينتقل للعمل بمدينة شندي التي انطلق منها إلى العاصمة الخرطوم في العام 1958 ليمتهن الغناء، وتبدأ مسيرة نجم لم تتوقف شهرته وتأثيره عند حدود الشمال بل امتدت إلى كافة أرجاء السودان شاديا بأروع الأغنيات ومنشدا بأقوى عبارات الأناشيد الوطنية.
وأهم ما تميز به الفنان السوداني الكبير أداء أغانيه باللغتين النوبية التي ينتمي لها والعربية، كما غنى بلغات أفريقية أخرى حتى أطلق عليه لقب مطرب أفريقيا الأول لشعبيته الهائلة في كافة بلدان أفريقيا خاصة شرق القارة.
وعرف وردي بغزارة فنه وثرائه خاصة أناشيده الوطنية والثورية التي دخل بسببها السجون والمعتقلات السياسية في عهد النميري قبل أن يختار المنفى عقب انقلاب حكومة الرئيس البشير عام 1989 ليعود بعد 13 سنة إلى وطنه.
ودفع تهجير النوبيين من منطقة وادي حلفا بسبب بناء السد العالي عام 1964 إلي وقوف وردي مع أهله ضد نظام الرئيس عبود فصار يهاجمه ببعض الأناشيد والأغاني الرمزية وبعض المواقف الأخرى، إلى أن أطاحت ثورة أكتوبر الشعبية بالحكم العسكري لتظهر مجمعة أناشيد وطنية أطلق عليها اسم الأكتوبريات، خاصة قصيدة محمد مفتاح الفيتوري التي يقول مطلعها:
أصبح الصبح... فلا السجن ولا السجان باق وإذا الفجر جناحان يرفان عليَ وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي
الراحل محمد وردي امتدت مسيرته الفنية لأكثر من ستين عاما (تصوير علي عبد الرحيم) في عهد النميري
ولم يجد وردي في بداية عهد النميري 1969 إلا الوقوف معه كنظام جديد ليغني له عددا من الأناشيد مثل نشيد فارسنا وحارسنا قبل أن يتحول إلي معاداته التي دخل بسببها السجن عام 1972 ومرات أخرى، إلى أن جاءت ثورة أبريل/ نيسان 1985 التي أطاحت بحكومة نميرى المعروفة بثورة مايو.
وعقب نجاح ثورة الشعب فتح وردي خزائن إبداعه ليخرج إلي الشارع بنشيد - بلى وانجلى.. حمد الله ألف على السلامة .. إنهد كتف المقصلة.
اكتشف الفنان وردي إصابته بالفشل الكلوي الذي استمر معه لبعض السنوات قبل أن ينجح في الحصول على كلية أحد معجبيه بعدما تبرع بها لإنقاذ فنان السودان الأول كما قال وقتها، لتنجح زراعة الكلية الجديدة في قطر ويعود بعدها إلي البلاد ويواصل عطاءه من جديد.
منح الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم عام 2005 تقديرا لمسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من ستين عاما، ولما يزيد عن ثلاثمائة عمل غنائي مما دفع البعض لوصفه بالأسطورة الفنية.
الفنان الراحل (يمين) مع صديقه الفنان أبو عركي البخيت (الجزيرة نت) عقلية موسيقية غنى وردي لعدد من الشعراء السودانيين مثل عمر الطيب الدوش ومحمد مفتاح الفيتوري وإسحاق الحلنقي وعبد الرحمن الريح والسر دوليب وأبو آمنة حامد وإسماعيل حسن وصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم والتجاني سعيد وشاعر الشرق كجراي ومحجوب شريف.
وتميز الفنان وردي بامتلاكه عقلية موسيقية جبارة بالفطرة بجانب جوانب عدة في مسيرته الإبداعية التي لم تنحصر في الغناء والموسيقى بل تخطتها للشعر "فهو من الشعراء المجيدين".
واحتفل وردي عام 2010 بيوبيله الذهبي في الغناء، الذي أتحف خلاله المستمع بروائعه التي عشقها معجبوه وألحانه التي خلدت في وجدان المجتمع السوداني إلى جانب غنائه الوطني، وغنى للعديد من الشعراء السودانيين، وكانت له ثنائية شهيرة مع الشاعر إسماعيل حسن نتجت عنها أكثر من 23 أغنية.
ويقول عنه بعض النقاد السودانيين إن الموضوعية كسمة ملازمة لمضامين نصوصه المغناة والتي جاءت بديلاً مقبولاً لشكل المضمون الذي كان ملوّناً بالرمزية والعبارات الساخرة مثل أغاني ما قبل التهجير -تهجير مواطني وادي حلفا إلي منطقة حلفا الجديدة الحالية وبناء السد العالي الذي غمر تلك الديار - وأغاني القيل بمنطقة السكّوت.
ويرون أنه من أساطين المتحدثين باللغة النوبية, والملمّين بشوارد مفرداتها ودقيق مأثوراتها وحكمها وأمثالها، بجانب تميزه برهافة الحس ودقة التعبير عن مشاعرها، فبينما نعته كافة بيوت السودان ومؤسساته، رأى زميله أبو عركي البخيت أن يخاطب معزيه بأن السودان قد فقد كبيرا من كباره ورمزا من رموزه. المصدر: الجزير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
يرتبط الزميل الاستاذ معاوية يس بعلاقة صداقة قوية بالفنان الراحل .. وردى والصورة بالاعلى توضح عمق تلك العلاقة وهنا الاخ معاوية يعبر عن حزنه وهو ينعى فقيدنا الراحل .. اقرا ما سطره معاوية بالحياة
وردي السودان... الملتزم يغيب بعد 80 سنة من الغناء الإثنين, 20 فبراير 2012 الرياض - معاوية يس
: شيع السودانيون أمس مطربهم محمد وردي الذي توفي عن عمر يناهز 80 سنة، إثر صراع مع داء الفشل الكلوي ومضاعفاته. ومع مواراة جثمانه الثرى، دفن كثيرون منهم أحلامهم بوطن حرّ ومستقبل مشرق، إذ قام الفقيد من خلال أغنياته وأناشيده بدور المعلّم الأوحد للتربية الوطنية، بتقديمه أنشودة الاستقلال (1959) وملحمة «يقظة شعب» (1963).
وبرز ملحناً ومطرباً ملتزماً قضايا شعبه بعد نجاح ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 1964 التي أطاحت نظام الفريق إبراهيم عبود، مقدماً الأنشودة التي أضحت رديفاً لتلك الثورة الشعبية «أصبح الصبح» من تأليف الشاعر محمد مفتاح الفيتوري الذي كان يعمل آنذاك رئيساً لتحرير مجلة الإذاعة السودانية «هنا أم درمان».
ولم يتوقف عطاء محمد عثمان وردي الذي ولد في قرية صواردة النوبية (شمال السودان) عام 1932 على الغناء الوطني، إذ اختط لنفسه مساراً اصطبغ بالجدية والحداثة في مجال الغناء العاطفي، مثبتاً قدميه في الساحة الفنية باستلهام تراث منطقة النوبة الشمالية، ومتغنياً بعدد من الأغنيات باللغة النوبية. وكان سباقاً منذ عام 1958، بعد عام واحد من اجتيازه اختبار القبول والاعتماد لدى الإذاعة الوطنية السودانية، إلى تقديم أغنيات طويلة، تسبقها مقدمات موسيقية تصويرية وتعبيرية أخاذة، في ثنائية رائعة مع رفيق كفاحه الفني الشاعر إسماعيل حسن. وهكذا رأت النور أغنياته «خاف من الله»، «المستحيل»، «الوصية».
وعام 1969 أقدم وردي على تلحين قصيدة «الود» للشاعر عمر الطيب الدوش، ووزعها الملحن المصري-اليوناني أندريه رايدر، وكانت فتحاً جديداً في الغناء السوداني، إذ استعان فيها وردي بآلة «الطمبور» (الربابة) السائدة في مناطق الشمال السوداني. وكان على موعد آخر مع السياسة والغناء الوطني باحتضانه الثورة التي قادها الرئيس الراحل جعفر نميري في 1969، فتغنى لها بعدد من الأناشيد الحماسية. لكن خلاف نميري مع اليساريين الذين انتمى إليهم وردي دفع الأخير إلى مساندة الانقلاب المضاد لها في 1971، ما أدى إلى اعتقاله بعد فشل الانقلاب وعودة نميري للسلطة. وخرج وردي ليحترف تقديم أغنيات عاطفية مفعمة بالمعاني الوطنية والأشواق السياسية، متكئاً خلال هذه الفترة على الشاعر محجوب شريف.
وأدى تباعد المواقف السياسية بين وردي ونظام نميري إلى اختياره المنفى، فأقام عام 1983 في عدن والرياض والكويت والقاهرة، ولم يعد إلى السودان إلا بعد إطاحة نميري في 1985، ليقدم عدداً من الأغنيات الوطنية والعاطفية التي كتبت له إمارة الغناء في بلاده. لكن بقاءه لم يطل، إذ سرعان ما اختطف الرئيس عمر البشير الحكم في انقلاب العام 1989، فعاد وردي إلى حياة المنافي، فأقام في القاهرة ولندن ولوس أنجليس حيث أصيب بفشل كلوي، وعاد بعد جراحة ناجحة لزرع كلية في الدوحة، حيث استقبل في مطار الخرطوم كالقادة الفاتحين. وكانت غالبية مستقبليه من جيل الشباب الذين لم يحظوا بحضور حفلاته ومعاركه الصحافية الشهيرة.
بدأ وردي حياته معلماً للغة العربية في المدارس الابتدائية، وانتقل إلى الخرطوم عام 1957 ليسجل بضع أغنيات باللغة النوبية، غير أن مسؤولي الإذاعة السودانية طلبوا منه البقاء في العاصمة، وعهدوا إلى الملحن وعازف الكمان خليل أحمد برعايته. وهكذا بدأ مسيرة فنية انتهت بتسجيله أكثر من 300 أغنية ونشيد على مدى 60 عاماً. وشملت تجربته تقديم أغنيات منظومة بالفصحى للشاعرين الجيلي عبد المنعم عباس (مرحباً يا شوق) وصديق مدثر (عاد الحبيب).
ويحسب لوردي إقدامه على استخدام إيقاعات وموسيقى الجهات والقبائل السودانية كافة، في مزج فريد ساعد على صوغ هوية «سودانوية» تحاول السمو على تقاطعات الهوية السودانية التي تتجاذبها العروبة والإفريقانية. وبدأت محاولاته الناجحة تلك بتقديم أغنية «بنحب من بلدنا سودانية تهوى وتعشق ود بلد»، التي تعدد محاسن وجمال فتيات القبائل السودانية كافة، من نظم الشاعر أبو آمنة حامد. واستخدم في وقت لاحق إيقاعات من كردفان ودارفور (غرب) وجوبا (جنوب) في عدد من أغنياته، فضلاً عن استخدامه إيقاع «الدليب» الذي يسود منطقة قبيلة الشايقية (شمال السودان).
تعاون وردي خلال مسيرته الطويلة مع شعراء كبار كثر، في صدارتهم الفيتوري وصلاح أحمد إبراهيم والتيجاني سعيد وإسماعيل حسن ومحجوب شريف ومحمد المكي إبراهيم وإسحاق الحلنقي. كما تعامل مع عدد من شعراء ما يسمى «الشعر القومي» المنظوم بالعامية السودانية، وأشهرهم محمد علي أبو قطاطي. ولم يجهر وردي ولم يعترف قط بانتمائه إلى الحزب الشيوعي السوداني، غير أن الشواهد كانت أقوى من سيد الأدلة. وربما صمت وردي عن إعلان انتمائه السياسي حرصاً على قوميته لدى السودانيين من الفئات والانتماءات كافة. لقد غاب صاحب الصوت الفيروزي المدهش في وقت كان السودانيون ينتظرون أناشيده لتكون حداء ثورتهم الشعبية المقبلة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
محمد وردي ... ذكريات وأسمار وأفكار (1-2):
عبد المحمود نور الدائم الكرنكي . الإثنين, 20 شباط/فبراير 2012 07:03
بعد رحلة عطاء إبداعي زادت عن نصف قرن، بعد أن أضاءت روائعه الملهمة فضاءات الوجدان والوطن لأكثر من خمسين عاماً، انتقل ملك الغناء السوداني محمد وردى إلى رحاب الله بمستشفي فضيل الساعة 10.25مساء السبت 18/فبراير2012م. فيما يلي ذكريات وأسمار وأفكار عن محمد وردي مبدع السودان الراحل. قبل (17) عاماً كانت أول مرة ألتقى فيها الفنان محمد وردي. كان ذلك في عام 1995م في لندن. كان وردي يقيم بسبب السياسة في العاصمة البريطانية. كان عنوان وردي في لندن 14 Red Bridge Lane East IL كان رقم هاتف وردي في لندن 0181-491-4558 وقد حصلت على رقم الهاتف والعنوان من صديق مشترك. وتصادف أن كان نجم التلفزيون السوداني، حسن عبدالوهاب في تلك الأيام في لندن، في زيارة عمل. وقد جاء قادماً من مقرّ إقامته في مدينة بون- ألمانيا. أخبرت حسن عبدالوهاب بأن وردي في لندن. واتفقنا على زيارته. كانت الأجواء السياسية بين المعارضة والحكومة متوترة للغاية. ولكن لابدّ من كسر الجدار العازل، ليتدفق نهر السماحة السودانية بين الطرفين. فكان الاتصال هاتفياً بوردي في منزله، وأخطرناه بأن يتوقع زيارتنا مساء ذلك اليوم. وحدّدنا ساعة الحضور. وعندما وصلنا إلى منزل وردي استقبلنا ببشاشة كبيرة جداً. كان استقبالاً حميماً. كانت تلك المرة الأولى التي ألتقى فيها وردي، وإن كنت منذ الصغر أحفظ كل أغنياته تقريباً. شعرت أن الحميمية التي استقبلنا بها، تعطي الشعور أنه صديق قديم، أو ذلك النوع الذي تحسّ أن يمكن مصادقته منذ أول لقاء. في ذلك المساء تدفقت الأحاديث في ساعتين من الإلفة الأصيلة والمودّة. كان وردي في الواقع عكس بعض الكتابات غير الدقيقة التي اعتادت أن تتطاول وتسرف في دعواها، عن ما تسميه غرور وردي وغلظة وردي وقسوة تعامله. وتلك كتابات غريبة غير منصفة، في حق رمز وطني انساني. واحدة فقط من مآثره الإنسانية العديدة أن وردي رائد في رعاية علاج الفشل الكلوي للأطفال. ولا يدري أحد ماذا فعل شانئو وردي من أجل الطفولة والفن والوطن؟.
في ذلك المساء تحدث وردي بصدق، عن معاناته في الإغتراب والبعد عن الأهل والديار، كان يتفطّر ألماً ويقول: والله ما قادر أنوم!.قالها أكثر من مرّة. عندما كان يتحدث عن معاناته كنت أحس أنها بحجم موهبته، وبحجمه تمّرغه في شجن السودان وحب السودان. من ضمن أسمار تلك الليلة وأحاديث الإمتاع والمؤانسة، سألته عن أصعب لحن قام بتلحينه، فقال لحن أغنية (الودّ). قال حسن عبدالوهاب أليس لحن أغنية المستحيل؟ قال وردى: لا. تلحين (المستحيل) لم يكن صعباً. أصعب لحن كان لحن أغنية (الودّ). سألت وردي: هل استغرق تلحين (يا راجياني) زمناً فأجاب: لا. كان تلحينها سهلاً. ذكرت له كيف أنني كنت أستمع إلى تلك الأغنية في مرحلة الخطوبة. والحديث ذو شجون، تحدث وردي عن دوره في أن يسجِّل أولاد حاج الماحي مدائحهم النبوية في الإذاعة السودانية. لولا محمد وردي لما استمع الشعب السوداني إلى مدائح (حاج الماحي) في الإذاعة السودانية. وقد حكى محمد وردي قصة أوّل تسجيل لهم، ومَن كان حاضراً من رموز الفن والموسيقى.
قلت للموسيقار وردي كيف إن موسيقاراً بحجم برعي محمد دفع الله يستحق اعتباراً وتقديراً بحجم موهبته وعطائه. فوجدت أن وردي يكنُّ لبرعي محمد دفع الله احتراماً وحباً كبيراً. يذكر أن هناك ثلاث أغاني فقط من أغنيات وردي قام بتلحينها غيره. وهي أغنية (الوصية)، وهي من ألحان برعي محمد دفع الله، وأغنية ياطير ياطاير من ألحان خليل آحمد و (حرّمت الحب والريدة) من ألحان وكلمات الطاهر إبراهيم. عدا ذلك كل أغنيات وردي هي من ألحانه. وقد لحّن وردي لصلاح بن البادية أغنية (أيامك)، كما لحّن لعثمان مصطفى أغنية (مشتاقين). وضعت تلك الأغنية عثمان مصطفى في القمة منذ لحظته الأولى. ذكرت لوردي أن العديدين يحبون أول أغنية سجلها للإذاعة (بشوف في شخصك أحلامي). فتنفَّس وردي بارتياح قائلاً: أنا أحب هذه الأغنية، وهي من كلمات كمال محيسي، يذكر أن الشاعر كمال محيسي قد رحل عن دنيانا في شبابه الغض، وقد كتب عدداً من الأغنيات الجميلة مثل أغنية (أيامنا) لسيِّد خليفة.. (أيامنا في الدنيا معدودة.. ليه بس نبكيها.. ونتعذب فيها.. مادام الدنيا في إيدينا موجودة). كأنما كان كمال محيسي يتنبأ برحيله العاجل.
في تلك الليلة اتفق حسن عبدالوهاب ووردي على أن يحمل حسن خطاباً من وردي إلى عائلته في الخرطوم. حسن كان حينها بصدد زيارة السودان، وقد أخبرني حسن لاحقاً أنه سلّم خطاب وردي إلى عائلته. في تلك الليلة ذكرت لوردي جمال اللحن الذي أبدعه برعي محمد دفع الله، للنشيد الذي يغنيه عبدالعزيز محمد داؤود (غالية الثورة غالية علينا.. منَّك كلّ خير راجينا.. نسلم ليك وتسلمي لينا). فقال وردي بانفعال الفنان بأنه كان يتمنى أن يغنّي ذلك اللحن، ثم صدح لثواني بمطلع نشيد (غالية الثورة غالية علينا) بأجمل صوت يمكن أن يستمع إليه إنسان، أو أجمل صوت يمكن أن يمتد إلى أثير الفضاء العريض. تلك الأغنية السياسية أو النشيد (غالية الثورة) من كلمات إسحاق الحلنقي. محمد وردي فنان حقيقي وإنسان حقيقي. وقد اعتاد بعضهم في أيام خالية ظلم محمد الفنان الانسان ظلماً كبيراً، كأنما قدره احتمال التضحيات منذ اعتقاله في نهاية الخمسينات وسجن السبَّعينات عندما قضى في سجن كوبر عامين في عهد الرئيس نميري، حيث قضاها في زنزانة يفترش الأرض.
مفخرة الغناء السوداني محمد وردي، من القلة القليلة من فناني السودان الكبار، ممّن لايتكرر الواحد منهم إلا مرَّة واحدة كلّ عدة قرون. كانت تلك المرة الأولى التي التقيت فيها محمد وردي. كانت المرة الثانية في لندن في منطقة (سنت جونزوود)، في منزل الدكتور عزالدين على عامر، عقب رحيله. كان وردي في مجلس العزاء صامتاً حزيناً، وكنت قد تعرفت إلى الراحل د. عزالدين، قبل أربعة أيام من رحيله. وهو مهذب دمث الأخلاق. وعند عزاء زوجته الأمريكية وابنته الوحيدة، ذكرت لهم أن د. عزالدين من كبار السياسيين السودانيين المحترمين، وإن هناك استعداداً تاماً لتغطية نفقات ترحيل الجثمان إلى أرض الوطن. فأجابت زوجته بعرفان ودموعها على عينيها أشكركم... أشكركم. كان ذلك في يونيو 1995م. المرة الثالثة التي التقيت فيها وردي كانت عبر الهاتف عندما سمعت بخبر الفشل الكلوي. كان وردي عبر محادثته الهاتفية، شجاعاً، فارساً، بمعنويات عالية وبشاشة فيّاضة. ونقلت الخبر إلى الراحل السفير أحمد عبدالحليم فاتصل بدوره بوردي. وقد تذكرت شجاعة وردي في المرض مرَّة أخرى لاحقاً. ذكَّرني إياها الراحل أحمد عبدالحليم. كنت قد التقيت بأحمد عبدالحليم، في منزله في لندن، عقب عودته من الطبيب، وقد سلَّمه نتيجة التشخيص وأخبره بالسرطان، كان احمد طبيعيَّاً للغاية، كأنه ليس طرفاً في ذلك الموضوع!. كان على نفس سجيته يتحدث ويضحك ويعلِّق، كأن لم يكن شيئاً، بينما السيدة الفضلى زوجته تأتي بالقهوة. كانت علاقتهما مثل عرسان في الشهر الأول. لم أرَ شجاعة في المرض كشجاعة أحمد عبدالحليم، وطوال أيام أعقبت ذلك، تلاقينا فيها مرّات، كان أحمد كأنّ السرطان لا يعنيه في كثير أو قليل. ومن بعدها ذهبنا معاً إلى المستشفى لتهنئة كريمته بالمولود (خالد بن الوليد). وفي المستشفى عرّفني الأستاذ أحمد بالسيدة زوجة السيد داؤود عبداللطيف التي جاءت برفقة ابنتها للتهنئة. كانت بنت داؤود مهذبة صامتة، ترتدي بنطلون وقميص (تي شيرت)
. محمد وردي...بحيرة عظمى من الألحان الجميلة.
إلتقيت محمد وردي مرة رابعة في مناسبة عامة، وتبادلت بعض الحديث. وكانت المرة الخامسة في صيوان العزاء في رحيل السيدة عقيلته أم مظفر علوية الرشيدي. في كل مرة كان وردي هو الانسان والفنان العفوي الأصيل. وردي ملك من ملوك الفن السوداني، وملكاً من ملوك حضارة الفن السوداني، كان منظراً رائعاً ظهور وردي مرتدياً أزياء ملوك الحضارة السودانية في احتفالية الخرطوم عاصمة الثقافة العربية وهو ينشد نشيد (يقظة شعب)... (حين خطَّ المجد في الأرض دوربَه... عزم تهراقا وإيمان العروبة... عرباً نحن حملناها ونوبة). إذا كان لفن الألحان جغرافيا تُدرَّس، فإن محمد وردي بحيرة عظمى من الألحان الجميلة. كما أن محمد وردي شاعر عملاق يغني بألحانه العظيمة الأشعار الجميلة التي ينتقيها بعناية شاعر. تلك خاصية لايستطيعها إلا أصحاب المواهب الطبيعية الضخمة. وتلك أقلية نادرة، ذلك سرّ نجاحه المتفرد السهل الممتنع. تنقَّل وردي في أشعار أغنياته في قارة واسعة من أزاهير الشعراء... كمال محيسي (بشوف في شخصك أحلامي)..
اسماعيل حسن (بعد إيه، المستحيل، خاف من الله، لو بهمسة، الرّيلة، وغيرها)... محمد عثمان كجراي (مافي داعي)... الجيلي عبدالمنعم عباس (مرحباً يا شوق، الهوى الأول)... صاوي عبدالكافي (أمير الحسن، حبيب القلب يا أغلى الحبايب).. صديق مدثر (الحبيب العائد)... أبو آمنة حامد (فرحة. بنحب من بلدنا)... محمد الفيتوري (أصبح الصبح وغيرها).. محمد المكي ابراهيم (أكتوبر الأخضر. إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي، وغيرها)... مرسى صالح سراج (يقظة شعب)... إسحق الحلنقي (عصافيرالخريف، ياراجياني، أقابلك في زمن ماشي، وغيرها).. السِّر دوليب (هدية)... محمد على أبوقطاطي (المرسال، سوات العاصفة)... التجاني سعيد (من غير ميعاد، قلت أرحل)... عمر الطيب الدوش (الودّ، بناديها، وغيرها) ... الجيلي محمد صالح (الحِبيِّب)... صلاح أحمد إبراهيم (الطير المهاجر، يا ثوار اكتوبر)... عبدالواحد عبدالله (اليوم نرفع راية استقلالنا)... محجوب شريف (أحبك أنا مجنونك، وغيرها)... على عبدالقيوم (بسيماتك تخلِّي الدنيا شمسية)... محمد يوسف موسى (عذبني).كما غنى وردي لمبارك بشير ومحمد الحسن دكتور. تلك قائمة باثنين وعشرين شاعراً مميزاً.
وهناك غيرهم. لولا شاعرية وردي وملكاته العالية، لما استطاع التنقل بنجاح في حدائق الشعراء. لإبراز أكثر لتلك الميزة (الورديَّة)، نقول بعد أن فارق الفنان التاج مصطفى الشاعر الملحِّن عبدالرحمن الريح، لم يستطع ان يقدِّم مثل (الملهمة) و (إنصاف)، وبعد أن فارق حسن عطية الشاعر الملحن عبدالرحمن لم يبدع مثل (لو إنت نسيت) و (حرمان) و (إنت حياتي)، وعندما انتقل ابرهيم عوض بعيداً عن الشاعر الملحن الطاهر ابراهيم لم يعد الفنان الذري كما كان. لكن تميَّز وردي بالتنقل في قائمة طويلة من الشعراء، محافظاً على تجدُّده وإبداعه وقمته. وتعتبر المقدمات الموسيقية في بعض أغنيات وردي بحد ذاتها اضافات خالدة للموسيقى السودانية، مثل مقدمات أغنيات (المستحيل، خاف من الله، بعد إيه. الطير المهاجر). وبغض النظر عن حرّ الأفئدة والحزازات السياسية، إذا كانت تغلي كالبراكين، أو لم تكن تغلي، فإن محمد وردي سياسي شجاع قضى سنيناً في سجون الرئيس جعفر نميري. ولا يفعل ذلك أبداً من يضع المال قبل المبادئ، بل يفعل ذلك من يضع المبادئ قبل المال، خاصة إذا كان فناناً جماهيراً ناجحاً مثل وردي.
وفي الأغنيات الوطنية والسياسية يتبوأ محمد وردي (قمة هملايا) إبداعية يستحيل تسلقّها... هناك نشيد إفرح وطني الذي اشتهر بأنه من كلمات اسماعيل حسن ولكنه من كلمات محمد وردي، وهناك نشيد (يقظة شعب) من كلمات مرسى صالح سراج، ويا ثوار أكتوبر يا صناع المجد (صلاح محمد ابراهيم)، إنني أؤمن بالشعب وأكتوبر الأخضر (محمد المكي ابراهيم)، وأصبح الصبح(محمد الفيتوري)، وشعبك يا بلادي (الطاهر ابراهيم)، واليوم نرفع راية استقلالنا (عبدالواحد عبدالله)، وهناك يا فارسنا ويا حارسنا (محجوب شريف)، من شعاراتنا مايو (محجوب شريف)، حنتقدم (محجوب شريف)، نحن رفاق الشهداء (على عبدالقيوم). هناك إجماع وطني كامل في الأغنيات العاطفية لمحمد وردي. لكن لدى البعض شيئ من تحفظات على مضامين بعض من الأغنيات السياسية. لكن تلك الاغاني السياسية أعمال ذات قيمة فنية متميِّزة، بغض النظر عن لونها السياسي. محمد وردي في أغنياته الوطنية والسياسية يعبِّر عن نبضه الذاتي ونبض الشعب. ليس محمد وردي فنان حزب أو أنظمة، إنما فنان شعب ووطن.
كتب الشاعر الرائع بدر شاكر السَّيَّاب... منطرحاً أمام بابك الكبير..أصيحُ في الظلامِ أستجير .. ياراعيَ النِّمالِ في الرِّمال.. وسامِعَ الحصاةِ في قرارِة الغدير... بذلك الوجد الصوفي كان السيَّاب منطرحاً في قصيدته (أمام باب الله).. أيضاً بغوغائية سياسية مزمنة، ظلّ الشيوعيوّن، منذ مهدهم في الستينات وإلى لحدهم الآن، ينطرحون أمام (باب وردي) ويروِّجون أن محمد وردي شيوعي. هذا غير صحيح. قال وردي في حضور حسن عبدالوهاب وآخرين (أنا ما شيوعي)... وردي ليس فنان حزب أو فنان أنظمة. محمد وردي (فنان عموم السودان)، شاء مَن شاء وأبَى مَن أبَى،.. كما يقول الشهيد الرئيس ياسر عرفات.
في جلال الموت صمتت قيثارة وردي، بعد أن رسمت ألحانها حبّ أرض السودان على الوجدان... (أدوبي) ليها ماضيها و(اطمبِر) ليها جاييها ... أفتِّش ليها في التاريخ واسأل عنها الأجداد... أفتِّش ليها في اللوحات... محل الخاطر الما عاد... وفي الأعياد... في أحزان عيون الناس ... في الضل الوقف مازاد. في جلال الموت صمتت قيثارة وردي. صمتها يقول لوحنِّيت لعهد الشوق أجيب من وين عُمُر تاني. صباح أمس الأحد 19/فبراير 2012م كان تشييع فقيد السودان الراحل محمد وردي إلى مثواه الأخير في مقابر فاروق. حيث مثوى الراحلين محمد يوسف محمد (المحامي. رئيس البرلمان) وأحمد هاشم البغدادي (المحسن الكبير.
صاحب الأوقاف الشهيرة) وميرغني النصري (نقيب المحامين. أحد مؤسّسي حركة التحرير الإسلامي) وحسن عطية (الفنان. أمير العود) وحسن نجيلة (الأديب الشهير) ومحمد المهدي مجذوب (الشاعر الكبير) وعثمان حسين (الفنان مبدع الروائع) وحسن سليمان الهاوي (الفنان الشهير) والشاعر الدكتور (محمَّد عبدالحي) وحسن اسماعيل البيلي (وزير العدل) وعلى ميرغني (نقيب الفنانين) ورحمي سليمان (الصحفي الشهير) وعبدالعزيز شدو (المحامي. وزير العدل. رئيس البرلمان) يحي عمران (أوَّل حكمدار بوليس في السّودان) وصديق منزول (نجم كرة القدم السّوداني) وفيصل السيد (حارس مرمي الهلال) ومحجوب عمر باشري (الأديب الشهير) وأحمد محمد أبوالدهب (من مشاهير ضباط القوات المسلحّة)، وغيرهم من الأسماء الكريمة
----------------------
البشير.. نقد.. الترابي وآخرون وردي.. فنان يسمعه الكبار فتح الرحمن شبارقة
يُحكى أنّ الفنان الراحل محمد وردي عندما عاد إلى أرض الوطن الذي هجره لمدة (13) عاماً بعد مجئ الانقاذ، تفاجأ برحابة الاستقبال وكرمه من الرئيس البشير ووزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين وقيادات أخرى في الدولة والحزب الحاكم، فعلق على ذلك بطريقة لاذعة عندما قال، والعهدة على الراوي: (أنا لو عارف الجبهجية ديل بحبوا الغُنا كان جيت من زماااان). لكن في الواقع ليس قادة (الجبهجية) وحدهم مَن يحب وردي بالضرورة، فهناك القادة الشيوعيون والاتحاديون وغيرهم الملايين من عامة الشعب الذين اختلفوا في كثير من القضايا إلاّ أنّهم - وعلى اختلافهم - اتفقوا على وردي إلاّ قليلاً فيما يبدو، فقد كان الراحل صاحب فكرة ومشروع، ولم يكن محض مغنى يطرب الناس ثم يمضوا إلى حال سبيلهم من غير أن يحدث فيهم أثراً ويحفر عميقاً في دواخلهم. ولعل المفارقة الجديرة بالإشارة هنا، أن كلمات وردي العذبة طاردت حتى أذني الشيخ الراحل محمد هاشم الهدية الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة، فعلّق ذات مرة في برنامج (أسماء في حياتنا) التلفزيوني على أغنية المستحيل بصورة تندر معها البعض عندما زعم بأن وردي هو فنان أنصار السنة، رغم موقفهم العقدي من الغناء والمعازف، فقد اعتبر الشيخ الهدية وقتها أغنية المستحيل من الأغاني التي تحمل في جوفها قدراً لافتاً من التوحيد والتسليم بالقضاء والقدر، خاصة في هذا المقطع الذي يقول: (لو بإيدي كنت طَوّعت الليالي لو بإيدي كنت ذللت المحال والأماني الدايرة في دنياي ما كانت محال دي الإرادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل دي الإرادة والمقدّر ما بنجيب ليه بديل دي الإرادة أجبرتني في هواكم من قبيل) علاقة الرئيس البشير مع الفنان محمد وردي وأغانيه غير منكورة، بل ربما تكون فيها شئ من الخصوصية كتلك العلاقة التي جمعت الراحل وردي مع الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، فالرئيس - حسب مقربين جداً منه - يسمع وردي كثيراً كما يسمع الفنان الراحل عثمان حسين كذلك ولعل حبهما لهذا الثنائي الإبداعي تجلى في الصلاة على جثماني الفقيدين والوقوف على مواراتهما الثرى قبل أن يعود مغبراً بالأحزان. علاقة الرئيس، تعدت مجرد الاستماع إلى الغناء معه في جلسة خاصة كما ظهر في إحدى الصور المتداولة على نحو واسع.. لكن البشير في حبه لوردي لم يكن إستثناءً فيما يبدو، فقد تقاسم معه ذلك الحب قيادات ذات وزن سياسي ثقيل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني من أشد المعجبين بالفنان الراحل محمد وردي، وليس في الأمر عجبا، فقد كان وردي رفيق نضال وسجون ومغنى منذ تهجير النوبيين في عهد عبود، وإلى أن تخلى عن إنتمائه الحزبي الضيق واتجه إلى رحابة الوطن الفسيح يثرى وجدانه ويلهب حماسه ويقدم في كل يوم دروساً مجانية في اللحن والنغم الفريد. الفنان عبد الكريم الكابلي يمكن أن يطلق عليه فنان الإمام السيد الصادق المهدي، وربما أسرته كذلك فهو أكثر من يسمعه الإمام، لكن الإمام يسمع كذلك للفنان محمد وردي، والذي يبحث في عربته سيجد (أشرطة كاسيت) للفنان الوردي. تعامل الإمام مع الأستاذ وردي كفنان وكإنسان كذلك كان يسأل عن أحواله باستمرار ويزوره في مشفاه، وكان حاضراً معه في مشواره الأخير بمقابر فاروق. وردي السياسي، طغى على وردي الفنان في بعض الأحيان، فالتف حوله الكثير من القيادات، أو اقترب منهم أو اقتربوا منه بعد أكتوبرياته الخالدات مثل قصيدة محمد مفتاح الفيتوري التي يقول مطلعها: أصبح الصبح... فلا السجن ولا السجّان باق وإذا الفجر جناحان يرفان عليَ وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي ثم حدثت جفوة بينه وبين كثير من القيادات السياسية خاصة على أيام نظام نميري الأولى عندما كان يمجِّد مايو وقائدها على حساب التعريض بالأحزاب من قبيل: (إنت يا مايو الخلاص يا جداراً من رصاص)، و(يا فارسنا وحارسنا.. يا بيتنا ومدارسنا.. كنا زمن نفتش ليك.. وجيتنا الليلة كايسنا). ثم كفّر وردي عن أغانيه تلك عندما قال بعد انقلاب هاشم العطا في العام 1971م للنميري: (لاك حارسنا ولا فارسنا يا القفّلت مدارسنا). وبالتالي، لم يكن مستغرباً أن يتسم موقف الرئيس الراحل نميري الفني من وردي بالتذبذب بعد أن تأثر كثيراً بموقف وردي السياسية المتقلبة، حسبما أكد لي أحد المقربين من الراحل. د. جون قرنق دي مبيور رئيس الحركة الشعبية السابق، كان من أكثر القيادات السياسية حباً وسماعاً لوردي، فقد كان لا يكف عن المجاهرة بسماع أغانية وترديدها أحياناً في مجالسه الخاصة، وربطت بينه ووردي على أيام التجمع الوطني الديمقراطي في أسمرا علاقة يمكن وصفها بالصداقة، حتى ان قرنق قد قام بزيارة للفنان وردي إبان أيامه المعدودات التي قضاها بالخرطوم ودعاه لزيارة رومبيك للغناء هناك. الحديث عن غناء وردي في الجنوب ربما يشكل مدخلاً مناسباً لعلاقة وردي بالدكتور حسن الترابي، فقد كان الترابي أحد حضور الحفل الذي أحياه وردي بأحد مسارح جوبا في يوليو الماضي بمناسبة حفل إعلان الدولة. وقتها لم يكتف بالحضور، وإنما صعد لخشبة المسرح و(يُبشر) أمام وردي وبقي للحظات لم يترجل فيها عن المسرح فور (تبشيره) وإنما وقف بمحاذاة وردي وهو يُلوِّح بكلتا يديه للجمهور قبل أن يلتقط فيما بعد صوراً تذكارية. صعود الترابي إلى خشبة المسرح و(التبشير) أمام وردي ربما يشير للوهلة الأولى لخصوصية علاقة الترابي بوردي والجنوبيين الذين هنأهم الترابي بدولتهم الجديدة، ولكن عندما تحدثت مع السيدة وصال المهدي بالأمس، نفت لي أن يكون زوجها من الذين يسمعون الأغاني سواء أكان الفنان وردي أو غيره، أما هي فقد أكدت أنها تستمع أحياناً إلى أغاني الحقيبة الرصينة، ولكنها لم تستمع لوردي منذ أن هاجمهم في بدايات مايو بأغنياته التي يقول فيها: (يا مايو يا سيف الفداء المسلول.. نشق أعداءنا عرض وطول). مهما يكن من أمر، فإن الفنان الراحل محمد وردي كان كبيراً في كل شئ فيما يبدو، وبالتالي ليس غريباً أن يحبه الكبار بصورة لا ينافسه فيها أحد من الفنانين، كما هو الحال مع العامة والمثقفين كذلك. ففي ثراء فنه وتنوع أغانيه من الرومانسية والعاطفية والتراث النوبي والأناشيد الوطنية والثورية ما يكفي لحبه، حب فنه بالطبع. وإن اختلف البعض مع آرائه السياسية الجريئة، ولكنهم يتفقون معه فنياً، فاختلاف الرأي لا يفسد لـ (الغناء) قضية
------------------------
كان سودانياً أولاً وأخيراً محمد وردي الفنان في مواجهة السياسي تقرير: عمرو شعبان
لحظة محفوفة بالمخاطر وغضبة السلطان، ممهورة بلون الدم القادم لا محالة، حين تقرر فيها إعدام جوزيف قرنق ومحمد وردي، بحكم أن الأول من قيادات الحزب الشيوعي، وأن الثاني من المحسوبين عليه وأول من تغني لهاشم العطا في انقلاب الحزب الشيوعي المشهور على النميري في 1971م.. القرار جاء بترحيل الشخصين بعربة السجن الى حيث النميري لينفذ قراره المشئوم بكوبر.. هنا يبرز مكر التاريخ وتتجلى سخريته، فالضابط المناوب يطلب من أحد أفراد الحراسة أن يحضر وردي.. فرد الحراسة ظنه محمد وردي الفنان بينما كان الضابط يقصد وردي آخر يرتدي الكاكي ويصنف من جنوده.. يتم إنزال الفنان من عربة المصير المحتوم.. فتمضي الساعات ويعيش وردي وينتقل جوزيف قرنق، ويقهقه التاريخ، مهدياً الشعب السوداني حياة فنان بهامة وردي... معتقل الأنظمة التي غناها محمد عثمان حسن صالح حسن صالح وردي (لم يكن حكراً على أحد).. عبارة ربما تعكس مدى شمول واستقلالية فنه في التعبير عن شعبه وأحلامه وطموحاته أفراحه وأتراحه آلامه وأحزانه .. لكنها تبدو عبارة مترددة إذا تم النظر لها في سياق رحلته السياسية التي تحاصرها الاستفهامات، ويظللها الغموض.. ويبدو أن عدم القدرة على ضبط وتحديد انتماء وردي يلج من باب تغنيه للجميع باستثناء الإنقاذ، فتغني لحكومة عبود وهي لا تزال في المهد صبياً (في نوفمبر هب الشعب، طرد جلاده)، بيد أنه عاد طبقاً لسيرته ونفض يديه عن عبود إبان بيع وادي حلفا وتهجير أهلها، لينشط في التظاهرات ضدها حتى تم اعتقاله، ليخرج من المعتقل على أعتاب أكتوبر منظماً، وان لم يتم تحديد الجهة التي نظم بها أو فيها.. مجئ أكتوبر 1964م ربما كانت جائزة الفنان الثائر فتغني لها وردي فكانت (أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باقِ.. وإذا الفجر جناحان يرفان عليك.. وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي ... والذي شد وثاقاً لوثاق).. بيد أنه عاد ونفض يده من أكتوبر متغنياً لمايو1969م، الأمر الذي يفسره بعضهم باستحكام نفسية الفنان ونظرته للأمور على سلوك وردي، مستبعدين انحيازه للانقلابات أو الحكومات العسكرية. لكن راصدين لمسيرته سجلوا أن ميوله اليسارية وجنوحه الاشتراكي هو ما دفعه للتخلي عن الحكومة الديمقراطية والتغني لمايو ذات الطابع الاشتراكي فغني (كنا زمن نفتش ليك وجيتنا الليلة كايسنا.. يا حارسنا وفارسنا يا بيتنا ومدارسنا).. بيد أن وردي سرعان ما ارتد على عقبيه عن دعم مايو متسقاً مع خطا الحزب الشيوعي وانقلابه المعروف عام 1971م بقيادة هاشم العطا على النميري بسبب انقلابه على الحزب وتردده في تبني النهج الاشتراكي الصارخ، فتغنى قبل اكتمال اليوم الثالث للانقلاب (نرفع سد ونهدم سد... واشتراكية لآخر حد) ليعود النميري ويقوم بسجنه بعد ذلك.. خرج وردي وعاد بقوة في انتفاضة مارس ابريل وطفلتها الديمقراطية الثالثة متغنياً (السجن ترباسو انقلع.. تحت انهيار الزلزلة.. والشعب بأسرو طلع.. حرر مساجينو وطلع.. قرر ختام المهزلة)، ليعيش وردي بين فنه وشعبه حتى توقيت خروجه بعد انقلاب الإنقاذ. تبريرات تبدله السريع كثيرون وصفوا تغنيه لكل الأنظمة بالكبوة أو السقطة، فيما يرى آخرون أن تبدله السريع نتاج لعشقه الفطري كفنان لفعل التغيير، وتحليقه في سماوات الحلم الجميل بسودان فسيح ومريح، ما يجعل تركيزه على السياسة ضعيفاً في مقابل نتائجها على أرض الواقع والشارع العام، وبالتالي فعدم حدوث تغيير في الشارع العام وحياة الشعب يجعله يكفر بالنظام الموجود حتى لو تغنى له بدون حياء، لكن المحلل السياسي إيهاب محمد الحسن قطع بأن وردي وقبل أن يكون فناناً كان معلماً معروفاً بالتزامه الماركسي، ويتميز بأنه حاد في قضاياه وغير مهادن في مشروعه السياسي، وقال لـ(الرأي العام) : وردي حرص على استصحاب تجربته الفنية في سياق مشروعه السياسي وطور رحلته الفنية على ضوء تجربته السياسية. شيوعية وردي (الحزب الشيوعي أعرق أحزاب الساحة السياسية تنظيمياً، وتحديد انتساب أعضائه له من عدمه قلما يمكن إلا بتصريح العضو نفسه عن انتسابه، ربما للظروف التاريخية التي نشأ فيها الحزب والوسط الاجتماعي الخاص كالمجتمع السوداني)، بهذه المسلمة التنظيمية فان القطع بانتساب وردي للحزب الشيوعي يعد ضرباً من الخيال، لجهة أن سيرة الرجل لم تسجل عنه إقراره بذلك، وأن أشار الي التزامه بأحد الأحزاب وقال في لقاء أجرى معه لإحدى إذاعات الـ FM إنه كان عضواً بأحد الأحزاب وقد استقال منه متجهاً نحو القومية والاستقلالية، لأنَّ معجبيه من السودان ينتمون لكل ألوان الطيف السياسي.. ورغم ذلك ظل وردي يوصف بالشيوعي والانتماء لليسار وهو في خضم ذلك التزم الصمت، وهو ما فسره مريدو اليسار ومنتسبوه بموافقة ضمنية من فنان أفريقيا الأول، بينما رأى في صمته رافضو السياسة وكارهو اليسار نفياً مهذباً من رجل مهنته العزف على أوتار المشاعر الإنسانية بعدم إيذائها .. ويرى محللون أن ثمة مؤشرات يمكن الاستناد إليها في التزام وردي بصفوف الحزب، أبرزها تلك المرجحة لتنظيمه في صفوف الشيوعيين في سياق بروزه السياسي إبان قضية وادي حلفا، بحكم أن الشيوعيين في ذلك الوقت كانوا أول من تبنى قضية وادي حلفا ودافع عنها وأصدروا بصددها البيانات، وهو الموقف الذي ساهم تاريخياً في أن ينتسب معظم أبناء النوبيين لشيخ اليسار السوداني فيما بعد بأعداد كبيرة.. مؤشر آخر يستند إلى طبيعة الحزب الشيوعي في الاستقطاب والتجنيد التي كرست سمعته بأنه حزب مثقفين وأنتلجينسيا في ذلك الوقت، ما يجعل استهدافه لوردي الموهبة الصاعدة أمراً يتسق مع تطور الأحداث، وهي ذات الفكرة التنظيمية التي استند إليها الإسلاميون فيما بعد.. لكن مصدراً مرموقاً بالحزب الشيوعي السوداني بدول المهجر فضل حجب اسمه، أكد شيوعية وردي من خلال مشاركته في العيد الأربعين للحزب الشيوعي عقب الانتفاضة وقال لـ(الرأي العام): في العيد الأربعين غنى محمد وردي آخر أغنية في الاحتفال - يا فارس الحمي. وأضاف، (ناهيك عن أن معظم أغاني الكورال في تلك الفترة كانت من ألحانه).. ويشاع في أيام الديمقرطيه الثانية كان الحزب الشيوعي السوداني يعلن عن ندواته التي يقيمها في كل الإحياء, تطوف السيارة وعليها المايكروفون ويعلن للناس إن الحزب الشيوعي سيقيم ندوة سياسية في الميدان الغربي في جامعة الخرطوم يتحدث فيها الاساتذة محمد إبراهيم نقد , التيجاني الطيب , وسعاد إبراهيم احمد ويشارك في الندوة الفنان محمد وردي فيأتي عشرون ألفاً للندوة تسعة عشر ألفاً ليستمعون للفنان محمد وردي وألف ليستمعوا لقادة الحزب الشيوعي . النقاط فوق حروف شيوعيته من عدمها، وضعها وردي نفسه حين ألمح لعضويته بالحزب الشيوعي في معرض رده على الأستاذ عبد الفتاح عرمان عام 2009م، حينما سأله عن سر توتر العلاقة بين وردي ومحجوب شريف فقال : (هذا حقيقة ، زي ما بقول هو أن الاختلاف سياسي، وأنا ليس لدى ضده اى شيء ولكن هو بيفتكر انا كنت عضواً في الحزب الشيوعي، والآن أصبحت مع الحكومة، هذا اعتقاده الشخصي لذلك نحن منقطعين عن بعض). العودة.. النقمة ويبدو أنه بمثل ما تم تقييم عودة مولانا محمد عثمان الميرغني للسودان، كونها شهادة انفتاح على الحريات من قبل الحكومة، رأى البعض في عودة وردي للخرطوم في ظل بقاء الإنقاذ بعد ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً شهادة لصالح الحكومة، ما أثار نقمة الكثيرين وأن لم يخصم من حجم معجبيه وعشاقه فكانت عودته برعاية أسامة داؤود وشركة دال، الأمر الذي قوبل بهجوم باعتبار أن تاريخ الرجل لا يسمح له أن يأتي محمولاً على أكتاف شركة تجارية رأسمالية بينما هو اشتركي، وهو هجوم وصفه المتابعون وقتها بأنه يتجاوز الإبعاد الإنسانية في عودته لأرض الوطن من المنافي.. إطلالته الداوية باستاد الهلال برعاية دال يومذاك حسمت كل أشكال الهجوم، ومثلت أكبر دلائل سطوة الرجل رغم كيد السياسة، ورغم ذلك لم يسلم وردي من (رشاش كلام) بلغ حد أن وصفته سعاد إبراهيم طبقاً لما نقله الأستاذ عادل سيد أحمد أن (وردي انتهى .. أصبح إنقاذيا .. مرات مع البشير .. وساكن سُكنة مع عبد الرحيم محمد حسين..!) الأمر الذي تجاوزه وردي وقال في لقاء له مع الأستاذ مصطفى أبو العزائم (أنا لست إنقاذيا ليس لاني اكره الإنقاذ وإنما لاني لا أميل الى الحكم الشمولي لأنه دائما ما تكون حكومات تطيل عمرها باللا ديمقراطية والسودان من حظه السيئ أن في كل مرة ينقلب الشعب ثم تأتي حكومات شمولية بالقوة). وردي والهوية وردي السياسي راهن على هوية مزدوجة عاش مؤمناً ومدافعاً عنها طبقاً لإفادته، هويته كفنان في مواجهة السياسي عبر عنها بقوله : (أية ايدولوجية وأي فكر (يقولب) الفنان المنتمي لهذه الايدولوجية يضع نفسه في مشنقة لأنك تؤمن برؤى الحزب في كل شيء. تؤمن بالايدولوجيا و فكر الحزب هذا جيد، ولكن انا تغني بتعليمات هذه انا رفضتها) وأضاف وردي حينها لعرمان : ( انا لا يمكن (اتقولب) حتى الايدولوجية الدينية هذه انا ضدها ولن (اتقولب) لذلك حدث الخلاف بيني و بين الآخرين). تصدى وردي أيضاً في معرض رحلته لمحاولة إسباغ الهوية العربية عليه ومصادرة خصوصيته الثقافية والطابع الثقافي النوبي في فنه وعبر هذا دافع برفضه المقولات التي تتحدث عن أن أنه لو لم يتغن باللغة العربية لما عرفه أحد ، وقال : (انا أستطيع أن اعبر عن فني باللغتين العربية و النوبية و انا اعتبر نفسي غير عربي). وردي.. سوداني فقط بغض النظر عن تراجع دور وردي السياسي ربما بحكم المرض كما يرى مريدوه، إلا أنه دمغ بالسلبي في مخيلة الثائرين أو المعارضين أو الرافضين للإنقاذ، الذين يرون في العمل المعارض خريطة واضحة ومباشرة دونها لا يكتسب الآخرون صفة النضال، إلا أنه يبدو أن وردي الفنان كانت له رؤيته الخاصة، ومعارضته الخاصة طبقاً لتلك الرؤية، يؤكد ذلك تغنيه لكل تغيير جاء ونكوصه عن تأييده حينما يكتشف أنه تغيير قشري لا ينتمي للشارع ولا يحقق حلم المناضل الحقيقي في راحة الشعب لا حكمه.. ليمضي وردي الفنان والسياسي، مورثاً تركة قوامها حب الشارع فقط وولاء منقطع النظير لشعبه، غنى في خضم الحرية وغنى وهو مبعد عنها خلف سور المعتقلات، مؤكداً أن للنضال ثمناً وللفن ثمناً وللشهرة ثمناً كذلك ، لكن قليلين هم من يسددون الثمن جملةً وهم في القمة.. رحل وردي وهو سوداني أولاً وأخيراً..
-----------------
عناوين الرحيل و السقوط في اختبار الإبداع وردي .. (سامح دمعتنا المعذورة) د. عبد المطلب صديق
مثلما كان وردي دوما نافورة متدفقة فنا وإبداعا وجمالا ، كان يوم رحيله أيضا مناسبة للإبداع وموسقة الكلمات المعبرة عن حرقة رحيله . ذات يوم نصحني أستاذ الفلسفة بالجامعات المصرية الدكتور نصار عبد الله بان تمجيد الموتى لا يكون بالبكاء والعويل عليهم ، بل بتكملة ما بدأوه من أعمال .وإذا كانت البداية عند الهرم الافريقي النوبي محمد وردي هي الابداع ، فهي مناسبة لنرى ماذا قالت صحف الخرطوم في رثاء ونعي فنان افريقيا الأول .. فقد كان رحيله امتحانا قاسيا للمبدعين من حملة الاقلام ورؤساء الفرق الاخبارية الموسيقية التي تعزف أجمل الحانها كل يوم دون أن يلتفت اليها أحد . قالت الاحداث : وداعا نور العين ، وقد كان وردي كذلك ، بل كان مثل المها حين تزداد شدة سواد العين في شدة بياضها. وقالت السوداني : وردي « قلت أرحل « وأكلمها من عندي .. وأسوق خطواتي من زول نسى الالفة .. وأهاجر ليك من مرسى لي مرسى .. روحت وجيت .. في بعدك لقيت كل الارض منفى. هاجر وردي الى اثيوبيا ومصر واريتريا ولندن وأمريكا ، وهناك اشتد عليه المرض فعاد الى الدوحة في مساء يوم خريفي حزين يحمل أوجاعه باحثا عن كلية تعيد اليه الامل في الحياة ..هناك كان ينتظره صديقه المبدع والموسيقار بمفهوم عزف مشارط التطبيب لإزالة الأوجاع الدكتور الفاضل الملك .. لم تكن مجرد عملية جراحية كانت صحبة جميلة بين فنان وهب حياته للفن ، فأحسنت الدوحة وفادته، وإعادته الى اهله طيبا معافى. ولم تكذب الرائد اهلها فقالت : وردي يا أعز الناس في رحاب الله . ومزجت الصحافة بين الفن والسياسة وذلك ما كان يعشقه الراحل فقالت ورحل وردي عاشق الحرية والسلام . كان وردي محبا للحرية والسلام . ذات يوم حمله حظه للسفر على طائرة أثيوبية من أديس ابابا الى القاهرة وهو في عنفوان معارضته للحكومة ، واضطرت الطائرة لسبب فني للهبوط بمطار الخرطوم وفوجئ رجال الامن بالفنان الكبير ضمن قائمة ركاب الطائرة فطلبوا من الكابت انزاله لأنه مواطن سوداني مطلوب للتحقيق وسوف يسمح له بمواصلة الرحلة بعد اكمال التحقيق معه ، لكن قائد الطائرة الاثيوبية رفض الطلب الحكومي رفضا باتا متسلحا بإرث قديم للخطوط الأثيوبية . وعاد وردي الى الخرطوم وغنى في حضرة الانقاذ عندما طاب له ذلك ، هكذا وردي أحببناه عندما غنى : انت يا مايو الخلاص ، ويا سيف الفدا المسلول .. ولأكتوبر الاخضر ولعصافير الخريف . وقالت الأهرام اليوم رحيل أسطورة الغناء وردي .. وهكذا كان وردي أسطورة قلما يجود الزمان بمثلها . وتفردت الرأي العام حقيقة لا مجاملة .. سامح دمعتنا المعذورة وداعا وردي . وسقطت بعض الصحف في امتحان الابداع وتطويع الكلمات .. فقالت التيار : في ذمة الله وردي .. واليوم التالي وفاة الفنان الكبير وردي ، وجاء في آخر لحظة في ذمة الله .. محمد وردي . هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي قالت : رحل كروان أفريقيا محمد وردي وأتبعت الخبر بمقطع قصير من أغنية من غير ميعاد مع تعريف للمستمع العربي بفنان السودان الاول وكروانه المغني . وربطت بين موته ورحيل نجمة البوب الامريكية وتني هيوستن ، ويا لها من صدفة حين قررا الرحيل معا ، ولمثل هذه التزامنية اكثر من معنى في عالم هوليوود ، وهي صدفة و من غير ميعاد. وبكت الخرطوم ونيوجرسي عندما سكتت عصافير الخريف في ذات المساء. أرجو المعذرة على هذه القراءة الصحفية لعناوين نعي الراحل وردي في عدد من الصحف السودانية وأهمس في أذن زملائي ، بأنه لا يليق أن تنعى قامة مثل وردي بتلك الكلمات المألوفة لسبب بسيط هو ان الراحل قيمة متفردة في كل شيء.
-------------------
تلقى خبر رحيله فى مدينة الثغر وذرف الدمع السخين (ود الأمين) حزن عميق لفراق وردي بورتسودان : (الرأي العام)
فجع الموسيقار محمد الامين بتلقيه نبأ رحيل زميله الاستاذ محمد وردي مساء السبت الماضي اثناء مكوثه ببورتسودان بعد مشاركة فى ختام فعاليات مهرجان السياحة الخامس، رحل وردي وعاد ود الامين من بورتسودان يفتقد رفيق دربه ،وقف في صالة المغادرة ببورتسودان يتلقى التعازي في وردي ، وانتظره المعزون فى ردهات مطار الخرطوم يقاسمونه الحزن ويشاطرونه الدموع، وكان وقع رحيله عليه عصياً،فما استبقى دمعاً لم يذرفه على فراق وردي. وكان منتدى الكنبة الثقافي بمدينة بورتسودان،يحتفي بتكريم الاستاذ محمد الامين والأستاذ محمد عبد القادر نائب رئيس تحرير (الرأي العام ) والأستاذ حسن فضل المولى مدير قناة النيل الازرق والأستاذ هثيم كابو والملحن احمد المك وزوجته الفنانة افراح عصام التي ابرها بأغنية (هدية) فلم تبخل بحزن ودمع على فراق الامبراطور وكانت قد شاركت فى تشييعه بمقابر فاروق ، منتدى الكنبة درج على تكريم الوفود الزائرة للمدينة خلال مهرجان السياحة الخامس الذي شارك ود الامين فى ليلته الختامية باستاد بورتسودان،ليكون تكريمه مساء السبت، بعد مرور الساعة العاشرة مرت على هاتف نائب رئيس التحرير الاستاذ محمد عبد القادر مكالمة نقلت اليه رحيل الامبراطور وردي،ليقف المنتدى حدادا على روحه وينفض متوكئاً دموع الحاضرين،خبر رحيل وردي جعل من رفيقه محمد الامين يدخل فى نوبة من البكاء الحاد، وعجل بسفره الى الخرطوم هو ومرافقيه لحضور تشييع وردي وإلقاء النظرة الاخيرة على مرقده. محمد الامين فى حفل اقامه السبت قبل الماضي بنادي الضباط الخرطوم، تقدم بخالص الدعوات بشفاء وردي الذي نقل فى ذات الامسية الى العناية المكثفة بمستشفى فضيل بالخرطوم،حتى ان دموع ود الامين لامست خشبة المسرح ليلتها، ليمر اسبوع ويتركه وردي وحيدا يواصل عطاء المعتقين فى ركب الاغنية السودانية الاصيلة.
------------------
الأمير الحسن بن طلال: وردي علامة مميزة في مسيرة الغناء العربي عمان:خاص (الرأي العام)
هاتف الامير الحسن بن طلال رئيس المنتدى الفكري العربي وعميد الأسرة الهاشمية ..هاتف السفير عثمان نافع سفير السودان في المملكة الأردنية الهاشمية معزيا في رحيل الأستاذ محمد وردي.. وإعتبره علامة مميزة في مسيرة الغناء العربي, وتقدم بالتعازي للسودان قيادة وشعبا ولأسرة الفنان وردي. -----------------
تشييع مهيب لـ (أعز الناس) وردى..(دى الإرادة) الخرطوم:حسام الدين ميرغني - تصوير:حق الله الشيخ
العاشرة من مساء امس الاول السبت ، ذات الميقات الذى كان يصعد فيه الراحل محمد وردى الى خشبة المسرح، صعدت فيه روحه الى بارئها، هذه المرة الخبر حقيقة، ونفذت ارادة المولى ، فقد طالت شائعات الرحيل وردى عبر الشبكة العنكبوتية طيلة الايام التى رقد فيها بمستشفى (فضيل)، الذى لم يحن ميقات رحيله إلا مساء السبت، فيما كان يعالج من مشاكل فى الكلى والتهاب حاد فى الرئة اودى بحياته العامرة فنا وابداعا. شارع المستشفى وسط الخرطوم، تداعت نحوه الاقدام ، فقد تفشى خبر رحيل وردى هذه المرة بصورة رسمية بعد ان نعته الاذاعة القومية والفضائيات المحلية.رحل امبراطور الغناء محمد عثمان حسن وردى(1932/2012) عن عمر ناهز الثمانين،واغنيات تفوق المئات، كل منها يبز الاخرى بمتعتها وحسن صنيعها. (1) اقتربت الثامنة من صباح امس، ميعاد مواراته الثرى،شق الموكب الحزين الذى تتقدمه عربة الاسعاف حاملة جثمانه مارة بشارع جوبا بضاحية اركويت حيث يقطن، ومنها الى شارع المطار متجهة صوب مقابر فاروق، على بعد امتار منه يقول عابدين درمة الذى يبشارك فى مواراة الموتى فى الخرطوم وام درمان (الرأى العام) ان قبر وردى اختير ليكون بالقرب من عشيرته الذين سبقوه فى الرحيل عن الدنيا،وقد شارك رئيس الجمهورية المشير البشير ووزير الدفاع والفريق اول ركن بكرى حسن صالح الوزير برئاسة الجمهورية ووزير الثقافة وغيرهم من المسؤولين ومعشر المبدعين وذوو الفقيد فى الصلاة على الفقيد ومواراته الثرى. (2) يقول الاستاذ على مهدى، انه مساء كان متجها لتفقد وردى فى مشفاه، فهو عزيز عليه. واضاف ان صحته كانت قد تحسنت بعض الشئ فى اليومين السابقين ما جعله يطلب من طبيبه وصديقه بروفيسور فضيل بان يسمح له بالانتقال الى المنزل،بعد ان احس بتحسن فى صحته، الاطباء كانوا يعملون على استكمال معالجة رئتيه،وبدا وردى فى احسن حالاته،يقول على مهدى عند عودته لزيارته قبيل العاشرة عرف من تجمهر المواطنين امام المستشفى ان امرا جللا قد حدث، كان وردى قد رحل، ويصل حديثه : قررنا التريث فى اعلان خبر وفاته بطلب من اسرته حتى لا يزداد عدد الحشد من معجبيه، ولكن الحركة المرورية كانت قد تعطلت بسبب التدافع الكبير من جمهوره، ليتم نقل الجثمان الى مستشفى السلاح الطبى بامدرمان ليودع المشرحة هناك ريثما يصبح الصبح ويتم دفنه بمقابر فاروق،( واصبح الصبح) فى الخرطوم دون ورديها. (2) توسط قبر وردى مقابر فاروق، كما توسط قلوب السودانيين بمختلف انتماءاتهم هذا ما برز فى المشهد، وكانت النساء يشاركن الرجال حضورا فى المقابر، وكانت الدموع تنساب من مآقى الحاضرين،وكان الحزن متجددا وليس قديما كما تغنى بذلك،كانت جوليا ( ابنته ) واخواتها ينتحبن، وحق لهن ذلك ،فان كان معجبوه يعددون مآثره وسط نحيبهم، فما بالك بكريماته اللائى عشن فى كنفه ، جوليا هى التى كانت تقاسمه سهر أوجاعه وغناه وفرحه وآلامه ،ومظفر هو الأقرب اليه كعازف فى فرقته، وقد عاد من امريكا قبل ايام ليكن حاضرا اللحظات الاخيرة من حياة وردى الاب والمبدع والمعلم والتاريخ الوطنى العريض، نقل ابنه حسن العائد من الغربة فى صبر وجلد تعازيه للشعب السودان ،وقال نجله عبدالوهاب ان وردى فقد لكل السودان وليس لاسرته الصغيرة فقط، انجاله وبناته وقفواعلى طرف قبره لم يفارقوه الا بعد وقت طويل من مواراته الثرى ،كان مظفر آخر المتحركين من عند مرقد والده وهو يكثر له فى الدعاء ، و كان المئات يقرأون عليه الفاتحة ترحما، وكان العشرات يعددون مآثره ونضالاته وتفرده الفنى والحياتى،بالاضافة لبعض من تلاميذه الذين تلقوا العلم من استاذهم وردى قد نال منهم الحزن منالا. (3) السموأل خلف الله وزير الثقافة نعى للامة السودانية الراحل واصافا اياه بانه فنان لن يتكرر وملتزم بفنه لحد بعيد،خمسون عاما قضاها فى رحاب الفن، حواء الطقطاقة غلبها الحديث فكانت تردد وداعا وردى وداعا وردى،طه سليمان الفنان الشاب بات ليلته حزينا بالقرب من مسكن وردى ولم تتوقف دموعه الى الصباح ، وردى الذى قدم للخرطوم اول مرة ممثلا لمعلمى المديرية الشمالية فى العام 1953 انتقل الى رحاب الله قبيل انعقاد مؤتمر التعليم بسويعات. ويقول احد اقربائه من منطقة صواردة بمحلية عبرى ان ميلاد وردى صادف يوم رحيل الفنان الكبير خليل فرح فى العام 1932 وورى الثرى فى يوم تاريخ ميلاده المصادف اليوم التاسع عشر،كلها صدف حياة صاحب( صدفة واجمل صدفة). (4) ونقل الفنان حمد الريح من مقابر فاروق امس تعازى اتحاد المهن الموسيقية فى الهرم الفنى وردى واصفا رحيله برحيل مبدع من الزمن الجميل، وانسان وصديق نادر ،فيما كان اقرب الفنانين الشباب الى وردى المبدع ابوبكر سيد أحمد الذى شاركه عدة مرات بالغناء، وكان الراحل اعترف بموهبته الكبيرة،كان ابوبكر يتلقى التعازى ،واعتبر ان رحيل وردى صفحة جميلة من الابداع السودانى انطوت. وقال ،لقد ترمل الفن الاصيل بوفاته تماما. (5) وفى المقابر كان اسحق الحلنقى يغالب دمعته، ولكنها غلبته، خصوصا عندما اقترب منه كمال ترباس ليعزيه فى صديقه وردى،و كانت دموع الرجال (مبلوعة) بالامس،فوردى فقد لكل اطياف الشعب السودانى، فى المقابر ايضا ارتفعت اصوات معجبيه تذكر باغنياته ،قال احد المشيعين(وردى مويتنا دى غنا ليها ،ما خلى مشاريعنا ولا نضالنا ولا حريتنا ولا وجعنا ولا دموعنا ولا ضحكنا الا وغنى له،كنت انت الفن ياوردى)هنا انسالت الدموع مرة اخرى .واخذت ابحث عن ود الشريف الصحفى الذى لايعرف غير قلمه وحب وردى. عدت لاسحق،فلما سكت من البكاء ولكن لم تتوقف دموعه ،،قال ان عشرته بوردى امتدت لاكثر من اربعين عاما، (غير الشعر الذى كنت امده به كان يمدنى بصداقة حقيقية، وود حقيقى،حزنى عليه جد كبير). (6) كما توقعت، لم يكن ود الشريف متماسكا ، اخذ ينتحب ويتلقى العزاء من اهل وردى،حشرجاته كانت بائنة،وكان ينعى وردى ومعه ماتبقى من فن،وودالشريف لا يعرف غير وردى مغنيا ،ويعتقد ان لا احد من المغنين يمكن ان يقترب منه . وكان فى جانب آخر علوب دهب الحاضر الاشهر فى حفلات الخرطوم ،يرفع صوته ناعيا وردى،وهو من ابناء جلدته ولكنه معجب ينافس ود الشريف فى الاعجاب بوردى. قلت لود الشريف كيف تلقيت النبأ،قال لا اعرف حتى الآن من اخبرنى, ولكننى وجدت نفسى مساء العاشرة من السبت الماضى بالقرب من مستشفى فضيل، لا اعرف حتى الآن كيف تلقيت النبأ وممن وكيف؟ لكنى كنت يوميا عندما يحل المساء اتجول بالقرب من المستشفى الذى يرقد فيه اطمئن عليه عبر ابنائه ،فقد كانت الزيارة ممنوعة عنه فى غرفة العناية المركزة التى تشرف عليها الانسانة د.هالة ابوزيد احمد. (7) حضور فنى مكتمل، توديع وردى الى مثواه الاخير لم يغب عنه احد،فقد كان حاضرا فى حياة المبدعين قبل المعجبين،الفنانات حضرن من حواء الطقطاقة الى افراح عصام،التى كانت تبكى بشدة، ومن الفنانين صلاح ابن البادية ومحمد بدوى ابو صلاح., اقدام تخرج،وأخرى تقترب من مقابر فاروق،حتى بعد مرور ساعتين من دفن وردى بمرقده الاخير، نساء من اهله ومعجبيه،وآخرون لم تمكنهم بعد المسافة وموجة برد عابرة من حضور مراسم تشييع امبراطور الغناء،فقدت الخرطوم والسودان شماله وغربه وشرقه،وحتى جنوبه الذى انفصل ،فقدوا وردى المبدع الاصيل ،الصادق مع نفسه والآخرين، كان عازفوه،يعزفون ألحانا اخرى حزينة غير تلك التى الفوها مع استاذهم،وتلقت كريماته العزاء بالقرب من مقبرة والدهن ، لأول مرة يحدث هذا،وربما لآخر مرة.
------------------
وردي.. رحيل معلم الوجدان .. تشييع رسمي .. والبشير يؤم المصلين الخرطوم : عادل الشوية .. تصوير: ابراهيم حامد
من بعدك ينشد لهذا الشعب ومن غيرك يعلم وجدانه ان تستقيم على حب الوطن وروعة المشاعر ومن يناشد (الطير المهاجر) ليزور الحبيبات فالمناديل التي تغزل بأيديهن كانت على الوجوه تمسح دموع الحزن وتكتب على مساحاتها المبللة بالدموع(وداعا معلم الوجدان)..ذلك هو وردي العملاق الذي أرسى حضوره في كل مساحات الإخضرار داخل مجتمعنا طوال ما يزيد عن نصف قرن. ورحل محمد عثمان وردي ولكنه لم يترك خطواته تذهب سدى بل جعل بصمته فينا مواطنين ومثقفين وفنانين وشعراء وادباء ونقادا ومفكرين ورسميين على مختلف عهود الحكم في هذا البلد الرشيد. وردي الجسد الذي غادر مساء امس الاول وشيع رسميا وشعبيا صباح امس تداعت لوداعه جموع الشعب السوداني بامتداد ارضه وكانت مقابر فاروق بالخرطوم المرسى الاخير لرحلة العملاق ودموع الفراق للمئات من المشيعين وهم ينادون الشوق له (تعال ..تعال).. والموكب الحزين من مشفى السلاح الطبي الذي نقل جسمانه اليه مساء امس الاول يطوف شوارع العاصمة التي وقفت لتودع الموسيقار والعملاق وعاشق الحرية وردي.. فالرئيس البشير وجه أن يؤجل الدفن حتى الصباح (امس) ليتمكن عشاقه ومحبوه من الحضور .. وتسابق أهل السودان كأن البعض منهم ركب بساط الريح وجاء من حلفا وصواردة موطنه الصغير ليشارك في مراسم الدفن.. والتقت اللغات نوبية وافريقية وعربية وحتى عربي جوبا عاد يتلفح لسانه الحزن وكان د. لام اكول وجنوبيون احبوا وردي. الرئيس البشير كان في استقبال الجثمان وأم المصلين على الجنازة وهي المرة الثانية حينما أم المصلين على جثمان الراحل (النيل الثالث) عثمان حسين وفي ذلك دلالة على سمو ورفعة رسالة الفن والفنانين وتقدير لهذين العملاقين اللذين قدما من الغناء الراقي ما به صفت مشاعر وأحاسيس أبناء شعبنا .. ومعه النائب الحاج آدم يوسف واحمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني وكل الدستوريين من وزراء وقادة الاجهزة النظامية وجموع الفنانين والصحافيين والاعلاميين وعائلة الرياضيين من نجوم ورؤساء اندية واسرة الراحل.. لم يتبق احد, وهل في ذلك غرابة؟ لا والموسيقار حافظ عبد الرحمن من بين دموعه يقول: اليوم أغلقت المدرسة ابوابها .. وردي مدرسة ونحن تلاميذها.. لكن هل نستطيع فتح ابواب هذه المدرسة من جديد؟ الفنانة حواء الطقطاقة من بين دموعها كانت تنشد لوردي ممجدة وهي تقول وردي فنان ومناضل .. تربطني به علاقة انسانية واخوة (دا ولدي).. ووردي منح الفن هيبته والفنانين قيمتهم في المجتمع وكان فنانا ذا رسالة انسانية ووطنية .. وردي كان مهندسا عظيما رسم خارطة عمارة الوجدان السوداني.. وهو حتى حينما كان معلما و أراد الحضور للعاصمة لم يجدوا له فصلا يدرس فيه فقام محمد نور الدين وزير الاشغال يومئذ ببناء فصل له في احدى مدارس الخرطوم ولم يستمر سوى شهرين فيه ووردي خريج معهد المعلمين بشندي وابن منطقة عبري التي ولدت الشاعر الجيلي محمد صالح الذي قال :(احن اليك يا عبري حنينا ماج في صدري) كان حنين الغناء وروعته..وتلك الدموع التي ذرفتها ندى القلعة على قبره وهي تقول: كان ابا لنا ومعلما وانسانا لم يبخل علينا بالتوجيه والارشاد.
--------------------
مراسم عزاء (زول تاني ما بجي زيو) داخل منزل الامبراطور..دموع نواعم الخرطوم: ماجدة حسن
عاش الفنان محمد وردي علما على رأس هرم الغناء في السودان بل وأصبح فنانا اول لعموم افريقيا . رحل وردي وكان مبكاه ايضا علما هاديا للوصف حتى لمن لا يعرف اين يسكن ، فجموع النساء المغادرات الى الشارع العام بعد اداء واجب العزاء حائرات في الوجهة والهدف مما يشعر بفقد المصاب هذا اضافة للهلع البادي على وجوه بعض رموز المجتمع من ادباء وفنانين وكتاب وصحفيين من خلف مقود سياراتهم وهم مسرعون . وفي جانب الطريق كذلك يصف احد الشباب لمحدثه عبر الهاتف قائلا (دا مابجي تاني زول زيو) وواصل في الوصف والمسير, وعلى ناصيتي الشارع تقبع عربتا شرطة ذات الموقف مهابة . يمين باب المنزل، امتلأت خيمة النساء عن اخرها وامتدت جموع المعزيات على طول الشارع , واللافت في الامر ان عدد النساء الكبير تختلف فيه الملامح والسحنات مما يوضح عن كل تلك الجموع يربطها عشق وردي اكثر من انها رابطة دم ورحم , ولم تكن تجمع بينهن دموع وعويل لكن ثمة حزنا ووجوما ومحنة بادية على الوجوه , على ما يبدو كان حزن وردي اكبر من ان يترجم , اما باب المنزل فقد كان الوصول اليه بما يشبه التدافع , لتبدأ رحلة البحث عن الزوجة والبنات ، قابلتنا ابنته جوليا متوشحة بالسواد ويبدو عليها الاعياء والتعب وكأنها ستسقط مغشيا عليها فمصابها جلل وكذلك الحاجة زينب التي تتوسط سريرها بثوبها الابيض ومن حولها نساء يعددن مآثر الفقيد ويطلبن لها الصبر والسلوان . في بهو منزل الراحل محمد وردي ، تحكي صوره على الحوائط ذكرى ايام خالدة علقت بذاكرته ، ربما يكون اهمها او اكثرها توثيقا شهادة الدكتوراة الفخرية التي منحتها اياه جامعة الخرطوم ، وبصوره اكبر عن قريناتها احتضن احد الجدران وردي وهو يحمل شهادة جامعة الخرطوم . وكذا مشهد مماثل هذا اضافة الى صور تكريم له ،وصورة سلام يجمع بينه وبين سلفاكير ميارديت ، هذا بجانب مكتبته الخاصة والتي تأخذ حيزا كبيرا ، تحتضن كذلك داخلها كتبا وصور تكريم تجمع بينه وبين عدد من نجوم الفن والموسيقى والفكر. الصورة التي عكسها اختلاف الملامح والسحنات تشير ان مشروع وردي الجامع لثقافات السودان قد اتى اكله ، فوردي رمز الاستقلال الاول في السودان، تكمن اهميته في انه لم يكن يفكر موسيقيا فحسب ،بل كان لديه تفكير جمعي جعل من قضية الحب قضية جماعية وطنية جمالية انتصر فيها في الاخر وكسب قضيته على الاعتقال والهجرة ، وبذات الفهم الوحدوي بكته كل قبائل السودان الجارات والمعجبات قبل الاقرباء . رحيل وردي طوى صفحة كبيرة جدا في كتاب الوطنية , وفي فن الغناء مزج حب الوطن بحب المحبوبة .
اخر تسجيلات الفنان الراحل محمد وردي في الاذاعة والتلفزيون
ظل الفنان الراحل محمد وردي في حضور وتالق دائم عبر شاشة التلفزيون القومي واثير الاذاعة السودانية ورفد المكتبة التلفزيونية والاذاعية بمجموعة من الاغنيات الخالدة . وأطل وردي عبر شاشة التلفزيون في اخر تسجيلاته في أول أيام عيد الفطر في برنامج على جزئين بعنوان (لقاء السحاب) ضم الفنان محمد الامين والبروفسير علي شمو في لقاء ثلاثي يتم لاول مره تناول ماضي الذكريات وقدمه المذيع الطيب عبد الماجد واخرجه شكر الله خلف الله وقدم وردي مع محمد الامين في ثنائية اغنية (نور العين ). وزار محمد وردي اخيرا الاذاعة السودانية وسجل سهرة من اربعة اجزاء بعنوان (قمم ) في شهر رمضان المبارك مع الشاعر هاشم صديق بحضور مدير الاذاعة معتصم فضل ونائبه عبد العظيم عوض وتقديم الاعلامي حسين خوجلي واخراج انعام عبد الله وتناول اللقاء البدايات الفنية واعلن وردي انتهاءه من تلحين قصيدة غنائية جديدة لشاعر عربي كبير وتحدث عن ألحان الغير التي يطرب لها وكشف عن أسماء أفضل الفنانين السودانيين الذين يستمع لهم وعن تجربته في تلحين النصوص المسرحية وقدم من الاغنيات (بيني وبينك والايام وامير الحسن ويا ناسينا) . وزار مدير التلفزيون محمد حاتم سليمان اخيرا منزل الفنان الراحل وردي ضمن زيارات شملت مجموعة من الفنانين .
اهتمام اعلامي دولي برحيل (أيقونة) الغناء والموسيقى كتب : محمود الدنعو
حظى نبأ رحيل الموسيقار محمد وردي بتغطية اعلامية واسعة من قبل وكالات الانباء والصحافة العالمية واللافت ان وكالة الصحافة الفرنسية ووكالة الاسيوشيدت بريس الامريكية اتفقتا على وصف وردي بـ(الايقونة) حيث عنونت الوكالة الفرنسية خبرها بـ(سودان مورن ميوزيكال ايكون وردي) او السودان يشيع ايقونة الموسيقى وردي ، بينما اختارت وكالة الاسيوشيدت بريس عنوانها كالأتي : (ايكونك سودانيز سنغا محمد وردي داي) او وفاة ايقونة الغناء السوداني محمد وردي ، وزادت صحيفة الواشنطون بوست التي نقلت الخبر عن الوكالة الامريكية على عنوان الوكالة عبارة (هو ببلورايزد نويبان ميوزك) او الذي يعتبر أشهر موسيقيي النوبة ، الاتفاق بين الوكالتين على وصفه بالايقونة ، يجسد المكانة الرفيعة التي يحتلها وردي الذي دائما تعرف به الاغنية السودانية. والايقونة هي كلمة يونانية قديمة وتعني الصورة وهي في المعتقد المسيحي صورة او لوحة تجمع كل شىء يتعلق بالعبادة من صلاة وعقيدة وغيرها ، ومنها استعار الناس معنى الشمولية والرمزية وكان وردي كذلك فناناً شاملاً وفناناً رمزاً استطاع ان يوحد وجدان الشعب السوداني خلف اغنياته الوطنية والرومانسية فصار نسيج وحده فى زمن الانشطارات الكبرى. الكثير من الصحف ووكالات الانباء العالمية التي اهتمت بالخبر وافردت له مساحات واسعة كانت تشير الى شعبية محمد وردي التي تتجاوز السودان الى شرق افريقيا حيث اريتريا واثوبيا والى اقصى الغرب الافريقي حيث نيجيريا والكمرون وتشاد المجاورة ، حيث تشير الى وجود معجبين بفن الراحل وردي رغم فوارق اللغة ، ومن الاشارات التي تداولتها وسائل الاعلام العالمية بعد التأكيد على عقبريته الموسيقية وعذوبة الاداء للاغنيات كانت الاشارة الى مواقفه ونشاطه السياسي ، وذهب البعض الى تشبيهه بالموسيقار الراحل بوب مارلي الذي غنى للانسان والحرية فى افريقيا والعالم اجمع .. وتم فى الكثير من القصص الاخبارية التي بثتها وكالات الانباء ابراز نشاطه السياسي ودخوله المعتقل خلال عهد الرئيس السابق جعفر النميري في سبعينيات القرن المنصرم وانه عارض نظام الانقاذ الراهن واختار المنفى الاختياري لاكثر من عشر سنوات عاد بعدها فى العام 2005 ليدعم وحدة السودان بعد اتفاقية السلام الشامل ، ولكن الاقدار السياسية كانت اقوى من أماني وردي حيث صوت الجنوب لصالح الانفصال و اعلن دولته المنفصلة في يوليو من العام الماضي.
-----------------------
عبقري الأغنية السودانية .. بعد الرحيل عبسى الحلو
ü مدخل: الكتابة عن عبقري الغناء السوداني ، الموسيقى المتفجر بالنغم ، الراحل العزيز محمد وردي .. هي الآن وفي هذه اللحظة الحزينة صعبة جداً ، ان لم تكن مستحيلة. وذلك لان انفعال الحزن الجارف يفقد القلم رشده واتزانه .. ويدفع به نحو العاطفة .. وان ما نريد مدحه هو ضوء عالٍ .. لا تملك امام اشعاعه إلا التماسك لتكون في قامة ابداعه الرصين .. والصعوبة الأخرى .. هي ان مثل هذا الفن يحتاج لقريحة نقدية ذات قدره على الغوص لاصطياد جواهر المعاني في بحور هذا الفن العميق الأغوار والملئ بالأسرار والجمال .. ü وردي بدأ المسألة كلها من محبة بصيرة ومبصرة للغناء .. فهو أولاً ربط ما بين احزان وأفراح الناس بالمكان الذي احاطهم .. وأثر فيهم بمثل ما أثروا فيه .. إذاً الفن عند وردي هو هذا التأثير المتبادل ما بين الناس والمكان .. فكانت الألحان النوبية التي تسربلت بأشعار ناس الوسط .. فجاءت أولى تأملات وردي هنا هي هذا التمازج بين أطراف الثقافة السودانية في أغنية »يا سمارة .. الليلة يا سمرا« .. ثم جاءت الخطوة الثانية حينما غنى بعربية مفصحة أغنية الحبيب العائد للشاعر صديق مدثر .. ولم تنجح الأغنية ، كما كان وردي يتوقع وقد عزا وردي هذا لكونه مغني سار في طريق العامية السودانية خاصة في ملمحها النوبي .. إلا ان هذا التفسير لا يمكن الأخذ به خاصة ان وردي قد غنى بالعربية أناشيد ثورية كتبها الفيتوري ومحمد المكي إبراهيم ونجحت فنياً وجماهيرياً ووصلت إلى قمة الابداع الغنائي والموسيقي. ü وهنا كانت أهم المحطات الفنية التي وقف فيها وردي متأملاً مساره الفني ومتفكراً فيه ، وذلك لأن فن وردي لم يكن فناً عفوياً تمليه الفطرة الساذجة ، بل كان فناً مدروساً وموجهاً وفق مسار منضبط برؤية فكرية وجمالية ولعل هذا المسار هو ما أوصله إلى اليسار السياسي والفني حيث انبتت كل مواقفه السياسية المعروفة والتي على ضوئها حدد موقفه الابداعي جمالياً وفكرياً .. ولهذا بالضبط كانت كل فترة من فتراته الفنية بمثلما ترتبط بسابقتها ترتبط في ذات الوقت بلاحقاتها .. مما أعطى مساره الفني وضوحاً في المسار ، والرؤية ووحده بنائيه تمثل رؤية شمولية لتأريخه الإبداعي . عند أغنية »من غير ميعاد« بدأ وردي يرى الطريق من حيث ارتباط المعنى بالشكل الفني. غنى بالعامية ذات الجذر اللغوي العربي وهي أشارة لتلاقح النخبوي والشعبي وتلازم العروبي بالنوبي وبالأفريقي عموماً .. وطور هذا المسار عندما مازج بين النغم النوبي الافريقي وإيقاعات الوسط »الشمالي«. وتأكيداً لهذا الاتجاه القومي غنى »يا وطني يا حبوب« حيث مزج المضمون بالشكل .. والجهوية بالقومية .. ü في هذا الخط الفني العام .. لم يهمل وردي تفاصيل الايقاع اليومي الوجودي فغنى اغنيات وجدانية عاطفية تعبر عن أشواق الانسان السوداني وهو مشروط ومحدد بمناخ ثقافي واضح المعالم فغنى لإنسان الريف »أغاني اسماعيل حسن« التي مازجت بين اليومي والأشواق الروحانية وفق الإطار الصوفي الذي لون هذا الوجدان .. في عموميته .. ü وكان هنا خط آخر يوازي هذا الخط ، حيث انسان الطبقة الوسطى باشواقه وطموحاته وتطلعاته كما صوره الحلنقي .. »عصافير الخريف« و»الناس القيافة« و»عذبني وزيد عذابي«.. ü وعندما بلغ نضجه الفني .. غنى وردي خلاصة كل هذا المسار وذلك في أغنية صلاح أحمد إبراهيم »الطير المهاجر« .. حيث العامية ذات الأفق العربي الفصيح ، وحيث الموضوع الملحمي الكبير حينما تتلاحم حوارات الأنا والآخر .. وهنا تصل الموسيقى الغنائية أو البناء الدرامي الموسيقي كمعادل للبناء الشعري .. وهي أغنية من كبريات أغاني وردي حيث تتلخص فيها كل خطوط البناء الفكري والجمالي الذي يمثل عالم وردي الغنائي .. ü ولعلنا نتساءل أين هي مرحلة التقاء وردي بمحجوب شريف؟ - نحن هنا لا نتابع هذا الخط وفق الترتيب الأفقي التأريخي .. ولكننا نراقب خط التطور كما يظهر في هواجس وانفعالات وردي حينما تظهر كإشارات من خلال ما يقدمه من ابداعه في ذهنيته يوماً بعد يوم وواقعة غنائية بعد أخرى .. أي وبعبارة ثانية أننا نستشرف مستقبل ما يأتي في أغاني وردي وذلك من خلال منهج قراءة متراجع إذ ننطلق من ماضي أغاني وردي إلى مستقبلها الذي أصبح الآن ماضياً بدوره وذلك كما لو كنا نقرأ وردي المستقبلي من خلال أولى أعماله لنصل إلى آخر هذه الأعمال .. ومثل هذا المنهج لا يتيح لك فنان ما ان تستخدمه إلاَّ إذا كان فن هذا الفنان يخضع بدوره لهذا المنهج وتلك هي عبقرية هذه الموهبة الغنائية النادرة .. ü وللتأكيد .. اعطانا وردي أشارة ابداعية جمالية وتقنية مبكرة .. لعلها في بداية السبعينيات حينما ذهب بأغنيته الجديدة وقتذاك »الود« إلى القاهرة وأعطاها للموزع الموسيقي الإغريقي »اندريا رايدر« الذي كان يوزع لعبد الوهاب أغنياته »الجندول« و»عيد القمح« وأغاني فيلم »غزل البنات«.. وهي إشارة أثمرت فيما بعد لعله اوائل السبعينيات حينما وزع الموصلي أغاني إبراهيم عوض. ü وإذا رجعنا للوراء قليلاً مرة أخرى .. نجد ان وردي هو من قدم الأغنية في وحدتها الدرامية موسيقياً وشعرياً كما فعل في أغنية »قلت أرحل للتيجاني سعيد، حينما تجئ الأغنية في بنائها الموسيقي والشعري مكونة من بناء درامي كمقدمة ووسط ونهاية .. وفي كل وحدة تأخذ ملامحها الميولودية والإيقاعية في علاقات متشابكة في جدلية من التكوينات التي تتحول في مسافاتها الزمانية والمكانية .. لم يكن وردي عبقرية وليدة صدفة .. بل هو عبقرية اختارها زمانها السوداني المحدد والحتمي لتعبر عن عبقرية فريدة من خلال عبقرية قومية ، وهذه هي عظمة الفنان وردي.. له الرحمة والمغفرة ..
---------------------
زاوية حادة وردي يا كبدي جعفلر عباس
دي الإرادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل/ دي الإرادة والمقدر ما بنجيب ليه بديل، فالموت أمر يحدث «غصبا عني وغصبا عنك»، وهكذا خبا «نور العين» الذي كان يوقظنا صبيحة كل يوم جديد في كل سنة جديدة حاملا إلينا الهدايا والبشارة: هاذي يدي ملأى بألوان الورود قطفتها من معبدي، ثم يرفع يديه بالدعاء: يا شعباً لهبك ثوريتك تلقى مرادك والفي نيتك/ عمق إحساسك بي حريتك يبقى ملامح في ذريتك.. غنى وردي للحب والجمال في الناس والوطن بإحساس «صاحب الواجب»، فقد كان يعتبر الغناء أمانة ومسؤولية ومن ثم كانت أغنياته تصل للناس مكتملة العناصر: شعرمصفى وموسيقى تتآلف فيها مختلف الآلات لتتناغم مع حنجرة من طراز امباير ستيت، .. تحلق بك فوق هام السحب عبر عشرات الطبقات فتمر بك خلال دقائق كل مواسم البِشر: السماء الراعدة التي تفتح صنابيرها فتلقح الجسم والأرض العقيم ثم ندى الربيع البديع ثم موجة برد يدهشك كيف أنها لا تجعلك ترتعد .. وكيف ترتعد وهذا الصوت الدافئ المشحون بالشجن الصواردي يحتضنك ويضمك إليه. عرفت معنى أن الفن عند وردي مسؤولية لأنني لازمته ليل نهار وهو يستعد لأول حفل جماهيري له بعد خروجه من السجن عام 1972، وشهدت نحو خمسين بروفة باوركسترا كاملة لأغنية «قلت أرحل» التي قدمها لأول مرة في الحفل الذي أقيم بحدائق المقرن.. وفي ساعة الصفر وصلنا المقرن بسيارته الأمريكية الكركوبة، وكانت الساحة قد ضاقت بالخلق.. وظل وردي جالسا في السيارة والاضطراب بادٍ عليه، وكانت تلك أول وآخر مرة أرى فيها وردي يتهيب الوقوف أمام أي نوع من الجمهور، قلت له: يا وردي.. يكفي هؤلاء الناس ان تظهر أمامهم وتحييهم ثم تعود الى بيتك دون أن تؤدي أغنية واحدة، فقد عاشوا محرومين منك طوال أكثر من سنتين.. قال: خليني شوية.. بعد قليل أتانا الكمانجست احمد بريس يحتج على تأخر صعود وردي، فقلت له: اصعد يا بريس على المسرح وابدأوا في عزف المقدمة الموسيقية لـ»قلت ارحل» .. وقد كان: تن تررم بمبم بم.. تن تررم بمبم بم... وهب الآلاف وقوفا وخلال ثوانٍ كان وردي قد قفز خارجا من السيارة... وصعد على المسرح، وضاعت المقدمة الموسيقية وسط صرخات الفرح.. الفرح لكونه أمام الجمهور بلحمه وعظمه.. ثم بدأ العزف مجددا، و»رحلت وجيت / في بعدك لقيت كل الأرض منفى».. والله بكيت كما يبكي أب يرى أكبر أبنائه ينال شهادة عليا بامتياز ، أو يرى ابنته تزف إلى عريس يعشقها.. وعاش وردي معظم سنوات عمره يسوق خطواته من «بلداً نسى الإلفة/ يهوم ليل ويساهر ليل ويطوف من مرفا لمنفى».. وتذكرت تلك الأمسية عندما اهتزت ارجاء سوق كوستي بالصياح والهتاف، فقد كانت حكومة عبود العسكرية قد أوقفت بث أغاني وردي بسبب نشاطه المعارض لها، وفجأة قررت رفع الحظر وبث راديو أم درمان «يا نور العين» فكان الفرح العام العفوي. توثقت علاقتي بوردي في سجن كوبر، وبعدها لم تعد علاقة بين مطرب ومعجب، كنا نسعد بمجالسة بعضنا البعض لنناقش القضايا العامة ونضحك، فقد كان وردي منجما للطرائف التي أبطالها أهلنا النوبيين، ولا أذكر قط أنني طلبت منه ان يغني في جلسة خاصة، ولكنني كنت قادرا على استدراجه للغناء بأن أدندن بإحدى أغنياته فيلتقط الطعم ربما صونا لأذنه من التلف، ولا أستطيع أن أقول الكلام المعلب عن كونه سيظل حيا في فؤادي ووجداني، لأن فقده سيظل في قلبي ماثلا مثل ثقب الأوزون في الكون الذي يصعب رتقه وترقيعه.. نعم أغنياته حاضرة في خاطري منذ صباي، ولكنها لن تعوضني عن فقد الإنسان في «ميمد إسمان».. يا رفيقي الميت الحي كموتي وحياتي/ أرضعتني أمك السوداء يوما/ وكست عظمي لحما/ .. آوتني يتيما/ أرضعتني وبكتني/ يوم فوجئت بقطاع الطريق القتلة/ فلتمارس أمنا الثكلى بكائي وبكاءك/ مرة أخرى بكائي وبكاءك/ ريثما يولد أبناء القرون المقبلة.. وأعدك يا حبيبي بأنني سأبذل مع محبيك كل ما في طاقتنا لتحقيق حلمك ونبني الوطن الحدادي مدادي ليصبح شامخا عاتيا وخيّرا «ديمقراطي».. أيها الجميل المستحيل.. وردي يا كبدي/ يا من أعجزت الناي/ إني أعجز عن كلمة/ لما ساقوك إلى... ليرحمك الله.
الراى العام 20/2/2012 ---------------
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وداعاً.. أمير الحسن : من صـواردة إلي ما وراء الدنيا..ملف خاص بمناسبة رحيل الموسيقار محمد وردي ملف خاص بمناسبة رحيل الموسيقار محمد وردي الصحافة : محمد شريف :
بالله يا طير قبل ما تشرب تمر علي بيت صغير وورى الثري بمقابر فاروق في تشييع مهيب تقدمه رئيس الجمهورية محمد وردي ...واضيعة الوتر اللي ما غنيت معاه ولا عزف الصحافة : محمد شريف
شيعت البلاد امس الفنان الدكتور محمد وردي الي مقابر فاروق بالخرطوم في موكب مهيب تقدمه رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير وعدد كبير من قادة العمل السياسي والفني والرياضي وكافة الوان الطيف السوداني، وورى الثرى وسط التهليل والتكبير وبكاء الرجال والنساء وكان الجميع يدعو له بالمغفرة ودخول الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ، وتحدث من داخل مقابر الفاروق بالخرطوم مجموعة من احباب واصدقاء واقارب وجيران الراحل محمد وردي واجتمعت اصواتهم حول عبقريته وتجربته النادرة وعطائه الكبير . الحاج ادم : شخصية لا تحدها حدود نائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج ادم اكد على عالمية الفنان وردي ، مبينا انه شخصية سودانية لا تحدها حدود وصلت لكل العالم بفنها المختلف، وقال ان السودان فقد قامة من قامات الوطن، وخص الحاج ادم بالتعازي اسرة وردي ومحبيه على نطاق السودان والعالم اجمع، وقال ان وردي اثرى وجدان قطاع واسع من قطاعات الشعب السوداني وكان الدليل على حب الناس له الجموع الغفيرة التي هرعت لتشييعه وودعته بالدموع ودعت له بحناجر قوية، وقال الحاج ادم انه حرص على زيارته بالمستشفي وطمأنته الطبيبة المشرفة على علاجه بانه في تعاف مستمر لكن لكل اجل كتاب، وقال يجب ان يأخذ الناس من تاريخه الطويل والوقوف على كل ما قدمه لتوحيد السودان والعالم العربي والافريقي، وطالب الحاج ادم بضرورة الدعاء لوردي بالدعوات الصالحات، وقال اسأل الله ان يغفر الله لوردي ويتجاوز عن سيئاته ويزيد من حسناته . وزير الدفاع :ثروة قومية الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع وصف وردي بالثروة القومية وقال ان البلاد فقدت رمزا من رموزها وقمة من القمم ، موضحا انه ادخل الفرح في نفوس جميع الناس وبكته كافة اطياف الشعب السوداني وحزن عليه الجميع، وقال رغم الم الفراق سيظل وردي بعطائه الضخم باقيا في وجدان الشعب السوداني وكل العالم . سوار الدهب : فنان متفرد المشير عبد الرحمن سوار الدهب وصف وردي بالمتفرد ، مبينا انه رفع شأن السودان وسجل تاريخا ناصعا ونجح في كافة المجالات وكان يوم رحيله يوما حزينا لان السودان فقد احد اعلامه البررة الذين سجلوا امجادا سامقة . صلاح قوش :كان مخلصاً لوطنه ووصف صلاح قوش الفنان الراحل وردي بصاحب الحس الوطني العالي وقال كان قامة ورمزا وكتب صفحة في تاريخ السودان، وقال قوش انه لمس خلال المؤسسات التي عمل بها تعاونا من وردي وقال انه كان مخلصا لوطنه ولكل افراد الشعب السوداني وسأل الله ان يجعل البركة في ذريته . تابيتا بطرس : اهتم بالهامش والمستضعفين وزيرة الدولة بالكهرباء والسدود د.تابيتا بطرس قالت وردي كان فنانا شاملا غني للوطن والاستقلال والحب والجمال واهتم بالهامش والمستضعفين والارامل واليتامي وتربع داخل القلوب وغني واجاد اغنيات النوبيين وكان حتي ايامه الاخيرة يسخر حنجرته الذهبية للغناء وادخال الفرح في نفوس السودانيين وقالت انه مضي للامجاد السماوية وترك ارثا كبيرا من الفن السوداني ولم يمت بل سيظل باقيا وخالدا في الدواخل مثل عثمان حسين وزيدان ابراهيم وكل الكبار . مدير الاذاعة : نجم ربوع السودان مدير الاذاعة السودانية معتصم فضل قال ان وردي بدأ عظيما وشكل منذ اطلالته الاولي عبر برنامج ربوع السودان بهنا ام درمان اضافة حقيقية لمسيرة الاغنية السودانية مبينا انه اثري مكتبة الاذاعة بروائع الاغنيات وشارك بفعاليه في برامج وسهرات وحفلات الاذاعة، مبينا ان اخر تسجيلاته بالاذاعة كانت سهرة رمضانية من اربعة اجزاء بصحبة الشاعر هاشم صديق تحدث فيها عن علاقته المتميزة مع الاذاعة السودانية ، مشيرا الي اهتمام وردي بتجويد اغنياته قبل تقديمها للجمهور وقال ان اغنية قلت ارحل علي سبيل المثال استمرت بروفاتها اكثر من ثلاثة شهور قبل ان تري النور . مدير الشرطة :كان باراً بأهله مدير عام قوات الشرطة السودانية الفريق اول هاشم عثمان الحسين قال ان وردي كان بارا لاهله وافتقده كل السودان وقدم اعمالا جليلة للوطن وسأل الله ان يجير السودانيين في مصيبتهم وطالبهم بالدعاء للفنان الراحل . موسى :رحل بجسده رئيس اتحاد شعراء الاغنية السودانية محمد يوسف موسي قال ان الفنان وردي رحل بجسده فقط لكنه سيظل باقيا تتردد اغنياته في كل مكان في السودان وتحتفل بها كل الدول العربية والافريقية مشيرا الي انه قدم اغنيات وطنيه ظلت باقية جيلا بعد جيل . سالم :غناء رغم المرض الامين العام لمجلس المهن الموسيقية والمسرحية الفنان عبد القادر سالم ثّمن مواقف وردي البطولية وقال انه قاوم المرض سنوات طويلة ليغني للسودانيين جميل الشعر واللحن، وقال ان وردي وحد الناس في كافة ولايات السودان المختلفة وبكاه الجميع حزنا على رحيله المر . الأب فيلو ثاوث فرج :عمّق مفهوم الوطنية وقال الاب فيلو ثاوث فرج ان الألم يعتصره لرحيل وردي الفنان المتمكن الذي دخل قلوب السودانيين موضحا انه شخصية اتفق على حبها الجميع وليس حولها اي خلاف، مبينا انه قدم اغنيات نوبية من التراث وجدت حظها من الانتشار خارج البلاد وكان له دور وطني كبير في تعميق مفهوم الوطنية وقال ستظل ذكراه باقية في القلوب والدوائر العلمية والمعرفية . محمدية :وردي لم يمت عازف الكمنجة الشهير الموسيقار محمدية قال ان وردي لم يمت وسيظل باقيا بين الناس باغنياته التي يختار كلماته والحانها بعناية فائقة وسيظل في قلوب الناس مثل عثمان حسين وأحمد المصطفى وقال انه ترك للسودانيين ما يفتخرون به امام الاخرين من اغنيات جميلة . مجذوب أونسة : أعز الناس الفنان مجذوب اونسة قال ان السودان افتقد رجلا من اشجع الرجال وفنانا من اعز الناس يشهد له التاريخ بالنضال الطويل والابداع الجميل وشارك في كل المناسبات وله مكانة خاصة في القلوب. الحلنقي : فنان نادر الشاعر اسحق الحلنقي قال ان وردي نشر الفرح المباح في كل البيوت واهدي السعادة والسرور لكل ابناء الشعب السوداني، وقال ان وردي فنان نادر لا يتكرر وهو احد العظماء . تمتام : هرم من الاهرامات الفنان ياسر تمتام اشار الي انتشار اغنيات محمد وردي في افريقيا وقال لا يختلف اثنان في ان وردي فنان افريقيا الاول واغنياته محل احتفال الكبار والصغار حتي الذين لا يعرفون اللغة العربية يرددونها في المحافل المحلية والعالمية . عاصم البنا :حال الدنيا الفنان عاصم البنا قال وردي ما كثير على ربه وحال الدنيا دائما تفرق بين الناس وبرحيل وردي رحل فنان عالمي قدم اغنيات متميزة جدا . كمال حامد : التوثيق التوثيق الاعلامي كمال حامد اوصي بضرورة توثيق ونشر اعمال محمد وردي لفائدة الاجيال الجديدة مشيرا الي انها اعمال شكلت وجدان الشعب السوداني . مختار دفع الله : عبقرية وشموخ الشاعر مختار دفع الله قال ان الفنان محمد وردي ارتقي بذائقة الامة السودانية ورفد مسيرة الغناء بالدرر والروائع وكان فنانا مؤثرا وشامخا وعبقريا وصاحب صوت شجي لا يتكرر . عوض الكريم عبد الله : تاريخ جميل الفنان عبد الكريم عبد الله اشاد بتجربة وردي الفنية الطويلة وقال انه صار جزءا من تاريخ السودان وبذل جهدا مقدرا في تطوير الاغنية السودانية . حسين خوجلي : زمانا فات وفنانا مات الاعلامي حسين خوجلي وصف وردي باحد معالم السودان المعاصر مبينا انه وهب نفسه منذ صباه الباكر لتجربته الفنية وعمل على تجويدها وظل يبذل لها الغالي والرخيص ويخلط العام بالخاص وظل حفيا برسالته الفنية التي اسعدت الملايين وقال ان وردي ليس مطربا او مغنيا فقط بل حالة ثقافية غني للسودان لافراحه واتراحه وثوراته وتاريخ وتطلعات وامال شعبه وبرحيله كادت تتحقق مقولة زمانا فات وغناينا مات مع انه فنان غني للكهول والشباب
--------------- أرملته ثريا تحكي آخر لحظات الرحيل وتقول ذهب دون وداع دموع ونحيب في سرادق العزاء بمنزل الراحل بحي المعمورة رصد وتصوير : وداد الماحي: دخل شاب في الثلاثينات من عمره منزل الراحل الفنان العملاق وردي وهو في حالة يرثي لها وكان يبكي بصوت عالٍ جدا وينتحب ويتشنج بصورة لفتت اليه الانظار وحكي البعض انه جاء من رحلة طويلة ليقدم واجب العزاء في وردي وظل الشاب يصرخ لماذا تودعونه في صمت هكذا انه فنان افريقيا الاول وامتدت اليه الايادي طالبة منه الصبر وقراءة الفاتحة والدعاء للمغفور له وظل الجميع يردد «إنا لله وإنا إليه راجعون» .
أرملته ثريا :ذهب دون وداع داخل خيمة النساء كان البكاء والعويل سيد الموقف وكانت الدموع تنهمر من اعين السيدات وحتي الاطفال الصغار حزنا على رحيل وردي وكانت اكثر لحظات الحزن ألماً عند دخول ابنة الراحل جوليا التي كانت تبكي بحرقة وألم واخترت انا الجلوس الي أرملة الراحل وزوجته الاولي ثريا التي بدت في حالة يرثي لها وهي تصبر الاخرين ، وقالت وسط العبرات لقد توفى قبل ان اودعه وكنت معه فى كل الاوقات وكان بصحة جيدة في الساعات الاخيرة قبل الرحيل وطلب منى انا والاولاد الذهاب الي البيت لكى يرتاح هو قليلا وبعد وصولى للبيت بساعة اخبرونى بوفاته فحزنت لعدم حضورى وقالت وهي تبكى عندما زرته يوم الخميس سألنى عن حسن ابننا وذكرت له انه سوف يأتي من امريكا فقال لى ضروري يجيب ابنه عشان اشوفه فقلت له يمكن مايقدر لانه جاى بسرعة. وقالت ثريا والله حياتنا كانت عادية وبعد الزواج دخل الاذاعة سنة 1957 واستقرينا في الخرطوم وسكنا فى الديم وبرى المحس والعمارات والشجرة والكلاكلة وانجبنا عبد الوهاب وحافظ وحسن ، ووردى كان رجلا كريما وانا وهو نشأنا فى بيت واحد مع جدتنا بعد وفاة والدته وانا والدتي كانت دائمة الاسفار مع والدي وكان وردي نعم الزوج والاخ والصديق وخانتها العبرات عند هذه الكلمات وواصلت البكاء. آمال زوجة ابنه مظفر: كان يحب الأطفال امال الشيخ زوجة مظفر ابن الفنان الراحل ، خريجة كلية الطب بجامعة العلوم الطبية قالت ان وردي تدهورت حالته فجأة يوم السبت بعد الثانية ظهرا وكانت مفاجأة حزينة لها لانه كان يحدثها كلما ذهبت اليه ويسألها عن كل الذين حضروا اليه وكان مهتما بكل التفاصيل التى تحدث حوله ، وقالت وردي يحب الاطفال جدا وسألني عن حال بنتى علوية التى اسميناها على زوجته وجدتها الراحلة علوية ، ووردى قبل ان يكون والد زوجى هو أبى وقد احببته كثيرا قبل ان اتزوج ابنه وقد عرفت مظفر من خلال حضورى لاحدى حفلات وردي ولم استطع ان اجلس امامه او اكل معه وكنت اراه مقدسا دائما رغم انه رجل متواضع ورغم حبى له الا ان هيبته كانت تمنعنى من ان اجلس امامه فى اى بروفة وادندن معه واليوم افتقدته كثيرا واشكر كل الذين واسونا في فقدنا الجلل. صهره :وردي كبير العائلة مدثر محمود رشيد صهر الفنان وردى، قال ان الراحل وردي تزوج اختي من مدني عام 1964 ومنذ تلك اللحظة نعتبره كبير العائلة وكان لى بمثابة الاخ والصديق ورافقته فى رحلته الى لوس انجلوس لغسيل الكلى ومن ثم الى الدوحة لتغيير الكلى ومنذ ايام زرته بالمستشفى وقال لي الحمد لله على ما اراد الله وصراحة كان يعاملنا مثل اخواته واكثر وانا كنت اعامل ابناءه كاولادي ولا افرق بين ابناء زوجتيه علوية شقيقتي وابناء ثريا وكلهم ابنائى وهذا بموجب الاحترام والثقة التى وضعها فينا وكان وردى يساعد كل الاهل والفقراء والمساكين خاصة الطلاب ويغني للاهل في الافراح وهو كريم جدا وكان يهمه استقرار السودان وحزن كثيرا لانفصال الجنوب وكان دائم الكلام عن الديمقراطية وكان سعيدا بظهوره الاخير في النيل الازرق لان القناة اراحته نفسيا وجددت فيه روح الامل . عزالدين صالح داؤد أحد اصدقائه المقربين يحتفظ عز الدين صالح بعلاقة ود قديم مع الراحل وردي وقال كنا نتبادل الزيارات اخيرا بين المعمورة وبحري وتحدثنا قبل ايام عن لقاء جمعه بالفنان ابراهيم عوض فى احدى المناسبات فى شندى عندما جاء لتلقى كورس تأهيلى وكيف ابدي له رغبته الشديدة فى الغناء ولكن ابراهيم عوض ذكر له ان الفن يحتاج الى مؤهلات ونفس طويل ووقتها كان الاختيار صعبا، ولكن وردى لم ييأس وذهب الى الوزير محمد نور الدين الذى كان من منطقتهم ليساعده في دخول الاذاعة ومن هنا بدأ مشواره الفني وغنى لكل الحكومات السابقة ويعيش ايام الاعتقال ابان حكومة الرئيس الراحل جعفر نميري وذكر لى ذات مرة ان حكومة نميري اخطأت عندما اعتقلته مع محجوب شريف وربطتهما مع بعض تحت سقف واحد وساعد ذلك في ميلاد اناشيد كثيرة واغنيات داخل المعتقل وحفلات مساء خميس، ويضيف عز الدين عندما يموت الاب يلقب الابن باسم والدته وكنا نناديه بمحمد بتول وكان واسع الصدر ولم يغضب عندما نقول له ياود بتول وكان كريما وخلال سفره ينزل ببيوت الاسر وليس بالفنادق ويحب الترابط الاجتماعى وكانت له علاقة قوية بحي السجانة وكان صديقا للفنان عثمان حسين ويزور حسن عطية فى الخرطوم 3 وبعدها سكن السجانة فاحبه اهلها واليوم كلهم حاضرون لوداعه ووردى لايمتلك سوى بيت الكلاكلة الذى يسكنه بعض اقاربه وبالتناوب بدون ايجار وبيته بالمعمورة ووردي حدثني كثيرا عن زواجه من بنت عمه ثريا صالح حسن والدة عبد الوهاب وزواجه من علوية عبد القادر لبيب الشلالية من حلة حمد وانجب منها جوليا ومظفر ، وكان وردي فى بداياته يعاني كثيرا لان اهله وعمومته يرفضون غناه ويحطمون الطمبور الذي يغني به، ولكنه احب المغامرة وكان صوته جميلا حتى عنما يتلو القرآن بالمدرسة وكان عابرو الطريق يصطفون خلف الجدران حتى يكمل تلاوته حبا فى صوته المميز ، وموته فقد عظيم للتراث السودانى والثقافة والفن وهو رجل افريقيا الاول و تخطى القبلية والقومية . محبو وردي يفتقدون الطير المهاجر المهندس محمد بكرى محمد أحد مؤسسي جمعية محبي وردي ابدي حزنه العميق لرحيل الامبراطور وقال انه عشق اغنياته منذ ان كان طالبا وظل يرتبط به ويتابع حفلاته مع اعضاء الجمعية في اي مكان، وقال محمد بكري فقدنا رجلا ثوريا حببنا فى الوطن والديمقراطية وحكي لي عن بداياته الفنية وقال انه كان معلما وقال له ناظر مدرسة بشندي دع الطبشيرة واذهب الخرطوم لانك موهوب وعمل بوصية الناظر وذهب للغناء. مرثية حواء الطقطاقة ياوردى شن اقول ياحارق القلوب مالك يا عظيم الرجال حين سمعوا اخبارك بى دموع الحزن بكوك لافكارك ولانك غيور للضعفاء تتدارك والوطن اتعدم من درة افكارك الليلة السودان صاحب العلم والادب والاحسان ولعبة المنون لعبت فينا ادوارها وتعزل وتشيل فينا اهم نوارة وردى ادفن فى الارض ادارى والتقابة انطفت بهجت انوارها .
---------------
في دائرة الضؤ:.لا كلمات إنها دموع... طارق شريف: (خلاص كبرتي وليك 19 سنة... عمر الزهور عمر الغرام، عمر المنى..) اغنية سمعتها اكثر من مرة في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا ووجدت المدينة تنام على صدى الاغنية المتميزة لوردي وقلت لنفسي (هذا حفل تكريم لفن بلادي وعظمة بلادي).! وردي كان مفخرة سودانية، كتب تاريخ الابداع السوداني بأغنياته كان في صوته الزعامة وفي حديثه الوسامة وفي حكايته الروعة والابداع. اذا كان المصريون يفخرون بأم كلثوم وعبدالوهاب، واللبنانيون بفيروز صوت لبنان الذي وحد بين طائفتين فنحن نفخر بوردي (مصنع الفرح السوداني). وردي ليس مجرد فنان موهوب حقق جماهيرية كبيرة، هو فنان لا يتكرر في قاموس الغناء السوداني... كان عنيداً منذ بداياته الاولى التي قابل فيها الفنان الذري ابراهيم عوض ونصحه بالتركيز على التدريس، ولكن وردي آثر السير في طريق الفن المفروش بالاشواك ... اخذ من اهله النبويين صدقهم وابداعهم ولكنه لم يكرس فنه لجهوية او قبلية بل كان فنانا لكل السودان. كان وردي صادقا في زمن اصبح فيه الصدق (ضحكة).. كان جريئا ومصادما وشجاعا لا يخشى في الحق لومة لائم. اجمل حواراتي الصحفية اجريتها مع وردي لأنه كان لا يتردد في اقواله ويعرف كيف يتحدث ومتى يصمت.. وانت تحاور وردي لا تحتاج لجهاز تسجيل لأنه لا يتراجع عن كلامه ويتحمل كل المسؤوليات التي تترتب على حديثه، ومن منا ينكر ان احاديث وردي كانت تمنح الساحة الفنية الالق كان ساخرا ويجيد صناعة النكتة بلا تكلف او ادعاء.. لا زالت اذكر تصريحاته عقب عودته للسودان بعد معارضة طويلة لحكم الانقاذ فعاد ووجد احتفاءً يليق به، فقال (ولله لو عارف الجبهجية بحبو الغناء كدة كنت جيت من زمان)..! لا اتصور الوسط الفني بلا وردي لأنه كان ملح الحياة الفنية، في اغنياته عطر الناس ومعاناتهم وافراحهم واحزانهم وانكساراتهم.. وردي امتزج بتاريخ وطن فغنى للوطن بعمق وفهم ونضج، وليس بهمة باردة وكلمات مصنوعة، كانت اكتوبريات وردي شامة على جبين الاغنية الوطنية، معه نفهم ان الاغنية وان بدت في ظاهرها وسيلة ترفيهية ولكنها في جوهرها ومخبرها تحمل كثيرا من القيم التي يقوم على اساسها المجتمع . كان وردي يجسد هذا الفن الراقي في غنائه ولهذا منح الفن قوة التأثير وكانت ابعاده متعددة البعد الفني والبعد السياسي والبعد الفكري والبعد الاجتماعي... لا زلت اذكر آخر مرة جلست مع وردي في حديقة منزله بالخرطوم كان يلبس الجلباب .. واضحا كالنهار (وما اظن النهار العين تدورو دليل) .. تجاعيد وجهه كأنها تتجسد فيها خارطة الوطن ودعني بابتسامة، واليوم اودعه بدموع، وهكذا الحياة تختلط فيها الدموع بالابتسامات، ويرحل عنا وردي ذات مساء تاركا فراغا عريضا في الساحة الفنية، وان القلب ليحزن وان العين لتدمع وانا لفراقك لمحزونون يا وردي ولكن لا نقول الا ما يرضي الله.. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يتغمد وردي بواسع رحمته ومغفرته، وان يلهم آله وذويه ومعجبيه وعارفي فضله الصبر الجميل ... رحل وردي ولكن يبقى الرحيق.
---------------- ملــفات
توقيعات ومشاهدات وإفادات من سرادق عزاء وردي وردي.. سيرة وسريرة ولد الفنان محمد وردي في سنة 1932 في بلدة صواردة وقد توفي والده وهو في السنة الأولى وأمه بتول بدري أيضا توفيت عندما بلغ التاسعة من عمره فقد تيتم في سن مبكر ة فشق طريقه فعمل استاذا في شندي وجاء الى الخرطوم وفي سنة 1958 كان ميلاد امبراطور جديد الهب السودان بفنه حتى بات فنان افريقيا الأول الفنان محمد عثمان حسن وردي ولد في (صواردة)، إحدى قرى شمال السودان وهي من أكبر عموديّات منطقة السّكوت التي تكوّن مع منطقة المحس ووادي حلفا (محافظة حلفا) التابعة لولاية دنقلا. ذاق مرارة اليتم منذ نعومة أظافره، ونشأ مشبّعاً بالانتماء للآخرين وتحمّل المسئولية منذ بواكير الصبا، من (تكم) الساقية إلى مهاجر العلم في (شندي)، ومن شندي ركب قطر السودان عائداً إلى حلفا معلّماً في (كتاتيب) السكّوت والمحس ينشر في ربوعها المعرفة والحكمة. ولمّا كان الرجل ينتمي إلى من وصفهم د. مكي سيد أحمد بالتميز وامتلاك عقلية موسيقية جبارة بالفطرة، فقد أكّد في أولى تجاربه في الغناء أنّه مشروع فنّان متميز، صوتاً وأداءاً وابتكاراً وخلقاً لكل جديد. برز نجمه في السّكوت وذاع صيته في وادي حلفا وحمل من أهل (دبيره) آلة العود. عطر صوته سماء الفن قرابة الخمسين عاما بأغانيه وألحانه الرائعة وبانتقائه أجمل الكلمات لشعراء كبار منهم رفيق دربه الشاعر اسماعيل حسن وايضا أمثال اسحاق الحلنقي و محجوب شريف ومحمد المكي ابراهيم وعمر الطيب الدوش وغيرهم من الشعراء الكبار ..
الخرطوم / وليد كمال / ولاء جعفر تصوير: عصام عمر لو لحظة من وسني تغسل عني حزني بعد ليلة مفجعة لم يغمض فيها جفن خيم فيها حزن عميق على ارجاء الوطن اثر اعلان نبأ وفاة الموسيقار محمد عثمان وردى بمشفى فضيل الطبى بالخرطوم، شيع المئات من السودانيين صباح امس فنان الشعب وصوت افريقيا الراحل الى مثواه الاخيربمقابر فاروق بالخرطوم تحفه الدعوات الصالحات واصداء الطير المهاجر والود، واصبح الصبح ونتفق او نختلف، سيظل وردى هراما شامخا ونيلا من الابداع المنهمر ابدا فى وجدان الامة رغم سرمدية الغياب فى سرادق العزاء بمنزل الراحل بضاحية المعمورة جنوب شرق الخرطوم، التقت كل اطياف السودان السياسى و الثقافى والاجتماعى والرياضى وحدها صوت وردى لاكثر من خمسة عقود افنى خلالها زهرة عمره على مسارح الفن الرصين والعمل الوطنى. نهار امس كنا هناك والجموع تعزى بعضها البعض وتحدثنا الى العديد من الشخصيات وخرجنا بهذه الحصيلة من الافادات .. تدافع النساء والرجال معا لوداع فنان افريقيا الأول فى مدخل صيوان العزاء التقينا باستاذ علم الصوت بكلية الدراما والموسيقى بجامعة السودان د/ عثمان مصطفى والذى ترحم على فقيد الامة السودانية محمد وردى، وقال ان وردى انسان وفنان متفرد لن يجود الزمان بمثله، وتدافع النساء والرجال والاطفال لوداعه وخيم الحزن فى كل القلوب والبيوت فورسماع نبأ رحيله واشار الى ان علاقته بالراحل تبدو مختلفة فقد كان وردى سببا فى دخوله للاذاعة فى عام 1965 لتسجيل اغنية مشتاقين، واضاف ان الراحل عرف بقوة الشخصية والتواضع، وتقدم الدكتور عثمان بخالص التعازى باسم الاتحاد العام للفنانين السودانيين واتحاد المهن الموسيقية والمسرحية للشعب السودانى واسرة الفقيد، وطالب الجهات الرسمية وصحيفة الصحافة بتبنى مشروع تخليد وردى بإطلاق اسمه على احد شوارع الخرطوم الرئيسة لانه يستحق ذلك . معجب كنا نغنى معه رمزية الاستقلال ويقول فتح الرحمن محمد ضرار احد المعجبين بفن وردى انه فنان شامل غنى لافريقيا وللوطن كان صوته ينبوعا للطرب كنا نغنى معه اليوم نرفع راية استقلالنا وعلاقتى به تشكلت من خلال الاستماع وهو فنان متكامل وصاحب تجربة متفردة فى التوزيع الموسيقى نالت اعجاب وثناء كبار الموسيقيين، ونعزى انفسنا واسرته فى الفقد الجلل. وأغنية واحدة تساوى عشر خطب سياسة ويقول الدكتور الشفيع خضر- الحزب الشيوعى - وصديق الراحل وردى الذى لازمه لسنوات فى قاهرة المعز واسمرة وكان شاهدا على ميلاد العديد من اغنيات وردى الخالدة، ان الراحل كان قيثارة وتساوى اغنية واحدة من اعماله عشرات الخطب السياسية من حيث التأثير. تغنى لجوبا وحلفا وتربع على عرش قلوب السودانيين رمزا للديمقراطية والسلام والوحدة، وكان ادارة ابداعية للتنوع فى اطار الوحدة والشعب السودانى لن يفرط فى عطاء هذا المبدع، وكان ضد فكرة انقسام السودان ومع الوطن الواحد وتمنى ان يكون وردى موجودا ليغنى اصبح الصبح بمعنى جديد، وقال الشفيع ان الفقيد اتصل به قبل ايام من مرضه مستفسرا عن صحة الاستاذ نقد وذكر ان المبدعين فى السودان مظاليم على المستوى الرسمى ويتمتعون بمحبة وانصاف الشعب، وتمنى ان يتطابق التقدير الرسمى والشعبى . عاش متواضعاً بين أهله يقول الاستاذ المربى شوق حمزة المقيم بسلطنة عمان والذى تربطه بالراحل محمد وردى علاقة النسب، هواية الاستماع للموسيقى لديه نشأت منذ الصغر بفضل اغنيات وردى الذى عمل استاذا بمدارس صواردة وفركه وسعد فنتى قبل ان ينتقل الى الدامر ومنها الى الخرطوم، ويصف وردى بالانسان المتواضع والاجتماعى، وكانت تلك الخاصية عاملا مهما فى نجاحه فنيا وتعلم العزف على آلة الطنبور منذ الصغر، وثابر على الغناء الى ان نال لقب فنان افريقيا الاول وسوف يكون لخبر وفاته اصداء فى عموم افريقيا والوطن العربى، واوضح شوقى بأنه حضر للسودان فور سماعه بمرض الاستاذ وردى واجل عودته بعد ان اكمل كافة اجراءات العودة اجل سفره نتيجة لشعورغامض . فنان لكل الأجيال لزمن جاي وزمن لسه وردى فنان لكل الاجيال، بهذه العبارة الفصيحة بدأ ابن اخت الراحل وردى سمؤال حسن عبد الماجد حديثه الينا وهو يغالب الحزن وتطفر من عينيه بين الحين والاخر دمعة تنزل بلا استذان فقد كان مقربا من خاله الراحل وبينهما الكثير من الذكريات ويجزم سمؤال بان وردى كان هدية كونية ويصلح غناؤه لكل الازمان زمن جاى وزمن لسه، ويصفه بالانسان المرح سريع النكته. تركنا السمؤال يغالب صمته ويحاول تجاوز اسوار احزانه وانتقلنا الى صلاح حسن داؤود ابن اخت الراحل والذى قال ان الفقيد افنى زهرة عمره فى ساحات الفن والعمل العام، وكان حريصا على زيارة مسقط رأسه فى صوارة كل عام، واخر تلك الزيارت كانت قبل اسبوعين من مرضه وساهمت اغنياته فى الحفاظ على اللغة النوبية وتوحيد الوجدان السودانى. وفى ذات السياق يضيف حسين سرالختم عبد الله ابن اخت الراحل ان وردى كان صاحب دور ايجابى فى دعم مختلف المشاريع بمنطقة صواردة واخر مشروع كان يشرف عليه هو تأهيل مدرسة صواردة، وهو بمثابة الاخ والاب والصديق لكل ابناء اهله . عبقريته في التمسك بالمبادئ الفنية وتحدثنا كذلك الى الاستاذ سيد احمد المحاضر بكلية الدراما والموسيقى بجامعة السودان والذى ترحم على روح الفقيد، وقال ان تجربته الفنية تمثل مشروع فنان متمسك بالمبادئى الفنية والتى لم يتخلَ عنها طوال حياته، ولم يتأثر اسلوبه فى العمل اللحنى والموسيقى بالمتغيرات فى العالم العربى وذلك جوهر الفنان الحقيقى نسأل الله ان يتقبله بواسع رحمته كان هرماً ونيلاً فى سرادق العزاء، تمازجت كل الفنون فى التعبيرعن أحزانها لفراق وردى اهل المسرح والدراما والموسيقى كان هناك الكومديان نبيل متوكل الذى قال لنا بالحرف الواحد اذا كان المصريون يفتخرون بالاهرامات فى الجيزة علينا نحن ان نفاخر العالم بالهرم الاكبر فى السودان الفنان الاستاذ الدكتور محمد وردى، الذى غنى قلت ارحل ورحل عنا بجسده ولكن اعماله ستظل خالدة اجيالا وراء اجيال؛ لانه وضع بصمة واضحة فى تاريخ الغناء السودانى له الرحمة والمغفرة و( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ويواصل الحديث عن مآثر وردى الفنان محمد عبدالرحيم قرنى، بالقول ان وردى يمثل حقبة مهمة فى تاريخ الفن والثقافة السودانية ورقما لا يمكن تجاوزه فنيا اثرى وجدان الامة طوال خمسين عاما من الكلمة الرصينة والاداء الراقى والتأليف الموسيقى المتقدم. كان نموذجا للفنان السودانى ذي القيم والافكار والاداء المتميز، وسيبقى محمد وردى فينا مابقى النيل . تلميذ وردي الذي درسه بمدرسة الديوم المايقوما فى عام 1959 صلاح دبورة، روى لنا عن تفاصيل علاقته بأستاذه الذى درسه الرياضيات واللغة العربية فى المدرسة، التى كان نائب المدير فيها الموسيقار، وقال ان وردى كان من اوائل الدراسين فى المعهد العالى للموسيقى الى جانب العندليب الراحل زيدان ابراهيم فى 1970، وهو ملحن مهول لحن عددا من الاغنيات منها ايامك لصلاح ابن البادية، ومشتاقين لعثمان مصطفى، ولحن رائعة الفيتورى اصبح الصبح فى ساعات، وقدم اغنيات طويلة وقصيرة وسوف تكون خالدة. له الرحمة والمغفرة والتعازى لكل الشعب . الجنوب يبكي وردي نعت كتلة الحركة الشعبية ببرلمان جنوب السودان، الموسيقار محمد وردي واعتبرت وفاته خسارة كبيرة، وقالت ان وفاة وردى تعتبر خسارة كبيرة باعتبار ان الراحل كان من الممكن ان يلعب دورا في الربط بين الدولتين، وقال القيادي البرلماني ببرلمان الجنوب اتيم قرنق لـ»الصحافة « ان وردى بالنسبة للجنوب كما نهر النيل الذي يربط بين الدولتين»، واضاف «ولكن فقدناه «.
وردي دفر كاسح نسف باب الغنا المسدود علينا رتاجو شهق سَمَع الزمان دهشة سمق حلّق لحق معراجو بشير عريان لي صاحب الوكت هشة نسج إكليل كساو تاجو معاك سكتت سوابح فوق وصوت البلبل الصداح صبح مخنوق معاك خلّت حنينها النوق معاك القمري خلّى القوق حَكَم مضمارك الشاهق على الطاير يكون مسبوق معاك وتر الكمان عِرف نفسو يحن للقوس يعربد نشوة من مسو وقيثار النشيد لبهاك رجع حِسو يغازل الناي يزيدو صبابة بي همسو سجد طبل النغم خاضع مراكبو معاك وين يرسو وراك تتألق الجوقة حضورك طلّ من فوقها خلوق راجياك وا شوقها كلِمتو الراقي منطوقها نغمتو الحالية بنضوقها حمامة اتقلدت طوقها موسيقتو العالية بي ذوقها خماسي سباعي ما بطيقها محال ينجرّ واسوقها دوام مطلوبة في سوقها ترِن في العَصَبة ملصوقة تبهّي تحلّي مربوقة وتبقى البهجة مطبوقة تكون السكرة والفوقة هَناك يا العازة بي وردي وعزاك يا العازة في وردي جناكي الجوهر الفردي د. عبد الرحمن الغالي أمدرمان 19 فبراير 2012
---------------------
الفنانون: وداعاً.. أمير الحسن «الصحافة» تقود نفيراً لتحقيقها بعد رحيله أمنية وردي التي لم تتحقق (آخر كلمات وردي) كانت في البرنامج الوثائقي الخاص الذي انتجته قناة النيل الأزرق من اعداد الصحفي محمد عكاشة حيث سافرت (النيل الأزرق) الى جزيرة صواردة حيث ولد وردي وتحدث فناننا الكبير قبل رحيله بأيام معدودات عن طفولته في صواردة وكيف شكلته هذه المنطقة وأثرت في موروثه الغنائي واللحني، واتكأ وردي على شاطئ الذكريات في صواردة وتحدث عن الأهل والاصدقاء وبدا وفياً لمدينته، وهو يقول انه سيزور صواردة في الايام المقبلة، وعندما نقلت الكاميرا مشاهد من المدرسة التي درس فيها وردي وهي آيلة للسقوط، قال وردي (لازم نبني هذه ا لمدرسة من جديد)، وألمح أنه سيقود نفيرا لبناء هذه المدرسة بنفسه، ولكن يد المنون كانت أسرع منه ورحل وردي ولم تتحقق أمنيته ببناء مدرسة صواردة. والآن بعد رحيله.. ومن باب الوفاء لوردي ومن باب الاسهام في عمله الوطني تدعو «الصحافة» كل المحبين لعمل الخير للمساهمة في بناء هذه المدرسة وتقود نفيرا لبناء هذا الصرح التعليمي بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة..
د. هاشم الجاز: وردي كان فناناً مبادراً الدكتور هاشم الجاز الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة والاعلام والسياحة بولاية الخرطوم، قال لـ«الصحافة» ان الساحة الفنية فقدت احد اعمدتها الفنية، برحيل وردي، واوضح الجاز ان وردي كان مبادرا وفنانا وطنيا من الطراز الاول يتقدم الصفوف في كل القضايا التي تهم الناس ومثال لذلك ان وردي ابان انقطاع الكهرباء في الثمانينات سافر مع المهندسين والعمال الى محطة الروصيرص وظل بينهم لايام حتى تم اصلاح العطل وعادت الكهرباء وعاد معها وردي .. ويضيف الجاز ان وردي استطاع ان يحقق نقلة نوعية في الاغنية السودانية وينقلها الى فضاءات جديدة خارج الحدود بعزمه واصراره، واختتم الدكتور هاشم الجاز افاداته (لاوراق الورد) بقوله : نعزي أسرة وردي والشعب السوداني في وفاته ونسأل الله عز وجل له الرحمة والمغفرة..
محجوب شريف ينتزع جهاز الأوكسجين ويسرع للمقابر لإلقاء النظرة الأخيرة على رفيق العمر موقف انساني كبير سطره الشاعر الكبير محجوب شريف الذي اصر على نزع جهاز الاوكسجين وغادر منزله مسرعا رغم نصيحة الاطباء له بعدم مغادرة المنزل وعندما وصل الي مقابر فاروق لم يستطع ان يغادر السيارة ، وقال لمقربون منه ان جاء لالقاء النظرة الاخيرة لجثمان رفيق العمر الفنان وردي ، ووجد موقف محجوب شريف صدى طيبا وسط اسرة وردي ومعجبيه الذين اكدوا ان هذا الموقف يشبه محجوب شريف الصديق الوفي للفنان محمد وردي والذي جمعته (عشرة عمر) مع وردي وعلاقة انسانية وابداعية اثرت الساحة الفنية.
أبو قطاطي من على سرير المرض: هذه الأغنية غيرت اتجاه وردي الشاعر المتميز محمد علي ابوقطاطي الذي قدم عددا كبير من الاغاني الجماهيرية لوردي مثل اقدّلي والمرسال وأمير الحسن، قال من على سرير المرض ان الفنان وردي كان يتأنى في تقديم الاغنيات ويختار كلماته بعناية والدليل على ذلك ان كثيرا من القصائد التي قدمها له لم تر النور حتى الآن رغم انه يعلم ان وردي لحنها بالقاهرة، واضاف ابو قطاطي ان اولى الاغنيات التي قدمها لوردي كانت عن (المك ناصر) وهي اغنية غيرت اتجاه وردي الذي كان يغني في بداياته الفنية الاغنيات النوبية ولكن اغنية المك ناصر كانت لونية جديدة لم يألفها الناس في بدايات وردي ... اضافت الكثير لمسيرته ، وعبر ابوقطاطي عن حزنه لرحيل الفنان وردي وقال انه فقد جلل للوطن..
أثر رحيل وردي المفاجئ حالة طوارئ بقناة النيل الأزرق في خطوة وجدت الاستحسان من جمهور المشاهدين، قامت قناة النيل الأزرق بتغيير البرمجة مجرد وصول الانباء عن رحيل الفنان وردي ، وتحول برنامج (مافي مشكلة) الى صيوان عزاء عن الفنان وردي ووفقت المذيعة سهام عمر في المواكبة، وغالبت احزانها وقدمت برنامجا على الهواء مباشرة عن رحيل وردي من اخراج المخرج المتميز مجدي عوض صديق. وكانت النيل الأزرق قد نقلت آخر حفل غنائي لوردي من صالة (بركة الملوك). وقال «للصحافة» مدير البرامج بقناة النيل الأزرق الشفيع عبد العزيز ، ان تحويل البرمجة كان لابد منه لان وردي فنان يستحق ذلك، وأوضح الشفيع ان الفنان وردي ربطته علاقة خاصة بقناة النيل الأزرق. وكان يخصها بتسجيل كل حفلاته الغنائية وكان في آخر حفلاته ورغم الارهاق الذي يبدو عليه الا ان صوته لم يشخ وكان في قوته المعهودة. واضاف ان وردي كان طاقة غير عادية فرغم المرض الا انه ظل حتى آخر ايامه يواصل نشاطه بنفس الحماس القديم. وكانت قناة النيل الأزرق أول قناة تنقل خبر رحيل وردي، وفور تلقيها الخبر كانت هناك حالة طوارئ في القناة. وقاد الأستاذ حسن فضل المولى المدير العام للقناة والأستاذ الشفيع عبد العزيز العمل ووقفا على كل التفاصيل وكان هناك فريق من القناة في منزل وردي في المساء وفي المقابر الصباح وظل يعمل باستمرار وقاد هذا الفريق المنتج أمير أحمد السيد.. ورغم ان العمل كان على الهواء وفي حالة طوارئ الا ان الأخطاء كانت طفيفة وهذا يدل على الروح الاحترافية.
الصحافة 20/2/22012
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
افق بعيد
وداعا يا حبيبنا
فيصل محمد صالح [email protected]
اللّيلة ما وشوش نسيم في الروض وما غرد مسا، اللّيلة ما سافر عبير في الطيب يغازل نرجسة، اللّيلة يا حبي الكبير في حرقة لافيني الأسى
يا لها من ليلة، ويا له من وجع، وكأن الخرطوم لم تشهد سوادا مثل هذا من قبل. لسنا حديثي العهد بالأسى والحزن والمواجع، وليست هي جديدة علينا، لكنه لم يكن حزنا كسابقاته، ولا الجرح والوجع ذاته. نام السودان كله مترملا، فقد مات محمد وردي، فنان عام عموم السودان، بحق وحقيقة.
للفنانين مكانة كبيرة في قلوبنا، لكن لم يكن محمد وردي مجرد فنان، بل هو رمز ومعنى وطني وإنساني كبير، ولو جاز تلخيص الوطن في شخوص لكن محمد عثمان حسن وردي من أحق الناس بتلخيص فيمة ورمزية ومعنى الوطن. ظل وردي يمثل رمزا وقيمة شامخة على مدى ستة عقود، اختلف السودانيون أحزابا وشيعا وطوائفا واتجاهات وقبائل، لكنه كان من الرموز القليلة التي لم يختلف حولها الناس، وهوت إليه أفئدة الناس شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وهو شموخ لم يبلغ قدره السياسيون والحكام والزعماء.
كان محمد وردي قدرنا الذي أحببناه، تلمسنا آيات العشق الأولى على نغمات أغانيه، وخرجت الأحاسيس العذراء من بين نثيث عطر موسيقاه لتدخل مباشرة في قلوبنا، أحببنا وخاصمنا وتلوعنا وسهرنا الليالي على صدى "المستحيل" و"لو بهمسة" وكتبنا لحبيباتنا في الرسائل "توعدنا وتبخل بالصورة" والتمسنا لانفسنا الأعذار حين الخيبات الكبرى في كلمات "أنا استاهل الوضعتك في مكانا ما مكانك" "وحلفتك يا قلبي"، ونمنا قريري العين سعيدين بهذا الانتقام الوهمي، وكأننا استعدنا بعض كرامتنا المهدرة.
كبرنا وكبرت أحزاننا ونضجنا على صوته الفخيم، تعقدت حياتنا وأحلامنا وأمانينا وصورة الدنيا في أعيننا، وناسبتها "الود" و"بناديها" و"جميلة ومستحيلة" و"قلت أرحل". التقت الحبيبة بالوطن والثورة حين تفجر وعينا على وقع "لو لحظة من وسن" و"يا شعبا لهبك ثوريتك" و"ونغني لك يا وطني كما غنى الخليل". ظل وردي رفيقنا الدائم في أفراحنا وأحزاننا، في لحظات النصر والفخار يغني لنا كما لم يغني أحد من قبل "ما لان فرسان لنا..بل فر جمع الطاغية، ويتغزل في الوطن كما الحبيبة "هام ذاك النهر يستلهم حسنا، فإذا عبر بلادي ماتمنى، طرب النيل لديها فتثنى"، وكان رفيقنا في لحظات العجز والانكسار والهزيمة، يرفع معنوياتنا ويذكرنا بالماضي الذي كان "أروي يا تاريخ أمجاد لنا، عبد اللطيف وصحبه"...ويزرع الامل بالفرح القادم "حنبنيه البنحلم بيه يوماتي".
مثل وردي لا ينعى عند رحيله بشريط أسفل الشاشة في برنامج ملئ بالثرثرة والكلام غير المفيد، لمثل وردي يقطع الإرسال ويعلن الحداد وتنكس الأعلام وتتوشح المدن بالسواد. لمثل وردي تنوح النائحات وتثكل الثاكلات وتعدد المعددات "حليلو المافي زيو مثيل، حليلو الخيرو زي النيل، منو الغنالنا في أفراحنا في أتراحنا ...بلاهو منو البقالنا دليل... منو الشق العتامير ليل " . وداعا يا حبيبنا...
-----------------
اعلانات قوقل
قراءة تانية
وأضحى خطبنا .. جللا
السر قدور
لقد فقد السودان برحيل الفنان العملاق محمد وردي ركيزة من ركائز الإبداع الفني وعلماً من اعلام الوطنية قل ان يجود الزمان بمثله .. لقد ظل وردي لما يزيد على نصف قرن يتربع بقدراته وابداعه وموهبته الفذة على قمة الفن السوداني وسفيرا له في افريقيا والعالم. لقد كان وردي احد العبقريات في التأليف الموسيقي وفي الاداء بل هو صاحب المدرسة الفنية التي سيطرت على الغناء السوداني طوال نصف القرن الماضي ويعتبر ظهوره نقطة تحول جوهرية في مسيرة الغناء والتلحين .. لقد وصف إبراهيم الكاشف محمد وردي بأنه أستاذ مدرسة الغناء الحديث .. ان محمد وردي هو الفنان الذي كان ينافس ألحانه بألحانه تجديدا وإبداعا.
وقد ظل وردي فنانا وطنيا شديد الارتباط بقضايا الوطن وإنسان الوطن وقد بدأ وردي رحلة الفن بالغناء الوطني ذلك عندما ألف نشيدا ولحنه وقدمه مع طلبته في احدى مدارس منطقة حلفا صبيحة يوم الاستقلال عام 1956 وظل بعد ذلك على امتداد عمره الملء بالابداع يواصل العطاء في مجال الغناء الوطني الرفيع. وظل وردي فنانا مبدعا وشخصية قيادية في كل مناشط المجتمع والحياة السودانية وكان يؤمن إيمانا راسخا بأن الفن هو رسالة وطنية تهدف الى خدمة المجتمع ورقيه.
ومحمد وردي هو اول من سعى الى تجديد الغناء السوداني عندما قدم التجربة الرائدة في اغنية ( الود ) التي وزعها الموسيقار الايطالي اندريه رايدر الذي كان يوزع اغنيات محمد عبد الوهاب. وعاش وردي فنان السودان وافريقيا حريصا حتى آخر لحظات حياته على تقديم الفن الرفيع نصا ولحنا. ان العصر الغنائي الذي عشناه خلال نصف القرن الماضي هو بلا شك عصر محمد وردي وسيستمر هذا العصر الى اجيال لاحقة بما ابدع هذا الفنان من فن صادق وأصيل. نعم لقد فقد الوطن أحد ركائز فنه واحد اعلام الثقافة الوطنية. العزاء لأسرته ولأصدقائه ولزملائه من أهل الفن والعزاء لكل أهل السودان .. وأختم بقول المحجوب وهو ينعي مبارك زروق : ما كل جرح اذا عالجته اندملا عز العزاء وأضحى خطبنا جللا رحم الله فقيد الوطن الفنان الكبير محمد وردي الذي سيظل. ...
---------------------
اعلانات قوقل
السودان بدون وردى!!
تاج السر حسين [email protected]
هى ناقصه ؟ رحمه الله (المعلم) محمد عثمان وردى .. وغفر له واسكنه فسيح جناته بقدرما أطربنا وأشجانا وشحذ هممنا وحرضنا على النضال والثوره والتغيير منذ زمن بعيد .. وبقدر عشقه لوطنه الذى غنى له (شعبك با بلادى أقوى وأكبر ما كان العدو يتصور) وبقدر ما عمل على توحيده بالرأى وبالأغنيات وبشتى الطرق .. لكن كانت ارادة الله غالبه ونافذه، ففقدنا (وردى) وفقدنا من قبله (الجنوب) الذى غنى فى غاباته. وحينما نقل لى من كنت أجالسه مساء الأمس فى نبرة حزن نبأ رحيل (وردى) ، لم اصدقه فى البدايه وظننتها اشاعة مثل التى تردد كثيرا عن رحيل أحد الفنانين السودانيين وتنشر فى المواقع خاصة فى الآونة الأخيره وسرعان ما تنفى ويتضح انها مجرد أشاعه.
على الرغم من أن وردى ليس صغيرا وتخطى السبعين سنه ولا يوجد أنسان عزيز أو غال على خالقه، لكن (وردى) هرم من اهرامات السودان ولا يستطيع الأنسان السودانى أن يتخيل وطنه بدون وردى مثلما لا يمكن أن يتخيله بدون جريان (نهر النيل) الذى يهبه الحياة والشعور بالأطمئنان ، فوردى كذلك يهبه الأحساس بالجمال وبالأمل فى المستقبل وبأن (الوحده) لا زالت ممكنه فى زمن (الأنفصال)!
فى عام 1981 سافرت فى زياره الى السويد والدنمارك، وأعجبت بتلكما البلدين الجميلين ايما أعجاب وكان بأمكانى أن ابقى فى الدوله الآخيره، لكننى وبعد (جلسه) تفاكر مع النفس، منعتنى من البقاء، اسباب عديده، كانت بخلاف الروابط التقليديه التى تشد كل الناس الى أوطانهم مثل الأم والأب و(الحبيبه) التى لا زلت (افتش ليها فى التاريخ .. وأسأل عنها الأجداد)، كانت هنالك اسباب اضافيه أخرى منها أم درمان والهلال .. ومحمد وردى، وقلت فى نفسى أن تمسع وردى يغنى (أعز الناس) أو (أمير الحسن) أو (يا نسمه) .. أو (عصافير الخريف) .. أو .. فهذا بالدنيا كلها.
ووردى .. معلم سودانى (هام) بايجابيته الكثيره وصلابته والقضايا الفكريه والسياسيه التى يؤمن بها، ووردى (معلم) سودانى هام بأنسانيته ووقفاته الشخصيه والماديه الى جانب رفاقه والتى لم يسمع يوما يتحدث بها ولا يرضى أن يتحدث عنها من يعرفونها امامه ، وهى على عكس ما يشيع البعض عنه، وعلى الرغم أن وردى – كشئ طبيعى - لا يفكر فى دعوته للمشاركه فى أفراحه ومناسباته الخاص غير (المقتدرين) وميسورى الحال، لكنه ما كان يتأخر من (مجاملة) أحد البسطاء بدون مقابل بل تكون المبادرة منه جانبه فى بعض الأوقات. ووردى (معلم) سودانى هام حتى فى اخطائه (كأنسان) و(غلطاته عندنا مغفوره) طالما هو الآن بين يدى ربه وهذا مما تعلمناه من ثقافتنا السودانيه التى ساهم فيها وردى وغيره من مفكرين ومثقفين وكتاب وفنانين ومبدعين. ومن عجب أن وردى المعتز (بنوبيته) ولغته (النوبيه)، يلقب بفنان (افريقيا الأول) وهو يغنى (بالعربيه)، وأغنياته يؤديها فنانون من دول أخرى فيحصدون بها الجوائز فى المسابقات العالميه مثل الفنان المصرى ( محمد منير) فى باريس مع (فرحى خلق الله) أو (وسط الدائره).
ووردى .. هو أول مبدع وضع الفن السودانى فى مكانته وأنتزع للفنان الأحترام والتقدير الذى يستحقه، وجعل صفة (صعلوق) التى كان يوصف بها المغنى أو الشاعر السودانى تختفى تماما، على العكس من ذلك، فأغنيات وردى العاطفيه والوطنيه كانت قادرة على تحريك الشارع وعلى اشعال ثوره أو انتفاضه.
ووردى .. ظل دائما متابعا ومتأثرا ومنفعلا بالأحداث الوطنيه وله رصيد هائل من اغنيات الثوره خاصة بعد انتفاضة (ابريل) التى مهد لها بجولة فنيه فى عديد من الدول، وفى أثيوبيا ضاق ملعب كرة القدم بالجماهير الأثيوبيه والسودانيه التى تسابقت لمشاهدته والأستماع اليه يغنى (يا بلدى يا حبوب) مثلما ضاق ملعب (كرة اليد) فى نادى الشباب بدبى بالسودانيين وغيرهم من افارقه لكى يستمعوا له يغنى (للحنينه السكره)، وحينما بدأ يغنى فى (هرجيسيا) عاصمة ارض الصومال خلعت النساء (عقود) الذهب والغوائش ورمينا بهن له تعبيرا عن تقديرهن وتكريمهن له. وحينما سمع (وردى) عن المشهد البطولى للأستاذ (محمود محمود طه) الذى أستشهد مبتسما على مقصلة الفداء، غنى له (يا شعبا تسامى يا هذا الهمام). مرة أخرى رحم الله محمد وردى وغفر له وأسكنه فسيح جناته
--------------------- عزيزي محمد وردي.. كل الود..!ا رقية وراق
أكتب الان عما ظلت الكتابة عنه تبدو لي شديدة الصعوبة كل الوقت. هل يمكن لي أن اصف علاقتي مع صوت وردي على الورق؟.. تلك ظلت منطقة تحد لم اعبرها حتى الان... استمع الى صوت وردي في اغنية (الود( وأشعر أن روحي تنغسل وينجلي عنها كل الغبار.. أشف و أطير خفيفة الى فضاءات لم يسبر غورها انسان، ولو كان بمقدوري أن أوزع (الود) مثل الهواء للناس جميعا" لتملأهم بما تملؤني به لفعلت
:أعبر الان الى هذا الشاطئ من شطََآن الود
صحيح انو الزمن غلاب لكن انحن عشناه ومشينا على عذاب وعذاب وعذاب دروبنا تتوه ونحن نتوه ونفتح للامل أبوب
وأرتفع الى قمم أمالي مطمئنة للوعد الذي يقطعه صوت وردي القوي الواثق بامكانية فتحنا لهذه الابواب ولو استعصت
وخوفي عليك يمنعني وطول الالفة والعشرة
وأتجاوب هنا مع علاقة حب رهيفة تتكون لغتها اليومية من مفردات الراحل المقيم (عمر الدوش) الحميمة، وكم هو جميل الخوف على الحبيب أو الحبيبة خلال العلاقة الانسانية ولكن دون أن يتحول ذلك الى ثقل القيد والامتلاك كما لا أشعر في مناخ المقطع الرقيق
أهداني شريط الود شقيقي خلال اجازة قصيرة قضيتها مع أهلي زودوني خلالها بما يمكن أن يساعدني على تحمل الابتعاد عنهم، ولفترة طويلة كان استماعي لهذا الشريط صعبا" خصوصا" في حالة الوحدة، فقد أستمعت اليه لأول مرة بعد أنقطاع سنوات طويلة مع شقيقاتي والوقت قبيل .مغيب وظننتني سأجن
استمعت الى صوت وردي خلال ( الود) وكأنني أعيد اكتشافه في دورتي الدموية . كمجذوب في ساحة المولد كنت أو كامرأة سودانية اتخذت من الزار حلقة وجد أكملت فيها بعنف التفاعل كل جمل الكلام والجسدالمبتورة . كنت أردد لشقيقاتي بذهول: كيف فرطت في الاستماع الى هذه الاغنية كل تلك السنوات؟ أحسست الموسيقى تتخلل مسام جسدي جميعا" وسط ذلك الدفء الاخوي وقد تبقت أيام فقط على أنتهاء اجازتي، تمددت الاغنية في أثير الغرفة وكأنها جزء متموج من زمن له طعم الجذور والدموع .. وشيئا" فشيئا" بدأنا جميعا" في بكاء صامت ثم ما لبثت الدموع التي جاهدت كل منا في اخفائها أن تحولت الى نشيج اسري صاحب الموسيقى . اختنقنا بالعبرات ولم ينقطع حبل الود .. بكيت يالقدال (قدر ما الله اداني*) . بكاء وتفاعل مع الاغنية جذبني من سريري لاحضن ارض الغرفة وكأنني أقبل كل أهلي وكل ما يشكل ملامح الوطن عندي. انتهت الاغنية مخلفة بيننا صمتا" يشبه صمت أجواء المعابد و كانت اللحظات تتحول الى عبرات ذكرى حارقة في حلق الزمن الاتي بعد السفر . كنا نتفاعل مع الاغنية ونحن نبكي (الغزرة واللمة) واجتماع الشمل ، فقد انفرطت عقود الاسر السودانية وتفرقت الحبات في .أرجاء الدنيا الواسعة عندما انشد وتشدد خيط الوطن
:أدير الشريط من جديد وأستمع وحيدة ويخترقني هذا المقطع
وهسع رحنا نتوجع نعيد بالحسرة نتأسف نتأسف على الماضي اللي ما برجع على الفرقة الزمانها طويل
ومن جديد اشتاق .. اشتاق الى صديقات وأصدقاء دراستي بالسودان وأتذكرهم واحدة واحدا" .. أشتاق الى أجواء صداقاتهم الحبيبة وأحس مسافة الابتعاد بامتدادها الشاسع خلال الغناء
تحررني موسيقى (الود) من كل الهموم اليومية وتدعوني الى أن اقدم أفضل ماعندي انسانيا" الى العالم الرحب . تذكرني موسيقى (الود) أن الابداع هو هواء روحي وماء قلبي .. يذكرني صوت وردي أن أكون ذاتي الحقيقية أبدا" وأحسني ممتلئة بالثقة في عالم نحتاج فيه الى .الوقوف على اقدامنا بثبات على ارضه
تلفني (الود) بأجواء حنان متداخل ... حنان حقيقي كأنه قادم من عيني أمي ، أشفى من المحزن والمزعج والمخيف، ثم أحسني مصدرا" لذات الحنان وكأنني ما عدت الا رحما" وصدرا" حانيا" . أشفى من غلظة .البشر وقسوتهم ولا أعود الا قلبا" متسامحا"
أدير ألاغنية من جديد وأنا أتأمل صورة وردي على غلاف علبة الشريط ... طويلا" شامخا" كأنما احتمال ان يكون قصيرا" ماخطر للحياة ببال، اتأمل القامة المتوشحة بالزي السوداني الناصع البياض وكلمة (الود) مكتوبة على القلب كما أراد مصمم الغلاف ولو شاء لكتبها على قلبي أيضا" . أتأمل الابتسامة الواثقة والقامة التي تشبه قامات التماثيل التاريخية النوبية العظيمة، وأدعو من الفضاءات التي أسبح فيها عبر صوتك يا وردي ، أدعو كل خضرة الكون .الرطيبة أن تعطي حديقة قلبك الخضراء أصلا"، المزيد
هل يمكن وصف الصوت الانساني في اللغة بالأناقة؟ كم هو أنيق صوت وردي. هكذا احسه انيقا" راقيا" فاخرا" ، واعجب لشجاعة من حاولوا .تقليده
هل يمكن أن يكون للصوت لون ورائحة؟ كيف لا وأنا أغرق في عمق اللون في لوحة .الود البنفسجية وعبير وردتها يغرق المكان
يذكرني صوت وردي بأن العطاء شرط الابداع وأن التواصل ممكن رغم تشتت ناس السودان، وأشعر كم أننا محظوظون أن تفتحت اذاننا على عظمة هذا الصوت الماجد البهاء
ظل حبي لصوت وردي من ثوابت قناعات حياتي وجزءأ من ثقتي في سلامة الذوق وأنا صغيرة . يسألني شقيقي الاكبر وأنا طفلة عمن يكون فناني المفضل، فأجيب بثقة الكبار : محمد وردي طبعا" ، فيرد هو بحماس : يا سلام عليك!. كنت منذ صغري أحرص على لقاءات وردي الاذاعية والتلفزيونية وأذكر أنه قد قال خلال لقاء اذاعي أنه كان يصر على اعادة النظر والتبديل في توزيع موسيقى الود لتناسب الاذن السودانية حتى أغضب اصراره (اندريه رايدر)الموسيقار اليوناني الذي وزع موسيقى الاغنية. طوبى ياوردي، فقد ناسب توزيع رايدر وكلام الدوش وصوتك الاذن السودانيه في (الود) مثلما يناسب الانف الشذا والعين الضوء ، .ومثلما يناسب الكف لمس الحنة عشية أحتفال بهيج
تلهبني المقدمة الموسيقية الملحمية (للود) بروح من الحماس فكأنني على اهبة الاستعداد للاشتراك في ثورة عظيمة تطيح بحاكم ظالم ثم ما :ألبث أن اسقط فورا" في رقة الغناء
أعيشا معاك معاك ..لو تعرف دموع البهجة والافراح
كيف يستطيع صوت وردي أن يبدا قويا" قاطعا" يبهر الانفاس، ثم يعود رقيقا" يؤرجح الاكتاف بالرقص المتناغم؟
كم مر من الوقت وأنا أستعيد شريط الود وأعيد اكتشاف نغمة أو كلمة جديدة، درجة فرح أو حب أو وجع في صوت وردي لم أكتشفها من قبل. أذوب طربا" في أصداء اللغة النوبية الأم على صوت وردي وتعجبني :طريقته في تضخيم حرف الراء
وفي عينينا كان يكبر حنانا زاد وفات الحد
:وكذلك في
زمان ماعشنا في غربة ولا قاسينا نتوحد وهسع رحنا نتوجع
:وياصوت وردي كم أحبك.. لا الزمن حولني عن حبك .. ولا الحسرة
انتهت الود ولم أدر الشريط هذه المرة .. قررت الخروج الى الشارع والحياة العريضة بزادي .. أؤدي واجبات اليوم جميعا" ولا أنسى مطالب الروح .. استنشق الهواء الرطب وكأنني أشكر كل ذرة أوكسجين تهديها الحياة الى رئتي .. أحس وجودي عميقا" وحقيقيا" كأنني ألامس كل خلية في جسدي وكل كرية دم. اشعر بقيمة الجمال تزداد نصاعة في داخلي .. أشعر ببداية امساكي بخيوط عوالمي الماضية من جديد . أحس وجود كل .ورقة شجر صغيرة وكل قطرة ماء
أعبر الممر الاسمنتي من باب البناية التي أسكنها الى موقف السيارات الخلفي وكأنني في موكب عرس .. أعد نفسي بالانحياز للحلم والامل ولو .عز ذلك
أنظر الى الافق اللا محدود وأشعر بصفاء كصفاء النيل يغطيه، وفي قلب هذا الصفاء أرى الهة الحب والفن والجمال تمد أيديها الرقيقة نحوي :وتقودني بحنان وهي تقول
· مرحبا" أيتها الابنة العائدة · الف مجد أيها الفنان العظيم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
!
كمال كيلا: تعلمنا منه حب الوطن..
السر السيد: ذاكرة جمالية ذات أبعاد فكرية وسياسية
محمد نور الدين: أغنياته عندها موقف فكري وآيديولويجة بتعبِّر عنها
الخطيب الشفيع: رائد من رواد التجديد في الأغنية الحديثة!
استطلاع: عادل كلر
تصوير: ساري أحمد العوض
ولأن (العمر زادت غلاوتو معاك) يأبى الزمان وأن يصحالنا، لمرةٍ، كيما نجيئك عابرين فراسخ الدمع، وفؤاد حرقته يد (الفرقة والتجريح).. فإسمك كم تغنَّت الأرض، وكم إشتعلت حقول قمح الأمنيات، بالوعد الوقف ما زادْ! محمد عثمان وردي.. أو خمسون عاماً من التبتل في محراب حب ربوع الوطن، حيث رقاع تشمل الجميع (عرباً ونوبا) أحفاد ألماظ البطل والقرشي الشهيد، حملنا بعضاً من (الحزن القومي) سؤالاً خجولاً على فئات مختلفة من المبدعين، عن “النوبي الصميم” و(آخر الفراعنة العظام)، فإستجابوا على مضض من الأسى، وكانت هذي الحصيلة..
سفير الثقافة النوبية:
بصوتٍ متهدج ومتأثِّر، قال فنان الجاز كمال كيلا أن وردي فقد عظيم للسودان فقد كان فناناً عملاقاً تغنى للسودان الحبيب ولاستقلاله وللحريات ولكل شيءٍ جميلٍ فيه، مضيفاً بأنه ضمن جيل تعلَّم من وردي حب الوطن عبر أغنياته الخالدة خلود النيل، وهو صاحب القدح المعلَّى في معترك إرساء القيم لهذه البلاد، وقد أفنى روحه من أجل البلاد، وكان شجاعاً لا يخاف في الحق إلا الله، معتبراً بأنها بعضٌ من سمات تكفل لوردي الخلود أبداً بيننا. وقال كيلا لـ(الميدان) أن الراحل على المستوى الفني قد أتى وافداً للثقافة النوبية من أقصى الشمال، كمثقف حامل لتراثه بمعناه الكلي، وبذلك أستطاع فرض نفسه على الساحة الفنية بـ”الربابة” والإيقاعات الساحرة والتراث النوبي الأصيل.. “القمر بوبا” و”نور العين”، كما تناول أغنية الوسط والحقيبة وأضاف لها جديد الألحان، مشيراً لإستفادة الراحل من مزج غناء الوسط والحقيبة بتراثه النوبي والشمالي، مما فتح الباب أمام أجيال جديدة زكي عبد الكريم وإدريس إبراهيم، حيث أثروا إذاعة السودان بأعمالهم، وأضاف بأن وردي يبقى فنان السودان الأول بتحركه عبر كافة إيقاعات الثقافات السودانية.
سادن الفكر والجمال:
بدوره قال الشاعر عبد الله شابو بأن يذكر مجيء وردي إلى تجمع الفنانين والكتاب التقدميين (أبادماك) رفقة محمد الأمين، مبيناً بأن الراحل كان شعلة من النشاط ولصيقاً بالناس، وصديقاً للشعراء والكتاب على عبد القيوم ومبارك بشير وعلى الوراق وكثيراً ما كان يدعوهم إلى بيته ويناقش أشعارهم ويتغنَّى بها، كما رافق عبد الله على إبراهيم وعثمان خالد.
ويرجع الناقد والمسرحي السر السيد ذكرياته مع وردي إلى فترة مبكرة جداً من حياته، حيث قال بأنه تعرَّف عليه منذ أن عرف التعامل مع فن الغناء، كأحد الفنانين الأساسيين، وربما للإهتمام بالثقافة والسياسة كان يرى السر السيد بأن وردي (معبِّر) عن تلك الرؤى والأخيلة التي يتبناها، مضيفاً بأن وردي بزَّ الآخرين بحساسيته المختلفة في انتقاء الشعر والمضامين، وقال بأن ذاكرته مع وردي هي الذاكرة الجمالية ذات الأبعاد الفكرية والثقافية والسياسية، وأشار إلى أن التعاطي مع هذه الذاكرة يحيل بدوره إلى سؤال مهم، وهو أن وردي أحد رواد التنوير وبنية من البنيات الأساسية للوجدان السوداني، مضيفاً بأننا إذا تحدثنا عن سياسيين ومفكرين من قبيل بابكر بدري، فإن وردي يجيء من موقع الغناء وصناعة الوجدان أحد بنيات هذا الوجدان، ضمن كثيرين يمكن أن يكونوا قد ساهموا في صياغة الوجدان لكن الراحل وبتقاطعاته الجذرية في مشروع الغناء ذات الأبعاد الفكرية والثقافية. مضيفاً بأن هنالك جانباً لا يقل أهمية في مسيرة الفقيد، وهي شخصية الفنان العالمي المتخطي للحدود، وهو الشاهد على العصر ككل في الزمن الراهن، بتماساته التي تحققت مع ناظم حكمت وغيره، وررد السيد بأن وردي صاحب ثقافة ذات أبعاد كونية أثَّرت على مسار التغيير في العالم أجمع.
إمبراطور الوجدان السوداني:
ويعود المسرحي وخبير مسرح العرائس محمد نور الدين بذكرياته القهقرى مسترجعاً ذكريات الطفولة، وقال أن (القمر بوبا) كانت من أغاني “رقيص العروس” كما يذكر عن سنوات الطفولة، مضيفاً بأنه تعرف على أغنيات وردي في المرحلة المتوسطة وعقب الإنتفاضة حيث كان يبث أثير الراديو أغنياته، ومنها إستمرت العلاقة مع درر (الفرعون)، ويضيف نور الدينم بأن وردي يجيء بعد الكاشف تماماً في الجانب الموسيقي، حيث إهتم ومبكراً بالمقدمة الموسيقية الطويلة، وأوضح بأنها ربما كانت لتأثير الموسيقى المصرية (كوكب أم كلثوم) غير أن السودانيين لم يعرفوا هذا الضرب إلا لدى الكاشف. وجاء بعدها إهتمامه بالأغنية الوطنية، معتبراً بأن الفترة التي سبقت وردي كانت تضم أغنيات وأعمال وطنية غاية في البراعة لكن وردي هو الذي أضاف الجديد من الغناء الثوري إلى مكتبة الأغنيات الوطنية، معتبراً أن أغنياته الوطنية كانت أغنيات “عندها موقف فكري وآيديولويجة بتعبِّر عنها”، وقال أن محمد الأمين يشاركه في هذه الريادة، وهو الأمر الذي فتح الباب من بعد لأجيال مصطفى سيد أحمد وأبو عركي البخيت، وردد: “وردي هو عرَّاب هذا الجيل الجديد”..
الفنان الشاب عضو فرقة (راي) الخطيب الشفيع أشار إلى أن الفقيد قدم عطاءاً ثـرَّاً للسودان، وهو رائد من رواد التجديد في الأغنية الحديثة، وحتى أخر تسجيل له في حياته كان حريصاً على تقديم إنتاج وألحان جديدة، مضيفاً بأن ألحانه صاغت وجدان الناس، مؤكداً على أن معين الراجل في تجديد الألحان والتوزيع وتذوق النصوص لم ينضب، معتبراً أن إرثه سيظل محفوراً في تاريخ الأمة السودانية وسيسكن قلوب الناس ما حييت، فهو صاحب مساهمة مليئة بالنضال والوطنية والأحاسيس المترعة بمشاعر وعواطف العمال والمزارعين والمستضعفين، فهو عطاءٌ باقٍ، وثابتْ..
ومات المغني!
تعليق سياسي: ابراهيم وعادل
نعم! كان وردي أغنية ترفض أن تكبُر..
شيَّعه الآلاف من محبيه ومعجبيه، كان الأجيال كافةً هنالك شيباً وشباباً ونساءاً وأطفالاً، حتى، فوردي هو ذلك المزيج السوداني المعتق الذي نشأت عليه أجيال وأجيال، ونهضت من تحت عباءته مسيرة تحديث الأغنية المعاصرة، بما أدخله فيها من تعددية لحنية ومقدرات صوتية وتطريبية لا تضاهيها إلا مقدراته الفذة على التوزيع الموسيقي والتحلين.
إن الذائقة الشعرية والغنائية للراحل، والتي تطابق كتاب التأريخ للفعل الثوري الخلاق، الذي يستمد ديناميكية حراكه من حماسة ثورة الحركة الجماهيرية ورهافة أحاسيسها الجمعية التي تعبِّر عن ذلك العنفوان. وكان وردي تمام الجذوة لفعل الثورة، مرةً في أكتوبر وأخرى بأبريل..
وفي ليل السجون، كان بأس الفنان حين يواجه غشامة السلطان وجور الأنظمة الفاشستية، التي أعاقت نمو الاستقلال الطبيعي صوب دولة التعمير، منحازاً لـ”الغبش التعابى” ولـ”الحرية”، ولكم تنادى: (بناديهــا)..
ويرحل وردي، بعد أن سطر ملحمة أخرى تضاف لسجل روائعه، شادها ووخط تفاصيلها بمنعرجات درب حياته في سفح السهل وأعالي الشاهقات، خبيراً شاد من فسفساء التعدد السودانوي إكسيراً لخلود عشرات الشعوب في السودان الذي بقي، وهناك في السودان الذي راح، جنوباً..
ويبقى وردي ويظلُّ، فناناً عرف كيف يصنع.. أمة!
الميدان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
اعلانات قوقل
لٍمَ رَحلت يا أميرَ الحُسن يا كُل الوُرُود
رحل من عاش كأن غناء الحياة أبد
لٍمَ رَحلت يا أميرَ الحُسن يا كُل الوُرُود
ياسر عرمان
من نهر الديانات القديمة ؛من قلب الحضارات من أشجان والحان وأشعار وإبداعات الآف السنين من موسيقي وغناء وأفراح وآهات مجتمعات بلادنا عبر الزمن، جاء محمد وردى ناطقاً رسمياً باسم كل إبداعاتنا على مر العصور والحقب ، ملكاته وإبداعاته وموسيقاه لم تكن لفرد بل قدرات أمه ! أودعتها له شعوب البلاد طوعاً وتوجته قيثاره للزمن الجميل(والحزن القديم).عند مولده في صَوارده كان(صدفه)ووعياً بالضرورة وإنساناً عامراً بالقيم والجمال وبالاختيارات والاختبارات العظيمة ومثله مثل أعظم العقول والبذور والبيادر والحقول وسيأخد شعبنا (50) بل ربما (100)عام لإنجاب وردٍ من جديد.
كنا قبل رحيله الصاعق ، رحيل الخير والجمال ، في سيرته قبل ساعات ونحن في الاجتماع التأسيسى للجبهة الثورية السودانية قبل أن تفيض روحه الى بارئها العظيم بعد أن أدى الرسالة وتربع على عرش الاماره بعبقريةٍ لاتُبارى ،سنوات طوال إنحاز فيها الى الشعب لا إلى جلاديه وله في ذلك باع طويل ، غَنى للثورات وللحب وللجمال وللفقراء والمهمشين واللاجئين لا للعَسس ، وغنى للمحاربين فى سنواته الاخيرة رغم تمسح الحاكمين كبارا وصغاراً به ، ولكننا نشهد له إنه كان مع الشعب من صوارده الى جوبا !.
أحزنه وأغضبه فصل الجنوب ومع ذلك غنى للجنوب عند رحيل حزب المستعمر الوطنى مثلما غنى عند رحيل المستعمر الانجليزى للشعوب شمالاً وجنوباً . حِينما إعتلى خشبة المسرح في جوبا ليلة ذهاب الجنوب توحد السودان من جديد وردد السودانيون جنوبيين وشماليين : أصبح الصبح ولا السجن ولا السجن باقِ……..والذى بعثرنا في كل وادٍ !وإندهش الضيوف القادمين من خلف البحار كيف له أن يوحد السودان من بعد الانفصال بساعات ! ! وسرت نكتة إن دولة جنوب السودان الوليدة ستحتفظ بالعلم القديم وبمحمد وردى .
إنه قيثارة من مروى وكرمه من جبل البركل المقدس والمغره من السلطنة الزرقاء وممالك الفور والزاندى من السيوف المشرئبات على ساحل البحر الاحمر من لغة البداويت من مدفع الماظ إنطلق ، من على عبد اللطيف وللجساره والشعوب ،كان صديقا للدكتور جون قرنق دى مابيور وفنانه المفضل في أزمنة السلام والحرب .
حاولنا من إجتماع الجبهة الثورية السودانية ان نتصل باسرته وأن نعزيهم وأنفسنا ولكن رداءة الاتصالات حالت دون ذلك، وقد كلفنى رفاقى جميعاً بعد ان ترحموا عليه عند رب العالمين ووقفوا دقيقة للحداد على قائد من قادة الابداع وثوري رفيع المقام ،إرسال التعازى لاسرته ولمحبيه الكثر في كل البلاد وفى المهاجر والشتات وفى الشمال والجنوب والجوار وإفريقيا والعالم العريض . ننقل اليكم تعازى عبد الواحد محمد احمد النور وجبريل ابراهيم ومنى اركو مناوى وعبد العزيز الحلو ومالك عقار وشخصي ، تعازي الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان بجناحيها مع( الطير المهاجر) والعدل والمساواة .ولأسرته نبعث باحر التعازى في أستاذنا وصديقنا الذى كان يحيا وكأن غناء الحياة أبد …. وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد ، لم رَحلت يا أمير الحُسن يا كُل الوُرُود .
ياسر عرمان
20فبراير2012
---------------------
وداعا الفنان محمد وردي
بقلم: تاج السر عثمان [email protected]
رحل عن دنيانا الفنان محمد وردي مساء السبت: 18 / 2/2012م، بعد صراع طويل مع المرض، وعن عمر ناهز ال 80 عاما، وبرحيل محمد وردي توقف قلب كبير عن الخفقان و " شلال" دافق من الالحان، والذي ظل مستمرا في التدفق بعنفوان بكل ماهو جميل وانساني ووطني من أغاني وطرب شجي. وظل محمد وردي قابضا علي جمر العطاء والابداع، كالشمعة "تحترق لتضئ للاخرين"، وظل وفيا لرسالته وفنه، ومنتجا حتي الرمق الأخير، فلا غرو أن احتل عن جدارة لقب فنان افريقيا الأول. الفنان محمد وردي من الذين واصلوا تطوير الأغنية السودانية واسهم في البناء الذي ارساه الراحل خليل فرح وكرومة والكاشف وحسن عطية، واحمد المصطفي وعثمان حسين وابراهيم عوض..الخ ، والذين اهتموا بالتجويد والاصالة وتهذيب وجدان المجتمع السوداني بالمعاني السامية والراقية: من اجتماعية ووجدانية ووطنية وثقافية حتي بنوا للاغنية السودانية مجدا، واسهموا في الوحدة الثقافية والوجدانية للسودانيين، في ظروف كان يعاني فيها شعبنا من ظلام الجهل والتخلف حتي اصبحت الأغنية السودانية مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها تسهم في التغيير الاجتماعي وترقية البنية الثقافية والعلوية للمجتمع. تناول محمد وردي في اغانيه القضايا التي عكسها تطور المجتمع السوداني وعبرت عن احتياجاته من: سياسية واجتماعية ووجدانية ووطنية، حيث غني رائعة محمد الفيتوري ( اصبح الصبح..) في مناسبة استقلال السودان عام 1956م. وترنم بالاغاني التي عكست العلاقات الاجتماعية الجديدة بعد الاستقلال، ولثورة اكتوبر 1964م، وانتفاضة مارس – ابريل 1985م، والتي اكدت قيّم الحرية والديمقراطية. وظل قابضا علي جمر الدفاع عن الأغنية والعمل علي تطويرها في المنفي بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الهمجي الذي حاول أن يلغي كل التراث الفني والابداعي، واحلال التهريج وتدمير الذوق السوداني محله، وتدجين المبدعين وافسادهم ورشوتهم ليكونوا بوقا له وحتي يصبحوا خانعين للشمولية ومصادرة الديمقراطية التي تتعارض مع تطور الابداع والخلق الفني وترقية الذوق السليم والصدق الذي عبر عنه الراحل حمزة الملك طمبل بقوله " ياشعراء وادباء السودان اصدقوا وكفي..". وعندما فشل الانقلاب في محاربة الأغنية السودانية والمبدعين حاول احتواءاهم، ولكن شأن كل الأنظمة الديكتاتورية والشمولية والقمعية منذ الاستعمار وديكتاتورية عبود والنميري فشلت في ترويض الفنانين والمبدعين السودانيين ، وظل مبدعونا امناء وأوفياء لديمقراطية وأهلية الحركة الفنية والابداعية والرياضية، مثلما فشلت الانقاذ في تدجين المرأة السودانية والعودة بها الي البيت والقرون الوسطي وعصر الحريم، وأمامنا مشوار طويل لمواصلة الصراع ضد الحركات السلفية الظلامية التي تكاثرت وتناسلت في عهد الانقاذ الشمولي والتي تهدف الي تكبيل حركة الابداع والفن السوداني وتدمير القباب والآثار الفنية والتاريخية للسودانيين والتي تعكس التسامح الديني والتنوع التاريخي والثقافي والروحي في ثقافتنا السودانية. كما اهتم محمد وردي مثل الراحل خليل فرح بالتجويد في العمل الفني والموسيقي والالتزام الصارم بقواعده ومناهجه السليمة، وعدم تقديم العمل حتي يصبح مقنعا له قبل أن يقدمه للمستمع. كما اهتم وردي باختيار الجيّاد من القصائد والكلمات ذات المعاني الراقية والجميلة والتي اصبحت من الأغنيات الخالدة من كلمات الشعراء أمثال: صالح عبد السيد( ابوصلاح)، ومحمد مفتاح الفيتوري، اسماعيل حسن، صلاح أحمد ابراهيم، محمد المكي ابراهيم، عمر الطيب الدوش، محجوب شريف، مبارك بشير،...الخ القائمة الطويلة من الأغنيات الرائعة التي قدمها الفنان محمد وردي. وثابر وردي من أجل تطوير موهبته الفنية بالدراسة والبحث الجاد والاطلاع الواسع، كما انعكست تجربته الفنية في حياته المتنوعه مثل: تجاوز مرارة فقد الوالدين في فترة مبكرة من حياته" اليتم" وحياة الاعتقال والسجن والمنفي بسبب مواقفه السياسية ضد نظامي مايو و30 يونيو 1989م، والتي حولها الي طاقة ابداعية ومنتجة، ومرارة تمزيق الوطن الذي كان في حدقات عيونه بانفصال الجنوب، وكذلك ارتباطه بحياة القرية النوبية منذ نعومة أظفاره في "صواردة" مسقط رأسه، وما تعج به من صوت الساقية ومواسم الزراعة والحصاد وجمال اشجار النخيل والحقول والجروف، وفيضان وانحسار النيل، وتغريد الطيور، واغاني "الطمنبور" ، والرقص الجماعي الذي يعكس ترابط وتماسك الثقافة النوبية وتاريخها العريق، والدراسة في الخلوة، وممارسة مهنة التعليم في مناطق السودان المتنوعة، والتفرغ لفن الغناء في ظروف صعبة كان يعتبر فيها المغني " صائعا"، والمثابرة علي اتقان العزف علي "الطنبور" والعود وتطوير موهبته. لقد كان عصاميا قهر الصعاب، وما لان ولا استكان حتي استطاع أن يطور الأغنية والموسيقي السودانية. كما ارتبط محمد وردي بثقافته النوبية باعتبارها احد مكونات وأعمدة الثقافة السودانية، بتاريخها وانجازتها الحضارية، حتي اصبح الدفاع عنها جزءا لايتحزأ من الدفاع عن شمول واتصال الثقافة السودانية وتنوعها الديني واللغوي والاثني، وأن هذا التنوع هو مصدر ثراء وغني وتخصيب لها. فكان له اغاني رائعة باللغة النوبية، في ربط ديالكتيكي بين العام والخاص والذي يعكس اصالة الفنان محمد وردي. لقد رحل الفنان محمد وردي له الرحمة والمغفرة بعد أن ترك وراءه ثراثا قيّما من الابداع والفن الجميل والأصيل، وستظل ذكراه عطرة وباقية وأغانيه تشدو بها الاجيال القادمة جيلا بعد جيل، وملهمة للشباب والمبدعين وهاديا لهم للاضافة والتجديد والابداع. وسيذكره السودانيون كلما جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. والعزاء لاسرته واصدقائه ولكل أهل الفن ولجماهيره التي احبت أغانيه.
-----------------
مناظيرالاثنين
كيف ترحل ؟!
زهير السراج [email protected]
* من يرثى من .. ومن يعزى من .. ومن يبكى على من ، فنحن الذين رحلنا وليس أنت !!
* كيف ترحل، يا من نثرت فى حياتنا الروائع، وزرعت فى صحرائنا الورود، وسكبت فى نفوسنا الأمل، وعلمتنا الشموخ والكبرياء.. يا (كبرياء الرجال ويا شموخ النساء) !!
* أتيت بنا من العدم وسافرت بنا الى المستحيل، فكيف .. كيف .. كيف .. ترحل ؟!
( أعدت إلينا صبانا وسافرت فينا الى المستحيل وعلمتنا الزهو والعنفوانا ..!!) فكيف ترحل والى أين تنوى الرحيل؟
* كيف ترحل ونحن فى انتظار الربيع، فمن يشدو بالربيع إذا رحل الربيع ؟!
* من يغنى للصبح فينا، ومن (يرف) اجنحة الفجر علينا، ومن يكحل مآقينا التى تمتلئ بالدموع حتى ترحل .. لا لن ترحل أبدا، فمن يعطينا الخلود إذا رحلت ؟!
(على اجنحة الفجر ترفرف فوق أعلامك ومن بينات اكمامك تطلع شمس أعراسك انت نسيج الفدا هندامك، وانت نشيد الصبح كلامك وعطر انفاسك ..) فكيف ترحل؟!
* نحن من رحلنا ، ونحن من شيعنا جثماننا ووارينا أنفسنا الثرى، وأقمنا لنا صيوانات العزاء وذرفنا الدموع علينا وترحمنا على ارواحنا، وأدرنا مؤشرات الراديو والتلفزيون نسمع كلمات رثائنا ما صدق منها وما كذب، وانت كما انت تطل علينا من عليائك وتشع نورك فينا، وتشعل السماء قمحا ووعدا وتمنى كما أشعلت أرضنا، فكيف تموت ولماذا يقولون انك رحلت ؟!
( تفج الدنيا ياما وتطلع من زحاما زي بدر التمام تدي النخله طولها والغابات طبولها والايام فصولها والبذره الغمام قدرك عالي قدرك .. ياسامي المقام ياملهم رماحك سنًاها الصدام ام در والطوابي في صدرك وسام ملامح كم تسامح تغضب لا تلام همه وعبقريه ذمه وفنجريه ضد العنصريه وتحلم السلام) فكيف ترحل؟
* واهم من يظن أنك قد رحلت ، ولن تكون هنالك فى الربيع كما وعدت.. كيف ترحل .. ( وانت منك لا بداية عرفت لسة، ولا نهاية) ؟!
الجريدة
-----------------
اعلانات قوقل
حديث المدينة
ورحلت خليت الـدموع .. يـنسابو ..مـنى ويـنزلو
عثمان ميرغني
كان الفنان الكبير محمد وردي.. أحد أركان الوحدة السودانية.. بضاعته الإبداعية كانت تستهلك وجدانياً في الجنوب تماماً كما في الشمال والغرب والشرق.. رغم أنه (من أقاصي الدنيا جيت).. من أقصى الشمال.. كانت رحلاته الفنية إلى ربوع السودان بما فيها الجنوب تجتذب كل الناس.. وتصنع مع طربهم للكلمة واللحن نسيجاً وجدانياً واحداً.. ولم يكن سحره في حنجرته الذهبية وحدها.. فكثيرون لهم أصوات جميلة لكنهم لم يصنعوا جميلاً لبلدهم.. رحلوا أو مازالوا ينتظرون، وبدلوا تبديلاً بفنهم السطحي الذي لا يتعدى الشهيق والزفير.. لكن وردي .. ومننذ تفجر موهبته.. تفرغ للفن.. احترفه في وقت لم يكن فيه الفن حرفة.. بل كان (صياعة) ويطلق على الفنانين (الصياع)..
لكن وردي بجدارة ما قدمه من فن رفيع منح الفن والفنانين تقدير المجتمع واحترامه.. ولأن الفن عنده أكثر من مجرد مهنة.. كان أكثر من غنى للوطن.. واللافت للانتباه أنه غنى للوطن بشتى الصور.. غناءً مباشراً في نشيد الاستقلال.. وغير مباشر في تغزله بإنسان الوطن .. يا بلدي يا حبوب.. و الطير المهاجر.. ثم (تورط) بمنتهى خحسن النية في الغناء لغالبية النظم السياسية التي حكمت السودان ما بعد الاستقلال.. وجر عليه ذلك وبالاً عظيماً عندما ضمته جدران سجن كوبر أكثر من ستة أشهر بسبب أغنية (واحدة وحيدة) غناها في اليوم الثاني من انقلاب الرائد (م) هاشم العطا رحمه الله.. مطلعها (نرفع سد.. ونهدم سد.. واشتراكية لآخر حد).. والحقيقة أنها فعلاً كانت (آخر حد) للحزب الشيوعي السوداني.. وعندما جاءت الإنقاذ هجر وردي الوطن.. وهاجر بأغنياته يغني للجاليات السودانية في مختلف دول العالم إلا السودان.. لكنه وبعد فترة أدرك أن الوطن لا يُهجر.. حتى ولو غنى للهجرة في الطير المهاجر، وهجرة عصافير الخريف.. فعاد إلى وطنه وأقام رغم معاناته من المرض. وردي من الفنانين القلائل الذين لم تنطفئ جذوة إبداعهم.. ظلّ يلحن ويقدم الجديد حتى آخر قطرة من حياته.. بينما كثيرون غيره نضب معينهم في عمر معين وتوقفوا وعاشوا بقية العمر على (المخزون).. وتشهد حفلاته الجماهيريه لقاء الأجيال.. يطرب له أبناء البضعة عشرة.. بنفس طرب البضعة والتسعين. في رمضان الماضي أجرت معه الإذاعة السودانية حواراً.. قال فيه: إن زميله الفنان المرحوم، مصطفى سيد أحمد كان يملك صوتاً جميلاً لكن جمهوره انحصر في المثقفين والنخب.. وقال وردي: إن الفن يجب أن يكون لكل المجتمع . يدندن بالأغنية (تربال) في أقصى الشمالية..
وبروفيسور في الجامعة.. بكل طرب وإحساس.. وفعلاً كان فن وردي مشاعاً للجميع.. يطرب له أفقياً كل طبقات المجتمع. ورأسياً من أصغر شاب إلى أعمر شيخ.. رحم الله وردي.. بقدر رحمة الله الرحيم، لا (بقدر ما قدم لبلاده) كما يقول البعض.. فرحمة الله وسعت كل شيء.. وأعمل البشر مهما برعت وتجلت فهي صغيرة الشأن في الميزان.. ولنا لأسرته وأهله وأصدقائه ومحبيه جميعاً كل التعازي.. وكتمت آشواق الحنـيـن.. داير الدموع يتـقـلـو ورجعـت خليت الـدموع ..يـنسابو .. مـني ويـنزلو
التيار ----------------------
اعلانات قوقل
بالمنطق
مُهمد هسين تود..!!!
صلاح عووضة [email protected]
* (بلدياتنا) عبد الرحيم محمد حسين - هكذا (حاف) من غير ألقاب - بكى وردي بحرقة قبل أيام.. * وقبل ذلك بأعوام بكى والدنا بحرقة أيضاً وهو لا يستنكف حمل آنية الشاي والماء بنفسه الى المعزين.. * ثم هو يبكي بالحرقة هذه ذاتها كل من تربطه به (علائق).. * ورغم العواطف الإنسانية الجياشة هذه - من تلقاء "مهمد حسين تود" - إلا أن شهداء (منطقته) بكجبار ما زالت (أرواحهم) تتوق الى مثل البكاء هذا ولو (بأثر رجعي).. * فقد إخترق الرصاص (رؤوسهم) خلال تظاهرة (سلمية) سيّرها أبناء المنطقة رفضاً لسد كجبار.. * وليس السد في حد ذاته ما يرفضه (أهل) وزير الدفاع هؤلاء ، وإنما ما يترتب عليه من (آثار) رأوا (عينةً) منها عند إنشاء سدٍ مماثل - من قبل - لُقب بـ (العالي).. * ثم يرون (عينةً) مشابهة الآن عقب إنشاء سد مروي.. * ومن أجل ذلك - فضلاً عن (دغمسة) ما تبقى من الهوية النوبية - يرفض (أهل) عبد الرحيم محمد حسين سد كجبار.. * ويرفض (أهلٌ) له شمالاً سد دال.. * ويرفض (اهلٌ) له جنوباً مشروع غرب القولد.. * ولكن (إبن المنطقة) - عبد الرحيم - يبدو كمن تتقاصر عاطفته (الرحيمة) عن أهله هؤلاء ولو بإظهار تعاطف مع قضيتهم وحسب، وليس ذرفاً للدموع على شهدائهم.. * وبالأمس أظهرت الإنقاذ (عزماً) على المضي قدماً في ما خطط له (أسامة عبد الله) من مشاريع في المنطقة النوبية غير عابئةٍ برفض (أصحاب الأرض) ، و لا بتاريخهم ، ولا بحضارتهم، ولا بـ (أرواح شهدائهم ).. * وبما أن وزير الدفاع هو أحد رموز الإنقاذ هذه فإن له من(العزم) المشار إليه نصيب حسب وجهة نظر (أهله) في الشمال.. * ويشاطره النصيب هذا نفسه كلٌّ من بكري حسن صالح ومصطفى عثمان إسماعيل.. * ولكن عبد الرحيم هذا (تحديداً) هو الذي كان فيه (العشم) بما تغلب عليه من عاطفة - يطفر الدمع معها- عند رحيل من تربطه به (صلات ما) من أبناء الشمال النوبي.. * ولا تزال أرواح شهداء كجبار (تطمع) في إظهار (تأثر) تجاهها - من تلقاء عبد الرحيم - مثل ذاك الذي أظهره عقب رحيل (بلدياته) وردي.. * أما (هيئة أركان حرب السدود) فإن إجابةً منها ينتظرها الشهداء هؤلاء - بين يدي الحق تعالى - على سؤال (مشروع) من جانبهم :(لماذا قُتلنا؟!!).. * ونرجو ألا تكون الإجابة هذه غير مستصحبةٍ معها تحذيرات الخالق الخاصة بعدم قتل النفس إلا بالحق.. * وما (التظاهر السلمي) - حسبما نعلم - هو بعضٌ من (الحق) هذا.. * اللهم إلا أن يكون لـ (علماء السلطان) رأي آخر وفقاً لـ (فقه الضرورة).. * أو أن يكون الذين قُتلوا هؤلاء ليسوا (أنفساً) من (أصلو).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
كلمة الإمام الصادق المهدي في تأبين فقيد البلاد الفنان محمد وردي الثلاثاء, 21 شباط/فبراير 2012 11:55
مساء الاثنين 20 فبراير 2012م بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي السلام عليكم ورحمة الله.
أنا أريد أن أكتب عبارات على شاهد الراحل وردي، وأبدأ بالحديث عن أن في تراثنا الإسلامي من يحرم الموسيقى والغناء دون وجه حق، لأن كثيراً من المحققين أمثال ابن حزم والغزالي وابن القيسراني أكدوا عدم صحة هذا التحريم. ومقولة الغزالي: من لم يحركه العود وأوتاره والربيع وأزهاره فاسد المزاج ليس له علاج. في التركية تفسخ المجتمع مما أدى لموقف صارم من المهدية حول هذه القضايا: ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم. ولكن بعد ذلك فإن الإمام عبد الرحمن انطلاقاً من كلمة المهدي نفسه: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال، صالحنا مع هذا التراث، مصالحة امتدت لكل الذين قاموا في هذا المجال حتى أن عبيد عبد الرحمن أحد شعراء الحقيبة قال في رثائه: آويتنا ودنيتنا وناديتنا بي أسمانا ولميت شقة الفرقة الزمان قاسمانا أيادي نعمتك في كل شيء مقاسمانا
لقد قدمت بهذا لأدخل في الموضوع لأن هناك ناس عندهم حرج في الكلام في هذا الموضوع. المعنى الذي أود أن أكتبه أولا في هذا الشاهد أن هذا الرجل كان مغنياً وشاعراً وكان موسيقاراً وكان ملحناً، وقد غنى قصائد لحوالي 25 شاعراً فكأنما هو قد غنى لديوان شعراء السودان، هذه المسألة انفرد بها لأن كثيراً من الفنانين يغنون لواحد أو اثنين منهم. كان رحمه الله فخوراً بنوبيته ولكن كذلك فصيحاً في عروبته، والعروبة أصلاً لم تكن ولن تكون عرقاً، العروبة لسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك عروبة العربي بلسانه وليس بعرقه، ولذلك كان هو تجسيداً لرفض الشعوبية ولرفض العروبية. كان لذلك يجسد هذا المعنى: عَزْمَ تِرْهاقا وإيـمان العروبة عَرَبَاً نـحنُ حملْناها ونُوبة كان قيثارة لضمير الشعب في محطات مصيره المختلفة: كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية، عبد اللطيف وصحبه، اليوم نرفع راية استقلالنا، أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق، بلا وانجلا، والموقف الضميري من الانقلاب الأخير (سلم مفاتيح البلد). في كل هذه الأمور كان يمثل ويعبر عن ضمير الشعب. تغنى بصوت جهور بلا غلظة. رقيق بلا تشبه محتفياً بالمحبة وكثير من الناس يؤثّمون المحبة، المحبة فيها الأثيم، ولكن المحبة في حقيقتها (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [1]، هذا السكون هو المحبة، المحبة هي الصماغة للعلاقات بين الناس: قَال قَوْم إِن الْمَحَبَّة إِثْم وَيْح بَعْض الْنُّفُوْس مَا أَغَبَاهَا إِن نَفْسَا لَم تعرف المحَبة هِي نَفْس لَا تَدْر مَا مَعَنَاهَا أَنَا بِالْحُب قَد عرفت صحبي وَأَنَا بِالْحُب قَد عَرَفْت الله المحبة هي ثمار العلاقة بين البشر لولاها لا تقوم العلاقة إلا كما الحيوان. صار سفيراً شعبياً فنياً للسودان في القرن الأفريقي وفي شرق أفريقيا وفي غرب أفريقيا بل حيثما يتغنى الناس بالنغم السلم الخماسي كان هناك حاضراً ومقدماً بين المطربين. إن أنسى لا أنسى يوم كنا في الاحتفال الأخير يوم شهدنا احتفال الجنوب بانفصاله وكنا في مائدة وقلت للأخ ياسر عرمان: أين وردي؟ لأنه كان متأخراً في الفندق قال هو تعبان قلت له خذ رسالة مني قل له قال لك فلان ضروي تحضر فجاء، عندما غنى أغنية يا بلدي يا حبوب، وبعدين أغنية أصبح الصبح وحينما جاء المقطع: أبداً ما هنت يا سوداننا يوما علينا، كل القيادات الجنوبية الموجودة وقفت ترقص وتبشر، قلت له يا أخي الفنان أنت استطعت أن تجسر الهوة التي فشل الساسة أن يزيلوها. كان ظاهرة عبقرية في الصوت والموسيقى واختيار الكلمات، وفي الحقيقة الفن االمبدع لا يموت فهو خالد وحتى الآن نحن نتغنى بالحقيبة، ولا شك أن فنه خالد: مزمار من مزامير داؤد، حتى لدى الهرم، حتى لدى الشيخوخة كان صوته فتيا كما يقول المتنبي: وَفي الجِسمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بِشَيبِهِ وَلَو أَنَّ ما في الوَجهِ مِنهُ حِرابُ يُغَيِّرُ مِنّي الدَهرُ ما شاءَ غَيرَها وَأَبلُغُ أَقصى العُمرِ وَهِيَ كَعابُ
غادرنا ومشهد وفاته كان تقديماً حقيقياً لأوراق اعتماد الفن على أساس أنه من لبنات الحضارة السودانية. كان هذا المشهد يؤكد هذا المعنى. الحقيقة أن أهل السودان عبروا عن هذا المعنى اللهم إلا قلة معلبة محنطة أحفورية لأنه: (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ)؟ [2] ظنوا التدين تكشيرا وعكننة وقبضة وجه في صحب وفي ولد الدين مسحة بشر واغتنام مودة ما أبعد الفرق بين الدين والنكد ألا رحمه الله رحمة واسعة وربنا قال في حديث قدسي: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"، وقال حكيم من العرب: يَا عظيمْ الذَّنْبِ عَفْوُ اللَّهِ مِنْ ذَنْبِك أَكْبَرْ أَكْبَرْ الأشياءِ فِي أصْغر عفو اللَّه تَصْغُر نسأل الله سبحانه وتعالى له الرحمة الواسعة وقد أسعد كثيراً من السودانيين وأبهجهم وأفرحهم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ" [3]، قد أدخل البهجة والسرور على كثير من الناس. نسأل الله سبحانه وتعالى حسن العزاء لزوجه ثريا ولأبنائه والبنات عبد الوهاب وصباح وحافظ وجوليا وحسن ومظفر وكافة أسرته الصغيرة، ولكافة أسرته الكبيرة نحن أهل السودان الذين فقدنا هرما من إهراماتنا المعنوية الفنية. والسلام عليكم
---------------
محمد وردي ... أسمار وأفكار 2/3
عبد المحمود نور الدائم الكرنكي . الثلاثاء, 21 شباط/فبراير 2012 07:08
كتب الموسيقار إسماعيل عبدالمعين اسمه في سجل الخالدين بعدد من الأعمال الموسيقية والألحان الشهيرة، من ألحان الموسيقار عبدالمعين أغنيات (أبني عشك يا قماري) لسيد خليفة من كلمات اسماعيل خورشيد، و (إيهِ يا مولاي) لخضر بشير من كلمات محمود أبوبكر صاحب ديوان أكواب بابل، ونشيد (صه يا كنار) من ألحان عبدالمعين من كلمات محمود أبوبكر، ومن ألحان اسماعيل عبدالمعين نشيد (واجب الأوطان داعينا) من كلمات محمد بشير عتيق، ونشيد الحركة الوطنية (إلى العلا) من كلمات خضر محمد، ومن ألحان اسماعيل عبدالمعين أغنية (زاهي في خدره) لأحمد المصطفى من كلمات محمود أبوبكر وأغنية ماأحلى ساعات اللقاء لأحمد المصطفى من كلمات خالد أبوالروس الذي كتب ايضاً أغنية (صابحني دايماً وابتسم) لإبراهيم الكاشف. تلك سبعة ألحان شهيرة للموسيقار اسماعيل عبدالمعين، إلى جانب شقيقاتها من المقطوعات الموسيقية والأعمال الأخرى.
وكتب الموسيقار برعي محمد دفع الله اسمه في سجل الخالدين بأربعين من الألحان الرائعة الشهيرة التي غناها عبدالعزيز محمد داؤود، فينوس، أجراس المعبد، هل أنت معي، وغيرها من روائع الألحان. ذلك الى جانب عدد من المقطوعات الموسيقية المميزة التى أبدعها برعي محمد دفع الله مثل (ملتقى النيلين) و (فرحة) و (المروج الخضراء)، وغيرها. ولولا برعي محمد دفع الله لكان حظ أبي داؤود في الشهرة الغنائية مختلفاً جداً. الموسيقار عوض محمود فقد أبدع أربعين مقطوعة موسيقية. أما الموسيقار محمد وردي فيمثل وحده بحيرة عظمى من الألحان. حيث أنتج مايزيد عن مائة وخمسين عملاً موسيقياً إبداعياً أصيلاً. وعندما يُقارن عطاء وردى الموسيقي بعطاء كبار الموسيقيين السودانيين تتجلى فرادته وعظمته وتتضح الأبعاد الحقيقية للقب (الموسيقار) محمد وردي. الراحل محمد وردي موسيقار طاقته الموسيقية عشرة أضعاف طاقة كبار الموسيقيين. وقد حدثني ذات مرة في مكتبه رئيس تحرير مجلة (الوسط) اللندنية جورج سمعان أن نزار قباني كان معه في دعوة عشاء قبل يومين وقال له (إن محمد مهدي الجواهري طاقته الشعرية هي طاقة عشر شعراء ولكن لا تقل هذا الكلام و(أنا طيب)، أى على قيد الحياة). وكذلك هو الموسيقار محمد وردي، طاقة موسيقية هي عشرة أضعاف طاقة كبار المبدعين الموسيقيين السودانيين. ويمكن دراسة ومقارنة انتاج وردي الموسيقي كمَّاً ونوعاً لإبراز تلك الحقيقة. وكما أبدع محمد وردي في الغناء باللغة العربية، كذلك أبدع ثلاثة عشرة أغنية باللغة النوبية. وردى شاعر رائع بالنوبية، مثلما أن وردي موسيقار عملاق. إلى جانب الألحان، إقرأ الكلمات التي ينتقيها وردي بشاعريته ليغنيها، مثلاً إقرأ هذه الكلمات للشاعر الرائع دمث الأخلاق الراحل على عبدالقيوم (صاحب أغنية بسيماتك تخلى الدنيا شمسية)... قال على عبدالقيوم وأنشد محمد وردي.. أى المشارق لم نغازل شمسها... أىُّ المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها... أىُّ الأناشيد السماويَّات لم نهزز لأعراس الجديد بشاشةً أوتارها... نحن رفاق الشهداء... نبايع الثورة والداً وولدا... الفقراء نحن... الكادحون الطيبون والمناضلون.. نحن جنود الثورة التقدمية... نحن المثقفون الشرفاء... نحن النساء العاملات... ونحن أمهات الشهداء... آباؤهم نحن... إخوانهم نحن... إخواتهم نحن... صدورنا شرافة الكفاح... عيوننا طلائع الصباح.. أكُفُّنا الرايةُ البيضاءُ والسلاح... فلتسترحْ على صدورنا... ولنكتشف معاً دروبنا... نبايع السودان سيِّدا... نبايع الثورة والداً وولدا... نحن رفاق الشهداء.
وردي وغيره ثوريون عديدون، ضائعون في تيه الأحزاب وبيداء الوهم، وسراب السياسيين من القواقع الفارغة. من أعقد قضايا (الثورة) السودانية أن رموزها تبعثرت في أحزاب وتيَّارات سياسية متباينة. فقد تناثر السياسيون والمفكرون والشعراء والفنانون الثوريون السودانيون في أحزاب عديدة. حيث غمرتهم قوى التقليد والرُّوتين وطمرتهم في بئر الماضي. ولو احتشدت كلّ الرموز الثورية السودانية في تيار وطني واحدّ لما طمرت الطائفية طلائع الحداثة في مؤتمر الخريجين. ولو اصطفَّت بعد الإستقلال في جبهة واحدة رائدة إلى المستقبل وتدفقت طاقتها نهراً واحداً وتياراً واحداً هي النهضة السودانية، لخرج السّودان من غيابة الجبّ وأصبحت الآفاق واقعاً. لكن يا أسفَى على يوسف!. أيضاً محمد وردي، كغيره من كبار المبدعين تميَّز بخلفية عائلية دينية. وقد ذكر وردي عندما التقيته قبل (17) عاماً أن أحد أجداده له خلوة قرآن، أو حديثاً من هذا القبيل. وفي لقاء إذاعي قال الفنان الموسيقار محمد عثمان حسن وردي إن عائلته كانت تعدّه وتنتظره ليكون شيخاً معلِّماً.
ولما كان محمد يتيماً، قد افتقد والده في الطفولة، فإنَّ عمه صالح وردي كان يتوقع من ابن أخيه أن يصبح (الشيخ محمد عثمان حسن وردي). وفي بدايات حياته كان محمد عثمان حسن وردي يرتدي القفطان والعمامة، يؤم المصلين في صلاة الجمعة وصلاة الجنازة.ولكن فيما بعد اختار محمد وردي طريق نداء الإبداع الداخلي في وجدانه. إختار (مولانا الشيخ) محمد عثمان حسن وردي طريق الفنّ، طريق موهبته وفطرته. فكان أن تجلَّى (الشيخ) في السودان، وكان أن انتشر الفنان المبدع انتشاراً أسطورياً من المحيط إلى المحيط، من القرن الأفريقي على المحيط الهندي إلى نيجيريا على المحيط الأطلسي، ومن جنوب مصر إلى موريتانيا. ولايوجد أي فنان أفريقي أو عربي حقق ذلك الإنتشار عبر الأقطار واللغات والثقافات، إلا محمد وردي، لذلك يعتبر محمد وردي فنان أفريقيا عن جدارة واقتدار. وكذلك محمد وردي فنان العرب عن جدارة واقتدار، لولا وقوع السودان على التخوم الجنوبية للعالم العربي. ولو كان هناك جهد وتخطيط وتنظيم لكان فنان قارات أخرى. ولديّ صديق ذوَّاقة موسيقى من دولة (غيانا) في أمريكا الجنوبية أسمعته موسيقى وردي عام 1984م فسحرته وأدهشته. كانت تلك اغنية المستحيل. وقد حدثني حسن عبدالوهاب أن رئيس جمهورية النيجر هاماني ديوري، عندما احتفل بزواج كريمته، كان فنان العرس محمد وردي.
وفي المال يعتبر وردي متصوِّفاً زاهداً، لا قناطير مقنطرة من الذهب ولا يقنطرون. ولو سار وردي في طريق المال والأعمال لكان شركة ضخمة عابرة للحدود والقارات، مثلما كان فنه عابراً للحدود والقارات. ولو سار وردى في طريق (التَّمشْيُخ) لكان العالم العلامة، والحبر الفهامة، سلطان زمانه وحامل لواء العارفين، الهيكل النوراني والنور الصمّداني مولانا الشيخ محمد عثمان حسن وردي. ولو اختار طريق التصوُّف لأضافوا إلى اسمه رضى الله عنه وقدّس الله سرّه. ولو نشأ وردى في إيران، ودرس في الحوزات، لكان آية الله محمد وردي. ولو نشأ وردي في بيئة علمية تجريبية واختار طريق العلوم الطبيعية، لكان مكتشفاً مثل ماركوني أو توماس أديسون أو جراهام بيل أو أحمد زويل مكتشف (الڤيمتو سكند). ذلك لأن إبداع الفن وإبداع الدّين وإبداع العلم التجريبي واحد في جوهره، ولكن تتعدَّد صوره. وقد ذكر عبقري الكوميديا شارلي شابلن في مذكراته عن لقائه بـ (ألبرت آينشتاين) وتحاورهما حول عملية الإبداع واتفاقهما أن العَالِم والفنان يتميزان بصورة متطابقة بشحنة عالية من الرومانسية، أى أن الفنان المبدع هو صورة أخرى من العالِم المكتشِف، وإن العالِم المكتشِف هو صورة أخري من الفنان المُبدع.
كلّ من تميَّز بتلك الشحنة الرومانسية، عن طريق الموهبة أو الإكتساب يصبح مبدعاً في مجاله الذي اختاره، سواء العلم أو الفن أو الدين. جوهر الإبداع واحد، ولكن تتعدد الصور التي يتجلّى فيها. موهبة محمد وردى اختارت طريق الفن فأبدعت، لم يكن اختياره الفن للفن كما هي دعوى البرجوازيين او البرجعاجيين من (البرج العاجي). إختار محمد وردي طريق الفن والوطنية... أعاهدك يا بلادي حياتي لإخلاصي للحرية... أحارب من أجلك ذاتي... أعدائك والرجعية... تصبحي دار للأحرار... ينعم فيك شعبي الأسمر يا بلادي... من أقصى شمال بلادي لأقصى جنوب الوادي ... نعمل للوطن الواحد... أيادي إخلاص ومبادئ... إشتراكية سودانية... من واقعنا... ما مِن أكتر. وغنى الفنان الوطني الثوري محمد وردي للإستقلال وللحصاد الأفريقي (أصبح الصبح) وشهداء كرري وللوحدة العربية وللثورة الأفريقية وللثورة الجزائرية... أنا أفريقي حرّ... أنا جزائري حرّ... والحرية في دمي... سوف أحطِّمُ الأغلال مهما كمَّموا فمي. غنيّ وردي للجزائر... أرض بن بيلا العريقة، وغير ذلك. تلك المشاعر الثورية في أغنيات وردي تفجِّر في الوجدان كوناً ومجرَّات من المنارات الإنسانية وكواكب الأحرار... أحمد بن بيلا وبن يوسف بن خدَّة وعبَّان رمضان وعيسى كشيدة ومحمد بوضياف وبومنجل ومحمد خيضر وكريم بلقاسم ومحمد بن مهيدي... ألف رحمة ونور على زمانهم. ذهب الذين أحبُّهم... نهبوا رقادي واستراحوا. روى البيهقي في كتاب (الزهد الكبير) أن السيدة عائشة رضى الله عنها بعد رحيل معظم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كانت تستشهد ببيت الشعر... ذهبَ الذين يُعاشُ في أكنافهم... وبقيت في خَلَفٍ كَجلدِ الأجْرَبِ.
بشعلة إبداعه الزاخرة الكامنة في وجدانه، اختار محمد وردي طريق الفنّ والوطنية. ومن المواقف التي ستبقى في ذاكرة السودان إلى الأبد، أن عند انتفاضة شعب السودان ضد مذكرة (أوكامبو)، توسّط ذلك البركان فنان الشعب ونبض الشعب محمد وردي. فقد كان من مواقف محمد وردي السياسية الشهيرة معارضته الوطنية الكبيرة لدعوى المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس السودان. ذلك في حين سقط (أكابر) سياسيّون في ذلك الإمتحان الوطنيّ. مثل ذاك الذي أصبح يرجحنّ وينقز تحت راية أوكامبو، أو ذاك الذي كتب مقالاً يعانق ويفرش النّمارق، مقالاً يفيض حفاوة وترحيباً بأكامبو، مقالاً عنوانه يا (كُمبَّة) يا دُخرينا جيداً جيت!.
كغيره من كبار المبدعين جاء محمد وردى من خلفية دينية. في مصر أيضاً جاء كبار الفنانين وعظماء الموسيقيين من خلفيات دينية... العبقري سيد درويش الشيخ الموسيقار، والشيخ الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان مؤذّناً في مسجد في (طنطا) لأربع سنوات، كما ذكر جاك بيرك في كتاب (العرب من الأمس إلى الغد)، والشيخ الموسيقار زكريا أحمد والشيخ الموسيقار رياض السنباطي،وغيرهم من عباقرة الموسيقى من الشيوخ. ولكن ماذا عن الفرعون محمد وردي؟. -----------------------
وردي.... صمت المغني!! ..
بقلم: عادل الباز الثلاثاء, 21 شباط/فبراير 2012 11:45 21/2/2012م (1) إني لأجبن من فراق أحبتي وتحس نفسي بالحمام فأشجع تصفو الحياة لجاهل أو عاقل عما ما مضى فيها وما يتوقع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ويسومها طلب المحال فتطمع ــ المتنبي ــ يا نور العين إنت وينك وين... وردي يصدح بنور العين بتوزيع بديع لأندرية جيد. الزمان مساء الجمعة وأنا أتسكع في شوارع أديس أبابا. توكلت على الله وصعدت إلى حيث الصوت. مجموعة من الشباب الأثيوبي يتحلَّقون حول استريو كبير ويغنون مع وردي ويرقصون. قال لي أحدهم لن ينافس وردي في أديس إلا «استير»!!. «استير» هي مغنية الأحباش الشهيرة. في ذلك الوقت كان وردي يقضي ليلته الأخيرة بمستشفى فضيل. ما الذي جاء بوردي هنا؟ وكيف غزا وردي قلوب الأحباش، ففاضت شوارعها ومسارحها بغناء هذا النوبي؟. (2) ما قصة وردي معي هذه الأيام. قبل نحو أسبوعين كنتُ بالدوحة التقيت ابنه فأصر على دعوتي دون أن يعرفني. اعتذرت. مرة أخرى بمطار الدوحة، جاءني يحمل دواءً قائلاً يا أستاذ أرجو أن توصل هذا الدواء للوالد بسرعة وفعلت. (3) بعد زمان طويل باعدت فيه بيننا الأيام، التقيت تلك الثلة الماجدة من الفنانين المسرحيين المبدعين: هاشم صديق، سعد يوسف، عثمان جمال الدين، عز الدين هلالي، صلاح الدين الفاضل وعادل حربي في ضيافة منزل أستاذنا مكي سنادة. كانت جلسة عجيبة سنحكي قصتها ولكن في نهاية اللقاء ودون مناسبة قال لي هاشم صديق (لو وردي ده حصلت ليهو حاجة السودان كلو حينقلب صيوان). وردي في ذلك الوقت من نهار السبت كان في أحسن حالاته!!. (4) في مساء ذات السبت أغمض وردي عينيه نهائياً، وشهق كأنه يستنشق عطر لحن جديد، فأسلم الروح لبارئها، وتوقف نهر الألحان والإبداع عن التدفق بعد أن أودع وجدان السودانيين ثلاثمائة لحن عبقري مسجل!!. (5) في مساء السبت فاضت الأعين بالدمع حتى انطفأ نورها!! بينما كانت القلوب تدمع.. وبدأت الفضائيات تمارس ثرثرتها اللئيمة لتملأ فارغها الدائم والعاطل عن الإبداع بحكايات فجة وشهادات هتافية عن وردي، زمانه وفنه، فأماتوه ميتةً أخرى. (6) قست الدنيا علينا في تلك الليلة، ولكن بدأنا مهمتنا، وكان علينا أن نوثق تلك اللحظات. فوردي يستحق أن نوثِّق شموخه حياً وميتا. على الأكتاف حملوه في تلك الليلة من مستشفى فضيل إلى المعمورة. غادر المعمورة للدار العامرة ليجعل الله له فيها داراً أفضل من داره وأهلاً أحسن من أهله. (7) لم أنم ليلتها.... مددت يدي فأدرت جهاز التسجيل فجاءني الصوت الملائكي: (غريب..... وحيد في غربتو..... حيران يكفكف دمعتو... حزنان يغالب لوعتو). حين غنَّى وردي الطير المهاجر لصلاح أحمد إبراهيم في ستينيات القرن الماضي، هاج اليسار وماج.... كيف يغني وردي لمنشق!! قال وردي حين سئل عبد الخالق محجوب الذي كان يخوض صراعاً شرساً مع صلاح آنذاك قال: (هكذا يجب أن يكون الغناء). رحمة الله عليك يا عبد الخالق لو كنت حياً أمس لكنت أول الحاضرين لمقابر فاروق، ولم تكن ستفعل مثلما فعل الرفاق مع وردي حين قاطعوا الجثمان والمأتم ونسفوا تاريخاً لأعظم فنان في تاريخ السودان. لينظر الرفاق ماذا خسر وردي وماذا سيخسرون!!. (8) غادرتُ باكراً صوب مقابر فاروق. آخر مرة وقفت هناك قبل سنوات حين دفنا أستاذنا أحمد الطيب زين العابدين. نعم هنا بالقرب من السور. الفاتحة يا أستاذنا كيفك؟ لازلنا نسعد (بدروب قرماش) و(أنفاس المساكين). قلت: يا ولد سيب الاستهبال أدينا قروش العمود..... ضحكت... وأخبرتك أن وردي سيحل ضيفاً عليكم هذا الصباح!!. وردي.... عاوز يغني هنا ولا شنو؟ لا وردي وضع لحن الختام مش قبل أيام كان بغني في ليلة رأس السنة؟ نعم يا أستاذنا ولكنه على كل سيشرفكم هذا الصباح.... أباطيل أباطيل هذه الدنيا أباطيل!! لازالت تحفظ شعر عبد الله الشيخ البشير أسمع وردي لابس الليلة شنو؟ كفن من طرف السوق يا أستاذ!! وشبر في فاروق.. الله حي!! وردي كان لابس.... ومن هيئة التدريس نعم ولكنه اليوم لابس ما لا يخلع!! سرحت مع هذا الحوار لدقائق وكأننا في فضاء بيت الثقافة منتصف تسعينيات القرن الماضي وكانت صحيفة سنابل تجمعنا!!. غادرت أستاذنا أحمد الطيب وقريباً منه وجدت مجموعة تحفر قبراً قلت لمن؟. قالوا لوردي. ولكن وردي تم حفر قبره هناك فما لميت قبرين. قالوا إنهم سمعوا وردي مات فجاءوا مبكرين محبة في وردي ليجهزوا قبره. يا لمحبتكم، لا تعبرون عنها إلا بحفر قبر!! (9) هبَّت الخرطوم في أول الصباح وصنعت ربيعها الحزين وهي تتدفق على مقابر فاروق من كل حدب وصوب. كنا أنا والصديق هاشم الجاز قد التقينا عند سور المقابر وسرنا سوياً وما تحدثنا.. صمت رهيب.. قلنا عبره ما أغنانا عن الكلام. في دقائق دوت صفارة الإسعاف اللعين فاصطففنا في انتظار إطلالة أخيرة لوردي على مسرح المقابر!!. بالفعل وصل الإسعاف فشاهدت علي مهدي بشنبه المميز في المقعد الأمامي للإسعاف ووردي يطل من الباب الخلفي.... ممثل وفنان وخلفهما جمهور عريض.... أفي مقابر فاروق أم في مسرح البقعة نحن؟. (10) أُنزل الجثمان بسرعة من على الإسعاف. تدافع الناس للصلاة... كان الرئيس ووزير الثقافة السموأل خلف الله هناك، وعبد الرحيم. تقدم الرئيس المصلين.. الرئيس معجب بوردي وحافظ لأغنياته، وفياً لعلاقته به. هو الآن يتقدم الصفوف مودعاً وردي وداعاً يليق به. لا إله إلا الله..... عطرت الأجواء وكان لها وقع خاص في نفسي في هذا المشهد بالذات.. حمل الجثمان لداخل المقابر.. تدافعت النساء والصبية.... توقفت قليلاً لأرى المشهد في أبعاده النهائية.... كان الجثمان بين الأيادي وكنت أبحث عن دمع آوي إليه ليفك انقباضي... عثرت على مؤمن الغالي فتعانقنا طويلاً وبكينا كثيرا... كثيرا!!. غادرت المقابر وأنا أتأمل المشهد... عرس هو أم مأتم... الآلاف يودعون وردي وكأنهم جاءوا لحضور حفل ختامي لمهرجان امتد لأكثر من ستين عاماً، تدفَّق وردي خلالها نهراً من الإبداع!!
عادل الباز
-
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي والغياب في العتمة / صلاح شعيب منذ 7 ساعة 5 دقيقة حجم الخط: صلاح شعيب ليس سهلا كتابة فصول رواية وردي مع الزمان الذي أنجبه وزفه، والمكان الذي عملقه وضم ثراه. فهو رواية تؤرخ لجيل مكلوم، ومرهق، ووطن مهيض الجناح عشية رحيله، وأحلام متعثرة دون التحقق. جيل بنى مشروعا للتغيير، ولكن المنغصات الوجودية أودت ببنيانه. وطن حاول الخروج من أسنة الجهل، والفقر، والمرض، ولكنه تمترس في العتمة. أحلام إنبنت لتؤسس قيم الحرية، والديموقراطية، والسلام، بيد أن عقبات كؤود قادته إلى هذا التشظي الإثني، والآيديولوجي، والجهوي. بجلاء، هذه هي الحقيقة ليلة رحيل وردي. ولعله مات وفي حلقه غصة أن رواية حياته ختمت هكذا ليعايشها باسى، وينقبر معها إرث من الكفاح وضاء.
مشروع وردي الذي بذل له نحو نصف قرن كان سياسيا بقدر ما هو تنويري المضمون. كان فنيا تحديثيا بقدر ما هو سودانوي الهوى. فضلا عن ذلك أنه مشروع إجتماعي للتحرر من إرث القديم بقدر ما كان هدفا إنسانيا أراد به ـ غنائيا ـ لملمة شعث التخوم المنجدلة في طينة الجغرافيات المتقابلة.
إن مولده الذي صادف موت قريبه خليل فرح يعطينا المفتاح لمعرفة عتاده، وعناده، السياسي الذي إستهله في صواردة، ودخوله السجن آنذاك. من تلك المنطقة التي أنجبت وردي ـ أرض السكوت والمحس ـ جاء المعلم الشاب بخلفية تدريسه للغة العربية ليطورها عبر صوته، ولحنه، الذي يهز الوسط الفني في أمدرمان، ولا يملك إلا أن يلقبه النقاد مرة بالفرعون، وتارة بالإمبراطور.
ووردي في فضاء الخدمة الوطنية يشترك مع خليل فرح، كونهما حملا لواء تجديد الشعر، والغناء، وتنمية الذوق الوطني، والثقافي، والفني. خليل فرح تدرب سياسيا مثله، وإتخذ منهجا رؤيويا في شعره المباشر، والرمزي. ولكن وردي يختلف عن خليل فرح بأنه حافظ على ثقافته النوبية بجانب دوره الكبير في تنمية الغناء القومي. ولذلك أتى الإمبراطور بإيقاعات، وموتيفات، هي من بيئة الغناء النوبي. وهناك جمل موسيقية كاملة رحلها الموسيقار المجدد من متن الأغنية النوبية إلى متن الأغنية الأمدرمانية، وكانت تلك مزاوجة (عرنوبية) فتحت المجال لملحنين آخرين لإحداث التناص الموسيقي.
الذين يدرسون رواية وردي، لاحقا، سوف سيكتشفون أن عبقريته تكمن في النقلة الحيوية، والمرهقة، من الثقافة المحلية إلى القومية ثم إلى الإقليمية، تحديدا على مستوى إفريقيا جنوب الصحراء، ومنطقة القرن الأفريقي، برغم أنه لم يكن فنانها الأول كما يشيع البعض عاطفيا.
تلك النقلة من مجتمع محافظ على هويته الثقافية بدرجة كبيرة إلى مجتمع عريض يكون على رأس مجددي ثقافته تعتبر غاية في الصعاب. والسؤال هو كيف إستطاع وردي من خلال عقد واحد فقط أن يحدث هذه النقلة السريعة من صورادة القصية إلى أمدرمان التي كان أساطين النغم فيها يمسكون بمفاتيح اللعبة الغنائية؟ تلك هي عبقريته.
إذن لا بد أن وردي كان إنسانا إستثنائيا لإحداث هذه النقلة وتنقلاته الأخرى، وإذا تم التأويل للأسباب فإنها تندرج في إطار أنه المبدع الملهم الذي يختلف عن ذلك الجيل الذي عاش المرارات الوطنية، ولم يكن بيده في آخر مرحلته إلا وأن يعض على بنان الندم على إنتهاء كل هذا الحرث إلى الهزيمة أمام الضياع.
في حال الحديث عن دوره في تجديد الأغنية فإن لا وصف أكثر من أنه رقق اللحن السوداني وصاغه إلى مدارات الحداثة، والرشاقة في الكلمة، والرهافة في النغمة، والإجادة في الأداء. وليس هناك فنان بعد وردي يمكن أن ينافسه في كل ما إرتبط برواية حياته. قد يكون هناك مجددون على مستوى توظيف الشعر تلحينا، ومبهرون في التأليف للمقدمات الموسيقية، ومؤديون ملهمون في إخراج العمل الفني بذلك الألق. غير أن رواية وردي هي رواية التاريخ السياسي، والثقافي، والفني، التي لا بد أن نقرأها بإستثنائية تحفظ له مقامه الجليل وسط أساطين الغناء.
كسياسي حمل المضامين التي عبرت عن الشعب في مقابل مضامين بالية. وكمثقف وقف أمام السلط المستبدة متظاهرا، ومنافحا بالغناء ضد مشاريعها التسلطية. وكفنان حباه الله صوتا قويا، وطروبا، وشجيا. وردي، بلا أدنى شك، هو الذي ربط الأغنية الستينية بالطموحات، والأهداف، الجمعية لفترة ما بعد الإستقلال.
وهو بذلك قد ربط رسالة الفنان بالواقع، حيث يلتئم صوته مع شعراء الآيديلوجيا، والجمال، لترقية الأحاسيس، والمشاعر، لصالح الحاضر، والمستقبل. وصحيح أن مشروع وردي إصطدم بمناطق وعرة في التفكير السوداني، بل وحورب، وسجن، وطورد، وتم نفيه، في كل العهود، ولكن الذين أتوا من بعده ما يزالون يطمحون لإنجاح مشروع الأغنية الوطنية الخارجة عن أسر الحاضر العصي الذي يحاربها.
وقد تمت القسوة على وردي وهو يغني بمصاحبة عود الأستاذ الماحي سليمان في تلك الليلة أمام البشير، ولكن عند التحليل الختامي لا نجد إلا وردي الرمز المؤمن بالتغيير، بكيفيته لا بكيفية نظام الإنقاذ. وقد يتسامح السودانيون مع رموزهم الذين يتعثرون في المسير، ولكن مع وردي يكفي القول إنه تاريخ عريض من النضال ينبغي ألا نأخذه بجريرة غناء أمام سلطان بسبب إرهاق ساهم فيه تمدد العمر، أو أشياء أخرى.
ما يتبقى من وردي ليس فقط سياسيويته الصلبة، وقليل من نقاط ضعفه هنا وهناك، وإنما تاريخه الفني الذي شكل به أغنية أمدرمان، والأغنية النوبية التي قصد ألا تثنيه عن الإنتشار، وهو يضع في ذهنه أنه الفنان الجمعي الذي تقع مسؤوليته عند نشر الثقافة الغنائية في أقاليم وطنه الذي أحبه حارة حارة، بل شبرا شبرا.
هكذا تختلف المقاييس التي تنتقد رواية وردي مع الزمان والمكان. وتتقاطع الرؤية حول مشروعه السياثقافي بيد أن ما يتفق حوله كل الناس هو أن وردي كان فنانا من الدرجة الأولى وظف فضاء الأغنية للتعبير عن أفكاره. غنى لقيم الحق، والخير، والجمال. ومن هذه الزاوية نفتقد وجوده الباهر في حياتنا. ولا ندري متى، وكيف، نستعيض في قادم الزمن رواية ثقافية موحية، ومشابهة لروايته؟.
----------------------
ورود على قبر وردي الثلاثاء, 21 فبراير 2012 12:23 - حاطب ليل -
د.عبد اللطيف البوني (1)
في صباح الاحد الاول من امس كانت الحركة في العاصمة خفيفة جدا عربات وراجلين مع ان اليوم بداية اسبوع فالواضح ان الناس لزمت بيوتها لمشاهدة تشييع جثمان وردي من خلال التلفزيونات . لابل حتى الذين حاولوا مزاولة اعمالهم كالمعتاد كانوا في حالة حزن قليلو الكلام خفيضو الصوت وان كان ثمة كلام فهو عن وردي . لم اشهد في حياتي حزنا ساد كل البلاد وألم بكل الناس كما رأيته في ذلك اليوم . انه حزن نابع من الوجدان لم يعز به احد ولم تخلقه الميديا، حزن حفره وردي في الدواخل بما قدمه من فن راق (ولا الحزن القديم انتي ولا لون الفرح انتي). (2) في ليلة السبت مطلع هذا الاسبوع (جاءنا الخبر منشاع / في الاربع قبل اسود طويل الباع) وكانت قناة النيل الازرق اول من بثته للناس ثم اوقفت بثها على الحدث . قبل الخبر كانت القناة تقدم برنامجها الاجتماعي المعروف الذي يتصل فيه اصحاب المشاكل الخاصة بالسيدة سارة ابو والدكتور سليمان علي احمد ومقدمة الحلقة سهام عمر. بعد بث الخبر اصبحت الاتصالات حول وردي بينما تحول الضيفان الي معلقين على ذات الحدث والشهادة لله ان مقدمة البرنامج وضيفيها نجحوا نجاحا كبيرا في ادارة الموضوع الحزين رغم انه لم يكن في حسبانهم عندما بداوا حلقتهم العادية واستمرت الحلقة الي مابعد منتصف الليل. (3) اذاعة ام درمان بعد اذاعة الخبر ظلت تقدم في سيرة وردي الذاتية المسجلة باسمه وكانت تحذف الاغاني وتبث مكانها موسيقى حزينة مع اتصالات تلفونية فقد حالفها التفويق في تفردها . قناة الشروق التي كانت غائبة عن الحدث في ليلة السبت عوضت مشاهديها ببث يوم الاحد فقد اوقفته كله تقريبا على وردي وفي السهرة اعادت سهرة سوداني التي قدمتها نسرين سوركتي مع وردي بحضور الراحل حسن ساتي وابو قطاطي ثم روجت لسهرة الاثنين التي ستكون اعادة لحلقة حسين خوجلي مع وردي وكذا سهرة الثلاثاء ستكون معادة مع وردي. (4) كل الصحف الصادرة في الخرطوم صباح الاحد كانت عناوينها الرئيسة باللون الاسود عن الرحيل ومعظمها استخدم كلمات اغنيات وردي في نعيه للشعب السوداني مثل (وداعا نور العين) و(دي الاراردة) و(سامح دمعتنا المعذورة) و(وردي :--قلت ارحل) و(غادرنا من غير ميعاد) ومعظمها اوقف صفحة او صفحتين لمناسبة الرحيل وبعضها اعاد حوارات سابقة مع وردي وهناك من كتب عموده في ذات المناسبة رغم ان خبر الوفاة جاء والصحف في طريقها الي المطبعة لابل ان بعضها قد سحب من المطبعة بعد ذهابه اليها. (5) حكى لي ابني والذي ذهب على مضض لفصله الدراسي ان استاذتهم المحاضرة دخلت عليهم ووجدت اكثر من نصف المقاعد فارغا حتى الحضور كان بين واجم ومطرق فما كان منها الا ان انفجرت باكية وخرجت بسرعة ومن بعد خرج الطلاب واحدا واحدا في حالة لاتختلف كثيرا عن حالتها ولم يتكلم احد مع احد ولم يسأل احد احدا . اي سر هذا الذي استودعه الرحمن فيك ياوردي والذي جعل كل سوداني يعزي فيك كل سوداني
-----------------
محمد وردي.. هكذا تحدثت الاسطورة ..
بقلم: خالد فتحي الثلاثاء, 21 شباط/فبراير 2012 06:02
وأخيراً طوى محمد وردي (نوتة) ألحانه وحمل قيثارته ورحل عن عمر مديد انكفأ فيه على سكب ألحانه الشجية وموسيقاه التي طالما أثرت النفوس وشدت إليها الانتباه.. ولعله كان مثل (اورفيوس) في الميثولوجيا الاغريقية.. وهو موسيقيٌّ في الأساطير الإغريقية والرومانية، كانت موسيقى صوته وقيثارته من العذوبة بحيث كانت تتبعه الحيوانات والأشجار والأحجار، وتتوقف الأنهار عن الجريان كي تستمع إليه.. وتروي الاسطورة الاغريقية أيضا أن (اورفيوس) تزوج فيما بعد من (يوريديس) التي أحبها بشغف. وبعد موتها توجه (اورفيوس) إلى العالم السفلي كي يعيدها. وخلبت موسيقاه لب (هاديس وپرسفونه) حاكمي العالم السفلي، وسمحا لـ (يوريديس) بالمغادرة. ومثلما سحرت قيثارة (اورفيوس) من قبل سكنة الجحيم ونجا بحبيبته، وافتكها من براثن الموت، في المقابل شكلت موسيقى (محمد وردي) وجدان شعب، وجسدت أحلام أمة، أقعدتها المحنة وأوشك الطغاة على هزيمتها.. لكنها استعصت عليهم وعلى المحنة كما كتب الصحفي المصري الشهير مفيد فوزي على صفحات مجلة (صباح الخير) المصرية، "ان الناس كانوا يستمدون القوة من أغنيات وردي إبان كارثة السيول والامطار في 1988م". وكما تضوعت حياته عطرا كانت خاتمته مسكا فقد كانت مراسم تشعييه بالأمس آية لمن أراد أن يدكر، لم يتخلف أحد عن المجيء.. الكل جاء وفي لمحة نادرة شارك أحد المسيحيين في المراسم الجنائزية جاء متوحشاً بالصليب، مرتديا طليسانا أسود حالكا، كيوم رحيل عبقري الموسيقى السودانية الذي طالما حلم بأن يأتي وطنه على الموعد في تلاقي مثل هذا، كما تغنى في رائعة (محمد عبدالقادر أبوشورة)، (حدق العيون ليك ياوطن) قائلا: "موعدنا يا وطني الحبيب وحدة هلالنا مع الصليب" فالوحدة التي ظل ينشدها في حياته، هاهي اليوم تحققت عند رحيله. (1) (محمد عثمان حسن صالح وردي) المعروف اختصاراً بـ (محمد وردي) أبصر النور في (صواردة)، في 19 يوليو 1932م في ذات العام الذي شهد إغماضة الجفن لعبقري الاغنية السودانية في العصر الحديث "خليل فرح" ذو الصوت الشجي والاعمال الباذخة كـ "عازة في هواك"، " الشرف الباذخ "، وغيرها من الاعمال الخالدة التي ألهبت خيال جيل وشكلت وجدانه ولا تزال. ليس هذا فحسب بل إن بعضها تحول إلى رمز كـ (عازة في هواك ) التي بلغت مرتقى بأن تصيرت كنية للسودان نفسه.. قطعا هي المقادير من فعلت ذلك ، لكن فيما بعد سيتم تناقل نبوأة مفادها أن الاغنية فقدت هرما وكسبت آخر لا يقل عنه شموخا ورفعة وسمواً وعبقرية وهذا ما كان يردده دائما القطب الاتحادي (محمد نورالدين) بأنهم أهدوا السودان خليلا من قبل وها هم اليوم وقفوا يهدونه وردي. والرقم (19) ذو سر عجيب للمتتبع لمنحنيات حياة الموسيقار الراحل فقد ولد في (19) يوليو 1932م ودخل الاذاعة للمرة الاولى في ذات اليوم (19) يوليو 1957م وكانت له مع حركة يوليو التصحيحية التي سُميت بانقلاب هاشم العطا في (19) يوليو 1971م ذكريات وحكايات لا تنسى ولا تنتهي وأخيراً توسد الثرى في رحلة الموت الابدية في (19) فبراير 2012م. (2) (صواردة) مسقط رأس وردي؛ قرية وادعة بشمال السودان الاقصى، تعد من أكبر عموديّات منطقة السّكوت التي تكوّن مع منطقة المحس ووادي حلفا محلية (وادي حلفا). كانت البداية كما يقول وردي في رائعة (أبوآمنة حامد)، (بنحب من بلدنا)، "من حلفا البداية أحلامي وهناي".. تلك المناطق بسط التاريخ القديم عليها سطوته وسكب عليها لونه على نحو لافت، وتشكلت أفئدة الناس على مرأى النخيل متحداً مع النيل "النهر المقدس" متشابكا مع امتداد الصحراء، التي لا تفتأ ذرات رمالها (السفاية) تفلح الوجوه.. فيما تناثرت المعابد والاهرامات والتماثيل وغيرها من المعالم الاثرية على ضفتي النهر.. وكما يقال "ان الانسان ابن بيئته" حمل المتحدرون من تلك المناطق من النيل وداعته وسكونه والغضب والثورة حد الدمار ومن النخيل العزة والصلابة والتسامي ومن الصحراء امتدادها اللا نهائي وحرارتها اللاهبة وسحرها الغامض. ومحمد وردي كان واحداً من أولئك الناس جاء وفيه ملامحهم.. ذاق مرارة اليتم منذ نعومة أظافره، وكفله عمه (صالح وردي)، وككل العظماء الذين ذاقوا مرارة اليتم أحال وردي أوجاعه وآلامه الشخصية لطاقة ووقود حيوي لإبداع لا متناهي.. وقد رأيناها كيف أغرورقت عيناه عندما انعطف الحديث عن الأم وحنانها في برنامج (أعز الناس) بفضائية (الشروق) في رمضان الماضي.. وقال وردي بتأثر بالغ انه لا يجد لأمه صورة حتى في مخيلته لأنه لم يرها قط، لقد رحلت أمه وهو لايزال رضيعا، لكنه لم ينكسر ولم يستسلم، بل على العكس تماماً إذ نشأ معتداً بنفسه وبآرائه وبما يعتقد انه حق.. وهذه الخصال بالذات ستجر عليه فيما بعد حنق الكثيرين الذين لا ينفكوا ينعتونه بـ (الغرور) لكنه دائما ما كان يرد عليهم بأن ما يرونه ليس غروراً بل ضرب من الاعتداد بالنفس. (3) بدأ وردي حياته معلما بالمدارس الابتدائية قبل أن يتحول تماماً إلى الغناء ويفسر هذا الانتقال بأنه وجد صعوبة بالغة في المواءمة بين شخصيتي المعلم والمغني حيث يقول "كتير الطلبة يحضروا حفلاتي ولما أجي المدرسة الصباح يقولوا لي والله أمبارح كنت رائع يا أستاذ" وهذا الامر جعل شخصية المعلم تذوب شيئا فشيئا بخضم شخصية المغني الآخذة آنذاك في الصعود. لما يألوا وردي جهداً في سبيل الوصول لدار الاذاعة التي كانت بحق المنفذ الاوفر حظا لكل مبدع أراد الشيوع والانتشار. وهنالك حادثة ذات دلالة تروى في هذا الأمر بأن وردي دخل على الفنان الذري (إبراهيم عوض) وكان ملء السمع والبصر يومها عند قدومه لمدينة شندي لإحياء حفل بها وكان وردي أستاذاً بإحدى مدارسها الابتدائية.. والتمس وردي من إبراهيم عوض معاونته لدخول الإذاعة لكن الاخير رد عليه قائلا "يا ولدي درب الغنا ده صعب" ولا نبرح مكاننا حتى نروي قصة أخرى ذات صلة بها بأن الاثنين كانا يؤديان حفل سويا بعد ان تلاحقت الكتوف بعد سنوات. إذ دخل عليهما شاب ينشد المعاونة ليمضي في درب الفن فالتفت وردي إلى إبراهيم ونظر اليه نظرة ذات مغزى قبل أن يرد على الشاب بسرعة "يا ولدي درب الغنا ده صعب شديد" وضجّ الاثنان بالضحك. (4) بعد لأي وجهد كُتب لوردي الظهور على اثير الاذاعة السودانية في 19 يوليو 1957م بأغنية " ياطير ياطائر" من كلمات الشاعر إسماعيل حسن، والحان خليل أحمد ولهذا الامر قصة فالاذاعة كانت يومها تتبع نهجا بتخصيص شاعر وملحن لكل فنان جديد يُعتمد للغناء فيها وكان إسماعيل وخليل من نصيب الفنان الناشئ "شاعرا وملحنا".. وسريعا اتبع وردي (ياطير ياطائر)، بـ (الليلة ياسمرة) أيضا من شعر وألحان الثنائي (إسماعيل وخليل).. بيد أن نقطة التحول جاءت عندما خطا وردي أولى خطواته في عالمه الجميل المملوء وعدا وتمني بأغنية (أول غرام) التي صاغها شعرا ولحنا، ويروي وردي حكاية الاغنية قائلا بأنه وجد ان الطريقة التي سلكت في تلحين الاغنتين السالفتين لا تحققان مراده في الترقي والتميز بعالم الغناء الذي سادته منافسة شرسة .ويتذكر فصولا من تلك الايام في برنامج (نصف القمر) الذي بثه قناة (النيل الأزرق) منذ سنوات "لقيت نفسي ما حافوت فنانين الضل، الناس يسمعوني الساعة حداشر اتناشر، والاذاعة في الوقت داك كان فيها فنانين ممتازين (عثمان حسين)، (ابراهيم عوض)، (احمد المصطفى)، (عبدالعزيز داؤود) وغيرهم" ويمضي ليقول ايضا بأنه نظر إلى سياق القالب اللحني للاغنتين فوجد ان اللحن دائري يطوف حول أبيات الشعر في ايقاع واحد يكرر نفسه دون تغيير، فحاول في (أول غرام) ان يأتي بنسق جديد وهو ان يقوم اللحن بتفسير الكلمات. ويتطرق وردي لحادثة طريفة مشيراً إلى أن الاذاعي الذائع الصيت (محمد صالح فهمي) انتهره بغضب عندما قدم له الأغنية بأنها من كلماته فرفض إجازتها وقائلا "إنت ما مفروض تبقى شاعر، إنت مالك ومال الشعر، إنت تغني وبس". فما كان من وردي إلا وأن قام بنقلها في ورقة أخرى وكتب عليها من كلمات (علي ميرغني) والأخير شاعر وموسيقار تغنى له وردي بأغنتين إحداهما (حبي حبك شاغلني) وبعد الانتهاء من تلحينها ذهب لـ (خليل أحمد) ليسمعه اللحن، وخليل عندها كان يعمل بـ (طلمبة) بالسجانة وقال له وردي: "يا خليل يا أخي أنا عندي أغنية "فرد عليه خليل قائلا: ومالو نلحنا؟ لكن وردي فاجأه بقوله: أنا لحنتها؟ فزجره خليل قائلا: إنت إيه اللي عرفك بالتلحين". فوقعت مشادة بين الاثنين قبل ان يتصالحا فيما بعد كما يؤكد نفسه ضاحكا بعد الحادثة بسنوات طويلة. وتستشف من الحادثة المار ذكرها صبر وردي ومثابرته على مشروعه الفني التي جعلت الإذاعة تقوم بترقيته في وقت وجيز من فنان (درجة رابعة) لفنان (درجة أولى) أسوة بالاربعة الكبار (حسن عطية) و(عثمان حسين) و (احمد المصطفى) و (ابراهيم عوض). وفي سبتمبر 1958م اعتلى وردي العرش مع الكبار بفضل مدير الاذاعة الاشهر (متولي عيد) الذي لم ينس ان يهدده بإعادته إلى الدرجة الرابعة مرة اخرى إذا لمس منه تخاذلا أو تكاسلا. (5) ولم يمض من الوقت الا قليلا حتى وقع انقلاب 17 نوفمبر1958م بقيادة الراحل الفريق (إبراهيم عبود) و دخل وردي إلى استوديوهات (هنا أمدرمان) ليصدح بأغنية مطلعها (17نوفمبر هبّ الشعب طرد جلاده) التي صاغ كلماتها ولحنها وأداها بنفسه، تمجيدا لرجال حركة نوفمبر الذين رأى فيهم كما سيبرر فعلته فيما بعد صورة الزعيم الراحل (جمال عبدالناصر) دون ان يدري وقتها هل كان عبدالناصر نفسه ديكتاتور أم بطل شعبي . وما حدث يصلح ان يكون مدخلا منطقيا للتعليق على مدى صدقه في روايته للحادثات التاريخية التي يكون طرفا فيها فقد استمعت اليه وهو يسرد أجزاء من سيرته الذاتية في ليالي رمضانية في صيف 1987م على اثير الاذاعة السودانية في سلسلة من تقديم (معتصم فضل) المدير الحالي للاذاعة ثم في العام 2005م على شاشة النيل الازرق في برنامج (نصف القمر) من تقديم (سعد الدين حسن) لم يكد شيئا قد تغير أو تبدل في السرد ذات التفاصيل وربما بنفس العبارات.. كأبلغ دليل على صدق الراحل مع نفسه ومع الاخرين.. فقد درج على تقديم نفسه كما هو بلا تزويق أو رتوش.. يروي بثبات لحظات انتصاراته أو نكساراته.. الاوقات الحلوة في حياته وأوقاته المرة ساعات النصر وساعات المحنة.
وبعيداً عن سقطته السياسية تلك والتي جاءت نتاجا لفورة الشباب واندفاعه، كما قال بنفسه .. شهدت ذات الفترة إنتاج أعمال وقفت علامات مائزة في تاريخه الفني كنشيد (يا ثوار أفريقيا يا صناع المجد) من كلمات الشاعر الدبلوماسي (صلاح أحمد إبراهيم) والذي تحور بعد ثورة اكتوبر إلى (يا ثوار اكتوبر)، ونشيد (يقظة شعب) للشاعر النوبي (مرسى صالح سراج) ولا يختلف اثنان أن هذه الاغنية من أعظم الاغنيات التي تغنى بها فناننا العبقري على مر تاريخه الطويل. حيث عبرت كلماتها بصدق عن مكنونات أمة ومكونات شعب ضارب بجذوره في التاريخ المجيد.. وقد سكب فيها الموسيقار من عبقريته اللحنية وإيقاعاته الساحرة ما أحالها إلى مقطوعة فنية نادرة المثال.. وليت الورق كان ينطق إذن لما وجدنا عناء في بث هفهفة الكلمات وزفزاف الموسيقى عبر الورق، لكن ما بيد حيلة.. فالعلم لم يتوصل إلى ثمة اختراع بعد يحتال به على الحروف الأبجدية لتنطق على ورق الجرائد. (6) وكان وزير الاستعلامات والعمل اللواء (طلعت فريد) وهو أحد رجال نوفمبر يتابع عن كثب (بروفات) هذا العمل الرائع.. وذات مرة طلب من الشاعر بأن يحاول إدخال الفريق (أبراهيم عبود) في أحد مقاطع العمل لكن شاعرالاغنية رده بغير رفق قائلا: "ما بخشش لأنو ده تاريخ وإن شاء الله عبود بعد عمر طويل يجوا ويغنولوا ناس غيرنا" فسكت طلعت فريد على مضض رغم عدم اقتناعه بالحجة. في تلك الفترة أيضا رفد وردي وجدان الأمة برائعته (الطير المهاجر) من كلمات (صلاح أحمد إبراهيم) والقصيدة عثر عليها وردي على صفحات مجلة (هنا أمدرمان) في 1961م والتقطها بعيني خبير وقام بتوقيع ألحانه عليها. ولعله وجد في مقاطعها المملوءة بالشوق والوجد صورة متكررة من عذابات أهله الحلفاويين الذي هجروا ديارهم في وادي حلفا إلى هجرة أخرى لم يألفوها ولم تألفهم وهي موجدة لا تزال موغلة في أعماقهم حتى اليوم. تماما كما رأى الشاعر (محمود درويش) يوما ما في حصار رام الله صورة متكررة لحصار بيروت من قبل، فعندما صعد درويش على المنصة ليلقي شعرا في بيروت في العام 2000م، وكان العدو يفرض حصاره القاسي على رام الله وقتئذ استأذن الجمهور قائلا "من هنا بدأ الحصار اسمحوا لي ان نستعيد معا بعض المقاطع من (مديح الظل العالي)". ولما سئل (عبدالخالق محجوب) سكرتير الحزب الشيوعي الراحل عن رأيه بالاغنية التي فشت بين الناس وقتئذ ، وكان بينه وبين شاعرها ما صنع الحداد ومواقف سار بذكرها الركبان أجاب دون أن يتلكأ: "هكذا ينبغي أن يكون الغناء". وفي ذات الفترة قدم وردي أيضا نشيد (اليوم نرفع راية استقلالنا) لـ (عبدالواحد عبدالله)، وفي احتفال رأس السنة الماضية رفض (وردي) طلبا من الحاضرين بغناء هذا النشيد بالذات قائلا في سخرية لاذعة "هو وينو الاستقلال" .. لقد أدمى فؤاده انفصال الجنوب، وشبح التمزق الذي يحيط بالسودان حالياً. (7) ثم تفجرت ثورة اكتوبر كجبّار لا يرحم في 21 اكتوبر1964م ونقشت في ضمير تاريخ السودان الحديث كائنا فريدا قل مثاله . فلو سلمنا جدلا بأن انتفاضة ابريل التي أطاحت بحكم الرئيس (جعفر نميري) في 6 ابريل 1985م قد تخلقت في رحم اليأس بعد أن صك الشعب وجهه وقال "عجوز عقيم" والشاهد أن اكتوبر أتت كالفجر أو" زي شعاع الشمس من كل المداخل" جاءت في الزمن الصحيح وحيثما انتظرتها الجماهير الثائرة ولم تتأخر. ولعل الدماء التي صبغتها منحتها خلودا على خلود، وصيرتها اسطورة من أساطير الشعوب المقهورة في طريقها للخلاص من حكم الطواغيت وسعيها نحو الحرية والانعتاق. وبرمزيتها تلك أجبرت ثورة اكتوبر كل المبدعين في كل المجالات على التفاعل معها وبها وإليها وتفجرت قريحة الشعراء كأجمل ما يكون وتدفقت الالحان وتموسقت الكلمات وتفجرت حناجر الفنانين ومن ورائهم الشعب بكل طوائفه وفئاته وأحزابه غنى لثورته الفتية ولم يكن وردي بدعا من أولئك النفر من ذوي الابداع فترنم بأناشيد وأغنيات شكلت فيما بعد علامات فارقة في مسيرة الاغنية السودانية مثل (اكتوبر الأخضر) للشاعر الدبلوماسي محمد المكي ابراهيم و(أصبح الصبح) و(لحظة من وسني) لمحمد مفتاح الفيتوري، وغيرها من الاعمال التي تخلدت بذاكرة الشعب. وثمة أمر لا مناص من الاعتراف به وهو أن أحد من المعنيين يبز وردي في الغناء لشعبه والالتزام بقضاياه والتعبير عنه وبأمانيه في كل سانحة وبكل وقت. وللجميع في رائعة محمد المكي ابراهيم (جيلي أنا) أسوة حسنة لكل حادب على وطنه، فقد غدت أنشودة على السنة كل الناس و(كولينغ) لكل الاحزاب والتنظيمات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا ننسى الوسط. (8) وكما أسلفنا فقد اكتوبر جاءت فتية. تماما في الزمن الصحيح فكان غناء أمجادها وشهدائها فتيا مثلها سيما وقد اصطبغت باللون "من دم القرشي وإخوانه"، آخذين في الاعتبار ما أتت تحمله من شعارات التطهير "لا زعامة للقدامى" و حقوق المرأة وحقوق الطبقة العاملة.. وغيرها من الشعارات التي اكتست بها ملامح الثورة.. ويقول وردي في مرحلة ما أحسست ان الثورة تتراجع فبدأت أغني أغنيات "إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي" و"شعبك أقوى وأكبر مما كان العدو يتصور" وفي تلك الاجواء حلت بالساحة السياسية بالسودان كارثة حل الحزب الشيوعي، وطرد أعضائه من البرلمان في 1965م على خلفية عبارات مسيئة تفوه بها طالب شيوعي بندوة عامة بدار المعلمين في 1965م، ولم تقف الامور عند ذاك الحد بل أخذت منحنى وعراً بعد تحدي البرلمان قرار المحكمة العليا بإبطال قرار الحل. ومن المؤكد أن المغني تأثر جدا بتلك الاجواء.. وكما يعلم القاصي والداني فقد كان وردي حينها تقدميا ملتزما بتعاليم اليسار، فضلا انه من المغنين الذين يملكون آراء واضحة وأحيانا صادمة فيما يغنون وينشدون. وهنا لابد من الاشارة لمقالته للشاعرالراحل (النور عثمان أبكر) عندما دعاه للالتفات لفنه دون الخوض في السياسة قائلا "إنت ما تغني ساكت مالك ومال السياسة" فرد عليه وردي قائلا "يا أستاذ النور يبقى راديو ساكت ولا شنو". الشاهد أن المجموعة الفكرية التي انتسب اليها وردي وإن شئت فقل (الحاضنة) التي تشكلت فيها موهبته أسهمت بشكل واضح لا تخطئه العين في رسم الطريق أمام ناظريه وفي تفتيح وعيه وتشكيل وجدانه اهتماما بالجانب القيمي للفن، وان الاغنية ليست ملهاة أو طرب والسلام، بل تعبير عن أحلام الناس وقبلها آلامهم وكان نتاج هذه المرحلة التي يطلق عليها مرحلة "الشعراء الفلاسفة" ان شكلت قنطرة أو جسر عبور لمحمد وردي من مجرد مغني عادي إلى فنان عبقري واعي بقضايا أمته وشعبه، ومن أبرز شعراء هذه المرحلة (عمرالطيب الدوش) و (علي عبد القيوم) صاحب نشيد "نحن رفاق الشهداء" وفي تلك الآونة أيضا اتجه (وردي) لخوض تجربة الغناء بالفصيح كما في (الحبيب العائد) لـ (صديق مدثر) و (مرحبا يا شوق). وغني عن القول إن هذه المرحلة أعقبت مفارقة وردي لصفيه ورفيق دربه الشاعر إسماعيل حسن الذي شكل معه ثنائيا من أروع الثنائيات الفنية بتاريخ الاغنية السودانية، حيث توقف وردي عن ترديد أغنيات "ود حد الزين" طوال تسع سنوات امتدت من 1965حتى 1974م ولم يكسر الصمت بين الاثنين إلا رائعة (سماعين)، (وا أسفاي) التي دار حولها جدل كثيف في أن (وردي) اختصها لنفسه من (صلاح بن البادية) التي هفا قلبه لغنائه بعد أن رأى فيها كما قيل تجسيدا حقيقيا لمسارات حياته التي تقلبت من جهة لأخرى خاصة في المقطع الذي يقول "إرادة المولى رادتني وبقيت غناي، مع المكتوب أسوي شنو براهو الواهب العطاي". وأثمرت فترة "الشعراء الفلاسفة" عن أغنيات فائقة الجمال خاصة بعد أن سكب عليها وردي من عبقريته اللحنية إيقاعات أسطورية جاوزت حد الادهاش ولقد أدهش وردي بالفعل متولي عيد مدير الاذاعة السودانية عندما أسمعه أغنية (الود) التي قام بتوزيعها الموسيقار الارمني الشهير (اندريا رايدر) حيث قام وردي بستجيلها بقاهرة المعز بصحبة اوركسترا مصرية بمصاحبة عازف الكمان الشهير (محمدية) فقط من السودان واكتسبت (الود) شهرة واسعة خاصة بمقدمتها الموسيقية الطويلة التي لم تكن مألوفة آنذاك في الغناء السوداني. (9) ويسرد وردي حكايته الغريبة مع رايدر في إحدى مقابلاته الصحفية قائلا: "كان البواب غليظاً غطى شارباه نصف وجهه الأسفل، صاح بلكنة صعيدية (مين)، رد عليه الشاب النحيل: محمد عثمان وردي، قبل أن يتمعن في الاسم سأل مجددا: عايز مين؟، فأجابه: عايز أقابل الموسيقار أندريه، أمره الحارس بالانتظار غاب دقيقتين ثم عاد وبدون تردد حسم الأمر بقوله: ما عندناش مواعيد دلوقت يا بيه ما نستغناش. لكن يبدو أن الشاب الأسمر كان مصمماً: أنا لازم أقابلو، أنا جاي من السودان عشان أقابلو. بعد تردد عاد الحارس مرة أخرى إلى داخل الفيلا، ثم ابتسم في وجه الشاب: أتفضل يا بيه بس ما تطولش أصلو البيه معاه ضيوف من الكبارات. لم أتمكن من الدخول مع الشاب الأسمر النحيل ، كان الحارس متمترساً كالثور البلدي والريح تصهل بين طرفي شاربه الكث ، لكن الشاب يروي القصة كاملة : كانت الصالة واسعة .. فخمة المحتويات .. الستائر على النوافذ بألوان متناسقة مع الأثاث .. كان هناك عدد من الضيوف في سهرة الموسيقار الزائر .. رن صمتٌ مطبِقٌ عندما دخلتُ الصالة .. أذكر أن بصري وقع أول ما وقع على الفنان الكبير فريد الأطرش وبجانبه عوده المزخرف على نحو أنيق ورائع .. ومجموعة من الفتيات والفنانات المصريات والعربيات .. سألني أندريه مبتسما ابتسامة الفنان الذي يتوقع بحدسه الذكي ميلاد مفاجأة ما من أنت؟أجبته بثبات: (محمد وردي .. مطرب من السودان) .. رحب بي وأجلسني إلى جواره .. أضفتُ بدون تردُّدٍ (لديَّ عمل فني قمت بتلحينه في السودان وأرغب في عرضه عليك لتوزيعه إذا راقك) ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة شجعتني .. طلب أن يسمع شيئا من ذلك اللحن .. لم يكن معي عود .. فبادر أندريه بطلب عود الفنان فريد الأطرش الذي كان ينظر لي نظرة نجم القاهرة للغريب المقتحم .. استجمعت في تلك اللحظات كل شجاعتي لتأكيد استحقاق أغنية الود للمشقة التي تكبدتـها من أجلِها منذ سفري من الخرطوم وحتى وصولي إلى القاهرة وانتهاء باقتحامي هذه السهرة المترفة .. غنَّيت بصوت عالِ أذهل الحضور وتمدد مستفيدا من الصمت الذي فرضه على المكان .. وكانت المفاجأة أن أندريه أمسكني من يدي وطلب مني الانتقالَ معه إلى غرفة داخلية ..كان بها البيانو الكبير الذي يستخدمه شخصياً .. ومنذ تلك اللحظة كان ميلاد أغنية الود التي لم أشأ أداءَها مرةً أخرى حتى لا يتشوَّه توزيع أندريه الرائع لها). وأضاف وردي (أصريتُ على أن يتمَّ عزفُ مقدمة المقطع الثالث من الأغنية بآلة الطمبور.. وكانت تلك مغامرةً تجريبيةً أثبتت إمكانيةَ هذه الآلة العريقةِ على مزاملةِ بقية الآلات الموسيقية الثابتة .. بل وأثبتت تألقها.. وذلك ما جعل ذلك المقطع من الأغنية ساطعَ الحضور في سماء القالب اللحني العام للأغنية". ولأن اللحن بلغ حد الكمال الموسيقي آثر الموسيقار الراحل الا يشدو به مرة أخرى وأضحى لا يعيد غناءها ثانية وظلت هكذا بتوزيع العبقري (رايدر) وإلى الأبد. (10) ثم تفجرت ثورة مايو 1969م بقيادة العقيد جعفر نميري حمراء قانية اللون، ويسارية الهوى حتى ان البعض أطلق على السودان وقتها لقب "كوبا أفريقيا"، ولم يمض وقت وجيز حتى أهدى الموسيقار الراحل الانقلاب الوليد نشيد (في حكاياتنا مايو) ومن مقاطعه التي لا تنسى (أنت يا مايو بطاقتنا التي ضاعت سنينا.. أنت يا مايو ستبقى بين أيدينا وفينا.. لم تكن حلما ولكن كنت للشعب انتظارا).. وسرعان ما اتبعها بنشيد آخر (يا حارسنا وفارسنا) الذي ظل يبث حتى الايام الاخيرة لنظام مايو، وقد اعتذر (وردي) و(محجوب) عن تلك الاناشيد ، ويحكي الشاعر (محجوب شريف) عن تلك الايام في مقابلة مع (محمود المسلمي) في برنامج (همزة وصل) على إذاعة (لندن) بث في تسعينيات القرن الماضي عند سؤاله عن القصيدة التي قدمته للناس فأجاب بطريقة مباشرة ودون مواربة "أقول لك بكل آسف لأغنية "يا حارسنا ويا فارسنا" ويفسر محجوب شريف مبعث أسفه وحسرته تلك انهم استقبلوا ذلك الانقلاب (في إشارة لمايو)، بصدق فني لكن دون وعي سياسي أو اجتماعي وهذا ما أوقعهم في فخ الغناء له وتمجيد قادته. ويبدو أن النشيد كان عرضا من (أمراض الطفولة اليسارية) على حد تعبير لينين الشهير. ومن المهم جدا الاشارة إلى أن الموسيقار الراحل وشاعر الشعب أصبح فنهما من لدن تلك الواقعة (قوسا بيد الشعب) فقد تبرآ معا من الغناء لغيره أو تمجيد أحد سواه.. نعم هو الشعب ولا أحد سواه كما يقول (صلاح أحمد إبراهيم) عنه أي (الشعب) في مساجلاته الذائعة الصيت مع (عمر مصطفى المكي)،" وهبته ألذ سويعات العمر، وأحلى سني نضارتي ورونقي.. ووهبته وقتي وراحتي وأماني ومستقبلي وقلمي وألمي ودراهمي المحدودة، لأن الكتابة لا يمكن ان تكون فيما عدا خلسات محفوظة.. متعة جمالية بحتةأ بل استمرار مؤلم ومستوحش للنضال". واذا كانت الكتابة التزاما مؤلما ومستوحشا فضروب الفن الاخرى وبينها الموسيقى والغناء لا تقل عنها خطرا.. وفي درب الالتزام تجرع وردي المر وذاق الحنظل، لكنه لم يلن أو تنثني له قناة. لم تمض سنتان حتى قاد (هاشم العطا) ثورة تصحيحية ضد ثورة مايو، ورمزها (جعفر نميري) في 19 يوليو 1971م غير أن الحركة لم تصمد سوى ثلاثة أيام، ثم عاد نميري اكثر وحشية ودموية ورغبة في الانتقام فقتل من قتل وشرد من شرد وسجن من سجن.. وكان من بين الذين طالهم السجن محمد وردي الذي نزل بساحة سجن "كوبر" العتيد. وفي السجن أكثر وردي من المطالبة بأن يعطى (عوده) وفي إحدى المرات رد عليه مدير جهاز الامن وقتها (عبد الوهاب) قائلا "يا محمد وردي نحن ما قبضناك عشان راكب دبابة قبضناك عشان عودك ده وما حنديك ليهو". ويروي صاحب (الوطن) الراحل (سيد أحمد خليفة) بعضاً من ذكرياته والموسيقار الراحل في أول احتفال بذكرى اكتوبر داخل المعتقل بسجن كوبر "يوم الحفل العظيم داخل فناء السرايا بسجن كوبر ومن على مسرحها أنشد الفنان محمد وردي أجمل وأعظم أناشيده الاكتوبرية الجبارة، ومعها أنشد الجديد الذي بشَّر بالحرية ونهاية الظلم قائلاً (اكتوبر .. دناميتنا دناميتنا.. ساعة الصفر.. ركيزة بيتنا) والنشيد من كلمات (محجوب شريف) الذي كان معتقلا معهم في نفس المكان.. ويضيف صاحب (الوطن)" وخلف وردي وهو على المسرح وحوله الكورال والشيالين والعازفين والمبدعين كانت الهتافات والتحديات تزلزل أركان السجن العتيد الذي أعلنت إدارته حالة الطوارئ . وأصاب الهلع والفزع من كانوا في بيوتهم أو في مجالسهم بعيداً عن السجن من سدنة النظام وقادة المقاصل وقتلة الرجال.. وقد أدى ذلك المشهد الفريد بجانب الاستنفار العسكري داخل وحول سجن كوبر إلى تجمع الآلاف من المواطنين حول السجن عندما حملت الرياح الجنوبية والشمالية نحو (800) منشداً كانوا معتقلين يرددون خلف الفنان (محمد وردي) و (محمد الأمين) و(جمعة جابر) و (إدريس إبراهيم)، الأناشيد الثورية والحماسية بأصوات ما كان يمكن أن تبلغ المدى السمعي لو جهزت لها أعتى وأكبر مكبرات الصوت". وأتاحت له فترة السجن فرصة التقاط أغنية ستكون لاحقا أحد أجمل أغنياته على الإطلاق (أرحل) وكلمات الاغنية وصلت إلى وردي بطريقة غريبة حيث وصلت اليه بطريق الصدفة عندما لفت له عقيلته بعض أغراضه بصفحة من جريدة (الصحافة) كانت القصيدة منشورة بها. و(أرحل) مثله سابقتها (من غير ميعاد) التي التقطها الموسيقار الراحل من صحيفة (السودان الجديد) بعد أن قام بنشرها الشاعر (محمد يوسف موسى) على صفحة فنية أسبوعية كان يقوم بالاشراف عليها. وتغنى بها وردي للمرة الاولى في برنامج (تحت الأضواء) من تقديم الهرم الإعلامي (حمدي بولاد) قبل وقت قليل من انقلاب مايو 1969م وشاعرها (التيجاني سعيد) لم يكن قد بارح الثامنة عشرة من سني عمره بعد. وفي ليل السجن الطويل واللا نهائي تصبح القراءة إحدى وسائل تزجية الوقت وقد التقطت عيناه قصيدة بعنوان (قبض الريح) للشاعر (التيجاني سعيد) ففكر في تلحينها لكن واجهته مشكلة في الكورس وتوزيع الايقاعات فتولى السجناء والمعتقلون تلك المهمة،، وأيضا جرى تغيير اسم الاغنية إلى الاسم الذي ذاعت به بناء على ملاحظة الرشيد نايل وهو القاضي الشرعي الوحيد الذي انتسب إلى الحزب الشيوعي آنذاك بأن (قبض الريح) تكريس واضح لمناخ اليأس والإحباط خاصة وأن جميع الرفاق إما قتيل أو حبيس أو مطارد وعليه جرى تعديل اسمها لتصبح (أرحل). والاغنية فاجأ بها محمد وردي جهموره في حفل غنائي بكازينو النيل الازرق في 1973م .. ولعلها اكتبست بعداً سياسياً من هذا حيث شدا بها الموسيقار الراحل بعد وقت قليل من الافراج عنه رغم ان شاعرها ذكر في أكثر من مناسبة أن الاغنية لا تحمل ثمة مضامين سياسية وأنها أغنية عاطفية بحتة .. وبعد سنوات انبرى الموسيقار (يوسف الموصلي) لإعادة توزيعها مع أخريات من أعمال وردي إبان فترته بالقاهرة في النصف الاول من تسعينيات القرن الماضي. لكن الموسيقار الراحل لم يظهر رضا بشأنها بل عمد لانتقاد الطريقة التي اتبعها الموصلي في توزيع الاغنية ورأى ان الطريقة تجافي ما تعودته الإذن السودانية. (11) وبعد انتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت بالرئيس (جعفر نميري) غنى وردي للشعب كما لم يغن أحد. وتلك الفترة بالذات كرست لزعامة وردي الفنية وصيرته فناناً للشعب ومعبراً عن صوته بلا مراء ودون منافس حتى يومنا هذا. لدرجة ان البعض أطلق عليه "فنان أفريقيا الأول" لشعبيته الخرافية غير المسبوقة في دول القارة السمراء خاصة منطقة القرن الافريقي ودول شرق ووسط والغرب الافريقي. وبعد وقوع انقلاب الانقاذ في (30) يونيو 1989م اتخذ الموسيقار الراحل قرارا بالخروج من السودان بعدما فشل في التعايش مع الإسلاميين الذين بدأوا في التضييق على الناس وشهدت تلك الفترة أغنيات قوية لوردي في مواجهة قادة الحكم الجديد أشهرها نشيد (سلم مفاتيح البلد) لـ (محمد المكي إبراهيم) والتي بلغت شأوا أن صارت شعار تعبيريا عن مرحلة بكاملها وكثيرا ما صدح بها رئيس التجمع الوطني الديمقراطي (محمد عثمان الميرغني) في وجه الاسلاميين .. "سلم تسلم"، وأيضا غنى وردي نشيد (من طواقي الجبهة لي دقن الترابي) من كلمات (المكاشفي محمد بخيت).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
أحزان الطمبور والنخيل والناس عبد الباسط سبدرات
في هدأة الليل وقد غفا الطمبور في سنة من رهق يوم طويل.. ظلت أوتاره تمارس الوجع الطروب .. فالليل جزء من أوتار الطمبور.. والنيل يشكل وتره القادر على الإفصاح بالشجن الدفين.. وحفيف النخيل الصنوان هو تمام التيمة التي تفضح البحة الخفية فيه .. أما أنامل النوبي التي تبعثر في الفضاء الواقع شرق الساقية وغرب الجرف الذي أشعل في النعناع البوح الحلال.. يشتعل لهب تبثه الأوتار فيسقط في أذن العشاق رذاذا من ماء الكولونيا والصندل، يد النوبي التي تفك أسرار الطمبور هي اليد الأقدر على استنطاق أوتار الطمبور في أن يحرك في النهر حركة المد والجزر.. ويعطي الموج القدرة في رقص يكشف العوار في السامبا ويصيب التانغو بشلل الأطفال.. الطمبور إنسان يمشي على أوتار من ريش الحمام.. الطمبور هو صهيل لا تعرفه صافنات الجياد.. الطمبور هو نزف (حبن) يوجع الوجع نفسه.. الطمبور هو محمد وردي.. ومحمد وردي هو أوتار الطمبور.. وأنامله هي التي تدفع في أوتار الدم الغني ببلازما العشق والتطريب.. حين يغيب عن مدينة العشق محمد وردي.. وحين يلامس انامله أوتاره بسبب الموت.. يصيب الطمبور العشى الليلي فلايبصر .. يفقد القدرة على أن تسري عبر أوتاره الأشجان.. يتبكم تماما ويصبح كعرجون النخل تعبث به الرياح.. يموت البوح ويغدو عواء ل###### عقور.. رحل وردي فماتت حديقة الورد البلدي الشديد الإغواء.. ودخل الطمبور عدة المتوفي حبيبه.. وكذلك يفعل النخل.. والنخلة أرض وامرأة .. وحرز.. النخلة إنسان تام الخلق والتكوين.. تعرف أنها نسيج وحدها.. وأنها من طينة الإنسان.. فلهذا فهي تعرف كيف تعشق.. وكيف تصفف شعرها، وكيف ترسل ظلها بقدر يتيح للشمس ان تخترق برودة الظل التي تصنعه.. والنخل مثل الناس أمة وقبائل .. غير إنه في شئ واحد.. لا يعرف الحقد ولا الحسد ولا الغضب.. حين يعتدي الفأس عليه.. يضم جرحه العميق، فإن لم تكن ببحث عن أخرى ولا يمل المحاولة أبدا، وهكذا يسكن الوجع ويتفرع للإثمار .. والسكر المخزون في جينة التمر سكر رباني فشلت كليات صنع الحلوى ومختبرات فنون الطعام أن تقترب من تركيبة سكر التمر.. وهكذا تفرد تمر أرض المحس.. ومحمد وردي نخلة نبتت في جزيرة (صاي) ، ولكنها نخلة حملت طعم (القنديلة) و(التمودة) و(الزغلول)، ولم تجاف (البركاوي)، وغارت منها تمرات الخليج بعنفوان (العنيزي) و(السكري) وكذلك (البرحي).. هو نخلة جريدها غير قابل للذبول.. ولأن النخلة لا تسقط أوراقها .. وكذلك لا يسقط لحن أو أغنية غناها وردي في سوق بورصة الغناء.. من جريد النخل.. ومن طلع المخل.. ومن عنفوان النخل.. ومن علو هامة النخل.. ومن حلاوة سكر النخل.. ومن الرطب والعجوة.. من سلالة نخل السودان كانت النطفة النبيلة التي غد حديقة نخل تحف الدنيا.. فكان محمد وردي.. وحين يغيب عن ضفة نهر النيل ذلك الصوت .. فلا يسمع النخل الصوت الذي يصنع سكر التمر ويزيد الجريد عنفوانا وخضرة.. حين يعلم النخل من حمامة ملتاعة ان وردي قد رحل عن مدينة القمر.. تجز النخلة الأنثى ضفيرتها وتستأصل رحم الانجاب فيها فيغدو الشاطئ يتيم الأبوين.. الطمبور.. والنخل.. وكذلك يفعل الليل.. والليل في أرض المحس ليل آخر.. حين تشرق الشمس هناك يستحم النيل بأول شعاع ضوء تسلل كخيط ففي كسول وخجول.. وتبدأ (القماري) عزف سيمفونية الشروق فتشارك السواقي بنحيب فاتر الحزن وكأنها تضن على الدنيا بدمعة حزن.. يعتدل النخلة في وقفته وكأن إمام الصلاة نادى (اعتدلوا.. استقيمو.. يرحمكم الل..).. ثم يبدأ الجميع الاستعداد باكرا لإستقبال الليل.. الليل هناك امرأة قضت النهار بين الجروف حتى كاد الليل يباغتها ولم تستعد بعد لشاي المغرب الملبون الحروق بذكاء يضفي نكهة حريق مكتوم الصوت.. يبدأ الليل طفلا وقت شاي المغرب .. ثم يبلغ الحلم بعد صلاة العشاء.. ثم يكتمل فتوة حين يتعانق الطمبور.. والنخل والليل.. وقتها يكون محمد وردي قمر الليلة ومصباح ليلها البهيم.. يكتمل القمر بدرا شابا فنيا ولو كان ذلك اليوم الاول في الشهر العربي .. فصوت وردي يشع بنور الشجن والحزن النوبي ليقديم صوته قهوة يصرخ في فنجانها المسك الفخيم.. صوته مثل فطيرة أعدت لعريس تزوج نخلة من بنات الحفير.. صوته كرقة الموج تلامس صدر ضفة أعاق الهدام ضفائرها فغدت تشكو لوردي سر حزنها.. والليل مهر وردي الذي لا يعرف الجموح.. الليل .. النيل .. النخل.. والشقيق الطمبور.. كان محمد وردي الحبل السري بينها.. وبغيره لا تعرف الأوردة نقل الدم في الدورة بينها والشرايين.. وحين يرحل عن مدينة النهر والنخل والطمبور.. وردي يبقى الليل بلا عيون.. وكذلك يفعل الناس.. والناس يختلفون مشارب وقبائل وشعوبا وسبل كسب عيش.. لكنهم رغم ذلك وذاك.. يعرفون سر الوجع في صوت وردي وقد كشف سر وجعهم فدهن أوجاعهم بمس من (مرهم) فشلت معادلات الكيمياء في تحضيره وتسويقه.. (المرهم) تركيبة من طلع النخل وحزن الطمبور وسكون الليل وميلودي وردي هي هبة خالصة من الله له.. أيها الموت أنت حق!.. فمعذرة إن لم نكن بقدر المطلوب من الصبر وإن غالبنا وغلبنا..فنحن أصحاب أكباد شقق الحزن فصوصها.. فبكى معنا الليل والنخيل والنيل والطمبور!.. وكل النـــاس..
-----------------
وردي قامة تفيض عن المكان
عمر العمر
المفاجأة في سيرة وردي ليست في رحيله، بل في حياته ثمانين حولاً. وردي رجل تضج قامته الفارعة على امتلائها بنزق الفنان الشفاف وقلق المبدع المرهف وضجر الموسيقار من رتابة الإيقاع اليومي وسهد الليالي الخالية من الأنس الجميل والفرح الموشى. وردي إنسان تتمكن النرجسية منه، تمكنه من الغناء، فتفيض نفسه كبرياء عارماً يغرق من لا يعرفه في الأحكام الجائرة بحقه. وردي مواطن مستنير شديد الاعتداد بجذوره ،مفرط في إحساسه بوطنيته، جسور في الانتماء إلى الشعب. وردي فنان ينام ويحلم ويصحو على رصيده في التلحين والتطريب مهجوس بالتجديد وتعزيز جماهيريته. وردي أراد لنفسه حياة الفنان المتفرد حتى لو حملته هذه الإرادة الغلابة للانغماس في بوهيمية المبدعين تقلبا في نورها أو اكتواء بنارها. وردي ابن الطبقة السودانية الوسطى الأصيلة ينفق حين يواتيه الفرج إنفاق من لا يخشى الفقر، وينطوي على نفسه بكبرياء عفيف يحسبه الجاهل غنياً من التعفف. هكذا قضى وردي سيرة حياته متأرجحاً بين الخير والشر، بين الجمال والجمال، راكباً كل أمواج المد والجزر. رجل هذا حاله يعجب المرء في بقائه على الصمود حتى الشرفة الأخيرة في السبعينات أو عتبة الثمانينات. وردي ظل طوال سني عمره في حرب مع المكان. لديه شعور مكين بأن قامته أكبر مما يشغل من مساحة. هكذا ضاقت به صواردة فسبح عكس التيار يلتمس رحابة في العيش والمكان. هو الإحساس نفسه دفعه إلى كسر جدران الفصول المدرسية بحثاً عن أفق أوسع لحنجرته. هو شعور مبكر بقدرة على مخاطبة قطاع شعبي أكثر عرضاً من قاعدة التلاميذ. موهبة أصيلة تبحث عن فضاء أوسع للتعبير عن ذاتها والانطلاق. هكذا تأبط وردي عوده وارتحل إلى العاصمة، المدينة الأرحب والأوسع والأكبر، جاءها بروح التحدي فما كان له أن يخسر الرهان فانطلق منها إلى فضاء السودان عبر الأثير. مخملية الفن والشهرة لم تحجب وردي عن انتمائه الشعبي. عندما استدعى ظرف سياسي كسر وردي أطره المخملية ونزل إلى الشارع، شارعاً حنجرته ضد العسكر. مرة أخرى ومن موقع مغاير يؤكد الفنان صراعه المحموم مع المكان. معزز بالروح الوطنية ذاتها ومشرب بالصراع المحموم نفسه ضاقت مساحة الوطن بوردي غير مرة ،فآثر تحت ضغط الإحساس بالانتماء إلى الشعب دخول السجن على تجاهل حقوق المواطن مع بقائه على هامش الوطن. حين ضاق صحن الوطن بقامة وردي اختار العيش في المنفى بكل شظف المعاناة. تلك لم تكن نزوة بل انطلاقاً من إلتزام أكيد بوعي الفنان ودوره في التنوير. لذلك تردد وردي على المنفى أكثر من مرة. في سياق صراعه المحموم مع المساحة لم يقصر وردي صوته على التطريب، بل شرع حنجرته بالأناشيد الوطنية الحماسية فألهب الجموع. لعمرك ما كان السودان ليضيق بأهله لكن آفاق الرجال تضيق. على هذا النسق ضاق المنفى بوردي فعاد قافلاً إلى مقرن النيلين. ذلك لم يكن عن وهن في الإرادة. وغباش في الوعي أو عمش في الرؤى. صحيح وجد وردي في الإنقاذ بعد رجوعه دفئاً لم يكن يخطر ربما بباله، لكن دفء النظام لم يذب انتماءات وردي القديمة، كما لم يجد في حضنه ما يعينه على الانسجام مع المكان والزمان. هي الحقيقة المؤطرة في جنازته شبه الرسمية. هو الانتماء إلى الجذور الذي اجتهد وردي لابتداعه في موسيقاه حين أدخل طمبوره على جوقة أوركستراه. في نوتته الموسيقية، ضاق وردي بسلالمنا التقليدية وإيقاعاتنا الرتيبة فحلق بأغنياته في مدارات قصية على أنداده ومجايليه. هو الشعور الإبداعي نفسه حيث تتلاقى النوبية بالعربية حتى لتذوب كل منها في الأخرى في فضاء أكثر خصوبة. هو الإبداع الموشي عربية وأفريقية الذي حمل صاحبه إلى فضاء القارة السمراء نجماً زاهياً لامعاً. بعد 80 حولاً أكثر سني عقودها حضوراً مثيراً يحق لوردي أن يضيق بدنيانا فيرحل إلى العالم الآخر.
------------------
الموسيقار أحمد المك:لم تنجب الدنيا عبقرية موسيقية.. كوردي..!! حوار: الرأي العام
الموسيقار أحمد المك، احد أذرع اللحن الغنائي السوداني (الطاعم) اليوم، امتدت أنامله المموسقة إلى عدد من النصوص الشعرية، فأحالت أثيرها إلى نوتة غنائية متكاملة (الميلودي)، فما أن فتحت (دواليب) أغنية تبثها منتجات الفن، إلا وتجد أن (الأرفف) عليها بصمات أنامل هذا الوتر الحساس.. أحمد المك استضفناه في هذا الحوار وكعادته رحّب وابتسامة (مدوزنة) على شفتيه ليتحفنا بأحقية الاجابات.. =اتهم موسيقار ألماني الموسيقى الشرقية بما فيها الخماسي بأنها تفتقد إلى (الخيال)..؟ - هذا الموسيقار قال هذا الكلام لأنه لم يستمع إلى الموسيقى السودانية، نعم أقول هذا بكل صدق واعتزاز، فلو أنه استمع فقط للمقدمة الموسيقية لأغنية (جميلة ومستحيلة) للموسيقار محمد وردي، لما تفوه بذلك..!! = أنت كموسيقار، هل تجعل هذه (المقدمة الموسيقية) معياراً للتحدي..؟ - نعم، أنا مقتنع تماماً بهذه المقدمة الموسيقية، بل أزيدك ايضاحاً، الفنان والموسيقار محمد وردي لم تأت الدنيا بمثله على مستوى العبقرية الموسيقية.. = رغم أن هنالك عمالقة يشاطرون وردي هذا الامتياز..؟ - هذا الكلام ينسحب على بقية العمالقة عثمان حسين ومحمد الأمين وغيرهم، في أن الموسيقى التي أنتجوها مفعمة بالخيال، خصوصاً إذا أضيفت لها محمولات اللغة من كلمات ومضامين بلاغية في النص الشعري.. = إذن أنت من أنصار الأغنيات الوثيرة..؟ - دوماً تجد أن أجمل الأغنيات الحالمة هي الأغنيات (الكبيرة) أي ذات السعات الزمنية الكبرى، وهذه الأغنيات للأسف لم تجد فرصتها اليوم من البث والانتشار، حيث تمت السيطرة بمجمل مواعين الاعلام للأغنيات (التيك أوي) أي التي لا تتجاوز الـ4 أو 5 دقائق.. = ترى لماذا لا تجد فرصتها.. برغم جودتها التي ذكرت..؟ - نحن للأسف نقع اليوم في مأزق مع الاذاعات الخاصة (الاف ام) بعضها يبث أغنيات (أي كلام) وربما يعزى ذلك إلى معايير الاستماع لدى شباب اليوم (الأغنيات الخفيفة0) بمعنى أن هذا الجيل لم يصبر على الاستماع للأغنيات الطويلة.. = لعل هذا سبب نجاح برنامج (أغاني وأغاني)، الذي اعتمد في معظمه على مجرد مقاطع من الأغنيات..؟ - نعم.. فنجد أن أنجح برنامج غنائي اليوم بالسودان هو (أغاني وأغاني) وسر نجاحه هو اعتناؤه في ترديد القديم من الأغنيات التي لها ذاكرة وحظوة في نفوس وآذان المستمعين.. = فماذا عن غناء اليوم.. الغناء (الجديد)..؟ - يحتاج إلى زمن حتى يحتل مكاناً في ذاكرة المستمع، ويكوّن رصيداً يمكن استرجاعه في شكل دندنة أو خلفية موسيقية غنائية.. = إذن السر يكمن في انتاج (لونيات) مختلفة، وتغاير -في نفس الوقت- نمطية السائد..؟ - نعم، خذ تجربة الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد، فهو نشر تجربته الغنائية -مثلاً- عبر جلسات الاستماع، وبذلك أسهم في نشره بحيث أنك لا تجد اليوم مستمعا سودانيا لا يعرف مصطفى أو يحفظ له عدداً من الأغنيات، فاللونية الموسيقية والغنائية لتجربة مصطفى لم تتلق ذات اعجاب اليوم في السابق، فقط خضعت تجربته إلى زمن من الاستماع حتى تحولت إلى امتاع.. مثل هذه التجربة مرّ بها جيل من العمالقة، عثمان حسين، أحمد المصطفى، حسن عطية، زيدان، خوجلي، وغيرهم، هؤلاء جاءوا بلونيات مختلفة احتاجت إلى أزمان حتى تتحول إلى قاعدة استماع جماهيرية.. = هل تعني أن الرهان للعبقرية المنتجة، وليس لصكوك الزمن..؟ - نحن نغني الآن غناء كرومة ولم نره، ولكننا (مبسوطين به جداً) وهو غناء قوي، وتم تدوينه في ذاكرتنا الغنائية والموسيقية كواحدة من تجليات العبقرية الغنائية والموسيقية السودانية.. = في حوار أجري مع المطرب السعودي محمد عبده تساءل عن غياب الغناء السوداني عن الساحة العربية، رغم مضمونة الموسيقي والشعري القوي..؟ - الموسيقار الكبير محمد عبده أنصف المطرب السوداني، لأنه يعرفه، فله صداقات مع عدد كبير من المطربين السودانيين، ولهذا فهو يعرف لحن وموسيقى وكلمات الأغنيات السودانية، ومعرفته هذه حملته على تأكيد تميز مستوانا الشعري واللحني ومغايرته عن السائد العربي.. = بعض مطربي شباب اليوم يعملون على تطعيم الخماسي بالسلم السباعي، لأغراض الانتشار والمقبولية.. كيف تنظر لذلك..؟ - المزعج في الأمر اليوم هو أن بعض مطربي الشباب وحتى يجدوا بعضاً من قبول ورضى في فضائيات عربية أخرى، يلجأون إلى (محاكاة) السلم السباعي خصماً على الخماسي، فتأتي المشاركة ضعيفة ومخجلة لأنه لم يعط الخماسي أو السباعي حقه.. = إذن ما علة الخماسي..؟ - السلم الخماسي (سلم مليان) فقط انظر إلى دول شرق ووسط افريقيا، تجد أن الناس (شرقانين بيهو) رغم أن مستمعي هذه البلدان لا يفهمون كلمات أغنياتنا أو معانيها، فقط يتعاطون نشوة ومتعة من اللحن والموسيقى الخماسية، وهذا يؤكد نفي سؤالك بأن الخماسي بدون علة.. = إذن المحك اليوم تراه يكمن في انتشار مواعين البث..؟ - نعم.. الأذن العربية تعودت على السباعي ولم يأت أوان الخماسي بعد، والطريف في الأمر هو أن المواعين الاتصالية الحديثة قد ذوبت الوسائط الانتقالية بحيث من السهل اليوم الاستماع إلى أغنيات سودانية وعربية وهندية وافريقية في فضائية واحدة، لذا يصبح الخيار للذي تعودته الأذن. وأنا أؤكد أن المستقبل للخماسي، فقد أُتخمت الاذن العربية اليوم من السباعي حيث تتم محاصرة المستمع به في كل الفضائيات الموسيقية والفنية، وسيأتي آوان الخماسي لا ريب..!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي والحشد العظيم: وداع ووعد
رباح الصادق المهدى
صباح الأحد 19 فبراير 2012م كان بطعم العلقم أعقب ليلة ليلاء ليس في السودان فحسب، وردي لم يشخ ولكن سنينه المعدودة فعلتها، وقد أقام في العناية المكثفة بما يكفي لتوقع الخبر الجلل الذي دهم السودانيين مساء السبت حينما كانت قنوات المذياع تبكي في ذلك اليوم مرور الذكرى الثالثة لفقيدنا الكبير الطيب صالح، تحولت الإذاعات والفضائيات من بكاء لبكاء إذن! يا لفجيعتنا، يا لوردي: جناك الجوهر الفردي! الثامنة صباحا كان موعد الشعب السوداني كله بمقابر فاروق بالخرطوم. هنالك من ذهب على قدميه أو على دابة من حديد، أو من تخلّف في بيته يتوجع ويراقب المرئي أو يسمع المذياع، كلهم كانوا بالجسد أو الروح يومها في ########ة فاروق، وحق لوردي أن يكون رمز الوطن الذي جمع كل أولئك. احتشد خلق كثير، وأنا لم أعرف كم كانوا لأني رأيت خلقا مد البصر، رجالا ونساء، وكانت الأصوات ملتفة مثلما الأكتاف: لا إله إلا الله، هللوا كثيرا ثم كان صوت يهتف كل حين: وردي السودان! وفجأة صرخ صوت باكٍ: أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا، وغاص في البكاء. نعم إنهم يا وردي إذ يبكونك يبكون الوطن!
احتشد الناس وزحمتهم الأفكار ومرت برؤوسهم الأغاني التي شدتهم لوردي وللوطن كان ذلك اليوم زحمة للبشر والمعاني وازدحاما للأحزان. قال الإمام الصادق المهدي يوم تأبين وردي أول أمس إن (مشهد وفاته كان تقديما حقيقيا لأوراق اعتماد الفن على أساس أنه من لبنات الحضارة السودانية). نعم لقد أثبت وردي حيا مثلما أثبت في يوم الفراق الجسدي أن للفن في السودان خطرا عظيما وشأنا كبيرا، وأنه أسمنت بنائنا الحضاري الذي نزمعه بكلمات شاعرنا محجوب شريف وحداء حبيبنا الراحل: حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي، وطن شامخ وطن عاتي وطن خيِِر ديمقراطي! ولد وردي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من رحيل فنان الوطنية الرمز خليل فرح بدري حيث توفي الخليل في 30 يونيو 1932م وولد وردي في 19 يوليو 1932م. وكلاهما من منطقة السكوت بالولاية الشمالية. وفي سيرتهما تشابه كبير إذ هما نوبيان تعلما العربية في الصبا فأجاداها أكثر مما كان لسان أميهما، وكلاهما ترك على وجه الوطن سيما من الألق، وفي ضمير الوطن خزائن نفيسة من المعاني النبيلة والألحان المجيدة والحداء الرصين الباقي أبد الدهر ما بقي وطن اسمه السودان.
تيتم وردي بفقدان أبيه في عامه الأول، وتيتم لأمه في عامه التاسع، وهذا الابتلاء العظيم لا يغادر إلا اثنين: شخص مهزوم محروم هامشي الأثر، أو صلدٌ يقابل الأنواء بصدر عار، والمحن بصلابة لا تلين يجزل العطاء للمحرومين ويقف بصلابة إلى جانب المظلومين، وهكذا كان وردي.. وقف بصلابة في محنة النوبة وتهجيرهم أوائل ستينيات القرن العشرين، ويروي الشاعر د.عبدالواحد عبدالله يوسف كيف تغنى وردي برائعته (اليوم نرفع راية استقلالنا) عام 1960 وقدمها في الإذاعة ولكن لمعارضته لاتفاقية السد العالي التي أغرقت ديار النوبة وأجحفت في تعويضهم سجن وحظرت كل أغانيه. وحينما هبت ثورة أكتوبر المجيدة تغنى وردي: أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق! وأسمع السودانيين أغاني ماسية بكلمات شعراء على رأسهم محجوب شريف (المحجوب) ومحمد المكي إبراهيم في أكتوبرياته الرائعة.
وحينما جاء الانقلاب المايوي تغنى وردي الملتزم بخط اليسار مرحبا بالنظام وزعيمه: يا حارسنا وفارسنا ويا بيتنا ومدارسنا ظنا بأنه يحمل الإنصاف للمحرومين، ولكن حالما انقلب النميري على اليسار وعاد وردي للزنازين سجينا يطارد الأمن أغنياته. روى الأستاذ محجوب شريف أن (بتوع الأمن) جاءوا إليه ماطي شفاههم (مادي قداديمهم) يسألون: جميلة ومستحيلة دي قصدك بيها الثورة؟ فقال: ما هذه (العوارة) أي الحمق، أنا لا أظن الثورة مستحيلة وإلا لما عملت لها! ثم كان تألق وردي الأقصى في تشييع ذلك العهد البغيض، تألق هو والمحجوب والشاعر محمد مفتاح الفيتوري وغيرهما فكانت حنبنيهو، ويا شعبا لهبك ثوريتك، ويا شعبا تسامى، وبلا وانجلا، وعرس السودان، والقائمة تطول. وقد روى عن أغنية (يا شعبا تسامى) إنه لحنها في 18 يناير 1984م إذ كان في القاهرة وجاءه خبر مقتل الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بالهاتف، قال: (في يوم وفاته كنت في القاهرة وسمعت الخبر في التلفون ما قدرت أقدم أي شئ للشعب السوداني في شخصه إلا أنشودة يا شعبا تسامى يا هذا الهمام تفج الدنيا ياما وتطلع من زحامها زي فجر التمام).
أما حينما جاء انقلاب 30 يونيو 1989م فقد تم التعامل مع أغنياته كالأفيون بل أضل سبيلا، وضيق (المشروع الحضاري) عليه الخناق فهاجر بعيدا عن وطنه سنين عددا، وتغنى في مهجره لود المكي: سلم مفاتيح البلد، كما تغني للمكاشفي محمد بخيت (فتّش في ترابك قلّبو ذرة ذرة تلقانا بنحبك أكتر كل مرة نحن أولاد كفاحك رغم وجودنا بره رغم الخطوة تاهت.. رغم الغربة مُرة ننشد فى سبيلك عرفانا وجميلك ونرحل فى هتافك يا عِشْقْ إستمرّ.) وفيها أيضا: زرعو خصام جنوبنا ..بى سبب الديانة .. الأديان سماحة وروح الدين أمانة.. طول تاريخنا عايشين فى السودان ضرانا فينا لسانو عربى وفينا لسان رطانه.. مختلفين ثقافة ومختلفين ديانه من كل التباين وحدنا إنتمانا ومتفقين فى حبك يا عالى المكانة
وعاد وردي في فقه الجهاد المدني، ممسكا بشعرة (وردي) بينه والحاكم، وجعل بينه والشعب حبلا متينا. أما تقييم وردي للذين أرادوا اختطاف حادثة رحيله الجسدي فصلوا عليه وملأوا كاميرات التصوير كان واضحا في آخر لقاء له بصحيفة آخر لحظة قال: (عدم المرونة في سياسة النظام الحاكم أدخلت السودان في أمر ضيق فمهما إدعى النظام بأن الحالة مستقرة فهناك ظواهر تدل على أنهم غير قادرين على وحدة البلاد ولا على علاقتنا مع الجيران ولا التقدم للأمام.) وحينما سأله الصحفي عبد الرحمن جبر هل قدم تنازلات سياسية (انفعل شديداً وقال: أتنازل لمن وعن ماذا!)، ثم دافع عن قناعاته بالانتماء للحركة الشعبية لتحرير السودان، وسرد دعمه للأستاذ ياسر عرمان كمرشح رئاسي في انتخابات 2010م وقال إن (الحكومة أخذت موقفي هذا بأنني أقف ضدها ولم تحترم حرية إرادتي). ووقف وردي صلدا كذلك أمام موجات التكفير التي طالته سهامها، فهؤلاء قوم يعدون غالبية طوائف السودان وجماعاته وأحزابه وفنانيه ورموزه كافرين! وعرى وردي كذب أولئك الأفاكين.
وردي أيقونة سودانية ورمز كبير، وسوف يذكره السودانيون ويتغنون يوم تزول عجاجات المشروع الحضاري ويوم يتحدون، وأظنهم سوف يتغنون يومها برائعته: أصبح الصبح، وأبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا. وأذكر أن وردي شارك في احتفالية صحيفة (الصحافة) بالسلام في أكتوبر 2003م بعد توقيع اتفاق الترتيبات الأمنية. ويومها زغردت الأستاذة لبنى محمد حسين موفية نذرا لها أن تفعلها يوم يحل السلام، وتغنى وردي بتلك الأغنية، وأذكر أنني كتبت يومها قائلة: (وكما كنا تساءلنا مباشرة بعد توقيع اتفاقية الترتيبات الأمنية هل نغني مع الفنان محمد عثمان وردي «أصبح الصبح»؟.. فإن الدكتور وردي.. الذي أنعش مع الأستاذ حمدي بدر الدين وآخرين من رموز الفن والإعلام قلوب المحتفلين بالحديث عن «ثقافة السلام» يومذاك قد غنى في ختام الاحتفالية ذات الأغنية مركزا على مقطعها الجليل: «أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا»).
ثم وبعد ثماني سنوات غناها وردي من جديد ولكن في جوبا هذه المرة إبان الاحتفال بالانفصال في يوليو 2011م، يومها بكى كثيرون بدءا بالإمام الصادق المهدي وليس انتهاء بياور (حارس) الرئيس البشير، وقال السيد الصادق عن الحادثة يوم التأبين: (إن أنسى لا أنسى يوم كنا في الاحتفال الأخير يوم شهدنا احتفال الجنوب بانفصاله وكنا في مائدة وقلت للأخ ياسر عرمان: أين وردي؟ لأنه كان متأخراً في الفندق قال: هو تعبان قلت له: خذ رسالة مني قل له: قال لك فلان ضروي تحضر فجاء، عندما غنى أغنية أصبح الصبح وحينما جاء المقطع: أبداً ما هنت يا سوداننا يوما علينا، كل القيادات الجنوبية الموجودة وقفت ترقص وتبشر، قلت له يا أخي الفنان أنت استطعت أن تجسر الهوة التي فشل الساسة أن يزيلوها.) هاتان مرتان والثالثة يوم تشييع وردي، فمتى تكون الرابعة؟
كان وردي عملاق اللحن رمزا للوطنية، ولكن ألحانه طارت مع الريح في تقلباتها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، ونصب بحق فنان أفريقيا الأول. ونصب أيام حياته رمزا أسطوريا للنوبة في مصر، فإن قرأت لحجاج أدول (النوبة تتنفس تحت الماء)، أو للكاتب النوبي إدريس علي، لوجدت وردي رمزا نوبيا كما الإهرامات ألفية السنوات، وإن ذهبت لأثيوبيا، ولجوبا، ولمقديشو، ولانجمينا، وحيثما حللت في أفريقيا لرأيت ثم رأيت وردي يصنع في الناس طربا ويسري في وجدانهم عجبا. قال يوما وقد استفز بطلب أن يغني بالسباعي حتى يسمعه العالم العربي: الخماسي معه جل إفريقيا، وشرق آسيا، والعولمة.. إن لي مستمعا في مصر النوبي وغير النوبي.. نحن لن نغير موسيقانا لنرضي أحدا والكثيرون ينتظرون منا أن ندخل جبتهم السباعية حتى ننال الاعتراف، ولننتظر لندرك من يربح جولة الإصرار! نعم، لم يكن وردي إلا كشعب السودان في إبائه لا يعرف الانكسار ولا الصغار ألم يغن له: قدرك عالي قدرك؟ ويا شعبا تسامى؟ كنت قضيت ليلة رأس هذه السنة الميلادية مع جمع كريم ببيت شاعر وردي الوطني الأول: محجوب شريف، ومن فرط ما اندغم في الوطن أحسست بحضور كل المشاعر الوطنية، وعلى نهج البكائين سرت والبكاؤون فصيل صوفي يمتدحون البكاء والنواح دربا للسمو والتطهر، وكتبت للمحجوب: الدمع انبهل قطرات عسكرت في معسكر جمال والذوق والكمال اليبرا الجروح- الحق الصدوح دلاي الوهم- فكاك القيود- نسّاج الخلود السيف السليل- النسم العليل- محراب الخليل سيل يا دمعي سيل قدامك هرم بل تلقاه نيل وإن مرّ الزمن، في عز الشباب ما بصبح هرم هل ما شفت كم؟ صدرا فيه نزيل هل ما شفت كم؟ خدا بيه بليل طنت تلك الكلمات يوم تشييع وردي: محراب الخليل/ هل ما شفت كم خدا بيه بليل؟ فهي تصدق هذه المرة لا على نهج البكائين ولكن في درب الأحزان! وتفكّرت: 1932، أي حق وجمال رفع، أي حق وجمال وضع! ثم جاءت كلمات الدكتور عبد الرحمن الغالي بعدها: هـَنَاك يا العازة في وردي/ وعزاك يا العازة في وردي/ جناك الجوهر الفردي! وجاءت يومها طفلة صغيرة تقفز فوق اللحود، جاءت ربما مع أبيها أو أمها أو أخيها.. طنت كلمات وردي: فدى لعيني طفلة غازلت دموعها حديقة في الخيال. وسألوني بعض الأحباب فقلت: ما سكت الرباب سيظل وردي فينا أبدا. ولكن، طنت كلمات (سكت الرباب) للفنان الأستاذ محمود عبد العزيز التي قيل إنها تنعي وفاة أستاذنا الراحل مصطفى سيد أحمد، وصال وجال المقطع: وا خوفي من طول الطريق أمشيهو كيف بين المغارب والمسا؟ قلنا جميعا: سوف نغني يا وردي يوما: أصبح الصبح، وبلا وانجلا، وحنبنيهو، نغنيها بحق.. وهذه الجموع التي ودعتك، سوف تصدق الوعد، بإذن الله. ألا رحم الله وردي، وشفّع فيه مودعيه كلهم جسدا وروحا، لقد شهدوا له بالخير ودعوا له بالرحمة والغفران ونزول الجنان، اللهم استجب. وليبق ما بيننا
-----------------
تمشى في جنازته الفراشات وتنتحب الحجارة .. بقلم: عمر الدقير الأربعاء, 22 شباط/فبراير 2012 10:13 Share Omer Eldigair [[email protected]] وترْكُكَ في الدُّنْيا دَوِيّاً كأنّما تَداوَلَ سَمْعَ المَرْءِ أنْمُلُهُ العَشرُ
الإنسان زائل، تلك هي سنة الله في خلقه، لكن تبقى ذكراه بين الناس بقدر ما قدمه وأسهم به في مسيرة الحياة والأحياء ... بعض الناس يمتزج موتهم بالبقاء ... أو فيه كثيرٌ من البقاء ... تظل ذكراهم بعد الموت حيةً عصيةً علي النسيان، كأنهم لم يغيبوا ... يستسلمون للمشيئة الأبدية وحتمية الرحيل الأخير ، لكنهم يتركون أثراً لا يمحوه مر الأيام ولا كر السنين.
لسنواتٍ طوال، ظل الأستاذ محمد وردي يتمدد في ساحة الإبداع في بلادنا كما يتمدد النيل .. كان قامة سامقة في تلك الساحة يرمي فيها بعطائه الإبداعي المترع بالأمل والألم الصاعدِ دوماً لقيم الحب والخير والجمال المعبِّر عن وجدان شعبه وتطلعاته ومعاناته المزمنة وحقه في حياةٍ حرةٍ وعيشٍ كريم، والمحتفي بنضالاته وزحفه المقدس نحو الشمس ونحو النور ... غنى لبعانخي وترهاقا ولملاحم البطولة والفداء في كرري، غنى لراية الإستقلال ولأكتوبر الأخضر ولهب الثورة في أبريل ... غنى لتراب بلاده ونيلها ونخيلها وعيون نسائها ... كان صوتاً للحرية في مناخات القهر، دوّت أناشيده في أزمنةٍ خرساء حتى رقصت الساحات تحت أقدام المتظاهرين .. بل ما كان له أن يحتل مكان الصدارة والريادة في الموسيقا والغناء لو أنه لم يحسن الإصغاء والإستجابة إلى نداء الحرية.
غنى محمد وردي للحب دافعاً به لمعناه الأسمى ليكون للشرفاء لواذاً يحميهم من السقوط في أوقات الإنحطاط ... فالحب هو فضيلة الفضائل ... والقلوب الخالية من الحب هي التي تدفع أصحابها إلى السقوط والإنحطاط والخيانة وإقصاء الآخرين والإعتداء علي حقوقهم ... المحبون بعيدون عن فقر الروح وخمول العقل وفراغ الفؤاد، ولذلك فهم بعيدون عن السقوط والإنحطاط والخيانة يأكلون أصابعهم ولا يبيعون مبادءهم وقضاياهم.
رحيل محمد وردي موجع بكل معنى الكلمة ... رحيله موجعٌ للجمال ، فقد كان عبقرياً ينفخ من روحه في طين الموسيقا فيستحيل مخلوقاً فنياً باذخ الجمال ... رحيله موجعٌ للفرح، لأنه كان نثيثاً هتوناً يغسل الأحزان ... وموجعٌ للصندل، لأنه الجمر الذي يُظهر طِيبه ... رحيله موجعٌ للإنسان السوداني، لأن إبداعه ظلّ على مدى عشرات السنين يصوغ وجدان الشخصية السودانية ويمثل خيطاً بهياً في نسيجها ... لذلك لم يكن غريباً أن ينتشر الحزن الكثيف في كل أرض السودان ويغطي سماءه بجناحيه الكتيمين، حتى يخال المرء أن الحجارة تنتحب وأن الفراشات تسير في موكب الجنازة.
الموت هو قدر الإنسان المحتوم وشرطه الأرضي ... ولئن كان رحيل محمد وردي في هذا الوقت السجين يجعل أيامنا أكثر جفافاً، فإن إرثه الإبداعي الملتزم يفتح بوابات العيون نحو الشمس المضيئة ... نسأل الله أن يشمله بالرحمة والعفو والمغفرة.
نشر بجريدة الصحافة 22 فبراير 2012
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي...رحل قبل أن يصبح الصبح!
رشا عوض [email protected]
الزمان: مساء الثامن من يوليو 2011 عشية استقلال جنوب السودان،
المكان: فندق "جوبا بردج" المطل على النيل الأبيض، بمدينة جوبا، حيث كان يقيم هرم الفن السوداني؛ الفنان العظيم محمد وردي الذي جاء مشاركا للجنوبيين احتفالات استقلالهم، في تلك الأمسية الاستثنائية بحق، كنت والزملاء في قناة أبوني الفضائية منهمكين في إعداد برمجة خاصة عن ذلك الحدث التاريخي، في سياق هذه البرمجة ذهبنا إلى فنان الأجيال وردي كي يسجل للأجيال مشاعره وانطباعاته ورؤيته لمغزى ذلك اليوم، يوم انفصال جنوب السودان عن شماله وهو الذي غنى لوحدة السودان، بل غنى لوحدة أفريقيا كما قال لنا في ذلك اللقاء!
قبالة ذلك النهر الذي يتدفق شمالا؛ شريانا للحياة؛ ورافدا للوصال؛ قبالة النهر جلسنا في حضرة وردي! و(في حضرة جلاله طاب الجلوس)! فهو في شموخه وعبقريته وأسره للقلوب حبا؛ مثل الوطن الذي تغنى له:(منك كل حتة في الخاطر صبابة وجنبك نبتة نبتة بنكبر نحن يابا)
لم يكن ذلك اللقاء بالنسبة لي مجرد أداء واجب مهني، ففي ذلك اليوم كانت في النفس حسرة، وفي القلب طعنة إذ ان انفصال الجنوب يعني انتصار مشروع العنصرية والإنغلاق والأحادية الثقافية، وهزيمة مشروعنا الكبير، تحقيق وحدة السودان في إطار مشروع وطني أركانه الديمقراطية والعدالة والاحتفاء بالتنوع، وروحه الوجدان الوطني العامر بالمحبة والتسامح، والمؤمن بأن التنوع قوة وثراء، كنت في تلك اللحظات التاريخية بحاجة إلى من يداوي جرح الروح، ويشيد في خرائب النفس الكسيرة الخاطر بروجا من الأمل والرجاء، ويقوي فيها الإيمان بأن(هزيمتنا) ظرفية مؤقتة، مجرد خسارة معركة! وانتصارهم زائف ومؤقت! لأن هذا الإيمان بحتمية انتصار الحرية والحق والعدل هو زاد حياتنا، في تلك اللحظات قصدنا العملاق وردي بحثا عن الأمل في المستقبل! والتماسا للعزاء والمواساة في فجيعة الحاضر! وقد وجدنا لديه ما نريد وزيادة!
لقد أطربني وردي طوال عمري بصوته العذب وألحانه الفريدة مغنيا وفي ذلك اللقاء أطربني متحدثا! كان الحديث قصيرا بحكم طبيعة البرنامج، فاتفقنا معه على لقاء أطول في اليوم التالي حول ذات الموضوع (الانفصال)، فأطربنا بحديثه حيث لم يكن الانفصال يعني شيئا عنده، وردي مثل النيل ينساب ساقيا معمرا الحياة بالبهجة والفرح والخصب والنماء شمالا وجنوبا، هو الذي هز وجدان السودانيين هزا من أقصى الشمال حيث أهدته للسودان تلك الديار النوبية العريقة التي أهدت العالم بأسره قبل آلاف السنين حضارة عظيمة تتجلى ملامحها وظلالها إلى يومنا هذا في عبقرية أبنائها، تماما مثلما تتجلى في الأهرام والنقوش الأثرية!من أقصى الشمال عبر وردي إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وزرع في نفوس كل السودانيين الأمل وحب الوطن، وعبر إلى أفريقيا فاحتضنته مسامع أهلها الطيبين بحميمية فأصبح فنان أفريقيا الأول وهي دلالة على عمق انتمائنا الأفريقي الذي يتنكر له كثيرون منا جهلا وجحودا،
في يوم استقلال الجنوب صدح فنان الأجيال وردي فأطرب وأشجى، وأفرح وأبكى، تفاعل معه الجنوبيون بحب كبير فهو فنان الشعب، فنان السلام والحرية، هو لسان حال أحلامنا الكبيرة والصغيرة، استمعنا إليه في ذلك اليوم فتساءلنا غنى وردي للجنوبيين في يوم خلاصهم وشاركهم بذاته النبيلة فرحتهم..فهل سيمد الله في أيامه حتى يغني لنا في يوم خلاصنا الموعود؟ هل سيشاركنا بذاته النبيلة الاحتفال ب(تسليم مفاتيح البلد) وتحية الصبح الجديد ؟ جاءت الإجابة في ذلك المساء الحزين، مساء السبت التاسع عشر من فبراير 2012م! ترجل العملاق.. أمير الطرب.. آسر القلوب .. مرآة الأماني.. صانع البهجة والسرور! ترجل قبل أن ينشدنا في يوم خلاصنا (أصبح الصبح) وقبل أن ينشد(عهد فسادو واستبدادو الله لا عادو) و(شعبك أقوى وأكبر مما كان العدو اتصور) ليس لدي ما أقوله في رثاء الحبيب وردي، فكم هو صعب رثاءك لجزء من وجدانك، فقط ألتمس العزاء في أن وردي سيبقى حيا عبر إبداعه العبقري، نعم سوف تبقى كامنا في أعماقنا ياوردي، عندما نسمع أكتوبرياتك المجيدة(نشوف الماضي فيك باكر) و(أريتو باكر يكون هسا)!
سيظل تشييعك المهيب كامنا في الذاكرة، طيور الظلام التي حاولت عبثا اختطاف المشهد، لم ولن تنجح في أن تسرقك من الفضاء الطبيعي الذي قضيت كل عمرك محلقا مغردا فيه.. فضاء الحرية .. الوطن الواحد.. أحلام الأحرار والبسطاء.. فضاء الحب والسلام والتسامح.. فضاء الصفاء والنقاء والخير والجمال في أبهى وأقدس صوره.. هذا هو فضاءك يا (نور العين) ويا (أمير الحسن) ويا (أعز الناس)!
اليوم هاهو الوطن الذي قطرته في وجداننا أنغاما وألحانا يرد لك التحية (قدرك عالي قدرك يا سامي المقام)! هذا الوطن الذي رحلت عنه وشماله في ضيق وجنوبه في حريق، غربه في عسر، وشرقه في خسر! وها نحن نجدد العهد معك بأن يبقى اسم أكتوبر الأخضر (ينمو في ضمير الشعب إيمانا وبشرى، وعلى الغابة والصحراء يلتف وشاحا) ولكن أين هي الغابة؟ إنها تطل من أغنياتك! والصحراء اخضرت وأزهرت حين رويتها بعذوبة ألحانك!
نحن على العهد (سندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعا وخضرا، ونرود المجد حتى يحفظ الدهر لنا اسما وذكرا) رحمك الله رحمة واسعة يا حبيب الشعب وألهمنا الصبر على فقدك الذي أحزننا وزلزلنا من الدواخل، كل من أحبوك حزانى مثل جوليا وعبد الوهاب وحسن وحافظ وصباح! فلهم جميعا ولنا حسن العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ------------------------
وردي: قُلْتَ ترحل!!!!
خالد فضل:
٭ ( روح المرحوم محمد وردي تودع محبيها أن سلام عليكم يا أهلي الكرام طبتم) علي مكاوي. ٭ كان الصف يتخذ مساره ببطء في أحد بوابات مطار القاهرة الدولي، الجميع مشغول بإنهاء إجراءات العبور الى الطائرة المصرية المتجهة صوب مطار الخرطوم، جاء صوت التنبيه على هاتفي معلناً استلام رسالة نصية، عاينتها فوراً فإذا هى ذات النص الذي اثبته في صدر المقال بتوقيع مرسلها الصديق الاستاذ علي مكاوي، اصابني الوجوم للحظات، إذ كنت قد غادرت البلاد لبضعة ايام خلون ولم أكن أعلم شيئاً مما حاق بالاستاذ محمد وردي من وعكة صحية، واستشفائه في ذلك المشفى التخصصي، نقلت شاشة الهاتف الى زميلتي ورفيقتي في الرحلة الاستاذة صباح محمد آدم، فاذا بها تلطم الخد بصورة لا إرادية.. كتعبير معروف عن هول الفاجعة، ثم تمتمت وردي رحل!! سرى ما يشبه الصعق الكهربائي وسط السودانيين المصطفين ضمن زمر المسافرين في ذلك المدخل المؤدي للطائرة هناك سيدتان، اتسعت أعينهما فجأة عندما طرق الخبر آذانهن، هناك آخر تلفت جزعاً عندما علم بالخبر، وآخر افلتت اوراق السفر من يديه، ساد عزاء صامت وحزين وسط (السوادنة)، ومرَّت لحظات نادرة من الوحدة الوجدانية بين الواقفين والواقفات، قبل أن ينشغل الجميع فيما بعد بإجراء الفحص وتفتيش الامتعة.. الخ الخ..
٭ فيما بين الوقوف على صف الانتظار وعبور المدخل في المطار، مرَّ شريط مذهل من الوجد الانساني، ها هو محمد وردي بعد أن شدا بـ(قلت ارحل اسوق خطواتي من زولاً نسى الإلفة).. ها هو يحقق الرحيل فعلياً من أناس لم ينسوا إلفته، لم يبرحوا محراب التبتل فيما اشاعه من رضا غمر الارواح وعمق الشعور بالانسان والوطن وقيم الحب والوفاء وحتى العتاب الرقيق.. ومعاظلة المستحيل الذي (لو بايدي كنت طوعت الليالي)!! شريط طفولي عذَّب مرَّ لحظتذاك، وصبي من اواسط السودان يعلن جهراً أمام شقيقه الذي يكبره ببضعة أعوام، أني اخترت محمد وردي فناني المفضل.. وكان اختيار الشقيق الكبير لـ(زيدان ابراهيم) وفي فاصل من المرح والمزاح والشقاوة الطفولية كان كل واحد منهما يقلد فنانه المفضل بأفضل ما يكون، بينما يتعمد تغيير الصوت و(خشلعة) الهيئة عندما يقلد الفنان الآخر كنوع من المكايدة البريئة.. ها هو محمد وردي يرحل الآن، فنانك المفضل أيها الصبي الشقي قد رحل وانت.. أنت.. تتراءى امام ناظريك عتبة الخمسين
٭ كيف استمد وردي هذه الطاقة القصوى على الحضور الدائم من سن التاسعة أو العاشرة لذاك الصبي حتى مطالع الخمسين؟؟ لاابد ان يسراً باتعاً امتلكه هذا (النوبي) القُح سحر به القلوب وشغل الوجدان، قالها ذات يوم، أحد زملائه في كلية التربية جامعة الخرطوم، قيل في سيرته الذاتية إنه كان مغنياً بارعاً حسن الصوت، ثم عنَّ له أن يهجر الغناء ويراه حراماً، ثم يتشدد أكثر فيمضي في سكة تنظيم سلفي، يحرم اكثر مما يحلل من مطايب الحياة، ما علينا، ذاك الشاب ظل يحتفظ بروح مرحة رغم امتداد اللحية وتقصير البنطال، ومما قاله تعليقاً على (شريط المرسال) الذي ذاع على نهاية القرن الماضي وانتشر وعم القرى والحضر، قال صديقنا ذلك: إنَّ (المرسال) من اكبر (الفتن) التي لحقت بالمسلمين في السودان مؤخراً.. اندهشنا لذلك التعليق المتطرف، لكن صديقنا الظريف حاول تلطيف تطرفه بضحكة.. وقال: إن عذوبة الصوت ونداوته وقوة الموسيقى والالحان تسلب الافئدة، فتنشغل عن (العبادة)!! ضحكنا لحسن تخلصه ولكن تأكد ان وردي باستطاعته تفتيت الصخر واذابة الجليد الصلد على (الوجدان)!! وفي وعينا أن ترطيب الوجدان وجعله لينا من اعمق العبادات، لأن الله طيب يقبل الطيب، فإن وردي بأدائه الطيب من المحظين برحمة الله إن شاء الله تعالى.
٭ جاء النعي عبر سطور رسالة نصية والصف يتلوى وئيداً صوب مدخل الطائرة الآيبة للخرطوم: عندئذ يشرق الدوش بصوت وردي.. وافتش ليها في التاريخ واسأل عنها الاجداد.. وفي شهقة حروف النيل مع الموجة الصباحية.. وفي الضل الوقف ما زاد.. ما زاد.. ما زاد..!! وقيل عن ذاك الضُل من طرائف ونكات السياسة ما قيل، يصدحُ الحُب الخالص.. حب الانسان العادي، الرجل للمرأة.. ويا جميلة ومستحيلة.. إنت زي سحابة الريح تعجل برحيلها.. قال محجوب شريف، إنها اغنية في العاطفة البشرية وليست رمزاً سياسياً.. وعندما زقزقت عصافير الخريف بين اضلاع الحلنقي.. وهاجه الشوق كان وردي في الميعاد، ومع طير صلاح أحمد ابراهيم المهاجر للوطن عادت الحبيبة تنسج منديل حرير لحبيب بعيد، وعبر سيد احمد الحاردلو.. يا وطني يا حبوب، تمرح وتسرح ومرة تغلبني القراية.. ويا لحب من بلدنا يطل ذاك الادروب المبدع.. ابو آمنه حامد، في خارطة محبة عميقة لم تحجبها فواصل حدود أو تداعيات سياسة فله ( في جوبا غزال تسلم لي عيونو) مثلما من حلفا البداية!! ويا لعظمة الوطن عند وردي عندما.. يكون منسوجاً لدى محجوب شريف بخيوط الطواقي ودموع التلاقي..
يا للوطن عندما يسطع لدى الفيتوري.. وود المكي و.. وآخرين كُثر عبر معهم وردي عبر الأداء المتفرد والنغم الطروب واللحن الاعذب والانفة والشموخ وتعابير وانفعالات الوجه الصبوح حتى لتخال (محمد عثمان وردي) ملك نوبي ممن خلدهم سجل التاريخ.. يا للوعة.. والحسرة تملأ الوجدان وتسري همهمة الاحزان وسط ذاك الصف السوداني الموحد الآن للحظات.. نادرة.. ومن غير وردي لحداء ذاك الوطن الجميل الجديد.. باسمك كتبنا ورطنا.. وباسم اكتوبره وابريله غنينا وامتلأنا.. وأحبك احبك انا مجنونك..
وردي.. نم هانئاً هادئاً في جناب الحق الوارف والخير الاكمل والعدل المطلق.. نم عظيماً بهياً شاهقاً في الوجدان الحي لشعوب وأمم عبر الغابة والصحراء.. في مجاهيل افريقيا وشعاب هضابها.. نم مغرداً باقياً بأعذب وأجمل وأقوم ما يمكن ان يكنه انسان لانسان.. نم.. في جنات الخلد متربعاً وسط رحمات الله ونعمائه فقد تربعت على القمة لعقود لم تغادرها.. ولن!!
الصحافة نشر بتاريخ 22-02-2012
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
أفق بعيد
عودة إلى وردي
فيصل محمد صالح [email protected]
قلت أمس الأول إن وردي لم يكن مجرد فنان، رغم أن الفنانين مكان ودنا واحترامنا وتقديرنا، فقد كان رمزا فنيا ووطنيا. امتلك محمد وردي الوعي بدوره كإنسان وكفنان وكمثقف، وامتلك ثقافة عالية مكنته من امتلاك رؤية واضحة حول مايريده وما يجب أن يقدمه. ليس هناك جدال في أن وردي امتلك صوتا قويا، واسعا وعريضا، تحرك به في مساحات صوتية واسعة، يتحرك براحة وهدوء بين القرار والجواب، يعلو صوته ليصل السماء، ثم ينخفض به ويبدأ في الترجيع المحبب والتنغيم المطرب. لكن لم يكن هذا الصوت النادر والقوي هو المميز الوحيد، فقد امتلك فكرا موسيقيا عاليا، لهذا لا يمكن النظر لوردي المغني دون وردي الموسيقار الملحن. كثير من الفنانين أضاف طوبة لمبنى الغناء السوداني الحديث، لكن محمد وردي كان أحد أعمدة الأركان، وليس مجرد طوبة، يقف إلى جانب الكاشف وعثمان حسين كأحد بناة هرم الأغنية الحديث وأوتاده الراسية. ساهم وردي في انتقال الأغنية الحديثة من عزف الآلات الحديثة لموسيقى الكلمات، إلى بناء موسيقي أكثر تعقيدا، مقدمة موسيقية وكوبليهات متعددة وانتقالات منوعة ومتجانسة، ومعتمدا في ذلك على الموهبة، ثم خبرة الاستماع للألحان والاغنيات العربية والأجنبية، والمخزون النغمي للمنطقة التي نشأ فيها. ثم كانت لثقافة وردي العالية دور في نقلات أخرى للأغنية السودانية عبر اختياره للكلمات. كانت النقلة الأولى مع اسماعيل حسن الذي تمرد على قوالب وأغراض الشعر الغنائي في عهده، الحوار والموقف بدلا من مجرد التغزل في المحبوبة، وبدلا من باب التذلل للمحبوبة المعهود في شعر الحقيبة "لو قصدتي هلاكي تجدني من فرسانك" انتقل للعتاب ثم الملام واظهار الندم " غلطة كانت غرامي ليك، غلطة قلبي سلمته ليك ما كان مكانو ما كان يجيك"، و"أنا استاهل"، مما أثار عليه غضب شعراء الحقيبة، ودخل عمنا الراحل ود الراضي في مساجلات مع اسماعيل وهجاه ببعض الأبيات. كانت مرحلة ثنائية وردي مع اسماعيل حسنة نقلة هائلة لكليهما، ثم انتقل وردي لمرحلة اخرى تنوع فيها شعراؤه من محجوب شريف، التجاني سعيد، الدوش، الحلنقي، أبو قطاطي، وهي أيضا مرحلة شديدة التنوع والثراء والتحولات بين رومانسية الحلنقي وشعبيات أبو قطاطي، وحداثيات التجاني سعيد، ثم واقعيات محجوب شريف والدوش رغم الرمزية التي حملتها بعض أغنياتهم. وميز وردي أيضا وعيه الوطني المتقدم الذي جعل منه حاديا للشعب السوداني، ومغنيا وطنيا ارتبط بكل الأحداث الوطنية الكبرى، من الاستقلال لأكتوبر ثم مقاومة الديكتاتوريات والانتصار لقيم الحرية والديمقراطية والوحدة والسلام، فنا وغناءا وممارسة عملية في الحياة والتزاما لا حياد فيه. كان وردي فنانا وطنيا ملتزما، ولم يكن سياسيا، ولا ينبغي له. الموقف السياسي محدود وقابل للتحول والتبدل، اما الموقف الوطني فأبدي وثابت ، يلازم الفنان حتى القبر، وهكذا كان وردي، رحمه الله .
نشر بتاريخ 23-02-
---------------
الفرعون) محمد وردى... أبَيْتَ اللَّعْن (3-3):
عبد المحمود نور الدائم الكرنكي . الأربعاء, 22 شباط/فبراير 2012 06:47 .
كانت أشعار النابغة الذبياني في بلاط ملوك الغساسنة تستخدم عبارة (أبيت اللّعن). كان يقول... أتاني أبيتَ اللعن أنك لمتني وتلك التي تصطكُّ منها المسامعُ. وكان يقول... أتاني أبيت اللّعن أنك لُمتني... وتلك التي أهتمُّ منها وأنصَبُ... فبِتُّ كأنَّ العائداتِ فَرَشنَ لي هِراساً... به يُعلَى فراشي ويقشِبُ... حلفتُ فلم أتركْ لنفسكَ ريبةً... وليس وراءَ اللهِ للمرِءِ مذهبُ. أبيت اللّعن عبارة تستخدم في الإحترام والتوقير في مخاطبة المقام السامي. بذلك أصبح النابغة شاعر الإعتذاريات الأشهر. تلك عبارة محمد وردي جدير بها.
لكن ماذا عن الفرعون محمد وردي؟.
جاء في قاموس (لسان العرب)، أن الفرعون تعني التمساح. ذلك يعني أن الفرعون لغةً، ليس اسم شخص بعينه، بل هو اسم حيوان. لكن حدث خلط كبير بين فرعون اللغة (التمساح) وفرعون موسى عليه السلام، الذي ادَّعى الألوهية، فتكفل رب العزة بإغراقه ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية. وقد كانت تلك، أي النجاة، سبباً في إسلام العالم الفرنسي (موريس بوكاي)، الذي أوضح له العلم التجريبي الذي درس مومياء ذلك الفرعون أنه مات غرقاً. وحينما قرأ (بوكاي) الآية الكريمة (اليوم ننجِّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) أعلن إسلامه. فرعون النبي موسى عليه السلام إيماناًَ واعتقاداً منبوذ وبغيض، وهذا متفق عليه. وهذا على النقيض من محمد وردي حبيب الجماهير الذي تسلطن في وجدانها. الفرعون لغةً تعني التمساح، وفي ثقافة السودان النيلية، في أشعاره وتراثه، يحتلّ التمساح (الفرعون) مكاناً مميَّزاً في سياق المدح، مدح الأبطال. جاء ذلك في الغناء الشعبي حيث غنى عبدالكريم الكابلي (اللِّدِر العلى ضهره الخبوب والطين... ما بياكل الضعيف... وما بيسولب المسكين). اللِّدِر تعني التمساح (الفرعون). وهذا فرعون (تمساح) بطل يعفو عند المقدرة، ولا يذبح الأطفال، ولا يصادر ما يملكه الفقراء، ولا يأكل أموالهم
. وغنَّى الفنان مدني صالح من أغاني التراث أغنية (يوم طلعت القمرة إخير يا عشانا تودِّينا لأهلنا... بسألوك مننا). في تلك الأغنية غنى مدني صالح (غنَّت ليك البِنَيَّة... تمساح الكَبَلُّو الضارب اللَّيَّة... ببلع جب جب لخصيمه جِدْ ليَّة). وهذا فرعون بطل (مأمون على بنُّوت فريقه). فراعنة (تماسيح) الثقافة الشعبية السودانية قمم في مكارم الأخلاق. أنظر إلى هذا الفرعون (تمساح الكَبَلُّو) نصير المرأة ورافع لواء عزتها... غنت ليك البنات يا ضو القبايل يا مُقنَع الكاشفات... الكُلّ بوراك يا مدرِّج العاطلات. يا مقنع الكاشفات أى يا من تصون حرية المرأة فلا تتعرَّض لمهانة الأسر والسّبي. العاطلات المخذولات اقتصادياً. وجاء في المدح، مدح الأبطال، تمساح دار جعل، وتمساح الدميرة الما بكتلو سلاح. وغنَّى عبدالدافع محمد حمد (التمساح العشاري) (طوله عشر أذرع)... الليلي العمَّ الضهاري (الأرياف)... ماقالوا خاف جانا جاري... يضرب يمين ويساري). يحتل التمساح (الفرعون) مكاناً ممَّيزاً في ثقافة السودان النيلية، لأن التمساح (الفرعون) ملك البحر. مثلما الأسد ملك البرّ. مثلما النسر ملك الجوّ. وقد اتخذ السودان (الحديث) ومصر (الحديثة) وأمريكا النسر شعاراً وطنياً. في مايو 1969م، اتخذ السودان، بعد وحيد القرن، صقر الجديان شعاراً وطنياً. وهو من فصيلة النسور، أمريكا اتخذت النسر شعاراً وطنياً. كما أصبح في أمريكا شعار (البريد السريع) (فيدرال اكسبريس)، وشعارسيارة (بويك) من انتاج جنرال موتورز وقد توقف انتاجها. كما أن النسر شعار نوع من أنواع البيرة الأمريكية.
في سودان الحضارات القديمة، كان التمساح (الفرعون) لقب سياسي للملوك.
كما في منابع النيل الأزرق، في أثيوبيا، نجد أن لقب الامبراطور هيلاسيلاسي الأول كان (أسد يهوذا). وفي السودان القديم كان هناك تمثال (أبا دماك)، وهو إنسان برأس أسد. وفي الآثار الأريترية القديمة نجد تماثيل إنسان برأس أسد. التمساح ملك البحر أي ملك النيل، والنسر ملك الجوّ، والأسد ملك البر. وقد اتخذت بريطانيا العظمى الأسد شعاراً وطنياً، رغم عدم وجود أسد طبيعي في ربوعها، حيث أن افريقيا وجنوب آسيا هي الموطن الأصلي للأسد. وكان لقب ملك انجلترا ريتشارد الأول (قلب الأسد)، والذي هزمه صلاح الدين الأيوبي. و (قلب الأسد) في اللغة الإنجليزية تعني رمز الشجاعة، ولفلان قلب أسد أي إنسان شجاع. وفي لغة انجلترا أى الانجليزية عبارة (نصيب الأسد) تعني النصيب الأكبر أو الأفضل. ويُذكر أن جذور كلمة (لَيُون) الإنجليزية ترجع إلى اللغة الإغريقية. وفي بريطانيا العظمى يعتبر الأسد شعار النبالة (من النُّبل أى المكانة النبيلة). وفي البروج يوجد (برج الأسد). أما أبو الهول الرمز الفرعوني الشهير، فجسمه جسم أسد، ورأسه رأس إنسان (لا أدري رجلاً أم امرأة). وأبو الهول الإغريقي جسمه جسم أسد ورأسه رأس امرأة. وقد غنَّى عبدالكريم الكابلي من أغاني التراث السوداني (أسد بيشة المِكَرمِت قمزاته مِتطابقات). بيشة مكان في جزيرة العرب. (قمزاته متطابقات) هي صورة باللغة الدراجية عن وثبات الأسد الجاري لما قاله المتنبئ عن وثبات الحصان السريع. (رجلاه في الركض رِجلُُ ُ واليدان يدُ ُ٭ وفعله ما تريد الكفُّ والقدمُ).
وقد اتخذ ملوك النيل، وملوك الحضارة السودانية (الفرعون) أي (التمساح) شعاراً، وتلقَّبوا بالتمساح أي الفرعون. وانتقل التمساح من الثقافة النيلية السياسية، إلى الثقافة النيلية الإجتماعية، والثقافة النيلية الدينية. ونجد أن أحد أولياء الله الصالحين يُسمَّى (تمساح الكدرو) أى ملك الكدرو بمعنى السيادة الدينية والعلمية. ومن ذريته الشاعر محمد بشير عتيق. وفي شعر محمد المهدي المجذوب، في ديوان (نار المجاذيب)، في قصيدة (المولد) التي يغنيها عبدالكريم الكابلي، حيث تناولت حلقات الذكر الصوفي وملوكية التمساح (الفرعون). قال المجذوب في قصيدته (وينادي مُنشِدُ ُ شيخاً هو التمساح... يحمي عرشه المضفور من موج الدَّمِيرة... ندبوه للمهماتِ الخطيرة... شاعرُ ُ أوحَى له شيخُ الطريقة... زاهدُ ُ قد جعلَ الزهدَ غِنىً... وله من رُقَعِ الجُبّةِ ألواناً حديقة... والعصا في غربة الدنيا رفيقة (مقام الغربة)... وله طاقيةُ ُ ذاتِ قرونِ. وقد حدثني ابن الشاعر الأخ عوض الكريم محمد المهدي مجذوب عن قصيدة المولد، فقال إن والده الشاعر عاد تلك الليلة الختامية من احتفال المولد النبوي إلى المنزل، ولم يجلس، بل بدأ كتابة القصيدة وظل واقفاً يكتب القصيدة حتى أكملها. في تلك الليلة العظيمة ظلّ المجذوب العائد من خارج المنزل واقفاً حتى أكمل القصيدة الرائعة، وقد امتزج فيها الفن بالفلسفة بالدين. كيف اختزنت الذرَّة الطاقة النووية الهائلة... والقُوَىْ خرجت من ذرّةٍ هي حُبْلَى بالعدم... أتُراها تقتلُ الحربَ وتنجو في السَّلَم... ويكون الضعفُ كالقوَّةِ حقاً وذِماماً... سوف ترعاه الأمم؟.
وعن علاقة التمساح (الفرعون) بالنيل، طرح الجاحظ سؤاله العبقري، من أين ينبع نهر النيل؟. ولكن أبا عثمان لم يقدّم إجابة عبقرية. حيث قال إن نهر النيل ونهر السِِّّند، ينبعان من نفس المنبع، لأنهما يفيضان في الصيف، وتوجد التماسيح في كليهما!. كان التمساح (الفرعون) شعار ورمز سياسي في حضارة السودان القديمة. مثلما الأسد شعار بريطانيا العظمى، والنِّسر شعار الإمبراطورية الأمريكية. وفي إطار الكبرياء الوطني والإعتزاز بالماضي السوداني العريق، جاء لقب (الفرعون محمد وردي)، كما جاء الإسم التجاري (سيراميك الفراعنة)، وكما يُسميَّ الفريق المصري لكرة القدم بـ (الفراعنة). في ذلك الإطار يأتي لقب الفرعون و(الفراعنة)، تحبُّباً وانتماءً لعزٍّ عريق، لاعلاقة له بفرعون موسى عليه السلام وجرائمه وكفرانياته، بل بثقافة الحضارة النيلية القديمة
. مَن وصفوا وردي بـ (الفرعون)، وصفوه تحبّباً واعتزازاً، باعتباره ملك من ملوك حضارة الفن السوداني. ولو كان وردي من ملوك الغساسنة لقالوا له أبيت اللّعن، أي ترفعت عمَّا يشين وتنزّهت عمَّا لايليق. ويجب قراءة وصف الفرعون وردي في سياقاته الرمزية. وقد عرفت كل الثقافات الرمزيات الحيوانية. وقد جاء في كتاب النيل الأزرق بقلم ألن مورهيد وتعريب الراحل د. إبراهيم عباس أبو الريش، (أن الملك نمر كان رجلاً مهاباً طويل القامة، ذا كبرياء، محافظاً على عادات قومه، وكان يرتدي في المواكب الرسمية فرواً من جلد النمر. وهو من علامات المُلك في وادي النيل)، وفي حلقات الذكر الصوفي للطريقة القادرية رأيت شيخاً من ذرية الشيخ عبدالسِّيد القادري يطوف بحلقة الذكر، وهو يرتدي فرواً من جلد النمر (علامة المُلك والسيادة الدينية). والموسيقى السودانية منذ العهود السودانية التاريخية السحيقة،
لم تنساب إلى آذاننا اليوم، عبر (مؤسسة فنية)، بل عبر (المؤسسة الدينية)، عبر (الدين المنظَّم). حيث قام (الدين المنظم) في السودان، في المعابد والأديرة والكنائس والزوايا الصوفية، وحلقات الذكر و(نمَّات) التلاوة القرآنية، بحفظ موسيقى الأهازيج الدينية وترانيم الموسيقى السودانية الخالدة، من عهود الوثنية السودانية إلى عهود السودان المسيحي، إلى عهود التوحيد. (الدين المنظم) حفظ تراث الموسيقى السودانية، كان ذلك هو الإطار الثقافي لللملك الفرعون محمد وردي. في ذلك الإطار جاءت تحية المبدع الكبير الراحل، مثل تحيّة ملوك الغساسنة... أبَيْتَ اللَّعْن!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
قراءة تانية وردي .. الاحترام .. والالتزام السر قدور
أعود أحيانا للحديث عن الماضي ليس حنينا إليه وإنما للاستفادة من دروسه في الحاضر والمستقبل .. وبلا شك إن « القراءة الثانية « لما جرى أمس يفيدنا في فهم ما يجري اليوم .. وصور الأمس العديدة عن فقيد الوطن محمد وردي تدافعت إلى الذاكرة وفيها ما يدل على شخصيته الفنية ومواقفه الإنسانية. ومنها ما حدث في مدينة « واو « عندما ذهبنا إليها في بعثة فنية كبيرة للاحتفال بوصول خط السكة الحديد الى المدينة .. وكان محمد وردي الذي اعتلى قمة الفن في تلك الفترة من ستينيات القرن الماضي على رأس نجوم الغناء ، وقد وصل معظمهم للمشاركة في المناسبة قبل يوم واحد من وصول الرئيس عبود وكبار رجال الدولة. وبعد ساعة واحدة من الوصول الى مدينة « واو « حدثت المواجهة بين محمد وردي وكبار المسئولين لأن وردي رفض الاقامة مع كبار الفنانين في المنازل الفاخرة التي خصصت لإقامتهم عندما اكتشف ان اعضاء البعثة من العازفين ونجوم الفكاهة تم اسكانهم في إحدى المدارس المتواضعة بدون خدمات او وسائل للراحة واحتجاجا على هذا التصرف قرر ان يقيم مع صديقه الشاعر محمد عثمان كجراي الذي كان يعمل حينذاك في مدينة واو ، بل ان وردي صعد الأمر الى أكثر من ذلك عندما رفض حضور حفل العشاء الذي اقامه الحاكم العسكري اللواء الطاهر عبد الرحمن المقبول ، وقال لمندوب اللواء الطاهر انا هنا من اجل الحفل الرسمي ولن احضر هذا الحفل وكان رد الفعل من جانب اللواء الطاهر غاضبا جدا وامتد هذا الغضب الى رئيس بعثة الإذاعة المرحوم محمد العبيد الذي قرر منع محمد وردي من المشاركة في الحفل الرسمي .. وشاع خبر هذا القرار في مدينة واو واصبح حديث اعضاء البعثة من الفنانين الذين ابدوا جميعا اعتراضهم الا ان البعض كان مرتاحا لهذا القرار .. وكان الكاشف أكثر الفنانين ضيقا واعتراضا .. وعندما وصل الرئيس عبود وكبار رجال الدولة ذهب الكاشف الى وزير الخارجية أحمد خير وحكى له تفاصيل مشكلة محمد وردي مع اللواء الطاهر وقرار منعه.. فقال له أحمد خير جملة قصيرة وحازمة « محمد وردي سيغني في الحفل « وقبل بداية الحفل بساعة واحدة كانت سيارة الاذاعة تسرع الى منزل الشاعر كجراي لإحضار محمد وردي ليقدم الفاصل الاول في افتتاح الحفل .. لقد أوفى أحمد خير بوعده .. وعرفنا التفاصيل بعد ذلك. أرسل الوزير أحمد خير الى محمد العبيد رسالة عن ترتيبات الحفل وقال له ان الرئيس سيبقى في الحفل لساعة واحدة ثم يذهب لحضور حفل العشاء الرسمي ، وأضافت الرسالة ان الرئيس لديه طلب واحد هو ان يستمع الى اغنية « القمر بوبا « من الفنان وردي. وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هذه القصة فهي لا تزال حية وترسم لنا صورة ناطقة عن شخصية الفنان محمد وردي التي تتميز بصفتين الاحترام .. والالتزام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
الصادق المهدي.. في مأتم وردي عادل الشوية
ورحل وردي الذي في وفاته جمع كل اهل السودان في دمعة واحدة ذرفت في وداعه .. بمثلما كان يجمع الشعب على إختلاف توجهاته وافكاره وتياراته.. حينما يغني للوطن او للحبيبة جمعهم ايضا وكانوا شيئا واحدا وحزنا واحدا ونحيبا واحدا من الاطفال الى الكبار في السن الى السياسيين والفنانين والاحزاب وحتى اهل الجنوب الذين رحلوا بانفصالهم توحدت مشاعرهم مع الشمال حزنا على رحيل وردي ونسوا مفاوضات اديس وخلافات النفط وانقسامات الحركة الشعبية وتصريحات باقان ونسينا نحن ارتفاع الاسعار الجنوني واضطرابات جامعة الخرطوم واكتساح القيادات الشبابية لقطاعات وامانات المؤتمر الوطني وسوريا والساعدي القذافي الحالم باستعادة مجد والده ونسينا الهلال والمريخ ومن يفوز برعاية الدوري الممتاز.
لانه وردي ولا عملاق غيره يجمع في حياته ومماته كل هؤلاء وينسينا كل ما نحب ونعمل ونتصارع عليه وهو الذي اعاد الينا ايام زمان .. والصادق المهدي يرثيه في رائعة كأنما كان وردي الذي صنفوه في حياته يسارياً كأنه كان واحداً من أبناء حزب الامة وأقطابه بل من بيت المهدي.. وهو يخط بذلك ادبا رفيعا في المرثيات يؤكد به سماحة اهل هذا البلد العجيب يحبون ويكرهون ويحزنون ويفرحون في وحدة وجدانية غير موجودة في اي شعب على ارض العالم بقاراته الست. لقد قدم الصادق المهدي درسا لاحزاب المعارضة بما فيها الحزب الشيوعي الذي تبنى وردي في حياته وتجاهله في مماته وانزوى متفرجا على دموع الآخرين الذين كانوا الاصدق والانبل في الوفاء للعملاق وكان المؤتمر الوطني في مقدمتهم والامة والاتحادي الديمقراطي الاصل والميرغني يعزي ويرسل ابنه احمد .. الجميع انحازوا لحزن الشعب في فقده وردي وكان الصادق يرثيه بحضور وجداني لم نره فيه الا يوم(رفع الفراش).. والصادق وان اختلفنا معه سياسياً فإننا نجمع على انه مفكر وأديب وخطيب مفوه ورجل انسانية حتى في علاقاته مع الصحافيين تجده دائما يشاركهم افراحهم ومناسباتهم الاجتماعية.. وذو عقلية راجحة في تناول القضايا الوطنية تجده مع الوطن رغم انه لا يغفل مصالح حزبه ، وهو كجده عبد الرحمن المهدي يدخل الى بوابة الفن من خلال عمالقته ومن رسموا للفن طريقاً رسالياً .. أحيي الصادق المهدي .. مثلما أحيي البشير الذي كانت مبادرته في امامة صلاة الجنازة يوم وردي رسالة للعالم في احترامنا للفن الرسالي ودوره في الحياة وللفريق عبدالرحيم محمد حسين ذلك الوفاء لصديقه الاعز. ورقة أخيرة كل الأمانيَ تذبل إلا حينما تقترب منك تزداد اخضرارا.
-------------
حين لآخر سكتْ النغم سكتْ الكنار .. رحيلُ وردي: رحيلُ فنان من وطن شامخ محمد رشوان
بروف على محمد شمو الإعلامى السودانى الأشهر تحدث ذات يوم عن بداية مسيرة الفنان السودانى الكبير محمد عثمان وردى, فقال إنه يتذكر ذلك اليوم من العام1957 وكأنه البارحة. حين دخل دار الإذاعة شابٌ نحيل الجسم طويل القامة يحمل آلة العود فى يده. وكانت إجراءات إجازة الصوت و النصوص وقتذاك عملية عصية دونها خرط القتاد. فهناك تمحيص وتدقيق. . ولكن الفنان وردى- يرحمه الله- أجيز صوته دون كبير عناء. وشق طريقه فناناً كبيراً بسرعة فائقة. و إن أنس لا أنسى العام 1957 و أنا فى المرحلة الوسطي بمدينة النهود الزهراء حين دلفت إلي ديوان المنزل فاجتذبنى صوتٌ ساحرٌ صداحٌ و كان وقعه فى نفسي مثل سريان النسيم البليل العليل. فألفيت نفسي أقف أمام المذياع و كلي آذان صاغية و كأن على رأسي الطير. و أدت روعة تلك اللحظة و تفرد ذلك الحدث إلى أن تنطبع صورة ذلك المكان فى ذاكرتى بكل تفاصيلها الدقيقة بالرغم من مُضي نصف قرن من الزمان. وكان الصوت الساحر الأخاذ الذى سمعته لأول مرة يشدو صداحاً: يا طير يا طاير من بعيد فوق الغمام من ربوعى أحمل الشوق يا حمام حبى عارف إنو فى صمتك كلام. . وأيقنت أن هذا فنانٌ قادمٌ بقوة و ملءُ برديه سحرُ فن الغناء الرفيع و روعته بفضل قدراته التطريبية العالية و عذوبة صوته . و بعد إنتهاء الأغنية قال مذيع الربط( إستمعتم إلى أغنية الحُب و الوُرود تلحين و غناء الفنان محمد وردي) منذ ذلك اليوم بدأ إعجابى و إعجاب الجماهير السودانية بهذا الفنان المُتميز. و أصبح وردي يُقدم دُرة إثر دُرة من أغانيه الحسان. و كلُ أغنية جديدة تكسبه جمهوراً و أراضي جديدة و مزيداً من الإستحسان لفنه و لونيته الإستثنائية. و ظلَ وردي و على مدى خمسة عُقود أحد المتربعين على عرش المُوسيقي و الغناء السوداني والفن الأصيل. و إستطاع و إخوته الرُواد أن يلعبوا دوراً لا تخطئه العين فى تشكيل الوجدان السُوداني ? ومن المعروف أن الفنون التى تتاح للجماهير عبر الوسائط الإعلامية لها دورها فى توحيد الشعب وجدانياً , . فإذا ما توجه وردى أو أحد أعلام الغناء السوداني- إلى الشرق مثلاً تتلقاه الجماهير و تتجاوب معه و تصفق له و يرقصُ الراقصون على إيقاعاته. ويحدث ذات التأثير الطاغى المُبهر فى شتى رُبوع الوطن الحبيب- شمالاُ ووسطاُ و جنوباً و غرباُ عندما يزورهم الفنان فى ديارهم و يطلبون منه ذات الأغنيات المحببة إلى أنفسهم. و صدق فنان السودان و مُوسيقاره الرقم عندما قال إنه عمل بعد تخرجه فى معهد التربية مدرساً بالمدارس الأولية( الأساس حالياً) و قبل أن يشد الرحال إلى الخرطوم , قال لزملائه المُعلمين وهم يُؤدون رسالتهم السامية إننى يا إخوتى ظللت أؤدى واجبي معكم فى نشر المعرفة و العلم و الوعي بين جدران حجرات الدراسة, و لكنى بعد حين سأنتقل إلى منبر آخر أستطيع فيه أن أدلى بدلوى على مُستوى الوطن فى رسالة لاتختلف عن رسالة المُعلم. دارت الأيام و فتح معهد الموسيقى أبوابه و قرر وردى الإلتحاق به وكان المُبدع الراحل زيدان إلتحق معه بالمعهد. و قال لصديقه وردى( قل لى بربك ماذا تبتغى من هذا المعهد و ما الذى سيضيفه لك بعد كل ماقدمته من كُنوز غنائية ودُرر و روائع لحنية ستبقى ما بقى الجديدان, و التى لا يستطيع الدارسون - مهما تقادم بهم العهد - أن يأتوا بمعشارها .). أطلق معجبو موسيقارنا القامة عليه لقب الإمبراطور و فنان إفريقيا و حقيقة الأمر أن وردى ذاع صيته وأحبه الناس فى القرن الإفريقى وشرق إفريقيا و غربها . ومن إنجازات وردي المُبهرة حُبه العميق لوطنه الذى قدم له أروع الأناشيد والأغنيات الحسان مثل أغنية ( الإستقلال).و غنى( الطير المهاجر) و ( أكتوبر الأخضر) وقال للوطن : ( فى حضرة جنابك يطيب الجلوس) و كان يقول ذلك ثم يجثو على ركبتيه للوطن( الشامخ العاتي) وغنى رائعة الفيتوري ( لو لحظةٌ من وسن .....تحملنى ترجعنى إلى عيون وطني) والتى يقول فيها (أجملُ من رائحة النضال لم أشم رائحة) لله درَ الفيتورى « فإن من البيان لسحرا» و خير دليل على أصالة وردي أنه إهتم بجذوره النوبية- وأولئك قوم أولو حضارة و تهذيب فطري. و إستطاع أن يبعث الحياة فى اللغة النوبية العريقة وفى التراث النوبى الزاخر الثر. و لقد جمعتنى دروب الحياة بالعديد من الحلفاويين المحس النوبة فوجدت القاسم المشترك بينهم أنهم أناسٌ يألفون و يؤلفون و قلوبهم فى لون الحليب و الفل, و الفرد منهم كما يقول إخوتنا أبناء الكنانة (كلُ الفى قلبه على لسانه) و قال فقيد الوطن مباهياً بموطنه الصغير ( أذا أولينا الإبداع فى تلك المنطقه إهتمامنا لقدمنا للسودان العشرات من أمثال خليل فرح و محمد عثمان وردى). المبدع الخلاق من أمثال وردي أشبه بنخلة شامخة معطاءة- و بعد أن ترك لشعبه 300 أغنية من درره الحسان و التى تمثل تراثاً هائلاً باذخاً سوف يظل فى وجدان هذه الأمه و كلما جاء جيلٌ جديدٌ إحتضن هذه الروائع و إعتبرها من صميم تُراثه . و يحدث هذا لجميع رُواد وعمالقة الفن السوداني. و كان فقيدنا الراحل المقيم يقبل أن يغنى من ألحان الآخرين فقد وزَع له الفنان الإيطالى أندرية رايدر» أغنية الود» . و لحَن لعثمان مصطفى نجم الأداء الكورالي ( مشتاقين ) التى غدت من الدُرر.و كانت آخر أعمال الرائع وردي تلحينه أغنية صاغ كلماتها الشاعر الشفيف إسحاق الحلنقي و أهداها وردي الى الفنان الشاب المتألق طه سليمان وسوف تكون مسك ختام إبداعات فناننا وردي . و من كلمات أغنية الود( نحنا عشناهو و مشينا) أجل عشنا مع وردي»عصر وردي» كما قال الأستاذ الكبير السر قدور. و لكن وردي لن يمشى بعيداً و لن يبارح وجدان شعبه لأنه أصبح فى الحنايا , وكما يقول الفنان زنقار ( مع النسيم بلاقيه , وسط الزهور بلاقيه , فى نور لو ظهر بلاقيه, فى شاطى النهر بلاقيه- فى موضع الجمال بلاقيه) لكل هذا ستظل ذكرى وردى ما غردت البلابل و ما بقيت المشاعر السامية ? رحمه الله رحمة واسعة (إنا لله و إنا اليه راجعون). و أحسن عزاء كل أهل السودان فيه .
--------------
رحيل الاسطورة وبقاء الهرم ..
بقلم: فيصل علي سليمان الدابي الجمعة, 24 شباط/فبراير 2012 06:13 S
في مساء يوم 19/2/2012 ، تفقدت بريدي الالكتروني ، فتحت إحدى الرسائل ، كان المرسل هو الأخ العزيز الفنان عادل التيجاني مدير مركز أصدقاء البيئة بالدوحة، وكان مضمون الرسالة هو الدعوة للحضور إلى صالة منتدى الحروف بمركز أصدقاء البيئة للقيام بواجب العزاء في وفاة فنان أفريقيا الأول الاستاذ/ محمد وردي، قرأت الرسالة الالكترونية عدة مرات بإمعان شديد وذهول مطبق فقد استمعت لوردي قبل عدة أسابيع وهو يصدح بأغنياته الشهيرة في عدة قنوات فضائية سودانية وشيئاً فشيئاً تيقنت من الرحيل الأبدي لأسطورة الغناء السوداني عندما تجولت في الفضائيات السودانية ، الشروق والنيل الأزرق وتلفزيون جمهورية السودان ثم تلفزيون قطر الذي قدم لمحات من سيرة الفنان السوداني محمد وردي ونماذج من أشهر أغنياته ، فمحمد وردي يعرف قطر وتعرفه قطر فقد حط رحاله ذات يوم بالدوحة حيث أجريت له عملية زرع كلية بمستشفى حمد وحيث أحيا فيها عدة حفلات غنائية للجالية السودانية المقيمة بدولة قطر الشقيقة. نعى الناعي وانفض المشيعون وانتهى العزاء داخل وخارج السودان ورحل محمد وردي ولكن الهرم الغنائي الأكبر الذي شيده محمد وردي عبر أكثر من ثلاثمائة أغنية من عيون الغناء السوداني سوف يظل باقياً ، جاء وردي من جزيرة صواردة إلى الخرطوم حاملاً في حناياه صلابة جبال المحس ورقة ضفاف النيل فغنى للوطن وغنى للحب والجمال فبلغ القمة في الإجادة وغنى للحرية ، فكانت أناشيده الوطنية الاكتوبرية متفجرات ثورية ترهبها كل الحكومات العسكرية ، سُجن عدة مرات وحتى وهو في غياهب السجن كتب ولحن وأدى أجمل الأغاني السودانية، جاء وردي من شمال السودان إلى وسطه محملاً بلغته النوبية لكنه لم يتقوقع بداخلها ويكتفي بترديد الأغنيات النوبية بل قام بتدريس اللغة العربية الفصحى وتغنى بها في بعض أغنياته وأناشيده الوطنية الخالدة ، ويكفي وردي فخراً أن إرتريا وأثيوبيا اللتين تفرق بينهما الحروب والعداوات السياسية توحدهما أغنيات وردي فمن وقت لآخر تصدح القنوات الاثيوبية والارتيرية بأغنيات وموسيقى الراحل محمد وردي! في اعتقادي أن أبسط ما يُمكن للسودانيين والأفارقة والعرب أن يقدموه لتخليد ذكرى الفنان محمد وردي هو أن يساهموا في تشييد معهد محمد وردي على قطعة الأرض التي منحتها له الحكومة السودانية قبل وفاته لتكون منارة للفن الراقي الذي يمجد الجمال من غير ابتذال ويعظم حب الوطن بدون تطرف ويكون متحفاً حياً يجمع التراث الغنائي السوداني الذي تمتزج فيه جماليات الغناء السوداني بروائع اللغات العربية والنوبية والافريقية فلعل ذلك يساعد في توحيد القومية السودانية التي تفرقها السياسة ولكن يجمعها دائماً الفن الجميل الذي يحمل أجمل المشاعر الانسانية. فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: عمر محمد ابراهيم)
|
الاخ عمر نحياتى لك مافى مانع من نقل التوثيق طالما الهدف واحد حاولت الدخول الى صفحتك وربطها بصفحتى فى الفيس بوك حيث توثيق الاغانى ايضا ولكن رابطك فيه خطا لم يسعفنى بالوصول الى صفحتك ارجو اعادة لرابط من جديد وتواصل معى هنا
وردي..آخر ملوك السودان القديم مات في زمن التداعيات الكبرى!!
الجمعة, 24 فبراير 2012 14:04 : / 0 وردي..آخر ملوك السودان القديم مات في زمن التداعيات الكبرى!! د. مبارك بشير
تقديم اشهد يا مولاي في الفجر وداع القافلة هذا رحيل الصيف أم حزن الطيور العاشقة هذا ضياع النهر من تياره القديم أم همسة النجم على سمع النجوم الآفلة يكفي تزملي بحبكم في زمن التنائي لربما كنت للحظة من قبل أن تمشوا على عيوني.. سامر حيكم وناشر الود على الأقاحي وها أنا موثقة عيناي من خلاف أشهد في الفجر رحيل القافلة!! من قصيدة "زمن التداعي" "1" محبوك اليتامي، تناثرت جموعهم على الطرق المؤدية، في اتجاه المقابر، ذاك الصباح الحزين، فرادى وجماعات: محبوك ساعة الرحيل جاءوا من كل فج عميق.. وازدانت مقابر الملك فاروق، بزفاف آخر الملوك.. ملوك "السودان القديم" وثمانين عاماً في بطاقة "الرقم الوطني" الذي لا يحتاج، وستين سنة ميلادية في كتاب "الغناء المستحيل" محبوك ذاك الصباح الجراح، والمنايا وشاح، أنا أم أنت أم زمن التداعي أكتب الآن التياعي
يرحل الأحباب من غير وداع يرحل الأحباب من غير وداع. محبوك أتوك في "حفلتك الأخيرة" آه، بغير استئذان أو تصاريح موسومة للعبور، أو بدعوة من أحد، ومثلما يحمل كل أمرئ "طائره في عنقه" يحمل كل مودع حزنه في قلبه.. على ذمته ومسؤوليته وحسابه الخاص، من بواكير علاقته الملحمية، بالمحتفى به "دوما" حتى الرمق الأخير، لا أحد.. والعالم، ذاك الصباح، يبدو على غير العادة، مختلفاً وفاجعاً، "خلف النافذة"!! "2" كتب "النور عثمان أبكر" في ترجمته المبدعة، من الألمانية عن رحلة الرحالة الألماني "بريم" السودان 1847-1852م إن هدير الشلال يبدو مثل لوحة وحشية لا نهائية، وصلنا "أبكي" على مبعدة أميال من وادي حلفا، مع حلول الليل، كانت السفن تحتشد في الخليج، وكأنما هي في ميناء.. وبحارتها يتحلقون ناراً يبغون الدفء من درجة حرارة لا تزيد عن "14" درجة مئوية، وقد سعدت أجسادنا المرهقة بهذا الدفء. كان الليل رائعاً، وهدير الشلال يتردد كالصدى بالقرب منا، ويمتزج مع القيثارة النوبية حسنة الأنغام التي كانت تعزف أما دعوة لشباب البحارة إلى الرقص أو ترحيباً بنا. كان بمقدور العين الحاذقة أن ترى غاية الصاريات في النهر، والسفن المتلاصقة، وكان النهر مثل بحيرة ساكنة، يتردد صدى أمواجها الرحيمة التي تصطفق بالشاطئ الصخري، حيث تتلألأ النجوم.. وكان الهواء النقي مشبعاً بعبق الميموزا، وتيجان النخيل تصدر حفيفاً رقيقاً ناعماً، يخفت شيئاً فشيئاًَ.. فننام، انتهى- منشورات مدارك 2010م، ما الذي دفع بـ"النص " في كتابتنا عن الصادح المستحيل، نفس الملامح والشبه، ليس بعيداً عن كل تلك البيئة الخلاقة، والصورة متماثلة تماماً، في أرض السكوت والمحس.. والنهر ينحدر شمالاً، نحو البحر المتوسط، مثل نصل حاد يخترق قلب الصحارى النوبية، على الضفتين. يصحو البشر على أصوات العصافير والمزامير. ويمسون على أنغام الطنابير، والمدن الصغيرة، مثل عبري وصاي وصواردة التي لا تختلف كثيراً عن الأخريات . و"الطفل اليتيم" على موعد مع "التاريخ"!! "3" كتبت منذ زمن بعيد، في زاوية ما، بالصحافة غير الرقمية، في "إضاءات" أو "أواصر" عن موسم الهجرة لـ(الجنوب) عكس تيار "النهر القديم" من الشمال الجغرافي نحو الأواسط وعكس المزاج التاريخي للنوبيين في الهجرة شمالاً بدءاً من مصر "أخت بلادي يا شقيقة حتى أركان المعمورة في الجهات الأربع، وتلك قصة أخرى بالطبع والقطع لا تنفصم عن التواريخ المكتوبة والروايات الشفاهة، أو تلك التي خبأتها صدور الرجال والنساء والرحلات أم هي "هجرة عصافير الخريف"، في كل المواسم، حلوة أو مرة بطعم الحنظل في سبل كسب العيش في أواسط بلاد السودان؟ وردي جاء من هناك.. من تلك المنطقة الملهمة والملهمة في آن، شيء غريب.. والله العظيم!! من هناك جاء جمال محمد أحمد وجيلي عبد الرحمن وأبو سليم ونجم الدين ومحمد توفيق وسعاد إبراهيم أحمد وداود عبد اللطيف وصالح مشمون ومرسي صالح سراج وديشاب وكمال عبد الحليم وفاروق كدودة ومحمد الحسن دكتور وسيد أحمد الحاردلو والقمر بوبا عليك تقيل.. والحكاوى والحواديت والأسماء والأساطير والكنوز الأثرية التي أفلتت من غمر الفيضان الدرامي لبحيرة النوبة بعد "السد العالي" لتنتهض داخل متحفنا القومي.. من هناك. جاء محمد وردي في التوصيف الفيزيائي لا يشبه الآخرين، في الوجه والملامح الفرعونية والقوام السامق نحو الأعالي، قد يشبه على نحو ما، في السمات والعلاقات المائزة، ذات الإهاب الملوكي، لبناة الاهرامات النوبية، التي كشفت عنها الكشوفات الاثرية، في الزمان المعاصر.. عاش بين معاصريه، ثمانين عاماًَ، بالطول والعرض والارتفاع ، بحضور نادر، ملء السمع والبصر والدواخل التي شكل وجدانها بالشدو الفريد والشجن الذي لا يرتاح المرء من عذابه . آه يا وجع النساء الحبليات ليلة الثامن عشر من فبراير 2012م، نحو العاشرة مساء قضي آخر ملوك السودان القديم !! "4" صباح الأحد، لم يفرح أحد و"شايف مواكب الهجرة اتلاشت سراع" وبالله يا طير قبل ما تشرب، تمر علي بيت صغير، من بابو من شباكو بلمع ألف نور.. تلقي الحبيبه بتشتغل منديل حرير لي حبيب بعيد!! أمر غريب استحق الدرس والتحقيق، ان يصرف علماء اللغات النوبية، في تواجبهم ومهاجهم الأكاديمية يسبق وردي وتفوقه البائن والزبادي في المعرفة والإلمام والتعمق والاحاطة وباللغة التي يتواصل بها النشر في مجتمعياً سوسيو لنقوستكس والمعاش بالضرورة من ناحية لتطبيق اضافة إلى كونه مستودعاًَ حصرياً لا يتكرر للاغنية النوبية. للاسف, لم يتمكن المهتمون بأمر توثيق الابداع النوبي، من توثيق غالب ما احتوت ذاكرة وردي في تداعياتها النوبية ظل وردي يشير بوضوح في اكثر من لقاء الي العربية كلغة ثانية بالنسبة له تعلمها في المدارس وفضيلة التعلم المستمر، ومعاصرة اصدقائه الأدباء والكتاب "لغة ثانية" على نهج المستعربين . فمن أين أتي ذلك "الكائن الاسطوري" بأداء الكلام الغناء العربي الفصيح، في الأناشيد والأهازيج في الحبيب العائد والاكتوبريات ومارسليز الاستقلال وأصبح الصبح.. عرس الفداء ويا شعباً تسامي..!! "5" عاشقوك استجاروا بملاذات الحزن العظيم "صحيح أنو الهوي غلاب.. غلاب" خفواً لوداعك وفق خياراتهم الشخصية، وبدون حافلات "مكرية" ولا تحفيزات سلطوية.. على كيفهم!! صبيحة الأحد 19فبراير 2012م، شاهدنا النفير الطوعي الخالص لوداع المعلم المحترم في اليوم الموعود للمؤتمر القومي للتعليم.. فتأخر برنامج الافتتاح عمداً ومع سبق الاصرار والترصد.. هكذا.. "وفي عينينا كان يكبر حناناً زاد وفات الحد" ولو تأخر ميقات التشييع حتي منتصف النهار، لاستطاع محبوك وعاشقوك من سكان المدن والضواحي والولايات القريبة والبعيدة، حضور حفل "الوداع الأخير" . ويصبح من حظ الفضائيات والوكالات والشبكة العنكبوتية، نقل ما حدث تماماً في لحظات الرحيل المهيب، سقطت الخرطوم في العام 1885م، على ايدي الثوار المهدويين شئ لله، وأشياء كثيرة للوطن، إن تأخر الحفل ساعة أو ساعتين لاستطاع المفتونون قرابة ستين عاماً بابداعك، من كل الملل والنحل والقبائل والطوائف والاحزاب والمكونات الثقافية بمختلف حلقاتهم العمرية وطبقاتهم الاجتماعية نساء ورجالاً شيباً وشباباً واطفالاً من احتلال الخرطوم نمرة اثنين وثلاثة والديوم والعمارات وجميع أحياء وحارات وطرق المحلية في "غزوة سلمية" وهم في ذلك المقام.. أصحاب وجعه في فقد حبيبهم الذي علمهم فضيلة الطرب الأصيل والاستماع الجيد.. وبمزاج ، لاغاني اسماعيل حسن والحلنقي وصديق مدثر وعمر الدوش وكجراي وعبد الواحد عبد الله وصلاح أحمد إبراهيم ومرسي صالح سراج وعلي عبد القيوم والفيتوري ومحمد المكي إبراهيم وأبو آمنة حامد وشاعر الشعب محجوب شريف، يا شعباً لهيبك ثوريتك بتلقي مرادك.. والفي نيتك!! "6" نرجع للتوصيف الكلاسيكي للملوك في العصر القديم، حسب شهادة الرواة، والمؤرخين، بسطة في الجسم، عرضاً وطولاً وعلوا، للمنعة والقوة والمهابة، وقواماً فارعاً كتيجان النخيل في "حلفا" الغارقة تحت "بحيرة السد" "التوصيف" يتحدث عن الحكمة والمواهب الفطرية والجينات المبدعة في علم الهندسة الوارثية ، والقدرة على بناء الدول والأمم والامصار.. الشاهد الثابت أن محمد عثمان حسن وردي بني مملكته الإبداعية على الشيوع، في السودان القديم "مليون ميل.. مربع" شبر.. شبر.. بيت.. بيت.. حارة حارة, "فتشتت عنك حارة حارة، في لحي الاشجار نحتوا كتبتو في صم الحجارة"!! طوال عمره، جيلاً بعد جيل" و"الملك" بتلقانا في ثلث عمره الاخير، يأخذ بأعطافنا الشعرية في سنوات الصبا الباكر وبحنان الابوة الخلاقة، يغني قصائدنا الطفلة "يا نسمة جاية من الوطن، بتقول لي ايام زمان ما ترجعي باكر يرجعني الشجن وانتهت بيك طول الزمن يا نسمة، ويستمر المغني المستحيل في اكرام وفادتنا مجدداً حتي يتحول معجبوه من شباب الشعراء إلى قائمة اصدقائه الذهبية، كتبت "عرس الفداء" استدعاء للتاريخ الوضئ من "ترهاقا" عبوراً بالمك نمر والمهدي وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل والقرشي والشهداء من خطوا علي التاريخ سطراً بالدماء، والشرفاء الذين صاحوا بوجه الظلم.. لا.. كتبتها في زمن اغبر ، وسنوات قهر شديد.. صدرت بها مجموعتني الشعرية الأولي والأخيرة زمن التداعي ثم فوجئت بوردي، يجعل منها.. بقدرة قادر عملا ذا قيمة ومعني واضافة .شكراً يا جلالة الملك جاء يوم شكرك فما يزال الوطن اغنيتنا المفضلة "نحن ابناؤك في الفرح الجميل، نحن ابناؤك في الحزن النبيل"!! جاء يوم شكرك الآن، النساء في ساحة مقابر "فاروق" ثكالي، من القلب حتي المآقي . النساء يشاركن في وداعك بلا استئذان من أحد، من قال إن تلك المراسم وقف على الرجال.. للرجال فقط، النساء في باحة الموت، كالأزهار في الحديقة، والرجال "دمعتين سالو" يستمر الغناء في حفلته الأخيرة وردي كلمات علي عبد القيوم "أي المشارق لم تغازل شمسها،ونميط عن زيف الغموض خمارها اي الاناشيد السماويات لم نشدد لاعراس الجديد بشاشة أوتارها اي المشانق لم تزلزل بالثبات وقارها خرج المارد من الحدود الجغرافية للسودان القديم، سودان ما قبل الانفصال، والانقسام والحروبات العبثية والنوائب الاجتماعية والاقتصادية، سودان ما قبل صعود القبلية والجهوية والاستقطاب السياسي. الوطن الذي وعدنا الشاعر عبر حنجرة الملك الماسية "حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي،وطن شامخ وطن عاتي وطن خير ديمقراطي" خرج الملك من الحدود القطرية است يت نيشن" إلى الحدود التاريخية للسودان القديم سنترال بلاد السودان، أثيوبيا أو بلاد السود أو البلاد من الممتدة عبر الصحاري والسهول والجبال والوديان، من البحر الأحمر شرقاً حتي الأطلسي غرباً.. ولي افريقيا نمد الايدي...ايدي شباب صادق ونبيل . آه يا وردي لم يعد ارثاً حصرياً لأهل صواردة ولا النوبيين ولا بني حملة الجنسية السودانية، أصبح فنان افريقيا الأول رغم عدم الاهتمام الاعلامي في شمال الوادي بهذه الظاهرة الإبداعية الكونية آه يا صباح الوداع الاخير. لو انتظرت انتصاف النهار.. لوقعت محلية الخرطوم عموم تحت رحمة المسيرات الطوعية الهادرة من المركز والولايات للتعبير عن امتنانها العميق وتقديرها الجم وحزنها الاصيل.. ربما في لحظة من وسن اشعل الاحزان ناراً واشتعل. "8" سوسولوجيا الإبداع، والنقش علي ضفاف نهر النيل ما تزال .. ما تزال .هل غادر الشعراء من والرواة الشفاهيون يمتنعون . كتاب وردي، كما كتاب امتي.. كتبت مرة في حضرة من أهوي يا وطني يا واحداً موحداً، وكيفما انفق، لا فرق لا اعتساف، لا رهق، في وطن الجميع، يلتقي الجميع في الخرطوم عاصمة قومية بحق.. في وردي هجرته الأولي من صواردة عكس مجري نهر النيل، جنوباً جنوباً عكس التيار في الطريق إلى أواسط البلاد، عبر البيئة الملهمة، اسفل بلاد النوبة العليا، في تداخل ثقافي حميم، في التعريجات على منحني النيل كما المعماري يرسم نصف دائرة امر في غاية الغرابة، منطقة مروي بقايا المملكة القديمة، من ناحية الجنوب، جغرافياً اجتماعية تتحدي التقسيم التاريخي المدرسي، ابداعية بلا ضفاف، من هنا جاء الطيب صالح وعثمان حسين ومحمد عمر بشير واسماعين حسن وعلي عبد القيوم وحميد وودبادي واليمني والنعام آدم والسر عثمان الطيب وكرم الله وصديق أحمد والدابي والنصري. تمشي وأنت نازل هناك بتلقي النيل يلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام.. وأنت نازل.. عبد الله علي ابراهيم ومكي سيد أحمد والعطبراوي وعلي عبد القيوم والطيب محمد الطيب وعبد الله الطيب ومحمد المهدي مجذوب والسكة الحديد . ابتدارات التاسيس الموضوعي لحركة النقابات والكفاح ضد المستعمر وشعارات التغيير الاجتماعي وردي مر من هناك . ثم بدأ مشروعه الإبداعي الوطني.. من "يا طير.. يا طاير.. حتي عبر الاغاني العالية المقام والاناشيد العالية السنام والعاطفة التي تحرق اكباد المحبين اليتامي في نور العين وااسفاي ومن غير ميعاد واقابلك في زمن ماشي وزمن جاي وزمن لسه.. اشوف الماضي فيك. "9" في حياة آخر الفراعنة النوبيين، محطات ومحطات، ومشروع التوثيق بدأ خجولاً في حياته، هونا ما.. في بعض البرامج والقنوات الفضائية كتر خيركم.. قدر قدرتكم ما قصرتم بقي علي محبي وردي وعارفي فضله من الكتاب اتحاد الكتاب السودانيين، والبرامجين من متابعي سيرته محطات الاذاعة وقنوات الاذاعة المرئية، دار الوثائق والمكتبة الوطنية تحت إدارة "نور الدين ساتي" والصحفيين والناشطين ثقافياً ومن تبقي على وجه الدنيا "ام بنايا قش" من اصدقائه وزملاء مسيرته الفنية في اكمال مشروع توثيق حياة مبدعنا العظيم العمل يستحق اكثر من وزارة ثقافة وأن يكون هماً قومياً بحق. يختلف السودانيون ويتفقون أحياناً. لكنهم في اتفاق نادر وما يشبه الاجماع على محبة وردي، وتعظيم دوره الثابت كأحد مكونات الوطن الثقافية والاجتماعية والسياسية.. لا جدال!! في التاسعة صباح الأحد 19/2/2012م، وبمقابر الملك الأول فاروق، جنوب الخرطوم غرب اثنين، غرب حي العمارات شمال حي الزهور فتحت ، شرق الديم وشارع 15 قلب محلية الخرطوم شارك ما تنشر من حشد مقدر في هاتيك الظروف المعلومة من تشييع الفنان والشاعر والباحث والموسيقار والمعلم والعلامة البارزة في تاريخ بلادنا محمد عثمان حسن وردي 1932-2012م، آخر ملوك السودان القديم.!!
السودانى
-----------------------
عجو المحس الجمعة,
24 فبراير 2012 14:03
عجو المحس.. محمد أحمد بشيري
حكى إعرابي وفد إلى حضر من باديته: أنه حضر حفل عرس في المدينة علت فيه أصوات الحضور بالثناء على شاب، فخرج وجاء بخشبة عيناها في صدرها، فيها خيوط، ثم استخرج عوداً رقيقاً عرك به الخيوط، فنطقت ورب الكعبة، وإذا هي أحسن أمة مغنية، فأطربني حتى استخفني من مجلسي، فوثبت وجلست بين يديه- وقلت: "بأبي أنت وأمي- ما هذه الدابة! فقال هذا البربط "العود" ومن لم يستخف طرباً حينما يجسسه ويداعب أوتاره بأنامله، حتى يخال أنه ينطق، ومن لم يتمايل طرباً في حسن غنائه، ورخامة صوته، حتى يكاد ينفطر القلب شجناً!! وقد امتلك ناصية الغناء في وقت مبكر من عمره، وأصبح جزءا من وجدان الشعب، ولد في قرية صواردة، وفقد والديه وهو لم يزل طفلاً غريراً، وكما ذكرت في مناسبة سابقة أن القرية هي المنجم، الذي يضم بين جوانحه معظم الكنوز البشرية في الحياة والتاريخ الحديث. ومن هذا المنجم خرج وردي، بعد أن استنشق عبير النباتات الطفيلية الرقيقة التي تنبت وسط أعواد القمح وسيقان الذرة، وبعد أن ملأ رئتيه بنسيمات النيل، وصقل حنجرته بالغناء وهو مستلق على التكم يحس الثور على تحريك دولاب الساقية "الأرقديك". إن مشاعر الوفاء للقرية من أبناء الشمال والحنين إليها لا تخفى على أحد، وهم يتمسكون بلهجتهم، ويصعب على الكثيرين التخلص من الرطانة، وإيقاعها مهما بلغوا من مراتب العلم والتمدن، وهذا يجعل البعض في حيرة من أمرهم في مجتمعات لا تتعاطى الرطانة، ولذلك يرسمون على وجوههم تقطيبة مصطنعة يحاولون تعويض ما يعتبرونه نقصاً. وفي هذه القرى والجزر التي تكسوها الخضرة اليانعة، وتحفها أشجار النخيل الباسقة يراود الكثيرين من قاطنيها من الشباب حلم الغناء بآلة الطمبور ذات الأوتار الخمسة، التي تشبه نغماتها أصوات أنين السواقي التي استبدلت بماكينات الديزل لرفع المياه. الدهشة وحب الاستطلاع دفعا الشاب اليتيم إلى التقصي والتحري عن هذه النغمات، التي مست شغاف قلبه فأخذ يراقب الأجانب الذين يفدون إلى بلدته الصغيرة لأغراض التجارة أو أعمال البناء "الطيانة" حيث يجيدون العزف على الطمبور والغناء في ساعات راحتهم أو القيلولة. ومن خلال سيرة وردي الذاتية، نجد المؤثرات الفاعلة التي تحرك الحواس وتنمي المواهب وتدفع بالوجدان البكر إلى الابتكار والإبداع منها النيل العظيم الذي يتسع مجراه في هذه المنطقة ويلبس ثوباً من العظمة والوقار حيث يكون في عنفوان سريانه سافلاً. والمراكب التي تطفو على صفحة هذا العملاق ومن أجمل المشاهد وأغربها، تلك الكناتين المتنقلة بالمراكب الشراعية، حيث ينصب كشك من الأخشاب وسط المركب، يحمل بمختلف البضائع ويجوب بها القرى على شاطئ النيل. ومن تلك المؤثرات أيضاً مواسم الحصاد حيث يجمعون الفلال والثمار في تعاون "فزع" مع مشاعرهم الدافئة بصاحب المحصول، وتمنياتهم الصادقة بمزيد من الإنتاج. ومن تلك المؤثرات مراسم الزواج، وطقوس ختان الصبيان. وعندما طرق الفنان وردي أبواب الغناء لم يكن هناك ما يستعصي عليه، حيث استمد حضوره من هذا الإرث، وجراءته في مواجهة الجماهير من وقوفه أمام أشقياء صغار يلقنهم العلم لا يقلون شراسة عن جماهير غاضبة، ومنهم تعلم العبر وتقلب على وسادته على الرغم من قصر المدة التي عمل فيها معلماً. واحتمل عنت وتجبر مطاردته من أفراد أمن مايو بجلد وصبر، ودفع الثمن تشديداً وحبساً. وكنت حضوراً في حفل له بمسرح البالون بالقاهرة في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وقد امتلأ المسرح حتى لم يبق موضع لقدم، وكان من بين الحضور عدد من أفراد جهاز الأمن حضروا خصيصاً من العاصمة لمتابعته، وهكذا هزت كلمات وأغاني وردي الوطنية نظام مايو الشمولي، وتقضي مضجعه حتى ذهب النظام إلى غير رجعة. وكان أول صدام مع السلطات الحكومية مطلع الستينات مع حكومة المرحوم عبود في مسألة موطنه وادي حلفا، وقد وصلت هذه المواجهات ذروتها في عهد المايويين. حينما اختط لنفسه نهجاً سياسياً مقرراً أن يوظف إمكاناته الفنية لخدمة رؤيته السياسية، فكان أول فنان سوداني يتحف المتلقين بهذا الكم الهائل من الأناشيد والأغاني الوطنية، ولعله من الغرائب أن يتساوى التجاوب الجماهيري قبل أن تتقاذفه التساؤلات والحيرة: أيهما أفضل في الورديات الأغاني العاطفية أم الأهازيج الوطنية؟ والمعروف أن الأغاني والأناشيد الوطنية مكانها وزمن بثها وغنائها في المناسبات المعنية بتلك الأغاني، ولكن وردي كالشاعر الذي يمسك بناصية الشعر وبراعة النثر في ناحية أخرى، أغانيه الوطنية والعاطفية صنوان، كلاهما تهزان المشاعر، وتدغدغان الحواس، وتنفثان الآهات من الصدور قسراً، ولا يمكن لأحد مهما أوتي من معرفة وخبر مسالك ودروب الفن أن يفسر هذا الإقبال الجماهيري والمحبة الزاخرة لأعمال وردي وبالتالي لشخصه، وسبحان الله فقد بدأت الرابطة بينه والجماهير قوية في الساعات الأولى من سطوع نجمه، فقد حالفني الحظ وكنت حضوراً في حفل بهيج بمنزل عبقري الغناء إبراهيم الكاشف بحي الزهور في النصف الأول من الستينات، أمانة الفنان الكبير بعد أن رزقه الله بولد، ودعا أعلام الموسيقى والطرب آنئذ وللمرء أن يتصور حفلا غنائيا في دار ملك الغناء والطرب وكان من بين هذه الكوكبة من الفنانين - وردي- ولم يمض على ظهوره سوى سنوات قليلة، ولكنه كان حديث الجماهير، الذين تململوا في مقاعدهم يستعجلون ظهوره، منتظرين وصلته الغنائية بفارغ صبر، وعندما حان دوره انسحب العازفون بكامل عدتهم وعتادهم رافضين مصاحبته بالعزف لأسباب لم تكن تستوعبها، وكاد أن يعتذر بدوره للفنان الكبير، ولكنه انصاع لإرادة الجماهير، وغنى بمصاحبة العود فقط كما لم يغن من قبل وقدم أغنيته الجديدة، التي ذاع صيتها وعم القرى والحضر: بعد أيه جيت تصالحني بعد ايه، كلمات إسماعيل حسن وعدد من أغانيه، حيث انتشى الجمهور وتمايل طرباً وحملت على الأعناق عقب انتهاء الحفل. رحم الله محمد عثمان حسن وردي، الذي عرف ذوق الشعب ومزاجه، ومشاعر الجماهير، ولذلك تربت لديه حاسة تمكنه من معرفة الجمهور الذي يغني له حيث قدم لهم الكثير مما يرضيهم.
-----------------
من دفوي صواردة وعبر حواري الخرطوم
الجمعة, 24 فبراير 2012 14:02
من دفوي صواردة وعبر حواري الخرطوم في قلوبنا .. وهنا عاش وردي! الخرطوم: إشراقة مكي
علاقة حميمة ربطت الفنان الراحل محمد عثمان وردي بجيرانه، فكانوا زاده والرفقة التي لم يمل منها فترك بداخلهم ذكريات وأغنيات ما بين الديم وبري المحس ومربع (3) الشجرة جنوب والكلاكلة صنقعت محطة (3) والعمارات شارع (61) وأخيراً المعمورة. في هذه المساحة نتلمس ذاكرة المكان "الحميم" وتأثير وردي على جيرانه وتأثيرهم عليه. * طيب المقام
أول إقامة للفنان محمد وردي بالخرطوم كانت بمنطقة بري المحس، وعنها يقول المهندس وردي صالح حسن ابن عمه الذي تربى معه بمنزل واحد: عندما قبلت بالمعهد الفني الذي لم يكن به سكن داخلي للطلاب المقبولين من الولايات قدمت مباشرة إلى المنزل الذي كان يقيم فيه محمد وردي بمنطقة بري المحس ومن ثم انتقلت معه للإقامة بمنزل العازف علي ميرغني الذي كان يسكن بمنطقة الديم لأن والده كان موظفاً بالسكة الحديد، وبعد سنوات انتقلت معه مجدداً للإقامة في حوش كبير كان يمتلكه أحد ضباط السجون بواسطة أبو القاسم هاشم، ولكن بعد زواجه من شقيقتي (ثريا صالح) انتقل للسكن الدائم بمنطقة الكلاكلة صنقعت الذي أقام فيه منذ السبعينات حتى قيام ثورة الإنقاذ وقبل خمس سنوات انتقل إلى بيته الجديد بالمعمورة. ويؤكد المهندس وردي أن حياة ابن عمه محمد كانت حافلة بالأحداث منذ زواجه بالسيدة (علوية) عقب أحداث اكتوبر الشهيرة ويضيف: رفقتي لمحمد لم تنقطع حتى أواخر حياتي وبالرغم من أني أصغره بأربع سنوات إلا أن المرض أقعدني والتقيته قبل أسابيع وكان بصحة جيدة وأعدنا ذكريات كثيرة بيننا لأننا تربينا في بيت واحد وكان يمثل لي الأخ الأكبر، لأنه بعد وفاة والديه، رباه والدي صالح وتكفل بتعليمه، ويقول وردي صالح بعد عودتي من ألمانيا بدأت أؤسس لبيتي الخاص وبالفعل وقع اختياري على منطقة الشجرة ولكن فشلت في إقناع محمد أن يشتري إحدى القطع، إلا أنه بعد زواجه من شقيقتي وقبل أن يستقر بالكلاكلة صنقعت أقام مؤقتاً بمنزل للإيجار بالقرب منا وانتقل لآخر بنفس الشارع، ولكن في عام 1976 اشترى من قريبنا حسن سيد بيتا الكلاكلة صنقعت يقيم فيه الآن ابنه عبد الوهاب مع أسرته وشقيقته فتحية عثمان. ويقول راشد صالح إن عمه محمد عثمان وردي كانت تمتلكه روح المكان الذي أتى منه وهو الذي أتى من (دفوي وردي) بمعنى قصر وردي وهو بيت الجد الكبير الذي أصبح أنقاضا يحكي عمق التاريخ وروح الشمال وشموخ صاحبه الذي غنى للنيل والوطن والأم التي افتقدها وحبيبته، وهو ما زال باقياً بمنطقة صواردة يحكي تاريخ الأسرة ويجاور بيت الجد حسن وردي الذي نشأ في كنفه المرحوم برعاية عمه صالح الذي كان بمثابة والده. * مربع (3) رقم (267) الذي اكتشفناه بمنطقة الشجرة أن هنالك فرعا كبيرا لأبناء عمومة الفنان محمد وردي خلاف ابن عمه وردي صالح، لأن البيت الذي أقام به محمد وردي بالشجرة مدة تقل أو تزيد عن أربع سنوات ويحمل رقم(267) يجاور منزل ابنة عمه صالح السيدة سلمى، وهناك منزل يبعد عنه خطوات انتقل إليه أيضا قبل أن يفارق حي الشجرة جنوباً، ويقول لنا طه حسين سيد ابن خالته ورفيقه إن محمد عثمان وردي أتى للخرطوم أول مرة ممثلاً لنقابة معلمي حلفا حاملاً مطالب زملائه ونزل وهو في طريقه للخرطوم بالدامر أولاً، ومن ثم عندما وصل الخرطوم نزل ببيتي بالشجرة هو وأحد المعارف اسمه إبراهيم عبد الماجد وبعد الفراغ من المهمة رجع إلى أهله، وعندما عين معلماً بالخرطوم أحيا أول حفل لأسرة حلفاوية بالشجرة بمناسبة زواج حسن محمد حسن البربري قبل دخوله الإذاعة وكنت أرافقه كثيراً وأزوره بمحل إقامته بمنزل الأستاذ علي ميرغني بمنطقة الديم جوار بيوت الحجر، إلا أنه رجع إلى صواردة وسافر منها إلى مصر فترة ثم عاد مجدداً للإقامة بمدينة بري المحس بعد زواجه، ومن ثم جاء للسكن بجوارنا بالشجرة قبل انقلاب هاشم العطا بالمنزل الناصية الذي يعرفه الكل ببيت وردي. * دموع وضحكات وعن الاحداث التي شهدها بيت الشجرة اول حالة غياب لصاحبه عند اعتقال محمد عثمان وردي بعد فشل انقلاب هاشم العطا، واكتنف الغموض مصيره والرعب الذي بثه احد جيرانهم عندما قابل ابن خالته طه حسين صباحاً واخبره أن وردي انتحر في السجن، وهنا يقول طه لقد فقدت عقلي وذهبت مع عدد من الاقارب لمستشفى الخرطوم للتأكد من الخبر وبالفعل قابلت دكتور سعيد كيلاني الذي نفى وفاته، ولكن لم تطمئن نفوسنا وذهبنا إلى قريبنا العم عبد الرحيم سعيد الذي كان كبير الياورات بالقصر الجمهوري ليساعدنا في رؤيته الا انه لم يستطع أن يفعل شيئاً، ومن ثم توجهنا إلى منزل الدكتور محيي الدين صابر "بلدياتنا في شمبات" فرحب بنا وتعهد بأن يبذل ما في وسعه، الا أن محاولاته ايضاً باءت بالفشل بسبب تعنت حكومة نميري آنذاك، وفي الآخر توجهنا إلى السجن مباشرة وبعد جهد اقنعنا احد حراسه أن يسمح لنا فقط برؤيته بأعيننا من بعيد حتى نتأكد أنه حي، وعندما فتح الحارس الباب رأيناه جالسا على برش وبجواره الفنان محمد الامين وعدد من الاشخاص وهم يلعبون الورق وعندما هممنا بالدخول نهرنا العسكري بشدة واغلق الباب وهو يقول: عايزين تجيبو لي مصيبة؟ ما كفاية الولية امبارح جابت لي كفوة بسبب وردي (والذي عرفناه ويرويه طه: أن زوجة الحارس جاءها صوت وردي وهو يغني ليلاً فما كان منها الا أن جاءت تتصنت لغنائه عبر الجدار وكان المكان مظلماً ومهجورا تكثر فيه الاوساخ فأصيبت بلدغة عقرب) لهذا طردنا شر طردة. وتروي هنا السيدة سلمى صالح ابنة عم الفنان محمد وردي، أن ابن عمها فقد والدته مبكراً قبل أن يتمكن من المشي، لهذا تربى معهم تحت كنف والدها صالح حسن وردي، وتذكر أن محمد عندما فشل في العبور للمرحلة المتوسطة سافر إلى جده حسن وردي بمصر وطلب منه أن يسمح له بأن يدرس الموسيقى إلا أن جدي رفض طلبه وأمره فوراً أن يعود إلى عمه صالح حتى يمتحن من جديد ليكمل دراسته الاكاديمية، ولكن تؤكد سلمى أن حب الغناء والموسيقى كان متمكناً من روح ابن عمها لانهم وهم في سن صغيرة كان يحلو له أن يجمع اشقاءه وشقيقاته ويعزف على (الطنبور) ويغني ومن ورائه يرددون ولكن بمجرد دخول عمه صالح البيت كان يكف من امامه وتتولى سلمى مهمة إخفاء الطنبور حتى لا يتعرض وردي للعقاب بسبب حبه الجارف للغناء. وعن الذكريات الاخرى التي ما زالت عالقة عن حياة وردي يقول طه حسين ما زال الوقت مبكراً لسرد هذه الأشياء لأن جرح الفقد ما زال ساخناً وأنه يكاد الآن لا يذكر أي شيء عنه، لأن زيارته الأخيرة له مع اسرته بمنزله بالمعمورة كانت عبارة عن استعادة للايام الحلوة واللحظات السعيدة والحزينة التي مرت به، كما انه تذكر في ذلك اليوم والدته بشوق شديد وهو لا يمتلك لها صورة ولا يذكر بالطبع معالمها لانه فقدها وهو صغير، وهذا شيء كان يحز في نفسه كثيراً، ولكن الموقف الذي اذكره أن قدم لي احد الاشخاص وهو غاضب جداً وعاتب على وردي بشدة لأنه يتغنى (بنور العين) بهذا الشكل الغزلي ولم يراع مشاعره لأنه صادف أن اسم الاغنية تشبه اسم ابنته، وعندما قابله وردي أوضح له انه فنان يؤدي كلمات شاعر اعجبته وعليه أن يقابل الشاعر اسماعيل حسن ويستمع لتبريره، وبالفعل اخذناه لاسماعيل وعندما سمع شكواه رد عليه بسخرية الشايقية المعروفة: (ها زول منو القالك انا شلت اسم بتك، انا والله غنيت لنور عيني دا). * ميدان وردي البيت الاخير قطعنا مسافة نصف ساعة للوصول اليه من الشجرة ونحن نسابق الشمس حتى لا تغيب ، الا اننا وصلناه بعد مغيب الشمس، مواصلات الكلاكلة صنقعت لم تستغرق منا الكثير لكن الوقت كله اخذته جولة الشجرة مع اقارب الاستاذ الراحل، وبعد أن وصلنا محطة (3) وقطعنا الشارع سألنا عن بيته المعروف للجميع وبعد اقل من عشر دقائق وبرفقتي الصديقة منال عثمان سيراً على الاقدام وقفنا امام بيته الناصية الذي يقع بالجهة الشمالية من الميدان الذي يحمل اسمه هو والجامع، وادخلتنا إلى البيت احدى الجارات قابلناها عند الباب، واستقبلتنا رحاب حسن ابنة شقيقته فتحية التي لم نحظ بمقابلتها لأنها لم تحضر لمنزلها بعد، كما أن زوجها الاستاذ حسن عبد الماجد صديق ورفيق الراحل وردي بالمعتقل سابقاً لم تسمح ظروفه المرضية أن يجلس معنا لهذا تحدثت الينا مشكورة رحاب برغم الارهاق المتمكن منها وقالت: هذا البيت كانت تقيم به زوجته الراحلة (علوية) إلى أن وافاها الاجل وهو بيت مصمم للإقامة فيه بشكل عائلي لأن صالون الحوش يحتوي على خمسة أبواب شكلت على الطراز السكني النوبي القديم وملحق به حديقة ومسرح بمساحة 600 متر شهد كل الاحتفالات العائلية من اعياد ميلاد والختان، واقام الخال محمد وردي بهذا البيت منذ 1976 حتى 1989م ولم يفارقه الا بعد هجرته خارج الوطن واقامته بالقاهرة 14 عاماً وعاد اليه مرة اخرى في 2002م وبعد عودته الشهيرة وسفره للعلاج بدولة قطر شرع في بناء بيت المعمورة الذي استقر فيه وترك هذا البيت لبعض اقاربه وشقيقاته. وتؤكد رحاب أن الميدان الجنوبي للمنزل الذي اطلق عليه ميدان وردي وكذلك على الجامع نصب فيه اكبر صيوان عند زواج ابنته صباح، والآن المنزل يقيم به من الناحية الشرقية ابنه عبد الوهاب مع اسرته والجزء الغربي تقيم به والدتي فتحية. ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمبراطور.. الموسيقار محمد وردي وطن للجمال والإبداع والنضال.. الخطى فوق الخطى.. الجفن فوق الجفن الجمعة, 24 فبراير 2012 13:56 / 0 الإمبراطور.. الموسيقار محمد وردي وطن للجمال والإبداع والنضال.. الخطى فوق الخطى.. الجفن فوق الجفن عبد الجليل محمد عبد الجليل
تابعت وغيري من خلال قناة النيل الأزرق والمبدع محمد عكاشة يصول ويجول في جزء عزيز من بلادنا "صواردة" وهي مسقط وميلاد أحد الشوامخ العزيزة والمفخرة.. الامبراطور والموسيقار والدكتور محمد وردي متعه الله عافية ورفاهية ولهو فنان القرن وعبقري زمانه. ومما لا شك فيه أن هنالك علاقة ما تربط بين الخليل الخلود بفنه والعملاق والفنان والموسيقار وردي تصل بنا إلى حد اليقين، الحلم الإنساني والإبداع الفني كانت كل ملامحه وسماته هذا الوطن الممتد في مساحة مليون ميل مربع بمختلف شرائحه واختلاف الطعم واللون والرائحة حيث يلتقي القوس الموشى بتراب هذا الوطن وكانت مسيرة العشق الدائم والمطلق بمختلف شرائحه واختلاف الألسنة ونماذج التعابير، ويا آسفاي وبلادنا تضيع وتتمزق بصراع الساسة دون اعتبار لوطن شامل شامخ. حلقة صواردة وتلك الأيام السالفة التي أعادت ولادة الخليل. الحفيد القادم بمختلف طبائع وشرائح النضال والاستماتة من أجل هذا الوطن، عشق ملح ترابه وبرق الصعيد وقباب ابن زياد وأمير الفراديس يعبر عن أرض الوطن في تراخ وكسل وهيبة. ليعلمنا كبرياء الخلود فالجد في التاريخ ترهاقا.. ولد وترعرع فيها وذاب مع ملح الأرض التصاقاً وتكاملاً وارتوى من سلسبيل الماء العذب الطهور، اختلط وعايش الأب والأم والخال والخل والصديق الوفي وما زالت الحبيبة بتشتغل منديل حرير لذلكم الغائب البعيد والأمل دائماً وأبداً في عودة الغائب فالانتظار ما هو إلا مسألة وقت وكفى، المقاتل في سبيل التحرر ارنستوي جيفارا أخذت آخر الكلمات وهو مضرج بدمائه وهو الطبيب المداوي أخذت آخر عبارة لفظ بها في الحشود التي تحمل جسده الملطخ بالدماء وهو يودع الحياة ويودع رفقاء النضال قال سيأتي الثوار الذين سيتغنون بصوت الشعب الحقيقي إنها مسألة وقت وسقط ميتاً. ويتدفق النيل السلسبيل وركائم السحائب تشق الطريق في صعوبة لتسلم حبات الندى المتساقط الذي يحاول أن يجد له موقعاً في هذا الزخم الإبداعي ومرسي صالح سراج "هام ذاك النهر يستلهم حسناً" "وإذا عبر بلادي ما تمنى طرب النيل لديها وتثنى" "فارو يا تاريخ للأجيال" "أنا ثائر إذ هب من غفوته ينشد العلياء في ثورته" "كاندفاع السيل في قوته" "عجباً من له جند على النصر يعين" كلنا كلنا نفس ومال وبنين" "نحن في الشدة بأس يتجلى" "وعلى الود نضم الشمل أهلا" "ليس في شرعتنا عبد ومولى" "حين خط المجد في الأرض دروبا" "عزم ترهاقا وايمان العروبة" "عرباً نحن حلمناها ونوبة" وتتمايل باسقات النخيل في رقصة رمزية معبرة تعني شيئاً ما وفي أحضان أهل "صاي" "و" "صواردة" والجمال في مسيرة العشق الممتد عبر مسيرة الزمن اللا محدود فكانت لمسة العشق الأول من الشاعر عبد الواحد عبد الله. اليوم نرفع راية استقلالنا وليذكر التاريخ أبطالا لنا عبد اللطيف وصحبه غرسوا النواة الطاهرة ونفوسهم دوت حماساً كالبحار الزاخرة ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية. من هذه النقطة كانت المسيرة وبداية الولادة في مسيرة شاقة وطويلة بعشق هذا الوطن كياناً ومجداً ومرة أخرى يلتقي وردي بالخليل في ملحمة الشاعر مبارك بشير. نذكر اليوم جميع الشهداء "كل من خط على التاريخ سطراً بالدماء" "نذكر اليوم جميع الشرفاء" "كل من صاح بوجه الظلم لا لا" "ونغني لك يا وطن" "كما غنى الخليل" "مثلما صدحت مهيرة" "تلهم الفرسان.. جيلا بعد جيل" "ونغني لحريق المك في قلب الدخيل" "للجسارة حينما استشهد في موقعه عبد الفضيل" "ويتواصل التواشح من الجمال والتناسخ من المواقف والشاعر محمد مفتاح الفيتوري". "أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا بالذي أصبح شمساً في يدينا" "وغناء عاطر تعدو به الريح" فتختال الهوينى يا بلادي من كل قلب يا بلادي". ويواصل الموسيقار المبدع وردي في دروب التاريخ بما أثاره الخليل من قبل. أجمل من فراشة مجنحة "على ضفاف المقرن الجميل" "أجمل من نواة مفتحة" "ترقد تحت ذهب الأصيل" "أجمل من رائحة النضال" لما أشم رائحة الصبح في النخيل" "يا فخر هذا الجيل يا وطني" "وقد ظل أستاذنا الموسيقار وردي وتميز في مساحة رحبة من الثورية الملتهبة بمشاعر ووجدان "أسياد الوجعة" ليجتر كل وجدان الشارع والمتلقى الجيد ليثير فيه الحماسة والوطنية وشاعرنا محجوب محمد شريف. وطن غالي نجومه تلالي في العالي إرادة.. سيادة.. حرية.. مكان الفرد تتقدم سيادتنا.. الجماعية "مكان السجن مستشفى" "مكان المنفى كلية" "مكان الأسرى وردية" "مكان الحسرة أغنية" إن هذا الوطن وقد مرت عليه 56عاماً لرحيل المستعمر البغيض ولتبق ذكرى الاستقلال وفرحة العلم الذي يرفرف حراً طليقاً في الرحاب الواسعة المتمدة عبر الزمن ويبقى حصد 56عاماً من الآلام والجراحات المتكررة والمتجددة والمتنوعة والشرخ الغائر في جبين هذا الوطن وهو في مشارف أكثر من نصف قرن من الزمان.. وحصاده رماد في عمر الشعوب, مسيرة تفوق نصف قرن من الزمان تمكن بأي حال من الأحوال الوصول إلى الثريا حدا متواضعا من الجهد ولكن عندما نراجع حساباتنا طيلة هذه المدة لا بد أن نفعل هذا باستحياء شديد.. وتتواصل مسيرة النضال والتغني بعشق الوطن المطلق في اللا محدود والشاعر الملهم محمد المكي إبراهيم: جيلي أنا "هزم المجالات العميقة" وامتطى سيف الوثوب مطاعنا" "ومشى لباحات الخلود عيونه مفتحة" "وصدوره مكشوفة بجراحها متزينة" جيل العطاء لعزمنا حتماً بذل المستحيل وينتصر.. وينتصر.. إن وفاء الأستاذ وردي لوطنه وهو الغيور عليه وعلى أرضه ويهدف لرفعة شأن هذا الوطن تحمله فراشة مجنحة لو لحظة من وسن نفسك عني حزني تحملني ترجعني لعيون وطني وهو ينظر لهذا الوطن يعشق وينادي وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المنافي والذي شد ساقاً لوثاقي، إن الفنان وردي وهو يحمل في قلبه الكبير كل ما يمكن ولما فيه حب وخير ومنذ انطلاقته الفنية وهو ظل ينادي لهذا الوطن ولاستخلاصه من ثبر العبودية المظلمة، إن السودان ملك مشاع لكل سوداني تغذى بوفرة أرضه حتى ترعرع ونما عوده والأستاذ وردي وهذا الكبرياء والعزة وهو الحياة لنا فهو كالماء والنيل والخبز، واللبن والدواء فقد ولد في صواردة ودخل قلب كل الناس والأجناس وأحب هذا الوطن وعشقه وناضل من أجله وفي حضرته تنادي في عزة جبالك ترف الشموس وما بين ظلالك افتش واكوس افتش طفولتي وملامح صباي بناتك عيونن صفاهن سماي وهيبة رجالك بتسند قفاي صحي بتملا عيني وتشرف غناي التحية والإجلال والإكبار والترحاب بكل المناضلين الذين ضحوا في سبيل أن يحيا هذا الوطن مرفوع البنود والتحية لكل الشرفاء في بلادي وأستاذنا الكبير محمد وردي واحد منهم. وطنا الباسمك كتبنا ورطنا وفي حضرة جلالك يطيب الجلوس وستظل يا وردي عملاقاً وهرماً ورونقاً وشموخاً.. لك الصحة والعافية والرفاهية.
وردي د. عبد الرحمن الغالي دفر كاسح نسف باب الغنا المسدود علينا رتاجو شهق سَمَع الزمان دهشة سمق حلّق لحق معراجو بشير عريان لي صاحب الوكت هشة نسج إكليل كساو تاجو معاك سكتت سوابح فوق وصوت البلبل الصداح صبح مخنوق معاك خلّت حنينها النوق معاك القمري خلّى القوق حَكَم مضمارك الشاهق على الطاير يكون مسبوق معاك وتر الكمان عِرف نفسو يحن للقوس يعربد نشوة من مسو وقيثار النشيد لبهاك رجع حِسو يغازل الناي يزيدو صبابة بي همسو سجد طبل النغم خاضع مراكبو معاك وين يرسو وراك تتألق الجوقة حضورك طلّ من فوقها خلوق راجياك وا شوقها كلِمتو الراقي منطوقها نغمتو الحالية بنضوقها حمامة اتقلدت طوقها موسيقتو العالية بي ذوقها خماسي سباعي ما بطيقها محال ينجرّ واسوقها دوام مطلوبة في سوقها ترِن في العَصَبة ملصوقة تبهّي تحلّي مربوقة وتبقى البهجة مطبوقة تكون السكرة والفوقة هَناك يا العازة بي وردي وعزاك يا العازة في وردي جناكي الجوهر الفردي
أم درمان 19 فبراير 2012 وردي د. عبد الرحمن الغالي دفر كاسح نسف باب الغنا المسدود علينا رتاجو شهق سَمَع الزمان دهشة سمق حلّق لحق معراجو بشير عريان لي صاحب الوكت هشة نسج إكليل كساو تاجو معاك سكتت سوابح فوق وصوت البلبل الصداح صبح مخنوق معاك خلّت حنينها النوق معاك القمري خلّى القوق حَكَم مضمارك الشاهق على الطاير يكون مسبوق معاك وتر الكمان عِرف نفسو يحن للقوس يعربد نشوة من مسو وقيثار النشيد لبهاك رجع حِسو يغازل الناي يزيدو صبابة بي همسو سجد طبل النغم خاضع مراكبو معاك وين يرسو وراك تتألق الجوقة حضورك طلّ من فوقها خلوق راجياك وا شوقها كلِمتو الراقي منطوقها نغمتو الحالية بنضوقها حمامة اتقلدت طوقها موسيقتو العالية بي ذوقها خماسي سباعي ما بطيقها محال ينجرّ واسوقها دوام مطلوبة في سوقها ترِن في العَصَبة ملصوقة تبهّي تحلّي مربوقة وتبقى البهجة مطبوقة تكون السكرة والفوقة هَناك يا العازة بي وردي وعزاك يا العازة في وردي جناكي الجوهر الفردي
أم درمان 19 فبراير 2012 وردي وذكريات باقية محمود خليل محمد "1" أيا وردي أيا وردي أقول اليوم ما عندي حكايات عن الأسلاف.. صانوا الأرض بالجهد ومدوا من حبال الود.. أطيافاً من الود وشادوا في بلاد النبت تاريخاً من المهد صباحات من الإشراق.. والأشواق.. كالترتيل والند تبهرج سيرة الأعماق تستقصي وتستجدي وتسأل عنك ملحمة تنادي.. اليوم بالوعد تسائل عن زمان ضاع بالإهمال والعند وعن حب تضاحك.. في مسارات بلا رد تغنى في مرابعها سليل.. العز والمجد "2" أيا ورى أيا وردى سكبنا الحرف في دعة وجبنا اللفظ من بعد تقاسمنا مرار الشوق والتهويم والصد واشعلنا من الوجدان.. همهمة بلا حد سقيناها من الترنيم والتنغيم والتقويم أوتاراً من السهد وألقينا مراسي الحب.. في جزر بلا عد وأمسينا نصارع زحمة.. الألوان.. والتحنان في وهج من الصهد سألنا: أين تهراقاً؟ وأين القرب من بعدي حضارات عرفناها عشقناها.. وشلناها.. بكل مواسم السرد لقد قلنا منا نبتة منا علوة منا الإيقاع لو يجدي "3" أيا وردي أيا وردي رسمت بكل ناصية.. زغاريداً من السعد طنابيراً تئن ترن.. مشرعة تحن.. تحن للعهد لأيام كتبناها رسمناها سطوراً حلوة القصر تنادي: ليل كوش.. حين لملم صورة المد هنا كرمه هنا عبري هنا تلك العجوز.. تناطح الدخلاء تهدم حائط السد وتبني عند ضفته.. منارات الهوى النجدي "4" أيا وردي أبا وردي أقول اليوم ما عندي أيا جيلاً من الإبداع.. والامتاع يوميء بالندي الوردي ويستسقي من التطريب والتجريب ألحاناً كما الشهد لقد ألقيت مرساة.. وكنت المبدع الفردي وكنت الرائد التواق تحي الجزر بالمد "5" أيا وردي أيا وردي أقول اليوم ما عندي وما عندي سوى قلم يسطر.. صفحة المجد ومن عندي رأيت الحسن مؤتلقاً.. وعشت الفن من ودي قصائد.. حلوة الكلمات جاءت كالذي نبدي أيا ابن الشعب حس الشعب نبض الشعب في بلدي وانت الند للند على ايقاعك الحاني أقول اليوم الحاني وأحكي.. للدنا وحدي أيا وردي
السودانى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي ..ولك التفرد فوق صهوات الخيول روامحا!!
الفاضل حسن عوض الله
لو تغنى وردى حتى بجداول الضرب كما يفعل صغار التلاميذ لتمايل الوطن القديم طرباً من حلفا الى نمولى، ولو صدح بصوته العذب لتوهج النيل مثل سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام، ولو داعب بأنامله المبدعة الأوتار لسافرت ألحانه الى تخوم بعيدة، فباتت عشقاً لدى صبايا الأمهرا وفتيات إنجمينا وشباب ممبسا وأسمرا وجيبوتى ومقديشو وكانو ولاغوس ... وكل عواصم الغرب والشرق الأفريقى.
نحن وأجيال سابقة لنا وأجيال من بعدنا تشكل وجداننا بأنغام وردى، وشحذت أناشيده الوطنية رهاننا على الحرية، وعطرت ألحانه صباباتنا وعشقنا.. حدثت عنك نجمة جارة.. وزرعت إسمك حارة حارة ... يا حبيبى الدنيا ما أحلاها بديعة وحلوة بين إيديك ... ياما دربك كنت بفرشو ورد وحنية وأماني.. نسيت ضو القمر فى أجمل ليالي.. وشعاع النجوم يبهر كاللآلئ ... كل الطيوب الحلوة يا مولاتى والجيد الأنيق.. واللفتة والخصل اللى نامت فوق تسابيح البريق.. وخطاك والهدب المكحل وفتنة التوب الأنيق.. بالذى أودع فى عينيك إلهاماً وسحرا.. والذى أبدع فيك الحسن إشراقاً وطهرا... لم يكن إلا لقاءً وافترقنا.. كالفراشات على نار الهوى.. جئنا اليها واحترقنا ... أجمل من فراشة مجنّحة .. على ضفاف المقرن الجميل .. أجمل من نوّارة مفتّحة.. ترقد تحت ذهب الأصيل . والله يا سيدى أنت أجمل الفراشات المجنحة التى هامت على ضفاف المقرن الجميل، وما ذهب الأصيل إلا أنت.
تذكرت مطالع السبعينيات ونحن طلاب بالسنة الإعدادية بجامعة الخرطوم نترقب عربة الهنتر على مشارف «البركس» وهى تأخذ وردى للتحقيق من معتقله بسجن كوبر عقب انقلاب هاشم العطا، فما من سبيل كان أمام الأمن سوى تلك المنطقة الملتهبة والمحتشدة بالطلاب، كان الطلاب يرفعون أصابعهم له بعلامة النصر فيرد التحية بمثلها باسماً. أذكر أيضاً منتصف السبعينيات حين حضرت له حفلاً غنائياً بجامعة الكويت.. فاعتلى خشبة المسرح وملأه شدواً وتطريباً، واستبدت النشوة بالحاضرين، فصعد أحد محدثي الثراء من مغتربي الكويت إلى المسرح ورمى فى وجه وردى بمئات الدولارات ظاناً أنه يسعده.. ويومها غضب وردى غضبة مضرية وأوقف وصلته الغنائية وأمر بإغلاق الستارة وكاد يضرب الرجل، وتطلب الأمر أكثر من نصف ساعة ليتواصل الحفل. والتقيناه عقب الحفل بيومين فى مكتب المهندس السودانى المرموق فى المنطقة العربية عبد الله صبار، فراح يشكو من تعذر توفر حجز بالطائرات له وفرقته، فقد كانوا مرتبطين بحفل فى دبى عقب حفل الكويت، فاتصل المهندس صبار بأحد شيوخ الكويت النافذين والمعجبين بفن وردى،
وما كان من الشيخ إلا أن وضع طائرته الخاصة تحت تصرف وردى وفرقته تنقلهم أينما شاءوا، ومضى وردى يومها يعلق على ذاك السودانى المغترب الذى نثر الدولارات فى وجهه بالمسرح، وهو يقول إن الفنان الملتزم ليس براقصة تُرمى تحت أقدامها «النقوط» وتُنثر على رأسها الدولارات. ذاك هو وردى.. التزام مهنى وأخلاقى بقيم الفن الجميل، ورهان على الوطن والحرية أنضجته السنوات، وتناغم مع شعب يطيب الجلوس فى حضرته.. يا شعباً تسامى يا هذا الهمام.. تفج الدنيا يا ما وتطلع من زحاما.. زى بدر التمام، وفوق كل هذا انتماء لجيل منحه وردى أجمل لحظات العمر جيل العطاء المستجيش ضراوةً ومقاومة المستميت على المبادئ مؤمنا المشرئب إلى النجوم لينتقي صدر السماء لشعبنا جيل العطاء لك البطولات الكبيرة والجراح الصادحة ولك الحضور هنا بقلب العصر فوق طلوله المتناوحة ولك التفرد فوق صهوات الخيول روامحا [email protected]
--------------------
وردي: قطا وغرنوق ..
بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم السبت, 25 شباط/فبراير 2012 11:03 Share
كنت تصالحت في نحو 1975 إلى أن الفنان محمد وردي ليس "فنان الشعب". كان أكبر من ذلك. وكان أخطر. وبلغت هذه النتيجة وأنا أحاول كتابة كلمة عنه لصحيفة "الميدان السرية" وأنا بين حلقة الكادر الشيوعي الخفي. وكتبت "فنان الشعب محمد وردي". وبدا لي وقتها فقط أنني أضيق واسعاً. وأكتفيت ب "الفنان محمد وردي". ولما التقيت به في لقاء من لقاءات مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين قلت له: "أنت منذ اليوم الفنان محمد وردي. أنا رئيسك في هذا المكتب وهذا أمر مني. لاتصدق من يشيع عنك أنك فنان الشعب".
لن نحصي وردي نغماً. ولن نستنفده. وأعادني وردي نفسه إلى قراري برسمه "فناناً" بعد نحو ربع قرن من داره في لوس أنجلس الأمريكية. كنت أضرب أسأل عنه وأعوده. وفي ذات مرة حكى لي كيف نصحه أستاذنا عبد الخالق محجوب ألا ينضم للحزب الشيوعي. قال له "يا زول أختانا والله تدخل علينا ما تعرف الكتلك". وخرج وردي من الحزب بعد عمر طويل من صالح الأعمال. بل حرمه الحزب من "شرف" المشاركة في أول ليلة سياسية له بعد عودة الأحزاب إلى الممارسة السياسة. وكانت للحزب ملحوظة واحدة عابرة عنه تشنج فيها وأغلظ وفارق صحة النفس. وصدق عبد الخالق. فالحزب رمى بوردي لأنه ممن لا نحصيهم نغماً.
ولن نفني وردي عددا. قيل أن أبا داؤد عبد العزيز قابل الرئيس نميري ليتشفع في طلاق سراح وردي من كوبر. وبدأ حديثه قائلاً: "يا رئيس وردي دا" فقاطعه نميري بحسم: "مالو وردي". ففزع وقال: "حتكتلوه متين". وكان يعرف أن الرئيس ربما كسب تلك الواقعة ضد وردي ولكنه سيخسر الحرب. وقد خسرها. ويا شعبك لهبك ثوريتك!
وردي لا متناه النغم والخطر. وبدا لي دائماً أننا إكتفينا منه بالعفو. ولم نقع في هذا النذر عن لؤم. فحبه سريرة في الناس وخاطر طيب. أسعدنا ما أذاعه فينا ولم نتربص به عند جنادل القمر وشلال الشمس. حدثني في مدينة إيست لانسنق بولاية ميتشجان، وقد اجتمعنا نحتفل به في 2002، عن زيارته وإبراهيم عوض إلى مدينة الحصاحيصا. وخرج منظم الحفل يدعو لليلة الغنائية. وكان يروج لهما قائلاً: "وردي الفنان الصاروخ وإبراهيم عوض الفنان الذري". فعلق أحد اهل المدينة: "دا فن واللا قيامة". ولأننا تبطأنا عن طريق الصاروخ والذرة لم نستنفد وردي.
لا اعرف عبارة في السعة مثل تلك التي يوغل بها مداح الرسول في إشادة عوالم سره الأعظم. يقول المادح:
بختم صلاتي تفوق ثم السلام مطبوق
كالطيب عبيقو يفوق عدد الزرع والسوق
ما قام غروب وشروق الطير قطا وغرنوق
فوردي عبيق يفوق. وهو قطا وغرنوق. وهو نفاج بين الغروب والشروق. وهو مجرة الصواريخ التي نجرجر أقدامنا دونها. ولو كان بيننا اليوم رفيقه الشاعر العذب المرحوم على عبد القيوم لقال عن رعان سماواته الشماء :
يا تاج رأسي سلام
يأتيك فوق التجلة
من الجنوب بروقاً
ومن الشمال أهلة
---------------
خاطرة : وردي والتني " وحكايات " أحب عطر امي ..
بقلم: عواطف عبداللطيف خاطرة : وردي والتني " وحكايات " أحب عطر امي ..
بقلم: عواطف عبداللطيف السبت, 25 شباط/فبراير 2012
15 * تلقيت رسالة فاكس من سفيرنا الاسبق الاستاذ احمد يوسف التني والذي وصفه الاديب الراحل الطيب صالح في عموده الشهير بمجلة المجلة " نحو افق بعيد" في 21/6/1993 " انه من خيار الناس وخيار السفراء بشهادة اهل البلد الذي عمل فيها وكل من عرفه او تعامل معه سفيراً غير هياب ولا وَجِل ، سودانياً كأحسن ما يكون السوداني ، ومن سماحة وشجاعة الأكفاء و كان من القلة التي بقيت من الدبلوماسيين بعد حملات التطهير والتشريد والإحالة على المعاش . وكان الناس يعجبون كيف أنهم لم ينتبهوا إليه ، فظل في منصبه ، يعامل المواطنين على اختلاف انتماءاتهم السياسية دون تفرقة . دائماً تجده بينهم في مسرّاتهم وأحزانهم ، لا يبالي إن كان الشخصُ مرضياً عليه من النظام . ولم يكن يهاب أن يجدد الجوازات لمستحقيها دون أن يطلب الإذن من سلطات الخرطوم لأنه يعلم أنه لو سألهم فسوف يجيبون بلا .
* وما أن استلمت الفاكس إلا ورن هاتف مكتبي ببنك قطر الوطني وكان المتصل أخو الاخوان وخيار الناس كما قال اديبنا وكانت مقصلة الاحالة للصالح العام قد شملته ولم تجف كلمات " الصالح " وبذلك حق لنا زمالته بحكم التحاقه بالبنك الاهلي القطري مع احتفاظنا له بقامات سفراء الزمن الجميل ولترجمته لخلق الرجال ولملمته للحمة السودانيين البسامون في الضحوات البكاءون من خشية الله بالعشيات .. المتحزمون متلزمون في الملمات يقينهم ان العدل والرحمة صنوان قال لي وقع اختيارنا عليك لترؤس لجنة نسائية موازية و" يضحك " بل تفوق لجنتنا طولا وعرضا للاحتفاء والاعتناء بالفنان محمد وردي خلال نقل الكلى بمستشفى حمد العام على يد النطاسة القامة د. الفاضل الملك الذي احسب الان انه أكثر الموجوعين الصامدين الصابرين تماما لانه في غرفة العمليات شابك نبض وريده بقلب الفنان وردي ليدفقه بنبض جديد وهندس كليته ليمنحة مزيد صحة وعافية . * حلت طائرة وردي ورغم الحرص ان يكون استقباله في اضيق نطاق مراعاة لصحته إلا ان السودانيين كعادتهم تدفقوا افواجا وجماعات لملاقاة من أدفق في وجدانهم أنهر العشق وحرض فيهم مكامن الوطنية كأغنيته ( أجمل من رائحة النضال لم أشم رائحة .. هب الشعب طرد جلاده ) فلاقى مستقبليه بصوته العميق وضحكته المجلجلة وتواصلت اتصالاتنا وأخوى الاخوان ما بين المستشفى والفيلا التي خصصت لوردي وعائلته بحي المعمورة .
* صباح اليوم الثاني اخرجت مسودة كتابي الاول " أحب عطر امي " التي كانت تراوح مكانها ما ان اخرجها من ادراج مكتبي إلا وارجعها فتكليفي برئاسة اللجنة تماهى واهتماماتي الانسانية وهموم الوطن وجراحاته . وكتبت مقالا نشر في حينه " هاشم ميرغني .. وردي الفن للحياة " قلت فيه الفن ان كان شعرا او طربا او نحتا او لوحة تشكيلية مخضبة بالالوان الزاهية او سردا من حكايات الماضي هي كلها ابداعات انسانية تعتصر صاحبها كالآم الطلق المصاحب لصرخة الميلاد الاولى الى حين ان تنفك فتتدفق شلالات معطرة تطهر الفؤاد وتغذي الذهن وتغسل بعضا من الهموم وكثيرا من الاوجاع " .
* وكان النداء الشهير الذي اطلقه الموسيقار وردي وهو يتمدد على سرير غسيل الكلى بالخرطوم وحوله صغار لم يغادروا سن الطفولة اهترت دواخلهم وارتسمت ابتسامة الامل على شفاءهم لصرخته لاجلهم " اطفالنا اكبادنا .. تمشي على جمر الغسيل أكرموني باسعاف هولاء .. فهم أحق مني بالنداء " حافزا لوقف كتابي لـ " وحدة غسيل الكلى لأطفال السودان " وليكون وقفا جماعيا عقدنا لقاءات للمرأة بمركز اصدقاء البيئة وليلة شعرية للشاعر الملهم محجوب شريف الذي زار الدوحة لمعاودة وردي وفي تقديمي لتلك الليلة طلبت ان يخص الحضور بالقصائد الانسانية خاصة وانه كان يحمل معه جريدة " النفاج " التي صدرت بلندن خصيصا لأجل القضايا الاجتماعية الانسانية " ولكن " شاءت ارادة الله ان تكفلت الخطوط الجوية القطرية مشكورة طباعة الكتاب إعلاءا لقيمة العمل الانساني حيث كان حوالي 1200 طفل سوداني يموتون سنويا من الفشل الكلوى ولم تتوافر لهم الاجهزة الغاسلة للرواسب المانحة للصحة .
* كن نتناوب الزيارت " لوردي " وللشاب الذي عزف سينفونية ولحنا مضافا للخلق السوداني النبيل بتبرعه بكليته لانقاذ حياة فنان السودان الاول وما ان استنشق وردي عبير الصحة إلا واقام بقاعة ريجنسي بالدوحة حفلا محضورا ارجع فيه الطيور المهاجرة لاحضان الوطن برحيق كلماته المموسقة وترانيم مفرداته المغزولة من بطون لغتنا العربية ولاهله النوبة وللسكوت والمحس وللجلابية والثوب والمركوب ولم ينفض سامر الحفل إلا لاغفاءة لم تكتمل فصاح ديك الصباح والمؤذن حي على الصلاة ودقت ساعات العمل في ظلال الدوحة الوريفة . * تصادف وفي زيارته الاولى للفحص الدوري استلامي لاول خمس نسخ " أحب عطر امي " فكان الكتاب الاولى له والثاني للمناضلة فاطمة احمد ابراهيم بشقتها بلندن والثالثة للدكتور عبدالحميد كيري استشاري المخ والاعصاب بمنتجع برايتون والرابعة لاستشاري الكلى والجراح كمال أبوسن والخامسة لسفيرنا آنذاك د. حسن عابدين استلمها عنه الاخ د. الصادق الفقيه المستشار الثقافي الاعلامي بسفارتنا بلندن ذات الحين .
* نعى الناعي جبل الصمود الذي اسلم الروح لباريها بالخرطوم بعد ان الهب لنصف قرن او يزيد مشاعر محبي فنه وشيعه لمثواه الاخير جمعا غفير تقدمهم الرئيس السوداني عمر البشير تدفقوا مشحونين بالاشجان والوجع الدفين والحزن المقيم وإن ختم الموسيقار حياته مخلفا أعذب الالحان تظل مناداته لانقاذ الاطفال مشرعة على كل الابواب وقد سطرتها بالصفحة الاخيرة من الكتاب الذي صدر العام 2003 " موجع ان لا يجد اطفال ما زالوا في عمر الزهور سانحة ليتمددوا في سرير الاستشفاء من مرض الفشل الكلوى اللعين .. فقط لأنه لا توجد مكائن للغسيل .. فهل نكون أنا وأنت أيها القاري الكريم شركاء في زمرة من عناهم رسول البشرية الكريم "من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى ثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزل الاقدام ". " صحيح الجامع 176 " ويبقى للحديث بقية . عواطف عبداللطيف اعلامية مقيمة بقطر awatifderar1
----------------------
زهير السراج [email protected]
لماذا تحبون هذا الرجل؟!
* "الله لا جاب يوم شكرك" جُملة بليغة عميقة المعاني، بل هى (معان حية) حين تنزل عليها الدموع السخينة فتنساب جداولا من الحب والوفاء و التقدير تجرى بين الحزن والألم و اليأس.
* لن ننسى ابدا ذلك الشعور المخيف الذى اجتاحنا يوم سماعنا بنبأ الفشل الكلوي، لكن كان العلي القدير رحيماً بنا وبك، فقد جاء البلاء مصحوبا باللطف، وظللت رغم المرض نخلة سامقة كتلك التي شتلتها بيديك وتمنيت ان تحصد محصولها بنفسك وهى التي نسميها(Eddin Oasir) .
* ظللت تغني لنا بين (الغسلة) والأخري، وظلت أكف محبيك مرفوعة الي الله فاستجاب لدعائهم و نجحت عملية زراعة الكلي وعاد الحبيب يواصل مسيرة الابداع والعطاء، ولكن جاءت لحطة الفراق دون ان يتسني لنا ان نكون مع الجموع المودعة، ولا نقول الا الحمد لله الذي له ما اعطي و له ما اخذ.
* سألنى احد الاخوة العرب الذى دهش عندما رأى الدموع تنهمرمن كل العيون والحزن الكبير يخيم على دار الجالية السودانية بمدينة (تورنتو) الكندية عند سماع النبأ المفجع.. عن وردى وسر الحب الكبير الذى يكنه له جميع السودانيين بلا استثناء..!!
* قلت له هو فتي نوبي حباه الله وخصه بنعم لم يحظ بها احد من ابناء جيله: ذكاءا حادا، وموهبة فريدة، وخمس حواس كما نحن، الا انها تختلف عن حواس الآخرين: عينان تري ما لا نراه .. تري كل التفاصيل كأنها كاميرا رقمية، واذن تسمع ما لانستطيع ان نسمعه، وتميز بين اصوات العصافير التي تشقشق فوق اغصان النخيل وتلك التي تبشر بالخير فوق شبابيك البيوت، وأنف تفرّق بين رائحة الجروف المغسولة بوهج القناديل ورائحة الجروف عندما يغطيها الفيضان ليزيدها خصوبة وطينا، وافاض عليه الرزاق من نعمه فهيأ له ان يترعرع في بيئة نوبية، في قرية وادعة هادئة، غذاء اهلها الحب والايثار قبل الطعام والشراب، تفتح ابواب بيوتها في الصباح الباكر ولا تقفلها إلاعند النوم خشية دخول الكلاب والقطط.
* اما طبيعة المكان فهى لوحات بديعة يرسمها هذا الفتي العبقري في اغنياته، فقد ظل منذ نعومة اظفاره مولعا بالجمال الذى يراه في اشكال الطبيعة المختلفة، وأنشطة المزارعين، وتلال القمح عند الحصاد (Ellain Gais) ، ونفرة الغلابة( (Galba neen، وزفة العرس (Balain Sifa) فالجمال عنده حسي وروحي، فلا جمال في نفرة الغلابة غير التآزر و التكاتف و الايثار.. كان فنانا ( حاسر الرأس عند كل جمال ** مستشف من كل شئ جمالا).
* من هنا جاءت عبقريته الفنية وشكلت طموحاته التي وصلت به للقمة، لكن يجب ألا ننسي هبات الرحمن التي جعلته موسيقارا مدهشا و فنانا بديعا، أطربنا و أشجانا وخلدنا بألحانه الخالدة.
*غاب عنا وردي بجسده وابداعاته، أما ارثه الفني فهو خالد لنا ولمن ياتي من بعدنا، و نحمد الله الذي سخر لنا التكنولوجيا لنسعد متي شئنا بإرث هذا الفنان العظيم. (حسين الزبير عبد العزيز، تورنتو، كندا)
الجريدة 24 فبراير 2012
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: عمر محمد ابراهيم)
|
زاوية حادة
وردي والقروش والغرور
جعفر عباس
ستظل سرادق العزاء منصوبة في بيوت وقلوب الأجيال الثلاثة التي عاصرت وردي، ونهلت من عصارة موهبته الموسيقية الاستثنائية، ولكن أبناء وبنات العقود والقرون المقبلة لن يحسوا ب»الحزن القديم»، بل بالفرح والزهو لكون بلادهم أنجبت شخصا مثل وردي، عبر بموسيقاه الحدود السياسية والجغرافية والطبقية والعمرية، وترك لهم ثروة يباهون بها بقية الأمم في زمن جميل قادم حتما، يسترد فيه الوطن بهاءه على كافة الصعد.. سيتذكرون أيضا باعتزاز شديد أمراً لم ينتبه إليه معظم من عاصروا وردي، وهو أنه كان أول من نال جائزة بابلو نيرودا (الشاعر التشيلي الضخم الحائز على جائزة نوبل للأدب) العالمية للأغنية الوطنية، تقديرا لتسخيره موهبته لإعلاء قيم السلام والعدالة والديمقراطية، منذ أكتوبر 1964، ومناطحته نظام نميري بالكلمة المنغومة، وكان نيرودا نفسه مناضلا جسورا ضد الأنظمة الدكتاتورية في تشيلي وإسبانيا وغيرها وعانى مثل وردي من قسوة المنافي، وقد عشت مع وردي عامين متصلين في لندن التي جاءها طالبا اللجوء السياسي في عام 1995، وكانت الحكومة وقتها تتحدث عن المعارضين الذين «يعيشون في الفنادق الفاخرة ولا يعرفون شيئا عن معاناة المواطنين».. وكان وردي يقيم في لندن في بيت في منطقة ميدافيل، من النوع الذي كلما هممت بدخوله، قفزت الى لسانك «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» من فرط بؤس حال المسكن، وكنت مع آخرين دائم الزن والنق فيه بأن يعود الى القاهرة ليتواصل مع جمهوره في المهاجر العربية ويعيش من ثم عيشة «لائقة».
بعض من يعرفون خصوصية علاقتي بوردي كانوا يقولون لي: صاحبك ده بيحب القروش! وكان ردي دائما: وهل أنت تكره القروش؟ مسألة حب وردي ل»القروش» فرية لقيت الرواج بين كثيرين، ولا تختلف عن فرية ان الشايقية بخلاء، وأن النوبيين «نُص ديانة».. وردي كان أكثر خلق الله سبهللية في التعامل مع المال.. بعد 17 سنة كمطرب من الدرجة الأولى، حفلاته كاملة العدد، تم طرد وردي من البيت الذي كان يستأجره لعجزه عن سداد الأجرة، لأن فترة السجن في أوائل السبعينيات حرمته من كسب الرزق، وكدح بعدها لسنوات، وأسعفه «حبه للقروش»، في بناء بيت في الكلاكلة، واقتادني ذات مرة إلى منطقة «شقلة» في أطراف الحاج يوسف، ليريني قطعة أرض «عشوائية» اشتراها، وفكر في تشييد بيت فيها، وسمع مني «فاصل ردح» لامني عليه لاحقا، لأن الأرض طارت من ملكيته، بينما هلافيت مغنواتية هذا الزمان يبتنون بيوتا في الأحياء ذات الشنة والرنة، بعد دخول السوق بثلاث او خمس سنوات، وبعد نحو 50 سنة من تسيّده للساحة الفنية نجح في بناء بيت في المعمورة،
ويعرف العازفون الذين لازموا مسيرته على مدى عقود (عربي ومحمدية وعلي ميرغني وبريس وعبد الرحمن وجعفر حرقل وغيرهم) أنه كان يتسلم المقابل المادي نظير حفل غنائي ما ويتوزعه معهم بالتساوي.. وشرب بسبب ذلك مقلبا عندما استدعاه رئيس دولة في غرب أفريقيا لإحياء حفل زفاف بنته، وحمل وردي معه من السودان نحو ألف دولار، ودخل عليه في الفندق موفد من القصر الرئاسي وسلمه شنطة، ثم طلب منه التوقيع على إيصال باستلام «5 ملايين» فما كان من وردي إلا أن جمع العازفين ووزع عليهم الدولارات التي كانت معه: يللا.. امشوا بحبحوا!!! ثم جاءه صديق سوداني مقيم في ذلك البلد الغرب أفريقي، وحكى له وردي عن الملايين الخمسة وسأله عن كيفية تحويلها الى دولارات، فكان ان فاجأه الصديق بأن تلك الملايين تساوي نحو خمسمائة دولار.. ولحسن حظه منحوه بضعة ملايين أخرى بعد الحفل، «غطت خسارته»
وردي كان شديد الاعتداد بالنفس، وكان صريحا في آرائه لدرجة القطامة (وهناك من سمى ذلك غرورا)، هل كان غرورا قوله إن ابنه عبد الوهاب ليس مطربا بل موسيقيا متمكنا؟ وكل من عرف وردي عن كثب يعرف عنه نقيض كل تلك الاستنتاجات الظالمة، فقد كان إنسانا بسيطا وعاش ومات بروح التربال المحسي، وكاذب أشِرٌ من يزعم أن وردي تنازل ولو للحظة واحدة عن انحيازه التام لقضايا وهموم المواطن العادي، لأنه اقترب او ابتعد عن تنظيم سياسي ما.. فقد كان قوي العود والوعي السياسي، ومارس قطامته المعهودة بالتعبير عن رأيه في حال الوطن، ورفضه للحال المائل، دون تزويق أو لولوة أمام كبار المسؤولين منذ عهد نميري إلى عهد البشير
الراي العام
5 | 0 | 1773
-------------- من نضج في دورة الآخر الدموية؟,وردي أم الوطن؟ .. بقلم: د. عبدالرحيم عبدالحليم محمد الجمعة, 24 شباط/فبراير 2012 06:29 Share
[email protected] 1 من الذي نضج في دورة الآخر الدموية ....الوطن أم وردي؟ ومن الذي تناسل نغما أزليا على أسلاك ربابة الآخر ..الوطن أم وردي؟ من كان النيل في غتاء الآخر ...وردي أم الوطن؟ من الذي تهجي أسوار المعابد القديمة في نبتة ومروي والكرو والبجراوية وكرمة وحفظها كترتيل مكون من لغات الوطن القديمة .....من مزامير الرعاة ورقصات السنابل وقبلات الريح للمراكب العابرة ، التي تجري في ذراته منذ الأزل لتتحول إلى غناوي خالدة مع الزمن ..الوطن أم وردي؟ من الذي عشق الآخر إلى حد التلاشي وكون من عشقه أحجبة يلبسها الأطفال وأزياء ملونة يرتدونها في ساحات الأعياد وأهازيج تتغنى بموج النيل وخضرة النخل وأعشاش الطير وخلايا النحل...مزامير الرعاة وإرزام النوبة والطار وحنين القوافل المسافرة في الأودية والروابي؟ الوطن أم وردي؟ ولأن التاريخ إنسان ولأن الحادي عمامة أو شارة أو تاج أو حنجرة تتغني وروح تنسج الغناء وتتخيره بعد أن تغربله بمقاييس عالية منها أن يكون موحيا ونيليا ووطنيا وروحيا وتحرريا فمن هو التاريخ ومن هو الحادي ...الوطن أم وردي؟ 2 أكتب أن الكنداكة يومها كانت مشغولة بتوزيع الجوائز الذهبية المنتجة من أراضي مملكتها بمناسبة تغطية صحافة المعبد ودوريات الكهنة المباركة لحربها المقدسة ضد الإمبراطورية الرومانية . ولأن أكتوبر كان في أمتنا منذ الأزل، فقد كانت جلالة الملكة ظافرة في إجلائها للرومان من حدود مملكتها شمالا. أقامت جلالة الكنداكة فعاليات التوزيع في قاعة "وردي ".وهنا يبدو السؤال ... في قاعة من وزعت الملكة الكنداكة جوائزها الذهبية ...في قاعة الوطن ..أم قاعة وردي .من كان مصدر الإلهام الذي صاحب أغنيات فقرات ذلك الحفل ؟ وردي أم الوطن أم التأريخ ؟ومن علّم الكهنة وحراس المدينة الملكية تواشيح التسبيح بمجد ترهاقا وبعانخي والكنداكة ومن أشاع في وجدانهم إلهاب أجراس المعابد بألحان الخلود ...وردي .. أم الوطن .... أم التأريخ؟؟؟ 3 لأن التأريخ موغل في القدم فمن الراجح أن الوطن هو الذي نضج في دورة هذا الفرعون الراحل. الوطن له سحره الخاص وطريقته الذكية التي يكتشف بها قدرات المبدعين..والتأريخ في هذا الخصوص ينحاز إلى جانب القدر والمصير القادر على أن ينحت من رمل وطين وهواء وماء الوطن والمولد والمكان وخلفية التأريخ قضاء وفضاء إسمهما الفنان أو الشاعر أو المؤرخ .ولأن الإبداع مارد أسطوري يتخطى قيود العادة ويلقي بمراسيه دوما في سواحل لا ضفاف لها ومدن لم تشيد بعد ، فمن شأن قرية صغيرة مثل صواردة أو فلنقل كرمكول في حالة أخرى أن تغير من خارطة المواقع الأثرية في الوطن وأن تشكل بإسم أزمان الإبداع كلها خارطة جديدة تجمع بين عدة عناصر هي طعم العذوبة ورائحة الأرض وعنفوان النيل وجسارة التأريخ ونصاعة النجوم في وطننا ولنقل في حالة وردي أنها جمعت بين هذه العناصر ومنظومة أخري مكونة من ذلك السكون المهيب الذي تحسه في جنبات المعابد القديمة لكنه يتحول إلى هتافات جسورة كلما أحتاج الوطن منا إلى حامي أو حادي أو عاشق أو نغم عذب أو مفردة تمزج ما بين عذوبة النهر وطعم الباباى ولون القمح وأريحية الظلال ، أو تاقت جداوله إلى دماء زكية تدفع في قلبه الحياة وتقنع سنابله بأن تظل عالية شامخة وإن علا المحل أو تغير الزمن أو باتت قواعد الجغرافيا غير وفية للدارسين. 4 • سوف لن يحس النخل في صواردة بالهرم مع تقدم الزمن • ولن تنسى أجسام القوارب النيلية طريقة رقصها عندما يداعبها الموج • أو تتوقف أصوات سنابل القمح عندما يداعبها النسم الآتي من حروف صواردة عن الترحيب بأسراب الطير العابرة. • سوف لن تتوقف معابدنا القديمة عن إنتاج السكون المهيب . • أو تتبدل أصالة ألوان النقوش فيها لأنها لم تكن زائفة أو مجلوبة كما حكى التأريخ • ولسوف لن تتوقف أشجار الوطن عن إنتاج الظلال الجديدة لأن وردي يأتي دائما مع المد الجديد • ولأنه نضج في دورة الوطن الدموية ونضج الوطن كذلك في دورته الدموية. • ولأنه سيبقى في وجدان أمتنا إلى يوم النشور.
----------------------
كرمكول .. صوارده .. February 25, 2012 طه أحمد أبوالقاسم
كرمكول .. صوارده .. هذه القرى أصبحت في ذاكره الكثيرين .. كرمكول مدينة شرق الدبة في شمال السودان تتعرض لفيضان نهر النيل ويهجرها اهلها .. ويعودوا اليها .. هذه القرية شهدت ميلاد الكاتب الكبير الطيب صالح فى العام 1929واصبحت مشهوره .. ويزورها الناس لا تقل اهميه عن جبل البركل واهرامات نورى .. كذلك القرية النوبية .. صواردة .. تجد لوحة ارشادية كبيره مكتوب عليها صواردة .. مثل المدن العالمية تماما .. شهدت ميلاد الفنان الكبير محمد وردى .في العام 1932. محركات البحث تعطيك العديد من المقالات .. عن هذه القرى وتضع امامك سيل من المعلومات .. عن الفن والادب والمسرح وتعرج الى السياسة والثقافات وتلاقح الحضارات وتحفز اهل العلم .. وتشعل فيهم روح البحث والتحضير للدراسات العليا ..
عند دراسة شخصيات عالميه نجنح الى النشأة والميلاد .. وندرس أثر البيئة فى تكوين ثقافه تلك الشخصية .. هذا من مواليد لندن .. او مكة .. المدينة المنورة .. أو.. واشنطن
.. الطيب صالح .. ومحمد وردى .. حولوا اتجاه الناس الى مدن وعواصم جديده .. كرمكول .. صواردة .. اصبحت مدن في الذاكرة تشد اليها الرحال .. قابلت عمنا كباشي الامين .. رحمه الله قبل فتره .. وهو صاحب مكتبه الفكر في كسلا .. قال لي : ذات يوم جاءه سائح من بريطانيا عن طريق الحبشة .. يسأل كم تبعد مدينه كرمكول من هنا وكيف الوصول اليها ؟؟ قال لى عرفت ان الطيب صالح أوصلنا الى العالمية.. كذلك اشار العالم الفرنسي لمحمد منير اذا أرد النجاح لالبومة يضع اغنيه الدائرة وهى لمحمد وردى ابن صواردة ..
عاش الطيب صالح معظم أيامه في الغربة .. لم يدهشنا بمدينه الضباب لندن وشوارعها .. ولكن أدهشنا عند ما كتب عن تلك النخلة فوق الجدول .. وكتبها في مطلع الصبا .. وكثير منا يجهل قيمه هذه الرواية .. وكانت السبب في الطريق للعالمية .. حيث اطلع عليها المستشرق دينس وأحس من بين سطورها صراع الغنى مع الفقير واستغلاله .. ودومة ود حامد في كرمكول .. بنت مجذوب في موسم الهجرة .. تتحدث فى الممنوع أكثر تعبيرا من سينما ركس في اليونان .. عندما يتحدث الطيب صالح يدهشك .. وذات مرة كان يتحدث عن اهمال بيت السودان في لندن وضحكت كثيرا .. عند ما قال (وجدته مهملا ومليء بالدلاقين ).. الطيب صالح أدهش العالم بالعامية السودانية .. وقد حاصره الادباء انه يكتب مثل ادب الزنوج في امريكا .. يعانى عقده لون.. ضحك .. وذكر لهم بيتا من الشعر العربي القديم .. يقول مفتخرا : انا العربي أخضر البشرة .. وكلمه أخضر .. مستعمله فقط في السودان وتدل على سمار لون .. اضحك الجميع عندما حضر احدى احتفالات الجنادرية .. وقال لهم أنه متزوج نجديه من إيرلندة
لا يلوم الناس وردى .. انه غنى لعبود والنميري واكتوبر .. من الصعب ان تضع اطارا للفنان .. وردى يعتبر نفسه أيضا ثوري ويحدث انقلابات .. وهو أتى من الهامش البعيد ليشكل ثقافه الوسط .. جاء محلقا يردد يا طير يا طائر ..ليدهش متولى عيد ويضع بيانه الاول .. ويطلب الفريق عبود أن يغنى وردى أولا في حفل افتتاح خط واو الحديدي اغنيه القمر بوبا.. ولا يدرى ان وردى قرر مقاطعه الحفل لعدم عدالة توزيع السكن بالنسبة للفنانين .. ويذكر عمنا السر قدور هذه الحادثة للاستدلال أن وردى ملتزم ومتسامح كثيرا .
الادباء والمبدعين هم من يخلق للمدن ابعادا .. ويحيلوها الى عواصم جديده ..
---------------------
محمد وردي ثورة الموسيقى
د. نجاة الياس باسعيد [email protected]
هكذا وبعد صراع طويل مع المرض في كلمات قليل اعلن لافريقيا رحيل فنانها الاول وللسودان الذي تعلق بمحمد وردي وبفنه وموسيقاه تعلقا شديدا فاق التعلق باية شخصية فنية اخرى في اي زمان ومكان وردي لم يكن مجرد موسيقي عبقري كان رمزا لكل ما كان يحلم به السودانيين من وحدة كان تجسيدا حيا لامال شعبنا في الرقي والتطور في الحرية والديمقراطية كان محمد وردي يفكر ويتحدث ويتظاهر ويغني من اجل السودان وكان رافضا للظروف التي يعاني فيها من جهل وتخلف ومرض كان يحلم بتغيير السودان اجتماعيا وثقافيا ولذا كان ايضا يغني عن السلام والحب الحب ليس بصورته البلهاء التي تبدو عادة في اغاني الشباب وانما حب حقيقي بسيط يربط الانسان باخيه الانسان بالارض بالعالم بالزهور بكل ما هو جميل وباق وكان محمد وردي يرمز الى الامل في ان يصبح الصبح كان اسلوبه في التفكير تخيل العمل الفني والموسيقي والقناعة بالعمل الفني قبل تقديمه بهذا الاسلوب استطاع ان يثور الاغنية والموسيقى السودانية لم يتنازل قط عن مثالية الالتزام بقواعد المنهج الموسيقي وكان لحساسيته المفرطة دافعا لانتقاء شعر ومضامين ذات ابعاد قكرية وثقافية وسياسية اختلفت شكلا ومضمونا عن الانظمة الشمولية فلم يشعر ابدا بضرورة ارضائها بل على النقيض كان يشعر ان الانظمة الشمولية وراء مشاكل السودان وكان من الطبيعي ان تلتف تلك الانظمة بما لديها من قوة وتسلط على اجهزة الاعلام الى اغاني محمد وردي وما لها من تاثير خطير على شعب كامل يسمع ويصدق تصريحاته وياخذه غدوة في ارائه الاجتماعية والسياسية وحدث في انقلاب عبود ونميري ان وقع في فخ التغني لهذه الانظمة وعلى الرغم من الحصار المحكم تغني باغاني وجدها نظام نميري مستفزة له مما الصق به تهمة الميول الشيوعية وعبثا حاول شرح بعده عن الشيوعية وان المسالة لا تتعدى مشاعر انسانية يؤمن بها تجاه جميع طبقات الشعب المختلفة لكن لا جدوى من التبريرات كان قرار الاعتقال قد اتخذ. ودخل وردي مرحلة جديدة اتسمت بأنه اصبح ضد تدجين المبدعين ليكونوا بوقا للانظمة الشمولية وضد مصادرة الديمقراطية بكافة اشكالها وصورها التي تتعارض مع تطور الابداع والخلق الفني وانتصر الفنان داخل محمد وردي فسجل أعمال فنية تقف كعلامات بارزة في تاريخه الفني حيث عبر الموسيفار العبقري عبر كلمات اغانيه بصدق عن مكنونات أمة ومكونات شعب ضارب بجذوره في التاريخ..وسكب فيها الحان وإيقاعات أحالتها إلى مقطوعات فنية لكن الانظمة الشمولية لم تنتهي في السودان فكان النفي مع انقلاب البشير لكن النفي لم يكن يبدو لحظات مراجعة للنفس حولها لطاقة ابداعية فحسب بل وقت استغله في تطوير موهبته الفنية بالدراسة والبحث الجاد والاطلاع الواسع وكان ارتباطه بحياة القرية النوبية دافعا للدفاع عن التنوع الديني واللغوي والاثني في الثقافة السودانية كان يعلم ببساطة ان السعي وراء المناهج الجديدة يننبغي ان لا يلهينا عن الهدف الاولي البسيط الذي يجعل للعمل الفني قيمة تسهم في التقدم الانساني وكان يساهم من نفس هذا المنطلق في تقديم اعمال الشباب الفنية لعلمه ان الشباب هم اللذين يحملون ثورة المستقبل لكنه رحل
0 | 0 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: عمر محمد ابراهيم)
|
زاوية حادة
وردي والقروش والغرور
جعفر عباس
ستظل سرادق العزاء منصوبة في بيوت وقلوب الأجيال الثلاثة التي عاصرت وردي، ونهلت من عصارة موهبته الموسيقية الاستثنائية، ولكن أبناء وبنات العقود والقرون المقبلة لن يحسوا ب»الحزن القديم»، بل بالفرح والزهو لكون بلادهم أنجبت شخصا مثل وردي، عبر بموسيقاه الحدود السياسية والجغرافية والطبقية والعمرية، وترك لهم ثروة يباهون بها بقية الأمم في زمن جميل قادم حتما، يسترد فيه الوطن بهاءه على كافة الصعد.. سيتذكرون أيضا باعتزاز شديد أمراً لم ينتبه إليه معظم من عاصروا وردي، وهو أنه كان أول من نال جائزة بابلو نيرودا (الشاعر التشيلي الضخم الحائز على جائزة نوبل للأدب) العالمية للأغنية الوطنية، تقديرا لتسخيره موهبته لإعلاء قيم السلام والعدالة والديمقراطية، منذ أكتوبر 1964، ومناطحته نظام نميري بالكلمة المنغومة، وكان نيرودا نفسه مناضلا جسورا ضد الأنظمة الدكتاتورية في تشيلي وإسبانيا وغيرها وعانى مثل وردي من قسوة المنافي، وقد عشت مع وردي عامين متصلين في لندن التي جاءها طالبا اللجوء السياسي في عام 1995، وكانت الحكومة وقتها تتحدث عن المعارضين الذين «يعيشون في الفنادق الفاخرة ولا يعرفون شيئا عن معاناة المواطنين».. وكان وردي يقيم في لندن في بيت في منطقة ميدافيل، من النوع الذي كلما هممت بدخوله، قفزت الى لسانك «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» من فرط بؤس حال المسكن، وكنت مع آخرين دائم الزن والنق فيه بأن يعود الى القاهرة ليتواصل مع جمهوره في المهاجر العربية ويعيش من ثم عيشة «لائقة».
بعض من يعرفون خصوصية علاقتي بوردي كانوا يقولون لي: صاحبك ده بيحب القروش! وكان ردي دائما: وهل أنت تكره القروش؟ مسألة حب وردي ل»القروش» فرية لقيت الرواج بين كثيرين، ولا تختلف عن فرية ان الشايقية بخلاء، وأن النوبيين «نُص ديانة».. وردي كان أكثر خلق الله سبهللية في التعامل مع المال.. بعد 17 سنة كمطرب من الدرجة الأولى، حفلاته كاملة العدد، تم طرد وردي من البيت الذي كان يستأجره لعجزه عن سداد الأجرة، لأن فترة السجن في أوائل السبعينيات حرمته من كسب الرزق، وكدح بعدها لسنوات، وأسعفه «حبه للقروش»، في بناء بيت في الكلاكلة، واقتادني ذات مرة إلى منطقة «شقلة» في أطراف الحاج يوسف، ليريني قطعة أرض «عشوائية» اشتراها، وفكر في تشييد بيت فيها، وسمع مني «فاصل ردح» لامني عليه لاحقا، لأن الأرض طارت من ملكيته، بينما هلافيت مغنواتية هذا الزمان يبتنون بيوتا في الأحياء ذات الشنة والرنة، بعد دخول السوق بثلاث او خمس سنوات، وبعد نحو 50 سنة من تسيّده للساحة الفنية نجح في بناء بيت في المعمورة،
ويعرف العازفون الذين لازموا مسيرته على مدى عقود (عربي ومحمدية وعلي ميرغني وبريس وعبد الرحمن وجعفر حرقل وغيرهم) أنه كان يتسلم المقابل المادي نظير حفل غنائي ما ويتوزعه معهم بالتساوي.. وشرب بسبب ذلك مقلبا عندما استدعاه رئيس دولة في غرب أفريقيا لإحياء حفل زفاف بنته، وحمل وردي معه من السودان نحو ألف دولار، ودخل عليه في الفندق موفد من القصر الرئاسي وسلمه شنطة، ثم طلب منه التوقيع على إيصال باستلام «5 ملايين» فما كان من وردي إلا أن جمع العازفين ووزع عليهم الدولارات التي كانت معه: يللا.. امشوا بحبحوا!!! ثم جاءه صديق سوداني مقيم في ذلك البلد الغرب أفريقي، وحكى له وردي عن الملايين الخمسة وسأله عن كيفية تحويلها الى دولارات، فكان ان فاجأه الصديق بأن تلك الملايين تساوي نحو خمسمائة دولار.. ولحسن حظه منحوه بضعة ملايين أخرى بعد الحفل، «غطت خسارته»
وردي كان شديد الاعتداد بالنفس، وكان صريحا في آرائه لدرجة القطامة (وهناك من سمى ذلك غرورا)، هل كان غرورا قوله إن ابنه عبد الوهاب ليس مطربا بل موسيقيا متمكنا؟ وكل من عرف وردي عن كثب يعرف عنه نقيض كل تلك الاستنتاجات الظالمة، فقد كان إنسانا بسيطا وعاش ومات بروح التربال المحسي، وكاذب أشِرٌ من يزعم أن وردي تنازل ولو للحظة واحدة عن انحيازه التام لقضايا وهموم المواطن العادي، لأنه اقترب او ابتعد عن تنظيم سياسي ما.. فقد كان قوي العود والوعي السياسي، ومارس قطامته المعهودة بالتعبير عن رأيه في حال الوطن، ورفضه للحال المائل، دون تزويق أو لولوة أمام كبار المسؤولين منذ عهد نميري إلى عهد البشير
الراي العام
5 | 0 | 1773
-------------- من نضج في دورة الآخر الدموية؟,وردي أم الوطن؟ .. بقلم: د. عبدالرحيم عبدالحليم محمد الجمعة, 24 شباط/فبراير 2012 06:29 Share
[email protected] 1 من الذي نضج في دورة الآخر الدموية ....الوطن أم وردي؟ ومن الذي تناسل نغما أزليا على أسلاك ربابة الآخر ..الوطن أم وردي؟ من كان النيل في غتاء الآخر ...وردي أم الوطن؟ من الذي تهجي أسوار المعابد القديمة في نبتة ومروي والكرو والبجراوية وكرمة وحفظها كترتيل مكون من لغات الوطن القديمة .....من مزامير الرعاة ورقصات السنابل وقبلات الريح للمراكب العابرة ، التي تجري في ذراته منذ الأزل لتتحول إلى غناوي خالدة مع الزمن ..الوطن أم وردي؟ من الذي عشق الآخر إلى حد التلاشي وكون من عشقه أحجبة يلبسها الأطفال وأزياء ملونة يرتدونها في ساحات الأعياد وأهازيج تتغنى بموج النيل وخضرة النخل وأعشاش الطير وخلايا النحل...مزامير الرعاة وإرزام النوبة والطار وحنين القوافل المسافرة في الأودية والروابي؟ الوطن أم وردي؟ ولأن التاريخ إنسان ولأن الحادي عمامة أو شارة أو تاج أو حنجرة تتغني وروح تنسج الغناء وتتخيره بعد أن تغربله بمقاييس عالية منها أن يكون موحيا ونيليا ووطنيا وروحيا وتحرريا فمن هو التاريخ ومن هو الحادي ...الوطن أم وردي؟ 2 أكتب أن الكنداكة يومها كانت مشغولة بتوزيع الجوائز الذهبية المنتجة من أراضي مملكتها بمناسبة تغطية صحافة المعبد ودوريات الكهنة المباركة لحربها المقدسة ضد الإمبراطورية الرومانية . ولأن أكتوبر كان في أمتنا منذ الأزل، فقد كانت جلالة الملكة ظافرة في إجلائها للرومان من حدود مملكتها شمالا. أقامت جلالة الكنداكة فعاليات التوزيع في قاعة "وردي ".وهنا يبدو السؤال ... في قاعة من وزعت الملكة الكنداكة جوائزها الذهبية ...في قاعة الوطن ..أم قاعة وردي .من كان مصدر الإلهام الذي صاحب أغنيات فقرات ذلك الحفل ؟ وردي أم الوطن أم التأريخ ؟ومن علّم الكهنة وحراس المدينة الملكية تواشيح التسبيح بمجد ترهاقا وبعانخي والكنداكة ومن أشاع في وجدانهم إلهاب أجراس المعابد بألحان الخلود ...وردي .. أم الوطن .... أم التأريخ؟؟؟ 3 لأن التأريخ موغل في القدم فمن الراجح أن الوطن هو الذي نضج في دورة هذا الفرعون الراحل. الوطن له سحره الخاص وطريقته الذكية التي يكتشف بها قدرات المبدعين..والتأريخ في هذا الخصوص ينحاز إلى جانب القدر والمصير القادر على أن ينحت من رمل وطين وهواء وماء الوطن والمولد والمكان وخلفية التأريخ قضاء وفضاء إسمهما الفنان أو الشاعر أو المؤرخ .ولأن الإبداع مارد أسطوري يتخطى قيود العادة ويلقي بمراسيه دوما في سواحل لا ضفاف لها ومدن لم تشيد بعد ، فمن شأن قرية صغيرة مثل صواردة أو فلنقل كرمكول في حالة أخرى أن تغير من خارطة المواقع الأثرية في الوطن وأن تشكل بإسم أزمان الإبداع كلها خارطة جديدة تجمع بين عدة عناصر هي طعم العذوبة ورائحة الأرض وعنفوان النيل وجسارة التأريخ ونصاعة النجوم في وطننا ولنقل في حالة وردي أنها جمعت بين هذه العناصر ومنظومة أخري مكونة من ذلك السكون المهيب الذي تحسه في جنبات المعابد القديمة لكنه يتحول إلى هتافات جسورة كلما أحتاج الوطن منا إلى حامي أو حادي أو عاشق أو نغم عذب أو مفردة تمزج ما بين عذوبة النهر وطعم الباباى ولون القمح وأريحية الظلال ، أو تاقت جداوله إلى دماء زكية تدفع في قلبه الحياة وتقنع سنابله بأن تظل عالية شامخة وإن علا المحل أو تغير الزمن أو باتت قواعد الجغرافيا غير وفية للدارسين. 4 • سوف لن يحس النخل في صواردة بالهرم مع تقدم الزمن • ولن تنسى أجسام القوارب النيلية طريقة رقصها عندما يداعبها الموج • أو تتوقف أصوات سنابل القمح عندما يداعبها النسم الآتي من حروف صواردة عن الترحيب بأسراب الطير العابرة. • سوف لن تتوقف معابدنا القديمة عن إنتاج السكون المهيب . • أو تتبدل أصالة ألوان النقوش فيها لأنها لم تكن زائفة أو مجلوبة كما حكى التأريخ • ولسوف لن تتوقف أشجار الوطن عن إنتاج الظلال الجديدة لأن وردي يأتي دائما مع المد الجديد • ولأنه نضج في دورة الوطن الدموية ونضج الوطن كذلك في دورته الدموية. • ولأنه سيبقى في وجدان أمتنا إلى يوم النشور.
----------------------
كرمكول .. صوارده .. February 25, 2012 طه أحمد أبوالقاسم
كرمكول .. صوارده .. هذه القرى أصبحت في ذاكره الكثيرين .. كرمكول مدينة شرق الدبة في شمال السودان تتعرض لفيضان نهر النيل ويهجرها اهلها .. ويعودوا اليها .. هذه القرية شهدت ميلاد الكاتب الكبير الطيب صالح فى العام 1929واصبحت مشهوره .. ويزورها الناس لا تقل اهميه عن جبل البركل واهرامات نورى .. كذلك القرية النوبية .. صواردة .. تجد لوحة ارشادية كبيره مكتوب عليها صواردة .. مثل المدن العالمية تماما .. شهدت ميلاد الفنان الكبير محمد وردى .في العام 1932. محركات البحث تعطيك العديد من المقالات .. عن هذه القرى وتضع امامك سيل من المعلومات .. عن الفن والادب والمسرح وتعرج الى السياسة والثقافات وتلاقح الحضارات وتحفز اهل العلم .. وتشعل فيهم روح البحث والتحضير للدراسات العليا ..
عند دراسة شخصيات عالميه نجنح الى النشأة والميلاد .. وندرس أثر البيئة فى تكوين ثقافه تلك الشخصية .. هذا من مواليد لندن .. او مكة .. المدينة المنورة .. أو.. واشنطن
.. الطيب صالح .. ومحمد وردى .. حولوا اتجاه الناس الى مدن وعواصم جديده .. كرمكول .. صواردة .. اصبحت مدن في الذاكرة تشد اليها الرحال .. قابلت عمنا كباشي الامين .. رحمه الله قبل فتره .. وهو صاحب مكتبه الفكر في كسلا .. قال لي : ذات يوم جاءه سائح من بريطانيا عن طريق الحبشة .. يسأل كم تبعد مدينه كرمكول من هنا وكيف الوصول اليها ؟؟ قال لى عرفت ان الطيب صالح أوصلنا الى العالمية.. كذلك اشار العالم الفرنسي لمحمد منير اذا أرد النجاح لالبومة يضع اغنيه الدائرة وهى لمحمد وردى ابن صواردة ..
عاش الطيب صالح معظم أيامه في الغربة .. لم يدهشنا بمدينه الضباب لندن وشوارعها .. ولكن أدهشنا عند ما كتب عن تلك النخلة فوق الجدول .. وكتبها في مطلع الصبا .. وكثير منا يجهل قيمه هذه الرواية .. وكانت السبب في الطريق للعالمية .. حيث اطلع عليها المستشرق دينس وأحس من بين سطورها صراع الغنى مع الفقير واستغلاله .. ودومة ود حامد في كرمكول .. بنت مجذوب في موسم الهجرة .. تتحدث فى الممنوع أكثر تعبيرا من سينما ركس في اليونان .. عندما يتحدث الطيب صالح يدهشك .. وذات مرة كان يتحدث عن اهمال بيت السودان في لندن وضحكت كثيرا .. عند ما قال (وجدته مهملا ومليء بالدلاقين ).. الطيب صالح أدهش العالم بالعامية السودانية .. وقد حاصره الادباء انه يكتب مثل ادب الزنوج في امريكا .. يعانى عقده لون.. ضحك .. وذكر لهم بيتا من الشعر العربي القديم .. يقول مفتخرا : انا العربي أخضر البشرة .. وكلمه أخضر .. مستعمله فقط في السودان وتدل على سمار لون .. اضحك الجميع عندما حضر احدى احتفالات الجنادرية .. وقال لهم أنه متزوج نجديه من إيرلندة
لا يلوم الناس وردى .. انه غنى لعبود والنميري واكتوبر .. من الصعب ان تضع اطارا للفنان .. وردى يعتبر نفسه أيضا ثوري ويحدث انقلابات .. وهو أتى من الهامش البعيد ليشكل ثقافه الوسط .. جاء محلقا يردد يا طير يا طائر ..ليدهش متولى عيد ويضع بيانه الاول .. ويطلب الفريق عبود أن يغنى وردى أولا في حفل افتتاح خط واو الحديدي اغنيه القمر بوبا.. ولا يدرى ان وردى قرر مقاطعه الحفل لعدم عدالة توزيع السكن بالنسبة للفنانين .. ويذكر عمنا السر قدور هذه الحادثة للاستدلال أن وردى ملتزم ومتسامح كثيرا .
الادباء والمبدعين هم من يخلق للمدن ابعادا .. ويحيلوها الى عواصم جديده ..
---------------------
محمد وردي ثورة الموسيقى
د. نجاة الياس باسعيد [email protected]
هكذا وبعد صراع طويل مع المرض في كلمات قليل اعلن لافريقيا رحيل فنانها الاول وللسودان الذي تعلق بمحمد وردي وبفنه وموسيقاه تعلقا شديدا فاق التعلق باية شخصية فنية اخرى في اي زمان ومكان وردي لم يكن مجرد موسيقي عبقري كان رمزا لكل ما كان يحلم به السودانيين من وحدة كان تجسيدا حيا لامال شعبنا في الرقي والتطور في الحرية والديمقراطية كان محمد وردي يفكر ويتحدث ويتظاهر ويغني من اجل السودان وكان رافضا للظروف التي يعاني فيها من جهل وتخلف ومرض كان يحلم بتغيير السودان اجتماعيا وثقافيا ولذا كان ايضا يغني عن السلام والحب الحب ليس بصورته البلهاء التي تبدو عادة في اغاني الشباب وانما حب حقيقي بسيط يربط الانسان باخيه الانسان بالارض بالعالم بالزهور بكل ما هو جميل وباق وكان محمد وردي يرمز الى الامل في ان يصبح الصبح كان اسلوبه في التفكير تخيل العمل الفني والموسيقي والقناعة بالعمل الفني قبل تقديمه بهذا الاسلوب استطاع ان يثور الاغنية والموسيقى السودانية لم يتنازل قط عن مثالية الالتزام بقواعد المنهج الموسيقي وكان لحساسيته المفرطة دافعا لانتقاء شعر ومضامين ذات ابعاد قكرية وثقافية وسياسية اختلفت شكلا ومضمونا عن الانظمة الشمولية فلم يشعر ابدا بضرورة ارضائها بل على النقيض كان يشعر ان الانظمة الشمولية وراء مشاكل السودان وكان من الطبيعي ان تلتف تلك الانظمة بما لديها من قوة وتسلط على اجهزة الاعلام الى اغاني محمد وردي وما لها من تاثير خطير على شعب كامل يسمع ويصدق تصريحاته وياخذه غدوة في ارائه الاجتماعية والسياسية وحدث في انقلاب عبود ونميري ان وقع في فخ التغني لهذه الانظمة وعلى الرغم من الحصار المحكم تغني باغاني وجدها نظام نميري مستفزة له مما الصق به تهمة الميول الشيوعية وعبثا حاول شرح بعده عن الشيوعية وان المسالة لا تتعدى مشاعر انسانية يؤمن بها تجاه جميع طبقات الشعب المختلفة لكن لا جدوى من التبريرات كان قرار الاعتقال قد اتخذ. ودخل وردي مرحلة جديدة اتسمت بأنه اصبح ضد تدجين المبدعين ليكونوا بوقا للانظمة الشمولية وضد مصادرة الديمقراطية بكافة اشكالها وصورها التي تتعارض مع تطور الابداع والخلق الفني وانتصر الفنان داخل محمد وردي فسجل أعمال فنية تقف كعلامات بارزة في تاريخه الفني حيث عبر الموسيفار العبقري عبر كلمات اغانيه بصدق عن مكنونات أمة ومكونات شعب ضارب بجذوره في التاريخ..وسكب فيها الحان وإيقاعات أحالتها إلى مقطوعات فنية لكن الانظمة الشمولية لم تنتهي في السودان فكان النفي مع انقلاب البشير لكن النفي لم يكن يبدو لحظات مراجعة للنفس حولها لطاقة ابداعية فحسب بل وقت استغله في تطوير موهبته الفنية بالدراسة والبحث الجاد والاطلاع الواسع وكان ارتباطه بحياة القرية النوبية دافعا للدفاع عن التنوع الديني واللغوي والاثني في الثقافة السودانية كان يعلم ببساطة ان السعي وراء المناهج الجديدة يننبغي ان لا يلهينا عن الهدف الاولي البسيط الذي يجعل للعمل الفني قيمة تسهم في التقدم الانساني وكان يساهم من نفس هذا المنطلق في تقديم اعمال الشباب الفنية لعلمه ان الشباب هم اللذين يحملون ثورة المستقبل لكنه رحل
0 | 0 |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
جرائم الانقاذفكر وثقافةعن الحزبعن الميدانفيديوEnglishكلمات في رثاء فنان الشعب وردي Updated On Feb 25th, 2012
الخرطوم / الميدان
كلمة الاستاذ يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي التي القاها في تأبين الفنان الراحل محمد وردي الذي اقيم في منزله الاثنين الماضي .
لقد كف عن الخفقان ذلك القلب النابض بحب السودان وأهل السودان. إنها لمصيبة كبيرة، وإنه لفقد جلل، أن يرحل عن دنيانا فنان الشعب المبدع محمد عثمان وردي. فلم يكن فقده فقد واحد، ولكنه بنيان قوم تهدم. ظل الفقيد لعشرات السنين مركز إشعاع للطرب الراقي والفن الجميل. لقد انشرحت الصدور بالفرح الغامر لأغنياته العذبة وأناشيده الوطنية والثورية الملهمة، رغم قسوة الحياة وشظف العيش وفساد الحكام.
كان فقيدنا العزيز مدرسة فنية بل جامعة فنية قائمة بذاتها. وتتجلى عبقرية فقيدنا العزيز في بعده عن عين الرضا، وتحليه بالنظرة الانتقادية حتى لأعماله الفنية الرائعة وألحانه الشجية المتفردة. كان قد قام بإعادة التوزيع الفني للكثير من مفردات إنتاجه الفني.
وبعد إعادة التوزيع اختفى ذلك الكنز الثمين النغم المازح واختفت الضربات المتدافعة. أضحت ألحانه وموسيقاه أكثر طلاوة ورخامة وتطريباً.
وأسهم الفقيد، بأثر حب وشغف ملايين الشعب في كل ربوع السودان لأغانيه وأناشيده وتجاوبهم معها، في دعم وصقل الحس والشعور الوطني العام المشترك لأهل السودان.
وكان الفقيد سفيراً مفوضاً فوق العادة للسودان وشعب السودان، للتواصل الاجتماعي والثقافي مع شعوب إفريقيا والعالم العربي. لقد استحق بجدارة وبلا منازع، لقب فنان إفريقيا الأول.
كان فقيدنا العزيز يستلهم التراث الثوري العظيم للشعب النوبي. واذا كان خليل فرح الذي غنى لعِزة السودان وعَزة السودان، وشارك في التحضير لثورة 1924، قد قال في أشعاره:
لا يستقيم لبطشه عرش على عِمد
وإن يكُ عرش ذي الأوتاد
فإن فقيدنا العزيز وردي قد واجه بشجاعة نادرة فرعون السودان. وكان قد تم استدعاؤه ليلاً لمقابلة السفاح جعفر نميري وأحمد عبد الحليم. فلما مثل بين أيديهما، سأله نميري بكل عنجهية وصلف:( لماذا لم تنضم للاتحاد الاشتراكي؟)
جاءه الرد سريعاً باتراً كما الطلق الناري:( أنا فنان تقدمي عشان كده أنا منتمي للحزب الشيوعي ) فأسقط تماماً في يد السفاح. وما كان منه إلا أن قال:( نحن برضو تقدميين، أحمد أديه نسخة من ميثاق الاتحاد الإشتراكي!”
واذا كان الفنان السوري “القامشلي” الذي أصبحت إحدى لازمات أغنياته شعاراً لمظاهرات الربيع العربي السوري:(يلا إرحل يا بشار) قد جرت تصفيته وقطع لسانه على يد نظام الإجرام الأسدي، فإن فنان الشعب وردي قد ظل لسنوات مُحارباً في رزقه من قبل أنظمة الفساد والاستبداد. ” وقطع الأعناق كما يقولون ولا قطع الأرزاق”.
ظلت أغنيات وردي وأناشيده ممنوعة من البث في الإذاعة و التلفزيون على مدى سنوات طويلة، بما في ذلك خلال نظام الإنقاذ الحالي. وتحت مظلة نظام الإنقاذ أيضاً اضطر وردي للاغتراب عن الوطن لعشر سنوات.
كما كان قد جرى اعتقاله خلال نظام مايو، وكذلك خلال نظام عبود، عندما قاد مظاهرات أهله النوبيين ضد الترحيل القسري.
كان لسان حال فقيدنا العزيز يردد دائماً:ـــ
من يسألني فإني أختار
أختار في مسيرتي اليسار
الشمس واليسار
القمح واليسار
والأرض حتى تغير الأرض مدارها إلى اليسار.
كما كان لسان حاله يردد كما الشاعر الفلسطيني:ـــ
حاوروني بالمنافي أتحدى
ألِّبوا الطاعون والحزن سأبقى أتحدى
وبأسناني وأسنان الأغاني أتحدى
اقتلوني أقتلُ الموتَ وآتيكم إلهاً يتحدى
نمْ هادئاً يا فقيدنا العزيز ودعْ انك ميت فأمثالك لا يموتون. إنك ستبقى إلى أبد الآبدين مثالاً حياً يرن في أغنيات البواسل الأقوياء. ستبقى نداءاً أبدياً للحرية والنور والإبداع الفني الرائع والملهم. العزاء لأسرة الفقيد وأهله وزملائه والعزاء موصول لكل أهل السودان.
** تم ارتجالها في مناسبة تأبين الفقيد بعد رفع المأتم مساء الاثنين 20/2/2012. --------------
مااااات رجل القضية …..وملهم الإبداع Updated On Feb 25th, 2012
بقلم: أبو طارق
ومضات في سبعينات القرن الماضي ..خلقت لي مساحة مع الهرم الذي ترك من ورائه إرثا مفعماً بالإبداع ،فوردي على ناصية المعاملات الفكرية يرتقي ولا يخبو يعلو بهامات الرجال رافعاً معاييرالانتقال عند محطات النشاط الحزبي ..فهو عبارة عن موسوعة في الأخذ والعطاء فهو دولاب نتناول منه معينات التشاور ونتخذ منه عنواناً جديداً بأخذ منا قدرا من الاحترام واعترافاً كاملا برؤيته ..التي تأتي بالجديد وكأنها معزوفة من روائعه التي سكنت في خواطرنا لنجعل منها مرجعية كاملة للعواطف المثقلة بجراحات الزمن في زمان يكذب على الحب ويحرمنا التناول ، عرفته ناشطاً متفهماً لواجباته فهو حراك من نوعٍ نادر يجعلك دائما في دائرة الاندهاش ليس لعلو كعبه بقدر ما هو موهبة متفردة تغرد أجنحتها وتسافر في دواخلنا بقبضة من الإعجاب لمداركه التي تفوق موقع الإحساس وتتمازج على أريحيه خصبة ملؤها النجاح في كل خطوة تشير إليها ، عرفت الراحل محمد عثمان وردي داخل أروقة الحزب في سبعينات القرن الماضي يسرع الخطى وينفذ الوعد لا يتقاعد ولا يتقاعس ينتفض حين النفرة الجماعية ويخوض غمار الأحداث ويخط من ثقافته كتاباً جاذباً فيه كل نقاط الانطلاق كي لا تسقط المسيرة ،هكذا كان وردي بيننا كالطود يتعاضد مع الجماعة ويرفع صوت الإسهام ويحلق في سماء النشاط كأنه عصفور أخترق كل ألوان الابداع وحط على هذا البلد الذي أنجبه في زمان قليل التكوين… كان وردي بيننا في تلك الحقبة معدناً نادراً لا يمكن قياسه فهو من نوع يفوح سحره بتلك الأصالة القادمة من الشمال بعطر نستجمع منه خلود الفكر المعطاء، وان رحل فهو باقي بيننا بتلك الذكريات المفعمة بالأصالة لمغزي نشاط الحزب في تلك الفترة ذات النشاط المتسع.
إنني حزين تماماً لأن عنصر الإبداع الذي يتفاعل قد سقط في آخر الزمان . عنصر الأزمان الذي شكل فينا عشق التراب وانحناء الشخوص على هامات الوطن بوفاء مطلق استقرأ منه النيل جزليات التوافق لمناهضة الاحتساب لكل طامع أراد إن يحبس نبل الأماني السندسية في وطن تربع وخاض ملامح العصيان لإستعمار كاد ان يعصف بالانتساب السوداني.
عرفته نموذجاً ولهانا بالتنادي حين قال ….اليوم نرفع راية استقلالنا ..
عرفته نقابياً يحمي عرين الأقوياء ويصون موقف الضعفاء شاخصاً أشجانه ومهدماً صوامع الجبناء الذين باعوا قضية الوطن الكبير في زمان تنوء عنه مواقف الجهل في كثير من الأحيان.
وردي معالم جاءت من نوافذ التطريب الصادق وباتت خلوداً لا يتوه في صفحات التاريخ …أنه صوت لا ينحني لرجال يبحثون عن إذلال الآخرين. مات وردي وانكفأت ملهمات الارتقاء والإمساك على جمر القضية.
الميدان
---------------
أسفاي.. رحل المعلِّم وانهارت رافعة الفن الجميل!
الاثنين, 20 فبراير 2012 09:35
- إضاءات - طه النعمان
كانت ليلة كئيبة نشر عليها الحزن النبيل أجنحته.. وكان صباحاً أغبر تقاطرت فيه الجموع إلى حيث المرقد الأخير في مقابر فاروق.. كانت سحابات الدموع تعبئ العيون فتحجب الرؤية إلا قليلاً، ثم تنهمر تُبلل العبرات المختنقة، كل يعزي نفسه ويعزي من هم حوله، تساوى الناس في الإحساس بالمصيبة «مصيبة الموت» -كما وصفها الرحمن- التي حلّت بهم جميعاً بواحد من أعز ما يملكون وما يدخرون.. دُخري زمانهم محمد وردي.
لم يكن وردي واحداً من المغنين، بل كان هو الغناء يمشي على قدمين، كان رافعة الفن الجميل والأناشيد السماويات التي عبأت أفق الوطن، وعلمت الشعب عشق الوطن ومعنى التضحية والشهادة والاعتزاز بأرضه وتاريخه المجيد في مقاومة الاستعمار. غنى للحرية والاستقلال، غنى لأكتوبر وأبريل، وغنى للأسود الضارية في كرري، مثلما غنى لنور العين ولعصافير الخريف ولأحلام الشباب وللفرح الراقص «فرحي خلق الله واتني»، وللطير المهاجر في أصقاع الدنيا المحلق فوق نيل بلاده يهدي السلام للوطن وللحبيبة «البتشتغل منديل حرير لحبيب بعيد».
غنى وردي لكل الشعراء العظام في وطنه، شعراء الحب والعاطفة الدفاقة وشعراء الكفاح الوطني وا لثورة المدافعين عن حق الشعب في الحرية والتقدم والكرامة والعدالة، غنى للفقير «المرمي تحت الشمس»، ولعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ.. غنى لصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم ومحجوب شريف ولعمر الطيب الدوش وعلي عبد القيوم ومبارك بشير وكجراي، مثلما غنى لإسماعيل حسن وإسحق الحلنقي ومحمد علي أبوقطاطي، وغنى شعره الذي كان يكتبه باللغة النوبية «لغة المحس»، وكان في كل ذلك قمة لا تدانيها القمم، و عطاء غير مقطوع ولا ممنوع، يصدر عن روح مترعة بالمواهب والإبداع غنية بالتنوع، وبصوت شجي متفرد يصعد بك إلى عوالم الفرح والحماسة الطاغية، ويهبط بك إلى عوالم الحزن والجزع والبكائيات الموجعة.
كان محمد وردي الإنسان رجلاً نسيج وحده، شكلاً ومضموناً، كان مديد القامة متمدد الأطراف، ذا أصابع طويلة كأنما خلقها الله للضرب على الأوتار والآلات الموسيقية، وذا أذنين عريضتين ربما أراد الله أن يجعلهما أشبه بسماعتين كبيرتين «للساوند سيستم» تلتقطان حفيف الريح بين العشب والأشجار وزقزقة العصافير وهدير الرعود ليصبغه ويمزجه ويصنع من ذلك كله موسيقى تطرب السامعين وتخترق وجدانهم بلا مقومات.. إنه الفنان في أبدع صوره، أو هو صورة الفنان في أبهى وأرقى أحوال تشكلها.
عرفت محمد وردي، كما عرفه كثيرون غيري من معاصريه ومجايليه، فهو كان كما «ليلى» كل يدعي وصلاً بها، وكان قلبه الكبير وروحه المرحة يمنحان مساحة كافية لكل محب أو معجب أو طالب وصل، وكنا ثلاثة على علاقة وثيقة به، يمنحنا من وقته العزيز قدراً لا بأس به من الاهتمام، وكنا ثلاثتنا صحافيين نعمل في مؤسسة واحدة هي وكالة السودان للأنباء أوائل سبعينات القرن الماضي، الراحل محمود محمد مدني وصديق محيسي رد الله غربته وشخصي. كنا نستمتع بموانسته ولا نطلب منه الغناء، فأنس محمد وردي ليس أقل روعة من غنائه، فهو ذو صوت نحاسي مجلجل في الحديث، ومخارج ذات وقع نوبي على فصاحتها، وكانت الطرفة والنكتة والسخرية على طرف لسانه.. كان مزيجاً من الحدة والانفعال والتهور والرقة والإلفه واستيعاب الآخر في الوقت ذاته، فتحتار وأنت تخالطه وتعامله وتحاوره إلى أي الضفتين تركن أو ترسو مراكبك، الغضب أم الرضاء، حتى يعمك دفق حبه وكرم خصاله فيغسل ما علق بنفسك وتعود المياه إلى مجاريها.. حينها تتذكر أنه «الفنان».. وهكذا خلقه الله - نسيج وحده- فتلتمس له العذر.
هذا التفرد، الذي طبع شخصية محمد وردي، عاد على أهل الفن ومسيرة الفن في بلادنا بفائدة عظيمة، فلوردي يعود الفضل في الارتقاء بمكانة الفنان في عيون جمهور المتلقين والمستمعين السودانيين، كان الفنان قبل محمد وردي، وقد سبقه فنانون عظام، لا يحظى بالتقدير الواجب والمعاملة التي تؤكد هذا التقدير، خصوصاً في ما يتصل بحقوق الفنان، وكان محمد من أوائل، إن لم يكن الأول، الذي واجه مثل هذه المعاملة التي لا تليق بقدر الفنان بشجاعة وصرامة جلبت عليه بعض السخط ممن لا يقدرون الفنان حق قدره، ذلك لأنه كان يشترط على أصحاب الحفلات والمناسبات الخاصة دفع ما عليهم من التزامات مالية تجاه الفنان مقدماً إن لم يكن يعرفهم ويثق في التزامهم، وكان كثيرون غيره من زملائه يتساهلون في مثل هذه الالتزامات ويتركونها لتقدير أصحاب الحفل أو المناسبة، وقد ينتهي الأمر إلى إهدار حقوقهم و «مرمطتهم» وضياع هيبتهم، وهذا ما لم يكن يرضاه «المعلم» وردي. فهو يرى في «الفن» عملاً يستحق التقدير المادي، لما بذل فيه من وقت وجهد ومعاناة حتى صار لحناً وغناء يطرب السامعين، وعلى من يستمتع بهذا«المُنتج» المكلف التكفل بدفع الثمن. وعندما يصبح هذا العائد- عائد فنه وجهده بين يديه- تجد ذات الرجل، الذي كان يصر على انتزاع حقه، جواداً كريماً متلافاً للمال يبدده في لحظات على الأصحاب والأقارب، فتصيبك الدهشة ويأخذ بك العجب أي مأخذ!
وردي الآن بين يدي مليك مقتدر، ونسأل الله الذي وسعت رحمته كل شيء أن يلطف به وينزله مكاناً علياً في جنان الخلد بأكثر مما قدم لشعبه ولشعوب القارة، وأن يجعل كل زخة طرب ولحظة فرح نالها مستمعوه ومحبوه برداً وسلاماً على روحه وتميمة غفران على جيده ودعوة عتق من النار.. آمين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
جرائم الانقاذفكر وثقافةعن الحزبعن الميدانفيديوEnglishكلمات في رثاء فنان الشعب وردي Updated On Feb 25th, 2012
الخرطوم / الميدان
كلمة الاستاذ يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي التي القاها في تأبين الفنان الراحل محمد وردي الذي اقيم في منزله الاثنين الماضي .
لقد كف عن الخفقان ذلك القلب النابض بحب السودان وأهل السودان. إنها لمصيبة كبيرة، وإنه لفقد جلل، أن يرحل عن دنيانا فنان الشعب المبدع محمد عثمان وردي. فلم يكن فقده فقد واحد، ولكنه بنيان قوم تهدم. ظل الفقيد لعشرات السنين مركز إشعاع للطرب الراقي والفن الجميل. لقد انشرحت الصدور بالفرح الغامر لأغنياته العذبة وأناشيده الوطنية والثورية الملهمة، رغم قسوة الحياة وشظف العيش وفساد الحكام.
كان فقيدنا العزيز مدرسة فنية بل جامعة فنية قائمة بذاتها. وتتجلى عبقرية فقيدنا العزيز في بعده عن عين الرضا، وتحليه بالنظرة الانتقادية حتى لأعماله الفنية الرائعة وألحانه الشجية المتفردة. كان قد قام بإعادة التوزيع الفني للكثير من مفردات إنتاجه الفني.
وبعد إعادة التوزيع اختفى ذلك الكنز الثمين النغم المازح واختفت الضربات المتدافعة. أضحت ألحانه وموسيقاه أكثر طلاوة ورخامة وتطريباً.
وأسهم الفقيد، بأثر حب وشغف ملايين الشعب في كل ربوع السودان لأغانيه وأناشيده وتجاوبهم معها، في دعم وصقل الحس والشعور الوطني العام المشترك لأهل السودان.
وكان الفقيد سفيراً مفوضاً فوق العادة للسودان وشعب السودان، للتواصل الاجتماعي والثقافي مع شعوب إفريقيا والعالم العربي. لقد استحق بجدارة وبلا منازع، لقب فنان إفريقيا الأول.
كان فقيدنا العزيز يستلهم التراث الثوري العظيم للشعب النوبي. واذا كان خليل فرح الذي غنى لعِزة السودان وعَزة السودان، وشارك في التحضير لثورة 1924، قد قال في أشعاره:
لا يستقيم لبطشه عرش على عِمد
وإن يكُ عرش ذي الأوتاد
فإن فقيدنا العزيز وردي قد واجه بشجاعة نادرة فرعون السودان. وكان قد تم استدعاؤه ليلاً لمقابلة السفاح جعفر نميري وأحمد عبد الحليم. فلما مثل بين أيديهما، سأله نميري بكل عنجهية وصلف:( لماذا لم تنضم للاتحاد الاشتراكي؟)
جاءه الرد سريعاً باتراً كما الطلق الناري:( أنا فنان تقدمي عشان كده أنا منتمي للحزب الشيوعي ) فأسقط تماماً في يد السفاح. وما كان منه إلا أن قال:( نحن برضو تقدميين، أحمد أديه نسخة من ميثاق الاتحاد الإشتراكي!”
واذا كان الفنان السوري “القامشلي” الذي أصبحت إحدى لازمات أغنياته شعاراً لمظاهرات الربيع العربي السوري:(يلا إرحل يا بشار) قد جرت تصفيته وقطع لسانه على يد نظام الإجرام الأسدي، فإن فنان الشعب وردي قد ظل لسنوات مُحارباً في رزقه من قبل أنظمة الفساد والاستبداد. ” وقطع الأعناق كما يقولون ولا قطع الأرزاق”.
ظلت أغنيات وردي وأناشيده ممنوعة من البث في الإذاعة و التلفزيون على مدى سنوات طويلة، بما في ذلك خلال نظام الإنقاذ الحالي. وتحت مظلة نظام الإنقاذ أيضاً اضطر وردي للاغتراب عن الوطن لعشر سنوات.
كما كان قد جرى اعتقاله خلال نظام مايو، وكذلك خلال نظام عبود، عندما قاد مظاهرات أهله النوبيين ضد الترحيل القسري.
كان لسان حال فقيدنا العزيز يردد دائماً:ـــ
من يسألني فإني أختار
أختار في مسيرتي اليسار
الشمس واليسار
القمح واليسار
والأرض حتى تغير الأرض مدارها إلى اليسار.
كما كان لسان حاله يردد كما الشاعر الفلسطيني:ـــ
حاوروني بالمنافي أتحدى
ألِّبوا الطاعون والحزن سأبقى أتحدى
وبأسناني وأسنان الأغاني أتحدى
اقتلوني أقتلُ الموتَ وآتيكم إلهاً يتحدى
نمْ هادئاً يا فقيدنا العزيز ودعْ انك ميت فأمثالك لا يموتون. إنك ستبقى إلى أبد الآبدين مثالاً حياً يرن في أغنيات البواسل الأقوياء. ستبقى نداءاً أبدياً للحرية والنور والإبداع الفني الرائع والملهم. العزاء لأسرة الفقيد وأهله وزملائه والعزاء موصول لكل أهل السودان.
** تم ارتجالها في مناسبة تأبين الفقيد بعد رفع المأتم مساء الاثنين 20/2/2012. --------------
مااااات رجل القضية …..وملهم الإبداع Updated On Feb 25th, 2012
بقلم: أبو طارق
ومضات في سبعينات القرن الماضي ..خلقت لي مساحة مع الهرم الذي ترك من ورائه إرثا مفعماً بالإبداع ،فوردي على ناصية المعاملات الفكرية يرتقي ولا يخبو يعلو بهامات الرجال رافعاً معاييرالانتقال عند محطات النشاط الحزبي ..فهو عبارة عن موسوعة في الأخذ والعطاء فهو دولاب نتناول منه معينات التشاور ونتخذ منه عنواناً جديداً بأخذ منا قدرا من الاحترام واعترافاً كاملا برؤيته ..التي تأتي بالجديد وكأنها معزوفة من روائعه التي سكنت في خواطرنا لنجعل منها مرجعية كاملة للعواطف المثقلة بجراحات الزمن في زمان يكذب على الحب ويحرمنا التناول ، عرفته ناشطاً متفهماً لواجباته فهو حراك من نوعٍ نادر يجعلك دائما في دائرة الاندهاش ليس لعلو كعبه بقدر ما هو موهبة متفردة تغرد أجنحتها وتسافر في دواخلنا بقبضة من الإعجاب لمداركه التي تفوق موقع الإحساس وتتمازج على أريحيه خصبة ملؤها النجاح في كل خطوة تشير إليها ، عرفت الراحل محمد عثمان وردي داخل أروقة الحزب في سبعينات القرن الماضي يسرع الخطى وينفذ الوعد لا يتقاعد ولا يتقاعس ينتفض حين النفرة الجماعية ويخوض غمار الأحداث ويخط من ثقافته كتاباً جاذباً فيه كل نقاط الانطلاق كي لا تسقط المسيرة ،هكذا كان وردي بيننا كالطود يتعاضد مع الجماعة ويرفع صوت الإسهام ويحلق في سماء النشاط كأنه عصفور أخترق كل ألوان الابداع وحط على هذا البلد الذي أنجبه في زمان قليل التكوين… كان وردي بيننا في تلك الحقبة معدناً نادراً لا يمكن قياسه فهو من نوع يفوح سحره بتلك الأصالة القادمة من الشمال بعطر نستجمع منه خلود الفكر المعطاء، وان رحل فهو باقي بيننا بتلك الذكريات المفعمة بالأصالة لمغزي نشاط الحزب في تلك الفترة ذات النشاط المتسع.
إنني حزين تماماً لأن عنصر الإبداع الذي يتفاعل قد سقط في آخر الزمان . عنصر الأزمان الذي شكل فينا عشق التراب وانحناء الشخوص على هامات الوطن بوفاء مطلق استقرأ منه النيل جزليات التوافق لمناهضة الاحتساب لكل طامع أراد إن يحبس نبل الأماني السندسية في وطن تربع وخاض ملامح العصيان لإستعمار كاد ان يعصف بالانتساب السوداني.
عرفته نموذجاً ولهانا بالتنادي حين قال ….اليوم نرفع راية استقلالنا ..
عرفته نقابياً يحمي عرين الأقوياء ويصون موقف الضعفاء شاخصاً أشجانه ومهدماً صوامع الجبناء الذين باعوا قضية الوطن الكبير في زمان تنوء عنه مواقف الجهل في كثير من الأحيان.
وردي معالم جاءت من نوافذ التطريب الصادق وباتت خلوداً لا يتوه في صفحات التاريخ …أنه صوت لا ينحني لرجال يبحثون عن إذلال الآخرين. مات وردي وانكفأت ملهمات الارتقاء والإمساك على جمر القضية.
الميدان
---------------
أسفاي.. رحل المعلِّم وانهارت رافعة الفن الجميل!
الاثنين, 20 فبراير 2012 09:35
- إضاءات - طه النعمان
كانت ليلة كئيبة نشر عليها الحزن النبيل أجنحته.. وكان صباحاً أغبر تقاطرت فيه الجموع إلى حيث المرقد الأخير في مقابر فاروق.. كانت سحابات الدموع تعبئ العيون فتحجب الرؤية إلا قليلاً، ثم تنهمر تُبلل العبرات المختنقة، كل يعزي نفسه ويعزي من هم حوله، تساوى الناس في الإحساس بالمصيبة «مصيبة الموت» -كما وصفها الرحمن- التي حلّت بهم جميعاً بواحد من أعز ما يملكون وما يدخرون.. دُخري زمانهم محمد وردي.
لم يكن وردي واحداً من المغنين، بل كان هو الغناء يمشي على قدمين، كان رافعة الفن الجميل والأناشيد السماويات التي عبأت أفق الوطن، وعلمت الشعب عشق الوطن ومعنى التضحية والشهادة والاعتزاز بأرضه وتاريخه المجيد في مقاومة الاستعمار. غنى للحرية والاستقلال، غنى لأكتوبر وأبريل، وغنى للأسود الضارية في كرري، مثلما غنى لنور العين ولعصافير الخريف ولأحلام الشباب وللفرح الراقص «فرحي خلق الله واتني»، وللطير المهاجر في أصقاع الدنيا المحلق فوق نيل بلاده يهدي السلام للوطن وللحبيبة «البتشتغل منديل حرير لحبيب بعيد».
غنى وردي لكل الشعراء العظام في وطنه، شعراء الحب والعاطفة الدفاقة وشعراء الكفاح الوطني وا لثورة المدافعين عن حق الشعب في الحرية والتقدم والكرامة والعدالة، غنى للفقير «المرمي تحت الشمس»، ولعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ.. غنى لصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم ومحجوب شريف ولعمر الطيب الدوش وعلي عبد القيوم ومبارك بشير وكجراي، مثلما غنى لإسماعيل حسن وإسحق الحلنقي ومحمد علي أبوقطاطي، وغنى شعره الذي كان يكتبه باللغة النوبية «لغة المحس»، وكان في كل ذلك قمة لا تدانيها القمم، و عطاء غير مقطوع ولا ممنوع، يصدر عن روح مترعة بالمواهب والإبداع غنية بالتنوع، وبصوت شجي متفرد يصعد بك إلى عوالم الفرح والحماسة الطاغية، ويهبط بك إلى عوالم الحزن والجزع والبكائيات الموجعة.
كان محمد وردي الإنسان رجلاً نسيج وحده، شكلاً ومضموناً، كان مديد القامة متمدد الأطراف، ذا أصابع طويلة كأنما خلقها الله للضرب على الأوتار والآلات الموسيقية، وذا أذنين عريضتين ربما أراد الله أن يجعلهما أشبه بسماعتين كبيرتين «للساوند سيستم» تلتقطان حفيف الريح بين العشب والأشجار وزقزقة العصافير وهدير الرعود ليصبغه ويمزجه ويصنع من ذلك كله موسيقى تطرب السامعين وتخترق وجدانهم بلا مقومات.. إنه الفنان في أبدع صوره، أو هو صورة الفنان في أبهى وأرقى أحوال تشكلها.
عرفت محمد وردي، كما عرفه كثيرون غيري من معاصريه ومجايليه، فهو كان كما «ليلى» كل يدعي وصلاً بها، وكان قلبه الكبير وروحه المرحة يمنحان مساحة كافية لكل محب أو معجب أو طالب وصل، وكنا ثلاثة على علاقة وثيقة به، يمنحنا من وقته العزيز قدراً لا بأس به من الاهتمام، وكنا ثلاثتنا صحافيين نعمل في مؤسسة واحدة هي وكالة السودان للأنباء أوائل سبعينات القرن الماضي، الراحل محمود محمد مدني وصديق محيسي رد الله غربته وشخصي. كنا نستمتع بموانسته ولا نطلب منه الغناء، فأنس محمد وردي ليس أقل روعة من غنائه، فهو ذو صوت نحاسي مجلجل في الحديث، ومخارج ذات وقع نوبي على فصاحتها، وكانت الطرفة والنكتة والسخرية على طرف لسانه.. كان مزيجاً من الحدة والانفعال والتهور والرقة والإلفه واستيعاب الآخر في الوقت ذاته، فتحتار وأنت تخالطه وتعامله وتحاوره إلى أي الضفتين تركن أو ترسو مراكبك، الغضب أم الرضاء، حتى يعمك دفق حبه وكرم خصاله فيغسل ما علق بنفسك وتعود المياه إلى مجاريها.. حينها تتذكر أنه «الفنان».. وهكذا خلقه الله - نسيج وحده- فتلتمس له العذر.
هذا التفرد، الذي طبع شخصية محمد وردي، عاد على أهل الفن ومسيرة الفن في بلادنا بفائدة عظيمة، فلوردي يعود الفضل في الارتقاء بمكانة الفنان في عيون جمهور المتلقين والمستمعين السودانيين، كان الفنان قبل محمد وردي، وقد سبقه فنانون عظام، لا يحظى بالتقدير الواجب والمعاملة التي تؤكد هذا التقدير، خصوصاً في ما يتصل بحقوق الفنان، وكان محمد من أوائل، إن لم يكن الأول، الذي واجه مثل هذه المعاملة التي لا تليق بقدر الفنان بشجاعة وصرامة جلبت عليه بعض السخط ممن لا يقدرون الفنان حق قدره، ذلك لأنه كان يشترط على أصحاب الحفلات والمناسبات الخاصة دفع ما عليهم من التزامات مالية تجاه الفنان مقدماً إن لم يكن يعرفهم ويثق في التزامهم، وكان كثيرون غيره من زملائه يتساهلون في مثل هذه الالتزامات ويتركونها لتقدير أصحاب الحفل أو المناسبة، وقد ينتهي الأمر إلى إهدار حقوقهم و «مرمطتهم» وضياع هيبتهم، وهذا ما لم يكن يرضاه «المعلم» وردي. فهو يرى في «الفن» عملاً يستحق التقدير المادي، لما بذل فيه من وقت وجهد ومعاناة حتى صار لحناً وغناء يطرب السامعين، وعلى من يستمتع بهذا«المُنتج» المكلف التكفل بدفع الثمن. وعندما يصبح هذا العائد- عائد فنه وجهده بين يديه- تجد ذات الرجل، الذي كان يصر على انتزاع حقه، جواداً كريماً متلافاً للمال يبدده في لحظات على الأصحاب والأقارب، فتصيبك الدهشة ويأخذ بك العجب أي مأخذ!
وردي الآن بين يدي مليك مقتدر، ونسأل الله الذي وسعت رحمته كل شيء أن يلطف به وينزله مكاناً علياً في جنان الخلد بأكثر مما قدم لشعبه ولشعوب القارة، وأن يجعل كل زخة طرب ولحظة فرح نالها مستمعوه ومحبوه برداً وسلاماً على روحه وتميمة غفران على جيده ودعوة عتق من النار.. آمين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
في رحيل «الصبح»
02-25-2012 07:24 AM صباح الخير
علي العمودي
كان ذلك منذ سنوات بعيدة، عندما تسللت للروح كلمات جذلة بلغة جميلة، ونغم أجمل، وكانت تلك بداية تعرفي على السلم الخماسي الذي يميز الأغنية السودانية، وبصوت قامة من قاماتها، الفنان الذي ودعنا الأسبوع الفائت محمد عثمان وردي.
وفي تلك الحقبة المبكرة من قيام صرح إماراتنا الشامخ، كانت هذه السواعد السمر من أرض النيلين، تنتشر في مختلف مجالات وميادين التنمية، في دور لا تخطئه العين في البلديات وتخطيط المدن والشرطة والقوات المسلحة ودور العلم والقضاء، في زمن البدايات الصعب. وكان لثلة من أبناء هذه المنطقة فرصة للدراسة في “حنتوب” ومعاهد وكليات “مقرن النيلين”.
في سبعينيات القرن الماضي، تابعت حفلاً بسيطاً له في دبي، اقتربنا من رجل لطالما صدح بصوته للحق والعدل وحقوق البسطاء في كل مكان في الحياة الحرة الكريمة، كان التزامه وانحيازه للبسطاء طاغياً على أعماله التي استفزت الطغاة الذين اضطروه لارتياد المنافي في تجارب لم تحل دون إثرائه للأغنية، الوطنية منها والعاطفية.
قد يعتقد شباب “الربيع العربي” أنهم اخترعوا الشعار الشهير”ارحل”، من دون أن يدركوا أنه دوى في أروقة ومدرجات جامعة الخرطوم خلال ستينيات القرن الماضي، ليضع نهاية للحكم العسكري بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ويصدح هرم الأغنية السودانية برائعته الشهيرة “أصبح الصبح، ولا السجن ولا السجان باق”.
و“التقى جيل البطولات، بجيل التضحيات” في سيرة امتدت ثمانين حولاً، “ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم”، بحسب زهير بن أبي سلمى، ولكنها لم تك كذلك مع قامة بحجم وردي، رواها بأزيد من 300 أغنية، ومحطات تختصر قصة وطن أبصر النور على أرضه موحداً، ورحل عنه مقسماً، ولم تك كذلك عند إنسان مرهف مؤمن بأن الفن رسالة، والوطن أمانة، صادحاً بأنه “أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا، بالذي أصبح شمساً في يدينا، وغناء عاطراً تعدو به الريح فتختال الهوينى”.
“رحلت وجيت، في بعدك لقيت، كل الأرض منفى”. إلا أن الجسد وهن، والوضع أسن، فكان الرحيل وكان الفراق.
في جنازته، اتحد السودانيون كما لم يتحدوا، تناسوا الخلافات والأحزاب والجغرافيا والسياسة، وذرفوا الدمع كثيراً. وشاءت المصادفة أن يُشيع عشية توزيع جوائز الطيب صالح قامة سودانية أخرى، جال أصقاع الأرض، حاملاً هَم أرض ليست بعاقر، تلد نجباء، وترسلهم للريح تبعثر أحلامهم، وتبدد نبؤات ترنموا بها لغد آت، وخذلت الأيام والقرطاس والقلم.
هكذا قدر مبدعين يقبضون أمانة الكلمة كالجمر، ويسيرون كحفاة على دروب الأشواك والآلام، فالحمل ثقيل ووطء الأمانة أثقل، يذوون سريعاً كما وهج الشموع يكابدون صرير الريح، وأنين الجراح، وعثرات الليالي الطويلة وعزلة الزنازين الرطبة وسطوة الأزمان المتهاوية.
أصداء رحيل وردي رددتها ضفاف أنهر عشقها كما جبال النوبة وأمواج بحر ارتادها وروضها حتى استسلم بحب ودفء لأرض احتضنته بحنان أم باعدت الأيام بينها ووليدها.
رحم الله وردي، وأحسن عزاء أهله ومحبيه في السودان، والوطن العربي الكبير، وتحية للمتيمين بوطن في حضرة جلاله “يطيب الجلوس”، أحبوه “ملاذاً” وناسه”عزازاً”، أحبوه “حقيقة” وأحبوه “مجازاً”.
صحيفة الاتحاد الاماراتية 25\02\2012
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
في رحيل أسطورة الغناء السوداني: محمد وردي ...
بقلم: محمد جميل أحمد الإثنين, 27 شباط/فبراير 2012 21:18 Sh كان الفنان السوداني الموسيقار محمد وردي الذي رحل عن دنيانا قبل أيام أسطورة تمشي على قدمين ، فهو قاطرة إبداع الأغنية السودانية الحديثة وصانع هويتها. كان الراحل الكبير أهم من تمثلوا معنى الأغنية السودانية في أعمق تجلياتها المعبرة عن هوية السودان ؛ تلك الهوية التي أنجزها وردي وفتح بها آفاقا لا متناهية لمعنى السودانوية الصافية والعابرة لحدود الهويات الصغيرة في طول السودان وعرضه ، دون أن يحتاج إلى فلسفة عريضة لتجسيد تلك الهوية فنيا . ووردي إذ يجمع السودانيين على هذه الهوية الغنائية السودانية الحديثة ، يكشف بذلك عن البؤس العاري للمثقفين والسياسيين السودانيين المتناحرين حول امتلاك تفسير تلك الهوية ،لأن ما حققه من تجليات تلك الهوية الغنائية الأسطورية (وهذا بذاته دليل على أن تحقق الهوية السودانية في تعبيراتها الأخرى : السياسية الثقافية و الحقوقية والدستورية ليس مستحيلا ) لا يختلف حول مضمونها الفني من حيث دلالته على السودان الواحد أي سوداني .
وهذه أعظم خاصية عبقرية مازت غناء محمد وردي فهو الوحيد الذي يجتمع السودانيون في الشمال والجنوب ـ حتى بعد الانفصال ـ على أغنياته ، في كافة أزمنتهم وأمكنتهم وبكافة طوائفهم وهذا أيضا بالضبط ما منحه استحقاق لقب الفنان القومي ؛ فهذا الفرد العظيم هو أول من أدرج إيقاعات اجتمعت فيها كل (أصوات السودان الغنائية) في أوركسترا حديثة من الشمال والجنوب والغرب والشرق ... وهو في هذه الخاصية ينفرد عن كل الفنانين الذين جايلوه وسبقوه أيضا ـ على عظمتهم ـ لما يختزنه من فكرة العبقرية في أصفى صورها الغنائية ؛ ففي ألحان وردي نسغ سوداني أصيل يمس الأعصاب بشعور يترك إيحاءات عميقة الأثر عبر جمل لحنية تهز سودانية الوجدان السوداني بأقصى حالات الجمال ، وتستفز أصفى ما فيه من النشوة ، هذه النشوة ليست في العادة أثرا للتطريب ، أو للكلمات أو للإيقاع ـ مع عظمة كل هذه العناصر ـ بل هي ـ بالإضافة إلى تلك العناصر ـ نشوة باعثة على الإصغاء بقوة لعنفوان ساحر وشديد الوطأة من حيث تأثيره ؛ فهي نشوة تنبثق في الأصل من شعور خفي وإحساس غامض بلا عادية الغناء أو الموسيقى أو الصوت الذي يسمعه السوداني (من قرورة في أقصى الشرق إلى الجنينة في أقصى الغرب) لكن مع غرابة هذا الإحساس كأثر لعمل فني مركب ؛ يظل تأثيره في النفس السودانية فعلا يشبه أعمال الطبيعة ؛ يشبه تماما علاقة العطر بالوردة ، وعلاقة الجمال بالعين ؛ فهو في وقت واحد عمل عادي وغير عادي وهنا تكمن العبقرية : في أن جميع السودانيين يشعرون بأغاني وردي كملك خاص وجميل في وجدان كل واحد منهم من ناحية ، وفي أن وردي حوَّل ذلك العمل الفني المركب والطارئ من زمان ومكان معينين إلى حالة غنائية طليقة أصبحت في ذائقة الإنسان السوداني البسيط بعبقريتها تلك إحساسا طبيعيا يقترن بإحساسه كسوداني ، من ناحية أخرى.
إنه عمل يشبه بناء الأسطورة ، فمن أخص خصائص الأسطورة : طاقتها العابرة باستمرار من زمانها الأول إلى الأبد الطليق ، وقدرتها على استحضار المعاني في الوجدان البشري من غموضها ذاك . وهكذا جسد وردي بأعماله الأسطورية ، كينونة وذاكرة وهوية للغناء السوداني الخالص ، مرة وإلى الأبد . ولهذا ربما كان وردي الفنان الوحيد الذي يشعرنا بمعنى المعاصرة الفنية للغناء السوداني ، أي بالحس الفني الوجداني المتصل بالأزمنة الحديثة كهوية غنائية سودانية صافية . مع ذلك ظل وردي أيضا يجمع مع السودانيين بهذه القدرة الأسطورية آخرين في عشق أغنياته التي يجدون فيها أصداء من منطقهم الوجداني الأفريقي خصوصا شعوب القرن الأفريقي (إرتريا ـ أثيوبيا ـ الصومال ـ جيبوتي) وبما أن : المعاصرة حجاب ؛ فقد ظل وجود هذا العبقري العظيم بيننا حجابا يمنع من إحساسنا القومي به على نحو يليق حقا ً بما قدمه لهذا الوطن .
فالأمم العظيمة حين تعرف الذين صنعوا أقدارها التاريخية، وأبدعوا صورتها في الفن تدرك مقامهم العظيم في حياتها ، فتجعل من إبداعهم العظيم حالات متجددة للتمثل الدائم ، فيما نحن كسودانيين في زمن نظام الإنقاذ الأغبر لم نقدم لوردي ما يستحقه حتى أقل القليل تجاه ماقدمه لنا ولأمتنا ووطننا ، بما إنه أحد الذين صنعوا أقدار ومعجزات هذا الوطن وصورته في الفن والغناء . كان وردي فنانا مثقفا ومنحازا لشعبه ضد أنظمة القمع ، فعاش سنوات طويلة في المنفي في ظل حكم الأنظمة العسكرية التي قاومها بغنائه الفعال ، وظل يمارس من خلال تلك الأغاني صياغات متجددة في وجدان الجماهير لحثها على مقاومة القمع والديكتاتورية . ولئن عاش وردي سنواته الأخيرة بعد عودته للوطن في ظل النظام القائم ، فقد كان ذلك في تأويل ما ، ضربا من إحساس يائس بلاجدوى النضال الأبدي الذي يعجز فيه الشعب عن تحقيق ما أراده الفنان طوال عمره ، كما أن بلوغه تلك السن المتقدمة ربما جعله يبحث عن أمان لشيخوخة في وطنه .
مع ذلك ظل وردي يضمر موقفه الخاص في الكثير من القضايا التي يصرح فيها بآراء في نقد الأوضاع القائمة . وعندما استقل جنوب السودان كان وردي نجم الحفل الذي رقص على أنغامه الجنوبيون ، ورقص معهم الدكتور حسن الترابي ، على إيقاع النشيد الوطني الشهير الذي غناه وردي في ستينات القرن الماضي (أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق). كان وردي إيقونة متجددة للغناء السوداني لأكثر من نصف قرن ، حتى بلغت أغنياته أكثر من 300 أغنية تميزت بقدرتها الساحرة على جذب وجدان السودانيين بمختلف انتماءاتهم اللغوية والعرقية ، كما كان من شأن الألحان والإيقاعات الأفريقية المركبة على الكلمات العربية أن تجعل من مكانة الموسيقار الكبير محمد وردي حالة خاصة في الغناء العربي والأفريقي ، ولهذا استحق بجدارة لقب وجائزة : فنان أفريقيا الأول ربما احتاج السودانيون إلى ألف عام إلى ظهور عابر عظيم مثل محمد وردي . *نقلا عن موقع صحيفة إيلاف الإلكترونية اللندنية jameil m [[email protected]] ----------------
ارو .. وردي ..
بقلم: نورالدين محمد عثمان نورالدين الإثنين, 27 شباط/فبراير 2012 21:06 [[email protected]] منصات حرة
رحل الموسيقار وهو حزين على الوطن رحل وفى قلبه حسرة على الأجيال رحل وقلبه على النضال وحنجرته تهتف للحرية ، آخر لقاء بالهرم لى كان فى مناسبة أحد أقاربنا قبل رحيله بأيام وكانت آخر مرة تتغنى فيها حنجرته غّنى بحماس وحب وعنفوان وكأنه كان يعرف أن هذه هى آخر مرة سيغنى فيها ، قبلته و لى الشرف بأنى آخر من قبل جبهة وردى وكنت ضمن آخر من إستمعوا له تغنى وردى فى تلك الليلة بلغته النوبية البليغة فى المعنى والتعبير وطريقة تركيب الجمل كيف لا وهو يحمل بداخله حب وطنه الصغير النوبة وحب وطنه الكبير السودان ، رحل وردى وهو ينظر إلى المستقبل مستقبل هذا الشعب الذى شكل وجدانه وساهم فى تماسكه ووحدته لايختلف فى وردى إثنان من بنى وطنى من حلفا إلي نمولى ومن طوكر للجنينة هذا هو الوطن الذى يعرفه وردى وتغنى له ولاوطن بعده رحل وردى وفى داخله أمل التغير وأمل التقدم وأمل الحرية ،
لم يكن يريد سوى وطن حر وشعب سعيد وردى لم يكن ملك لحزب أو نظام وردى لم تكبله الأيدلوجيا وتحدد مسيرته الأفكار وردى كان طليق الأشياء والقاسم المشترك الأكبر للوطن ، مهما قلت وقلنا وقالوا عن وردى لن نوفيه حقه ومستحقه ، تغنى وردى بلغته الأصل وأبدع فيها وكتب بها شعراً للحب وللحرية حتى تقلد صفة ( أُرو ) وهى بالنوبية (الملك)، إينما ذهب كانت مسامه تتقبل الأشياء ويُنصب عليها إمبراطوراً تغنى باللغة العربية الفصحى والدارجى فصار إمبراطورها وتغنى بأناشيد الوطن فأصبح ملكها وتغنى بلغته النوبية فصار أُرو عليها ، وردى لم يذهب ولن نبكى عليه ، البكاء دائماً يكون على الفقد ونحن لم ولن نفقده فهو فى وجدان كل سودانى وفى قلب الشعب وفى طعم مياه النيل ، هو بيننا وسيظل ،
وترك لنا إرثاً ثورياً وثقافة نضالية ما إن تمسكنا بها لن نضل أبداً فطريق وردى الذى خطه لنا واضح ومكابر من ظن أنه كفر بالحرية والثورة كيف يكفر بها وهو صانعها وملهمها وشاديها وملهبها كيف وهو المتوج عليها شعراً وغناءاً وعزفاً أنجب السودان عمالقة للغناء وأنجب مناضلين أشاوس للخبز والحرية ولكن كان وردى هو النكهة التى تحدد للجميع الطعم الحقيقى للتغيير والثورة للحب والغزل للنضال والعشق للبقاء والأمل للغناء والطرب للإيقاع والعزف للوطن والشعب وسيظل الكل وفياً لهذه النكهة وهذا الطعم الأصيل جيل بعد جيل ، لك الرحمة أيها الهرم وأيها الوطن فالناى لن يصمت والشعب لن يسكت كيف هذا وأنت إبن هذه البلاد ومن صلبها خرجت وفى ترابها دفنت كيف نصمت ونسكت وأنت صوت الحرية وكلمة الحق ووجدان الشعب ، فلتهنأ روحك وهى تتجول بييننا وليأخذ جسدك راحته الأبدية هناك ملفحاً بتراب الوطن كما أراد ، وسيبقى السودان وفياً لك وعاشقاً لفنك وستظل مخلداً فينا أيها الإمبراطور الأُرو راحلاً وباقياً .. مع ودى .. الجريدة
------------------
الدوحة وردي.... فجيعتنا فيك وجرح الوطن .. بقلم: عبد المنعم محمد علي- الدوحة الإثنين, 27 شباط/فبراير 2012 21:47 Share
يا لفجيعتنا فيك،،،،، ويُتم الوطن من بعدك.
تلك الليلة،،، أمسى ملايين محبيك ينبشون قواميس اللغة. ينقبّون في دواوين الشعر وكتب البلاغة. عن كلمات تصور لوعتهم. وينتقون مفردات تعبّر عن حزنهم. ويبحثون عن لغة تحاكي وجع الوطن،،،، ويُتم الناس بعد رحيلك.
عجزت لغة الكلام،،، وحار النثر،،، وانعقد لسان الشعر. من أين للحروف أن تقول معاني تحيط بفارع قامتك! ومن أين للقوافي أن تساوق الشموخ الباذخ في محياك ومماتك!
يا لجرح الوطن فيك،،، هذا الهرم "الجالس مهذباً أمامه". يخوض معاركه ببسالة فارس من رماة الحدق. ويهز قضبان سجون الطغاة بأناشيده السماوية. يرحل مشوقاً إليه "من غير زاد" كلما قذفوا به إلى المنافي. فأينما يمم بعيداً عنه نازعته إليه نفسه،،، لأن في بعده "كل الأرض منفى". "يرطن" باسمه كعاشق مستهام مسكون بحبه "حقيقة ومجاز"،،، يردد حلمه في "وطن حدادي مدادي"،،،، "شامخ وعاتي"،،، وطن حر وديمقراطي نشيده قيم التقدم والحرية والعدالة والمساواة.
ملئ إهابه الجمال المجدول في عروق عصبه،،، والحب الناشب في أحشائه "ماميل سار كسين كيلك دووكا"،،، يناغيه في يفاعة صباه،،، ويتغنى به في مشيبه: "نلون وركنقون أوق ارقا كاجيقكا". يعرك الحياة لحد الثمانين بإباء الأحرار،،،، وكبرياء النيل حين يجيش شامخاً فيفيض لحد "القيف" على ضفتيه،،، وبالصدق المغروس في فطرته،،، وبالحق الصريح الرقيق كنسمة "المسري"،،، الجارح كنصل السيف،،، وبالفن العبقري االذي يساكن دم الشرايين ونخاع العظم وأنفاس الروح.
هذا اليتيم القادم على الدنيا من بلدة صواردة في الريف النوبي. يدفع قدميه النبوغ،،، يحمل على ظهره طنبوره،،، ويضم بين جنبيه ميراث نوباتيا،،، وأشجان السكوت،،، وإلهام النهر القديم. يصعد درج المجد كما الخيل العتاق،،، ويفترش صهوة الخلود ملكاً متوجاً على عرش من نسج السحر في أوتار قيثارته.
يا لفجيعتنا فيك،،، يا وردي ويا لوجع الناس ،،،، ويتم الوطن بعد رحيلك.
خذلتنا قواميسنا. سندفن نثرنا وشعرنا،،، ونلوذ بفنك،،، نفتق لآلئ أغانيك،،، ونستنطق جواهر ألحانك،،، ونصكّ من نار أحزاننا "بردة" مرثيتك.
كلما أحرقنا اليُتم تدثرنا بالعزاء المبذول في صحائف أيامك،،، وكلما تكالبت علينا الأحزان تداوينا بالفرح الكامن في روائع شدوك،،، وكلما أوهنت عزائمنا الأيام،،،، استلهمنا الحماسة من العناد العبقري في سيرتك.
----------------
وردي والرادي والوردة) .. بقلم: بشير معاذ الفكي الإثنين, 27 شباط/فبراير 2012 21:08 Share
واساني، وأقال عثرتي، وجبر كسري، المداد المسكوب، والدرر المنثورة، في رثاء فقيد الإنسان والسودان، الأستاذ محمد وردي، من مرثية السيدالصادق المهدي، والدكتور عبدالله على ابراهيم، والأستاذ عبد المنعم خليفة، والأستاذ عبد الله الشقليني وعشرات الآخرين من سودانيين وغيرهم، وهي الكتابات التي خففت وطأة الحزن، وهول الفقد، وبطش الموت برموزنا الوطنية، فما كانبمقدوري، والحال هكذا،أن أرمي بدلوي في سبيل التعبير عن الرحيل الفظ. ولو لم يكن راحلنا العظيم فنانا بقامة قارة، لما استطاع أن يعيد ذاكرتي لخمسينات وستينات القرن الماضي، حين كنت سليل أسرة فقيرة جاء ميلاد أربعة من أبناءها، والسودان يتنفس نسائم الأستقلال، ويتذوق حلاوة الإنعتاق من قبضة المستعمر البغيض. كانت اسرتي تعيش في قرية صغيرة من قرى شمال الجزيرة، وحين يحل القحط والمحل، بأهلنا في شمال كردفان وفي البطانة، كانت آلاف الأسر تأتي بمواشيها إلى القرية، نواسيهم على نوائب الدهر بفتح البيوت والمطامير، وفي المقابل يشاركوننا في عمليات جني القطن والمحاصيل الأخري فيسويعات النهار، وفي الأمسيات يتجمهرون معنا حول بيت (زينب) ست الرادي الترانسيستورالوحيد في المنطقة، لنسمع (في الجزيرة ... نزرع نتيرب... نلقط قطنا)، ونسمع وردي يغني ملامح اكتوبر والأستقلال، وممجدا لرموزنا الوطنية، على عبد اللطيف، عبد الفضيل الماظ، عبد القادر ود حبوبة...الخ في مستهل عقد ستينات القرن الماضي، كنا نصحو باكرا (نشد الحمير)، ونتوجه للمدارس، وفي المساء نعود للقرية، منهكين متعبين، من آثار الوردة (الحمي)، ومن قوة جرعة حقنة (الفواديين)، علاج البلهارسيافي ذلك الزمان، وما نهش في كباد وبطون جيلنا من أبناء الجزيرة، مثل ما نهشت البلهارسيا والوردة. كنتفي حالة سباق دائم ومحموم بين إخواني، للفوز بالإرتماء في أحضان الوالدة، يوما بعد آخر،مرة لتخفيف آلام الوردة، وأخرى لتناول حبوب الكافينول، وثالثة لشراب المديدةفكانت، في كل مرة، تقول ( أمشو بيت زينب ست الرادي، وردي قاعد يغني ، والوردة بتروح). راحلنا كان غذاء للروحوالجسد، وعلاج للسقم، وملهم للثورة، ونصير للفقراء والمستضعفين، سلاحه موسيقاه العذبة، وتطريبه الرائع، وصوته الجهير، غنى للروح، وللحب، وللمرأة، وللوطن شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وللخير، حتى أصبح حبله السري مربوطا بكافة فئات شعبه.
رحمك الله واحسن إليك فقد كنت ذلك الفنان الضخم الذي فارق شعبه في أسوأ أحوال تاريخه إضطرابا وتفككا. Bashir
-----------------
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
معاوية يس محمد وردي [email protected]
أتاحت لي فرصة إقامة المطرب الكبير محمد عثمان وردي نحو ثلاث سنوات في لندن (1994-1997) سوانح ما كنت لأحظى بها لو أنني كنت مقيماً في الخرطوم كلقاء هذا العملاق، والتعرف عن قرب إلى شخصيته. وربما كان من حسن حظي أنني كدت أن أنقطع لمجالسته والاستماع إلى حكاياته وأقاصيصه الطريفة التي تستحق أن تجمع وتدون لتطلع عليها أجيال السودانيين الذين عشقوا صوته الصداح وغناءه العاطفي والوطني العذب.
هذه ليست شهادة مني لمصلحة وردي أو ضده. فشهادتي فيه مجروحة، إذ ظل صوته يطربني منذ اليفاعة. وسرت عدوى ذلك الإعجاب لدى كل أفراد الأسرة. حتى أن شقيقي مدثر -بشهادة وردي نفسه- من أفضل من يتغنون بطريقة الفقيد وطبقات صوته. بدأ إعجابي بوردي من بعيد. ورسخت في ذهني منذ الصغر صورته وصوته كأحد الأبطال المرتبطين -في عقول التلاميذ الصغار الذين كُنَّاهُم- بتاريخ السودان وأبطاله. فقد كان أساتذتنا في المدرسة الأولية (الابتدائية) يلزموننا ترديد أنشودته العذبة "اليوم نرفع راية استقلالنا" (للشاعر الدكتور عبد الواحد عبد الله) في الطابور الصباحي؛ لترسل إلى عقولنا الصغيرة بطولات كرري وعبد اللطيف وصحبه كل صباح، وتسرد لنا القصص المرتبطة بتلك الصور التي بتنا نعرفها قبل أن يلقي المعلمون على مسامعنا دروس تاريخ السودان الحديث. وبالطبع فإن تلك الصورة كبرت ورسخت مع ظهور أغنيات وردي ذات البعد العاطفي-الوطني، مثل "بنحب من بلدنا" (أبو آمنة حامد) التي تنقلك في تطواف صوفي ساحر بين طبقات الجمال من حلفا إلى نيمولي، ومن الجنينة إلى أرض الهدندوة في الشرق. لم يكن وردي، حين عرفته مِن كَثَب في لندن، نقيضاً لتلك الصورة التي انطبعت في مخيلتي بمرور الزمن. غير أنه مثل كثير من عباقرة الموسيقى والإبداع مفعمٌ بالتناقضات الإنسانية التي لا يجد لها المرء تفسيراً. فهو في إحدى اللحظات طفل! بمعنى الكلمة. مشاغب يريد أن يعاكس أي قيد يصفد حياته وانطلاقته في العالم البوهيمي الذي يريد أن يعيش فيه إلى ما لا نهاية. وهو يعيش حقاً في عالمه الخاص الذي لا يمكن أن يدعي إنسان آخر أن صنعه له أو نصحه بالعيش فيه. وحين يبدأ الآخرون التأنق للخروج من منازلهم لقضاء السهرات والأمسيات كيفما اشتهوا، يفضل وردي أن يستمتع بنومة عميقة قد لا يستيقظ منها قبل الثانية أو الثالثة فجراً. وحين يستيقظ لا يتذكر إن كان قد تناول عشاءه قبل نومه، وهل تغدى أصلاً، بل يعمد مباشرة إلى العود. أحياناً يعكف على تلحين أغنية جديدة. وأحياناً أخرى يراجع أغنياته القديمة – حسب المزاج – فيُعمل فيها تعديلاً وإضافةً وحذفاً. وأذكر أنه تعب في تلحين قصيدة بعينها لشاعر من المقيمين في لندن، إلى درجة أننا صرنا ندندن بها أكثر منه، بل كان معجباً بها وراضياً عن لحنها إلى درجة أنه كان يقطع الحديث معنا ليتناول العود ليتغنى بها، حين يأتيه صوت عمه عبد الخالق حسن وردي من المطبخ يترنم بالأغنية نفسها. والغريب أن وردي قرر فجأة التخلي عن الأغنية ولحنها لأنه استثقل تصرفاً من شاعرها ذات ليلة! ولا أعتقد أن لها وجوداً الآن سوى في ذاكرة وردي وعمه وفي أحد شرائط الكاسيت التي سجلتها له يترنم بها في يوم شتوي ممطر في وسط لندن.
وفيما ارتبطت صورة وردي في بعض الأذهان بالعنجهية والغرور، فإن الحقيقة غير ذلك تماماً. فقد ألفيت عنده طيبة سريرة ودماثة خلق لا يتوفران إلا عند سوداني أصيل مثل وردي. أذكر أنني نهضت ذات مرة أثناء جلوسي معه في صالون شقته مستأذناً لأني على موعد مسبق. فسألني: موعد مع من؟ فأجبته بأنني ذاهب لزيارة صديقي الشاعر الكبير حسين عثمان منصور الذي توفي إلى رحمة مولاه في يناير 1997. شرح لي وردي أن مجلة "الصباح الجديد" التي أصدرها المرحوم حسين في عام 1956، تخصصت في انتقاده منذ سطوع نجمه الفني في عام 1957. وكانت انتقاداتها اللاذعة له تؤلمه، لأنها بنظره لم تكن منصفة. كما أنه لم يكن له آنذاك أساس راسخ من المعارف والأصدقاء في الخرطوم. ومع أن مرور تلك السنوات لم يُنسِه ذلك الألم والضيق، إلا أنه فاجأني بموافقته على طلبي أن يرافقني لنزور الأستاذ حسين، ولم يكن بينهما أي لقاء منذ منتصف ستينات القرن العشرينّ، خصوصاً بعدما أغلق نظام الفريق إبراهيم عبود مجلة "الصباح الجديد" واستوعب حسين ضابطاً للأغنيات في الإذاعة السودانية.
اتصلت بالأستاذ حسين وأخبرته بأني أصطحب معي زائراً سيكون مفاجأة له بكل المقاييس. ووجدناه عندما دخلنا عليه، وكان قد تجاوز السادسة والستين من عمره، في كامل أناقته التي اعتادها في صباه وكهولته. لم يصدق أن وردي في داره. بكى الشاعر الصحافي الكبير تأثراً من تناسي وردي تلك الخصومات والتلفيقات الصحافية. وقال وردي لحسين إنه بقدر ما تألم من تلك الانتقادات، كان يعزِّي نفسه بأن يبدع أكثر ويتقن فنه الغنائي بشكل أجود حتى يكون فوق مستوى تلك الملاحظات. والأستاذ حسين من الشخصيات التي ينبغي ألا تُنسى، فقد كان صحافياً موهوباً ومغامراً ومبتكراً. وكان شاعراً غنائياً واكب فترة تبلور الغناء الوتري الحديث منذ الأربعينات وحتى سنوات الستين. وله أغنيات حسان يترنم بهن حسن عطية (هبي يا سعاد)، وعبد العزيز محمد داود (أجراس المعبد)، وسيد خليفة (ليل وكأس وشفاه)، ونظم عدداً من أغنيات المطرب الراحل محمد حسنين. اشهرها ( قمرى وقمرية) وقدم أثناء فترة عمله ضابطاً للأغاني في إذاعة أم درمان عدداً من البرامج الغنائية التي لا يزال المخضرمون يذكرونها، وتستمتع بها أجيال من المستمعين الذين أتوا بعدهم حتى يومنا هذا الذي فينا.
ولمحمد وردي سن مكسورة، أو "مشرومة" كما نقول في عاميتنا. لكنه نجح من خلال علاقاته الواسعة في الحصول على جزء من سن صنع له خصيصاً ليغطي ذلك الكسر. وكان في الشقق التي أقام فيها في لندن ينزع ذلك الجزء ويجلس بسنه الطبيعية "المشرومة" فتظهر براءته وطفولته، خصوصاً حين يضحك، رغم أنه آنذاك كان قد تجاوز عامه الـ 60. و حتى ذلك الوقت- وأظنه بقي كذلك حتى رحيله الفاجع- كان متلافاً، سخياً، وشديد الحرص على قِرَى ضيوفه. ولم يكن يهمُّه المال بحد ذاته، ليكتنزه أو يستثمره في شيء، بل كان همه أن يعيش به في أيسر حال في يومه، ولا يهمه ما قد يأتي به غده. كما كان حريصاً على تكتم ما قد يؤلمه من تغير أحوال أو ضيق في الأرزاق، وهي نازلات اشتدت عليه إبان سنين منفاه الاختياري بين عدن (1983)، ولندن (1994-1997)، وكاليفورنيا (1999-2005)؛ إذ لم تكن تلك الحواضر معاقلَ تَعُجُّ بعشاق فنه، ولم يكن سهلاً تنظيم حفلات يمكن أن تدر عليه دخلاً لتغطية نفقاته العائلية الكبيرة. وعلى رغم ذلك ظل يرفض في إباء إقامة جلسات خاصة في أي مقابل مالي. وكنت أشعر بسعادة لا تدانيها سعادة وأنا برفقته حين يوافق على زيارة أسرة أو شخص في لندن وضواحيها، لأنه عندئذ سيتغنى على مزاجه، وغالباً يكون في هذه الحالات سخياً بأداء أمهات أغنياته اللاتي قد لا يتسنى سماعها في حفلاته بسبب عدم وجود فرص كافية وعازفين أكفاء للتدرب على عزفها مسبقاً
. وأذكر من ذلك السخاء الفني واقعتين، فقد طلب مني الأخ الدكتور نزار محمد عبده غانم أن يزور وردي في منزله، وكان الفقيد قد انتقل آنذاك من وسط لندن إلي منطقة ريدبيردج شرق العاصمة البريطانية، ليكون بالقرب من قريبه محمد إدريس أوندي وعائلته، وكانت ترافقنا طبيبة يمنية شابة من مواليد أم درمان، لكنها عادت مع ذويها إلى اليمن. وجدنا وردي برفقة نجله الثالث الدكتور عبد الحليم حافظ. وكانت سهرة لم ولن تتكرر قط، تغنى فيها وردي برائعتي إسماعيل حسن "بعد ايه"، و"لو بهمسة". وتغنى أيضا بعدد من أغنياته القصار مع حافظ الذي كان يعزف على العود، فيما كان وردي يعزف على الطمبور. أما الحادثة الثانية فقد كان من شهودها الأخوين عبد الحفيظ وأزهري نور الهدى في مدينة أكسفورد، إذ تلقى وردي دعوة إلى هناك من أحد أكبر شعراء جمايكا ويدعى Sid، وكان قد التقى وردي مصادفة في أحد قطارات الأنفاق (المترو) اللندنية، ومن دون سابق معرفة اتجه إليه وسأله إن كان هو الـ master musician الذي ظل – كما قال- يراه في الحلم قرابة 30 عاماً يصدح بموسيقى لم يسمعها طوال حياته. واستدعاني وردي من مكتبي في مقر صحيفة "الحياة" يومذاك للمساعدة في ترجمة ما يقوله ذلك الشخص "العجيب". وانتهت الحكاية بأن قال "سِدْ" إن تحقق حلمه بلقاء من سماه master musician يؤكد له اعتقاده وصدق أبحاثه بأن أهله في منطقة جزر البحر الكاريبي ليسوا في الواقع عبيداً استقدمهم البيض لفلاحة مزراعهم، وإنما هم نوبيون هاجروا من النوبة السودانية القديمة أثناء سنوات بناء أهرامات الجيزة التي سخرهم الفراعنة لبنائها بكل ما تحمل كلمتا السخرة والعبودية من معانٍ.
في منزل "سِدْ" في أكسفورد تجلت عظمة وردي في الأنس والحكي، وتجلت عظمته أيضاً في الغناء، إذ اختار أن يستهل السهرة-الجلسة برائعة صلاح أحمد إبراهيم "الطير المهاجر". وكان هو أول من بكوا في تلك الليلة، وكلما سالت دموعه علا صوته، وبلغ مراقٍ لا يعرف توصيفها سوى دارسي الموسيقى. وطبعاً كانت دموع الشفيف أزهري نور الهدى الأكثر غزارة ليلتها. وعرفت عمق صداقة وردي بزملائه المطربين خلال تلك الفترة، إذ جمعت بيننا لقاءات مع الفنان عبد الكريم الكابلي والفنان كمال إبراهيم سليمان (ترباس). وكانت تلك السهرات مسارح لسرد ذكريات من الصداقة النبيلة، والزمالة الصادقة، والعلاقات الأسرية الراسخة. وأعتقد أن تلك اللقاءات اللندنية كانت تمثل فرصاً للتلاقي أكثر مما كانت عليه الحال في الخرطوم، بسبب شواغل الحفلات والارتباطات والتمارين الموسيقية. وقد طرب وردي أيما طرب حين تغنى ترباس بأغنية حسن عطية "إنت حياتي"، ولما انتقل إلى رائعة أبو علي "لو انت نسيت" – على توقيع الموسيقار العواد الفذ بشير عباس- وجد وردي نفسه "شيالاً" لترباس، في ثنائية عفوية مفعمة بالخبرة.
وكنت قد جمعت بين العملاقين كابلي ووردي في حفلة صغيرة أقمتها في أحد فنادق منطقة أوسترلي (غرب لندن) في شتاء 1994، للاحتفاء بقدوم المولود يس معاوية يس. وكانت ليلة لن تغيب قط عن ذاكرة الذين حضروها من أحبابنا اللندنيين، ذابت فيها الفوارق بين رجال حزب الأمة والاتحاديين، وبين الشيوعيين والمستقلين، وبين الجنوبيين والشماليين. ومما أذكره ليلتذاك أننا بطريقتنا السودانية لم نلتزم بالمواعيد التي حددتها إدارة الفندق لانتهاء السهرة عند الواحدة صباحاً، فطلبنا تمديد الموعد إلى الثانية صباحاً، ولما حان الموعد الجديد، لم يكن وردي قد فرغ من وصلته الثانية، فاضطرت الإدارة إلى قطع التيار الكهربائي عن مكبرات الصوت، فما كان من وردي إلا أن انطلق يصدح بلا مكبر صوت، وتجلت قدراته الخرافية على إسماع الحضور في جميع أرجاء القاعة، وهي المقدرات التي حدثني أنه رآها عند أشياخه الكاشف وعبد الحميد يوسف وغيرهما من أساطين فن الغناء الوتري الحديث. ولم يكن وردي يبدو أكثر سعادة إلا حين يتهيأ له جو لتمرين القدرات القصوى لصوته.
أيضا من لقاءات الوفاء وطيب المعشر، أذكر أن الفنان الصومالي المخضرم أحمد ناجي التقاني في استوديوهات هيئة الإذاعة البريطانية في لندن، ولما عرف مني أن وردي مقيم في "اللندرة" (وهي التسمية التي ترد في أغنية تراثية يتغنى بها الكابلي: بلد اللندرة يا سيدى شقيتا/ والجرح المنوسر لحقت برّيتا/ سيد الساقية والسارية والحيطة/ سيد المهرة البتاتي بي قيدا) طلب أن أنظم له لقاء بوردي. وتم اللقاء وسط أجواء من العناق والدموع والقبلات. ولم يحضره سوى عبد الخالق حسن وردي وشخصي الضعيف. وبعد الذكريات السودانية-الصومالية، أمسك وردي بالعود وصدح بعدد من أغنياته الحسان، وكان أحمد ناجي الذي اشتهر بأداء أغنية "ما تخجلي" يبكي وهو ينصت إلى ذلك الصوت. ومن الطرائف أذكر أنني كنت أترجى وردي أن يخفض صوته حتى لا يبلغ عنا الجيران بتهمة الإزعاج، لكنه لم يأبه، وقال لي إن همه أن يمرّن صوته وليس أن يسمعنا! وحين قرر وردي فجأة أنه لا بد أن يغادر لندن إلى أسمرة في عام 1997، أصابني حزن شديد، وجزعت من الفراق. وبعد سفره، ما لبثت أن انتدبت نفسي في مهمة صحافية إلى العاصمة الأريترية للقائه. وبالفعل التقينا، وكنا نسهر كل ليلة ممتعين أنفسنا بدهشة موهبته وصوته الفريد وحكاياته التي لا تُمل. وكان من رفقاء تلك الليالي الأخ ياسر سعيد عرمان الذي كان آنذاك متحدثاً باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان في أريتريا.
وبعد؛ فقد كانت تلك جوانب ضئيلة جداً تأتت لي معرفتها في شخصية الفنان الشاعر والملحن والموزع الموسيقار محمد وردي. وقد أثمرت تلك اللقاءات الليلية والنهارية عن تسجيل مسيرته الغنائية بشكل توثيقي، نشرتُ شذراتٍ منها في مجلة "أوراق جديدة" التي تصدر في الخرطوم، وسينشر التوثيق مكتملاً في الجزء الثاني من كتابي "من تاريخ الغناء والموسيقى في السودان" الذي سيصدره مركز عبد الكريم ميرغني خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وإذ أكتب هذه الكلمة، أجد أن من الواجب عليّ أن أعبر عن الامتنان لوردي في موقفين مررت بهما، كان لوردي دورٌ كبير في إعانتي على تجاوزهما. فقد اتاني صوته من القاهرة في مستهل التسعينات ليشجعني على التماسك في المضي في عملي الصحافي، مؤكداً لي أنه لن يصدق ما افتراه عني أحد قادة المعارضة السودانية في إحدى صحف القاهرة. وكانت تلك الفرية قد أصابتني بصدمة وكرْب شديدين، إذ كان ذلك أول عهدي بمماحكات الساسة، وانتقامهم من الصحافيين الذين يرفضون الانقياد لهم. وقال لي على سبيل المؤاساة إنه صادف مواقف عدة مكن ذلك القبيل في مسيرته الفنية، لكنها قوّته ولم تضعفه. أما الموقف الثاني، فقد جئته ذات يوم في منزله في أقصى شرق لندن وكنت شاحباً ومهموماً من تأثير مشكلة عائلية أوشكت أن تهد بيتي. سريعاً غادر وردي غرفة الاستقبال ليدلف إلى غرفة نومه، وارتدى بدلته وعاد ليطلب مني أن يذهب معي إلى بيتي في أقصى الغرب اللندني ليشرف بنفسه على حل المشكلة بيني وأم أولادي. وكان حضوره مؤثراً وفاعلاً في إقناعنا بتجاوز خلافنا. وتجلت لي يومذاك عظمة وردي وإنسانيته وحبه للآخرين. وحسبت أن ذلك الموقف لو حدث لي مع شخص آخر فلربما اكتفى بإسداء النصح لي، أو لو تدخّل فلربما اكتفى بالتحدث هاتفياً إلى زوجتي. غير أن وردي حملته مروءته وأبوته وسودانيته الأصيلة أن يذهب بنفسه ليلتقي الطرفين ويحل المشكلة. ومما أذكره جيداً أن وردي على رغم حبه الشديد للحياة، كان يتبرم أحياناً من طول عمره في حين أن غالبية أصدقائه رحلوا إلى دار البقاء. وهو معنى أقرب لما أعرب عنه زهير ابن أبي سلمى القائل: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين عاماً لا أبا لـــك يسأم ومهما كان شأن زعمنا بسأم وردي من طول عمره، فهو من دون شك ظل محباً للحياة، مغنياً وملحناً حتى اللحظات الأخيرة من حياته، ولم يكن سأمه شبيهاً بما قاله لبيد بن ربيعة حين بلغ عامه الثمانين: ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس: كيف لبيد ؟
كنت معه ذات مرة، وطفق يسرد جوانب من ذكرياته مع عدد من السياسيين ونجوم المجتمع. وكان كلما تناول سيرة أحدهم ترحم عليه! فأبدى حزنه على غياب أولئك الأشخاص الذين كانوا يملأون حياته في السودان وخارجه صداقة وأخوّة ومودة ونجومية. كان رحيل وردي فاجعة لكل سوداني يعشق صوته وغناءه وموسيقاه، ولكل سوداني يدرك أن الفقيد قام منفرداً ومن دون جزاء ولا شكور بصياغة وتنفيذ منهج التربية الوطنية الذي لم تتنبه لوضعه الإدارات المتعاقبة على حكم البلاد منذ استقلالها، وذلك من خلال أناشيده (الاستقلال، يقظة شعب، إنني أؤمن بالشعب، حدق العيون، عرس الفداء، عرس السودان، وغيرها). ومن خلال مواقفه الرافضة لكل الديكتاتوريات، بما فيها نظام عمر البشير الذي لم يتلوث وردي بقاذوراته.
وبالطبع، فإن رحيله فاجعة كبرى بالنسبة لي ولوالدتي وشقيقي مدثر وبنتي عبير، فهو كان وسيظل في دواخلنا، معلَماً ومعلّماً ومُلهِماً، ومقياساً للذوق الغنائي السوداني، ومثالاً للشخصية السودانية الخالية من العُقد العنصرية والأحقاد، الباحثة عن المجد من خلال الموهبة والتنافس الشريف والنزاهة. وكان وردي نموذجاً للرجولة، ولصلة الرحم، ورفض التميع والانحلال. وقد دخل التاريخ من أبواب عدة، لجمال صوته، وموهبته الفذة في التلحين والأداء والنظم، وفي قدرته الفريدة على استلهام التراث الغنائي النوبي والسوداني، وانفراده بلقب المجدّد الأول في الغناء السوداني المعاصر. وحين ينبري متخصصون لدرس إنتاجه سيكتشفون جوانب كثر ترد بها هذا الموسيقي العبقري الذي لن يجود الزمان بمثله قط. رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جنانه. إنا لله وإنا إليه راجعون.
-------------------
الرئيسةالصورالمقالاتالأخبارالصوتياتالفيديومنتديات الراكوبة دليل المواقع السودانية أغاني سودانية
جديد المقالات محمد وردي هو ورد الشعب ولن يذبل أبداً أين أنت أيتها اللجان الشعبية؟ أعلان هامرسالة إلى اللواء مضروب دانيال كودي والعميد جردل مبارك كُتي !! تهنئة بالانتصارات الاخيرة ودعوة الشعب السودانى للوقوف خلف الجبهة الثورية المدراس القومية ..تعقيب على مقال بروفيسور هاشم الهادي الأنقاذى الذى عاد لثقافة العنف بعد ضياع حلم الجامعه العربيه! كرُولي نُوقُولي ...! مفاكرة مع د.عبداللطيف عن تحطيم الشيخ والامام جديد الأخبار حوار مع الناطق الرسمي للعدل والمساواة حول معارك جنوب كرد فان بين الجبهة الثورية المعارضة والحكومة السودانية الجبهة الثورية تعلن سيطرتها على حاميتين عسكريتين في كردفان..جوبا تجدد نفيها المشاركة في القتال ضد السودان شاهد صور لاحتراق الطائرة و لعبد الحليم المتعافي بعد نجاته جنوب السودان يقول احتياطيات النقد الاجنبي تكفي لمدة عام القـَمـَرُ الغائبُ ..في رثـــاء الفـــنان المـــبدع مـحمد عـــثمان وَرْدِي نظام البشير : لن نقبل غير العائد المجزي للسودان في مفاوضات النفط القادمةبعد الحديث عن استهدافهم..نظام البشير والسلفيون.. هل انتهى (شهر العسل)؟! في ديري وأم لباسة ..عندما تصبح (الحمير) وسيلة مواصلات (المعلمين)..!!! مصريون يسخرون من "الرئيس التوافقي" ويكيليكس ينشر 5 ملايين برقية سرية تكشف أسماء مخبرين للاستخبارات الأمريكية جديد الصوتيات مصطفى سيد أحمد - واقف براك - 1989 في آخر حفل له بالسودان مصطفى سيد أحمد - يا سر مكتوم - 1989 في آخر حفل له بالسودان مصطفى سيد أحمد - مريم الأخرى - 1989 في آخر حفل له بالسودان مصطفى سيد أحمد - المسافة - 1989 في آخر حفل له بالسودان صديق الكحلاوي - يا ليل أبقى لي شاهد صديق الكحلاوي - أذاني ذرف دمعي صديق الكحلاوي - شقي ومجنون صديق الكحلاوي - ريده زمان حوار صحفى مع الفنان مصطفى سيد أحمد لمناقشة تجربة ألبوم البت الحديقة 2 حوار صحفى مع الفنان مصطفى سيد أحمد لمناقشة تجربة ألبوم البت الحديقة 1 جديد الفيديو قرفنا قرفنا بك أستجير - قصيدة سودانية ينشدها شيخ سعودي حوار مع البشير مؤتمر صحفى حول مناصرة الشقيق المعتقل ابراهيم على قصة الأمريكية التي أسلمت بسبب رجل سوداني سوداني يخنق اماراتي ننصح الرئيس بترك الرقيص راب سوداني خطير .. عن فساد البشير الفيديو الذي يختصر مباراة اياب كلاسيكو كأس الملك رائعة الأُستاذ محمّد وردي يا وجهها
القائمة الرئيسة الرئيسة الصور صور من تاريخ السودان 1800-1956 كاريكاتير من ذاكرة الإنتخابات صور غريبة واعلانات ولوحات طريفة صور متنوعة وجوه سودانيةالمقالات السياسة الصحة والتكنولوجيا المكتبة السودانية ثقافة وآداب، وفنون مختارات مكتبة المقالات منوعاتالأخبار أخبار سياسية أخبار رياضية علوم، صحة، وتكنولوجيا ثقافة وفنون منوعات أخبار إقليمية المال والاقتصاد مختارات من ارشيف مكتبة الأخبارالصوتيات كبار الفنانين الشباب البنات قرآن كريم - تلاوة شيوخ سودانيون مجموعات وثنائياتالفيديو أشعار أغاني وموسيقى سودانية فيديو كليبات غربية مكتبة الكوميديا والطرائف مكتبة المنوعات ملفات سياسية منوعات الأغاني والموسيقى فيديوسجل الزوار القائمة البريدية راسلنا خريطة الموقع
جديد الصور القدس العربيالشفيع محمد صادق.الرأي العامالرأي العام
جديد الصوتيات مصطفى سيد أحمد - واقف براك - 1989 في آخر حفل له بالسودانمصطفى سيد أحمد - يا سر مكتوم - 1989 في آخر حفل له بالسودانمصطفى سيد أحمد - مريم الأخرى - 1989 في آخر حفل له بالسودانمصطفى سيد أحمد - المسافة - 1989 في آخر حفل له بالسودانصديق الكحلاوي - يا ليل أبقى لي شاهد
تغذيات RSS الصور المقالات الأخبار الصوتيات الفيديو الأخبار أخبار إقليمية القـَمـَرُ الغائبُ ..في رثـــاء الفـــنان المـــبدع مـحمد عـــثمان وَرْدِي القـَمـَرُ الغائبُ ..في رثـــاء الفـــنان المـــبدع مـحمد عـــثمان وَرْدِي شعر الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف 02-28-2012 07:25 AM القـَمـَرُ الغائبُ
في رثـــاء الفـــنان المـــبدع
مـحمد عـــثمان وَرْدِي
شعر الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف
يـا نـُورَ عَـيْن ِالمبدعـينَ
ويا رُؤَى الزَّمن ِالجميلْ
يـا مَنْ قَهَرْتَ المستحيلْ
ها قَدْ رَحَلْتَ وَلـَمْ يَحـِنْ وَقْـتْ الرحيلْ
الـنيـلُ يَـبْـكي والـسَّـواقي والـنـَّخـيــلْ
والأُمـةُ الـولـْهـَى بِـفــَنـَّــكَ في ذُهولْ
قـَدْ كُـنْتَ فـارسَها النــَّبيلْ
وكـنتَ حـاديها الأَصيــلْ
جـَدَّدْتَ في وِجـْدانـِها عَبـَقَ الفُصـولْ
أَبْــدعْــتَ فــنـاً لا يَــــزُولْ
يـَرْويـه جـيلٌ إِثـْــرَ جــيـلْ
مِـنْ عُـمْق ِأَعـماق ِالـوَطـَنْ
دُرَراً تــَنـَامـَتْ في شـَـجـَنْ
إِيــقاعـُها روحُ الـــوطـــنْ
أوْتــارُها فَــرحُ الــوطــنْ
أحـلامُـها حُــلـْـمُ الــوَطـنْ
بِجــَـلالِـها الــطـُّنْـبُورُ رَنْ
رُغـَـم الـمــهـاجـِرِ والمـنافي والــمِـحَـنْ
ما حُـدْتَ عـَنْ قـِمَم ِ النـَّضال ِوَلـَمْ تَــلـِنْ
بـَلْ كــنتَ أكبرَ مـِنْ أراجـِيفِ الـوَهـــَنْ
صـَوتـاً تـَمـدَّد فــوقَ هـَــاماتِ الــزَّمـَنْ
بـــأريج نـَـــفـْس ٍشـاعريـَّة
يـَرْوِي الأَنــاشيد الشـَجِـيـَّةَ
لِــربـيع ِأمَّـــتِـك الــفـــَتــِيـَّة
لِهـَوَى الــصـَّبايا الحـَالماتِ
مــع النـَّسـَيماتِ الــنـَّـدِيـَّــة
****
مـــاذا نــقــولُ وقَـــدْ قـَــضَى الــرحمنُ أَمْــرا
قــد كــُـنْــتَ في أَيــامِــنــا نـَـغـَـمـا ًوفِـــكْـــرا
ونــَــشــَرتَ في أَفــراحــِنــَا وَرْداً وعـــِطـْـرا
أَشْــرَقـْــتَ في لـَيْــلاتِــنــا الــظـَّـلــمـَاءِ بـَـدْرا
قـَد كـُنْت للأحرار نـَصـِرْا
كـَمْ كـنتَ للـسودانِ فـخرْا
ولـَسوْفَ تبْـقى في ضمــيرِ الــشعـبِ ذِكْــرى
****
وداعـاً أيـُّها الــنـَغمُ الــجـِمـيـلْ
هــا قَــدْ رَحَلـْتَ وَلـَمْ يَـــحـِنْ وقــتُ الــرَّحيلْ
عبدالواحد عبدالله يوسف
البحرين في 25 فبراير 2012 --------------
وردي يا اْبن بلدي .. كيف تبكيك العيون ؟
اْضحية سرير توتو - القاهرة [email protected]
اْنني اْعلم تماماً باْني قد تاْخرت كثيراً في اْداء واجب العزاء عبر مقالة تعبر عن مدي حزني للفنان الراحل , نسبة لوجدي خارج البلاد , ولكن تؤدي الواجب متاْخراً خيراً من اْلا تؤديه نهائياً , هكذا تعلمت في قريتي كرنقو عبدالله باْقليم جبال النوبة, اْما الواجب الذي ينبغي اْن اؤديه فهو للراحل المقيم الفنان الكبير الفنان المبدع , الفنان الثوري , فنان الشعب الاْول ( محمد عثمان وردي )ولاْسرته الكريمة الصبر والسلوان . حقيقةً لقد صدمني رحيله المفاجئ الذي شل تفكيري , لذلك لم اْستطيع كتابة اْي رثاء اْو نعي اْليم في ذلك اليوم الاْسود الذي رحل فيه فنان اْفريقيا الاْول . وردي عانة معانة كل السودانين من نظام المجرم عمر البشير واْخوانه البلهاء . وردي وقف مع ثوار قوات التجمع في الجبهة الشرقية , غني لهم اْغاني حماسية ثورية , خفف عن اْلامهم بالاْغاني العاطفية , تبرع لهم من حر ماله لعلاج مصابي قوات الجيش الشعبي وقوات التجمع , كانت له صولات وجولات مع الحركة الشعبية , كان محبوباً جداً لدي الراحل المقيم د جون قرنق, بل كان صديقاً شخصياً له ولكل الجنوبين .
ساْلت اْحدي الجنوبيات بالقاهرة تدعي نيبول سايمون طالبة بجامعة الزقازيق بمصر, عن الراحل وردي وكيف تلقت الخبر المشؤم وماهي شعورها نحو الفقيد ؟ قالت بلغة اْهل جوبا : اْنها مصدومة جداً من رحيله , لاْنه فنان وطني بجد وثوري وعاطفي , ومن النادر اْن تجد فناناً الاْن يستطيع اْن يجمع بين الغناء الثوري والغناء العاطفي العميق العذب , فما اْن تستمع الي اْغاني وردي العاطفية اْو الثورية , تشعر باْن تياراً منعشاً يجذبك ويشدك اليه , لا تملك اْزاءه اي مقاومة , فتترك نفسك مطمئناً واثقاً مستمتعاً باْغانيه العذبة حتي ينتهي , وختمت قولها بهذا الكلام الجميل : اْنه هو العملاق الراحل اْبن بلدي السودان محمد وردي , والله لا نعرف كيف نبكيه .
وردي لم يبحث عن مغنم شخصي اْو يهتم باْجندة خاصة اْو قضية فرعية طوال حياته , ولم يطبل للنظام القائم الاْن بعد رجوعه الي السودان , مثل كثيراً من فنانين اليوم , فقط كانت اْجندته وغنائه وقضيته هو السودان الكبير شماله وجنوبه , كان يخاطب وجدان كل السودانين بمختلف لهجاتهم و إنتمائتهم العرقية , كان مغرماً جداً باْسعاد الاْخرين , هكذا هو الكبير الفقيد اْبن بلدي وردي , علي راْي اْختنا نيبول سايمون , مات وردي الفنان مرهف القلوب وترك الساحة الغنائية خالية للذين يغنون للعربية والركشة والجلابية والمكواة وراجل المرة والمؤخرة , مات الفنان الكبير رمز الوطنية وملهم الشعب , إن لله وإن إليه راجعون .
لم اْكن اْعرف الفقيد وردي علي المستوي الشخصي , ولم يكن لي الشرف اْن اْلتقيه وجهاً لوجه , او حتي اْراه علي الطبيعة , رغم اْنني من المعجبين جداً بغنائه وفنه الاْصلي , اْلا اْنني في الوقت ذاته عرفته معرفة حقيقية من خلال كلماته واْغانيه الثورية والعاطفية والوطنية التي كان يطربنا بها ويشد من اْزرنا في اْنِ واحد . وردي رحل عن عالمنا إلي عالم الواقع المحتوم , لكن اْعماله ستظل باقية خالدة في قلوبنا , من منا لا يردد ولا يدندن في سره اْو علانيته ساعة الضيق والشدة , يا شعبٌ لهبة ثوريتك.. الخ .. , اْو من لا يقول لحبيبته اْو اْمه , اْو اْخته يا نور العين .. الخ.. , اْنني من خلال هذا المقال اْقترح , اْولاً: اْطلاق قناة فضائية اْو ذاعية باْسم الفقيد وردي , تعرض فيه اْعماله فقط , وتذهب عائد اْعلانات القناة الي مساعدة النازحين من القتال في جبال النوبة ودارفور والنيل الاْزرق ومنكوبي (سد مروي) الذين قذف بهم النظام في الصحراء . ثانياً: بناء تمثال عملاق له ينصب في اْكبر ميدان بالخرطوم , ويطلق علي هذا الميدان اْسم (ميدان وردي) , واْن لله واْن اْليه راجعون .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي نور مشع في السماء وتحت التراب Updated On Feb 28th, 2012
بقلم ناصر محمد صالح إبراهيم
عندما اغتالت الأيادي الإسرائيلية بالتعاون مع قوى الاستكبار الإمبريالي الشهيد جذوة القضية الفلسطينية خليل الوزير( أبو جهاد) حزن الناس كثيراً وكتبوا كثيراً عنه لكن أحد الكتاب لا أذكر أسمه الآن كتب قائلاَ بعد أن عدد مآثر أبو جهاد بأن الحزن عليه سيكون أعمق عندما ينتصر الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة ويسترجع وطنه المنهوب في تلك اللحظة المفرحة عندما يتغني رفقاء النضال وكل فئات الشعب الفلسطيني بأغانيه الثورية طرباً وفرحاً بالانتصار وفي تلك اللحظة يكون مكانك أبو جهاد شاغراً بين تلك الجموع ويكون الحزن عليك وإحساس فقدك أكبر وأعمق من أن يتم تحمله. هذه المقالة شدت انتباهي لأن الفقد حقيقة في لحظات الفرح والتجلي وحتى في لحظات الحزن العميق يكون أعمق وأوضح إحساساً هذا الإحساس عشته وغمرني بشدة أبان الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخامس لحزبنا الشيوعي السوداني اللحظة التي دلفت فيها إلى قاعة الصداقة فرحاً بانعقاد المؤتمر في هذه المرحلة الحالكة من تاريخ شعبنا عنوة واقتداراً وليس منحة ممن اغتصب السلطة وحياة وأيام عمرنا التي دثرت في هذا العهد. في تلك اللحظة وانأ أدخل القاعة بين جموع الزملاء وضيوفنا الذين شرفونا بحضورهم بكيت بشدة ورأيت قدراً كبيراً من الزملاء والمناضلين الذين وهبوا حياتهم من أجل رفعة هذا البلد وإيماناً بالطريق الذي اختاروه في طريق النضال والحياة كل يبكي بناحيته أنا بكيت بشدة لأنني في استعراضي للحضور لم أجد محمد صالح إبراهيم والذي لا أقول عنه سوي (أن من يشاهد ويقابل محمد صالح إبراهيم طوال حياته مات ميتة ناقصة) وأيضاً لم أجد أبنه عصام محمد صالح إبراهيم وهو كسلفه عظيماً مثله وبذرة أصيلة من والده محمد صالح إبراهيم ( فمن شابه أباه ما ظلم)وكذلك لم أر في الحضور أحمد كوبيل الذي قدم لوطنه السودان كثيراً ولوطنه الصغير (الشجرة ذلك الصرح العملاق) المركز الصحي الذي كان هو رمانة العقد الفريد الذي قام بتشييده ويكفي عن أحمد كوبيل أنه أطلق عليه الزميل من الله عبد الوهاب (أيقونة الشعب السوداني). في تلك اللحظة تذكرت تلك المقالة التي كتبت سنة 1988 بعد اغتيال أبو جهاد وأمنت أكثر بان الحزن والفقد لمن تحب يظهر أكثر وينجلي وضوحاً في لحظات الفرح لأنهم بنضالهم دقوا أسس هذا الانتصار وربنا يجعلنا ماشين في السكة نمد وإن نكون مثلهم نجلب النور للآتين من شم المراحل (بعض من أبيات الشاعر المعجون بحب الوطن والناس حميد)
فيا وردي :-
أنا شخصياً معروف في مراحل حياتي بأنك فناني الأول وهذا اعتبره فخراً كبيرا فعندما احزن اغني لوردي وعندما افرح أغني لوردي وعندما أثور أغني لوردي وعندما أحب أغني لوردي مما يعني إني في كل حركاتي وسكناتي أغني لوردي . حقيقة لا أستطيع إن أعبر عما بداخلي من هول الصدمة فقدك ياوردي ، فالسودان أكيد بعد فقدانه لجزء عزيز منه وهو الجنوب الحبيب فقد جزء عزيز أيضاً وهو وردي رابط وجسر المحبة بين كل الشعوب العربية والأفريقية ومصدر فخر وإجلال كبير للسودان.
لكنني متأكد في لحظة التخلص من هذا الكابوس الجاثم على صدرنا نحن أبناء السودان وأرضه وهو هذا الحكم الكئيب الذي سلب أمننا واطمئنائنا وعمرنا في تلك اللحظة الخالدة الآتية قريباً جداً كما أري وليس كما يتوهم أصحاب النظام بأنه خالد إلي قيام الساعة سوف نحس بفقد وردي عميقاً أكثر مما إن نتحمله وسوف نتذكر جميعنا تلك الليلة الخالدة التي عطر سماءها وردي بأناشيده الثورية يوم 26/4/1985م بجامعة الخرطوم الميدان الشرقي في احتفال اتحاد الجامعة بثورة ابريل سوف نبكي ونبكي ولكننا سنغنى شعبك أقوي واكبر مما كان العدو يتصور(يا بلادي) .
فدم يا وردي خالداً فينا وإن يتقبلك الله قبولاً حسناً بملايين دعواتنا
--------------- وردي ...ستظل نسمة ربيعٍ ينتظره نخل الشمال
د. محمد بدوي مصطفى [email protected]
(أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان "باق") ... كلمات قالها قبل أن يرحل، علّهُ كان على بيّنة ويقينٍ أن الشعب لم يستسلم للتشاؤم كل الاستسلام ولم ينغمس في يأسه الذي طال كل الانغماس، بل تعلّقت روحه ببصيص الأمل الباقي له وهو أن يكون الأمر غير ما قدّر والظن غير ما أساء ... وتمنى وردي قبل رحيله لهذا الشعب لو يستطيع أن يبدد هذه السحابة القاتمة التي ألقت عصاها على قلبه وبنت بيتاً وخيمة. نعم تمنى لشعبه البطل الباسق كنخيل الشمال الضارب بجذوره في أرض الحضارة والرقيّ أن يسترد بعض ما كان من الصفاء والتفاؤل الذي عُرفَ بهما واللذان أفنى هو روحه كمطرب ليبقيا نسمة ربيع مزهر ينشده الوجدان ويترجاه نخل الشمال ليغدو معها مدًّا وجزراً. وهذا النخل الباسق بكى عليه بالدمع الهطال وسال حزن أمواجه على جريدها المسدول مدرارا، كما سال طوفانا في نفوس الخلائق الي خرجت من كلّ فج عميق لتشيع رمزا وطنيا دون سابق وابنا أحبّ الوطن فاحبّهُ وأخلص لهُ فرفعه حتى صار مطرب افريقيا الأول ولكنه في الأول والآخر مَلَكَ القلوب بسحر نغمه؛ رطانة أم بعربية مبينة امتلك نواصيها. رغم لحظة الأسى هذه ربما نجد السلوى في أبيات سمعناها وعرفناها من حنجرته الذهبية لتخفف وطأة المستحيل الذي أردناه وهو أن يبقى: (لو بإيدي كنت زللت المحال - والأماني الدايرة في دنياي ما كانت محال- دي الإرادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل - دي الإرادة والمقدر ما بنجيب ليه بديل.) هاهوذا النغم الذي انساب منه ليملكُ النفس حين يداعبها فتذوب له المشاعر عندما يناغمها. أن هذا العملاق ترك بصماته وسطرها بحبر من نور وبمداد النيون اللؤلؤي فلن تختفي من مرافئ الفن السوداني أبدا. للموسيقار وردي علاماته التي تميزه كمبدع، له دون أدنى شك نصيب وافر في الحراك الموسيقويّ الخلاق منذ الخمسينيات وعلى مراحل تطور الاغنية السودانية، وهاهيذا مكتبة خالدة تبقى نبراسا فنيا وذخيرة ابداعيه لكل الاجيال القادمة ينبغي علينا الوقوف على حفظها وتوثيقها وهذا نداء لأهل العلم والرأي بالبلاد. لن أنسى تلك اللحظة التي آثر لي فيها الشاعر تجاني الحاج موسى أنه لقي الفنان محمد وردي على باب الإذاعة فتبادلا التحية بكل حبّ واحترام وعقب المرحوم وردي قائلا للشاعر: - ألا تريد أن تدخل التاريخ يا تجاني؟ قالها وكأنه يقول للشاعر الفذ تجاني، لم تهدني قصيدة منك بعد! نعم رغم اعتزازه بنفسه ورغم ما كان يقال عنه من عنجهية وترفع فإنه دخل تاريخ السودان الحديث من أوسع أبوابه. إن هذا المعلم ضرب بعرض الحائط تلك النظرة التقليدية البشعة تجاه أهل الفن والنغم لأن المجتمع كان قد عرِف ممارسة الغناء آنذاك فقط عند العبيد والإماء؛ لكن هذا الرأي لم يبطر في كفاحه شيئا فلم يعبأ محمد وردي بمقام المغنى ال######## وأطلق عنان طموحاته لارتياد آفاق الطرب والإبداع مغامرا بروحه وشرف قبيلته. وردي من أوائل من عبّدوا الطريق كأنموذج حي لاحتراف المغنى، فغنى للوطن وللنضال والجمال والحرية والقيم السامية وسطر بصوته تاريخا يجعلنا نقف أمامه احتراما وإجلالا، فكانت المدرسة المتفردة في النغم الأصيل، مدرسة الفنان محمد وردي الموسيقية والتي ندعو العاملين بوزارة الثقافة ليسموا معهد الموسيقى العالي باسمها: كلية الفنان محمد وردي للموسيقى. ويكون هذا ختام المسك وبداية العمل الدؤوب في الحفاظ والتوثيق لما عرفناه عنه وما جهلناه فيه ومنه. ليس ذاك بكثير على قامته؛ إذ أنه توّج بنياشين لا تضاهي عظمته وجلال ابداعه ابدا حيث منحته جامعة الخرطوم الدكتوراه الفخرية في عام2005 تقديرا لمسيرة فنية خرافية ناهزت الستة عقود ولبوتقة فنية ثرّة تحمل في طياتها أكثر من ثلاثمائة عمل فني. وكل ذلك يعتبر فعل اسطوري خالد، كما توّج هذا الموسيقار الراحل بالعديد من الجوائز العالمية منها على سبيل المثال جائزة "المطرب المغني بلسان شعب" بالمجر كما ونال عام 1974 م جائزة "بابلو نيرودا" العالمية للأغنية الوطنية ونالها (حين خط المجد في الارض دروبا - عزم ترهاقا وايمان العروبة - عربا نحن حملناها ونوبة). كيف لا يتوج وهو الذي قال: (ابدا ماهنت يا سوداننا يوما علينا - بالذي أصبح شمسا في يدينا - وغناء عاطر تعدو به الريح فتختال الهوينى - يا بلادي - وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي - والذي شد وثاقا لوثاق - والذي بعثرنا في كل وادي). نعم بعثرنا في كل واد وسلوا التاريخ فهو خير عالم. دعونا نتذكر رحيله في بقاءه معنا لأن ذكراه حين تتجدد تنبسط اسارير القلب فتضفى على وجداننا عالم من احلام الجمال ولأن التذكر للقلب كالحفر في باطن الأرض يفجر الماء فياضا غزيرا. -----------------
في رثاء وردي ....هل تدري الأهرامات أن قريباً لها مات؟؟؟؟؟؟!!!
محمد عثمان محمد – مستشار قانوني – الرياض السعودية [email protected]
لما طارت من الغربة حمامة سافرت طااارت و حامت فوق سما الوطن الليهو قامة إستغربت مالو الوطن عابس مكشر يا ترى ما الخبر ضاع للوطن إ بتسامه وجدت الحزن الخرافي صار غمامة الغمامة ظللت كل شعبنا و صار حزانى الكنار الكان مغرد للوطن أضناهو مرضو و الأنين صبح هنااااك شامخ دفين !!! ************************ الغصون الكانت تفرهد و تزدهر ما لها الليلة جافي المصابيح اللي كانت تولع دارنا مالها طافي النسيمة اللي كانت تدغدغ أرواحنا مالها اتوقفت و أبكت قوافي الخيوط الكان بتنسج تتوج راسنا مالها إتقطعت , ناحت طواقي في حياتنا بتفاصيلها الدقيقة دخل غناهو بين فراقنا و التلاقي **************
فوق اعلام بلدي وراياتهاالترفرف فوق تراب بلدي و نخيلها و نيلها الخالد وردي بفنه الرفيع يشدو و يعزف ليصحاريها و دروبها ليقفارها و ليسهولها و ليضفافا وردي فيها و من نسيجها وفنو شامخ بعفافا آآآآآآناس وطني كلو الليله مالو حزنو غلبو دموعو هطلو فقد صبرو شرد نومو لهيب الحزن حرق جوفو أطفالو أولادو بناتو رجالو حريمو إتنادوا و نادوا و صاحوا: اللييييله وردي الليله مات إتساءلواو إتحاوروا و اتجادلوا هل تعرف الأهرامات ؟؟ أن قريباً لها مات؟؟؟!!! ****************** الحزن إتأصل فينا و في مآقينا يااناس هووي يا زول هووي يا نيل هووي كلكم من جم أبكوا مع الوطن وردي شعرنا فتر غنانا ذفر دموعنا جرن و كل زول في بكانو حرن فتش ليأخيو قلد ما هو الليله إتبشتن ليه يا ترى ليه ؟؟ بدل وردي جانا النايح يبكي و يصيح في زولاً وردياً رايح زولاً كل الناس من جم تب ما زيو بس وطنو و التاريخ والنيل في خلودهم هم زيو
(إنا لله وإنا إليه راجعون ) محمد عثمان محمد – مستشار قانوني – الرياض السعودية
-------------------
الحـــزن القـديــم Monday, February 20th, 2012 شعر: عمر الطيب الدوش
غناء: محمد وردي
ولا الحزن القديم ..
إنتِ
ولا لون الفرح…
إنتِ
ولا الشوق المشيتْ بيهو..
وغلبْنى أقيف…
وما بِنْتِ
ولا التذكار ولا كُنْتِ
بتطْلَعِى إنتِ من غابات
ومن وديان…
ومنى أنا..
ومِن صحْيَة جروف النيل
مع الموجَهْ الصباحيَّه..
ومن شهقَة زهور عطشانَهْ
فوق أحزانهْا..
متْكَّيهْ..
بتَطْلَعى إنتِ من صوت طِفلَهْ
وسط اللمَّهْ منْسيَّهْ
تَجينى..
معاكْ يجينى زمن..
أمتِّع نفسى بالدهشَهْ
طبول بتْدُق
وساحات لى فرح نَوّر
وجمّل للحُزن..ممْشى
وتمشي معاي..
خُطانا الإلفَهْ والوحشَهْ..
وتمشى معاي… وتْرُوحى..
وتمشى معاي وسط روحى
ولا البلْقاهو بِعْرِفنى…
ولا بعرِف معاكْ ..روحى
وردي.. تشــفير المضـامـين Monday, February 20th, 2012 جعفر نصر
أن من سر الخلود للعمل الإبداعي، ولمبدعه، القدرة على النفاذ واستحقاقه جواز المرور عبر حقب زمنية تجري فيها متغيرات بفعل الزمان والمكان من المتلقين للإبداع.
على زمن نصف قرن، وتعدد وإنتقال مراحل العمر وقدرات التلقي والتفاعل ابتدأت عندي (قسم بي محيك البدري) عبر إذاعة ركن السودان في الستينيات في ملامح الأختيار بتلك الصرامة المقدسة من الحب والعاطفة الجياشة لاستدعاء الحبيب، فرسخت عندي فكرة الاختيار للمبدع من باطن درر الحقيبة ، بفكرة الجدية والدراسة. وبالاستماع ترسخت من خلال المنتج و انطبعت عندي لو بهمسة أو ببسمة أو بنظرة صورة لقيمة الحواس، كأدوات تلقي تمارس و ظيفتها في استنطاق تلك العاطفة لإنسانية النبيلة (الحب) وسجلت دلالات السياق في زمنها من تجربة المبدع.
وشعت الطير المهاجر بالتجسيم الفخيم في التعبير عن العاطفة الجياشة في فضاء زماني ومكاني يتمثل موضوع الارتباط في الأرض بالحب على مستوياته الذاتية والوجودية والكلية..
وتحمل شذرات الألم فيه أفقا لمستقبل عدنا نراه الآن في كائن الآثار السالبة للهجرة، كنت أحسه في تلك المرحلة من عمري وتبينت ما كان، من مؤشر “الإحساس” عبر اللحن في واقع تدرج حتى يومي الذي أدركت فيه ذلك بالقراءة.
الود.. مؤشر طموح المبدع، وتأكيد لرغبة المتلقي في الاندماج، نحو أفق ممكن ومتسع لنا جميعاً، في حملنا له في وصف الشاعر الأول وفي تمديده في فضاء اللحن الذي وسعته مقدرتنا على التفاعل بل الاسترخاء والاسترجاع للتجربة الفردية والجماعية مع الآخرين.
شعراء تغنى لهم. كان المدهش في (نور العين) تلك الرمزية البراقة، والناس تتوق من أبناء وبنات الشعب لاستعادة الطرب أو الفرحة عبر أغنية (تطلق السراح). وانطلق الأداء الجماعي والفرح الجياش وصارت في ذالك الزمن من السبعينات ملحمة الخروج لكل الناس فغنت برمزبتها في الشعب حين أطلقها وردي عليه رحمة الله. بعد خروجه من المعتقل في أيام ظالمات. وازدهرت صفاتها كلحن عاطف فريد سابق لدخوله المعتقل.
الحزن القديم، يا شعباً لهبك ثوريتك، بلى وانجلى، تشفير لمضامين.. آمل أن (نفككها) جميعاً لنمنحها جواز المرور عبر حقب زمنية تجري فيها متغيرات بفعل الزمن والمكان حتى لحظة وداعنا الأخير للمبدع الموسيقي محمد وردي.
--------------------
مااااات رجل القضية …..وملهم الإبداع Updated On Feb 25th, 2012
بقلم: أبو طارق
ومضات في سبعينات القرن الماضي ..خلقت لي مساحة مع الهرم الذي ترك من ورائه إرثا مفعماً بالإبداع ،فوردي على ناصية المعاملات الفكرية يرتقي ولا يخبو يعلو بهامات الرجال رافعاً معاييرالانتقال عند محطات النشاط الحزبي ..فهو عبارة عن موسوعة في الأخذ والعطاء فهو دولاب نتناول منه معينات التشاور ونتخذ منه عنواناً جديداً بأخذ منا قدرا من الاحترام واعترافاً كاملا برؤيته ..التي تأتي بالجديد وكأنها معزوفة من روائعه التي سكنت في خواطرنا لنجعل منها مرجعية كاملة للعواطف المثقلة بجراحات الزمن في زمان يكذب على الحب ويحرمنا التناول ، عرفته ناشطاً متفهماً لواجباته فهو حراك من نوعٍ نادر يجعلك دائما في دائرة الاندهاش ليس لعلو كعبه بقدر ما هو موهبة متفردة تغرد أجنحتها وتسافر في دواخلنا بقبضة من الإعجاب لمداركه التي تفوق موقع الإحساس وتتمازج على أريحيه خصبة ملؤها النجاح في كل خطوة تشير إليها ، عرفت الراحل محمد عثمان وردي داخل أروقة الحزب في سبعينات القرن الماضي يسرع الخطى وينفذ الوعد لا يتقاعد ولا يتقاعس ينتفض حين النفرة الجماعية ويخوض غمار الأحداث ويخط من ثقافته كتاباً جاذباً فيه كل نقاط الانطلاق كي لا تسقط المسيرة ،هكذا كان وردي بيننا كالطود يتعاضد مع الجماعة ويرفع صوت الإسهام ويحلق في سماء النشاط كأنه عصفور أخترق كل ألوان الابداع وحط على هذا البلد الذي أنجبه في زمان قليل التكوين… كان وردي بيننا في تلك الحقبة معدناً نادراً لا يمكن قياسه فهو من نوع يفوح سحره بتلك الأصالة القادمة من الشمال بعطر نستجمع منه خلود الفكر المعطاء، وان رحل فهو باقي بيننا بتلك الذكريات المفعمة بالأصالة لمغزي نشاط الحزب في تلك الفترة ذات النشاط المتسع.
إنني حزين تماماً لأن عنصر الإبداع الذي يتفاعل قد سقط في آخر الزمان . عنصر الأزمان الذي شكل فينا عشق التراب وانحناء الشخوص على هامات الوطن بوفاء مطلق استقرأ منه النيل جزليات التوافق لمناهضة الاحتساب لكل طامع أراد إن يحبس نبل الأماني السندسية في وطن تربع وخاض ملامح العصيان لإستعمار كاد ان يعصف بالانتساب السوداني.
عرفته نموذجاً ولهانا بالتنادي حين قال ….اليوم نرفع راية استقلالنا ..
عرفته نقابياً يحمي عرين الأقوياء ويصون موقف الضعفاء شاخصاً أشجانه ومهدماً صوامع الجبناء الذين باعوا قضية الوطن الكبير في زمان تنوء عنه مواقف الجهل في كثير من الأحيان.
وردي معالم جاءت من نوافذ التطريب الصادق وباتت خلوداً لا يتوه في صفحات التاريخ …أنه صوت لا ينحني لرجال يبحثون عن إذلال الآخرين. مات وردي وانكفأت ملهمات الارتقاء والإمساك على جمر القضية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
آهـ ... يا محمد .. بقلم: صدقي كبلو الثلاثاء, 28 شباط/فبراير 2012 10:33 Share
(1) يكتب الجميع عنك يا محمد الفنان، المبدع، في الغناء الوطني والعاطفي، فنان أفريقيا والسودان، الإمبراطور والفرعون، وأشهد أنهم محقون فيما ذهبوا إليه، بل ان هناك الكثير الذي لم يكتب! ولكني يا محمد منذ دخولي منزل ندى بنتي مساء السبت وقد قدمت لتوي من محاضرة عن العلمانية، كنت أعرف أنك ستحضرها لو كنت معنا وتدلو فيها بدلوك، وبعد أن أدرت تلفزيون السودان وسمعت نبأ رحيلك، الذي لم أتفاجأ به فقد كنت اتابع حالتك الصحية على البعد، لم أبك يا محمد، فمثلك لا يحزن عليه بالدموع، أنتابني صمت رهيب، وقد ساعد أنني كنت وحدي، فظللت أتذكر تفاصيل كثيرة، تأتي لي أغاني، لم أسمعها من سنين "يا سلام منك إنت آه يا سلام" و "حرمت الحب والريدة" ثم فجأة أسمعك أنت تغني "أرحل" والجميع يصمتون، هل تذكر يا محمد عنما لقيتك عام 1977، وأنت خارج من بنك الشعب التعاوني وأنا داخل للقاء صديقنا كامل عكاشة؟ قلت لك يومها "يا محمد هناك شخص أظنه يحبك أكثر مننا كلنا، كان لا قبل حركة أو حديث عندما تغني ونحن بالمعتقل" ، فاجأتني بأن قلت لي "أعرف لقد حدثني كل من التقيت، عم قاسم سأزوره يا صدقي في منزله مساء اليوم". نعم يا محمد كان قاسم أمين، رغم بعده عن السودان لسنين يحبك حبا كثيرا ويسمعك بطريقة سماع حسن الطاهر زروق لأم كلثوم! (2) تذكرت لحظتها يوم أوقفت عربتك الشفروليه الطويلة التي كنت كلما ألقاك أسخر منها وأنا أقطع طريق كاترينا قصاد حديقة القرشي، ومددت رأسك تشتمني وتقول لي "كنت بفتكرك صاحبي طلعت أي كلام!" وأندهشت قلت ليك "خير مالك"، فقلت لي "تتزوج وما تعزمني، يا أخي كان ممكن أغني ليك مجانا كمان" فقلت لك "ما هو عشان كدة ما عزمتك، يعني إنت حتغني لكل أصحابك مجانا، حتعيش كيف؟"، قلت لي "دخلك أيه إنت؟ يا أخي أنا حر أختار أغني لمنو مجانا، وبعدين عرفت إنو العرس كان في القطينة قبل يوم من حفلة لي في كوستي، يعني كنا نقيف في الطريق نغني لك ونمشي، لكنك فقر" فقاطعت مازحا "خلاص العرسة الجاية" وضحكنا ولم أكن حينها أتخيل أن ذلك سيحدث فعلا! (3) ذهبت تلك الليلة لدار الفنانين لألقاك لأحدثك أنني قررت الزواج مرة أخرى، فوجدت الصديق المشترك الموسيقار الراحل علي ميرغني، وبعد سلام ومطايبة سألته عنك فقال إنك ستأتي بعد قليل، فسألني هل أريدك في حفلة فحكيت له ما دار منذ 4 أعوام قرب حديقة القرشي، فسألني عن المواعيد ونظر في مفكرة يحملها وقال لي "نحن ما شغالين اليوم داك" وجثت أنت وتعانقنا وقلت لي "يا أخي والله أنا حزين لقصة طلاقك، لكن أفتكر السبب الأساسي إني ما غنيت في عرسك" وضحكنا ثلاثتنا وقلت ليك طوالي "خلاص المرة دي تعال غني في عرسي" فقلت متين وسألت علي يشوف المواعيد، فقال علي ما شغالين، فقلت لي "أنا جاي وتشوف الموسيقيين وأجورهم مع علي" فقال علي "يا محمد مين من الموسيقيين حيآخذ أجرة من صدقي" فرديت بعزم "مش نحن البنقرر صحي عندو أصحاب فيهم لكن في ناس ما بعرفوه شاورهم " وأتفقنا. (4) نعم إنتسمت يا محمد ليلة رحيلك وأنا أتذكر ليلة زواجي، وكيف وقفت أقدمك قائلا "ليس من العادة أن يقدم العريس الفنان، ولكن عندما يكون الفنان محمد وردي فكل التقاليد والعادات لن تممنعني من تقديمه" وغنيت يا محمد ورقصنا وسهرنا وكان الساحر حسن عبد الماجد يملأ الليل بضحكاته، وكان عبدالعزيز عصفور هناك بالأوكرديون. إبتسمت يا محمد وأنا أتذكر وأنت تحمل أحمد إبني وتداعب بنتي ندى في جامعة مانشستر حيث كنت ترتاح بين فاصلين وأنت تقول لهم "أنا غنيت في عرس أمكم غنى ما غنيتو في حياتي" وظلت ندى فخورة بذلك. ولكني يا محمد لم أتعلم درسي فلم أعزمك لعرس ندى فقلت لي بالتلفون "يا أخي إنت ما ليك حق تفوت علي فرصة أقول فيها غنيت في عرس البت وفي عرس أمها"! ويبدو أنك شكيتني لنقد لأنو قال لي ليلة مهرجان مؤتمر الحزب بعدنا أن جئنا لتحيتك بعد نهاية فاصلك في العربية "ليه ما عزمت وردي لعرس بتك؟" فلم يكن لي جواب أقوله! (5) التلفون يرن، وكنت قد دخلت للتو من العمل، ومثل تلك التلفونات لا أحبها! رفعت التلفون وقلت في جفاء "نعم!" فسمعت الصوت الذي لا يغباني فصحت "محمد وردي! من وين ظهرت" فجاءني صوتك دافئا حنونا مرحا تحكي لي أنك جثت فحدثوك عن ندوتي عن الديمقراطية التي فاتتك، وحدثتني حديثا طيبا وأنك منذ حوش الطوارئ كنت تتنبأ لي بمستقبل سياسي كبير، وحكيت لك كيف كنا في سيرتك بالأمس ونحن نسمع في العربة شريط قديم وكيف تغالطنا حول أيهما أجمل غناؤك القديم أو تجيلاتك الجديدة، فسألتني ماذا كان رأيك فقلت "يا محمد أنا بحب غناك القديم ذي ما هو بدون تعديل" فأتهمتني بالرجعية وضحكنا! (6) بمناسبة حوش الطوارئ وسجن كوبر أتذكر يا محمد كيف تعارفنا؟ لقد حدث ذلك في عنبر إثنين في السرايا عندما قدمني لكما أنت وحسن عبدالماجد فاروق كدودة قائلا "يا محمد دة ولد كويس من أولادنا" فقلت إنت "يعني أيه كويس يا فاروق وما كلهم هنا كويسين!" وضحكنا ومددت يدي لديوان المتنبي الذي كان بجانبك، فسألتني "بتعرف المتنبي؟" فقلت ليك "وبحبه" فقلت لي ماذا تحفظ له؟ فبدأت أقرأ لك مالي أكتم حبا قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم إن كان يجمعنا حب لغرته فليت انا بقدر الحب نقتسم! فسمعتني باهتمام وقلت لي أن ميمية المتنبي هذه من أجمل شعره! وأصبحنا أصدقاء! ثم نقلنا لحوش الطوارئ وكان هناك محجوب شريف وتوطدت العلاقات ولكنك كنت تطلب مني ألا أغني ولآ اشيل معك لأني مختل الإيقاع وكنت أضحك وأقول أنني أغني لنفسي وأنت تغني للناس، فقلت لي ما فيش فنان ممكن يغني للناس لو ما أطرب نفسه لكن إنت حتطرب نفسك فقط! وضحكنا! (7) كنت في ليدز حينها عندما أتصلت بي قائلا أن دكتور عزالدين نصحك بالحديث معي قبل أن تقرر في شأن بقائك في إنجلترا، وشرحت لك القيود التي ستواجهك وأنك ستكون غير قادر على الحركة خارج إنجلترا حتى يتخذ قرار حول طلب لجوءك وكان ردك مفعم لم أجد أمامه حجة "ضريبة الوطن" وصبرت حتى جاءك اللجوء ولكنك غادرت ولم تعد مرة أخرى إلا عابرا للولايات المتحدة. (8) هناك ليلة يا محمد لا أنساها ولا أظن أن من حضرها معنا سينساها، ليلة زواج أحمد سيدأحمد بمانشستر، وبعد حفلة جميلة، ذهبنا لمنزلتك عند أخونا عبدالله التوم وكان حيدر حسب الرسول وآخرون وليلتها عرفت جانبا من وردي لم أعرفه رغم طول معرفتنا: تحدثت لنا عن الفن والفنانين: عن إبراهيم عوض وعن عثمان حسين وقلت أن عثمان فنان وموسيقي عظيم وعن فنانين آخرين ولأول مرة أسمعك تغني للآخرين، كان مزاجك رائقا. وتحدثنا في السياسة والفكر وعن قرامشي ولينين وقولك ليلتها "أنك أحيانا تفكر أن قرامشي أعظم من لينين". (9) محادثتنا في يوليو عام 2007 كأنما حدثت بالأمس وأنت تحكي حقيقة قصة غنائك بحضور البشير وعبد الرحيم، وعضوية لجنة استقبال قرنق وغضبك لرد فعل بعض الرفاق وتحديك لهم أنك عضو حزب ولم يحقق معك أحد ولم يفصلك أحد وأن للحزب لائحته للمحاسبة. وقد نقلت ما قلته لي للرفاق! لم تكن عضويتك للحزب تنفي عنك قوميتك أو استقلالك كفنان ومبدع وستظل فنان الشعب دائما. (10) تأتي إلي كثيرا، قبل رحيلك، في ذكرى أكتوبر وفي الأيام العادية، تسكنني، لا أدري هل لأن شاعرها محجوب شريف ألفها ونحن نمارس رياضة الشي حول حوش الطوارئ، أم لأنك لحنتها في تلك الظروف العصيبة، أم لأنها أصبحت أحد أناشيد المعتقلات التي ترددت عليها كثيرا بعدك: أكتوبر ديناميتنا أكتوبر ديناميتنا ساعة الصفر ركيزة بيتنا لون الشارع طعم الشارع قبضة سيفنا وطول الفارع ودائما أستشهد بمقطعها : شعبنا يمكن يمهل يوم مش على طول وما حيطول أهي الخرطوم صاحية تصحي مل بتنوم تغلي هموم تغلي نجوم وكل حقيقة الشعب إرادة الشعب ما بتهدر ومنها ننتهي ونبدأ آهـ... آهـ ... يا محمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
فى حكاياتنا وردى(
محمد وردي وإعادة اختراع لغة الحياة اليومية
بقلم: د. عبد الله جلاب ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة:
قدَّم الأخ الصديق د. عبد الله جلاب (الأستاذ بجامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية) هذه الورقة عن الفنان محمد وردي لمؤتمر الدراسات السودانية (والذي تعقده سنوياً جمعية الدراسات السودانية بأمريكا) في عام 2001م، وأنا شاكر له أن خصَّني بترجمة ورقته، ولتكرمه بمناقشتي في أجزاء منها. وأشكر كذلك الأستاذ عبد المنعم خليفة لقراءة ومراجعة المقال. اسجل هنا تحفظي على قليل جداً مما جاء في المقال من آراء تخص المؤلف في مواطن قليلة من النص. المترجم تنتج المجتمعات والثقافات والطبقات والحركات المختلفة دوما أشخاصاً متفردين يساهمون – بدرجات متفاوتة- في التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي. إذ تنتج كل ثقافة أو مجتمع أو طبقة أنوعها المتفردة الخاصة بها، وتصوغها وتشكلها بحسب ديناميكياتها المعينة التي تميزها. وليس شرطا بالضرورة أن تأتي هذه الشخصيات المتفردة المتميزة مطابقة أو مماثلة لنظرة المجتمع أو نظمه المرعية. بل على العكس تماما، قد نجد في معظم تلك الشخصيات المتفردة المتميزة تناقضا ومفارقة – كاملة أو جزئية- لبعض أو كل ما استقر في المجتمع من نظم اجتماعية وسياسية أو تنظيمية. كان محمد وردي أحد أولئك الأشخاص المتفردين المميزين، والذي استحق بشخصيته القوية، وبإنتاجه الفني الإبداعي الغزير إعجاب الملايين، وأثار في أوساطهم في بعض الأحايين لغطا وجدالا، واختلافا كبيرا، بل ومعارضة حادة. تأسست هوية الرجل الذاتية كموسيقي، ومطرب، وناشط في الحياة السياسية والاجتماعية السودانية، على أساس متين من جملة ما تمخض عن نتائج مساهماته عبر مسيرة إبداعية خلاقة تواصلت لأكثر من نصف قرن. نحاول في هذه الورقة التأكيد على ثلاثة محاور تتعلق بالمواقف الاجتماعية وأنماط العمل التي ساهمت في تكوين هوية وردي. 1. في المحور الأول نجد أنه بجانب أنماط العمل تلك، وأدوات إنتاج الهوية السودانية، ظل وردي أحد القلائل الذين لعبوا دورا مزدوجا في نمط الإنتاج الاجتماعي: ذلك الدور الذي يمكن أن نسميه مجازا بدور البرجوازي، ودور البروليتاري في ذات الوقت. انتقد بعض الناس وردي عندما قال متفاخرا في معرض الحديث عن غزارة إنتاجه بأنه «ينافس نفسه». هنا يبدو الرجل وكأنه يماثل البرجوازي في المجتمع الحديث الذي كتب عنه أحد المفكرين بأنه « نجح في خلق وسائل عملاقة للإنتاج وتبادل الملكية، كصبي الساحر الذي لم يعد قادرا على لجم تلك القوى «الجهنمية» التي أيقظها بسحره من سباتها» لذا بدا وردي وكأنه في حالة مطاردة دائمة لا تهدأ للبحث عن «أسواق جديدة وزبائن جدد» من أجل فائض إنتاجه ذلك. في جانب آخر، هو كالبروليتاري في عالم تسوده علاقات إنتاج متخلفة، وتحولت فيه قوته المادية إلى أغلال تكبله. بيد أنه في خضم هذه الجدلية الملحمية على وسائل اختيارنا الاجتماعي أن تتحرر مؤقتا لنعيد اكتشاف لغتنا اليومية باستيلاد (أو استنساخ) كلمات جديدة، واستعادة الصور والأحلام التي نطمح لتحقيقها. يصح القول بأن كل شيء صلب يمكن أن يذوب. بيد أنه يصح أيضاً قول الكاتب باومان بأن «لا شيء يمكن أن ينجز مرة واحدة وبصورة نهائية؛ وإن كل ما يحدث، يحدث دون إعلان مسبق، وقد يذهب كذلك دون أن يلحظه أحد». من خلال هذه اللغة التي أعيد اكتشافها يقوم سائقو اللواري في السودان باستعارة بعض الكلمات من أغاني محمد وردي لوصف علاقات حب مختلفة جدا، فتغدو المركبة هي «الحنينة السكرة»، وتصبح هي التي يستعطفها ذلك السائق (المحب) لتعبر له عن شعورها «لو بي همسة». وهنا أيضا يسكن المحبون الشباب في فيض تلك اللغة الدافئة، والتي تترجم العواطف الجديدة التي تلمع في أعين محبوبة خجولة وضعها المجتمع في المقعد الخلفي المخصص لجنسها (بحسب الترتيب الجندري المعتاد). ولكن ذلك العاشق يشجعها في ذات الوقت بأن تبوح بقوله «ما تخجلي». وعندما يأتي العزاء لقلب كسير—في موضع آخر—وكنوع من نكران الذات، تأتي العبارة «ضيعوك... ودروك... إنت ما بتعرف صليحك من عدوك». وعلى مستوى غير مشابه لتينك الحالتين تغدو جامعة الخرطوم «جميلة ومستحيلة»، وتصير جامعة القاهرة فرع الخرطوم هي «الحنينة السكرة»، في إشارة لشدة المنافسة في جامعة الخرطوم وصعوبة القبول بها، مقارنة مع السهولة النسبية التي عرفت عن الجامعة الأخرى. ولكن – وككل شيء آخر- فإن اللواري وسائقيها يشيخون، ويوهن الحديد والعظم منهم، وينبت جيل جديد من العشاق الصغار، والذين قد يظفرون (أو يخيبون) في «أول غرام» لهم، وقد تبرأ قلوبهم المحطمة (أو لا تبرأ)، ولكن الشيء المؤكد الوحيد هو أن غالبيتهم ينجحون في التخرج من الجامعتين. نهجر كلنا كلمات الأغنيات بعد حين، ليستعيرها جيل جديد من سائقي اللواري، والمحبين الصغار، والقلوب المحطمة، والذين يقومون بدورهم بإعارتها لجيل قادم، وهكذا دواليك. غير إنه، وكثيرا ما يصيبنا الشوق والحنين (والحماس أيضا) لذكري تلك الكلمات، فنسترجعها دون ملل، ونزور مشاهدها بخيالنا بين الحين والآخر. 2. المحور الثاني: هنالك جانب آخر للعوامل التي ساهمت في تشكيل هوية وردي، والتي يمكن أن تندرج في باب «تحديد هوية المجموعة»، والتي يمكن أن تقدم مثالا جيدا على موقع آخر لميلاد هوية جديدة. فقد قام العهد الاستعماري بخلق قاعدة جديدة لمؤسسات اقتصادية واجتماعية وثقافية للدولة الجديدة في السودان. ونمت وتطورت من خلال تلك المؤسسات العصرية الجديدة، هوية سودانية جديدة تقوم على مبدأ «الوطنية» (ويفترض فيها العلمانية). رغم ذلك فإن جوانب معينة من تجليات «العروبة» و»الإسلام» ظلت في موقع المركز من هذه المؤسسات، ومن فكرة «الدولة السودانية الحديثة». ارتبط أصل تلك الهوية (السودانية) بلهجة أهل الخرطوم (على مستوى التخاطب الشعبي)، وباللغة العربية الفصحية (على مستويات الخطاب الأعلى). وقد ظل ذلك النهج يحتقر غيره من اللغات واللهجات المحلية الأخرى. هذا وقد استبطن ذلك الاتجاه نمطا ثقافيا جمع ما بين الإسلام السني التقليدي، والإسلام الصوفي الشعبي السوداني، مع الاعتقاد في الحداثة، كمحرك ودافع لقيام وتطور تلك الهوية السودانية الجديدة. في ذات الوقت لم تكن هذه الهوية الجديدة نتاجا فقط لهذه التطورات الجديدة التي انبثقت من الأجواء الجديدة التي صاحبت قيام الدولة الجديدة، بل كانت نتاجا أيضا لعوامل كثيرة، من بينها التاريخ المشترك، والفخر والاعتزاز والتقدير للغة العربية وتراثها، ولروابط الدم والعلاقات العرقية للمجموعات الاجتماعية التي تؤمن إيمانا لا يتطرق إليه الشك في انتمائها القوي للجنس العربي القديم والحالي. تم استبدال التعبير القديم (أولاد البحر) الذي يرمز لهوية هؤلاء بكلمة «عرب». هذا وقد تمت قبل ذلك كتابة (وإعادة كتابة) «سلالات نسب» جديدة لإعادة تشكيل أنماط متسقة ومتناغمة من الأنساب، بعيدة عن «عبد الله جماع»، وأكثر قربا من مرامي «غردون» و»ونجت» و»سير جيمس روبرتسون» (يشكل هؤلاء ثلاثة من أهم الإداريين البريطانيين الذين عملوا بالسودان في الفترة من 1874– 1955م. المترجم) كي تناسب المصالح المتضاربة وتوجهات المستعمر والمستعمر (على حد سواء). شهدت تلك الفترة الممتدة منذ أن نال السودان استقلاله، انضمام فئات مجتمعية جديدة آتية من المناطق الريفية والقطاعات شبه المدنية في البلاد إلى المنظومة الاجتماعية الجديدة، عبر الفرص الجديدة التي أتاحها توسع التعليم العام، وتطور وسائل المواصلات والاتصالات. كانت من أهم تلك المجموعات: الشايقية، والذين هجروا «الطورية» و»العسكرية»، والنوبيون في شمال البلاد، والذين هجروا المعالق والشوك والسكاكين والصحون والمقالي، وتدافعوا نحو الظفر بمناصب حكومية تضمن للمرء هيبة وحظوة. كانت إحدى شواهد الصعود الاجتماعي للفئة الأولى هي وصول الفريق عبود لرئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عبر انقلاب 17 نوفمبر 1958م، مع ثلة من الشايقية الآخرين بشلوخهم المميزة من أمثال حسن بشير نصر، وأحمد خير، وأبورنات، إضافة بالطبع لعبود نفسه (وهو شايقي ولكن يخلو وجهه من الشلوخ). كان الشاهد على صعود نجم الفريق الثاني من «البرابرة» هو خليط السخرية والحب الذي أظهرته قطاعات واسعة في البلاد لبعض مظاهر الشخصية النوبية. ومن أفراد جيل النوبيين من القدماء الذين ملأوا الساحة السودانية وشغلوا أناسها كان إبراهيم أحمد، ومحمد نور الدين، ومحمد أحمد علي، وجمال محمد أحمد، ومحمد توفيق. كما أعاد الناس اكتشاف «خليل فرح» كأحد قادة مركبة الهوية السودانية. وسرت بين السودانيين النكات والقفشات النوبية الدالة على اعتقاد أولئك بقدر من التميز، منها أنه «إندنا (عندنا) حسن طنون نبي عموم السودان، ومحمد وردي فنان أموم (عموم) السودان». لقد فعل أفراد تلك الجماعات سنن هويتهم (الجديدة) وناقشوا أمر دخولهم للمجتمع السوداني العام عبر دهاليز «النظام السوداني» بوسائل تصالحية، (أو استرضائية) ووسائل غير تصالحية كذلك. آثر محمد وردي وإسماعيل حسن الخيار الثاني في البداية؛ إذ قام المغني النوبي الشاب (حينها) محمد وردي والشاعر الغنائي الشايقي (المغمور آنذاك) إسماعيل حسن بتوجيه سياط نقد لاذع لحقيبة الفن، والتي كان يعتقد بأنها أحد أهم ركائز هوية السودان الثقافية في ذلك الحين. بالطبع لم يكن ذلك النقد مجانيا كاسحا شاملا لا يفرق ، ولم يكن بقصد هدم المعبد القديم، أو فراقا أبديا له، ومن أجل تأسيس ثقافة وهوية جديدتين. رغم ذلك فقد كانت من أهم نتائج نقد ذلك التراث الفني القديم الممثل للهوية السودانية آنذاك هي إنبات أنواع جديدة من الرؤى الثقافية المعبرة عن روح عصرية، ترى في المحبوبة شريكا له صوت مسموع في العلاقة العاطفية. عبرت تلك الرؤية العصرية عن العلاقة بين الرجل والمرأة بصوت وروح جديدين. أتت تلك الروح العصرية كنتاج لثلاثة عوامل رئيسة هي: . نشوء وتطور حركة نسوية نشطة بدأت في تعريف وإظهار أجندتها النسوية (الهادفة للمساواة مع الرجل). ب. زيادة عدد أفراد النخبة الصفوية المتعلمة، والتي بدأت فيما بينها نقاشا واسعا حول مختلف جوانب الخطاب الوطني، و ج. ظهور مجموعات عرقية مهمشة، أظهرت تململا من عدم (أو قلة) تمثيلها في المجتمع، بل وحتى في إذاعة أم درمان (الإذاعة القومية). ولكن الصراع الذي ميز علاقة وردي مع إسماعيل حسن وتعاونهما الفني (وأدى إلى إنهاء تلك العلاقة وإيقاف التعاون الفني) قد يعود إلى تبني كل منهما خيارات سياسية مختلفة، وآراء فكرية متباينة، واستراتيجيات ثقافية متناقضة. فبينما اتجه وردي بكلياته نحو هويته السودانية الجديدة، وجماعاتها التقدمية من الشعراء الذين بمقدورهم التعبير عن رغبته الجامحة في غزارة الإنتاج، وفي إشباع طموحاته للتعبير عن أفكاره الجديدة، قنع إسماعيل حسن بالقيام بدور «شاعر شعبي شايقي». 3. المحور الثالث: من خلال عملية ممارسة وردي لدور بارز في الأوساط التقدمية، ومحاولته لخلق نمط جديد من الغناء يعيده لداره (إن صح التعبير) من منافيه الثقافية والسياسية، عثر ذلك الفنان على «حريته» كأحد قادة الثقافة المدنية السودانية، (في الأصل «الديانة المدنية السودانية» . المترجم). وبقبوله لهذا الدور آمن بأن لا توقف ولا رجعة بعد الآن. غنى وردي «: زمان قطر النضال ولى وغالي علي إتدلى». يجب تذكر أن لتلك الثقافة (الديانة) المدنية السودانية أعيادا تقتضي الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر (21/10/1964م) وانتفاضة إبريل 1985م، تجديدا للالتزام بتطلعات الشعب لحياة مدنية أفضل، ولتحقيق أحلام سياسية مثالية. ولتلك الثقافة (الديانة) المدنية السودانية «معابدها» (إن صح التعبير. المترجم)، ومن أهمها جامعة الخرطوم، حيث ولدت ثورة أكتوبر، وشهداؤها من أمثال أحمد القرشي طه، وبابكر عبد الحفيظ ، والتاية، وآخرين، ولها أيضا كتابها وشعراؤها وفنانوها من أمثال محمد المكي إبراهيم، وفضل الله محمد، وهاشم صديق، ومحجوب شريف، ومحمد الأمين، وعبد الكريم الكابلي؛ وبالطبع محمد وردي. تتضح الطبيعة المزدوجة لـ»الخيال السياسي السوداني» في أن له قوة محفزة، وجاذبية طاغية في طول البلاد وعرضها. وفي ذات الوقت به خوف وقلق من حكم الأنظمة العسكرية التي تنقض عقودها الاجتماعية والسياسية والدستورية. وفي مسيرة هذه الملحمة الطويلة، وهذا السياق الاستثنائي، فإن الحالة الإنسانية لشخصية مثل محمد وردي تسمو على كل تقسيمات وأنواع الحدود والقيود. قابلت محمد وردي للمرة الأولي وأنا تلميذ بمدرسة بارا الأولية. أخذني ابن محمد عبد الرحيم أبو كراب مع ثلة من أطفال آخرين بمركبته (اللوري) إلى الأبيض لحضور حفل غنائي كان سيغني فيه محمد وردي في سينما «عروس الرمال». وبعد مرور 11 عاما على ذلك الحفل، كان زميلي في إحدى غرف داخليات جامعة الخرطوم (بحر الجبل ب) علي عبد القيوم قد خطط لزيارة مفاجئة لمحمد وردي في داره بالامتداد. بعد تلك الزيارة صرت «زبونا» دائما لحلقة ضيقة من مجتمع ذاك الفنان. وعندما اعتقلت في عهد نميري، كان وردي قد دخل في عامه الثاني في سجن كوبر. في عصر اليوم الذي أدخلت فيه لسجن «الكرنتينة ج»، أرسل لي وردي خمسة صناديق سجائر وقلم رصاص صغير، وأوصى من حمل تلك الهدية بأن يشرح لي طريقة الكتابة في الطبقة الداخلية لصندوق السجائر. لسوء الحظ، داهمني الحراس في اليوم التالي، وأنا أحاول تطبيق ذلك الابتكار الكتابي؛ وكان أن عوقبت بالسجن الانفرادي على تلك «الجريمة». أفلح وردي في «إقناع» ضابط السجن بنقلي لمستشفى السجن، حيث كان يقيم وقتها مع زملاء آخرين. نعم كنت في السجن، بيد أن السجن مع وردي كان جائزة لا تقدر بثمن! نعم يا صديقي. بالنسبة لنا الآن «كل الأرض منفى». رغما عن ذلك: لن نتوقف عن البحث )وعند نهاية رحلة بحثنا سنعود إلى حيث بدأنا ونتعرف على مكاننا للمرة الأولى) تي إس إيليوت
-------------------
فى حكاياتنا وردى(
لي نيل بلادنا عزاء..
بقلم: عبد المنعم خليفة خوجلي (ألقيت هذه الكلمة في حفل التأبين المقام للراحل العزيز الفنان محمد وردي بالنادي الاجتماعي للجالية السودانية بمسقط مساء 25 فبراير 2012م). بقلوب عامرة بالإيمان بقضاء الله والرضاء بمشيئته الغالبة، نلتقي هذا المساء يظلنا الحزن الضرير، وتلسعنا لذعة فراق عزيزنا المغفور له بإذن الله، محمد عثمان وردي.. ونحن نتوسل إلى الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعل البركة في أبنائه، وأن يلهم أهله، وأصدقاءه، ومعجبيه، وأبناء شعب السودان، الصبر والسلوان. الأخ الحبيب الراحل العزيز محمد عثمان وردي.. يا سمارة يا سمرة.. يا واحة في الصحراء يا بشارة يا بكرة.. يا سحنة نوبية يا كلمة عربية يا وشمة زنجية.. يا نور العين.. يا سمح يا زين.. يا عجو المحس التقيل.. يا الربيع في عطرو دافي يا سيف مجوهر يا غضبة الهبباي.. يا قمح.. يا وعد .. يا تمني.. يا شرفة التاريخ يا راية منسوجة من شموخ النساء وكبرياء الرجال يا أعز الناس.. العمر زادت غلاوتو معاك الأخوات الكريمات والأخوة الكرام.. نلتقي هذا المساء الحزين في رحاب النادي الاجتماعي للجالية السودانية بمسقط ليواسي كل منا الآخر في فقد ابن من أبناء السودان البررة، من الذين قدموا له عطاء ثرا في ساحات التعليم والفن والعمل الوطني.. ونحن لا نهدف من لقائنا هذا إلى بث زفرات المراثي، وإطلاق نحيب المناحات، بل لنقول كلمات قليلة، نستعيد فيها النزر اليسير من مجد وردي الشامخ والرائع، نستمدها من إرثه الفني الباذخ الثراء.. وكم كنا تتمنى أن يكون لقاء هذا الجمع من أصدقاء ومعجبي، وعاشقي فن وردي، احتفاء به وهو يفي لمسقط بالزيارة الثانية التي ظللنا نتطلع إليها، والتي كان قد وعدنا بها، عندما أسعدنا بزيارته الأولى، التي أتاح لنا فيها فرصة الترحيب به في هذا النادي، والاحتفاء بعودته بالسلامة من الدوحة بعد العملية الجراحية. وأذكر هنا بتواضع، أنه كان لي شرف إدارة الحوار معه آنذاك، والذي أفاض فيه بحديثه الشجي عن فن الغناء، وعن الشعر والوطن والثورة. الأخ الحبيب الراحل العزيز محمد عثمان وردي.. لك التحية في عليائك.. أبناء شعبك يكنون لك الكثير من الحب.. وسوف يذكرون دوما بكل التقدير والعرفان إسهامك البارز والباقي في إثراء وجدان الوطن بحدائك العذب، وألحانك المموسقة البديعة، والدائمة التطور.. وغنائك المطرب الذي يفجر في نفوس أبناء وبنات السودان شلالات من الفرح العامر والتفاؤل والمسرة. إن كلماتك الزاهية المنتقاة التي صاغها أصدقاؤك الشعراء المجيدون: إسماعيل حسن، وإسحق الحلنقي، وصلاح أحمد إبراهيم، وصديق مدثر، والجيلي عبد المنعم، وأبو قطاطي، وكجراي، والتيجاني سعيد، وإبراهيم الرشيد، والسر دوليب، وغيرهم.. تنساب بكل الدفء والعذوبة إلى حنايا نفوس الشباب، وإلى سويداء أفئدتهم النابضة بعواطف الحب السامية، وتحملهم على أجنحتها إلى فضاءات حالمة بالمستقبل، وبالفأل والسعد والحريرة والضريرة.. تتراءى لهم فيها الحبيبة بتشتغل منديل حرير لحبيب بعيد.. ويصطلون بنار الهوى الوقادة والشوق والضنى، وحلاوة الأحلام وآمال الهنا.. ويقسمون بالريد والهوى الأول بأنهم راجعون، ولو زاد الجفا وطول.. ويتخوفون أن يصبحوا تائهين والغرام يصبح حكاية. هكذا صدحت بحنجرتك الندية معليا قيم الحب النبيلة .. وغزوت بألحانك الشجية قلوب المحبين (والما عندو محبة ما عندو الحبة). ولقد ظللت - أخي الحبيب - أنت والأنغام والعود في إيدك تحكي بالهمسة، وبالنشيد العذب؛ وتبوح للشمس البتقدل في مدارها. الأخ الحبيب الراحل العزيز محمد عثمان وردي سوف تبقى ذكراك دوماً نسمة عبقة يسري عبيرها في وجداننا، ووجدان الأجيال القادمة. وسوف نخلد سيرتك العامرة بأن نعمق في نفوس أبنائنا فضيلة حب الوطن، بالمستوى العالي من الحب الذي كنت تكنه أنت له. وسوف نرفع صوتنا هيبة وجبرة، ونحرص أن يكون نشيدنا عالي النبرة.. وسوف نغني لوطن نسيج الفدا هندامه، ونشيد الصبح كلامه. وسوف نطعم أبناءنا بمصل التفاؤل الذي يطغى دائماً على كلمات صديقك شاعر الشعب محجوب شريف.. ونجعلهم يثقون مثله ومثلك بأن أعلام الوطن – رغم المحن – سوف ترفرف على أجنحة الفجر، وأن شمس أعراسنا سوف تطلع من بين أكمام الوطن، وأننا سوف نبني البنحلم بيه يوماتي. ولقد عرفك أبناء شعبنا فناناً مبدعا، ووطنياً مخلصاً، وثورياً أصيلاً.. وعرفوا أنك تنتقي للتلحين من الشعر أجزله وأعذبه، وتعجم عيدان الشعراء الذين تتغنى بقصائدهم، فتختار من بينهم أفصحهم بياناً، وأكثرهم التزاماً بقيم الحق والخير والجمال، وأقدرهم على التعبير عن ضمير الشعب. فكان شدوك بقصائد أصدقائك: محمد المكي إبراهيم، ومحمد مفتاح الفيتوري، وسيد أحمد الحاردلو، وعلي عبد القيوم، وعبد الواحد عبد الله، ومحجوب شريف.. وكان أن ازدان الشعر الغنائي بمثل هذه الكلمات الثورية الرائعة التي صدحت بها، فأضاءت كمنارات مشرقة، مضيفة إلى ثراء التراث الأدبي والفني في بلادنا: أي المشارق لم نغازل شمسها ونميط عن زيف الغموض خمارها أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها أي الأناشيد السماويات لم نشدد لأعراس الجديد بشاشة أوتارها أو هذه الأبيات عن جيل العطاء: من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر من غيرنا ليغير التاريخ والقيم الجديدة والسير من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة جيل العطاء المستجيش ضراوة ومقاومة المستميت على المبادئ مؤمنا المشرئب إلى النجوم لينتقي صدر السماء لشعبنا وجعلتنا نثق بأن شعبنا الهمام سوف يتسامى ويفج الدنيا ويطلع من زحاما زي بدر التمام كما أن اسم أكتوبر الذي صدحت به، والذي خلدتماه أنت وصديقك شاعر (أمتي)، سوف ينمو في ضمير شعبنا إيماناً وبشرا.. وسوف نتسلح به.. ولن نرجع شبرا.. وسندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعاً وخضرة. ولأن سوداننا لم يهن يوماً علينا- ولن يهون - فسنلتقي مع النور، كما تنبأ صديقك الفيتوري، عندما يصبح الصبح، ويستحيل الحزن الذي كحل هاتيك المآقي إلى فرحة نابعة من كل قلب. وكم تمنيت أيها الراحل العزيز للبلا أن ينجلي، وتغنيت بانخلاع ترباس السجن تحت انفجار الزلزلة، وبانعتاق الشعب من أسره. الأخوات الكريمات والأخوة الكرام لقد ارتبط غناء وردي عبر العقود الماضية ارتباطاً لا ينفصم بقضايا التقدم، والتطلع لصنع المستقبل الزاهر للسودان.. فعندما كان وردي يغني للوطن والثورة، عبر نبراته القوية والصادقة، كان في الواقع يؤسس سجلاً لثوراتنا وأيامنا الخالدات.. في كرري التي تحدث عن رجال كالأسود الضارية، وفي مستشفى النهر، حيث استشهد في مدفعه عبد الفضيل ، وفي أكتوبر.. وفي أبريل.. حتى أصبحت تلك الثورات في مخيلة شعبنا وذاكرته تحمل حقاً وصدقاً نكهة وردي وبصمته وإيقونته. كان وردي دوماً يتوق لأن يرى السودان شامخاً، ترفرف فوقه رايات الوحدة والحرية والديمقراطية.. ولا نزال نذكر حديثه في هذا النادي الذي أعلن فيه عن استعداداهم، هو وزملاؤه، لإرسال قافلة فنية كبيرة إلى بور.. تعزز من لحمة الوطن، وتؤسس جسوراً شعبية لوحدته.. وكان ذلك تحت مناخات التفاؤل التي سادت إثر اتفاقية السلام الشامل. الأخوات الكريمات والأخوة الأعزاء باسمكم جميعاً نتوجه بالعزاء والمواساة لأسرة الراحل العزيز، ولأقاربه بمسقط ، وللأصدقاء النوبيين على امتداد الوطن وفي بلدان المهجر.. والعزاء لكم أنتم جميعاً أيها الإخوة، ولكل أبناء الوطن، حيث أن وردي كان رمزاً من رموز السودان، وأحد أبنائه المبدعين الأوفياء الذين يعتز بهم، لما قدم من عطاء زاخر ومتواصل امتد لأكثر من نصف قرن. وختاماً نتقدم بالعزاء لي نيل بلادنا.. وشباب بلادنا.. ونخيل بلادنا.. وسلام على وردي في الخالدين
-----------------
فى حكاياتنا وردى وردي
بقلم د. صلاح برهان وردي يا درة صواردة وكم أدمنت قلوب وكم أبكيت عيون لماذا رحلت عنا يا آخر النبلاء والأصفياء والأنقياء لماذا جفوتنا فجاة وبعد أن ملك قلوبنا حبك وحب من يحبك؟! لقد كان ولازال وسيظل وردي علامة فارقة في خارطة الغناء السوداني، فمنذ بزوغ نجمة تفرد بصوت حنين ولحن طروب أبكى العشاق وأبكى المحرومين من العشق على السواء.. كل سعد بليلاه وهو يستمع لوردي وآخرون بكوا ليلاهم آه ياوردي يا صداح الأمة وقيثارتها ونورها وطسنها ونيلها وخضرتها وجمالها حتى الطيور تتمايل طربا وهي تستمتع إليك؛ لأنك كنت تطرب الانسان والطير والشجر وحتى الحجر. آه يا أستاذ الحلنقي لقد غادر أجمل عصافيرك دنيانا الفانية. اتذكر يوم قلت لك ذلك في سر أدق الزاء كأني بك كنت تتنبأ باكرا برحيل وردي عندما كتبت عصافير الخريف، فقد رحل العصفور وهيج فينا أحاسيس غلبنا نتحملها.. وردي غنى للوطن، فكان غناؤه بقامة الوطن غنى لنوفمبر إعجابا بتجربة عبدالناصر الثورية في مصر، ولما غدرت نوفمبر بأهلنا في حلفا الغريقة خرج عليها بسيقة وضخ دماء ثورية ساخنة في شرايين اكتوبر حتى أصبح الصبح على الوطن، وعندما جاءت مايو غنى لشعاراتها وحكاياتها التي آمن بها، وعندما انتكست انقلب عليها بثورته وشجاعته المعهودة فكانت (لافارسنا ولاحارسنا ولاك بيتنا ومدارسنا).. وتحمل في ذلك أهوال السجون والتعذيب والتجويع وعظمة واقتدار لم يعرف الناس عظمة النوبة وتاريخهم إلا من خلال بعانخي وترهاقا ومحمد وردي آه ياوردي نحن محظوظون لأنناعشنا في زمانك الآن بعد رحيلك نحس بألم بل نحس بأننا بلا وطن، لقد أبكيتنا في حياتك ولها بك، وأبكيتنا يوم مماتك حزنا عليك، سنظل نذرف دموعنا عليك ما حيينا، فالحب لاهو الحب الأول وأنت كنت ذلك وفي فراقك أقول ياجرح القلب النازف يانزف الجرح الغادر يادمع العين الجارف يادمعا دماسائل ياموت يافوت يفوتيانوح ياصبرالصبرياجمبر الموت مصير محتوم والقلب حزين مكلوم يا وردي رحيلك مر وفراقك صبره أمر لستم وحدكم يا أم عبدالوهاب وعبدالوهاب وصباح وجوليا فالفقد فقد أمة
الاحداث
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وداعاً صاحب "أصبح الصبح" بقلم: حامد إبراهيم حامد الأربعاء, 29 شباط/فبراير 2012 11:08 Share بقلم/حامد إبراهيم حامد-كاتب سوداني بجريدة الراية القطرية
انشغل الشعب السوداني شماله وجنوبه طوال الأسبوع الماضي بوفاة أيقونة فن الغناء السوداني وفنان إفريقيا الأول الأستاذ محمد وردي الذي كان خبر وفاته فاجعة للجميع سودانيين وأفارفة وربّما عربًا ولذلك أقاموا سرداق العزاء في كل مكان اجتمع فيه اثنان من السودانيين، الكل يُعزّي نفسه قبل أن يُعزّي الآخرين، فحتى الإنقاذيون اعتبروه فقيدًا لهم وتقدّموا الصفوف في جنازته التي شاركت فيها المرأة لأول مرّة كسابقة في تاريخ السودان الحديث ومردّ ذلك أن وردي ليس شخصًا عاديًّا وفقده ليس مثل أي فقدٍ وانما هو رمز السودان الغنائي.
فالسودانيون معروفون بالوله بالرموز في كل كان، فهم منقسمون ما بين الهلال والمريخ كرويا، ولذلك يُحبّون أمدرمان العاصمة الوطنية التي تحتضن الناديين، وهم أيضًا يُحبّون جامعة الخرطوم باعتبارها سرحًا تعليميًّا ولا يتذكّرون من المدارس العليا إلا وادي سيدنا وحنتوب وخورطقت التي محتها سياسات الإنقاذ من الوجود، ولكنهم مع ذلك يُجمعون على حب الفنان محمد وردي كفنان للشعب ورمز ثوراته.
فقد تغنّى الراحل للحرية فكان "أصبح الصبح" القصيدة التي اشتهر بها وردي منذ عهد الستينيات ولا يتذكّر ذوّاقها شاعرها الفحل رغم أنه علم في رأسه نار ألا وهو شاعر إفريقيا الأول عربيًّا محمد مفتاح الفيتوري وتغنّى للوطن وأكتوبر فكان أكتوبر الأخضر للدبلوماسي المعروف محمد المكي إبراهيم وتغنّى أيضًا للاستقلال فكان اليوم الذي نرفع راية استقلالنا للدكتور عبدالواحد عبدالله وتغنّى للثورة فكانت أناشيد مايو قبل أن تنقلب عليه وينقلب هو عليها وتذوّقه أصناف العذاب بكرري وشالا وتغنّى أيضًا للانتفاضة فكانت بدل السجن مستشفى، لرفيقه في المعتقلات شاعر الشعب محجوب شريف في كوبر الذي خدع المسحول القذافي الشعب السوداني بأنه حطمه واستفاد أهل الإنقاذ من الخدعة وانشأوا بيوت الأشباح بدلاً عن كوبر فأذاقوا الناشطين من رفاق وأصدقاء وردي الويلات فيها.
فكان الراحل قبل أن يكون فنّانًا ثوريًّا يُغنّي للوطن والحرية كان فنّانًا للحب والجمال والغزل العفيف فتغنّى بأشعار إسماعيل حسن وأبدع وأمتع وغنّى بكلمات صلاح أحمد إبراهيم وغنّى الود وبناديها للشاعر عمر الطيب الدوش وغنّى للشعراء محمد علي أبوقطاطي والتجاني سعيد وإسحق الحلنقي وشملت تجربته تقديم أغنيات منظومة بالفصحى للشاعرين الجيلي عبدالمنعم عباس (مرحّبًا يا شوق) وصديق مدثر (عاد الحبيب). حيث بدأ مسيرة فنية انتهت بتسجيله أكثر من 300 أغنية ونشيد وطني على مدى 60 عاماً شكّل خلالها وجدان الشعب السوداني فأصبح فنان الأمّي قبل المتعلّم والصبي قبل الشاب والولد قبل والده والغني قبل الفقير فلا يُوجد بالسودان من لا يستمع ويطرب إليه ولذلك كان فقده فقدًا للجميع وليس لأسرته أو أهله بجزيرة صاي أو الكلاكلة.
فوردي ليس فنّانًا عاديًّا بل هو سياسي في ثوب فنان ناضل بأغنياته الوطنية ضد الحكومات العسكرية. ودخل السجن في عهد مايو وفضّل المنفى أحيانًا فعاش في المنفى الاختياري الإجباري السنين الأخيرة من عهد الرئيس الراحل جعفر النميري كما عاش في المنفى للمرّة الثانية في السنين الأولى لعهد الإنقاذ لمدة تزيد على 13 عامًا ما بين القاهرة ولندن والولايات المتحدة الأمريكية ولم يعد للسودان الذي أحبّ شعبه وترابه ونيله ونخيله وصحراءه وجباله وتلاله إلا بعد إصابته بداء الكلى واختار الدوحة لإجراء زراعة الكلى ونجحت العملية .
داء الكلى الذى ابتلي به فنان إفريقيا الأول والذي ربّما له الدور في وفاته بسبب المضاعفات يجعلنا يتساءل ما سرّ علاقة هذا المرض بالمبدعين السودانيين فقط دون غيرهم من السياسيين الذين ملأوا الساحة حتى أصبح عددهم يُقارب عدد السكان، فوردي ليس الأول الذى أُصيب به، فمن قبله أُصيب الفنان المبدع مصطفى سيد أحمد وتُوفّي بسبب مضاعفات المرض وتُوفّي أيضًا الكاتب العالمي الطيب صالح بالمرض ذاته وتُوفّي أيضًا الفنان المسرحي والمخرج عيسى تراب ولا يزال الشاعر المبدع سيد أحمد الحردلو صاحب طبول العز ضرب ياناس يعاني من ويلات هذا المرض بصمت ولم يلتفت إليه أحد وهناك كثيرون غيرهم عانوا وماتوا في صمت وآخرون لا يزالون يُعانون.
إن الراحل وردي شكّل وجدان الشعب السوداني على مدى 60 عامًا حيث وتميّز بامتلاكه عقلية غنائية وموسيقية جبّارة بالفطرة طوال مسيرته الإبداعية التي لم تنحصر في الغناء والموسيقى بل تخطتها للشعر "فهو من الشعراء المجيدين" رغم أنه أسند الكثير من شعره لشعراء آخرين ولذلك فالحزن الذي خيّم على ملايين السودانيين، في داخل وخارج السودان كان مبرّرًا لأنهم فقدوا صوتهم الذى ظل ينادي بالحرية، فهم كانوا يُريدونه أن يكون بينهم يغني للحرية المنتظرة للسودان في إطار الربيع العربي مثلما غنّى لأكتوبر والانتفاضة ولكن كانت الغلبة لإرادة الله الذى جعل منه فنان إفريقيا الأول وأيقونة الفن السوداني الذي استطاع أن يجمع وجدان الشعب السوداني على مختلف مشاربه السياسية والفكرية والقبلية، بالأغاني العاطفية والوطنية فكان وردي فنان السودان الأول والسودان هو الملهم الغنائي الاول لوردي .
ولذلك عجز عن أن يعيش في تراب غير تراب السودان، وفضّل أن يترك المنفى ويعود رغم المحاذير للعيش فيه، خاصة بعدما نشط في التجمع المعارض للإنقاذ وغنّى عددًا من الأغنيات المشهورة ضدّ الإنقاذ ومنها سلّم مفاتيح البلد وكان وطنيًّا ويرى أن ما يربط شمال وجنوب السودان رغم الانفصال وإقامة دولتين لا يُمكن أن يبتره المؤتمر الوطني ولذلك شارك في احتفالات استقلال جنوب السودان بجوبا وغنّى لهم (أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق) كناية في الصبح الجديد للجنوب رغم أن الصبح أصبح ظلامًا لوردي وأهل الشمال من الذين لا يرون في السودان إلا وطنًا واحدًا من نمولي لحلفا ومن الجنينة لبورتسودان ، فكان وردي يُغنّي للجنوب في فرحة الاستقلال وفي قلبه شيء كثير من حتى ومات وفارق الدنيا وفي قلبه أشياء من حتى، فوداعًا صاحب الصبح وأكتوبر الأخضر، ونتمنّى مد يد العمر للفيتوري ومحمد المكي إبراهيم والرحمة والغفران لوردي الذي أعطى عصارة قلبه للشعب السوداني hamed ibrahim [[email protected]]
-----------------------
وردي..... "كتير لامن مسيخ" !! ..
بقلم: بدور عبدالمنعم عبداللطيف الأربعاء, 29 شباط/فبراير 2012 11:09 Share
[email protected]
كان حفل الزواج رائعاً بكل المقاييس ..القاعة الفخيمة ترفل في هالة من النور ... الموائد تحفل بأطايب الطعام...المدعوون في أبهى حللهم وأناقتهم ... العريس والعروس تحفهما السعادة من كل جانب.. عيناها الناقدتان تجوبان المكان... حدقتاها تسقطان في بئر الدهشة..فقد كان هناك الجمال قاعداً "متوهطاً" في وسط القاعة. الحسد يتلوى كثعبان عبر مسارب روحها الشائهة.. عيناها تنضحان غلاً وحقداً.. تطلق إسار مكنونها دفعة واحدة في آذان من يشاركنها الجلسة حول المائدة... تُخرِج من باطنها صوتاً مسموماً محموماً:"الأكل كتير لامن مسيخ"... أقول إذا كانت تلك المرأة قد قالت ما قالته بدافع من الحسد والغيرة إلا أن هناك أيضاً من يتلبسه ذلك الإحساس بالنقص الذي يدفعه دائماً إلى التقليل من شأن ومجهودات الآخرين فتراه لا يني يبحث وينقب عن العيوب، فإن لم يجدها يتمناها، وإن لم تسعفه التمنيات فلا بأس من أن يختلقها وهذا لعمري قمة البؤس...هؤلاء هم أعداء الجمال و الحياة الذين خاطبهم شاعر المهجر إليا أبو ماضي في قصيدته ...كن جميلاً ترى الوجود جميلاً... فقال: "والذي نفسه بغير جمالٍ * لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً". اقتحمنى بغتة تعليق تلك المرأة الذي أطلقته دون أن تدرك وقتها أن قولها ذلك يصب في خانة المدح لأهل الفرح، حيث أن التقتير في تلك المناسبات في عرفنا وموروثنا الاجتماعي يعتبر وصمة عار تلحق بالأسرة إلى أن يرث الله الارض ومن عليها. "الأكل كتير لامن مسيخ".... طافت بذهني تلك العبارة وأنا أتابع تلك الأصوات النشاز التي تسعى للتشكيك في مبادئ وقيم ذلك الفنان العملاق...الفنان الذي تقاصرت كلماتي فلم أستطع لملمة افكاري- وقد بعثرها الحزن- لأكتب عنه ما يعبّر عن حزني، فقنعت بالخوض مع الخائضين في خضم تلك الكلمات التي سطّرها محبوه ومعجبوه...كلماتهم التي انفجرت دموعاً وبكاءً ونحيباً...فبكت نساء السودان ..وبكى رجال السودان..وبكى أطفال السودان...بكوا رائد.. وصانع.. وعبقري الموسيقى السودانية ...أغرق الكُتّاب الصفحات بالسواد.. وتلفحت البلاد بأثواب الحداد. في ذلك اليوم الحزين اجتمع السودانيون – و ربما لأول مرة - حول رأي موحّد.. لقد أحبوا وردي الموسيقار..ووردي الفنان..ووردي الإنسان. ولكن هناك أُناس قد آلمهم.. وساءهم أن يحظى ذلك العملاق بذلك الإجماع الشعبي غير المسبوق ..وأن تُحرّر في رثائه تلك الأعداد الهائلة من المقالات والمرثيات التي رأوا أنها "كتيرة لامن مسيخة.".. فراحت ألسنتهم تنسج من حوله الروايات التي تقدح في وطنيته وكفاحه من أجل الحرية والديموقراطية لبني وطنه.. وتفسر مواقفه حسبما يتفق مع مصالحها وأهوائها. على أن وردي المعتد بنفسه وكرامته لدرجة أن نعته البعض بالغرور... وردي الذي تعرض للسجن بسبب مناهضته للأنظمة الديكتاتورية التي ابتُليت بها البلاد..وردي الذي لم يستطع ذلك النظام شراءه وإن كان رئيسه قد أمّ المصلين في الصلاة على جثمانه. وفي النهاية يبقى ذلك المارد رمزاً ومَعلماً من معالم هذا الوطن الكبير تسري أغنياته وموسيقاه في وجداننا ما دام نهر النيل في جريانه. وفي النهاية تبقى تلك النفسيات الخربة تبحث دوماً عن القبح فلا تجد أمامها غير الجمال...قاعداً.. "متوهطاً"..متوهجاً .Joomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.Com
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
رئيس التحرير يكتب عن رحلة الشجن المسافر ذكرياتي مع أعز الناس (1) .. حكايات وأسرار ومواقف في مسيرة وردي .. كيف اعترف وردي للضابط بانه يريد أن يقود إنقلابا بالعود(الكلاشكنوف) فاز بجائزة «بابلو نيرودا» العالمية وتفردت بنشر الخبر وصورة الجائزة بعيداً عن أعين الأمن في صحيفة الأيام كمال حسن بخيت
جاء خبر رحيل الهرم الرابع.. حينها أحس كثير من محبيه والذين كانوا قلقين على صحته.. بأن هناك زلزالا قد حدث، بعدها جاءهم الخبر المفجع.. وكان خبراً كالتسونامي تماماً.. »وردي« كان شجاعاً وقوياً في مواجهة المرض ، وعندما داهمه الفشل الكلوي.. وذهب إلى امريكا للعلاج للغسيل.. كانت الاتصالات بيننا متواصلة.. بل كان يطلب مني ان ارسل له نصوصا شعرية جديدة.. وكان يحرص على الأغنيات الجديدة التي يكتبها »عمر الدوش«.. فقد كان من محبي شعر »عمر الدوش«.. وكان بين فينة وأخرى.. يسألني سؤالا بكلمات محددة.. كان يقول لي: »صديقك أحمد رامي ما كتب حاجة قريب؟« وكان يقصد الشاعر التيجاني سعيد.. وجديد محجوب شريف. كان يقول لي لأنه مثل الشاعر المصري أحمد رامي يكتب نصاً شعرياً واحداً في العام. و كنت أتابع مع الأخ صلاح ادريس أمر غسيل الكلى.. وأمر المعيشة.. محمد وردي يتميز بكبرياء عال ونادر، لا أحد يستطيع ان يؤثر على رأيه. ورغم ايادي صلاح البيضاء عليه وباعترافه هو، لم يجامل صلاح إدريس في ألحانه.. ولم يقل كلمة واحدة لصالح ألحانه.. وردي .. الانسان والموقف.. قناعاته.. لم تتغير.. اذكر في بداية السبعينيات فاز بجائزة »بابلونيرود«.. وسربت إليه في السودان، وكنت وقتها اعمل محرراً في صحيفة »الأيام« اتفق معي العزيزان كمال الجزولي وشوقي عز الدين ،رد الله غربته، على ضرورة نشرها وذهبنا في جنح الليل إلى مطابع »الأيام« بالخرطوم بحري، وصورنا الجائزة في الصفحة الأخيرة ،وكتبنا في الخبر ما يجب ان يكتب حول هذه الجائزة العالمية.. وفي اليوم التالي قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد فترة .. كنت أكتب كثيراً عن »وردي« وابداعه النادر حتى أن بعض اهلنا الحلفاويين اعتقدوا أنني منهم.. »وردي« كان صارماً في احكامه على ما يعرض عليه من أغنيات.. وفنانين جدد.. كان يقول الحقيقة في لحن الأغنية وفي الاداء وفي صوت المغني ولا يهمه غضب من يغضب ولا فرح من يفرح .. كان يدعونا لمناقشة بعض نصوصه الغنائية خاصة ما كتبه »عمر الدوش« و»التيجاني سعيد« والرائع محجوب شريف و»الحلنقي«.. دعاه مرة الفقيد الراحل معمر القذافي ومعه مجموعة من الفنانين العرب البارزين.. وبدأ القذافي يردد نشيد »أصبح الصبح«.. وقد اصابت »وردي« دهشة شديدة عندما دخل مع القذافي في غلاط كبير حول شاعر الأغنية وانفجر القذافي عندما قال له »وردي« لقد كتبها الشاعر الفيتوري في العام الفلاني.. ولدهشة »وردي« عندما حاول العقيد الراحل ان يؤكد له ان هذا النشيد لم يكتبه »الفيتوري«.. واستمر النقاش طويلاً .. وقال لي »وردي«.. كدت اقول له انت الذي كتبت أصبح الصبح، وكان حضوراً الفنانون محمد عبده وطلال المداح وهاني شاكر وعلي الحجار وغيرهم من الفنانين العرب.. وقال لي لم أر رجلاً عنيداً ومغالطاً مثل العقيد القذافي.. محمد عبد الوهاب ومظفر النواب كان الفنان »وردي«.. معجباً غاية الإعجاب بالموسيقار محمد عبد الوهاب.. وعندما أهدته زوجته الأولى السيدة ثريا شقيقة المهندس وردي صالح ابن عمه.. ابنه الأول عبد الوهاب.. اطلق عليه اسم »محمد عبد الوهاب« تيمناً بالموسيقار العربي الكبير.. وعندما جاءت قبله ابنته »صباح«، اسماها على المطربة اللبنانية الشهيرة »صباح«، اما ابنته جوليا فقد اسماها الراحل محمد الحسن دكتور وهو من أهل وردي.. وبعد زواجه من السيدة المرحومة »علوية« وهي من الكنوز.. حيث كان اهلها يسكنون ود مدني ومنحته »مظفر«.. كان وردي قبلها قد سافر إلى خارج السودان.. وكان الشاعر مظفر النواب قد طبقت شهرته الآفاق العربية بقصيدته الشهيرة »وتريات ليلية«، التي هجا فيها كل الزعماء العرب. وبمفردات قوية وناقدة وجارحة.. في كثير من الأحيان، وإعجاب الراحل »وردي« بالشاعر مظفر النواب ليس لكونه شاعرا ثوريا ماركسيا قاد مع الحزب الشيوعي - جناح الصين- كفاحاً مسلحاً ضد ثورة البعث في بداية انطلاقتها، وحينها وبعد أن ثبت اركان ثورة 17 تموز 1968م.. استدعى صدام حسين كافة الاحزاب العراقية ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي بجناحيه،و الذي كان حزباً قوياً.. وطلب منه المشاركة في الحكم بعد ان انجز البعث الثورة.. واستجابت العديد من الاحزاب ما عدا الحزب الشيوعي القيادة الثورية والتي كان مظفر النواب عضواً فيها وقادوا كفاحاً مسلحاً من مناطق الاهوار.. بينما مثل الحزب الشيوعي العراقي المشاركة في الحكم بقيادة عزيز محمد السكرتير العام للحزب وكان معه عدد من القيادات من بينهم عزيز الحاج.. واتخذ النواب من سوريا التي كانت تناصب العراق العداء..مقرا له. ومحمد عثمان وردي.. كان رجلاً عاطفياً للحد البعيد يتأثر بأقل المواقف ويتجاوب معها.. في الكويت وانا في بغداد حيث كنت اعمل هناك في صحيفة »الثورة« العراقية فاجأني محمد عثمان وردي بهاتف من الكويت، و طلب مني ضرورة حضوري للكويت للسلام وتبادل الذكريات، سافرت فوراً.. في اللحظة التي وصلت فيها علمت انه يعمل بروفة في إحدى قاعات اتحاد العمال.. وذهبت فوراً وكان يغني.. وعندما لمحني صاح بأعلى صوته قف.. وقف عند محمد وردي تهز الأرض.. وعانقني بشدة .. المرض اللعين وعندما أصابه الفشل الكلوي ارسل لي الأوراق الخاصة والتي بها المواصفات لمن يريد ان يتبرع.. وتولت الاستاذة عفاف علي عبد الكريم رئيس جمعية مرضى الكلى الأمر.. ووجد في هاشم - كما أذكر اسمه- وهو من ابناء شرق السودان.. كل المواصفات ،واعلن انه لا يرغب في أي مال خاصة ان الاعلان اكد ان العملية ستجرى في أمريكا، وأمريكا في ذلك الزمن كانت حلم الجميع.. وعندما تحولت العملية إلى الدوحة طلب المتبرع مبلغاً مقدراً من وردي.. وتم دفعه.. وجاء النطاس البارع الدكتور الفاضل الملك الذي أجرى عملية زراعة الكلية لمحمد وردي، ومعه النطاس البارع الدكتور عمر عبود.. وسألت الدكتور الفاضل الملك.. لماذا أجريتم عملية زرع الكلية لـ »وردي« وكنتم تقولون: »ان عامل السن لن يسهم في نجاح العملية«.. ابتسم الرجل وقال لي.. لم أر رجلاً شجاعاً مثل محمد وردي ،واجهناه.. وقلت له هل ترغب ان تعيش ما بين »3« و»4« سنوات مرتاحاً من الغسيل الكلوي.. ام تريد ان تعيش عشر سنوات مع عذاب الغسيل ومضاعفاته.. وكانت المفاجأة ان اختار الخيار الأول، وبدأنا التجهيز لإجراء العملية، وقد كانت ناجحة للغاية، وظل وردي طوال الثماني سنوات بعد اجراء العملية مواظباً على الحضور كل »6« أشهر للدوحة ولمستشفى حمد للفحوصات والمراجعة.. »10« آلاف دولار من البشير عندما كان في أمريكا اتصل بي.. وقال لي ان قريبك الرئيس البشير ارسل له مبلغ عشرة آلاف دولار.. والدولة حينها لم يكن في خزانتها سوى مائة ألف دولار.. بكى »وردي«.. وقال لي رئيس حكومة لا اعرفه ولا يعرفني ،بل أنني امارس نشاطاً سياسياً ضد نظامه يرسل لي هذا المبلغ الذي يسوى عندي مال الدنيا ويخابرني هاتفياً.. أقول لك لن اتصرف في هذا المبلغ.. حتى لو مت وأسرتي من الجوع.. وصوله الخرطوم استقبله الآلاف عندما عاد للخرطوم.. وعندما دعاه ابن بلده الفريق عبد الرحيم في منزله طلبوا منه الغناء.. ولكنه لم يكن يستطيع العزف على العود.. وتم البحث عن الموسيقار الماحي سليمان وجاء ليعزف، ويغني وردي.. ولما تجاوبت معه القيادة في ذلك الحفل الاسري المنزلي ،علق قائلاً للرئيس: لو كنت عارف ناس الجبهة بحبوا الغناء لما غادرت السودان.. الفرق بين العود والكلاشنكوف قبل مغادرته السودان.. ولهذه المغادرة قصة.. فقد كان سهرانا بمنزلنا.. وكان معنا الراحل خوجلي عثمان وآخرون.. وخرج ليلاً.. وفي احدى نقاط التفتيش في طريق الكلاكلة اوقفه جندي.. وقال له »افتح ضهرية السيارة« وفتح وردي الضهرية.. وصاح الجندي بأعلى صوته (يا جنابو الزول عندو كلاشنكوف في السيارة).. جاء الضابط منزعجاً وعندما رأي وردي سلم عليه بحرارة.. وقال له استاذ عاوز شنو بالكلاشنكوف ؟ فقال له بكل برود.. عاوز أعمل انقلاب .وضحك الضابط وقال للجندي :جيب الكلاشنكوف.. وكانت المفاجأة ان الجندي جاء حاملاً العود الذي يعزف عليه وردي.. وانتهر الضابط الجندي.. ورد وردي ببرود تام قائلاً للضابط والله بلد حكامها ناس ما بعرفوا العود من الكلاشنكوف على الطلاق ما اقعد فيها. وبالفعل بعد اسبوع رتب لسفر خارج السودان وإلى مصر بالتحديد.. لقد قصدت ان لا اتحدث عما يمكن ان يقوله كثيرون.. عن عبقريته الموسيقية واللحنية.. وعن قدرته الهائلة في كتابة الشعر.. باللهجة النوبية والعربية.. لكن مهما أن اذكر بان اغنية »أول غرام« كتبها محمد وردي واسهم في الكوبليه الأخير صديقه الراحل الموسيقار علي ميرغني.. ثم كتب نشيد »17 نوفمبر« بنفسه، وعدل كثيرا من النصوص التي تأتيه.. لحن في سجن كوبر اغنية لمحجوب شريف التي يقول في احد مقاطعها: محطة محطة بذكر وعيونك ونحن في المنفى وبتذكر مناديلك خيوطها الحمراء ما صوفه لحنها في السجن ورددها المعتقلون السياسيون.. وبعد خروجه اسمع اللحن للحلنقي وطلب منه ملء اللحن بكلمات غاضبة.. في اليوم التالي كتب الشاعر العبقري اسحق الحلنقي قصيدة.. (تعال.. يلا وتعال .. يلا )على نفس اللحن.. وايقاع الأغنية الوطنية.. لقد اتاحت لي الظروف ان اشهد عددا كبيرا من ميلاد اغنيات هذا الفنان العظيم.. وكانت هناك ملاحظات ومؤشرات جديرة بالكتابة لكن اتركها لبقية الأحباب والاصدقاء الاحياء منهم اسحق الحلنقي.. وكمال الجزولي ومحجوب شريف.. والتيجاني سعيد الذي جاء إلى نادي الفنانين وهو طالب بالثانوي.. مرتدياً الشورت والقميص الأبيض وحاملاً معه الأغنية العظيمة »من غير ميعاد« التي ادهشت »وردي« مثلما ادهشته عبقرية التيجاني سعيد.. الكلام عن الراحل العظيم محمد عثمان صالح وردي لا ينتهي.. وقصدت أن اترك لأهل التخصص الحديث عن عبقريته الموسيقية واللحنية والأدائية.. رحم الله قيثارة السودان الطروبة ،واسكنه فسيح جناته، وجعل البركة في عبد الوهاب ومظفر وجوليا وحافظ واخوانهم..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
رئيس التحرير يكتب عن رحلة الشجن المسافر ذكرياتي مع أعز الناس (2) من هم الفنانون الذين يحب أن يستمع إليهم وردي! بماذا علق على الوجبات الصينية بعد عودته من بكين؟ هذه «...» قصة «عريس الحمى المجرتق بالرصاص» مرثية عبد الخالق التي كتبها محجوب شريف كمال حسن بخيت
جاء خبر رحيل الهرم الرابع.. حينها أحس كثير من محبيه والذين كانوا قلقين على صحته.. بأن هناك زلزالا قد حدث، بعدها جاءهم الخبر المفجع.. وكان خبراً كالتسونامي تماماً.. »وردي« كان شجاعاً وقوياً في مواجهة المرض ، وعندما داهمه الفشل الكلوي.. وذهب إلى امريكا للعلاج للغسيل.. كانت الاتصالات بيننا متواصلة.. بل كان يطلب مني ان ارسل له نصوصا شعرية جديدة.. وكان يحرص على الأغنيات الجديدة التي يكتبها »عمر الدوش«.. فقد كان من محبي شعر »عمر الدوش«.. وكان بين فينة وأخرى.. يسألني سؤالا بكلمات محددة.. كان يقول لي: »صديقك أحمد رامي ما كتب حاجة قريب؟« وكان يقصد الشاعر التيجاني سعيد.. وجديد محجوب شريف. كان يقول لي لأنه مثل الشاعر المصري أحمد رامي يكتب نصاً شعرياً واحداً في العام. و كنت أتابع مع الأخ صلاح ادريس أمر غسيل الكلى.. وأمر المعيشة.. محمد وردي يتميز بكبرياء عال ونادر، لا أحد يستطيع ان يؤثر على رأيه. ورغم ايادي صلاح البيضاء عليه وباعترافه هو، لم يجامل صلاح إدريس في ألحانه.. ولم يقل كلمة واحدة لصالح ألحانه.. وردي .. الانسان والموقف.. قناعاته.. لم تتغير.. في هذه الحلقة .. نواصل الحديث عن بعض تلك الذكريات الجميلة مع الراحل المقيم الموسيقار الكبير محمد عثمان وردي .. والذي برحيله .. تيتمت الأغنية السودانية .. وفقدت احد أهم ركائزها .. وفقدت نكهتها المتميزة .. ونتحدث في هذه الحلقة عن فنانين يطربون وردي وآخرين يحبهم ، وعن قصيدة محجوب شريف عن الشهيد عبد الخالق محجوب .. ولقاء وردي مع الفنانة سميرة دنيا التي وصف صوتها بأنه صوت من ذهب وأهداها احد أشهر اغنياته لتغنيها .. وقصة اعجابه بمنزلها .. والبيانو الذي طلب ان تشتريه ليعلمها مظفر العزف عليه .. عريس الحمى محجوب شريف ووردي وعبد الخالق محجوب بعد اعدام الشهيد عبد الخالق محجوب الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني عقب انقلاب 19 يوليو .. كتب شاعر الشعب محجوب شريف مرثيته عن الشهيد عبد الخالق .. وغناها الراحل محمد وردي وأبدع في تلحينها .. وظل يغنيها في الجلسات ذات الخصوصية بعد خروجه من السجن .. عريس الحمى .. المجرتق بالرصاص المحنن بالدما ومحمد وردي لحن كثيرا من الاناشيد الثورية التي كتبها محجوب شريف .. ويقول الذين كانوا معه بسجن كوبر .. ان وردي وفي الصباح الباكر من كل يوم يبدأ في الغناء بصوت عالٍ .. وهو يسميه تمرين الصوت .. وظل يطرب الناس بذلك التمرين طوال وجوده في السجن. فنانو محمد وردي ومحمد وردي .. له فنانون محددون يطربونه على رأسهم خوجلي عثمان »رحمه الله« الذي كانت تربطه علاقة قوية مع وردي .. وكذلك عثمان مصطفى .. وكمال ترباس والفنانة آمال النور والبلابل وبالتحديد كان يعشق أداء هادية طلسم، أما سميرة دنيا .. فكان يقول ان صوتها من ذهب .. اتفقنا يوما مع وردي على زيارة سميرة دنيا في منزلها الجديد الانيق .. والذي اعجب به محمد وردي اعجابا شديدا وقال لها يسعدني دائماً ان يكون الفنان يمتلك منزلاً فاخراً .. وجلسنا للقهوة ، والذي لم يشرب قهوة سميرة دنيا لم يتذوق طعم القهوة الحقيقي .. فهي »تدق« البن على انغام اغنياتها .. وبعد الفنجان الثاني .. طلب منها ان تغني .. وغنت أمام الكمندان وردي كما لم تغنِ من قبل .. وعندما بدأت تغني الأغنية الشعبية الشهيرة »جلابية بيضاء مكوية« غنى معها وردي كأجمل ثنائي اسمعه ، ثم طلبت ان يسمح لها ان تغني اغنيته الشهيرة »كده أسأل قلبك عن حالي أسألو..« ودهش وردي لأداء سميرة. . وقال لها يا بنت انتي صوتك من ذهب .. ارجو ان لا تضيعيه في النصوص الشعرية الضعيفة .. وزاد : ارجو ان تشتري بيانو .. وسوف اكلف ابني مظفر ان يأتي ليعلمك العزف عليه لان البيانو يضبط صوتك وطبقاته .. وخرجنا .. وطلب مني ان اساعدها على الحصول على نصوص شعرية ذات مضامين عالية .. وردي وصلاح أحمد إبراهيم والبديل محمد وردي كان محباً للشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم وعندما ترك صلاح الخارجية كان محمد وردي اسعد الناس وعندما طلب صلاح من بعض الاصدقاء - وكنت وقتها أعمل في بغداد .. والراحل العميد الرشيد نور الدين ، ذلك الضابط الشجاع .. الذي تآمروا عليه .. ولكن سجل حادث الموت ضد مجهول .. ولكن البعض كان يقول ان المجهول مظلوم لدى جهات كثيرة .. لان الراحل العزيز لم يكن يجامل النظام المايوي في اخطائه .. كانت الرسائل متبادلة بيني وبين الراحلين صلاح أحمد إبراهيم الذي كان يقيم في باريس والسفير الراحل الرشيد نور الدين وكان محمد وردي يتجول بين صنعاء وعدن و غيرهما من البلدان المتأثرة بالنهج الاشتراكي .. وعندما قرر صلاح أحمد إبراهيم اصدار صحيفة البديل ارسل لنا رسائل حول الفكرة وطلب الاكتتاب كمساهمة في الصحيفة ورغم الخلاف الايدلوجي بين صلاح ووردي إلاًّ ان وردي استجاب للفكرة وأرسل لصلاح مساهمته وكذلك شخصي الضعيف والسفير الرشيد نور الدين والدكتور أحمد محجوب استاذ الرياضيات بجامعة بغداد .. وهو ماركسي ملتزم ومن أهل الشمالية وشلوخه تؤكد موطنه .. وعندما فشل مشروع البديل اعاد لنا صلاح مساهماتنا التي ارسلناها له .. ما اروع ذلك الرجل.. ومن اهم صفات محمد وردي كرمه الفياض .. وعندما تزوره في منزله يدهشك بما لذ وطاب من الطعام .. وهو مجامل بشكل غير عادي .. في المناسبات الاجتماعية خاصة الاتراح وعقودات القران .. أخبرته ان العلاج في الصين متقدم للغاية ، وكيف نجح اطباء الصين في تنقية دماء المرضى المليئة بالدهون »الكولسترول« .. وعلاج السكري .. ذهب صديقنا فوراً إلى الصين .. وعندما وصل قال لي يا أخي اهل الصين ناس عجيبين .. »25« يوماً حولوني »إلى حمار« وضحك .. وأضاف آكل قش طوال الخمسة وعشرين يوماً .. وقال »العجيب كمان القش عندهم بألوان مختلفة ، وهو يسخر من انواع الخضروات الصينية« ونزل »25 كيلو وأصبح يقف معتدلا ً.. وليس جالساً على الكرسي كما كان يجلس عقب العملية .. بين وردي .. وديوان أمتي علاقة رفقة قوية كنت أتابع معه و مع زوجته الراحلة العزيزة علوية الرشيدي .. تلك الزوجة الوفية .. والنادرة والكريمة ويوم العملية وهو على النقالة في طريقه إلى غرفة العمليات سألت الراحلة عليها رحمة الله ان كانت قد وضعت نسخة من القرآن الكريم تحت مخدته وهو في طريقه إلى العملية .. انزعجت علوية وقالت لي دقيقة في حاجة تحت راسو .. وعندما بحثت عنها .. قالت لي صاحبك عاوز يموت كافر واللا شنو لاني وجدت تحت مخدته ديوان »امتي للشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم وهو شاعره المفضل« .. وعلى الفور سحبت الديوان ووضعت نسخة من القرآن الكريم .. وردي يحب ان يعامله الاصدقاء كمثقف ومفكر وردي لم يكن يحب ان يعامله الاصدقاء كمغنٍ فقط في جلساته الخاصة .. ومرة عندما تقرر نقل صديقنا الدبلوماسي الراحل عبد الهادي الصديق إلى بيروت .. اقمت له حفل عشاء لوداعه بمنزلنا واخترت مجموعة يحبها وردي واقرب الاصدقاء للراحل عبد الهادي الصديق وأذكر منهم ان لم تخني الذاكرة .. كمال الجزولي وشوقي عز الدين والراحل الدكتور أحمد عبد العال ومحجوب شريف وعبد العزيز جمال الدين وآخرين .. خانتني الذاكرة وبالطبع اتصلت ومعي كمال الجزولي بالعظيم الراحل محمد وردي ودعوناه لحضور الدعوة بالطريقة التي تجعله يحضر ويغني .. وقلنا له ستكون مؤانسة فكرية ودعوناك لها كمثقف ومفكر .. ودعوتنا لك لمحمد وردي السياسي وليس وردي الفنان ونرجو ان لا تحضر معك العود .. لأننا نريد ان تكون جلسة مؤانسة فكرية وارتاح الرجل من شكل الدعوة .. لأنه في مرات كثيرة عندما ندعوه مثل هذه الدعوات ونذكره بان يحضر معه العود .. يصرخ ليه انا مش مثقف ومش مفكر .. انتو تفتكرو أنا غناي فقط ؟.. وعندما اكتمل عدد المدعوين .. وبدأ النقاش عن الثقافة والفنون والماركسية .. وتحدث وردي .. حديث الفنان المثقف .. ثم نهض من الكرسي وقال : يا اخوانا أنتو ما عايزين غناء .. واللا انا ما فنان وأشار إلى احد الشباب وأعطاه مفتاح سيارته وقال له في الضهرية في عود أعمل حسابك ما ينكسر لاني عندي مزاج للغناء .. وضحكنا جميعاً .. وفي النهاية اكتشف الحيلة التي استدرجناه بها .. بذلك الكمين ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
إلى روح فنان أفريقيا محمد وردي محمد تاج السر على الشيخ
(نحن بأسُُ يتجلّى) (نحن في الشدة بأس يتجلّى) قالها مُرسي(1) وقال: (ليس في شرعتنا عبد ومولى) (أصبح الصبحُ ... فلا السجنُ ... ولا السجّانُ باقي) قالها المفتاحُ(2) مفتاحُ إفريقيا وبلدانِ التلاقي حين أكتوبرُ الأخضرُ ... والقمح استهلاّ بالعناقِ حين مكّي(3) أمَّتي(4) شوقاً حكاها وأراضيها سقاها --------------- يا (بسيماتِ)(5) بلادي يا نُسيماتِ فؤادي يا صباحي واجتهادي ومنامي وسُهادي وعذاباتي وفنّي صوتُ أفريقيا وشعبي والتمنّي في المنافي والفيافي وتُغني )لشريفٍ)(6) وفقيرٍ ومُسِنّ للصبايا من عناهم (كجراي)(7( وعناهم (أبو آمنة)(8) ---------------- يــا ورودي في بــلادي وطبولي في جهادي وجهادِ الكادحين ذاك إيمانُُ وكدْحُ عَرَقُ ُ ينزو ومُشوار وصَدْحُ وضميرُُ دائمُ اليقظةِ يصحو وبلادي شعبها (الحبُّوب)(9) مضيافُ ُ وسمحُ شعبها يدميه جُرْحُ وهـو رُمْحُ صائب الضربة دوماً للأعادي وهـو ســيَفُ لضِـرَابٍ هو يهفو ولغِمْدٍ هو يجفو ليس في أوصافه ذُلُُّ وخوفُ ---------------- أنــت وردي لا وكـــلا أنت في الجوف ورودي أنت في شعبي ورودُُ وجسارة ولحلفا أنت عنوانُ المهارة أنت للنوبة جسر وحضارة وابتهالات لشعبي وإشارة أنت قد نلت الإمارة طرت بالطير المُهاجِر(10) في السموات وفي أقصى المَهاجِرْ لتُغنّي للحـبـيـبـة ولمنديل الحـبيبة ولعنوان الحـبيبة ولشعبٍ كله خُلُقُ ُ وطيبة ولأمٍّ هي أمُُّ أو نسيبة لفتاةٍ هي أختُُ وهي زوجُُ وحبيبة وشبابٍ شامخٍ يُحصى دروبه ورجالٍ لا يهابون المصيبة فالتصاريفُ عجيبة غيرَ أنّ الموتَ حقُ ُ ... والسمواتِ رحيبة لدعاءٍ مُستجـابْ لك يا وردي الحـبـيـبْ في السَما حُسْنُ المآب ولرب الناس أحسنت الإياب لنعيم مـسـتطـاب وجِنان ترتوي من خمرها لذةً للشاربين دُمت يا وردي هنيئاً لك يا محبوب شعبي درةً في الخالدين دمت يا وردي هـناك في جوار الخـالـدين ************* محمد تاج السر علي الشيخ 18/2/2012م (1) المرحوم مرسي صالح سراج عليه الرحمة صاحب الأبيات التي غناها وردي.. (كل من يأتي في الشرح من الشعراء غنى لهم وردي). (2) هو الشاعر السوداني الكبير محمد مفتاح الفيتوري أمد الله في أيامه. (4) (3) هو الشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم أطال الله عمره صاحب ديوان (أُمتي) وعُدة دواوين أخرى.أكتوبر الأخضر غناها وردي عند إندلاع ثورة 21/10/1964. (5) قصيدة (بسيماتك تخلي الدنيا شمشية) من شعر المرحوم علي عبد القيوم. (6) هو شاعر الشعب محجوب شريف متعه الله بطول العمر والعافية. (7) هو محمد عثمان كجراي عليه رحمة الله صاحب أغنية (ما في داعي تقولي ما في/ والربيع في عطرو دافي) كان معلماً ومجيداً في الشعر واللغة. (8) هو أبو آمنة حامد عليه رحمة الله (صاحب: خلاص كبرتِ وليك تسعطاشر سنة. كانت سبعطاشر سنة فعدلها محمد صالح فهمي). (9) الحبوب إشارة لقصيدة (يا بلدي يا حبوب) للشاعر الدبلوماسي سيد أحمد الحردلو شفاه الله وعافاه. (10) الطير المهاجر أشهر أغنيات وردي للشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد إبراهيم صاحب ديواني (غابة الأبنوس) و (غضبة الهبباي).
ال اجتماعية فنية الرأي العام جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الرأي العام © 2008 ----------------
محمد وردي قيثارة الشعب ..
بقلم: د. طارق الشيخ الجمعة, 02 آذار/مارس 2012 20:53 Share
ظللت على اعتقاد راسخ بان قلبي لايحتمل الكتابة عن من أحب كثيرا ، فحرصت دوما على كبت مشاعري واحتفظت بأحزاني ودموعي بعيدة عن انفعال الكتابة . فقدت وعلى مر سنوات العيش المر خارج السودان كوكبة من الأعزاء الغاليين على النفس وفي كل مرة كنت امسك عن ترجمة الحزن الشخصي الى حالة من الحزن العام . الا في حالة الفنان الكبير محمد وردي ، فقد زاد حزني فوق حزن مايزال مقيما على أستاذي عم التجاني الطيب رحمه الله . حزنت وأبكتني الصورة الجثمان الطاهر مسجى وحوله من ؟ وتذكرت تلك الأمسية في القاهرة يوم ان جمعنا حفل العشاء الذي أقامه التجاني الطيب على شرف ابن أمدرمان شوقي بدري . في مساء ذلك اليوم كانت البداية لرحلة وردي الأخيرة الى السودان . مساء وكلام كان له مابعده .. سالت في تلك الأمسية دمعات الفنان حبا لجمهوره ولفنه ولأرض الوطن الذي بقي ساكنا بداخله لم يبارحه ، ولم تفلح كل اغراءات الخارج بأن تزحزح حب وردي الكبير للسودان وترقبه للحظة العودة اليه . في ذلك اليوم وسماء الخرطوم لم تشفى بعد من جراح يوليو 1971 كنت ألبي طلب عزيز لصديق قطري اسمه ناصر حسن الرضوان باسطوانة لأغنية سودانية . خيرني خالي وهو من اشترى آنذاك فاخترت الصورة وعصافير الخريف وكان وردي وقتها لايزال في غياهب سجون النميري . وربما كان صاحب شركة منصفون وقتها يمتحن صبر الحكومة ويجاهر بحبه لوردي فأطلق العنان لمكبر الصوت بمحله على ناصية تقاطع الجمهورية مع شارع القصر فارتبكت خطا المارة وتجافل الجمع واقترب البعض يتسامعون وأعينهم تحدث عن عواقب جرأة عابرة . كانت أغنياته ملهمات والحانه تحكي عبقرية استثنائية . كانت الخرطوم تسد المنافذ أمام لحنه الشجي فيأتيك متدفقا هادرا من فوق هضاب الحبشة وينساب في تفاصيل الجسد السوداني فيضفي عليه جمالا ويلهم عبقرية مقاومة الدكتاتورية القابضة . في ذلك المساء سالت دمعات فنان مرهف يقتله الحرمان من جمهوره الذي أحبه ، واطلق عم التجاني عنان خشيته وخوفه على من نحبه جميعا وهو يدرك أنهم يتربصون به . يريدون لهذا الجبل الأشم أن يتقزم . من هؤلاء حتى يفهموا سر هذه الألحان العبقرية . من هؤلاء ومن أين أتوا . صابتهم كلمات عبقري الرواية الطيب صالح فطاردوه حتى أيامه الأخيرة يطلبون منه محو كلماته ، ماشفعت له قسوة معاناة المرض فارسلوا له الرسل بلبوس غير .. وجاء رسولهم يزف البشرى لقد سامحنا . وصدقا قال بابلو نيرودا في اخر الاشعار : لايوجد قاتل طيب مالهم والفن والعبقرية وطوال سنوات الانقاذ لم نعرف منهم الا انحطاطا وترديا حاربه وباستقامة وفي كل الفترات محمد وردي . آمن وردي وبيقين تام بأن الفن والموسيقى وتذوقها أمر قابل للمناقشة والتطوير والارتقاء ولذا عمل بقدر المستطاع لأجل السمو برسالة الفن السوداني . فارتقى وردي بالموسيقى من بدائية بسيطة وسما بها لافاق فن أصيل وراق لا مكان فيه لساقط الكلام وعابره ، بل كانت كل أغنية تحكي قصة رائعة بمفردها . وخذ عندك كل ماسطر من مرثيات صيغت بغالبها من مفردات أغنياته . يالها من مسيرة مبهرة ساحرة وعبقرية . كان وردي نسمة الروح للشعب في عتمات السياسة السودانية . كان يقول لي دعك من كلام الشعراء حول الخضرة والماء – والحديث له - فقد كتب محجوب شريف أجمل أشعاره ولحنتها في بيت صغير في الثورة بأمدرمان وتحت راكوبة وهجير . الشعب السوداني ملهمه الأول ، وهمه الأول والأخير اسعاده ولذا كان وردي استثنائيا في معرفته وفهمه العميق لمعنى التنوع الثقافي والفني الرائع الذي تذخر به مختلف أقاليم السودان . فوائم بين معرفته الموسيقية العالمية وكانت عبقريته بأقلمتها مع الثقافة الفنية السودانية ليكون نسيج وحده في خلق موسيقى سودانية رائعة غنية عميقة الدلالة ، وهذا مايسر له تقديم اضافات لحنية هي من روائع الألحان السودانية الخالدة . فالثقافة العظيمة كما يقول الكاتب الروسي ديمتري ليخاتشوف تولد فقط من خلال عملية التلاقح مع الثقافات الأخرى وقدرتها على التأثير المتبادل عبر هذا التمازج . وردي قمة السودان الفنية الأعلى .. كان متواضعا حينما يقتضي الأمر ذلك .. قال لي ذات مرة وكنت ألح عليه على ضرورة كتابة السير الذاتية لأهل الفن قال " طلبت كثيرا من الزملاء من خريجي معهد الموسيقى بالكتابة عن ابراهيم الكاشف ونحن على استعداد لتمويل مثل هذا العمل " . ثم عاد لموضوع حديثنا وقتها وقال ان الكاشف هو الفنان وجميعنا طبالين في زفته . تحدث عن عبقرية اللحن عند الكاشف وكيف أنه قد قلب موازين اللحن والطرب في السودان . في تلك ألأمسية بمسرح البالون بالقاهرة وخلف الكواليس قبيل بدء حفل مشترك مع الراحل مصطفى سيدأحمد ويوسف الموصلي كنا نتحلق حوله في دردشة عابرة حينها دخل مصطفى فوقف وردي . كلاهما كان يشكو المرض ودعا وردي مصطفى وبإصرار الى الجلوس على الكرسي الوحيد بالمكان قائلا : أنا من يجب أن يقف فهذا زمانك . وقف وردي وجلس مصطفى الذى كنا نحتفي به ذلك اليوم حين عاد من رحلة الاستشفاء في موسكو . حينما وقع انقلاب البشير كنا نعيش وقع الخبر الأسوأ ، ونتحسب تبعات انقلاب اسلامي معلن . قلت لبعض المقربين من كل ماجرى لاتهمني أقدار القادة من الساسة فلهم أجهزة تعنى بهم لكني أشفق على شخصين وردي ومصطفى سيدأحمد فهما دون غيرهما سيكونان موضع استهداف عظيم من قوى الظلام الذي حل بالبلاد . كلاهما عانى من الحرمان ، وكلاهما ذاق ويلات الغربة ومعاناة المرض حتى النهاية . أحس بهما في غربة وحرمان قسري يبثان لحنا من وراء السحب بطعم كلمات سميح القاسم : اذكروني ، اذا مارنت الكأس بالكأس مزهوة برنين الوتر واذا قام شعب على حزنه .. وانتصر واذا ماس قد رشيق بضوء القمر واذا نورت ثورة واذا ضحكت طفلة واذا فتحت وردة تفجعني الصورة يلتفون من حوله وأتذكر نيرودا " لايوجد قاتل طيب " . قلت لصديقي محمد آدم المنصوري أن كل المتعة تجتمع عندي حينما اقرأ تحليل عبقري اللحن السوداني جمعة جابر لأغنية جديدة لوردي ثم الاستماع لها عقب قراءة التحليل ، عندها تحلق في سماء متعة اللحن وتطلق لخيال الروح العنان ليحلق عاليا . ما أجمله تحليل وما أروعه لحن يخرج بليل ويحفظه ثم يردده كل الشارع السوداني وفي وقته وهذا مايغيظ من يؤشر عليهم من علياء مسرحه " من ناس ديل وا أسفاي " . ولعل أكثر ما تاقت اليه نفسي واثار فضولها قصيدة لم اسمعها كما لم يتح لي فرصة قراءتها . قال الخال صلاح أحمد ابراهيم بلهفة في محادثة هاتفية من باريس وكنت بالقاهرة حينها : اسأل وردي هل استلم القصيدة ؟ حين حدثته قال وردي في فرح غامر نعم .. بلغه بأنني تسلمتها " دي قصيدة عالمية ولحنتها كمان " . وهذه مهمة ملقاة على عاتق الاقربين . من هم هؤلاء وأي ترهات هذه " قال يطلب العفو .. قال " . وردي ابن هذا الشعب العملاق والحي ..عاش بينه ومعه وربط نضاله بنضاله واستمد طموحه من طموحاته وحتى الرمق الأخير لم يساوم ولأجله غنى سلم مفاتيح البلد . حزني عميق لخسارة فادحة لنصير الشعب وقيثارته والمعبر عنه آماله وطموحاته . تغالبني أحزان من وراء كلمات رسول حمزاتوف : سلاما يارفيع الشأن سلاما أيها الموهوب سلاما أيها الملهم سلاما أيها الحاذق واقول وداعا يا أعز الناس ، وسيظل يرافقك الوطن في كل لحظة على الدروب المؤدية الى الربيع . ليرحمك الله بقدر حبك للناس وعطاءك وتفانيك لأجلنا جميعا ولأجل سودان كما اشتهيته . ولترقد روحك بسلام
------------------
وعجزت أن أكتب عن وردى ..
بقلم: صالح الشفيع النيل الجمعة, 02 آذار/مارس 2012 12:23 Share
[email protected]
كتب الكثير من الفطاحلة وغير الفطاحلة عن الأستاذ محمد وردى وأبدعوا جميعهم وأجادوا ، ذلك أن التعبير عن الوجدان يظل تعبيراً فريداَ من نوعه كما البصمة وان قصر فكر صاحبه عن اخراجه في ثوب بديع . ويكفى أن دموع الأمهات والزوجات والبنات اللاتى سكبنها أنهارا ، ًوكذلك دموع الرجال العصية التى فقدت صبرها على امتداد الوطن ، يكفى أن تلك الدموع الخارجة من نياط القلب قد عبرت بصدق انسانى متفان عن الحزن الممض الأليم الذى لا ترقى الى شفافيته كل لوعة وحسرة يمكن أن يسطرها المداد الأسود في كافة وسائط الإعلام والتواصل .
لذلك قلت في نفسى إن ما في القلب يظل قى القلب ولا داعى للكتابة ، وحتى ان كتبت فهل سأكتب أفضل من الشعراء والأدباء الذين رافقوا وردى في مسيرته القاصدة ؟ و التزمت الصمت النبيل والحزن النبيل قارئاَ ومتمعناَ في ما يكتبه الآخرون عن هذه الفجيعة التى أضافها القدر الى فجائع هذا البلد التى لا تعد ولا تحصى . وفجأة أحسست بالتقصير المشين ، واستدركت أن الكتابة عن وردى ليست فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين. فوردى هو ضمير شعب وذاكرة أمة وثقافة مجتمع بأسره ، بل أن العطاء الوردى انداح في القارة السمراء شرقاً وغرباَ على طول حزام السافنا الفقيرة لبلاد السودان التى تمتد من جيبوتى والصومال شرقاَ الى السنغال غرباً حيث صدحت الشعوب الأفريقية الفتية التواقة للحرية بأغانيه وأناشيده تماماَ كما ترتل القرآن الكريم برواية ورش .
وأتيح لى أن أستمع شخصياً الى ابداعات وردى تتعالى من مكبرات الصوت في أسواق كانو ومايدوغرى وسيجال وقروة فى نيجيريا وكذلك في التجمعات التشادية البدوية والحضرية على حد سواء كما سمعتها في الكاميرون والنيجر وممالك غرب أقريقيا ، فيما سمعها غيرى في أقاصى مرتفعات الفوتاجالون على المحيط وفى كافة مناطق القرن الأفريقى ناحية الشرق والوسط . وصدق من سماه فنان افريقيا الأول بل عندليبها القومى الذى استأنست أوتاره وانحنت لألحانه كافة الأمزجة واللهجات الأفريقية المتباينة . وبات الأفارقة يعرفون وردى وبلاد وردى التى يكنون لهما كل الحب والاحترام ويتوقون الى زيارتها . ودار يومها جدل مميز بين المثقفين حول الهوية الحقيقية للسودان أهى عربية قحة ( رغم ظلم ذوى القربى ) أم هى أفريقية صرفة رغم الإختلافات البائنة المتباينة .
وخرج علينا الرأى القائل بأننا عرب وزنج يكمن تميزنا في تنوعنا وتعايشنا في هذه البلاد الشاسعة الواسعة بحيث لا ينبغى أن نميل كل الميل نحو شمال الوادى وعبر البحر المالح ونهمل أمنا أفريقيا فنقعد ملومين محسورين. و صدق حدس أهل الثقافة والعلم والأدب . وأورثنا إهمال افريقيا شقاقاً وانفصالاَ وحروباَ داخلية وعداءاً اقليمياَ وجيرة نكدة جراء انحيازنا غير المبرر وغير الموفق ضد نفر من أبناء جلدتنا هم يحبوننا ولكن لم نبادلهم حباَ بحب ، في وقت بدأ فيه العالم يعترف بإنسانية الإنسان وكرامته التى تعلو على كل اعتبار ، وفي زمان سقطت فيه حواجز المعرفة وانكسرت الستر الحديدية وأصبحت المعلومة متاحة كنسمة الهواء التى لا سبيل لايقاف انسيابها رغم الجدر والحدود والقيود .
والتقيت بالأستاذ وردى مباشرة أربعة مرات فقط ، مرتان منها بجامعة الخرطوم في السبعينات حيث غنى في احداهما أغنيته الخالدة ( قلت ارحل ) لأول مرة بالميدان الغربى لكلية الآداب ، وقال أنه يتشرف أن يغنيها لأول مرة بالجامعة ، ثم قابلته بالكويت ، ثم بمدينة صلالة بسلطنة عمان ، ثم بعد ذلك اقتصر سماعى له عبر الوسائط الأعلامية منذ خمسينات القرن الماضى وحتى اليوم . ويعلم الجميع أن وردى الذى غنى للاستقلال لم يكن ليرضى إلاّ أن يعيش حراَ طليقاَ اتفقنا معه أم لم نتفق . وقد ضاقت به المنافى الإختيارية وضاق بها ، رغم الفرص الكثيرة التى أتيحت له ليغنى لحريم السلطان ويعيش كسيراَ وسط الطنافس والفرش والمخمل ، ولكنه آثر أن يظل وردى الفنان القضية الذى حمل هموم أحرار بلاده كما الشهيد بياتريس لوممبا قي يوغندا أو سجين الرأى والحرية الأول نلسون ماندبلا أو الكاتب النيجيرى سوينكا حامل جائزة نوبل في الآداب الذى حارب العسكر في بلاده دون هوادة ، وغيرهم وغبرهم ممن حملوا ألوية الحرية الحمراء التى عاشوا أو هلكوا دونها معززين مكرمين .
ومن أعاجيب القدر أن أبناءنا من الأجيال الصاعدة لم يجدوا جديداَ في عصرنا الأغبش هذا الاّ أغانى وردى وأشعار ود المكى وعبدالواحد عبدالله واسماعيل حسن وغيرهم ليتغنوا بها ، وأن بلادنا ظلت تأكل من سنامها الأدبى والغنائى طيلة ربع القرن من الزمان الاّ من رحم ربك سيما أن الإبداع والمبدعون لا ينطلقون ويحلّقون في سماءات الفكر والأدب الاّ في أجواء الحرية الرحبة الواسعة . أما عصر التيه والضلال والإضمحلال والتراجع الذى نعيش فيه اليوم ، فلم ينتج لنا شيئاَ يذكر سوى تفريخ مكتنزى الذهب والفضة والدولار واليورو الذين لا يطربهم الاَ رنين القرش حتى ولو كان في المريخ . ولا شك أن الحسرة التى قتلت وردى قبل الفشل الكلوى ، إنما أهلكت من قبله خوجلى عثمان وزيدان ابراهيم وعثمان حسين وخليل اسماعيل والحبل على الجرار ، ولكننا رغم ذلك مؤمنون بقضاء الله وقدره ، وتتعدد الأسباب والموت واحد ، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ....وإنا لله وإنا اليه راجعون. //////////////Joomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
قولا احبك .. بقلم: سلمى الشيخ سلامة السبت, 03 آذار/مارس 2012 17:49 S
لو ترسل لى سلامك قولا احبك
افتقدك ، افتقد كل اصدقاءنا الذين كانوا "معنا "فى تلك الايام فى القاهرة ، حيث كنا نضرب بعصى الترحال بين "البلودات الحزينة " كنت حين "نزلت الى القاهرة نلتقى وكثيرا فى بيتك ، الكان فى حدائق المعادى ، حيث البيت يقع فى الطابق العاشر ،لم اكن ابالى بالسلالم نزولا ، لكنها فى الصعود تجعلنى اوشك على البكاء ... كان نهارا صيفيا حين كلمتنى ان اجئ الى بيتكم حيث كان فى رفقتك صديقنا المشترك عبد القادر الرفاعى ، شفاه الله وعافاه ، ذاك يوم مازال محفورا فى القلب.. بذهب النقاء والمحبة التى جمعت بيننا ، كان يوما لايشبه كل الايام... كان عبد القادر الرفاعى يحكى لنا عن علاقته باغنية "جميلة ومستحيلة " وكيف انك قمت بتعديل بعض الكلمات لتتوافق واللحن ، بعد ان استأذنت الشاعر الجميل محجوب شريف ، وكيف انكم "أولمتم " لتلك المناسبة حيث حضر العديد من اصدقائكم لبروفات تلك الاغنية ، وضحكنا حين حكى عن محجوب شريف حين قام بارسال مجدى الجزولى لشراء رغيف امعانا فى اغاظته ، ليشرب مجدى المقلب بعد ذاك حيث انه حين عاد كان الغداء قد انتهت مراسمه ..! يومها "فترقتم ضفاير الحديث"واسدلتموها على ارض الغرفة شجنا لاينتهى ، حيث وصلت بنا ربى الاحاديث الى جادات لم نبلغها فى يوم وربى لم نطلع الى سفحها قط من قبل... جالسين الى تلك الروابى نستمع الى الاحاديث مباراة للود بين وردى وعبد القادر الرفاعى ... ازمنة موغلة فى البهاء والجمال ، والتسامح ..
من حدائق المعادى الى الهرم حيث البيت الجديد ، كنت اجئ اليك كلما سمعت خبرا ، اجيئك اما لتأكيده او نفيه ، فانت مرجعى الوحيد يومها ،"كانت علوية زوجتك عليكما الرحمة ، احيانا تجيبنى فى التلفون بصوت يخيفنى ، لكنى كنت امسح على خوفى بممحاة من الود واجيبها ان "لاتخافى ليس بيننا سوى المودة والمحبة بين استاذ وتلميذته " فتنطرح ملامحها ، واضيف مشهرة بطاقتى الصحفية اننى ما جئت سوى لحوار صحفى ،لجريدة الاتحادى الكانت تصدر فى القاهرة يومها ...ومنذ ذلك التاريخ بدات مضار ب الجفوة تبتعد بيننا ، وعادت الالفة لتحل محلها، فبت "بت البيت " اول دخولى البيت تسالنى علوية ـ اتغديتى ؟قومى قبل تبدوا الكلام اعملى ليك غدا ، انحنا اتغدينا قبل شوية سماط من الود كنا ناكل فيه بشهية معا ، احس كل زيارة انى بت اكثر بنات البيت قربا اليكما ، لدرجة ان صار ت اللغة حميمة وبت تحكى لى عن رغباتك فى الطيران الى عوالم لم تدخلها من قبل ، كنت فتيا دائما ، احسك صبيا ، له طموحات فى كل شان ، الغناء والحياة ، سالتك ذات مرة عن صوتك لم يصبه الانشراخ فقلت لى ضاحكا ـ الصوت دا زى البيانو كل مرة بتشد الاوتار حسب الزمن بتاعك وحسب السن وكل مرحلة عندها خاصيتها فلازم تكون عارف وواعى بالتطور بتاع صوتك وتراقبه من خلال التمارين وتضبط البيانو بتاع صوتك وفقا للسن والطريقة الانت عاوزاها...! كنت تحكى لى عن احلامك اذن ، وان تسافر عبر الزمن الى حيث لا احد سوى الغناء "والناس القيافة " تضحك حين تتحدث عن الغناء فى مدينة اديس ، هكذا كنت تنطقها لاتزيد ما تبقى من اسمها ، او تلك المدينة الحلم "عدن " كلاهما كان له وقع خاص فى نفسك ، هكذا احسست، تحدثنى عن افتقادك لتلك المدن وخاصة الخرطوم ، تلك التى ما داناها حب ولاوصل اليها من حب سوى حبك لها ، فهى ملهمتك كما اوحيت لى فى ثنايا الحديث ..
الحديث كان يتنقل بينا ، وبين تلك الاماكن ، حيث احيانا تنتقل الى "سجن كوبر " حينما يصل بنا الحديث عن مايو ، فى اطار حديثنا عن تاريخ الغناء لديك عقب انقلاب يوليو 1971 واعتقالك بعد فشل الانقلاب ، وكيف انكم ومن داخل المعتقل فى كوبر كنتم تغنون باصوات تصل الى عرض الشارع محلقة خلف اسوار السجن منشدين ما خطه محجوب شريف ـ اكتوبر ديناميتنا وحين خرجت كان بين اضالعك "نشيد جديد فجرته فى برنامج الاستاذ محمد سليمان "فكانت "قلت ارحل "واغنية لم تأخذ نصيبها من الشهرة "دورى يا ايام ويا اشواق عدينا " وتوالت الاغنيات تباعا ، فى تلك الفترة من السبعينات ،وخرجت بناديها ، الحزن القديم ... يوم كنا نتحدث عن بناديها ، والتى جاءت ايام كان عمر الحاج موسى وزيرا للاعلام والثقافة وكيف انه ضحك حين حدثته عن ايقافها وكلم النميرى ايامها والذى افاد باعادة اذاعتها وكيف ان عمرالحاج موسى وصفها "بالالياذة" واعادها للبث بامر منه كوزير .. وحين كان الحديث عن علاقتك بالحزب الشيوعى ، افدت انك كنت صديقا للشهيد عبد الخالق محجوب وحكيت لى تلك القصة الطريفة التى جمعت بينه والرئيس الراحل الفريق ابراهيم عبود حين قال لعبد الخالق الذى كان متأهبا للسفر الى الاتحاد السوفيتى حينها وكيف ان وزير الداخلية حظر سفره ، لكن حين التقى عبد الخالق وعبود قال له عبود : انت ما زول كويس زينا وزى اى زول سودانى ؟ كيف يقولو الشيوعيين "كفار"؟ وأمر وزير الداخلية ان يمنحه تاشيرة السفر للاتحاد السوفيتى ...! كل ذلك وغيره من الاحاديث دونته رفقتك فى سيرة نشرتها فى صجيفة الاتحادى فى الفترة بين الاعوام 93 الى 99 من القرن السابق ...؟! وحدثتنى ايضا عن عودتك عقب خروجك الاول قبل الانتفاضة وعودتك المجيدة الى الخرطوم عقب الانتفاضة حين عدت حاملا مالم نكن نحلم به من اغنيات فاض بها نهر الاغنيات والاناشيد يوم ادهشت الحضور فى الميدان الشرقى لجامعة الخرطوم التى كانت روح الانتفاضة ما تزال متخمة بها ارواحهم ومضينا نردد بل ونحفظ تلك الاناشيد ونغنيها معك ووسلمتنا لها وكأنى بك توصينا بوطن "ماهان يوما علينا " لكنه على الساسة يهون ...! ما تزال تلك الايام فى البال ، حين التقيتك بعد اعوام من فراقنا فى القاهرة ، كنت فى زيارة لولاية كاليفورنيا حيث كنت تعيش هناك رفقة زوجتك وابنك مظفر ، كنت فى زيارة لاصدقائى "اسماعيل محمد الحسن وزوجته هدى " يوم دعانا الصديق عبد اللطيف عبد الغنى لعشاء اعده فى بيته والتقينا يومها قلت لى معاتبا ـ يا بت ليه تنزلى فى محل غير بيتك ؟ وعدتك ان ازورك وفعلت فى اليوم التالى كنا على موعد فى حفل لجارتكم وفى مناسبة ما ، يومها وبعد ان غنيت انت ونزلت عن المسرح صعدته فى اعقابك ، كنت اجرب ان افعل شيئا مغايرا ، يومها "غنيت اغانى البنات " كان رفقتى العازف الصديق ميكائيل الضو وكنت استقى منك الكلمات احيانا تمدنى بها من موقفك اسفل المسرح ، كنت محبا اذن لغناء البنات "ففى الامسية التى حضرناها فى بيت عبد اللطيف عبد الغنى ، قلت له وكنت جادا فى معرض ردك لسؤالى عن اغانى البنات "كان الحديث عن اغنية ـ جلابية بيضا مكوية " وامتعض عبد اللطيف وقال انه لايحب غنا البنات " لكنك غنيت تلك الاغنية وبصوت ولا اجمل ، وحدثتنى عن ان اغانى البنات هى مرآة اجتماعية لاحد لانعاكسها ...وكان حديثك سمحا ومليئا بالحب للفنانة حوا الطقطاقة ومنى الخير ومهلة العبادية وغيرهن من المغنيات الفريدات فى بلادنا وحكيت كم انهن جابهن المخاطر الاجتماعية لكنهن رائدات علينا الاحتفاء بهن... تلك ايام لا تنساها الذاكرة قط ، حين عدنا الى بيتك فى الصباح كنا نشرب شاينا سالتنى بغتة عن الفنان فتحى حسين وهو ابن الابيض قلت ـ وين ولدكم ولد الابيض الغنا "العزيزة " رغم انها اغنية واحدة لكنها تكفيه لو لم يغنى غيرها فلقد غناها بجمال لا يدانى ... واعدت لى حقيقة ان ملحنها هو الملحن عمر الشاعر ... لقاؤك بالشاعر الحلنقى كان حلقة لها نسيجها الخاص ، يحدثنا عن ذلك الحلنقى نفسه قال " كنت قد قدمت اغنية للفنان صالح الضى ، واعجبت الاغنية الفنان محمد وردى ، وسال عنى وطلب لقائى ، حين جئت لالتقيه فى نادى الفنانين قلت له ـ انا اسحق الحلنقى قال ـ لو عاوز تعمل ارتباط امشى لادارة النادى قلت ـ انت سالت عنى الاستاذ صالح الضى وقال انك عاوز تقابلنى ـ انت الشاعر ؟ قلت نعم اقعد وكان بعد ذلك اللقاء بداية لحقبة جديدة فى حياتى ووردى انتجت عدة اغنيات "عصافير الخريف وغيرها" ويبدو ان الحلنقى معتدا بعصافير الخريف التى كان ميلادها فى اعقاب الهجرة الاولى للسودانيين حين اتجه الكثير منهم الى الخليج البعض يسبل على تلك الاغنية العديد من الروايات "منهم من قال ان وردى والحلنقى كانا فى معهد الموسيقى والمسرح وكان الحلنقى يومها يقف امام الفصل ويكتب على سبورة الفصل "ليه يا عصافير الخريف " ويرد وردى ـ ليه الاسف مين علمك لتنكتب بعد ذلك الاغنية كاملة ويتم تلحينها فى نفس اليوم ... وحين كان الحديث عن العصافير والهجرة سالتك عن اغنية الطير المهاجر وكيف التقيت بشاعرها ؟ قلت ـ كنت مسافر فى رحلة فنية وفى مجلة ولا جريدة لقيت القصيدة مكتوبة ولحنتها وغنيتها وبعد زمن حتى التقيت بشاعرها صلاح احمد ابراهيم الذى رحب جدا بالاغنية وهذه الاغنية البعض بعث بها الى مواضع ربطها بالهجرة لشعب النوبة من حلفا الى حلفا الجديدة ، ولا يعرف احد ان كان الامر كذلك ام هى مجرد صدفة فذلك سؤال لم يجبنى عنه احد ما زال ذلك اليوم فى قلبى سالما كما بدا ، يوم ان دعانا الدكتور جون قرنق لحضور اجتماع معه ، كنا نجلس فى حضرة ذاك الرجل الكاريزما ، نراه يدخل علينا وينسحب لان احدا يهمس له ان ثمة وكالة انباء تريد لقاءه فينسحب معتذرا ،امتد اللقاء لعشرات الساعات فلقد بدأ فى الحادية عشر صباحا وانتهى فى اليوم التالى فجرا ،فى لحظة قلت لك وكان الجمع قد بدا عليه الرهق ـ تعال نتجادع بغناك قلت لى ابدى انتى قلت ـ بريدك والله بريدك لو سقيتنى السم بايدك فلم تتوانى فى الرد قلت ـ لو طلعت القمرة وجيت ولو حلفت برب البيت يومها كان الحضور رائعا كان بيننا الراحلين حسين شريف ، عم جبر الله سيد احمد ، بشار الكتبى ، ومن الجميلين من اصدقائنا المشتركين المحامى طه ابراهيم الذى ما توقف عن الضحك قط وما زال كلما التقينا يذكرنى بذلك اللقاء ، يا لذلك اليوم التقطت لكما صورة كان رفقتك دكتور جون ، وكنت بينكما اقف ، يدى الى كتفيكما ، قال عبد الوهاب وردى عن صورة اخرى بيننا ـ شفتى العجوز "خرتك " بعرف يقيف للصور فقرى كاريزما يا عمك " حكايتى معك تطول ايها الرجل القامة ، لقد وقعنا فى الحب معا ، وهو حب اعلم انه سيقى طويلا بين جوانحى فلك المحبة ولى الصبر فى فقدك فبراير 2012
Salma Salama [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي والشجن المسافر (3) حكاوي وذكريات مع أعز الناس .. وردي في المنافي حياة تتصل بالإبداع .. أين لحّن نشيد (أصبح الصبح) وما قصة (الحصاد الأفريقي) ؟ كمال حسن بخيت
الكتابة عن محمد وردي تحتاج الى ذهن صافٍ ، والى عقل مرتب ، والى ذاكرة حديدية .. تختزن كل ما يعرفه الخاصة عن هذا الفنان العملاق. والكثير من حياة محمد وردي يصعب كتابته ، لان فيه من الخصوصية ما يمنع النشر للعامة ، خاصة ان محمد وردي له علاقات ممتدة داخل كل السودان ، وكل انحاء الوطن العربي. وكما ذكرت في الحلقة السابقة ، ان الافكار والحكاوي ازدحمت في رأسي ،حيث جاءت بغير ترتيب زمني ، لان الذاكرة امتلأت خاصة ان علاقتي الخاصة بالمبدع الرائع محمد وردي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً... بدأت في السودان وتمددت في العديد من أقطار الوطن العربي المنافي الاجبارية لمحمد وردي. في هذه الحلقة نتحدث عن بعض المنافي في مصر وفي السعودية وفي أمريكا حيث لم يتوقف التواصل بيننا. محمد وردي من لا يعرفه عن قرب ، يعتقد انه رجل متعالٍ ويعيش في برج عاجي ، لكن عندما تقترب منه تكتشف انه يحمل قلب طفل ودواخله بيضاء مثل الحليب. وردي من منفى لي منفى عندما ترك كل المنافي العربية ذهب الى أمريكا، وظلت الاتصالات الهاتفية متواصلة بيننا شبه يومية ، وكنت لحظتها قد تحولت الى صحيفة( الصحافة ) حيث اشرفت على صدورها في إشراقتها الثانية بتمويل من صلاح ادريس وطه علي البشير .وضم مجلس ادارتها بعض الذين كان طريقهم الى مجلس المساهمين ومجلس الادارة شوية كراسي ومكيفات منتهية وديون مطبعة لصحيفة (نجوم الرياضة ) وبعض الذين يجيدون فنون التآمر. ظل الهاتف كأجمل أداة تواصل بيني وبين وردي وصلاح ادريس ،قبل ان يدخل مستنقع الرياضة ، وعندما كان يكتب كتابة جميلة ورائعة في استراحة الخميس ،وعندما كان اصدقاؤه الدكتور منصور خالد والأستاذ عثمان العمير والأديب العالمي الطيب صالح -رحمه الله -ووزير الثقافة المغربي محمد بن عيسى ومولانا الحسيب النسيب محمد عثمان الميرغني الذي اطلق عليه (الحضن الشريف) وهو أبلغ تعبير عن حبه للسيد. كان صلاح سخياً وكريماً مع محمد وردي ،كنت ابلغ وردي بما سيصله من مبالغ من صديقه صلاح ادريس .امر لا يتخيله انسان ، وعندما بدأ وضع حجر الاساس لمنزله حمل له عادل ادريس الشقيق الأصغر لصلاح جوالاً مليئا بالمال ، وذهب به لوردي. حكى لي وردي هذا الامر وابلغني بالمبلغ. اعتذر بشدة لذكر هذه الحادثة ، لكن وردي كان يقول لابد ان يأتي يوم تقول فيه هذه الحقيقة للناس ، لان من لا يشكر الناس لا يشكر الله. اعتذر لأخي صلاح لأنها وصية واجبة الذكر. الرئيس البشير يتصل وبالدولارات وهناك في امريكا كان وردي سعيداً ، وفجأة اتصل بي هاتفياً وصوته خافت كمن كان يبكي ويريد اخفاء البكاء .وقال لي اليوم وصلني مبلغ آلاف الدولارات من الرئيس البشير ، وهاتفني ومعه سبدرات ، واعتذر لقلة المال وذلك لصعوبة الوضع الاقتصادي ، وقال له هذا مبلغ رمزي نأمل ان نرسل مبالغ اخرى. قال لي لم أر في حياتي الرئيس البشير .. وهو حاكم ، وأنا معارض ، فكيف يتصل بي وأنا في محنة ويرسل لي هذا المبلغ ؟ ..وقال يا اخي يا كمال هذا هو السودان .. وهؤلاء هم اهل السودان الشرفاء ، وزاد : لقد قررت ان لا اتصرف في هذا المبلغ حتى لو كدنا نموت من الجوع لأنه يمثل لي رمزاً للوفاء النادر .. والموقف السوداني الأصيل .. وقال لي لا تنشر هذا الكلام الآن إلا في الوقت المناسب. قلت له انت خائف من الرفاق ؟ ،أجاب بغضب : وماذا فعل لي الرفاق ؟، قلت له الى هنا يكفي. وصوله الى السودان ودور أسامة داؤود في ذلك قبل حضوره للسودان اخبرني بان قريبه السيد اسامة داؤود صاحب ومدير شركات (دال ) طلب منه الحضور الى السودان لمناقشة وتدبير امر زراعة كلية له . وبالفعل حضر الى السودان ، وكان ذلك الاستقبال المدهش. وجهز له اسامة منزلاً راقياً وجهز لكل جمهوره سيارات مليئة بزجاجات الكوكاكولا والمياه العذبة وأقيم احتفال رهيب في شارع المطار ، وبدأ كل الاحباب والأصدقاء في البحث عن متبرع تنطبق عليه المواصفات المطلوبة. الذكريات كثيرة والمفاجأة المفجعة برحيله جعلتها تتشتت من الذهن بطريقة يصعب كتابتها بتسلسلها الزمني .. فليعذرني القراء في هذا الأمر. أصبح الصبح ثانية قال لي وردي انه سافر في رحلة مع الرئيس عبود قبيل ترحيل اهل حلفا ، في صالون القطار وكان يشاركه الشاعر محمد الفيتوري ، وبدأ يقرأ له العديد من القصائد الشعرية الجديدة ،ومن بينها قصيدة (الحصاد الأفريقي) التي لفتت نظر محمد وردي ومن بينها اغنية اصبح الصبح. كان ذلك قبل ثورة اكتوبر بسنوات ولحنها وردي في نفس اللحظة وأصبحت شعاراً للرحلة. ----------------------
وردي.. رحيل أخر المُلهمين
محمد علي الشيخ [email protected]
وردي أيها الملهم فينا .. النجم القصي العلو .. المستفيض الضياء.. ماذا نكتب عنك وقد سلبنا رحيلك فيض الخواطر.. وكفاف المداد، سلبنا رحيلك الدموع التي يريح بها الباكون أنفسهم، ويطفئ بها المحزنون لواعج أفئدتهم.. لم يكن نجم وردي يأتلق على سائر مطربي عصره وسابقيه إلا ولديه من أسباب التفوق والفيض ما يؤهله لذلك، فقد عاش فناناً جامح الطموح خصب العطاء، مستبصراً موضعاً قدميه منذ بداية المشوار، استوثق من كون الفن في سحره تاجاً يزين هامته بين الناس، فبذل كل ما يمكن يبذله المرء في سبيل غايته ومنتهاه. لقد أبدع وردي في كل فنون الغناء فصيحه وعاميه، عربيه ونوبيه، حتى تفوق على نفسه وعرف قدرها واعتد بها حتى أشكل على الناس بين تواضعه واغتراره بنفسه..! سمعت كلماته وأنا طفلاً يافعاً في ربوع ( أرقو) من أخي (ياسر علي جبل) وهو يدندن بأغنية(صعيب وصفك لأنك هالة كلك ضيىء وفوقك هيبة وأجمل قامة واسمح زي ) ومن ثم وثّق الصديق(أمين باشري) محبتي لكلماته ومـــــوسيــــــقـــــــــاه. جاء وردي من أقاصي الشمال، من (صوارده) معلماً، ومربياً مقلبّاً المفاهيم الاجتماعية التي كانت تزدري المغّني ولو كان يتغني بفضائل مجتمعه، لكنه لم يعبأ بذلك ومضى في مسيرته مظفراً من نجاح إلى نجاح .. مازجاً موهبته بتراب الوطن وسنابل حقوله ،تارة يغني للسودان والنيل والثورة والبلوتاريا والهتاف الاشتراكي، وتارة أخرى يغني للحب والمرأة والحياة والإنسان. كان وردي ملهماً كتب على نفسه الاحتراق والعطاء، رافداً ذائقتنا الفنية لنصف قرن، مموسقاً وجداننا بألحانه وأغنياته التي غمرت وجه الدنيا، عاش محباً لنجوميته التي أسرف في تعاطيها، فكان جسوراً مقداماً حراً طليقاً فناله ما ينال كل صاحب غاية من محن، فقاسمت السجون حريته، ووزعت المنافي حنينه إلى وطنه، وأهاض المرض من حيويته، ثم رحل ذاك الرحيل المفجع الداوي.! لو كانت السنين تحسب عدداً .. فالحياة العريضة التي عاشها وردي والمشوار الطويل الذي بدأه من مغني صغير في صوارده إلى فنان أفريقيا الأول. ما بين الاثنين من نضال وطني وعبقرية فنية .. ما بين الاثنين من ظلام السجون وفضاء المنافي..ما بين الاثنين من دخوله للإذاعة السودانية لاختبار صوته وخروجه مصنفاً صوته بالدرجة الأولى..ما بين الاثنين من علي عبد اللطيف وشهــــيدنا القرشي.. كل هذه الحياة الحافلة بالعطاء الثر والإبداع المتواصــل يعطــي الرجل ألف عام ويزيد. نعم رحلت كما يرحل العظماء .. لأنك أضفت شيئاً لتاريخ السودان الفني الحديث، وإذا عُرف غناء العشرينيات بالحقيبة فعصرك سنطلق عليه ( الحقبة الوردية)..كيف لا ونحن كلما نسمع غناءك ينفذ إلى قلوبنا لأننا نشعر بأنه فيه حفنة من تراب بلادنا ممزوجاً بالدم والدموع لبطولات رجالها.. نغني في الغربة عندما يجتاحنا الحنين للوطن (الطير المهاجــر) نغني في الثورة عندما نفتقد روح النضال (بسمك الأخضـر يـا أكـتوبر الأرض تـــــغني ) نغني لأحلامنا ( مكان السجن مستشفى مكان الطلقة عصفورة تحلق فـــــوق نـــافورة ) ونغني للوطن (في حضرة جلالك يطيب الجلوس مهذب أمامك يكون الكلام) ونغني ونهدهد بألحانه خلوة الليل والمحبة حين تغمرنا رجفة الشوق ( بتطلعي أنتي من غابات ومن وديان ومني أنا ) و( ياالفرهدتي فرح جوايا أنا جملتك بألواني). هذا ما صنعه وردي للسودان .. تغني بتاريخه وبطولاته وارثه وإنسانه من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه.. وأرجو الا يختزل عرفان أبناء الوطن له بوضع اسمه على شارع قصي أو مدرسة أساس في أحدى المحليات الطرفية. أو قاعة منزوية في كلية الموسيقى والدراما..! وفي ذات مساء محزون و ( من غير ميعاد)..همس وردي في آذاننا قائلاًقلت أرحل)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
ميليسا بلوك تبكي وردي .. بقلم: حسن احمد الحسن /واشنطون الإثنين, 05 آذار/مارس 2012 21:08 S
كنت ذاك المساء في غمرة حزن نبيل على رحيل وردي الذي كان آخر اللقاء به في واشنطن لساعات قبل عودته إلى أرض الوطن. ودون انتظار على راديو السيارة صدح صوت وردي عبر أثير إذاعة أن بي آر NPRالأميركية بأغنية يابلدي ياحبوب أبو جلابية وتوب – وأغنية ياشعبا لهبك ثوريتك عبر تقرير مشحون بالوفاء والإعجاب عن الراحل العزيز وردي ودوره الموسيقي والوطني وريادته الفنية في أفريقيا ، قدمته الإعلامية الأميركية Melissa Block ميليسا بلوك بكلمات رائعة دوّلت الحزن على وردي وهي تغمر سموات أميركا وأثيرها بموسيقى وردي وسيرته الرائعة على غير انتظار في ساعة يستمع فيها مئات الملايين لتلك الإذاعة . وبالطبع وليست أميركا وحدها بل عشرات التقارير الإخبارية عبر القنوات الفضائية والمقالات الصحفية عن رحيل وردي فنان أفريقيا الأول من بينها مقال للكاتب الصحفي الأستاذ على العمودي في صحيفة الاتحاد الإماراتية عن رحيل العملاق الأسمر محمد وردي ذلك المبدع الذي بكته العيون والكلمات وهو تعبير عن التقدير الذي يكنه الأشقاء ممن خبروا السودان والسودانيين في بلادهم ومهاجرهم لعله من المفيد أن يقرأ السودانيون هذا الإحساس الجميل والتقدير البالغ في شخص فقيدنا لحن الثورة ومعنى الكبرياء محمد وردي. بعنوان في رحيل الصبح كتب على العمودي يقول :
كان ذلك منذ سنوات بعيدة، عندما تسللت للروح كلمات جذلة بلغة جميلة، ونغم أجمل، وكانت تلك بداية تعرفي على السلم الخماسي الذي يميز الأغنية السودانية، وبصوت قامة من قاماتها، الفنان الذي ودعنا الأسبوع الفائت محمد عثمان وردي. وفي تلك الحقبة المبكرة من قيام صرح إماراتنا الشامخ، كانت هذه السواعد السمر من أرض النيلين، تنتشر في مختلف مجالات وميادين التنمية، في دور لا تخطئه العين في البلديات وتخطيط المدن والشرطة والقوات المسلحة ودور العلم والقضاء، في زمن البدايات الصعب. وكان لثلة من أبناء هذه المنطقة فرصة للدراسة في “حنتوب” ومعاهد وكليات “مقرن النيلين”. في سبعينيات القرن الماضي، تابعت حفلاً بسيطاً له في دبي، اقتربنا من رجل لطالما صدح بصوته للحق والعدل وحقوق البسطاء في كل مكان في الحياة الحرة الكريمة، كان التزامه وانحيازه للبسطاء طاغياً على أعماله التي استفزت الطغاة الذين اضطروه لارتياد المنافي في تجارب لم تحل دون إثرائه للأغنية، الوطنية منها والعاطفية. قد يعتقد شباب “الربيع العربي” أنهم اخترعوا الشعار الشهير”ارحل”، من دون أن يدركوا أنه دوى في أروقة ومدرجات جامعة الخرطوم خلال ستينيات القرن الماضي، ليضع نهاية للحكم العسكري بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ويصدح هرم الأغنية السودانية برائعته الشهيرة “أصبح الصبح، ولا السجن ولا السجان باق”. و“التقى جيل البطولات، بجيل التضحيات” في سيرة امتدت ثمانين حولاً، “ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم”، بحسب زهير بن أبي سلمى، ولكنها لم تك كذلك مع قامة بحجم وردي، رواها بأزيد من 300 أغنية، ومحطات تختصر قصة وطن أبصر النور على أرضه موحداً، ورحل عنه مقسماً،
ولم تك كذلك عند إنسان مرهف مؤمن بأن الفن رسالة، والوطن أمانة، صادحاً بأنه “أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا، بالذي أصبح شمساً في يدينا، وغناء عاطراً تعدو به الريح فتختال الهوينى”. “رحلت وجيت، في بعدك لقيت، كل الأرض منفى”. إلا أن الجسد وهن، والوضع أسن، فكان الرحيل وكان الفراق. في جنازته، اتحد السودانيون كما لم يتحدوا، تناسوا الخلافات والأحزاب والجغرافيا والسياسة، وذرفوا الدمع كثيراً. وشاءت المصادفة أن يُشيع عشية توزيع جوائز الطيب صالح قامة سودانية أخرى، جال أصقاع الأرض، حاملاً هَم أرض ليست بعاقر، تلد نجباء، وترسلهم للريح تبعثر أحلامهم، وتبدد نبؤات ترنموا بها لغد آت، وخذلت الأيام والقرطاس والقلم. هكذا قدر مبدعين يقبضون أمانة الكلمة كالجمر، ويسيرون كحفاة على دروب الأشواك والآلام، فالحمل ثقيل ووطء الأمانة أثقل، يذوون سريعاً كما وهج الشموع يكابدون صرير الريح، وأنين الجراح، وعثرات الليالي الطويلة وعزلة الزنازين الرطبة وسطوة الأزمان المتهاوية. أصداء رحيل وردي رددتها ضفاف أنهر عشقها كما جبال النوبة وأمواج بحر ارتادها وروضها حتى استسلم بحب ودفء لأرض احتضنته بحنان أم باعدت الأيام بينها ووليدها. رحم الله وردي، وأحسن عزاء أهله ومحبيه في السودان، والوطن العربي الكبير، وتحية للمتيمين بوطن في حضرة جلاله “يطيب الجلوس”، أحبوه “ملاذاً” وناسه”عزازاً”، أحبوه “حقيقة” وأحبوه “مجازاً. رحم الله هرم إبداعنا الأكبر .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
محمد الوردي حنجرة الوطن ..
بقلم: محمد المكي إبراهيم الخميس, 08 آذار/مارس 2012 06:03
في طفولته البعيدة سمع طنين الموسيقى في أذنيه مع أصوات العالم وانتحاباته .. مع هدهدة الأم واهتزازات السعف في ذؤابات النخيل وجؤار النيل وهو يحاور صخرة تعترض مجراه..مع أصوات الحقل والناس..مع الغناء العميق الذي ينطلق من عمق الذات النوبية حيث ترقد تحت الرمل والصخور منابع أرواحنا الحضارية..ثم عاد واكتشف عشا للبلابل في حنجرته فعرف أنه منذور للتعبير بالموسيقى عن الأعماق البعيدة حيث لا يصل مبضع الجراح ولا مسحاة الآثاري. هبطت على كتفيه الأمانة الثقيلة وهو بعد يافع غرير فنهض لها نهوض الرجل الناضج.وبعينين مفتوحتين تخلى عن مصدر رزقه الأكيد وعن ارتباطاته المادية من كل نوع ليدخل مغامرة الفن ويحقق فيها اسطورته في الدنيا. رأيته للمرة الأولى في منتصف الخمسينات في ثانوية خورطقت ذات العبق والجمال،وكان مثلنا في أول العمر والأحلام.ومثل بلادنا نفسها التي انطلقت لتوها من الأسر وأصبحت –في أوهامنا وأحلامنا- موعودة بالسماء وما حوت والأرض وما انطوت عليه من الخير والنماء..وكانت احلامنا جذلى وموعودة بالتحقق والامتلاء.ولكن لقاءنا الثاني راح يؤكد عكس ما حلمنا به في العمر الجميل .وكان نذيرا بأننا سنحيا لنرى احلامنا تنهار وسرب الأماني يتبدد ونعرف مذاق الخيبة والندم فقد التقينا في مظاهرة غير شرعية تصدت لها الشرطة وفرقتها في كل الاتجاهات واعتقلت الفنان الأسمر الفارع الطول الذي رفض ان يتفرق حين تفرقت المظاهرة.
كان ذلك عام 1959 والدكتاتورية العسكرية الأولى تعقد هدنتها مع حركة التحرر الناصرية بلهوجة وارتجال على انقاض المستودع الحضاري الأول لأفريقيا والسودان وتبيع أمجاد ترهاقا وأسلافه وأخلافه (لا يهم الثمن) باستعجال واضح لتكسب صمت حركة التحرر عن فتكها بالديموقراطية السودانية وأحلام السودانيين بعالم جديد. كانت مظاهرة نهارية قوامها طلاب الجامعة وأهالي النوبة المنكوبين .وكانت سنوات الاستقلال الثلاث قد أنستنا رائحة الغاز البذيء وشكل قنبلة الدموع التي انطلقت تتدحرج تحت أقدامنا مصدرة خيطا أبيض من الدخان المغثي جعل المظاهرة تتململ ويصطدم بعضها ببعض ثم تتزاحم مولية في كل الاتجاهات. كان ذلك افتتاحا زاهي الألوان لحياتنا الجامعية فقد دخلنا الكلية بعد انقلاب نوفمبر ببضعة أشهر وتركناها بعد سقوطه ببضعة أشهر وخلال ذلك قطعنا مئات الاميال أمام سياط الشرطة وهراواتها .وحين جاءت لحظة التخرج كان من المناسب أن نطالب لأنفسنا بشهادة أخرى في عدو المسافات الطويلة.
أخذوا الفنان الأسمر الفارع الطول في الاعتقال فسرت في أرجاء المدينة كهرباء غاضبة.ثم حاكموه وحبسوه مرسخين مبدأ أساسيا من مباديء الدكتاتورية هو مبدأ لا كرامة لكبير يهدد السلطة ويسعى في انتزاعها ولو كان في المكانة الادبية والفنية لمحمد الوردي أو في مقام العمر والهيبة الذي يحتله شيخنا الحاج مضوي (والذي لم يمنع السلطة الاخشيدية من وضعه في زنزانة ببيت أشباح السيتي بنك)أو إذا كان في مقام مؤرخ السودان وراوية سيرته كالدكتور ابو سليم الذي لم يمنعهم ذلك الاعتبار من إحالته الى معاش ما بعد المعاش (فقد كان يعمل بالمشاهرة حين احالوه مرة ثانية للمعاش,) عرف محمد الوردي أن السياسة ليست ترفا يتعاطاه أصحاب الثروة والجاه ليقام كشك الوزارة امام مساكنهم لبضعة أشهر أو بضعة أعوام وإنما هي حياة الناس..أرضهم التي يقيمون عليها أو يهجّرون منها..تعليم أولادهم وقوت عيالهم ومقادير رواتبهم.. انها دنياهم التي فيها معاشهم وليست آخرتهم التي فيها معادهم. وعرف أيضا أن على المرء أن يعطي من نفسه لتصير الحياة أصفى لونا وأطيب ايقاعا ومن هناك امتزج فنه بقضية الوطن واستطاع ان يصل الى الفن العظيم وهو يغني لمفردات الوطن وينفخ الروح في أحلامه وهفو روحه للحرية والعيش الكريم.
من الدكتاتورية الأولى التي سجنته الى الدكتاتورية المايوية التي أقامت له صليبا ودرب آلام، الى هذه الدكتاتوية الاخشيدية بثأرها القديم عند كل ما هو فن وكل ما هو إبداع..من منفى الى منفى..من غربة موجعة الى غربة أشد وجعا وإيلاما..والمتسلطون يجربون معه كل ما لديهم من الفنون..ترهيب وترغيب..إشاعات بأنه قد عاد، الى إشاعات بأنه قد مات..إعجاب وشتائم..مطاردة لفنه تتلوها فترات من الهدنة والوئا م ..انتقاءات لغنائه العاظفي المترسخ في وجدان الناس وتغييب لفنه الوطني الذي لايقل عن ذلك تجذرا وتمكنا..ولكن الفنان الكبير ينطوي على آلامه ولا يبدي سوى الرضاء بدفع ضريبة الوطن. هاهي الآن قد مضت عشر سنوات(ربما أكثر) على خروجه من الوطن وها هي الرياح السعيدة تنقله الى امريكا وتتيح لنا هذا اللقاء.ولكنها لم تكن الرياح السعيدة وحدها التي اسعدتنا به فقد كان هنالك جندي مجهول من جنود الفن والتنظيم وقيادة المجتمعات هو إبننا الحبيب منتصر جنبلان الذي اقتطع من وقته واستطاع ان يرتب لمحبي وردي الخصوصيين حفلة من حفلات العمر. جمهور صغير لا يتجاوز المائة وخمسين من العشاق والحواريين..كلهم محب لوردي وكلهم محب للآخر لمحبته في الوردي..وجوه صبوحة متفتحة للفن والحياة أحدقت بفنانها الذي اعتبرته كنزها وفخرها في بلد يجهل عن السودان كل شيء وأحاطته بحبها وإعزازها فبادلها حبا بحب. وردي الذي يغضبه الإكثار من (الهز) في حفلاته العادية كان يتجول بمكرفونه بين الموائد يحيي الناس ويحيونه ويخص كلا منهم بنظرة ذات معنى..وردي الذي يغلق أبواب حفلته بعد الوصلة الثالثة او الرابعة كان سخيا جدا..راح يتحفنا بباقات أغانيه واحدة بعد الأخرى حتى خفنا عليه فقد كان مريضا وكنا متنازعين بين الاشفاق على صحته والاستمتاع بفنه المحبب للنفوس.ولكن دعوني أسارع لتطمين محبيه فهو في خير صحة..ربما زاد وزنه أكثر قليلا من المعتاد ولكنه نفس الشاب الأسمر فارع الطول الذي تسكن العنادل حنجرته ويسكن قلبه الرهيف حب للوطن نادر المثال.
كنت خائفا ان اجده ضعيفا متهالكا تحت وطأة المرض ولكن وجهه كان مشرقا مضيئا ووهج العزيمة ينطلق من عينيه. ولم يكن محتاجا لشيء فقد أحاطت به القلوب وهرعت اليه عائلته الوفية من أصقاع الدنيا ولم يبق الا أن يعثروا له على قطعة الغيار المناسبة ليستعيد الصحة والعافية ويعود الى مسكنه الرسمي في قلوب محبيه وعارفي فضله على السودان وثقافة السودان. لم نكن وحدنا مع وردي ولم يكن وحده معنا فقد آزرته في أداء الأغاني النوبية فنانتنا المبدعة البلبلة هادية التي تنسجم في فنها وتغني بكل احاسيسها حتى ليخاف المرء عليها من شدة الانفعال وهي صفة لايشاركها فيها من فناني السودان إلا فناننا الأثير محمد ميرغني..وكان معه الفنان عبد الهادي على تلك الآلة الالكترونية التي تعزف كل شيء.وكان معنا أبناء النوبة المصرية الذين جاءوا يحملون لمحمد الوردي تذكارا ماديا لمحبتهم وإعزازهم ووقفوا معنا يرقصون ويهتزون على وقع أهازيجه ويرسمون علامة النصر وهو يغني للوطن الرائع الجريح.
في أوقات مثل تلك يكون للوطن حضور يملأ القاعة حتى لتكاد تلمسه بيدك وتتشممه بخياشيمك..ومن لا مكان تهب عليك ريح بليلة الذيل تحمل شذى الأرض الممطورة والحقول التي تزهر فيها الذرة واللوبياء..ثم-آه يا وطني الحبيب- يخيل اليك ان الأحباب الراحلين قد عادوا الى الحياة في تلك البقعة القاصية وانهم ينتظرون إيابك محملا بلأقاصيص. حملنا محمد الوردي بجناح فنه الى تلك الأماكن وأولئك الشخوص ولكنه ادخر لي مفاجأة شخصية فقد أسمعني- للمرة الاولى على وجه الاطلاق – "سلم مفاتيح البلد"،وكان ذلك أمرا أكثر من مثير فقد تحولت الكلمات البسيطة التي كتبتها الى دفقات من اللحن الناطق القوي واحتشدت بشحنات من العاطفة الجائشة التي تخاطب الروح وتهز الوجدان..ووجدتني أصغي إصغاء كاملا لاستمع للكلمات التي بتأثير اللحن المتشظي لم تعد مألوفة لدي. وقف وردي في قلب القاعة وليس على منصة الغناء،أي أنه وقف بين جمهوره ومحبيه،وعلى طريقة المغنين الثوريين العظام راح يمشق قامته الفارعة ويرفع يده كقائد يقول لرجاله:"اقتحموا قلعة العدو" وهو يرفع عقيرته مهددا جيش الظلام:"بتهرب فين وانت ايدينك الاتنيم ملوثة دم .فصيح الدم..فصيح بنضم وبتكلم لغات الدنيا..تهرب فين." عفارم عليك يا ولد. أعيد عليك كلمة قلتها ذات يوم: انا سعيد يامحمد الوردي أن ننتمي معا للأمة المناضلة،الأمة المقاتلة ، للشرف الوحيد ،في عصرنا الشهيد. حياك ذو الجلال وأخذ بيدك الى مراتع العافية والشفاء أيها الفنان الكبير عاشق بلاده الخاشع ..شفاك وأمتع بك أمة تتجمل الدنيا في عينيها وأنت تصدح لها وتهز مشاعرها بالعواطف الرقيقة الهفهافة،وفي عصور الظلام تكون أنت حنجرتها الداوية وصوتها الجهير.
نقلا عن "ظلال وافيال "الصادر عن مركز عبد الكريم ميرغني عام 2000
-------------------
خمسينية وردي ..
بقلم: د. خالد محمد فرح الأربعاء, 07 آذار/مارس 2012 07:28 Share
[email protected] أرجو أن أعزي بادء ذي بدء ، أسرة الفنان الراحل العظيم الأستاذ محمد عثمان وردي الذي رحل عن دنيانا الفانية في الثامن عشر من شهر فبراير المنصرم 2012 م ، وهو – بالمناسبة - نفس تاريخ رحيل أديبنا الفذ الطيب صالح ، سوى أن ذلك حدث في عام 2009 م. فالتعازي الحارة نتقدم بها لكافة محبي وردي ومعجبي فنه داخل السودان وخارجه. لقد شق نعي وردي على كل فرد من أفراد الشعب السوداني بصفة خاصة ، لأنه كان بحق رمزاً بل إيقونة من إيقونات الفن والإبداع الخلاق والأصيل الذي ظل يصوغ ويثري الوجدان داخل السودان خصوصاً، وعلى نطاق واسع في إفريقيا بصفة عامة ، على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان. وقد أسال رحيل وردي سوى الدموع الغزار ، مداداً كثيرا من قبل العشرات من الكتاب والصحفيين والشعراء المؤبنين له ، وما يزال هنالك الكثير الذي يمكن أن يقال عن وردي وشخصيته العبقرية وفنه في مقبل السنين والأيام. وقد كنت نشرت في شهر يوليو من عام 2007 م ، مقالاً بعنوان: " مع خمسينية وردي " ، أحببت أن أشارك بها في هذا الجهد التوثيقي والتعريفي بفنانا العظيم الذي جاء يوم شكره كما نقول في كلامنا ، ولله الأمر من قبل ومن بعد. وكنت قد ذكرت لنجليه: عبد الوهاب وحافظ أمر ذلك المقال القديم وأنا أعزيهما في ليلة التأبين بمنزل الأسرة بالخرطوم. وهانذا أستميح القراء الكرام عذراً عن إعادة نشر هذا المقال مجدداً ، تعميما للفائدة:
أرجو أن أتقدم في البداية بعاطر التهاني والتبريكات ، مقرونةً بالأمنيات الطيبة للفنان العملاق الأستاذ محمد وردي بمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاق مسيرته الفنية الرسمية من خلال أثير إذاعة أم درمان. والتهنئة موصولة من بعد لمعجبي الفنان وردي خاصةً ، ولكافة أفراد الشعب السوداني الذي ظل وردي يطربه ويشجيه ويعمر وجدانه بكل شائق وبديع من الألحان والأغنيات طوال نصف قرن كامل من عمره الفني المديد بإذن الله.
إنني وأبناء جيلي من مواليد خواتيم الخمسينيات ومطالع الستينيات من القرن الماضي بصفة خاصة ، قد تفتحت أعيننا وآذاننا على غناء محمد وردي ، وما تزال تتأوبنا بعض ومضات من ذكريات طفولتنا وصبانا الغض ، حاملةً مرائي ساحرة من مباهج ذلك الزمان الندي المترع بالفن والجمال وراحة البال في السودان ، والتي كان غناء محمد وردي إحدى فواكهها الشهية.
أذكر إذ كنا صغاراً نرافق أمهاتنا إلى حيث كن يشاركن في مناسبات أفراح الأقارب والجيران والأصدقاء ، ونحن نتشبث بأثوابهن بكل ما كنا نملك من قوة ، وهن يشددننا من أيادينا خشية التيه و الزحام ، والسباتة حارة والمجال مضمَّر كما قال خليل أفندي فرح ، والبنيات في ضرام الدلاليك كما قال محمد المهدي المجذوب ، وقد سرحن شعورهن " بوقجيه " ، ولبسن فساتين " كلوش " وانتعلن الجزمات " الكبس " ، وهن يرقصن شيئاً كان يسمى " تويستي بالجنبات " على أنغام أغنية وردي: " لو بالصد أبيتيني .. ولو بالنار كويتيني .. أنا لا ما بنسامك .. أنا لا... ما بنساك ".
وصفة التويستي بالجنبات يا هذا ، هو أنّ الواحدة منهن كانت تؤرجح جسدها يمنة ويسرة في حركة إيقاعية منتظمة ، مميلة ثقلها بالاستناد تارة على القدم اليمنى ، وتارة أخرى على القدم اليسرى ، في حركة بندولية ، في الوقت الذي تضع فيه مرفق إحدى يديها ( كوعها ) على أصابع يدها الأخرى مجتمعة في شكل قمع أو كم زهرة ، وبالتناوب مع ذات الإيقاع.
ثم لما كبرنا قليلاً واُدخلنا المدرسة ، كانت ألحان اغاني وردي من أشهر ما يختاره المدرسون والتلاميذ كذلك لتلحين المحفوظات من النصوص الشعرية. ومما أذكره من ذلك محفوظة:
ألا طيري .. ألا طيري
وغنِّي يا عصافيري ...
التي لحناها على نغمة أغنية: " لو بالصد أبيتيني " الآنفة الذكر. وقد كان هذا اللحن منتشراً جدا على نطاق واسع في شتى أنحاء السودان. وآية ذلك أن السفير الأديب الأستاذ خضر هرون قد ذكر في مذكراته التي نشر طرفا منها قبل نحو عامين من الآن ، أنهم في مدرسة: " السجانة الأولية " بالخرطوم ، قد لحنوا محفوظة " هيا للمرعى يا غنمي .. سيري واستمعي للنغم " على نغمة: " لو بالصد أبيتيني " هذه. فهل كان وردي – وقد كان مدرساً أصلاً – هو أول من اختار هذا اللحن لهاتين المحفوظتين ؟.
وصوَّر لي خيالي الطفل أول عهدي بنشيد: " أصبح الصبح " لمحمد وردي ، الذي صاغه شعراً الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري ، صوَّر لي أنَّ " النور " المذكور في قول الشاعر: أصبح الصبح وها نحن مع " النور " التقينا .. الخ ، صوَّره لي على أنه " النور " ود عمنا خليل النور ، الذي كان حينها طفلا يصغرني بعام أو عامين ، وكان أهله جيراناً لنا ، وكان والده – عليه رحمة الله – زميلاً لوالدي في مهنة التعليم.
ثم إنه تبين لي من بعد ، وقد توسعت مداركي ، ونضجت ذائقتي الموسيقية شيئاً ما ، أن نشيد: " أصبح الصبح " سيستمر عملاً موسيقياً محورياً في مسيرة محمد وردي ، وسيتردد صداه في أعمال أخرى لاحقة.
فقد لاحظت أنَّ ورديّاً قد أدخل على سبيل المثال ، لازمة موسيقية أو قطعة (morceau) من موسيقى نشيد أصبح الصبح في نشيد آخر لحنه وردي وأداه بعد عدة سنوات من تاريخ أدائه لذلك النشيد ، ألا وهو نشيد: " في حكاياتنا مايو " للأستاذ محجوب شريف ، وذلك حين يقول:
وتماماً أصبح الصبحُ .. على الشعب تماما
والقطعة المعنية تجيء مباشرة بعد قوله " الصبحُ " ، وقد استعارها من موسيقى نشيده الأول. والراجح هو أن تكون قد ذكرته بها في لا وعيه ، ( وربما في وعيه ) ، عبارة " أصبح الصبح " هذه. ولو كنت أعرف الكتابة الموسيقية لرسمت للقارئ المتخصص تلك النغمة المستعارة. وبالمناسبة ، فإن " مايو " قد حظيت بأناشيد كانت غاية في الروعة من حيث الموسيقى والألحان والأداء ، منها أناشيد وردي في بداية ذلك العهد ، وسيد خليفة ، والثنائي الوطني ، وإبراهيم عوض: " يا ريس براك شفتَ .. أروع واعظم استفتا " ، و" غالية يا ثورة غالية علينا " لعبد العزيز محمد داؤود وألحان برعي محمد دفع الله ، وختمها الشاعر الفريق جعفر فضل المولى وأداء المجموعة بنشيد: " على الأعداء الله أكبر .. يا جعفرْ " ، حتى قضى الله أمراً كان مفعولا.
هذا ، ووردي من عباقرة التلحين في السودان بلا أدنى ريب. وقد كنت قرأت رأياً للإذاعي المخضرم الأستاذ محمود أبو العزائم ، مفاده أنَّ أعظم ملحن عرفه السودان هو " كرومة " ، يليه مباشرة " محمد وردي " ، وأظن ذلك صحيحا.
وتأكدت لي مرجعية ومركزية لحن " أصبح الصبح " في مشروع محمد وردي الموسيقي أكثر عندما رأيته وقد أدخل شيئاً من ذلك اللحن في الموسيقى المصاحبة لنص النشيد الرائع الذي ألفه الفيتوري أيضاً ، ولحنه وأدَّاه وردي بعد انتفاضة أبريل 1985 م ، وذلك هو النشيد الذي يقول فيه الشاعر:
في زمن الغربة والارتحالْ
تأخذني منك وتعدو الظلال
وانت عشقي حيث لا عشق يا سودان
إلاَّ النسور الجبالْ
* * *
فدىً لعينيك الدماء التي
خطَّتْ على الأرض
سطور النضالْ ...
* * *
يا شرفة التاريخ
يا رايةً منسوجةً
من شموخ النساء
وكبرياء الرجالْ ... الخ
هذا هو والله السحر الحلال. ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فإنَّ للفيتوري قصيدة أخرى جيدة من هذا الإيقاع وهذا البحر ذاته ، ألا وهو بحر " السريع " من البحور الخليلية ، نظمها في حب العراق وتمجيده في ثمانينيات القرن الماضي ، وألقاها في مهرجان المربد الشعري ، وهي التي مطلعها:
غائبٌ والعيونُ عليك اشتياقْ هائمٌ خمركَ الذكريات العتاقْ
وفيها أيضاً:
إنما يستردُ البلادَ الرجالُ الأسودُ وليس الرجال النياقْ
وفيها – كما لا يخفى – استشراف كشفي لواقع الحال في ذلك البلد المنكوب الآن.
وعوداً إلى موسيقى " أصبح الصبح " ، فقد استعاد الفيتوري هذه " الموتيفة " الشعرية مرة أخرى في قصيدته: " في زمن الغربة والارتحال " ، وذلك حين يقول:
أصبح الصبح كأنَّ الزمنَ الماضي على الماء نقوشْ
فبمجرد انتهاء وردي من نطق كلمة " نقوش " هذه ، تصدح الموسيقى بذات " القطعة " الأثيرة من نشيد: " أصبح الصبح " القديم ، فتأمّلْ !.
هذا ، ولم يقتصر التلحين على انغام وردي على محفوظات تلاميذ المدارس الإبتدائية مثل: " ألا طيري ألا طيري " و " هيا للمرعى يا غنمي " الخ فحسب ، بل تعدى ذلك إلى تلحين المدائح النبوية أيضا. ذلك بأنَّ للشيخ عبد الرحيم البرعي الكردفاني رحمه الله مدحة نظمها على لحن أغنية وردي: " بيني وبينك والأيام " ، وهي مدحة: " ربي وربك الرحمن .. والمختار نبينا ... بالإيمان والإسلام مرسول رحمة لينا " ، وقد جارى بها الشيخ لحن وردي لهذه الأغنية بكل تفاصيله.
إنَّ محمد وردي في حقيقة الأمر ، فنان شامل تصعب الإحاطة بمختلف ملامح تراثه الضخم ، وسبر أغواره في مثل هذه العجالة. ولا أظن أن هنالك مطرباً سودانياً قد تميز تراثه بهذا الثراء وهذا التنوع الفريد ، مع الافتنان والإجادة التي تحلق بعيدا في سماء النبوغ والعبقرية والفن الرفيع: غناء عاطفي باللغتين الدارجة والفصحى ، أناشيد وطنية وثورية ، غناء باللغة النوبية ، أغاني تراثية بالعربية والنوبية ، تأليف موسيقي ، تلحين أغنيات لنفسه ولغيره من المطربين ، مثل أغنية " واللهْ مشتاقين " من كلمات إسماعيل حسن وأداء عثمان مصطفى التي يشتم منها النفس الوردي بصورة واضحة ، وكذلك أغنية " أيامك .. أيامك باسمة يا قلبي " من أداء المطرب الكبير: صلاح بن البادية ، وأخيراً مديح نبوي: " قصيدة: مدينتك الهدى والنور للشاعر محمد المكي إبراهيم مثالاً". ويبدو أن محمد وردي قد كان يعالج النظم الشعري أيضاً ، فقد سمعت الموسيقار المطبوع الأستاذ بشير عباس وهو يقول في لقاء تلفزيوني أجري معه قبل عام أو يزيد قليلا ، إن الكلمات المصاحبة لمقطوعته الموسيقية المعروفة " يا ترى حجبوك من عيني .. يا ترى .. أنا مش قدر حبك ولاّ أيه .. " هي من تأليف وردي. هذا ، وبشير عباس من عشاق وردي بلا ريب ، شأنه في ذلك شأن ملايين السودانيين. ويقال إن " النقرشة " بالعود التي تأتي في مطلع أغنية " الحبيب العائد " هي من عزف بشير عباس. سمعت ذلك من الأستاذ: عوض بابكر في حديث إذاعي له ، ولا ينبئك مثل خبير.
وعلى ذكر الغناء التراثي ، أو ما درج على تسميته بأغاني: " الربوع " بصفة خاصة ، فإنني على كثرة ما استمعت إلى الأغنية الشعبية النوبية الشهيرة: " أسمر اللونا " من عدة مطربين ، إلاَّ أنني لم أجد مطلقاً من يقارب أداء محمد وردي لهذه الأغنية بعذوبة صوته ، وصدق أحاسيسه ، وحرارة وجده وهو يؤدي هذه الأغنية مما يجعل أي مستمع يتجاوب معها ، حتى ولو كان من بين الكثيرين من أمثالي ممن لا يفقهون اللغة النوبية ، ولا يفهمون مما يقال في تلك الأغنية ، إلا ما يتسقط من بعض العبارات المقترضة من عربية أهل السودان الدارجية مثل قول الفنان: " قميص نص كمْ " الخ ...
كان الأديب الراحل السفير عبد الهادي الصديق رحمه الله ، شديد الإعجاب بغناء محمد وردي ، وكنت كثيراً ما أتناقش معه حول قضايا الأدب والشعر والغناء والموسيقى ، ولقد كان فيها جميعاً بحراً زاخراً بالمعارف والفنون. غير أنّ المرحوم عبد الهادي الصديق كان يرى – وحب الناس مذاهب كما نقول – أن أعظم أغنية لوردي هي نص الشاعر الراحل عمر الطيب الدوش: " بناديها ". وواسطة عقدها اللحني في نظره هي عندما يرفع وردي عقيرته قائلاً: " بتطلعي إنت من غابات .. ومن وديان .. ومني أنا.. ومن صحية جروف النيل مع الموجة الصباحية " الخ
أما انا فكنت أقول له ، وما أزال أعتقد ذلك ، أنَّ أعظم أغنيات وردي ، وعسى أن تكون واحدة من أعظم الأغنيات السودانية والعربية المعاصرة على وجه العموم شعراً ، وتلحيناً وموسيقى وأداء هي أغنية: " الحبيب العائد " أو " عاد الحبيب " للشاعر الأستاذ صديق مدثر، على النحو الذي هي مسجلة به بالإذاعة وليس على أي نحو آخر:
عاد الحبيبُ فعادت روحي وعاد شبابي
يا شوقُ مالك دعني أما كفاك عذابي
لقد شربتَ دموعي أما سئمتَ شرابي ؟؟؟
وأفضل الأوقات عندي للاستماع إلى هذه الأغنية هي في مثل أمسيات أيامنا الخريفية هذه ، وخصوصاً قبيل انهمار المطر ، والجو ملبد بالغيوم ، والنسيم يسري عليلاً ، والبرق يسطع في ذات اللحظة التي يصدح فيها وردي ملء صدره:
عاد الحبيب فعادت إليّ أحلى الليالي
ذكراه تقدح ناراً ووجده في اشتعال
هنالك حيث يختلط انقداح نار ذكرى الحبيب الذي كان غائبا ، واشتعال الوجد في قلب محبه ، ويتماهى مع انقداح البرق ولمعانه ، مما يهيج الذكرى والشوق والحنين ، ويجعل العاشق المتيَّم " يبكي ويتمختَنْ " والله أعلم ، وعاش محمد وردي فنان إفريقيا الأول.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
حبيبتي عزة.. (في عزة جبالك ترك الشموس) محمد عثمان وردي عبد الغني كرم الله
عزة الصابرة... في البدء، أعزيك في سفر حنجرتك السمراء.. محلقة بأجنحة من غير ريش لتخوم السماء.. حنجرة صغيرة، عذبة، فريدة، طوت تحت لسانها، صوت بلادي، من خفق الموج، وحتى حفيف الشجر، ونبض القلب، «وإضطراب النور، وخفقه جرسه».. كانت حنجرة حلم، ونبرة أمل، وأنة حزن.. عزة، مات لحنا، فولد هنا، مرة ثانية، كأجمل ذكرى تزخرف وجدان شعبك وحقولك، بلغي عزائي لأشجار الليمون، والبرتقال، وللعصافير برأسها الخافق، ولضفة النهر، ولمقابر أهلي، ولنبض قلوب الأطفال في مهدهم، ولذرات التراب أنى كانت، ولصفحات الكتب، وللنسيم الذي فقد مغني يستنشقه، كخمر حلال... والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.. (1) من الصف الثاني ابتدائي، أنسل صوت كورال جماعي، فصل شيد من طوب أحمر، قديم ومتين، أيام كان للإحسان نور، في كل مهنة، وحرفة، فصل مستطيل، علته بعض أعشاب نجيلة، وسعدة، عند الأساس، واتكأت عليه بعض نخلات عجوزة، كأن سعفها يصغى هو الآخر، لهذا النشيد الطفولي، البارع، فظل السعف يمسد الحائط برفق، حينا، من طرب السماع، وحينا يلطم الشبابيك، في عتاب، بشعر أخضر، غزير، وقد هزه اللحن الشجي، مثل شبال فتاة لفتى كريم، وظل النشيد يملأ حمى المدرسة، وسماء القرية، أجمل ما يكون، فيتساقط البلح، من النخلة العجوز، حلوا ، وكأن جذر النخلة كان في سعفها، وليس في رحم الأرض الطيبة، وقد شربت اللحن، فأرتوت بالسكر، والحليب والعسل، من أعلى ومن أسفل، وأما النشيد، فقد فاح في القرية، بركة، وأملا، وسحرا.. دجاجي يلقط الحب، ويجري وهو فراحنا كأن عيونه خرز، لها في الشمس ألوانا ولي ديك له صوت، جميل اللحن رنانا وعند الفجر يوقظنا، وطول اليوم فرحانا.. ثلاثون فتى، في جلاليب دمور، يرتلون هذا النشيد، في فصل طيني بسيط في قرية صواردة، الجاثية على النيل، بركة وشكرا، فصل ذو شبابيك خضراء، متآكلة، وكل من يمر قرب المدرسة، من الفلاحين والرعاة، لاشك يميز صوت ابنه، أو حفيده، أو ابن أخته، فتقر عينه، فيغمز بعرقوبه بطن حماره رضى، وحثا لها، كي تسرع، للحقل، والغد الطيب، ونشيد الأطفال لم يزل يلاحقه، كنشيد صبية يثرب، لليتيم الاعظم، (جئت شرفت المدينة، فمرحبا يا خير داع)، ولكن بينهم صوتا فريدا من هذه الجوقة، صوت مميز بينهم، يشجي القرية، صوت يلمع، كالخرز في ضوء الشمس بين نبرات الصبيان، حنجرة كصوت ذلك الديك الجميل في القصيدة، أنه الفتى الصغير، اليتيم، بالصف الثاني ابتدائي التلميذ محمد ود عثمان وردي، فيهمس الفلاح وهو على ظهر حماره، رحم الله عمي أوثمان وردي، وجعل ابنه (مهمد)، قرة عين، فسمعت الملائكة، والنخيل، والنهر، والسماء دعوة فلاح محنن بالطين، ومعطر بالطمي، خشن اليد، لين الفؤاد، فلبت كلها (آآآمين)... فلاح، يعاني، كأهل بلادي، عنت تعدد لغوي، (فيصلي بلسان، ويغني بلسان)، ويغضب بلسان (أف، جر، تك، بس)، كما عانى محمد عبدالحي في عودته، لسنار، (إن عاد لها، ووجدها كما يتصور، وليس أضغاث أحلام، عن هويات كواذب، وكفى (الهويات شر الصراع)، فالأب آدم، والأم حواء، وإن كان في أصلهم شئ يفاخرون به (فالطين والماء).. ما هويتك، سيدي العبيد ود وريا، حين قلت لمريديك (كن بالعبودية متحققا، والربوبية متعلقا)، كونوا ربانيين، أتلك هويتك؟ ما أعجبك يا بلادي، لك من الجبة ألوان حقيقة، ونحبك حتى حين تلامي (أدر ذكر من أهوى،ولو بملام)، بلى، ولو بملام، (فإن أحاديث الغرام مدامي)، ففي تلكم البلاد القاصية، القريبة، شمال بلادي، سعى، وتربى، ونام، وبكى، يتيمك محمد وردي، وردي (الذي تغنى بمجدك فاغتنى) ... إن اليتيم في بلادي، وفي قرى بلادي، له ألف أب، وأم، يغمره الناس بعطف أم، وكرم أب، فيحس اليتيم، بمحبة، وثقل، فكيف يكون بارا بآبائه، أجمعين، ويسدي حلو الصنيع، لهم أجمعين؟، فما اليتم في بلادي سوى أن تغرس ابيك في رحم الأرض، وتمضي للقرية، وتجده في كل بيوت القرية، أبوات صدق، وأمهات حق، باشة، هاشة ، ساهرة عليك، فتتعجب (أدفنت أبيك)، أم سرت روحه في رجال قريتك، ونساء بلدتك، أجمعين، وفي سر ذلك اليتم عاش وردي، فملاك الموت أحكم وأرأف، حين يقبض الارواح، ويثكل الأمهات، ويرملهن، بلى أحكم، من عقولنا القواصر (حياتي خيرا لكم، ومماتي خيرا لكم).... فشعر الفتى، بثقل حمله، وبفقد أبويه، وتكاثرهم في ذات الوقت، فما أعجب العيش في حمى بلادي, تنسج وقائع الحياة اليومية قصيدة حب فطرية، رغم لوم الفقر، ومر الفراق، ويظل صدى الحزن، وفرح العطف، يتردد في قلب الفتى، وفي لحنه، ووتره، بعد حين، وهو يحس بأنه أبن الجميع، أمه الأرض، وأبيه السماء، بل سعف النخيل، وموج النهر، أغدق رحمته على فتى صواردة اليتيم، سعف يظلله، وموج يرقص له، ويبوح له بسر المد والجزر، والحزن والفرح، وبسر الحياة، الكامن في صلب الماء. ومن شب على شيء شاب عليه، فظل ذاك الخرز، بل ذاك الماس يلمع ثمانين عاما بالتمام والكمال، وسيلمع مع كل فجر جديد، مثل تلكم الدجاجات السعيدة، وهي ترعى في **الحقل، ويبرق من عيونها الجميلة طيف ألوان بديعة، سبت ذلك الشاعر، ومثل ديك تلك القصيدة الجميلة، ظل ذاك الفتى، وطوال حياته العامرة يوقظ الشعب بأسرة، كل فجر، كي يستحم بالنور، ويغني للحياة، ويقيم الصلاة، وبعد حين تغنى الشاب: (وأحبك ملاذ، وناسك عزاز، وأحبك حقيقة، وأحبك مجاز) (أحبك بتضحك، وأحبك عبوس، في عزة جبالك ترك الشموس) ومن شمال السودان تدفق نهر، يجري للجنوب، رديف النيل، وخصمه، كل يمضي في شأنه، هذا يحن للشمال، كي يحكي له نبض قوم في الجنوب والوسط، وذاك يحن للجنوب، كي ينقر له الرباب، ويغسل الكلمات، وينفخ الروح بين الأضلع، كما نفخ أخوه النيل، الروح في جذور النبت، وسقى الحقل، وسحر الشعراء، ورعي الحياة والزهر، فطوبى من نهرين خاصرا بعضا، ولم يعكر صفوهما اختلاف دربيهما، نهر وردي يتدفق، ويحج من الشمال للجنوب، ونهر النيل يسعى بحكمة، ويتلوى من أثر سكره، نحو الشمال من أقاصي الجنوب، هذه بتلك، وهل كان وردي نهرا يتدفق من الشمال للجنوب فقط، أم كان نهرا يتسلق جبال الحبشة، وتلالها، عكس التيار، وسنحكي عن هدا النهر الثالث لاحقا، فالحديث عنه ذو شجون، ولا ينقضي وطره .. (كأن هبوب الريح من نحو أرضكم *** يثير فتات المسك والعنبر الندا) ونحن مثل قيس بن دريح، قتيل «لبنى»، نشم رائحة الفرح الأصيل (مثل عنبره، ومسكه)، من قبل (صواردة)، كما شمها هو من قبل مضارب خيم لبنى، وكما شمها المعصوم، من قبل اليمن، حين قال عن أويس القرني (أني أشم رائحة الرحمن من قبل اليمن)، فطوبى للرياح الشمالية، التي تحلق بأجنحة من غير ريش في قبة سماء بلادي، تحمل أثير أغانيك، فتملأ الفضاء كضوء الشمس في النهار، وكظلام الليل في المساء (حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحضن العراق) كما أحب السياب ليل بلاده، لأنه يحضن العراق، فصوتك يحتضن البلاد، بدفء أسمى، وأرق من ليل العراق (وكل فتى، وفتاه، بأبيه، وأمه معجب)، فحتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن أغانيك وهي تحلق من دار لأخرى عبر الأثير، هل أذكر ليالي القرية وأنت؟ وصوتك، أم العجلة من الشيطان، وأترك ليالي القرية لنهاية المقال، أن كانت له نهاية، لو مد الله في العمر، أطويل ليلي، أم يطول. عزة الأم والخالة، والضل الكبير.. (وما بين ظلالك أفتش أكوس، أفتش طفولتي، ملامح صباي) (بناتك عيونن، صفاهن سماي، وهيبة رجالك، بتسند قفاي) هذا شأن طفلك، حين كان يحبو على ترابك حافي القدمين، ويكوم ترابك بيديه، ويبني بيوتا، وجبالا وتمنى، ولكن من أين جاء، وإلى أين مضى، ألم يقل الأمام علي (من لا ماضي له لا مستقبل له)، وهو القائل (من لا يعرف من أين جاء لا يعرف إلى أين يمضي)، فماذا جرى في ماضيك التليد؟، كي ننظر للوراء، بحكمة وترو، كما ينظر السهم للوتر والقوس والرامي، فهما من حددا مصيره الماثل، وسرعته، وهدفه، فهناك، بعيدا في غابر أيامك، في بلاد النوبة القديمة، أنطلق سهمك الحكيم، فما التاريخ؟ ألم يعرف شيخ المؤرخين الطبري، حين سأل لم أنت متيم بالتاريخ، وأيام العرب فقال (التاريخ إرادة الله). ونحن نرتل معك: (وما بين ظلالك أفتش أكوس، أفتش طفولتي، ملامح صباي) كي نفتش معك، ملامح طفولتك، وطفولتنا، وملامح صبانا.. قبل ألف عام وعام، وعلى ضفة النيل الغربي، الذي يشق بطنك الولود، حيث تنام الشمس من وعثاء الظهيرة، والعصر، والأصيل، وتصبغ الأفق بحناء الرحيل الحميراء، والتي تشتد سواداً مع توغل الليل البهيم، دفن مغنٍ نوبي أسمر، كترابك، تغنى بمجدك فأغتنى، صدحت حنجرته حين انحنت سنابل القمح تواضعا للحصاد، وفي زغاريد العرس، وفي مواطن الحزن والألم في معابدك القديمة.. حفرت المعاول قبره، كما تحفر للبذور حفرتها، وكما تحفر المعاول ساس البيوت، حفروا قصر خلوده، هناك وهنا، فأستحم بالصندل، وكفن بثياب زهد، وحمل على نعش مزخرف، بأيد مهرة، ودفن بهيئة القرفصاء، مثل ما كان يرقد جنينا في بطن أمه، بطن أرضه، يضم يديه لصدره، ورجليه على بطنه، وبرفق انزل أهله في القبر خنجره، وصحن ملئ بالقمح، ونعاله للحياة الأخرى، حين يولد مرة أخرى من رحم الأرض، كما ولد من بطن أمه النوبية، وبرفق وتؤدة انزلوا ربابه، كي يؤنسه في حياة الأخرى، حتى ريشة الحمام التي كان يعزف بها، ضفرت بين أوتار الرباب، فمات ليحيا. شارك هذا المغني في أكتوبر، رغم ميلاده قبل ألف عام وعام، فما نجنيه اليوم، هو ثمار وحصاد زرع قديم، (كان أكتوبر في أمتنا مند الأزل)، بلى كان، و»كان خلف الصمت، والأحزان يحيا)، منذ تلك العصور الغابرة، للظلم، والجور (صامتا، منتظرا، حتى الصبح أطل)، وللحق الصبح لم يطل بعد، وأن أطل في عاصفة عاطفة، فجرت أكتوبر الأول، والكون بأسره، ينتظر عودة أكتوبر حالمة، مفكرة، حكيمة (ترقص الحملان مع الذئاب)، في مسيح أسمر، طيب المحيا، نقي القلب، وديعا، قويا، (تهزه بسمه الطفل، وقوي يصارع الأجيالا)، ألم يكن أكتوبر منذ الأزل، صامتا، منتظرا؟.. فما أعجبك أيها النوبي الأسمر، وأنت تشبه جدك ذاك، الذي ذاق سر الموت قبلك بألف عام وعام، كيف حييت ذلك اليوم، كيف مت لتحيا، فمنذ أن قبرناك في مقابر فاروق، صباح الأحد 19 فبراير 2012م، شمال شرق المقابر، ودفنت قرب أسماء منسية، بسيطة، تغنيت بها، لها، كتبت على شواهد قبروهم اسماؤهم، الحاجة زكية عبدالفتاح، توفيت عام 1992، وذهبية محمد العش 1962م، ومحمود جادين 1979م، هؤلاء هم جيرانك في دار الخلود، فسلام عليهم، وعليك، وعلى آل فاروق، من ذاقوا سر الموت. جالت عيناي ذلك الصباح الحزين في مقابر فاروق، أناس لا تعارف بينهم سوى حبك، حتى الشوارع والطرق والأشجار ورجال المرور كانوا حزانى، بيت بكاء صارت المدينة، فقد كنت مع الكل، لا كما يكون الظل رفيقا، ولكن أمام فن، وشاركت في الأفراح والاتراح بقدح كريم، في كل أعراس بلادك، في الريف والحضر، قدحك معلى كأشعة الشمس، لا تنسى حقلا فتذكر، ولا تهمل شجرة في غابة فتلوم، فمن فنك الأصيل، شرب القوم كلهم، والطير والقرطاس والقلم، ومسحت بكف أنهر دموع عن الأرامل، والحزانى، والمساكين، والمساجين، حتى صاحت امرأة بسيطة، حول قبرك المعمور (سمعكم صوتو، سمعوهوا صوتكم لا إله، إلا الله)، فكبر الجميع بحزن، وتدبر للموت، وتدبر لك، وليوم الحساب، ولحال البلاد، ولسر الرحيل، ولأغانيك، للحياة الدنيا، والأخرى معا، في ومض خاطف، تدبرنا بعمق كل شئ، كما يضئ البرق في عمره القصير السماء كلها، تدبرنا جلال الموت، والميلاد، كنا في المقابر نشيل الفاتحة لكل من يقابلنا، فالفقد واحد، والحزن واحد، فأنت أب، وخال وعم ووالد وشقيق الجميع، بلا فرز ... (2) رأيت عبدالعزيز المبارك يبكي بحرقة على قبر دارس، بعيدا عن الجماعة، وترباس مزين بالحزن، والحلنقي سارح مع لغز الموت، والباقر العفيف ساهم في سر الحياة والموت، وأحمد محمد الحسن يشعر بصدق لحنك، وبطولتك الفريدة، (لولا المشقة ساد الناس كلهم، الجود يفقر والأقدام قتال)، وقد كنت مقداما (والموت ضرب من القتل)، كما سطر المتنبي العظيم، الحكيم.. حين خرجت من المقبرة، في بوابتها الشمالية، قبالة حديقة أوزون، سألني اريتري عابر، من هو المقبور، قلت له وردي، فهش لأنه يعرفه، وحزن لفراقه، وقال بلهجة مرحة، (واللاي لو حبش واريتريين يعرفوا كان ملو المقابر)، هش بمجرد ذكر اسمك، كما هش قيس، حين تذكر لبنى... (فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها، كما هش للثدي الدرور وليد)، عند الباب وجدت فتاة اجتمع الناس حولها، حسبتها بنت وردي، (شلت لها الفاتحة)، مع سرب، كانت ترتدي نظارة سوداء، وبعد حين قال لي صحافي (عرفت دي؟)، قلت له بنت وردي (قال لا، دي ندى القلعة)، وأصريت (في خاطري)، انها بنت وردي، فكل مغني، على قدر ما قاسى، سقاه وردي يغني، أما الحبوبة، «حواء الطقطاقة»، كانت حزينة، أعمق ما يكون الحزن، حزين من يعرف قيمة نقرة الرق، ورنة الوتر، وبركة الحنجرة، ولسان حالها يقول (هل طاب لكم أن تدفنوا حياً)، فما أعجب الحزن (ما الحزن؟)، يبدو قصيدة من ضلع الألم، قلب الالم، ولكن ياحواء الطيبة، إنه المجاز، فالضوء لا يدفن بتراب، ولا بألف معول، ولسان موته ينشد، حياته خير لكم، ومماته خير لكم، فأغانيه باقية، خالية، كأنها اقتاتت من عشبة الخلد، قبل حية جلجامش، «والقيود أنسدلت جدلة عرس في الأيادي)، وياله عرس يلاقي كل مثل فيه مثلا.... كان موتك (ميلادك)، وقفة تأمل بوذي للجميع، كيف يمد ملاك الموت يده لواسطة العقد، ويختارك، كما يختار أكل التمر أطايبه، ولكنه أعطاك ثمانين عاما، وتحداك في ان تملألها بركة، وعطاء، وتحديته، سيد نفسك، من أسيادك، فعصرت قلبك، وصدحت حنجرتك بكل الانفعالات النبيلة، لوطن كالسودان، مساحا، وتنوعا.. (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)، ولقد سكبت الأمل في قلوب الجميع، فبكاك القوم، بكاء أم لطفل، وحبيبة لعاشق، ومريد لولي، وفنان للوحة.. نكست أعلام القلوب، في دول متناثرة من قارتك السمراء، في حواري أديس أبابا، وفي قهاوي أنجمينا، وبين شعاب أسمرا، لرحيلك، أيتها الحنجرة السمراء، الأفريقية.. حكى عنك أحد الرحالة، بأنه في مدينة ياوندي، كان غريب اليد والوجه واللسان، يتسكع في الطرقات الملونة كجب دوريش، وبغتة سمع صوت لا تخطئه الاذن، بل العين والقلب، أنه صوتك، من أتى به هنا، ولم، فشعر أن صوتك كرجل بلقيس، أتى بعرش بلاده كلها لحي بسيط في ياوندي، فما أوسع كفك، تلطف الغربة للغرباء، وتفتح كوة الأمل للمساجين، وحكى الرحالة بأن شرايط وردي، وبسمته المعهودة على لوحات الشريط، كانت مفروشة أمام الباعة الصغار، من الفتيات والفتيان، تباع مع الخضروات والملابس الرخيصة، كأنهم سيموتون جوعا، وعرى، إن لم يسمعوك، وفي المساء، كان السكارى، والحسان، يرقصن على وقع ايقاعك، وفي الأعراس كانت الاجساد الافريقية السمراء، ترقص وتترنح على ايقاع (يابلدي ياحبوب)، (رقصي خلق الله وأتني)، فليس للغناء لغة، سوى الفطرة البشرية، أنى كانت، فيا لها من لغة، لا تترجم، أو تشرح، سوى بسلامة الطوية... عزة، الحبيبة.. يحلو الحديث عنه، ولكن لنتركه للرسالة التالية، لو مد الله في العمر، والصحة والإلهام.. عميق محبتي ابنك عبدالغني كرم الله حي الأزهري، جنوب الخرطوم.. الموافق 25 فبراير 2012م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي – حجاج ادول: عذوبة نيلية و عبقا مع رقرقة النهر ...
يحى فضل الله الجمعة, 09 آذار/مارس 2012 09:30
(( اشرعة المراكب فراشات بيضاء حالمة ترفرف علي صدر النيل المجري الاسطوري ، الحوش الرملي الواسع مزدحم ، سوق مكتظ ، وعاء ملئ بالعجين ، قرص حديد علي ثلاثة احجار تحيط بالحطب المشتعل ، المطبخ في اقصي الحوش ، الجدة ترقص حول البقرة مترنمة بإغنية الذبيحة ، اطباق الخزف علي الجدار الخارجي تعكس اتون اشعة الشمس و طعنات عين الحسود ، قري متناثرة علي شاطئ النيل تعلن ان ليلة العرس قد بدأت ، تغطس الشمس تماما خلف جبال الشط الغربي تسحب وراءها في هدوء الشفق الاحمر المنعكس علي اطراف أسطح الدور و شواشي الشجر و النخيل الرشيق ، رجال و نساء و اطفال اكثرهم علي الحمير و البعض مشاة و القليل علي الجمال الشاهقة ، الوقت بداية الفيضان ، آجمات من نبات ( الحلفا ) تشكلت من كثافتها في هيئات مخيفة ، مركب يكاد يطير مع تيار النيل المتدفق شمالا ، النساء الجالسات علي ظهور المراكب يرسلن الزغاريد من وسط النيل ، اقلية من الرجال و الشباب الصغير تفرقت جماعات في بيوت معينة و البعض منهم تحت الاشجار المتطرفة و البعض إفترش الرمال الناعمة اللامعة علي بعد نسبي بحيث يخفيهم الظلام و لا يخيفهم يدخنون البانجو و يشربون العرقي ، اريعة رجال سود شداد في رشاقة النخيل ، أصولهم إفريقية جنوبية واضحة في يد كل منهم دف رحب مشدود ساخن الجلد ، الرجال في جلاليب و عمائم بيضاء و النساء يرتدين الاثواب السودانية حريرية فضفاضة بالوان الطيف الفاقعة ، الجبال من بعيد تبدو كخيالات لدنة تثاقلت فارتاحت علي الارض ، ادغال النخيل و اشجار السنط و الكافور ، اشجار البرتقال و الليمون و كروم العنب ، كلها في غموض مستحب غافلة في نعاس يحرسها النيل الطويل ، نصف القمر ينحدر من برجه ، برودة خفيفة محببة هبطت علي الناس كغلالات رقيقة تمسح عرقهم و تهديء الاجساد ، يتصاعد صوت المؤذن من المئذنة الصغيرة حلوا ينساب مع تنفس الفجر الرطب ، الرجال يغطسون في النيل رغم خطورته فيستحمون و يتوضأون ، نصف القمر يتواري بلونه الشاحب ، نور ما بعد الفجر ينساب من لا مكان ينعش بنسماته الرطبة كل المكان )) هذه الصور التعبيرية ذات التفاصيل العذبة التقطها من قصة ( غزلية القمر ) للكاتب النوبي المصري حجاج ادول ، إلتقطها و أنمنمها كسيناريو بديع يحتفي بتفاصيل المكان و الزمان دون ان اتقيد بمواضعها في نسيج هذه القصة كمدخل يعلن عن قدرة هذا الكاتب علي تفجير اللغة وعلي امتصاصها الدرامي لهذه المشاهد ذات الخصوصية ، الكاتب المسرحي و القصصي حجاج ادول صدرت له هذه الكتب ، ( ليالي المسك العتيقة ) مجموعة قصصية ، ( بكات الدم ) مجموعة قصصية ، ( ثنائية الكشر ) رواية ، ( ناس النهر ) مسرحية ، ( النزلاية ) مسرحية ، ( النوبة تتنفس تحت الماء ) أراء و حوارات
(( الي مطرب اهرامات الكرمل و جنادل النيل الستة الي فنان إفريقيا الابنوسية و الخمرية الي عاشق شعوبها و المحبوب منهم الفنان محمد وردي حبا و تقديرا )) هكذا اهدي الكاتب القصصي و المسرحي النوبي المصري حجاج ادول مجموعته القصصية الموسومة ب (غزلية القمر) الي الفنان الموسيقار محمد وردي ، صدرت هذه المجموعة في العام 1996م عن دار الحضارة للنشر وهذا الكتاب القصصي يضم ثلاث قصص طويلة ، الاولي بعنوان (هوجة ام حلمة, من وحي مصر العثمانية )، هكذا كتب حجاج ادول مانحا هذه القصة هذه المرجعية التاريخية ، اما القصتان فهما من وحي بلاد النوبة ، القصة الثانية بعنوان (زواج هجله ميرغني) والقصة الثالثة بعنوان (غزلبة القمر) ، غلاف الكتاب و الرسوم الداخلية للفنان التشكيلي المتميز حسان علي احمد والذي تزينت بلوحاته العديد من الاصدارات السودانية في الداخل و الخارج. يصف الاديب الروائي المصري محمد مستجاب لغة حجاج ادول بإنها (( لغة تتوهج بالانفعال و الخشونة و المرونة ، تحمل الوجد و الحزن و الحب و الاغنيات بصفتها وسيلة جمالية تضئ شعاب النوبة القديمة )) اما الدكتور محمود الربيعي يصف السرد عند حجاج ادول (( هو حين يسرد يخيل اليك احيانا انه يجدل ديباجة من الحرير و يخيل اليك احيانا اخري انه يحكي مباشرة من افواه الناس ، و هو حين يصف يخيل اليك احيانا انه حامل كاميرا يتنقل علي سطح المناظر بطريقة افقية متلاحقة ، ويخبل اليك احيانا اخري انه مبحر في التيارات السفلية( تيارات الشعور) يفحص الاصداف و اللالئ في بطء من خلال مجهر مضئ )) الكاتب حجاج ادول لصيق بالثقافة السودانية ، متابع لتجلياتها الابداعية المختلفة لاسيما فهو ينتمي الي عوالم النوبة و هي عوالم مشتركة التفاصيل بين مصر و السودان ، حجاج ادول يحتفي بهذا الانتماء من خلال كتاباته واحلامه الثقافية والفنية ، روايته (ثنائية الكشر) وجدت بين سطورها مقطعا من اغنية الراحل المقيم مصطفي سيد احمد (عم عبد الرحيم و الموت مرتين ) للشاعر محمد الحسن سالم حميد ، في الاسكندريه حيث يقيم هذا الكاتب وعلي شارع (النبي دانيال) يتواجد هناك المركز او النادي النوبي حيث تعقد ندوة اسبوعية ثقافية ،استضافتني هذه الندوة و معي الصديق الشاعر و الكاتب المسرحي خطاب حسن احمد والموضوع مشروع مصطفي سيد احمد الغنائي ، كان ذلك في صيف 1997 م ، هناك وجدتني في عالم يخصني ، شباب من المصريين يرددون اغنيات مصطفي سيد احمد ، يسألون عن قصائد بعينها وهناك تعرفت علي حجاج ادول الذي هو احد اعمدة هذا المنتدي الاسبوعي ،
الشاعر الاسكندراني خالد حجازي ، سمعت انه هاجر خارج مصر ، كتب مرثية لمصطفي سيد احمد و اعلن انه يحبه اكثر منا جميعا ، محافل السودان الثقافية في القاهرة يداوم حجاج ادول علي حضورها واخرها حيث التقيت به هناك في (ندوة الثقافة والتنمية) التي اقامها مركز الدراسات السودانية بدار الاوبرا في القاهرة ، مسرحيته ( ناس النهر ) من اخراج الاستاذ ناصر عبد المنعم تمثل مصر في مهرجان القاهرة التجريبي الدولي وتعرض قبل ذلك علي مسرح الطليعة و بين ممثليها الاخت (مهجة عبد الرحمن) التي زاملتني في قسم المسرح في السنة الاولي ثم عادت الي مصر وشاركت في عدد من الافلام اهمها فيلم (البيه البواب) للممثل المتميز الراحل المقيم احمد زكي .
( غزلية القمر) ، القصة التي حملت اسمها هذه المجموعة ، تحتفي في تفاصيلها بالفنان محمد وردي فهو شخصية محوربة في هذه القصة التي تتنوع تفاصيلها من خلال حفلة عرس في احدي قري النوبة (الجزيرة) (( المركب تتهادي ، تأكدوا انها مركب وردي ، رنات الطنبورة بارعة ، انها طنبورة منيب رفيق وردي ، إقتربت المركب فبانت عمامة وردي فوق العمائم فوردي هو الطويل النحيل ، وثب الي البر فأخذوه بالاحضان ، إمتطوا المطايا و اسرعو فرسانا الي الساحة المنيرة ، هللت الاصوات و جلجلت له زغاريد النساء و الابكار( للي للي للي للي ) ، ثم صاح الجمع بالصلاة علي المصطفي ( صلاة عليك يا مهمد ) ينطلق خلفها الدوي الحي للبارود من البنادق ذات الروحين ( ديي ديي ديي ديي) ..... )) نثر الكاتب حجاج ادول وبحرفية عالية شخصياته القصصية من خلال هذا الاحتفال و تتمركز هذه القصة علي اغنية (القمر بوبا) و ينثر الكاتب ايضا كلمات هذه الاغنية في جسد القصة التي اخذت عنوانها من الاغنية نفسها( غزلية القمر بوبا) دعوني انقل مدخل الكاتب لهذه القصة )) واي انا المرضان من عصر جابولي حكيم من مصر قاللي يا زول مرضك كتر سببه كان ام شلاخا خدر )) مطرب النوبة المبدع محمد وردي باغنيته الساحرة (القمر بوبا) يزيد الشباب اشتعالا و شبقا ، يجنن الصبايا و يخبل الصبيات و كلما نبح الدم الساخن في الصبي غني معه هذه الاغنية وكلما سخن الحشا في جوف الصبية غنت معه نفس الاغنية ((القمر بوبا علي التقيل بوبا عليك عليك تقيل القمر بوبا )) الآباء و الامهات يأكلهم القلق ، يلومون وردي ، اما كفانا متاعب شمسنا ؟ ،مبكرا تسخن خلايا اولادنا فتاتي إلينا انت لتحك الكبريت في ابدانهم المولولة فيتقلبوا مثل كيزان الذرة التي تشوي علي الجمر الاحمر المشتعل ، سامحك الله يا وردي يا ابن فلانه .... )) ( يا وردي يا ابنة فلانه) ، هذه الجملة فيها حميمية نوبية صافية وقد تضرب في تاريخ بعيد من حيث ان عادة ان يسمي الذكور باسماء امهاتهم عادة قديمة يبدو ان وراءها تلك المكانة التي كانت تجدها المرأة في المجتمع النوبي و دوننا الحاكمات الكنداكات وفي هذه القصة ( غزلية القمر ) نجد ان شخصيات اساسية يتم تعريفها باسم الام مثل (سليم نفيسة ) و (بكري زهرة ) و ( شريف جراكوسه) يوظف الكاتب وردي و اغنيته (القمر بوبا) في نسيج هذه القصة المحتشدة بالتفاصيل الاحتفالية واغنية (القمر بوبا) اظن انها من تراث الشايقية اعاد صياغة كلماتها الشاعر الراحل اسماعيل حسن ويغنيها بعذوبته المألوفة الفنان محمد وردي ، يقول الكاتب في سياق القصة )) و لما بزغ نجم المطرب المبدع محمد وردي وغني اغنية التراث العتيقة القمر بوبا مجددا فيها ، مضيفا علي فنها من فنه و صوته غنتها معه بلاد النوب كلها سودانية و مصرية(( (( الصغيرون ام الجنا يا كريم ربي تسلما تبعد الشر من حلتا جيد لي امها الولدتا الفي جبل عرفات وضعتا تسلم البطن الجابتا دي ترباية حبوبتا الصفار سابق خضرتا معذوره امها كان دستا وهلاك الناس كان شافتا معذباني انا ود حلتا يا قمر بوبا )) اذكر في العام 1984 م وفي عمارات النصر بمدينة الجيزة بالقاهرة كنت اشاهد سهرة بعنوان( نجم علي الهواء) و كانت مع الممثل المصري صاحب الادوار المعقدة محيي اسماعيل وكان يتحدث عن تأثيرات فنية عليه في زمن الطفولة فذكر هذه الاغنية (القمر بوبا) و قال هي اغنية للفنان النوبي محمد وردي وعرفت وقتها ان الاغنية يمكنها ان تفعل ما تعجز عنه الكثير من نظريات التواصل علي كل هذا هو الكاتب حجاج ادول يحتفي بهذا الفنان العظيم من خلال قصته (غزلية القمر) (( يا وردي انت الموهوب المحبوب تغني لنا مرة بلسان النوب ، لسان عشائر الفيجكات و المتوكين و قبائل السكوت و المحس و مرة بلسان العرب , لغة الضاد , فانت يا وردي وردة نبتت علي ضفاف النوب الاربع ضفاف النيلين الابيض و الازرق ، طرحت عبقا مع رقرقة النهر علي حواف جزائر المجري الرزين ، فاح عطرها علي القري عند إلتقاء النيلين في المقرن و جزيرة توتي واخذت لكنتها الطرية الطيبة في حلفا و أرجيم ، فطرحت علي العلالي , في قصر أبريم , سمت مع شموخ قرية ابي سمبل التي جمعت بالذهبية النوبية نبرة تاري وتهادت علي سهول توماس و المالكي وتسكرت بنخيل عنيبة وتعطرت بكروم و نجوع الجنينة و امبركاب ، تضمخت من ورود سو- هيل و جندل سو- وين ، فأحلوت بحلاوة اسم قريتي توشكا وأدندان وحتي مقامات صوتك الصعبة من مقامات جنادل وسط النيل القوية المبللة ، حلقت يا وردي في سماء صفانا يلاحقك منيب عاشق الطنبورة و يسرع خلفك منير الولد النحبل النجيب)) .
هي تلك العذوبة النوبية بين الفنان محمد وردي و الكاتب حجاج ادول ، اعرف ان هذا الفنان المبدع محمد وردي له مقام اخر غير فن الغناء لدي اهالي النوبة فهوشاعر عظيم و كبير من شعراء هذه اللغة ، اللغة النوبية ، اذكر انني و بصلاتي مع مثقفين نوبيين مصريين عرفت ان الفنان الموسقار العظيم محمد عثمان وردي شاعر نوبي كبير ويعتبر حسب قول الكاتب حجاج ادول انه من الشعراء النوبيين الذين حافظوا علي ذاكرة اللغة النوبية وفي جلسة جمعتني بوردي في منزله بالمعادي جوار مركز سيد درويش قلت له ( يا استاذ انا عرفت انك من شعراء اللغة النوبية المهمين جدا فيا ريت لو إترجمت قصائدك النوبية للعربي عشان نحن نعرفك في الجانب المهم ده ) فأستعان علي وردي بتهكميته المعروفة و قال لي ( طيب النوبة عارفين ، انت مالك ؟ ) ، لم اكتف بتهكمية وردي ولكنني ظللت احرض مركز الدراسات النوبية بالقاهرة علي ترجمة اشعار الشاعر النوبي محمد عثمان وردي الي العربية , وليته انجز هذا الفعل الثقافي المهم وذلك تكثيفا لاهتمام المركز باللغة النوبية لاسيما ان الشعر هو ذاكرة اللغة . --------------
محمد وردي وإرتريا: ملاحظات شاهد على التكوين ..
بقلم فكري الحسن محمد عثمان 07/03/2012 09:39:00 حجم الخط: فكري الحسن محمد عثمان
سوداني مقيم بإرتريا
[email protected]
سر البرقية التي تأخرت 24 ساعة "إكا آجلي إكامشاكا" وهي باللغة النوبية، وتعني: (أتذكرك وإشتاق إليك)
بعد الخبر المفجع برحيل الفنان الخالد محمد وردي، سارع الكل ينعاه. وقد تريثت كثيراً في الكتابة لأن البنان أبى أن يطاوعني لأخط على الورق ما يجيش قي صدري، وقد تذكرت مقولة لحكيم تقول: "إذا أردت أن تخلّد شخصاً فأكتب عن ذكرياته".
في صبيحة إستقلال إرتريا في 24 مايو 1992، كان الفنان الراحل معي في منزلي بالإسكندرية، وقد كلفني جينها أن أرسل برقية تهنئة إلى دولة إرتريا حكومة وشعباً. وعند ذهابي إلى مكتب البريد، وبعد أن تسلّم الموظف البرقية وقرأها، إنتفض فجأة وقال في لهجة مصرية محببة: "آيه يا عمي إنت عاوز توديني وراء الشمس". وهذا يعني خوفه من إستجواب رجال الأمن. وفي مساء نفس اليوم تم إستدعائي من قبل رجال الأمن وبدأوا في إستجوابي بتلك الأسئلة السمجة: "لمن هذه البرقية، وما علاقة الفنان وردي مع الإرتريين(؟). وفي نهاية الأمر تمكنت من إقناعهم بأن هنالك علاقة خاصة بين الشعب الإرتري والفنان وردي.
وبعد سنوات وعندما أستقر بي المقام في العاصمة الجميلة أسمرا وتحديداً في عام 1996، حضر الفنان وردي في زيارة ثانية له إلى إرتريا بعد تلك الزيارة الأولى التي كانت في العام 1963، وشرفني ثانية أن يكون في منزلي وقضى قرابة الثلاثة أشهر بإرتريا، كانت مليئة بالذكريات الجميلة. أذكر ذات ظهيرة ونحن في المنزل جاءت إحدى الفتيات دون سابق موعد، وقابلناها بكل ود وترحاب، وبداء وردي يتجاذب معها أطراف الحديث. وفجأة إنهارت الفتاة في بكاء حار وظننا للوهلة الأولى أنها تعاني مشكلة ما، وبعد أن هدأت قالت للراحل برجاء حار أن حفل زواجها الأسبوع القادم وتتمنى لو أن وردي شرفها بحضوره. إبتسم العملاق الإنسان ووعدها بالحضور. ويوم الحفل وكنت قد نسيت الموضوع كله، فإذا بوردي يذكّرني لنستعد للذهاب للحفل. ومكثنا في المناسبة قرابة الساعة وعند خروجنا أخذ وردي المايكروفون وغني مقطع من أغنية 19 سنة التي يعشقها سكان الهضبة.
أذكر ذات يوم أيضاً وكان الجو بارداً أننا ذهبنا للسوق لشراء بعض الملابس الشتوية، وأثنا إنشغالنا بمشاهدة المعروضات كان البائع (وهو شاب في مقتبل العمر)، ينظر إلى وردي متعجباً ويردد بالتكرينيجا (نوت أسو)!! أي (ليس هو). وفجأة إلتفت إلى وردي وسأله: "هل أنت محمد وردي"؟ فأجابه بنعم، فرد بالإنجليزية Still you are alive (هل مازلت على قيد الحياة!!). فضحك وردي وقال له: "ما لك يا إبني داير تقتلني".
ومن الطرائف أنه وفي ذلك الوقت أقام التلفزيون الإرتري لقاء مفتوح على الهواء مع وردي وكانت هناك مداخلات من المعجبين، وفي مداخلة من أحد الشباب قال له: "يا أٍستاذ وردي أبوي قال لي إنك غنيت في عرس أمه سنة 1933"، أي بعد ميلاد وردي بعام. فتبسم وردي وقال له: "يمكن تقصد جدي الغني ليها". وعند عودتنا للمنزل قال لي وهو يبتسم: "دا قايلني سيدنا عيسى عليه السلام بتكلم وأغني في المهدي صبياً وعمري سنة".
أثناء تلك الزيارة أتذكر أننا طفنا كل أنحاء إرتريا وأقام وردي حفلات مع الراحل المقيم يماني باريا، والفنان قرماي سلمون أطال الله عمره. وفي مدينة بارنتو وقبل بداية الحفل بدقائق أُصيب الراحل يماني باريا بآلآم حادة في المعدة مما أعاقه من التحرك من الفراش، ومع أن وردي كان يستطيع إحياء الحفل وحده، إلا أنه أصّر على أن يعتذر للجمهور ويؤجل الحفل لمساء اليوم التالي، وظل طوال الليل ملازما ليماني. وبعد سفر وردي للقاهرة بحوالي شهر توفي الفنان يماني ونعاه وردي ببرقية نُشرت في جريدة إرتريا الحديثة.
يعتقد بعض الإرتريين أن وردي غني لإرتريا أغنية واحدة (قوال كرن سعداتات) بلغة التقري، ولكن الحقيقة أنه غني لإرتريا في العام 1996 في حفل كبير بإستاد أسمرا حضره قرابة الـ 20 ألف شخص، أغنية (ملالمح إرترية) من كلمات الشاعر الإرتري أحمد عمر شيخ التي يقول مقطع منها: إرتريا السهول والنجود جبالها التغفو على صدر الهوى ونسمة تتيه في الوريد أمانة الشهيد ومع بدية هذا الحفل كان بعض المقاتلين المعوقين يزحفون بدراجاتهم نحو المسرح لتحية الفنان وردي، إلا أنه نزل وبدأ في تحيتهم فرداً فرداً وأخذ الصور التذكارية معهم.
في نفس تلك الزيارة أحيى الراحل حفل في سينما مدينة تسني، وفي المساء ذهبنا برفقة بعض من رجال الأمن المرافقين لنا إلى الحدود الإرترية السودانية وعندما بدأنا نقترب رويداً رويداً من آخر نقطة غير مسموح لنا بتجاوزها، وحينما جاءت النسمات محملة بروائج جنائن كسلا، إنهار وردي وبكى بشدة، مع أنه لم يبكي في حياته، وكان يقول أنه يبكي بكاء داخلياً، فسألته متعجباً ما الذي يبكيك يا محمد قال: "عندما أشتم رائحة السودان وأنا خارج الوطن لا أستطيع أن أسيطر على مشاعري".
كم كان هذا العملاق يعشق السودان، وكم سما فوق العرقية والإثنية وإستطاع أن يصنع السلام والمحبة بين الشعوب. ويكفي إرتريا فخراً أن وردي لم يغني طوال مشواره الفني الطويل إلا بغير اللغة العربية والنوبية ما عدا تلك الأغنية التي غناها بلغة التقري.
أللهم أرحم وردي وأغفر له بقدر ما أعطى لهذا الوطن.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي: طائر هِجْرة إلى وطن التنوع
عبد الله ادم خاطر
(1) مجدداً طالعت صحف الأحد الثامن عشر من فبراير الماضي والأيام التالية، تابعت فيها أخبار رحيل عبقرية الموسيقى الأفريقية محمد عثمان وردي. توقفت طويلاً في التعليقات الحميمة التي أبانت آثار الهلع والخوف على وجوه قيادات الرأي العام السوداني والقلق على ثروة مبدع ألهب عاطفة الحب في الوجدان السوداني، وأعلى شأن الانتماء الى وطن تميز بالتنوع ومايزال في حاجة الى ترفيع قدراته للإنتماء المنتج تنوعاً. لعلها دالة على حسن الخاتمة، ان يرحل وردي عن الدنيا وقد اسمع بصوته الطروب من به صمم، فكان موكب تشييع جثمانه احدى المناسبات الواقعية التي أبرزت التنوع كقيمة إنسانية في السودان، وأكد أن لا وَعل يستطيع نطح صخرة التنوع قصد أن يوهنها. أسفت أنى ما زرت أسرته في المستشفى وما كنت من مشيعي جثمانه، على أنه كانت فرصة نادرة أن نبلغ عزاءنا للأستاذ مصطفى تيراب الوزير بوزارة الثقافة، ونحن نجتمع إليه كتحالف المبدعين لسلام دارفور. لقد ضم وفدنا التشكيليين د.عبده عثمان، وحيدر إدريس وأستاذ الموسيقى د.محمد آدم ترنيم والكاتبين الطيب كنونة وشخصي، وذكرنا تعهدات الراحل أن يسافر مع التحالف الى دارفور تعضيداً لجهود السلام. (2) من ناحية أخرى شعرت، برضا عميق عندما عرفت تفاصيل العناية الفائقة التي وجدها الراحل وردي في مستشفى فضيل الطبي بالخرطوم، من الأطباء ذوي الاختصاص خاصة د.الفاضل، والأطباء الذين سبقوا في الاهتمام بصحته خارج البلاد بما في ذلك الولايات المتحدة والإمارات العربية.. إن هؤلاء الأطباء المميزين ساهموا في أن يمكث وردي بيننا لأكثر من عشر سنوات بصحة مكنته أن يظل معطاءً في درب التطريب، وحادياً في ركب الإعتراف بالتنوع كقيمة إنسانية في إطار التثاقف. لقد ساهم وردي دون إدعاء منه، أن يبقي في وجداننا جذوة النضال من أجل وطن يتحقق الإنتماء إليه بالجميع. أذكر تماماً عندما كانت البلاد تستعد للاستفتاء في سياق تقرير المصير للجنوب، سألني أحد الصحفيين عما يمكن عمله لبقاء السودان موحداً؟ ما ترددت في القول إن البلاد تحتاج إلى وردي ليغني وسط مواطنيه الجنوبيين. انه كان بموسيقاه وأغنياته وأغنيات الآخرين أن يعطوا أهل الجنوب فرصة أخرى للتفكير في الوحدة كبديل استراتيجي في سياق مستقبل مشترك. لقد سبق السيف العزل، ورحل وردي الذي ظل طوال حياته طائر هجرة إلى وطن التنوع. (3) لعل ما جعل وردي قدراً مميزاً، قدرة صوته على التطريب في الاداء الغنائي، وقد شمل الغناء للحبيبة الملهمة، وللقيم النبيلة، وللناس العاديين من ذوي الهمة، وللوطن المقبول بالتنوع. لقد جاء بصوته من الريف مثلما جاء عبد الحليم حافظ في مصر، وقد صقلت المدينة تجاربهما، ووسعت مداركهما، واحتفت بمواهبهما، وانتمى كل منهما إلى التغيير وتطوير التجربة الإنسانية، ولكنَّ لكل منهما درباً وأسلوباً مختلفين، بعناد المبدعين الطارد للزوائد والفضوليين، ومغرمي التبعية. أما رحيلاهما فقد جاءا متشابهين في الإهتمام الكاسح من الناس، كل الناس وإن تفاوتا في الأعمار بسبب تأثيرات مرضية. (4) عدت إلى أيام الدراسة، عندما كانت ملامح العبقرية تتضح أمامنا برؤية جيلفورت الباحث الأمريكي المشهور، وقد ذكر في الخمسينيات من القرن الماضي أن للعبقرية أربعة أركان: الموهبة، والذكاء (100+)، المرونة، والقدرة على التعبير السلس. إذا ما أخذنا تلك المعايير في حالة وردي، فإن الموهبة هي التي جعلته لا يرى الصعاب التي اعترضته، وظلت تعترضه طوال حياته. كانت موهبته تجعل منه واثقاً الى حد الاعتداد والشموخ. لكل من معارفه حكايا شخصية تؤكد موهبته التي لم تكن تتسامح معه أو مع غيره. من تلك الحكايا أنه زار كبكابية في مطالع الستينيات مطرباً بدعوة من النادي الثقافي للبلدة الصغيرة يومئذ، وكان ناظر مدرستها الأولية من أبناء مدينة بحري، وفي احدى جلسات الأنس، انتقد الناظر تجربة وردي، إذ قال (يا محمد في زول يخلي مهنة التعليم ويبقى صايع). ما كان محمد وردي إلا أن أعلن غضبة مضرية، واحتجاجاً عنيفاً، احتار معها الحضور وبذلوا جهداً كبيراً لتطييب خاطره. ما نسي وردي تلك الحادثة، فعندما ذكر له المرحوم علي عبد الله، سكرتير النادي تلك الزيارة بعد اكثر من عشرين عاماً، سأله وردي بحضور ذهني: (ناس كبكابية اتغيروا، ولا لسع رجعيين زي زمان). إنها الموهبة التي لا تود ان تهزم. على صعيد الذكاء، فان طفلاً نشأ يتيماً مثله، أدرك أنه مختلف عن الآخرين، وانه عليه يقع عبء اضافي للتعرف على ذاته، فذلك هو الذكاء الذي قاده الى التعرف على طريق الصعود بالتدريب والاحتكاك وحسن تقديم الذات الفنية للآخرين. عندما قدمه محمد نور الدين كواحد من أقاربه للآخرين، لم يكن يدرك ان وردي سيحطم القاعدة، ويتخطى جيله بسبع روائع أولى دفعت به الى مصاف الكبار بالدرجة الأولى، وصار منهم بموافقتهم عبر لجان فنية، بعد فترة قصيرة أمضاها مطرباً مبتدئاً في الدرجة الرابعة. ضمن شهود ذكائه المتميز، حكى أحدهم انه كان يغني لمجموعة من إثنيته النوبية، فتصايحوا حوله (بالنوبي يا وردي)، وبعد صمت قصير قال لهم (هو فهمتو العربي عشان أغني ليكم بالنوبي)، وكأنها دعوة أخرى للتعارف الثقافي بصورة نكتة مليئة بالذكاء والكياسة والانتماء. أما المرونة والقدرة على التعبير، فإن درجة تمتع وردي بهما مذهلة حقاً. كان يعرف قدرة صوته على التطريب وحاجته الشخصية إلى الانتماء، وهكذا ما أن تجاوز مراحل تكوينه الأولى حتى رسخت صورته المميزة في الأذهان الى آخر يوم في حياته. كان يعرف انه سوداني نوبي من صواردة، وانه ينتمي الى الاستنارة المعرفية بالتعليم والتطريب والترويج، تلك هي ذاته بمداخل ووسائل تعبير مختلفة و متنوعة. لعل أهم ما اهتم به وردي هو تطوير علاقته مع الذين يستطيعون عونه على تأكيد الانتماء لذاته، بمرونة وقدرة على تجاوز المراحل، دون عناء أو غُبن من أحد. لقد استطاع أن يساعد موهبته أن تُصقل بذكاء حاد، وبوسائل غاية في المرونة، وقدرة عالية في التعبير عن ذاته الفنية. ان البيئات الفنية التي أفادته في تنمية مواهبه تمثل مدارس متنوعة، فبيئة الغناء النوبي الميلودي الحزين مدرسة، وبيئة غناء الشايقية التي تعلم منها كثيراً مدرسة. أما الغناء الحديث بمثله الأعلى ابراهيم عوض فمدرسة ثالثة، وعندما بدأ يبحث عن تجربته الشخصية مع مجموعة كورس (يا طير يا طاير) فتلك مدرسة أخرى وبداية لوردي العبقري بالدراسة المنهجية والتعامل مع الاجهزة ذات الامكانات الواسعة. إن الشعراء الذين تعامل معهم وردي ينتمون بالمثل الى مختلف البيئات ومختلف المدارس المعرفية والاعمار. أما قدراته في التعبير عن مكنون وجدانه وأفكاره، لغةً وموسيقى، فما ذلك بخافٍٍ على دارس أو مراقب. كان دقيقا في تعبيراته حتى ظن الناشطون السياسيون انه منهم واحتفوا به، كما ظن آخرون قاموا بذات الاحتفاء في المجالات الاجتماعية الثقافية. انه لم ينكر الانتماء الى أي طرف، وظل محتفظاً بالجميع مستمعين ومعجبين بقدرة صوته على التطريب. وهكذا ظل وردي حتى مماته، المطرب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس تماماً كما فعل الشاعر أحمد بن الحسين المتنبي، فكلاهما تعرض للايذاء والتربص والتشريد والنفي، بسبب صراحة ووضوح في التعبير، بيد ان وردي كان اكثر حظاً، إذ طال عمره ليرى تقديره حتى من الذين ظنوه خصماً، فيما مضى المتنبي بالاغتيال، وجاء تقديره الأدبي لاحقاً لموته. (5) لقد كان وردي مفخرة للغناء والتطريب، ومفخرة للسودان وأفريقيا في المجال الموسيقي والغناء، وأعماله الفنية أضحت من مداخل الاعتراف بالتنوع الثقافي في البلاد، وبها يظل هو من صُناع المستقبل وإن رحل. من في جيلنا لم يعش أغنية (بنحب من بلدنا) وما فيها من إشارات الى المرأة السودانية بتنوعها الثقافي وفي المقابل اعترف له السودانيون بالسبق في تخصيب تجاربهم الوجدانية بنكهة التنوع، إذ مازلت أذكر كلمات مغني (الكَسُوكْ) في زالنجي الستينيات وهو يردد (وردي نانا تولي.. دييينق فنانق وردي) ولعلي سأعرف المعنى قريبا في سياق تعلمي للغة الفور كواحدة من اللغات القومية إتفاقاً ودستوراً ويبقى وردي رمز اعزاز للتنوع الثقافي. لعله من المفيد أيضاً أن أناشد معهد الموسيقى والمسرح أن يفتح أمامنا بالبحث خزائن التنوع الموسيقي الغنائي بالسودان، وذلك بتأسيس كرسي لدراسات التنوع الموسيقي الغنائي في أفريقيا، ليبقى وردي تاج ذلك الكرسي بالدراسات المقارنة. [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
ما كان ان نسيئ هكذا لمحمد عثمان وردي ..
بقلم: أبكر ادم ابكر السبت, 10 آذار/مارس 2012 20:49 S بسم الله الرحمن الرحيم
أبكر ادم ابكر سانية افندو – جنوب دارفور [email protected]
(1) العزاء و التهانئ
قال الله تعالي فى محكم تنزيلة ( و ما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا و من يرد ثواب الدنيا نوته منها و من يرد ثواب الاخرة نوته منها و سنجزي الشاكرين) .. صدق الله العظيم .. ال عمران الايه ((145)). سنة الله و التي تسري على كل حى ، شاء الله ان تغشى استاذا العظيم محمد عثمان وردي ، رحمة الله و تجاوز عن سيئاته و ضاعف حسناته و غفر له و عفى عنه. انا من جانبى اعزى جميع المكلومين جراء هذا الفقد الكبير ، من اهله و اقربائة و عشيرته و اصدقاءه و زملاءه فى المهنه و جمهوره الكبير فى كل السودان بشقيه الادريين الشمالي و الجنوبي ، و فى دول تشاد و اثيوبيا و ارتريا و جنوب مصر و عموم شرفاء السودان ووطنية . و بهذا لا ننسى ان نزف البشرى و التهانى و التبريكات لاعداء فقيدنا الكبير من ادعياء الدين من سلفيين و اخوانيين و ظلاميين و دعاة الرجوع الى العصر البرونزي و اعداء الانسان و الفن و الوعى و دعاة الرجوع لحمل السيوف و الرماح و ركوب النوق و التشعث و التغبر و بناة المجتمعات التخيلية. كما نزف البشري على و جه الخصوص للاسلاميين و الذين عادوا الفنان طول حياته و عادوا الفن طول حياتهم ، ليس لاسباب تذكر سوى معادتهم للفن ووطنية الفقيد ووقوفه مع قضايا اهله ، مواطنى السودان القديم ، سواء ان كانوا فى بلاد النوبه التى انجبته او الجنوب الذي هام به او بقية اصقاع السودان التى هم لها و اخلص لها اكثر من الذين انجبتهم . كمان نزف البشري و التهانى الخاصة لمحى الدين تيتاوى ، احد كتاب جريدة الاسلاميين ، قبل انقلابهم ، جريدة الرايه ، رايه التامر و التخلف والدسائس و الحقد و المكائد ، و كذلك التهنئه موصوله ، لحسين الخوجلى، رئيس تحرير جريدة ( الوان) ، و هى منبر الوان و صنوف و انواع التخلف و الرجعيه ، جريدة الطلاب الاسلامويين ، قبل انقلابهم المشئوم. هذين القزمين عقلا ، لا حجما ، طالما جنت اقلام كتابهم المعوجة و النتنه ، للمفغور له محمد وردي ، حتى و صل بهم الامر للسخرية منه فى انه لغنى للاحتلال التركى المصري ، لو شاء الله ان عاصره . نحن معجبوا و مؤيدوا و مخلصوا هذا الوطن ، قد نتجاوز و نعفوا ، لكن قط لا تحلموا و لا تعشموا فى ان ننسي مهما جار الزمن بنا و بوطننا.
(2) الاساءة الاولى : لماذا لم تدفونه فى مسقط راسه؟ المحنة الكبري التى حلت باهل السودان ، و منذ مائة عام ، هى سير المجتمع فى اتجاه عكس اتجاه المجتمعات السوية فى بقاع الارض الاخري ، فمثلا ، فى عصر تعايش المجتمعات ، نحن نقتسم ، و فى عصر المعرفه نحن نزداد جهلا ، و فى عصر التجمعات الاقليمية ، نحن نتفاخر بالقبيلية و الشقاق و سفاسف الامور و اسفهها ، و فى عصر حقوق الانسان ، نحن يحكمنا مجرم و باعترافه هو، قبل ضحاياه و متهموه . نحن لا نتصرف كشعب ، فمثلا يكفى حلف بالطلاق لاحد الصعاليك الذين تسلطوا علينا ، ان يكلف ذلك الطلاق الدولة مليار دولار ، او تشن حرب داخل الدولة فيمون فيها عشرة الف و يشرد مليونيين من البشرمن مواطنى الدولة . نحن مجتمع ليس سوى و ليس رشيد. مع كل هذا البؤس ظننا ان هنالك بعض الاشياء الجوهرية و الخاصة بالشعوب الحية ، يمكننا القيام بها ، دون ان تكلفنا الكثير ، و مع ذلك لها اثر عميق فى وضع اللبنات الاولى لخلق نطفة ومن ثم نفخ روح لهذه النطفة ، عسي و لعل الاجيال القادمة تجد شيئا يشجعها فى تكوين دولة و من ثم تكوين امة. من ضمن هذه الخطوات هو التوحيد الفعلى لما تبقى من تراب الوطن. الشعوب لا تفخر بالاوطان لمجرد انها تتكون من تراب. لكن لاحتواء تراب تلك الاوطان و بداخله لتاريخ وتراث من هو فوق ذلك التراب. الانسان لا يحافظ على كامل تراب ارضة اذا لم يكن بمخيلة ذلك الانسان وعى بـأن كامل ذلك التراب هو متساو فى الاهمية و العطاء و التاريخ و التراث للوطن. فمثلا ذرية الابقين الذى و فدوا على السودان من المغرب و شنقيط و مالى و النيجر و موريتانيا و اليمن و تركيا و مع جيوش المحتليين ، بعد ان سلطهم الله على هذا الوطن المنكوب ، و فى جلسة واحدة فى نيفاشا تخلوا عن ثلث ارض السودان و ربع سكانه ، وذلك لان ليس لهم تاريخ او اورث بهذا الوطن و قط لم يكن بخلدهم تساوى جميع ارض السودان فى العطاء و الاهمية. انا هنا لا اتكلم عن الجميع ، من امثال المجاذيب ، حماهم الله ، او اهل رفاعة مثلا ، فهؤلاء صفوة العلم و الخلق و المدنية اينما حلوا ، و لكن نسمي بالتحديد ، من اتى اباءهم الاولين ابقين ، فساء فعل هذا البلد المضياف فكرمهم فحق عليهم قول ( انك اذا اكرمت الكريم ملكته و ان اكرمت اللئيم تمرد) ، فهاهم ، حاولوا محوا حضارتنا و لغاتنا و تراثنا ، و قالوا ، نأت لكم بحضارة و لغة و تراث من وراء البحار. الوعى بتساوى كل تراب الوطن فى الاهمية لا يأت وفق مراسيم فوقية او هوى او نزوات لبعض العابرين ، لكن هو امر يشكلة الوعى الجمعى و على مر عدة اجيال ، على اقل تقدير ، و على مر قرون عند بعض الامم . الوعى الجمعى بدورة له بواعثه محركاته و محفزاته .فمثلا تلك البقعة من الارض قدمت الحكيم و اخري قدمت الفارس ، و تلك برع اهلها فى الزراعة و الفلاحة ، وجارتها هى مسقط راس الورع التقى فلان بن فلان ، و التى دونها كانت القيدوم فى الدفاع عن الارض ، و تلك لن ينفذ منها عدو وأخرى قدمت المبدع ، و هذه التى انجبت فحل الشعراء و التى بجنبها لربح شعبها مع التجارة من اليهود و هكذا جزئيات تشكل الكل و لا غنى عن مثقال ذرة من اى جزء و ذلك لن يكون هنالك كل دون كل الاجزاء مجتمهة . قط لم تحفظ سجلات التاريخ و لو سطرا واحدا لمنطقة خلاء لم تدر بها احداث جسام او بها معالم تاريخية تدل على ماضيها او بها ذكري لعظماء انجبتعم تلك الارض. التاريخ يصنعة العظماء من الرجال و النساء ، مخلوقات الله الاخري قط لم تصنع تاريخا و لا حضارة ولم تصنع مجتمعا او امة لها شأن . عندما زرت مدينة اتلانتا فى و لاية جورجيا الامريكية و سالت عن ماضيها القريب ، اول ما ذكر لى هو بيت الاديبة مارجريت ميتشل ، كاتبة ( ذهب مع الريح) ، و متحف الحقوق المدنية و منزل مارتن لوثر كينج ، قط لم يذكر لى احدا شيئا عن الرئيس جيمي كارتر او مقر شركة الكوكاكولا . و هكذ جرت الامور ، عندما زرت مدينة الرياض فى السعودية ، و لاول مرة فى عام 1988 م و سألت عن تاريخها البعيد ، تخيلوا ماذا تم ، اخذنى أحد الاخوة الى حى بسيط و يسكنة الفقراء و اشبه بكرتون الحاج يوسف فى زمانه ، و رفيقى قال لى هذه هى ( منفوحة) حيث مسقط راس النابغة و الشاعر و المعروف بالاعشي. منفوحة حافظت على حضارة المنطقة و تاريخها لاكثر من الفى عام ، و اخيرا صارت العاصمة السعودية بقربها. فى الماضي القريب ، قد سمع الجميع بالضجة فى بيريطانيا حول تحويل البيت الذي ولد فيه شارلز ديكينز الى متحف و قبلة لمحبى الادب فى العالم اجمع. و قبل يومين عندما توفيت المغنية و تني هيوسن فى اتلانتا ، حمل جثمانها الى مسقط راسها الي نيووارك فى ولاية نيوجيرسي على بعد 2500 كيلومتر، حيث نكست اعلام الولاية حزنا عليها. و ما علاقة هذا بالعملاق محمد وردي؟ الجواب هو ان رايي هو انه من المفترض ان يهم الوطنيون ، و استئذان اسره الفقيد محمد وردى و من ثم حمل جثمانه و دفنة فى المباركة قرية صواردا بمنطقة المحس و السكوت فى الشمالية. هذا الفعل لو تم لكان له ما لا يحصي من المحاسن ، أولها هو رد الجميل لتلك القرية المعطاءه و لقلنا لها اعطيتينا عملاقا و ها نحن نرد اليك عملاقا و ثانيا ، تكريما لمحمد وردي و لاجداده و جداته وذلك بدفنه مع من خرج من رحمهم ورعوه طفلا و ساندوه كهلا ،و ثالثا لرفعنا اسم صواردا بمستوى شموخ محمد وردي عندنا ووضعناها و حافظنا على موقعها فى خارطة ما تبقى من السودان . رابعا و هو الاهم ، لافهمنا صغارنا و شبابنا بان الحضر أو المدن مثل الخرطوم ومدنى و الدمازين و نيالا و الابيض و بورتسودان، هى فى مرتبة ما ، و لكن الاهم هى قرانا مثل صواردا و التى انجبت مثل محمد وردى و ليس الخرطوم و التى سجنت محمد وردي . و خامسا ، و هو أيضا لصواردا ، بيحث دفن وردى هنالك يمكن ان يساعد المنطقة اقتصاديا ، و حيث يمكن ان يكثر زوارها و يزيد الانفاق و الاستهالاك هنالك و هو المحفز و المحرك الاقتصادي لاهل المنطقة و خامسا ، عسي و لعل تكون فرصة للجاثمين على صدرنا والمتسلطين علينا ان يزوروا بعض قرانا ويروا ما نعيشة من بؤس و يعرفوا ان ( السودان) هو ليس الخرطوم محل الرئيس ينوم و الطيارة بتقوم. سادسا ، هو و بالرغم من ترحمنا على جميع الموتى من مسلمين و خلافهم ، الا اننا لم نستسغ دفن محمد وردى فى مقابر شرفى و التى ايضا دفن فيها المئات ممن اساءوا لهذا البلد و اهانوه و شعبة المنكوب المنهوب و المغلوب. أوليس هم من يتفاخروا بان فلانا دفن بمكة و فلانا (كاد) ان يدفن بالبقيع ؟ فنحن مكتنا و بقيعنا هنا فى السودان و هى قرانا بفقرها المادى و لكن هى متحف العزة و الكرامة و الشجاعة و الاصول و سودانيتنا .
هذا الامر وددتنا لو تم لأمثال للمرحوم الاديب الطيب صالح و عبدالله الطيب وبعض من الاخرين. و فى هذا المقال ، ندعوا الاخوة من اسرة الشهيد محمود محمد طه و مريديه ، فى ان يسعوا فى تحديد مكان اخفاء جثته و من ثم نقلها الى قريته فى رفاعة و دفنها هنالك. وهنا نلفت انتباه القراء الى ما قام به معظم اخوتنا الجنوبيون بعد طامة الانفصال ، فمنهم من بات جائعا لكى يجمع من المال ما يساعدة فى نقل رفات موتاه الذين دفنوا فى شمال السودان و نقلها الى مساقط رؤوس المتوفيين. هذا الجنوبي الذى قهر و غلب على الفرار و التازل عن جزء كبير من ارض اجداده ، له من العز بنفسة و دمة و تاريخة و تراثه ، بما يفوق الاف المرات من عزة ادعياء العزة و الكرامة. حقا اخطر الناس على المجتمعات هو من ليس له عنوان.
(2) الاساءة الثانية : من دعى هؤلاء لتشييع جثمان الفقيد: و كما ذكرت ، نحن الوطنيون قد نتجاوز و نعفوا من اجل هذا الوطن ، و لكن قط لا ننسي و لا تحاولوا التمادي فى الاساءة لنا. فقيدنا العظيم محمد عثمان حسن صالح حسن صالح وردي ، كسائر البشر ، من المحتمل كانت له اخطاءة و تقصيرة و مواقفه غير المحمودة من البعض . هذا مجرد تخمين لانى لا اعرف اي من تلك الاخطاء او التقصير او المواقف. مع كل هذا ، وردى قط لم يعرف عنه انه كان ########ا ، او خائنا ، او مبدلا لمواقفه او اراءه ، او كان سارقا او مرتشيا او متملقا او زانيا او مستاسدا على الضعيف و خانعا ذليلا امام القوي ، او صعلوكا او منافقا او مخادعا او متعصبا لعرق او ثقافة او دين او جهة ، او سفيها. وردي بكل امانة كان رجلا و رجلا مكتملا. انا لا اقدر ان احصي محاسنة. مع ذلك نحن قد اهنا ، ايم اهانة ، وردى و اساءنا له من لحظة موته الى لحظة دفنه. باي حق شارك فى تشييع جثمانة القتلة و السراق و الكذابون و المنافقون و النفعيون و الانقلابوين و الديوثيون و العنصريون و القبليون و الجهويون و الشقاقيون و خائنوا العهد و الذين لا ذمة لهم و الذين عادوه حيا و عادوه ميتا و المنافقون و حمالوا الوجوه الكالحة و حمالوا الوجوه العديدة و المفرطون فى تراب الوطن و بائعوا الوطن و المنكلون بشعبة و مشمتوا اعداء الوطن و اهل الفتنة؟ بأي حق اتي هؤلاء لتشييع جثمانة؟نحن نسال هذا السؤال و نخص به الاسلاميون القتلة و السراق و على راسهم الانقلابي عمر البشير؟ أوليس هم من شردوا وردي لمدة ثلاثة عشر عاما ، حيث قضاها خارج السودان هربا من ملاحقتهم له بعد انقلابهم المشئوم؟ اوليس هم من منع اغانية فى تلفزيونهم و مذياعهم العنصري؟ اوليس هم من قطعوا سودان وردى اوصالا؟ نعم السرقة و الدناءة تنزع كرامة الذكور( ليس الرجال) و ما بهم من عزة و كرامة و كبرياء و احترام للنفس ! ان لم يكن الامر لذلك كيف لهؤلاء ان يشاركوا فى جنازة عدوهم؟ لا تقولوا لى اخلاق الاسلام ، اولم يمت اخوكم فى الاسلام خليل ابراهيم؟ فاسلاميا ، اوليس اولى باصحاب الوجوه الكالحة ان يروا و هم يشيعون جثمان الدباب خليل ابراهيم و الذي قضى ردحا من عمرة فى الحرب لقيام المجتمع القرانى ، بدل ان ان يروا و هم يشيعون جثمان وردى الذي قضى كل عمرة لمحاربة قيام مجتمعهم القرانى؟ اوليس ظهورهم فى تشييهع جنازة خليل ابراهيم هى اقرب للتقوي و اقسط عند الله؟ نحن نعرف هؤلاء المتاسلمون المتسلقون عديمي المبادئ ، كل اللوم علينا ، ما كان لنا ان نتركهم ليمشوا فى جنازتة و لو كلفنا ان يردونا قتلى . نعم نحن نسينا انه قد مات من اجل هذا الوطن من هم اشرف منا بعدة درجات و لكن جبنا ، مع يقيننا باننا لن نخلد فى هذه الدنيا.
(3) الاساءة الثالثة : ابلغ بكم التزوير ان تقولوا وردي فنانا عربيا :
بعد وفاة فقيدنا محمد وردي مباشرة ، لم يترد الاستعرابيون و المسطحون و التخيليون و و المغتربون والمختلون حقليا و نفسيا ، فى ذكر و من ثم تكرار قول المنكر و ادعاء ان وردى كان فنانا عربيا و ان الاحزان عمت ( الوطن العربى) نتيجة لوفاتة و ان معجبية فى الوطن العربي كذا و كذا. نحن نقول لهؤلاء ، اختشوا و قللوا من هذا الهبل و الخبل و لا تجعلوا الغير يزدكم سخرية و يفتح فاهه تعجبا من هكذا ادعاء . عندما بدأ محمد وردى الغناء كان اول مستمعية هم اهل قريته و من ثم اقرانه و زملاءه فى مدرسته بقريتهم و من ثم مدرسيه و معلميه . عندما غنى وردى فى الخرطوم و الاذاعة ، غنى بكلمات كتبها السودانيون و لمستمعيين سودانيون. محمد وردي غنى لعمر الدوش و محمد مفتاح الفيتوري و كجراي و غيرهم . وردي قط لم يذهب ليغنى شعر الحطيئة او يزيد بن معاوية او امرؤ القيس او احمد شوقى او حافظ ابراهيم. محمد وردى لم يغنى للخمارو النقاب و الطربوش و الخف ، لكن غنى للزراق و المركوب. محمد وردى لم يغنى لابطال العرب مثل أحمد عرابي او عمر المختار او سعد زغلول و عبد الناصر، و لكن غنى لترهاقا و لعلى عبد اللطيف و للماظ و لعبد القادر ودحبوبة. وردي لم يغنى لحطين او لحرب لداحس و الغبراء و لم يغنى للقادسية او للثورة العربية الكبري و لكن غنى لكرري. وردي قط لم يقصد او يرغب او سعى ان يكون فنانا للبنانيين ، او القطريين او الامارتين ، او التونسيين . وردى غنى للسوداننين و فنانا للسوداننين . المعجبون الاخرون استمعوا لوردى ليس عن طريق توجه فنى فرضتة حكومات تلك الدول قسرا ، بل استمعوا له لتشابه الايقاع و الموسيقى و الفلكلور ، بالرغم من ان بعض منهم قد لم يفهموا ما يقول. و هنا نذكر منهم بعض الاثيوبيين و الارتريين و التشاديين و النيجريين و بعض سكان جنوب مصر. هؤلاء ، قط لم يكونوا و لن يكونوا عرب. هؤلاء افارقة و هم اعتزوا بوردي بمستوي اعتزازنا به. فانا اسأل ، لماذا تحاولوا دفننا و تاريخنا و حاضرنا و نحن احياء؟ نحن لا ندعوا لمثل هؤلاء بخير ، لا وفقكم الله و لن يوفقكم الله. أرايتم يوما مواطنا لبنانيا او فلسطينيا او جزائريا او ليبيا ، و لو مازحا قال انه يعرف محمد وردى ناهيك عن سماع اغانية ؟
اليكم هذا المقطع من حوارمع الفقيد محمد وردي اجراه عبدالرحمن جبر ، من جريدة اخر لحظة ، نشر فى يوم 4- فبراير – 2012 بموقع جريدة الراكوبة ألا تعتقد بأن هناك اختراق للثقافة السودانية من قبل المطربين العرب وفُرضَت علينا؟ نعم هناك اختراق للفن والثقافة السودانية بدليل أن الآن أصبحت (العروس) السودانية تزف بزفة على الايقاعات المصرية والغربية وغاب الفن والتراث السوداني، ولذلك يجب أن نقف ضد الاختراق الثقافي ونغلق الأبواب في وجهه.
هل تعني بأن لديك أفكار جديدة لذلك..تُرجِع طريقة الزفة السودانية لأصلها؟ نعم.. نحن نمتلك من الايقاعات السودانية ما يكفي لصنع وعمل زفة العروس، واشتركت في ذلك مع الشاعر اسحق الحلنقي في إنتاج عمل جديد بايقاعات «السيرة» ونال إعجاب الجمهور، وذلك لوقف التغول الأجنبي وحماية التراث السوداني.
من واقع خبراتك الفنية الطويلة.. كيف ننقل الأغنية السودانية للخارج؟
وسائل الإعلام التي تنقل الفنان المحلي للخارج ضعيفة جداً وليس لديها أي اهتمام بالمبدعين، والفنان السوداني الجيد ينجح في أي مكان مثلما نجحنا نحن في أفريقيا، ولدينا تراثنا الحقيقي ولكننا لم نوجه ثقافاتنا في الاتجاه الصحيح فنحن أفارقة أكثر من عرب لذلك يجب أن نوجه أعمالنا صوب أفريقيا.
فا هو وردي، المفتري عليه، ممتعضا من انتشار الغناء العربي و الغربي فى سودانه و قالها لكم ، نحن افارقة أكثر من عرب. يا اهلنا من الدينكا و النوير و الشلك و الاشولى و النوبة و الفور و الداجو و التنجر و المساليت و الامرار و الخاسا و العبدلاب و الكورلى و الهوسا و البرنو و اليربا و الفلاته...الخ ، لماذا تتخذون لكم اسماء غير اسماء اجدادكم و تنكرون انفسكم و تنكرون اصلكم و فصلكم و دمكم و تدعون انكم ( لستم انتم )؟ و اجدادكم ( ليسوا هم) وان هذه البلاد انتم ليستم منها و لكن اتيتموها غزاة فاتحين؟ ، و انكم لستم من هنا؟ و انكم وفدتم من شبة جزيرة ما ؟ و نحن ان جاملنكم و سايرناكم وتظاهرنا بتصديقكم ، فان هذا يجلب عليكم السخرية من قبل من تدعون انهم اخوانكم و هم حقيقة اخوانكم فقط فى ادم عليه السلام ، و ان بعضهم حتى لذلك منكرون. هذا الكلام نوجهة لعمر البشر ( زمان بديري و الان هو جعلى) و لعلى عثمان محمد طه ( الشايقى) و للحاج ادم يوسف ( الهلباوي) و الناطقين باسماءهم و بالاخص اسحق أحمد فضل الله و الصادق الرزيقي ( الرزيقي). فيا هؤلاء ، فوالله لو جلس بينكم ادواردو دي سانتوس ، رئيس دولة انجولا ، او يايى بوني ، رئيس دولة بنين ، او بول كيجامى ، رئيس جمهورية رواندا ، فانا أحلف بالله ، سوف لن تميزكم امهاتكم و زوجاتكم من بعض لو وقفتم على بعد مائتي متر. اتعرفون لماذا؟ لا تقولوا لى ان بصرهن قد ضعف ، لكن لان ابيكم او جدكم ، على اعلى تقدير من 10 جيلا مضت ، كان ابا او جدا واحدا. فالهوساى و الشلكاوي و الفوراوي و الفوجاوي و الدينكاوي ، كلهم منحدرون من الشلك و يشابهون ، اوولاد عمى و انا اعرفهم اينما وجدهم ، و الفيصل بينى و بينهم الحمض النووى ان انكروا ذلك . هذا ما يراه كل العالم و عددهم 7 مليار او يزيدون. بالله اريحونا من قضية العباس هذه و مضر بن ربيعة و خلافهم و انتم لستم من قريش ، و هذه حقائق لا تستدعي ان يتناطح حول صدقها كبشان. فهداكم الله ـ انتم اخواننا و نستحلفكم بالله كفاكم بغى علينا و على ابانا و جدودنا الاولين.
(4) الاساءة الرابعة : لا تظلموا ارث محمد وردي و تقولوا انه فنان افريقيا الاول : (5) فى مسعاهم الدؤوب لتزوير و تحريف الماضي و الحاضر و من ثم تاليف مستقبل زائف ، درجت اجهزة ووسائل اعلام الاسلامييين و الاستعرابيين منهم خاصة، على الفرز اللونى للمواطنين ، بغية اظهار ان سحنات السوداننين هى بخلاف ما يعرفة العالم و يراه فى قرانا و مدننا . فالمشاهد اليوم للتلفزيون الرسمي ومعه قنواة الدغكسة مثل قناة النيل الازرق و الشروق و ساهور و قناة طيبه الدينية و قناة الخرطوم و قناة امدرمان ، يظن المشاهد ان شعب السودان قد تم نفيه الى الخارج و اتى الله بقوم غيرهم و حلوا محل ألسودانيين . القنوات هذه و يبدو وفق توجيه رسمي ، كل من عينتهم من مذيعيين و مقدمي برنامج و متحدثين ، هم من فاتحى البشرة( يعنى مبلحين ، بكلام اهل دارفور). و لكن بعون الله ، فشلوا فى ايجاد عدد كافى من مقدمى للبرامج و ذلك من عامة السوداننين. فلجازا الى من تسودن من الاتراك و الغجر و من هم امهاتهم مصريات و تركيات و مغربيات و خلافة. و بما ان مثل هؤلاء المذيعين غير المؤهليين ، على اقلاه انهم غالبا غير معنيين بكل السودان و بحكم انهم تم خداعهم بانهم لا يحتاجون لغير لونهم ليكونوا مقدمي برامج ، فهم ليسوا فى حاجة للثقافة او المعلوماتية او الالمام بالمواضيع ، اي كانت اهمية تلك المواضيع. فمعظمهم لا يجيد قراءة النصوص المكتوبة و لا يعرف اكثر من 5% عن اي موضوع يقدمة. فهم لا يعرفون اقاليم السودان و لا مدنة و لا قبائله و لا تاريخ و لا يحزنون. و من اجل تمررير الوقت فهم يتكلمون بصورة تشبة كلام السكاري و المساطيل.
بعد وفاة الفقيد وردي ، معظمهم هذر و ادعى ان محمد وردي هو فنان افريقيا الاول. معزتنا و اجلالنا للعظيم وردى يحتمان علينا ان نعطي محمد وردى قدره كاملا و لا نظلمة زيادة او نقصانا. ادعاء ان محمد وردى هو فنان افريقيا الاول هو ادعاء باطل فيه تجنى على افريقيا و شعوب افريفيا و تجنى على محمد وردي و على فنانى افريقيا. نحن نعذر بلهاء هذا العصر الردئ و ادعياء المعرفة من امثال هؤلاء المذيعين و المتحدثين و ضيوفهم من ادعياء المعرفة من شاكلة حسين خوجلي. اولا افريقيا بها مليار نسمة و يحملون 56 جنسية و بها اكثر من 3000 لغة محلية( حسب احصاء 2010م) و لغاتها المكتوبة الرئيسية هى الانجليزية و الفرنسية و البرتغالية و العربية والسواحيلية و الهوسا الافريكانا، و بها اكثر من 6000 مغنى مسجل و له اغانى فى الاذاعات و التلفزيونات المحلية و الاقليمية و العالمية . فمن من جهلة هذا العصر التعس ، احصي مستمعى الاغانى و مبيعات الكاسيت و الاسطوانات و الفيديو و تنزيلات الاي فون و من ثم خرج بان فنان افريقيا الاول هو محمد عثمان وردى؟ طبعا الاحصاء عند هؤلاء بدعة ما بعدها بدعة. كل شيئ عنهم تخمين و تزوير و ادعاء و عشر الحقيقة و يتكلمون و كانهم هبطوا من كوكب اخر. نحن نقول ، وردى غنى فى السودان و للسودان و مفتخرا بمستمعية فى كل الدنيا و لكن قط لم يطمع ان يكون و لم يكن فنان افريقيا الاول. انا لا اود ان اقول الكثير ، لكن علينا بمقارنة فقيدنا محمد وردي بمن هم عاشوا فى فترة تقارب فترتة و عمره الفني. فمحمد وردى و لد فى عام 1932 و توفى عام 2012 و لغرابة الامر فان المغنية الافريقية زنزيلي مريم مريم ماكبا ( ماما افريكا) هى بدورها ولدت عام 1932م و توفيت فى عام 2008م. لهذا يمكننا مقارنة العملاقين. و بما ان انجازات استاذنا وردي معروف لدي القراء ، فسوف نركز الضوء و التعريف بمريم ماكبا. ولدت مريم ماكبا فى جنوب افريقيا فى عام 1932 و بدات الغناء رسميا فى عام 1950م. جمهور مريم ماكيبا شمل جميع الدول الافريقية ، و اقول جميعها ، عدا الدول العربية. فهى غنت بلغة الافريكانا و اللغة الانجليزية و البرتغالية و غنت بالسواحيلية. جمهورها شمل الشتات الافريقيى و بالاخص فى الولايات المتحدة و جزر الكاريبي و الافريقيين فى امريكا الجنوبية و بالاخص فى البرازيل و كولمبيا و الارغواى و البارغواى و تشيلي و اللبيرو و خلافها. مريم ما كيبا غنت امام جمهور مختلف الاعراق و اللغات فى افريقيا و اسيا و اوروبا و امريكا الشمالية و امريكا الجنوبية و استراليا . غنت ماكيبا الاغانى الشعبية و الار اند بي و البوب و الجاز وخلافها . خلال عمرها المهنى غنت ماكيبا اكثر من 500 اغنية و اصدرت مريم ماكيبا 43 البوما مكتملا. بعد نفى ماكيبا خارج بلادها من قبل عنصريو جنوب افريقيا فى عام 1960م سافرت الى الولايات المتحدة و هنالك تعاقدت معها كل من شركة ايم سي اي ( مايكل جاكسونو ديانا روز ومعظم مشاهير غناء امريكا) و شركة كاب و شركة بولى غرام و شركة وارنر للموسيقى. فى عام 1962 و لصدمة لمن لا يعرفونها ، طلبها الرئيس جون كنيدي للغناء فى عيد ميلادة ، و حيث شاطرها المسرح الاسطورة هري بلافونتي. فى عام 1963 و عند اصدارها لالبومها ( عالم مريم ماكيبا) ، احتل المرتبة الثامنة فى امريكا و لمدة 8 اسابيع و كان اكثر البوم بيع فى افريقيا كلها و العالم و بعدد تجاوز ال 50 مليونا. فى عام 1966 نالت جائزة جرامي للموسيقا فى الولايات المتحدة و هى ما يعادل جائزة الاوسكار فى السينما و ذلك للمغنيين .فى عام 1968 و عند تامر العنصريون الامريكيون عليها مرة اخري ، انتقلت الى غينيا و التى قام رئيسها احمد سيكوتوري منحها الجنسية الغينية و تعيينها كمندوبة لغينيا لدى الامم المتحدة فى نيويورك. فى نيويرك منحتها الامم المتحدة جائزة داش همرشولد للسلام ( كان الامين العام للامم المتحدة حينها) . فى المبارة الشهيرة المعروفة باسم رمبيل ان ذا جنقل بين محمد على كلاى و جورج فورمان فى زائير فى عام 1974 ، اصرت اللجنة على دعوة مريم ماكيبا لتفتتح المناسبة بالغناء. و عند غنائها عن افريقيا بالانجليزية و الفرنسية و ماسي افريقيا و ظالموها ، ابكت حتى المتاعيس مثل موبوتو سيسيكيو رئيس زائير وقتها . فى عام 1956 ظهرت فى فيلم غربي معادى للفصل العنصري باسم ( عودي يا افريقيا ). عند اصدارها لالبومها الشهير باتا بانا (بالعامية شوية شويةاو بالراحه بالراحه) فى عام 1957 ، وصلت العالمية ووزع الالبوم فى جميع انحاء العالم. فى عام 1990 توسلها العملاق مانديلا للعودة لجنوب افريقيا . وفى 1991 ظهرت فى حلقات مسلسل ( كوسبي شو) للعملاق الافروامريكاني بيل كوسبي و كما ظهرت فى فيلم سفارينا. فى عام 1999 قامت الامم المتحدة بتعينها سفيرة للنوايا الحسنة و فى عام 2001 تم منحها جائزة اوت هان الخاصة بالعصبة الامانية بالامم المتحدة. و فى نفس العام تسلمت جائزة بولر للموسيقى فى السويد من كارل جوزتاف ملك السويد. وحتى مماتها فى عام 2008،هنالك 9 من دول العالم منحتها جنسيتها و بذلك تكون من اكثر شخص، على مر التاريخ ، منحته دول اجنبية جنسياتها.
ما ورد هنا هو يسير و قليل عن مريم ماكيبا لوحدها و عليه بمقارنة بسيطة ، علينا احترام استاذنا وردى و يجب ان لا نظلمة و نلحق به من اسماء و القاب لو قمنا بمنحها له حيا لقام هو نفسة و نهانا عن ذلك . ما تمثله ماكيبا لافريقيا هو بمكانة ما يمثلة وردى بالنسب للسوداننين، مع فرق جوهريا و هو ان ماكيبا ليس لها اعداء و مناهضون فى افريقيا ، عكس وردى الذي عاداه و ناهضة فى السودان و هم المفسلون خلقيا و المغتربون نفسيا و عقليا و الداعون لتعلم علم الجراحة و الكيمياء العضوية و النانوتكنولجى من كتب الترمذي و البيهقى .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي الشجن المسافر (الحلقة الأخيرة) حكاوى ذكرياتي مع «أعز الناس»وردي الشجن المسافر والعرش الغنائي الذي رحل كمال حسن بخيت
الحديث عن محمد وردي لا ينتهي.. والحكاوي والمواقف الطريفة لا تنتهي أيضاً.. ومحبة الأفارقة لوردي أمر آخر.. أهل الصومال كما قال لي وزير الإعلام الصومالي يعرفون وردي أكثر من الرئيس الصومالي ،في كثير من مناطق الصومال.. اما أثيوبيا واريتريا فتجد في اسواقهما في محلات مبيعات الكاسيت صوت وردي يطغى على الجميع.. ونجد اغنيات ترباس وخوجلي عثمان تملأ الأفاق.. هذه الحلقة التي اسميتها الأخيرة .. ليست بسبب نضوب المادة والذكريات التي لا تنسى لكنني قررت ان لا اطيل كثيراً على القراء .. و خشيت من تكرار الحديث والذكريات .. إذ ما زالت في القلب حسرة وفي العين دمعة للدرجة التي منعت من مقابلة ابنته جوليا .. فقد اكتفيت بلقاء عبد الوهاب ومظفر وإخوانهما .. حتى أنني لم استطع رؤية الحديقة التي اقامها امام منزله والتي كنا نجلس فيها دوماً .. ونداعب الغزلان الجميلة التي عشقت محمد وردي .. وبكت لفراقه .. وان شاء الله .. سنواصل الكتابة قبيل الأربعين في حفل التأبين الذي سيقام له .. رحم الله محمد وردي واسكنه فسيح جنانه .. »بناديها« خلقت ضجة إعلامية وسياسية كبيرة »بناديها«.. تلك الأغنية الرائعة التي ابدع في كتابة نصها الشعري شاعرنا الموهوب الراحل عمر الطيب الدوش .. وردي جعل منها نقلة كبيرة في الحانة مثلما خلق الدوش منها نقلة كبيرة في الشعر الغنائي .. الأغنية احدثت ضجة وسط محبي الغناء .. وكان لدى وردي حفل بالمسرح القومي بأم درمان .. كان ذلك في نهايات العام 1975م.. وطلب مني ان نلتقي في المطعم السياحي الذي كان عبارة عن باخرة في النيل بالخرطوم ويملكها قريبه عوض حماد ، وبدأنا نتسامر وبجوارنا راديو صغير يتابع وردي الحفل بالمسرح القومي .. كنت أقول لوردي فلنتحرك .. خوفاً من التأخير ويقول لي لا تقلق .. ثم بدأ المذيع الداخلي في الاعلان عن مغني الحفل الامبراطور محمد وردي .. وبدأت فرقته الموسيقية في عزف مقدمة أغنية »بناديها«.. ووردي ينظر إلى ساعته .. وأخيراً قال لي نتحرك .. ذهبت معه في سيارته .. وبمجرد وصوله المسرح القومي صعد المسرح في اللحظة المناسبة التي يبدأ فيها غناء الكوبليه الأول .. دقة متناهية للغاية .. كان عازف الاكورديون الراحل عصفور وعبد الرحمن عبد الله عازف الكمان الراحل .. وصلاح الموسيقي الماهر .. وجعفر مزمل عازف الايقاع الأكثر شهرة .. هم احب الموسيقيين إليه .. اختلال إيقاع اغنياتي بعد اغتراب حرقل وعن جعفر حرقل قال لي بعد مغادرته السودان واغترابه : حاولت ان اغريه بترك الاغتراب على ان اتكفل بما يدره عليه الاغتراب .. ولكنه رفض .. وأضاف قائلاً : جعفر حرقل امهر عازف ايقاع في السودان ، ومنذ خروجه من السودان وابتعاده عن فرقتي الموسيقية اختل ايقاع اغنياتي .. اعتراف خطير ومهم من محمد وردي انتزعه الراحل جعفر حرقل من الفنان الكبير .. نميري يغيب عن تكريم وردي بالمسرح القومي أيام الدكتور إسماعيل الحاج موسى الثقافية أي مهرجانات الثقافة التي ابتدعها د. اسماعيل عندما كان وزير دولة للثقافة والإعلام .. تقرر في ذلك المهرجان واعتقد أنه الأول أو الثاني .. تقرر تكريم عدد من رموز الفن الغنائي في بلادنا وعلى رأسهم الفنان الكبير محمد عثمان وردي واستعد الجميع لحجز مقعده في المسرح القومي ليكون شاهداً على تلك اللحظة التاريخية والتي تقرر ان يكرم هذه الرموز الرئيس جعفر نميري شخصياً بوضع شعار المهرجان على صدر المكرمين .. وكان وردي قد خرج من السجن قبل أشهر عديدة والعداء بينه وبين النميري على أشده .. وعندما علم نميري ان عليه ان يكرم وردي .. كاد يؤجل المهرجان .. لكن توصل لفكرة ان يذهب إلى السلاح الطبي ليبقى يومين يجري خلالهما تحاليل طبية وبذلك ينجو من مواجهة وتكريم وردي. وبالمناسبة جعفر نميري كان يحب غناء وردي ولكن بعد 19 يوليو لم يعد يتحدث عن ذلك الحب والإعجاب .. وبالفعل .. تقرر ان يكرم المكرمين اللواء محمد الباقر احمد نائب نميري .. وأعلن المذيع الداخلي عن تكريم وردي .. الذي مشى على خشبة المسرح القومي بخطوات ثابتة وقوية وجاء الباقر وحيا وردي .. وألبسه شعار المهرجان على صدره .. وضج المسرح بالتصفيق والهتاف للفنان الكبير .. وجاء من يبلغنا بان لا ننشر صورة وردي امام اللواء الباقر في صدر الصفحة الأولى .. وبالصدفة كنت محرر السهرة في الصحيفة .. ونشرت الصورة في الصفحة الأولى على خمسة أعمدة وساعدني تيتاوي في ذلك .. أما عمر الكاهن »رحمه الله« فقد تولى السكرتارية الخاصة للمحافظ مهدي مصطفى الهادي وآخرين في جهاز الأمن ، وصدرت »الأيام« والوحيدة التي كانت صورة وردي واللواء الباقر تتصدر الصفحة الأولى .. بعد فترة ظهرت »بناديها«.. وكنت في مكتب مهدي مصطفى مع الراحل الكاهن. . وفجأة قال لي مهدي مصطفى صاحبك وردي عندما يقول في أغنيته الجديدة »الضل الوقف ما زاد« ماذا يقصد؟ قلت له الإجابة عند محجوب شريف كاتب القصيدة .. قال لي يا أخي الضل الوقف ما زاد .. يقصدون بها مايو .. قلت له مازحاً .. طيب سيادتك ، ما تزيدو الضل ده شوية عشان ما تفصل الأغنية لكم ضحك وقال لي : كلكم شيوعيين مكارين .. كيف فسر أهل مايو » يا صبية الريح وريا« ؟ ومرة كنا مجموعة في منزل محمد وردي .. وهو يغني »جميلة و مستحيلة« رائعة محجوب شريف .. وعندما وصل وردي للمقطع الذي يقول: يا صبية الريح ورايا خلي من حضنك ضرايا فجأة صاح الفنان التشكيلي الكبير بولا .. وقاطع الغناء وقال انتو عارفين محجوب شريف قاصد شنو الريح ورايا .. قلنا له ماذا يقصد ؟.. قال الريح عند محجوب شريف هو الأمن ويريد ان ينبه إلى أن الأمن يطارده .. ويريد ان تكون محبوبته ضرا له من الريح.. ضحك الجميع وواصل وردي الغناء .. ووردي شاعر مجيد بالنوبية وكذلك بالعربية ومعظم اغانيه ما عدا التي كتبها محجوب شريف والدوش والتيجاني سعيد كتب المطلع الأول لها .. ويكمل الشاعر باقي القصيدة .. وقد نجحت هذه التجربة في كثير من الأغنيات .. مع الحلنقي وسعد الدين إبراهيم والراحل علي ميرغني وغيرهم .. وردي وإبراهيم عوض وردي كان من اشد المعجبين بالفنان الذري الراحل إبراهيم عوض .. وقد وجدت شريطاً يضم عدداً من أغنيات إبراهيم عوض يغني معه وردي .. وردي وسميرة دنيا طلب وردي مني ان نزور سميرة دنيا في بيتها.. وقد اعجب بمنزلها الأنيق جدا ً.. وعلى الفور أشاد بأناقة منزلها .. وقال لها اكون دائما مبسوطا عندما أرى فناناً سودانياً يملك منزلاً فاخراً مثل هذا، وأشاد بالديكور وبالجلسات التي تتوزع بين الجلسات العربية والإفريقية .. وبدأت الضيافة .. ثم بدأت طقوس عمل القهوة والذي لا يشرب قهوة سودانية عند سميرة دنيا لم يشرب قهوة قط .. بدأت في دق البن وبإيقاع أغنياتها ، وبعد الفنجان الأول طلب منها ان تغني .. وبالتحديد جلابية بيضاء مكوية .. وبدأ يغني معها كأجمل ثنائي وبعد انتهاء الأغنية طلبت منه السماح لها بان تغني أمامه احدى أغنياته وكانت( كده أسأل قلبك عن حالي) ، وأجادت الأغنية للدرجة التي اطربت وردي طربا شديدا ، وقال لها يا بنتي انتِ صوتك من دهب بلاش تغني النصوص الشعرية التعبانة .. وقال لها انت فنانة كبيرة .. يجب ان تشتري جهاز بيانو ليأخذ مكانه في هذا الصالون الفاخر .. وسأخبر ابني مظفر ان يأتي إليك عصر كل يوم ليعلمك العزف عليه .. لان البيانو يضبط طبقات صوتك .. وقال لها هل تعلمي ان زوجتي هي التي بنت هذا المنزل .. تكتب شيكات لشراء الأسمنت ولوازم البناء وكنت مجبراً على الدفع .. ولو كان الاعتماد علينا ما كنا بنينا قطية .. وقال ان المرأة الواعية هي اساس نجاح الأسرة.. وذكر سميرة دنيا .. بجلسة غنائية في القاهرة عندما غنى معها جلابية بيضاء مكوية وقبل ان يدخلا في الكوبليه الأخير دخل وردي بأغنية سلم مفاتيح البلد .. فما كان من سميرة إلا أن خرجت من موقع الجلسة الغنائية فوراً ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
وردي.. عبقرية الغناء والموسيقى بروفيسور/ عبد الرحيم محمد خبير يقول أهل العلم إن الفن هو تجلٍ للعبقرية وللقِوى الخلاقة التي تقع وراء نطاق مجرد الحرفة أو التعلم أو التقنية التطبيقية. ومبدعنا الراحل المقيم/ محمد عثمان وردي أحد رموز الفن الأصيل على مر الأجيال والعصور. فقد حلّقَ بالإبداع السوداني وسما به إلى مرتبة العبقرية، مما جعلني أتحرج في أن أسِمْ هذه الزفرات بـ "وردي: عبقرية الغناء والموسيقى السودانية" فحسب، سيما وأن ما رفدنا به من أغاني وموسيقى بعربية قشيبة ونوبية سلسة، بسلم خماسي أفريقي التقاسيم تجاوز الحدود القطرية ليشمل الاحتفاء بها الملايين من شعوب القارة السمراء وليصبح "فنان أفريقيا الأول" دون منازع.
لا مشاحة، أن الموسيقى تمنحنا مشاعر الأمل والتوقع والسعادة، وتوحي إلينا بمعارف سماوية، والجزء الذي يدركه العقل منها عن طريق الحواس، هو تجسيد للمعرفة العقلية. ولعل من نافل القول، أن العقل يحيا بالموسيقى كما نحيا على الهواء، فهي أوكسجين الأعصاب. وهي - أي الموسيقى – شيء مختلف نعجز عن إدراك كنهه عقلياً، وكلما تزودت النفس بغذاء الموسيقى والغناء، ازداد استعداد العقل للتعاطف السعيد معها. بيد أن القلة – كما يستبان للعارفين بأسرار الموسيقى- هم الذين يتمكنون من بلوغ هذه المنزلة. ومبدعنا محمد وردي أحد هؤلاء العباقرة الذين سبروا أغوار فن الموسيقى وارتقوا به إلى هذه الدرجة العلية. فلم يكن مطرباً مؤدياً فقط بل في ذات الوقت شاعراً وموسيقياً فذاً قل أن يجود الزمان بمثله. وتميزت أعماله الفنية بالتفرد والإضافة الملهمة والتجاوز الاستثنائي. ولا ريب أن تلكم الخصائص لهي أبرز علامات العبقرية الحقة. واستطاع مبدعنا الكبير من خلال مسيرته الفنية التي تجاوزت نصف القرن من الزمان أن يتفرد بمقطوعات عزفية ومقدمات ومؤلفات موسيقية وألحان ساحرة، فضلاً عن كلمات منتقاه بعناية فائقة لتلائم الذوق السليم. فمن منا لا يطرب لـ "نور العين"، و "القمر بوبا" و "الطير المهاجر" و "صدفة" و "ذات الشامة" و "وأسفاي"، "وقلت أرحل"، و "الود" و "الحزن القديم"، و " المرسال" و "جميلة ومستحيلة" و "بلدي يا حبوب" ……… إلخ هذه الخرائد،
فضلاً عن المواويل النوبية الشجية والأناشيد الوطنية الآسرة بدءاً من "الأكتوبريات" "وانتهاءً بـ "وطنا… البا اسمك كتبنا ورطنا…" والتي سار بذكرها الركبان. ولعل القول المأثور بأن عشرة في المائة من العبقرية إلهام، وتسعين في المائة منها جهد – يتضمن قدراً من الحقيقة. فلم يكتف محمد وردي باختيار مفرداته الغنائية وجمله الموسيقية بعناية فحسب، بل كان كما يذكر العديدون – شديد الحرص على أدق التفاصيل. ويبذل جهداً لا تخطئه العين لتجويد عمله الغنائي والموسيقي بحماس دافق وروح متألقة وابتكار يثير الدهشة ويصنع السعادة للمتلقي؛ والاندهاش والسعادة – على حد تعبير شاعر ألمانيا الأشهر جوته – هما العنصران اللذان يُربطان دوماً بالعبقرية. ولعل من أهم مميزات شخصية هذا الهرم الفني الفخيم أنه كان مثقفاً عضوياً ، منحازاً لعموم أهل السودان بمختلف أطيافهم وتنوعاتهم الإثنية والثقافية. فيشهد له التاريخ التزامه بقضايا شعبه ووطنه وكان سنداً لأمته في خطوبها وهَزَارها الغَِردْ في انتصاراتها مع اعتداد بالنفس دونما غرور وإرادة صلبة لا تعرف المهادنة والانكسار. وعاش بيننا عزيزاً، أبياً، مرفوع الرأس، مجسداً أروع الأمثلة للإيثار النادر والوطنية الصادقة التي يتسم بها دون شك أهل المبادئ والقيم النبيلة. ألا رحم الله تعالى محمد وردي وأنزل عليه شابيب رحمته الواسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان، إنه سميع مجيب الدعاء.
------------------
الوجه الآخر لوردي الخميس, 08 مارس 2012 07:26
- شمس المشارق - مؤمن الغالى
نعم الموت غيّب وردي.. رحل وصعد إلى أعلى جسداً.. ودعنا وداعاً دامعاً دامياً.. وغادرنا سفراً طويلاً بلا عودة ولكنه بيننا.. كما هو فينا أكتوبر. كما هو فينا ذاك النهر من الألحان والأشجان وذاك الفضاء الذي تجلجل فيه صخب ودوي الهتاف بحياة الوطن وشعب الوطن.. واهم من ظن أن حفنات من تراب تلك التي أهلناها على مرقده الرهيب يمكن أن تفصل بيننا وبين ذاك التاريخ المجيد من الإبداع والإعجاز والإبهار.. صحيح أن فراقه كان مراً وقاسياً.. والصحيح أيضاً أن دموعنا قد فاقت دموع الخنساء جرياناً وتدفقاً.. ولكن الصحيح أيضاً أنه واجب علينا الآن أن نوقف طوفان الدموع ونبدأ في قراءة وردي إنساناً وحالةً.. وأنه يجب أن نتعافى من زلزال الصدمة.. والتداعي وغياب العقل إلى حين.. مشروع متوقع.. مشروع جاء مرة خالد محيي الدين إلى عبد الناصر وهو يحمل في وجع خبر اغتيال لوممبا.. قال خالد لناصر: سيدي الرئيس لقد اغتالوا لوممبا هنا مادت الأرض تحت أقدام ناصر غادره العقل وبارحه الثبات إلى لحظات قال ناصر في حزن أسود: لماذا يموت الأخيار.. لماذا يبقى الأشرار؟ أحس خالد أن ناصر قد أربكه زلزال رحيل لوممبا.. هنا خاطب القائد في كلمات هي بدوي الطلقات أشبه: سيدي الرئيس.. إن الثورة في خطر والكنغو في خطر «وبولين لوممبا» في خطر انهض بدورك.. انهض بدور مصر فوراً.
نحن تماماً في موقف ناصر ذاك وها نحن ننفض من كفوفنا التراب.. تراب «تربة» وردي لنكتب بأصابع هذه الكف الوجه الآخر لوردي.. وهذا أقل ما نقدمه له وهو الذي ظل يمنحنا الهدايا ويجزل لنا العطايا لنصف قرن من الزمان ويزيد.
وقبل أن أكتب حرفاً واحداً عن الوجه الآخر لوردي أو تلك الصفحة المكتوبة بالدم والدموع.. وصدق مظفر النواب حين قال.. وطني علمني أن حروف التاريخ مزورة حين تكون بدون دماء.. قبل أن أكتب حرفا واحداً.. دعوني في فخر.. في فرح.. في إعجاب.. أن أنقل صفحات مضيئة كان قد كتبها محمد المكي إبراهيم عن وردي.. وكان وردي حينها ممتلئاً حيوية وحياة..بل كان سحابة ماطرة تهطل في كل الأرجاء وخراجها أولاً للوطن.. ثم لأفريقيا وعموم مضارب العرب.. ولكم وللكل.. أن يعلم قدر وردي ومقدار وردي الذي يكتب له وعنه «د المكي».
كتب ود المكي.. إنه جميل حقاً أن تحتفي أجهزة شبه رسمية بوردي الفنان الذي لم يقدم لها أي نوع من الملق الزائف.. كما فعل آخرون من ذليلي النفوس فأخطأهم التقدير وأصابه هو.. رغم أنه لم يدلِ مثلهم بشهادة الزور.. ولا نرى في ذلك المبلغ الزهيد ثمناً لوردي.. أو حتى محاولة شرائه.. فليس في كل الخزائن ما يكفي لشراء من هو مثل محمد عثمان وردي الذي تصدق فيه على اختلاف المناسبة كلمة الفنان محمد عبد الوهاب التي يتساءل فيها قائلاً «ياورد مين يشتريك؟».. وذلك ما يجعلنا نتنسم في تكريم وردي رائحة طيبة زكية.. نريدها أن تنشر عبقها وتمتد إلى كافة الفنانين.. ومهما قيل في تصنيف تلك الرائحة فإنها قطعاً ليست جائزة سياسية.. ومخطئ تماماً ذلك الذي قاله الدكتور حمدنا الله إن وردي غنى للإنقاذ بإنشاده المديح النبوي بقرينة أن المديح النبوي هو غناء للإنقاذ فالحق إنه غناؤنا نحن وغناء آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا.. قبل أن تكون الإنقاذ وبعد أن تفنى وتروح.. وقد كرر وردي مراراً وتكراراً سرد المقتنيات الثقافية السودانية التي ادعتها الإنقاذ وهي ليست لها.. ملافحنا ومسابحنا ومصاحفنا التي توارثناها أباً عن جد.. وفي كل الأحوال لايستطيع مدعٍ أن يدعي أنه أدخلنا دين الإسلام ليلة البارحة.. فالعقيدة شيء والإسلام السياسي شيء مختلف.. الأولى محجة بيضاء ليلها كنهارها وهذا لجلج يتفانى فيه أهله قبل بقية الخلائق.
صدقت يا سعادة السفير ود المكي.. وإكراماً لك وتكريماً لحروفك المضيئة المبهرة.. امتنع عن كتابة حرف واحد.. لأجعل لك مساحة الأحد خالصة لك يا أوفى الرجال.. وبعدها.. أكتب أنا عن الوجه الآخر لوردي
وما زلت في حضرة وردي.. مازلت أتكئ على شاهد.. يشهد بأن الذي يضمه هذا اللحد من الذين سكبوا الروح.. وقدموا كلما هو عزيز ونادر الى هذا الوطن، الذي هام به وردي حباً وصبابة.. وما زلت أنظر في إعجاب وإكبار وفخر وفخار في كل وجوه وردي.. تلك الزاخرة بكل بديع، الحافلة بكل عظيم.. كل وجه يفوق الآخر نضارة وجسارة وبسالة.
كل أبناء وطني يعرفون في يقين وجه وردي، ذاك الذي أغرقه في بحور غناء العاطفة، يحفظون كل كلمة.. كل خفقة، كل نغمة تحكي عن الشوق والهوى.. عن الحب وشاسع الأماني، عن الفراق والهجر والسهد والدموع، ومسارات النجم في الظلم.. يعرفون ونعرف وكل العالم يعرف أن وردي غنى لكل من سعت به قدم.. غنى للرابحين عشقهم.. غنى للخاسرين عشقهم.. غنى للحالمين والمحتشدة صدورهم بالأمل.. غنى للذين يستمطرون السماء أن تتنزل سحب وسحائب النجاح على قصص حبهم الطرية والندية.. غنى حتى للذين تأكل نيران الغيرة قلوبهم وتشعل اللهب في تجاويف صدورهم..
نعم هذا وجه من وجوه وردي.. واليوم نتحدث عن الوجه الآخر الذي دفع فيه وردي أثماناً باهظة من عمره، وهو يجابه فراق الوطن قسراً.. ويتلظى ويشقى بغرف المنافي والمهاجر الرطبة الخانقة.. يدفع الثمن سجناً وعسفاً وتشريداً.. اختار وردي هذا الطريق، هو ليس طريقاً أنه موقف.. موقف المواطن الفنان من وطنه وشعبه وقضايا أمته.. هذا الموقف له ثمن فادح، كان وردي على استعداد لدفعه وقد دفعه بالفعل.. الذي ينكر ذلك ينكر ضوء الشمس من رمدٍ، والذي يأخذه لحظة من حسك ليس غير مخاتل ماكر كاذب أشر.. وبالمناسبة حتى نميري وعندما كان على رأس السلطة أقر بذلك، والقصة الحقيقية تقول إن وردي كان حينها داخل أسوار سجون مايو بعد 19 يوليو.. تطاول أمد احتجازه.. سعى أحدهم- وهو من قلب سلطة مايو- الى نميري للسماح لوردي بادخال آلة «العود» في السجن.. هنا استشاط نميري غضباً، هاج وماج.. ثم قال «نحن وردي ده قبضناه سايق دبابة ما قبضناه عشان العود ده»..
والآن أستاذي السفير البديع البهي «ود المكي» مرة أخرى دعني أستنجد بك فأنت بليغ جداً، وأنا غشيم جداً فأنت الكلمات طوع بنانك وتحت سيطرة قلمك المطيع، وأنا الكلمات تهرب مني ذاك الهروب العظيم.. تتمرد علي كما تمرد «مارلون براندو» على سطح السفينة «بونتي» دعني استعين بك وأنقل حرفياً حروفك عن الفرعون تلك التي اطربتني وابهجتني و«قعدت في مواعينو» كل من تطاول على أعظم أهرام السودان وردي.. وكلماتك سعادة السفير هي:«ولا مشاجة في كون محمد وردي مناضلاً سودانياً عظيماً تغرب عن وطنه الجميل رفضاً للذل والخنوع، وضرب في ذلك أرقاماً قياسية، وتحمل آلاماً عظيمة من عوز ومرض وفقد عائلي، إضافة الى عبء العمر الثقيل، وها هو في الوطن بين الأهل والأحفاد والأصدقاء والمحبين، وقد قام بواجبه على أكمل وجه، بل على وجه الكمال، وعلينا نحن القاعدين والمخلفين أن نضطلع ببعض ما قام به في نضاله الطويل».
صدقت يا «مكي» ويكفي وردي شرفاً وفخراً.. إنه ما طافت في الفضاء أو في «الونسة»، أو في ذاكرة الناس، أو أي فرد من هذه الأمة العظيمة.. ما طافت أو حضرت ذكرى أكتوبر.. إلا وكان وردي حاضراً.. بل ثاني أكتوبر في تلاحم لا فكاك منه.. ماهلت ذكرى أكتوبر إلا وانفجرت شلالات البهاء، وازدحمت ساحات الفضاء بأناشيده التي تجلجل يردد صداها وطن بأكمله.. وكذا الحال، إنه ما تذكر أحد أبريل إلا وكان وردي حاضراً وكأنه «يتمم » أيام ذات الشهر- شهر ابريل- يردد الصبي والفتاة، الشيخ والمرأة، الطفل والصبية.. يا شعباً لهبك ثوريتك.. انت تلقى مرادك والفي نيتك..
وختاماً.. هل كان وردي وحده حزباً؟.. نعم كان حزباً، وإذا لم يكن برنامج وردي وهو ينشد.. مكان السجن مستشفى.. مكان المنفى كلية.. مكان الأسرى وردية.. مكان الحسرة أغنية.. مكان الطلقة عصفورة تحلق حول نافورة تمازح شفع الروضة.. حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي.. وطن شامخ وطن عاتي.. وطن خيِّر ديمقراطي.. وهل هناك برنامج أكثر إشراقاً واخضراراً من هذا؟.. ثم لك السلام يا وردي وأنت في العلياء.. وألهمنا الله فيك الصبر والسلوان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
صباح الوعد ياوردي..بقلم:عادل بدر علي March 6, 2012 صباح الوعد ياوردي
راجينك علي عتبات الغُنا الصاحي
وعلي صحوة غُنا الثورات
وغلطان من يقول غبت
أو يقول صوت الورد فات
خيل غُناك مسروجة
علي قِبلة مستقبلاً
مكتوب علي دفتر الجايات
حتي الدروب واضحات
مرسومة بِحرفة
مقْرية بعِرفة
وبكل اللغات
مين في البلد ما أتعلم
كيف منك بلسان شعبو يتكلم
حتي الجنوب الفرز كومو
ما فصل من هواك وجدانو
وذكري ضحكة د. جون معاك في حفلك الساهر
يوم السهر لخير
ويوم النضال حفلات
وصوت غُناك مدافع وسيل
تدك ذي ديل
المِننا منعوك
ويوم الشعب جاييك
إتلملمو وجوك
إتمسحو بفنك
وإتبركو في واديك
بس كيف يزيلو الفات
الفي غُناك موثوق
وياشعبنا من عاداك
لايمكن يكون منك
وياوردي ياساخر
من مساخر القوم
شايفك يوم ختوك وحولك الأحباب
يدعولك الفردوس
مستغرب علي الجايين من بطانة القوم
وشايفك مآدي للخراب إيدك:
(إيه جابكم؟)
لاكنت يوم منكم
لادخلت في نصكم
لاليكم غنيت
يا الشردتو افراحنا
يا الكسرتو لوحاتنا
يا الغرقتو آثارنا وحضارة كمين قرن
دة مهما يغرق الغافلين
في بحر حسن الظن
لايمكن يكون ذي ديل ناس بتعرف الفن
فيا النًصبتو (زنان)
مطرب علي السودان
مصطفي ووردي
عركي وزيدان
أسامي أكبر من التزوير
غٌنا وأشواق،معرفة وتنوير
تهذيب عواطف الناس
مشروع للتغيير
***
فيا وردي يافنان
يا مٌلتزم جانبنا
كل ما البلاد بتضيق
نلقاك فارسنا
تأخدنا بصوتك
لسكة الآمال
ما وقفت بْيِن بْين
ولاإهتزيت بين محكمة وسجان
ياقمر سماء الأوطان
يا نجمة السكة
ياهادي في التوهان
لاضَلْلَت ولا ضليت
بإرادة حب
دخلت كل بيت
ذي التقول حالف
من يوم تبيت
تكون حق كل زول
يامفرق الاحزان
يا دنيا وردية
يا غٌنية صِبا العاشقين
ياحلاوة الحرية
****
ياوردي يا أٌمة
لاغبتَ لا إتواريت
يا الفي البلاد طفت ولكل زول لاقيت
حتمر مع الأنسام وتشق مع النيلين
في جناح الطير إسم عابر
في بلا د لسة في غناك مليون ميل
وياوردي يافنان
يازعيم ويا أٌمة
كل ماتكبس علي الأنفاس
الضَلمة والغُمة
بتسندنا غنواتك وننده ليك
وكل مايفرحو العشاق
بنلقاك ونشتاق ليك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
عصر محمد وردي Updated On Mar 17th, 2012
إعداد: حسن الجزولي * برع في صناعة صفارة القصب وتلحين الأناشيد لتلاميذ المدرسة.
* يا طير يا طاير مسجلة في الاذاعة بطريقتين مختلفتين!.
* أحد الذين شكلوا كورس لوردي في بداية مشواره يعمل حالياً إمام جامع!.
محمد جعفر أحمد، إبن عم الموسيقار الراحل محمد وردي، يحمل ملامح منه ومن صواردة ومناطق السكوت، كان نديداً لمطربنا الراحل، لا يكبره إلا قليلاً، نشأ معه وترعرع في نفس المنزل الدي جمعهما سوياً. جلسنا إليه أيام العزاء في منزل الراحل وخرجنا منه بهذه الافادات:-
كان محمد زي أخوي، درسنا مع بعضينا وكان بالنسبة لي نعم الصديق والأخ، جمعتنا الخلوة والمدرسة والعائلة، كنا دفعة في عبري الأولية، زاملنا في الفصل كل من محمد صالح إبراهيم، محمد إبراهيم أبو سليم، فضل عثمان، محمد سيد طه من جزيرة صاي، محمد عبدون، محمد بدر إبن خالة محمد وردي، وكان ناظر المدرسة هو شيخ المغربي والد المذيعة الراحلة ليلى المغربي وشقيقاتها.
محمد وردي تيتم وهو صغير السن، فتربى في بيت عمه صالح حسن وردي والد زوجته الأولى السيدة ثريا واليسا وسلمى، وكان يعمل في وظيفة مساعد طبي بمنطقة عكاشة. رباه تربية جيدة ووفر له كل ما يعينه على ألا يحس مطلقاً أنه فاقد للأم والأب.
محمد من صغره كان يحب الغناء والفن والطرب، وأذكر أن صوته بدأ يبرز منذ أن كنا صغاراً سواء بين الحقول والسواقي أو حصص الأناشيد، وأذكر أنه كان صانعاً ماهراً لصفارة القصب التي يجيد العزف عليها، ثم بدأ التمرن على آلة الطنبور وقد برع في العزف عليه فيما بعد، كنا بمثابة جمهور مستمعين وكورس له.
التحق محمد بمعهد التربية بشندي وبعد التخرج عاد لصواردة، فتم تعيينه معلماً في مدارس كان يطلق عليها زمان “تحت الدرجة” وهي بين الخلوة والأولية. فكان أحب ما لديه ولدى تلاميذه أن يقوم بتلحين الأناشيد وآداءها معهم بآلة الطمبور بمصاحبة إيقاعات التلاميذ على أدراج الدراسة!.
فيما بعد وصل محمد العاصمة في نهاية خمسينات القرن الماضي، وأذكر أني سبقته إلى هناك حيث توظفت في هيئة مرطبات السكة حديد، وتدرجت في الأقسام. فعاش معي محمد في منزلي المؤجر ومعي بعض الأقارب كعزابة.
في أحد الأيام جاء إلينا محمد مهموماً وعندما سألناه قال أنه اجتاز امتحان في الغناء بالاذاعة السودانية وتقرر أن يؤدي وصلة غنائية بها، وقال أن هذا بمثابة امتحان عسير بالنسبة له لأنه غير مستعد وليست معه أوركسترا، خففنا عليه وأقنعناه بأننا سنكون مجموعة كورس خلفه تماماً كعادتنا معه سنوات الصبا بصوارده!. وبالفعل أدينا بعض البروفات على بعض الأغنيات النوبية وأغنية واحدة باللهجة العربية!.
الاذاعة كانت توجد بمدرسة بيت الأمانة للبنات ومقرها جنوب جامع الخليفة، وكانت تبث على الهواء مباشرة- قرب المدرسة أذكر أن الفنان عبد الكريم الكابلي كان مستأجراً لمنزل صغير في تلك المنطقة وزرناه مع محمد وردي بعد مشوار الغناء في الاذاعة – وأذكر أن للمبنى صالة مستطيلة كانت هي الأستديو، أما البث والتسجيل بشرائط الريل القديمة فكانت في مطبخ الصالة الملحق بها!، عندما وصلنا التقانا مدير الاذاعة يسن معني وعلمنا منه أن ما سيقدمه محمد وردي سيتم تسجيله في مسجل الريل ليتحول إلى أسطوانة ستطبع بمصر، وقال لنا أنه في حالة شاهدنا النور الأحمر في الأستديو، فعلينا أن نتوقف عن الغناء ليعاد التسجيل مرة أخرى.
أذكر أن الكورس كان يتكون مني وشقيقي عبد الرحيم وعبد الرحيم محي الدين حسن وشفيق عامر وعبد الرحيم زوج شقيقة ثريا زوجة محمد وردي وصلاح فرح سيدي وهو اليوم مؤذن جامع الكلاكلة شرق، كان هذا بمثابة أول كورس تاريخي خلف الفنان محمد وردي، محمد قدم أغنيتين بالنوبية وختم بأغنية “يا طير يا طاير” وهي من الحان خليل أحمد الذي كان يصطحبنا أيضاً، وهكذا خرجت أغنية “يا طير يا طاير” للمستمعين وهي المسجلة على أسطوانة بمصاحبة الطمبور الذي كان يعزف عليه محمد وردي وخلفه نحن ككورس!. وفيما بعد أعاد وردي تسجيل الأغنية بأركسترا الاذاعة بصورة حديثة!. بمعنى أن أغنية “يا طير يا طاير” مسجلة بمكتبة الاذاعة بطريقتين مختلفتين في الآداء!.
من طرائف ذلك اليوم – ولا زلت أذكر أنه كان مساء أربعاء في رمضان عام 1957 - أن مقرئ الاذاعة للقرآن الكريم هو الشيخ عوض عمر، وكان يأتي بحماره الدي يربطه قرب مبنى الاذاعة، وأثناء الآداء، أذكر أن تمت إضاءة النور الأحمر دون أن ننتبه، فدخل علينا يسن معني غاضباً لأننا لم نعمل بتعليماته بأن نتوقف عن الغناء في حالة إضاءة النور الأحمر، وعندما استفسرناه عن السبب قال لنا ساخطاً:- يعني ما سامعين حمار عم عوض في الشارع بهنق كيف؟!.
وهكذا بدأ مشوار محمد وردي في الغناء بالعاصمة بعد أن استقبل جمهور المستمعين أولى أغنياته، وما زلت أذكر أنه جاء لي يوماً لأخذ رأيي في موضوع قراره بالتفرغ للغناء وتقديم استقالته من التدريس، وقال لي أنه يمكن أن يجني أرباحاً مضاعفة من الغناء، ولكني اقترحت عليه الا يستعجل وأن يحرص على التمسك بمهنته الأساسية حتى يتهيأ لمشوار الفن وقد كان.
أذكر أن محمد نور الدين كان وزيراً في تلك الفترة وهو من بلدياتنا، فوجه بنقل محمد وردي للعاصمة، وعندما لم يجدوا له خانة في مدارس العاصمة، حول الوزير منزله لمدرسة حتى تستوعب وردي!.
تقاسم وردي سكناً مع كل من خليل أحمد والعازف علي ميرغني في منزل متواضع بالديوم جنوب غرب مقابر فاروق فترة طويلة من الزمن، وشهد ذلك المنزل بزوغ أولى الآغنيات والألحان لمحمد وردي في بداية مشواره الفني، لذا فإن جيرانه القدامى في ذلك الحي عندما علموا بوفاته هرعوا للمقابر، واكتشفنا أن كل مجموعة منهم كانت تتبارى مع الأخريات في توفير مقبرة لجارهم القديم، حتى وصل مجموع المقابر التي حفرها الجيران إلى ثلاثة مقابر حباً ومعزة لمحمد وردي ، رحمه الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
رحل من عاش كأن غناء الحياة أبد
لٍمَا رَحلت يا أميرَ الحُسن يا كُل الوُرُود
ياسر عرمان
من نهر الديانات القديمة ؛من قلب الحضارات من أشجان والحان وأشعاروإبداعات الآف السنين من موسيقي وغناء وأفراح وآهات مجتمعات بلادنا عبر الزمن، جاء محمد وردى ناطقاً رسمياً باسم كل إبداعاتنا على مر العصور والحقب ملكاته وإبداعاته وموسيقاه لم تكن لفرد بل قدرات أمه ! أودعتها له شعوب البلاد طوعاً وتوجته قيثاره للزمن الجميل(والحزن القديم).عند مولده في صَوارده كان(صدفه) ووعياً بالضرورة وإنساناً عامراً بالقيم والجمال
وبالاختيارات والاختبارات العظيمة ومثله مثل أعظم العقول والبذور والبيادر والحقول وسيأخد شعبنا (50) بل ربما (100)عام لإنجاب وردٍ من جديد. كنا قبل رحيله الصاعق رحيل الخير والجمال في سيرته قبل ساعات ونحن في الاجتماع التأسيسى للجبهة الثورية السودانية قبل أن تفيض روحه الى بارئها العظيم بعد أن أدى الرسالة وتربع على عرش الأماره بعبقريةٍ لاتُبارى ،سنوات طوال إنحاز فيها الى الشعب لا إلى جلاديه وله في ذلك باع طويل
غَنى للثورات وللحب وللجمال وللفقراء والمهمشين واللاجئين لا للعَسس وغنى للمحاربين .فى سنواته الاخيرة رغم تمسح الحاكمين كبار وصغاراً به ولكننا نشهد له إنه كان مع الشعب من صوارده الى جوبا !. أحزنه وأغضبه فصل الجنوب ومع ذلك غنى للجنوب عند رحيل حزب المستعمر الوطنى مثلما غنى عند رحيل المستعمر الانجليزى للشعوب شمالاً وجنوباً. حِينما إعتلى خشبة المسرح في جوبا ليله ذهاب الجنوب توحد السودان من جديد وردد السودانيين جنوبيين وشماليين : أصبح الصبح ولا السجن ولا السجن باقِ.. والذى بعثرنا في كل وادٍ !وإندهش الضيوف القادمين من خلف البحار كيف له أن يوحد السودان من بعد الانفصال بساعات ! ! وسرت نكته إن دولة جنوب السودان الوليدة ستحتفظ بالعلم القديم وبمحمد وردى.
إنه قيثاره من مروى وكرمه من جبل البركل المقدس والمغره من السلطنة الزرقاء وممالك الفور والزاندى من السيوف المشرئبات على ساحل البحر الاحمر من لغة البداويت من مدفع الماظ إنطلق ، من على عبد اللطيف وللجساره والشعوب ،كان صديقا للدكتور جون قرنق دى مابيور وفنانه المفضل في أزمنة السلام والحرب . حاولنا من إجتماع الجبهة الثورية السودانية نتصل باسرته وأن نعزيهم وأنفسنا ولكن رداءة الاتصالات حالت دون ذلك، وقد كلفنى رفاقى جميعاً بعد ان ترحموا عليه عند رب العالمين ووقفوا دقيقة للحداد على قائد من قادة الابداع وثوري رفيع المقام ، يرسلون التعازى لاسرته ولمحبيه الكثر في كل البلاد وفى المهاجر والشتات وفى الشمال والجنوب والجوار وإفريقيا والعالم العريض . ننقل اليكم تعازى عبد الواحد محمد احمد النور وجبريل ابراهيم ومنى اركو مناوى وعبد العزيز الحلو ومالك عقار وشخصي ، تعازي الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان بجناحيها مع (الطير المهاجر) والعدل والمساواة .ولأسرته نبعث باحر التعازى في أستاذنا وصديقنا الذى كان يحيا وكأن غناء الحياة أبد.. وكأن البنات الجميلات يمشين فوق
الزبد، لما رَحلت يا أمير الحُسن يا كُل الوُرُود. Thursday, March 1st, 2012 وردي
*عادل بدرعلي
صباح الوعد ياوردي
راجينك علي عتبات الغُنا الصاحي
وعلي صحوة غُنا الثورات
وغلطان من يقول غبت
أو يقول صوت الورد فات
خيل غُناك مسروجة
المزيد… Thursday, March 1st, 2012 وردي: (الليلة خلانا الشفيف في حُرقة لافينا الأسى)
(والله ماقادر أكتب كلمة واحدة)
جفت ينابيع الكلام؛؛
ما الليلة فارقنا الشفيف، خلانا في حُرقة لافينا الأسى،
الليلة عذبنا الفُراق، مزق قلوبنا وحرقا.
استعصمت كل الحروف،
وتحجرت حُزناً دفيناً في المآقي وفي الحشا.
**********************************
آه يا إبن صواردة ياقيثارة الشدو الجميل.
يا من تذوق اليُتم واللُطم باكراً، فطوع ربابته وموهبته الفطرية وأحزانه الذاتية شلالاً هادراً من المشاعر الجياشة والألحان المُرهفة والكلمات الرصينة العذبة، وتجاوز ذاته إلى رحاب الوطن الحدادي مدادي،، وطن شامخ وطن عاتي،، وطن منبر ديمقراطي.
طوفت بنا يا أبا الورود والأزاهر في معارج الكلمة المسئولة واللحن الطروب، وحلقت بنا في سماوات الإعتزاز الذاتي والشموخ القومي فحجزت مكانك بين القمم والسوامق، توهطت بين المهدي وعلي عبداللطيف وصحبهم، توشحت بسيوف العُشر في شيكان واحتضنت مدفع عبدالفضيل البطل على ضفاف النهر، سامرت ودحبوبة ومهيرة وود المكي إبراهيم وجون قرنق دي مابيور.
طمبرت وغنيت تاريخنا؛ شدوت بإنتصاراتنا في أكتوبر الأخضر، وصدحت بإنكساراتنا في مايو الأغبر، وتنهدت إحباطاً في أبريل المغدور، ورحلت بعد إنشطاراتنا في يونيو التعيس.
كُنا ندخرك لربيعنا القادم حتماً وإن تأخرً؛ كُنا ننتظرك لتُشعل التاريخ ناراً، فتشتعل ونشتعل، وقسماً بالشعب وبتاريخ بلادي لن نستكين ولن نلين مهما تطاولت ليالي البغي والعدوان وتكأكأ علينا السوقة والغُربان !!.
كيف نرثيك يا وطناً تسامى فوق هامات الجبال، كيف نوارى الثرى هرماً تمدد من أقصى شمال بلادي إلى أقصى جنوب الوادي؛ يشدو للحُرية والإشتراكية من ماضينا لا من أكتر.
رحم الله وردي النافع لكافة شعوب وطنه، المُتخير لأحلى الكلام، المُدرك لرسالته، المُعتز بسودانيته الخُلاسية، الشامخ بهويته- عرباً نحن حملناها ونوبة.
عزاؤنا لأنفسنا أننا عشنا زمن وردي الجميل، وناجينا بآهاته وزفراته حبيباتنا، والتقينا من غير ميعاد بالجميلة ومستحيلة، وشلنا الود وطوفنا به من منفى لي منفى.
نشهد الله أنك أكملت مشوارك الفني كاملاً غير منقوص، حملت الأمانة وأديت الرسالة، ومزجت حُب الوطن في كرري وجبال سرغام بلوعة المحبوب المشى وماعاد، وفتشنا معك عنه في التاريخ وفي الضُل الوقف ما زاد، فنُم طيب الخاطر يا نور العين.
لقد فُجعنا مرتين ياوردي، مساء سبت رحيلك الحار وفراقك الصعب، وصباح أحد يوم تشييعك المُر، حين صلى عليك الأنبياء الكذبة، الذين قتلوك ودمروا كُل جميل وحلو في ربوع الوطن الواحد!!، بل لم تتورع صحافتهم الصفراء ونفوسهم العرجاء من دس السُم في الدسم، فتروي الأحداث بإفتراءات لم تقم وزناً لحُرمة موت وجلال وداع، فهذا زمان الطفابيع يا سنور توهم أنه باز، وله نقول؛ صلاح أحمد إبراهيم وعبدالخالق ووردي مننا وفينا (أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعا).
كُنت ياوردي الخلاص ياجداراً من رُصاص، يا حبيب الشعب، يا سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام، ياحادي ركب السودان الجديد، كُنا نلوذ بتواشيحك ونعود إلى إيقوناتك عندما تدلهم الخطوب وتتكاثف سُدف الليل البهيم، نستمد من عزمك إيماناً جديداً بالفداء وإيماناً جديداً بالوطن.
بعدك لم يعُد ولن يكون السودان كما كان، صار طعم القُنديلة حنظلاً زقوماً، وأصبح عذب سليل الفراديس ملحاً اُجاجاً، ولم تعد الكلمات هي الكلمات، وأصبحت كُل الأرض منفى.
يا إلهي؛ ما بال قوافل المُبدعين والقابضين على جمر القضية تمضي سراعاً!!، لماذا يا رسُل الخير والجمال وحملة مشاعل التنوير تتركونا لقبض الريح في بلدِ جريح – لماذا يا صلاح أحمد إبراهيم، علي المك، الدوش، مصطفى سيد أحمد، الخاتم عدلان، جون قرنق، عُثمان حسين، الطيب صالح، زيدان إبراهيم، التيجاني الطيب، محمد وردي،، والقافلة تمضي والشموع تنطفئ والقلب يزداد أسى.
لن نُناديك بالإمبراطور ولا الفرعون ولا الدكتور، فأنت أكبر وأسمى وأجل من كُل ذلك، أنت إبن الشعب وفنانه، وتخليدك في الحنايا والضمائر، وإن كان ولا بُد من تذكار فليحمل مطار الخرطوم الدولي الجديد إسمك نبراساً وفكرة، فقد كُنت بوابة السودان إلى العالم الخارجي وطيره المهاجر في المنافي والدياجير، سمعناك تُجلجل في منتديات الزهرة الجميلة “أديس أبابا”، وجللنا الخشوع في أسمرا وأنت تصدح ولو بهمسة، هتفنا معك في عدن وأنت تزأر بالأناشيد الصيداحة، وشددنا الرحال إليك في خورفكان على شاطئ الخليج منتصف الثمانينيات، ونحن نتوشح سروال ومركوب وجبة وسديري وسيف وسكين، يا سمح يا زين.
اللهم أرحمه وأغفر له وأشمله برحمتك التي وسعت كُل شئ، وألهمنا وآله الصبر، وإننا على الدرب سائرون وعلى فُراقك لمحزونون، وللرب ما أعطى وللرب ما أخذ، فطوبى لك في الأمجاد السماوية، وأستغر الله.
عن منبر السودان الديمقراطي في جنوب إفريقيا
مهدي إسماعيل مهدي/ بريتوريا
الثُلاثاء: 21/فبراير/2012
لأصرخ ، الآن، وردي! Thursday, March 15th, 2012 شعر: جابر حسين
أتذكرون ، قالها درويش يوماً:
“ثقوا بالماء
ياسكان أغنيتي”!
و.. رحلت الآن
وردي!
متوجا بغدي
الذي صار في الناس
أمسي
قد صار الآن
وردي!
تدثرت بالسواد تلك الليلة
والزغب وقعن المواويل التي
ليست تموت
لكن البكاء ضج فينا
هدوء البيوت!
تماسكت..
تماسكت حتي أحس الأغاني
بنت في الحناجر جسرا
لتغدوا وردا ونايا
وذكرى!
وهذي الأناشيد هاطلة كالشبابيل،
خارجة من لهاتك وردي
تمالكن فيك الصبايا
لتصبح كل المراثي مرايا
زغاريدا شاردة في المدى،
لتبقي الموسيقي موقعة ” بالطنابير”،
ونبقي كأن غنانا الذي شاقه “الطار”
صار جراحاً تفتقن عن لغة في الجسارة!
أوتارا تئن،
يحدثننا بالبشارة!
تحيل قلوب كل الصبايا مدى..
تماسكت..
حتي ألون هذا النشيد يفاجئنا من تراثك
فلا لون للأغاني إل بريقك
ولا صوت ” للطار” إلا غناء الحناجر
ينجز وعدا كوعدك خالد.
لأنك تحبو علي الشوك،
تنظر في جسد الشمس،
ترصد في طالع السعد..
كنت هويت
لينتصب القبر،
قبرك نخلا
وينبت ظلا
وردا و ساعد!
فتصبح شارات زغب المدارس فينا جداول
شددت إلي الضوء أوتار أقواسنا
لأن المواعيد ينثرننا في الدروب إليك
وهذي الرياح التي فرقتنا
لأننا إلتحفنا بأحلامنا الراجفة
تعلمنا الآن منك
كيف يكون الموت
حياة في البذرة النابتة!
تري ياوطن،
نحدث عنك المواجع
ام شوقنا؟
أم نغلب هذي الأناشيد حتي نعود إليك
خلاسية عشقنا
والبلاد التي أنجبتها
تعفر سمارها بالتراب!
يهزون فوق ذوائبهن الجريد،
فتلتحف النسوة الشوق
تبقي القلوب مراصد
يزرعننا كالفسيل علي كل باب!
ياحبيبي،
نقوم الآن إليك
يخالطنا الشوق،
حتي سماؤك ساهرة للغياب!
كأن لقاؤك هذا فراق
ولم يبق فينا سوي الجرح
شبابة للعناق!
فلا شئ يجمعنا غير صوتك
ولا شئ يقتلنا كالوطن
لاشئ يقتلنا كالوطن!
فى رحيل وردى: دموع ام شموع !!؟ Thursday, March 15th, 2012 عبد الفتاح بيضاب
من الصعب فى سطور قليلة أن نقول شيئاً أساسياً عن (الراحل وردى) يستوفيه كامل حقه، مع إعترافى بالموافقة على كل ما كتب، فهو يبيت عصياً على الوصف كون أنه أحد الرموز التى نقلت الفن والعملية الفنية من السير فى الطريق المعتاد الى طريقة نوعية جديدة أو قل منهجية، حيث نعلم أن الغناء أو كل ضروب الفن نوعان يتحسس الناس على أثرهما الامتياز (أو التفرد)، الاول: مقلد يذهب فى اختيار أو مزج ما وصل اليه الآخرون ولو بشكل جدى وجديد والثانى: باحث عن جوهر جديد فى المصدر الاولى كطبيعة هى الشعر( فى حال المغنى) كطاقة مكثفة بالنور والشعور، الاول يمارس التقليد ولو بانتقاء والثانى بعينه الفاحصة يجد خواص دفينة ولم تصور من قبل وكذا يصوغ طرازاً جديداً، الاول يحشد الناس بكامل أطيافهم الاجتماعية وبسرعة فائقة ولكن عديم النفع لأنه يقف (محايداً) من قضاياهم حلوها ومرها، والثانى (ينحاز) للفئة العريضة من جمهور الضحايا ويصب جام غضبه على جلاديهم لأنه يرى بعين البصيرة الاسباب الموضوعية لبؤسهم المرتبط بغياب العدالة فى أبعاد الحياة المختلفة، فأى مستمع لـ(مسكين البدأ يأمل)، (إنتى ما بدوكى لى زولاً مسيكين)، (أصبح الصبح) أو (فى حضرة جلالك يطيب الجلوس) يستسهل عليه أن يضع يده على النموذج الثانى فيثبت متحققاً على أن هنا (وردى) وفى تلك إشارة لامكانياته الذاتية فنياً من الموهبة الفردية مضافاً لها المعرفة والمهنة والممارسة والترحال. وفى إشارة أخرى كان وردى حقيقياً على أن قال كل الحق وهو يغنى (الحزب حبيبى وشريانى، أدانى بطاقة شخصية، من غيرو الدنيا وقبالو قدامى جزائر وهمية) أو هكذا إتكأ فى انطلاقته متطوراً على حائط متين هو المنهج الماركسى ومابه من أدوات حفر فى علم الجمال، وفى إشارة أخرى هي دور التاريخ ومابه من ضرورات ملحة ففى زمن بروزه فى الخمسينات وأوائل الستينيات كان الكون قد تغطى بالاشتراكية عالمياً وجزء لا ينفصل عن ذلك حالة التحرر الوطنى وما حملت من ثقافة ووعى جديدين مطلقاً. إنتفع وردى من إجتماع هذه العناصر فأفاد الغناء السودانى بأن يؤدى وظيفته الاجتماعية والتى يمثل مركز ثقلها المهمة الايدولوجية فى وجهها (النظرى) بترسيخ فرضيات يأمل بها المجتمع بما يشبه الايمان، الحب، السلام والديمقراطية. يمكن فى (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى) خير دليل وفى جانبها (العملى) بانتقاد السائد وتوجيه السلوك منحاً ايجابياً في مثل: (إنتى ما بدوكى لى زولاً مسيكين، الا واحداً نخلو مقرون فى البساتين، سواقيهو تصحى الكانو نايمين) او فى (جميلة ومستحيلة) كما فى (مكان السجن مستشفى ومكان الطلقة عصفورة)..
أفلا يكون الذى يلعب مثل هذا الدور عالماً أو يكاد لماذا؟ فالفنان يعمل كالعالم حينما ينتجا عملاً ليس كموضوع فى حد ذاته أولاً وثانياً له القدرة على أن يصل للمطلوب إثباته فى قضية ما – السلام مثلا – فهل الذى نرثيه عالم أم فنان حتى لا نبكى وما عارفين الميت منو!!!
الميدان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
إلى حبيبتي عزة.. (في عزة جبالك ترك الشموس) (الجزء الثالث) محمد عثمان وردي عبد الغني كرم الله
عزة، ألف مبروك، وألف عزاء، ففي العام الطيب، 1932، ولد وردي، ورحل خليل فرح، «وقبيل عام»، كتب ابنك البار، معاوية نور قصته الساحرة، (ام درمان مدينة السراب والحنين)، فما أعجبه من عام، وكأن الساعة الكونية، ومدار الفلك والنجم، كمل أجلها المسمى، وحان مخاض الموت، والميلاد، فمضى شاعر ومغني عظيم، كسلف، وعلا وتر نبيل، كخلف، وكل يجري لمستقر له، في كون محكم الصنع، غامض السر، كأنه قصيدة أبدية، معلقة فوق كعبة الزمان والمكان، معلقة شعرية، لا يمل جرسها، ولا يكل نفسها، ترتل أبد الدهر، تلكم هي الحياة، وفي تلكم الأعوام أصيب عبقري عظيم بالذهان ، بعد أن أرهقته معضلات الوجود، وعضت حسه النبيل، ضروس الفقر ورتابة العيش، انه ابنك معاوية نور، فما أعجب تلكم السنوات، في ثلاثينيات القرن الغابر، غروب، وشروق، ولد وردي، مات خليل فرح، وذهل معاوية، وبقى الوطن، كعادته يخوض الوحل، وينشد الشمس.. أنت أيها الطفل النوبي العجيب، في ذلك العام الطيب، عام 1932، تسلمت الراية بكفك الغضة، من رجل سافر لتخوم السماء في ذات اليوم، وليس في ذلك عجب، فالحياة خلقت من مادة الفكر، وترغب في أن تخلق من مادة الحلم، إنه خليل فرح، وسمعت قرية صواردة أول غناء لك، وهو بكاؤك الأول، كأنك تمرن نفسك على الأحزان، أحزان قريتك، وبلدك وعالمك، فبكيت، على خليل فرح، وكأن بكاءك لم يكن حزنا على خروجك من جنة الرحم، بل بكاء على رحيل خليل، بكاء من يعرف الحزن، ونبله، وسره، ومأواه، ألم يقل اليتيم الأعظم، عليه السلام «الحزن رفيقي»، ووصفه صحبه «كان دائم الفكر، متواصل الأحزان» فكيف لا يحزن» وهناك عشبة جائعة، ومعزة عرجاء ضلت الطريق عن أخواتها، وقلب ملء بظلام الضلال، كيف لا يحزن، وهو يشعر بهم، كما نشعر بالشوكة في القدم، والعاطفة الصادقة، تجعل الفكر خادمها، في إيجاد حلول، وأساليب وحيل في فك أسر المحبوب، أيا كان المحبوب نباتا، أم حجارة، وتأسى لضياعه، وألمه، وللحق لم تأت فكرة، أو رسالة، أو عقيدة ، وأيدلوجيا ، وإلا كان وراءها قلب مفعم بالمحبة، وما تلك الفكرة، إلا أثر من آثار المحبة، وبركة من بركاتها الدافئة، للأحياء والأشياء، فالفكر خادم العاطفة، وليس سيدها، ولكنها العاطفة العميقة، الصافية، الفطرية... فحزنك صادق عميم، فأضاء ميلادك فجر الروح، وأنار الفؤاد المعنى بسفر خليل،، خليلك، كأنك أنت وهو، قصيدك الذي تغنيت به بعد حين، حين أنشد (ألتقى كل شهيد، قهر الظلم ومات، بشهيد لم يزل، يبذر في الأرض بذور الذكريات)، فكان هو الشهيد الراحل ، وأنت الشهيد الذي بذر ، وهو حي ، ، قمحا ، ووعدا ، في قلوب بلادك ، بكل مناخاتها الاستوائية ، والسافنا، الفقيرة (والغنية)، فما أكرم وأعدل شمسك، وهي «ترك في عزة جبالك»..... (2) حين أسمعك، أشعر بالعصافير التي تطير فوقي، من منها الجائع!، ومن منها العطش!، ومن منها الشبع، كل على حدة، وكأن غناءك أكسير، لفتق المواهب التي غدت في بني آدم، أجمعين، وكما يطربني تغريد العصافير، يؤذيني جوعها، وكدت مثل الشاب بلوم، في رائعة جيمس جويس (يوليسيس)، أكسر الخبز الجاف المرمي عند أركان الأفران، والمطاعم، واعطيه للعصافير الجائعة في السماء، وفي الأرض وبين الغصون، وفي الخلاوي ، والمدارس ، والغاب، فالغناء، والفكر، والعبادة، تطلق الحبيس من العاطفة البشرية، فتلم بين ضلوعك الكون كله ، كالقلب نابض بين ضلوعك .. للسماع طقوس عند الشعوب، كلها، وله آداب، مثل مناسك العبادة لديها، وللحق السماع عالم غريب، فالأذن البشرية تسكر، حين تشرب خمر الكلمات، الكلمات الاصيلة، وتثمل البشرية سكرا حين تشرب الألحان، الألحان التي تنبع من سويداء القلب، وللسماع شأن في دنيا التصوف، أفرد له أبو حامد الغزالي فصولا في كتابه الجامع (أحياء علوم الدين)، حتى أن غفلة مريد واحد في جلسة السماع، يطرد الوجد، وتأفل المعاني في بقية السرب المنصت، كأن المغني هو العقل القديم، (أقام العباد فيما أراد)، فلا صوت سوى صوته (أنطقنا الله، الذي أنطق كل شئ)، فحين تعرج النفوس لسر التوحيد، ترى الحكمة حتى في الحزن، ووقائع الحياة الصغيرة، وكذا السماع، سماع من؟ (هو وحدته المتكلم)، كأنه يصغي لعالم الذر، (ألست؟)، تلكم العوالم الأقدم من الزمن من نفسه، فالزمن مخلوق، فتهتز أرض الجسد، وتنبت في كل خلية فيه انفعال بهيج، تقشعر، وتحيا، وتستلد كل خلايا، وتحن للحن الأعلى، والأبهى، حنين الأبل لمباركها، (أما تنظر الطير المقفص يا فتى، إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى) فما ألذ السماع عند أهله (وما أكثر المضنون به على غير أهله)، ولكن وردي، افشى سر السماع، بل أذن له، ومن أذن له في التعبير( فهمت في مسامع الخلق عبارته، وجليت إليهم إشارته) بلى، وربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار ، كما يقول الحكيم السكندرني ، ابن عطاء الله ، لم مكسوفة لأن (كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)، وكان وردي صادقا، افترش حصى سجن كوبر، بسبب أغانية (ألم يحرمه مدير السجن من العود حين طلبه)، حين طلبه وردي، وقال له مدير السجن (أنت دخلت السجن عشان سقته دبابة؟، ما عشان عودك ده)، فما أعجبه من عود، يمسه ما يمس الرعية، من ضيم، وجوع، وحزن، وكان عودا يخيف الحاكم، وكأنه مليون حنجرة تهتف ضد الظلم، كان عود الشعب (أكثر من عشرات الأغاني الوطنية الشهيرة)، عزفها هذا العود ، وأوتار العود ، كانت مشانق للظلم في النفس البشرية... (3) والفتى النوبي ، وردي ، من أولئك الناس الذين يجعلونك تحس بدبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، في الصخرة الصماء ، تشف روحك ، أثناء الاستماع المبارك، وتلم الوطن بأسره بين ضلوعك، ولو ضلت نملة طريقها إلى جحرها، لشعرت بذلك، فتمسح روحك برفق دموع ثعلب في الغاب، وسمكة افترست في النهر، والعذارى الباكيات تحت الملاءة، لجور عاشق، أو نأي أب، وكأن الأغنية، هي السيارة التي تخرج جمال يوسف من جب وجدانك، أبهى ما يكون.. فحقا للسماع أدب، وشروط، فتأدب أيها المريد مع الأغاني ، فإنها أسرار ، تأتي من جهة الغيب، بما لذ وطاب من القدرات الكامنة فيك، كمون النار، بل النور، في الحجر.. (ففي حضرة جانبك يطيب الجلوس)، فجلسنا نستمع، وكل على ليلاه، رغم أن الحنجرة واحدة، وحيدة، هي حنجرة الفتى النوبي، الأفريقي، السوداني، العربي، محمد وردي.. فالحداء يهيج أبل الروح ، كي تضرب حوافرها بهمة وجلد، وتخب في بيداء الأمل، وقفار الحزن، وحقول الطموح، وشعاب الغموض، وسهول المعنى، وسهوب الحيرة.. (ضاحك عن جمان *** سافر عن بدر) (ضاق عنه الزمان *** وحواه صدري) تلكم هي الحياة، حين يغني وردي، وأضرابه من أساطين الفن المعتق، ضاق عنه الزمان، وحواه صدرك، بلى.. (هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الأعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم القصار ، ويصيب أجناس الإيقاع ، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها من النقرات)، هذا وصف المصيب المحسن من المغنين، ابن سريج في كتاب [الأغاني للأصفهاني].. ألحانك يا وردي.... ولابد من ذكر زيدان إبراهيم.. (4) حين رحل، زيدان إبراهيم، لم أحزن على رحيله، كحزني على حياته، التي برقت هنا، ومضت، يبدو متوحدا مع الفن، راهبا في ديره (برج عاجي، بل طيني، في حمى العباسية، أو أقاصي الحاج يوسف)، لا يحتك بالناس، سوى أهل ربابه، ودن أوتاره، ولا يقابل جمهوره العريض، سوى في خشبة المسرح، أو العرس، أو شاشة التلفاز، مضى كشهاب لا يعرف عن الحياة، إلا تلك الأشعار التي تغنى بها، وحيدا، متوحدا، في خلوته، لا يؤنسه، سوى صوت ربابه، ودندنة ألحانه، حين ألحظه في حديث، أو لقاء، تبدو كلماته حالمة، عابرة، كأنه لم يكن، في عزلة من ذاق سكر الفن، وعاش بين حاناته، حتى زفه الموت لعالم آخر، فجاءت ألحانه كأنات الجريح، وقد أخفق وهو فتى العباسية الجميل، في جل تجاربه العاطفية، حتى تلك التي تكللت بالزواج، وكأنه قيس، يعشق عشقه ليلى، (ويموت الهوى مني إذ لاقيتها)، ويعود بفراقه لها، وكذا كان، ليلاه بين ثنايا روحه ، وبين ضلوعه ، وعلى حجره عود خشبي بسيط، تشد الأوتار بين ساقه الوحيد، وصدره، كحلم بين السماء والأرض، يدوزنه، ويحلق به، إلى حيث يشتهي ويريد.. ومن العجب أني سمعت عمر الشاعر، يغنى أغنية له، وهو ملحنها، ولكن ليس اللحن في أسى نبرات زيدان، (الفاتحة هي الفاتحة، ولكن أين عمر)، فاللحن هو اللحن، ولكن أين الغزال الأسمر، فحنجرته كربلائية الشجن، تخرج روحه مع اللحن وكأنه معلق على شعبة مشنقة، وليس مسرحا، وكما تخرج روح الند مع البخور، يفوح في الأثير الناعم كالحرير، بعد أن يحترق رأس الند بنار حامية، تطلق صراح البخور، فيفر أحادا، ومثاني، وجماعات، كعمة من سحب، فوق رأس الند الشهيد، وكذا زيدان، يغنى (وكل أحزان اليتامى)، تسكن قلبه الصغير ، (و جيت أقول مبروك عليك)، قالها وهو يرقص مذبوحا من الألم .. إن التمتع بالآسي أي ذلك الأسى الزيداني ، (لاشك الطيب عبد الله له طرف من الأسى)، يذكرني بقصة بديعة لأنطوان تشيكوف، اسمها (بعد المسرح)، وهي عن فتاة مراهقة، تحب أن لا تحب (هل تصدقوا، وللنفس البشرية حالات كهذه)، فتلكم الفتاة بعد أن حضرت مسرحية (يفجيني)، تمنت أن تكون البطلة، أن تحب، ولا تحب، بل وجرى خيالها، أن تشك في حب من أحبوها، وبأنهم يجاملونها، فهي عادية، بسيطة ، تقليدية ، وهم أذكياء ، كأنها رأفة منهم، فشرعت الفتاة في كتابة رسالة وهمية حارة، لعشاق وهميين، وبكت بحرقة، حتى تداخلت عليها رؤية الحروف في رسالتها، أسا على عشق من بنات أفكارها، ولكن ما الحزن؟ ما سره، ولم قال المعصوم (الحزن رفيقي)، وكان متواصل الأحزان دائم الفكر، هكذا وصفه أصحابه، وهم يحنون عليه، من اليتيم الغريب، الذي اعتزل غار حراء،ورجع يحنو على الحجارة، والنخيل، ويحادث جن الخلاء، ويأمر الغيم أن ينزل هناك، حين يشكو له التراب الظمأ، وظل حزينا، في تلكم الهوة بين ما يريد، وما يرى، ورؤيته، التي يرى ما هي؟ أعتى العقول، وأسرح الأخيلة لا تطالها (لا عين رأت ، ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر) فكيف لا يحزن، وهو يمد طرفه لنهاية الرحلة وهو يسوق خرافه المسكينة بين الشعاب، لذاك المرعى الأبهى، وكحداء الاغاني ، واللحن ، وكل فعل طيب، يسوق بني آدم لتلكم المناحي، والمغاني، (طيب في المغاني، كمنزلة الربيع من الزمان)،.. (5) وللحق للمغني ألف عشق، فكل أغنية عشق، يعيش عوالمها، وصورها، وعاطفتها، وتحلق معانيها اللطاف بين جوانحه، ويبحث عن لحن يكون زوجها، المثل بالمثل، لا تنكره روح القصيدة، مهما تشابهت الألحان، وبين ألحان كثر، (الكر كر البلقاء، والضرب ضرب ابي محجن)، ولكن أين ابو محجن، هكذا تكون الأغنية البلقاء، واللحن أبي محجن، فرس لا يمتطي ظهرها، إلا فارس يعرف قدرها، ويظل الملحن يبحث في ذاكرته، الموروثة والمكتسبة عن لحن ينفخ الروح كاملة في عوالم القصيدة، وصورها، وعاطفتها التي تجري في الحروف، مجرى الروح في العروق (ذهب الظمأ ، وابتلت عروق القصيدة بمهارة اللحن)، وثبت أجر المغني.. (6) أما ألحان وردي، فإن حكمة جنجرته، جعلت الأصوات تشع منه دون الفرح الصاخب، وفوق الأسى الحزين، فأغانية ليست في حزن زيدان، أو أسى الطيب عبد الله (والذي قد يثير فيك أسى موت أخ عزيز، أو فراق، حتى تنسى الأغنية، وتبكي بحرفة، في أثير موسيقاها، من تلكم الذكريات الحزينة التي أحياها اللحن والنغم)، ولا في شجن أغاني النور الجيلاني، وكأن الحياة مارشال حزين، بل أغاني فيها مرح، وفرح، وشئ من حزن نبيل (مثل أغاني مصطفى سيد أحمد)، هناك شبه، حدسي لا يعرف وجه الشبه بالضبط ، بين لحنه، وألحان (ثنائي العاصمة)، وللحق حتى أغنياته الراقصة، فيها حشمة أدب الرقص الصوفي، كأنها تحث حنايا وجوارح الراقص كي تتلون مع موسيقى الكون الحالم، وليس اثارة غريزة، وغنج مبتذل، في الجسد الراقص، وكأن التطريب كان للقلب في البدء، ثم يرقص الجسد بعد ثمالة القلب، فيصيب القلب بالحمى بدءا، وتسهر الجوارح بعدها، وتختصم، (فألحانه تنبع من حال يتيم، يصر على الفرح)، وكأن أخواله، واعمامه، أغدقوا عليه عطفا نبيلا، عوضه اليتم المبكر، بل جعله مميزا بين اقارنه، وقد ظل طوال حياته، يبحث عن هذا التفرد، ولكن بوسائله الصحاح (وليس الشاعر الذي يشرب الماء صفوا، ويشرب غيره كدرا وطينا)، بل له الصدر، دون العالمين أو القبر...وما اللحن؟ سوى تلكم العواطف والأصوات التي تجمعت من جداول الأفراح ، وانهمرت الاحزان ، وصبت في قلب الفتى، من عهد ألست بربك، قبل حبو الزمان، ومشي المكان، ولاشك هو ميراث طويل، في تقلبه في الأصلاب، حتى خرج مغنيا. كما خرج الزين ضاحكا من بطن أمه، في عرس الزين، وكما يخرج الضوء نشيطا، من مهده في الشمس، ونشيطا حتى كهولته على ظهر الأرض الطيبة، حين يضئ الوجوه والحقول والجبال.. حين لحن (يا شعبا تسامى)، أستلت صورة الاستاذ محمود، أمام قدسية المشنقة، وفرحة اللقاء بالجمال الأسمى، التي ارتسمت على وجهه، وكأن البشرية وبعد تاريخ الطويل، تصالحت مع (ملاك الموت)، بصدق وعمق، ومعرفة، أستلت تلك الصورة، لمفكر مبتسم، (الأنتصار على الخوف)، استلت لحنا من جب روحه، وقعر ذاته، كما استل السيارة يوسف الجميل، من قاع البئر، يوسف الصديق، الجميل.. (وكل فتى على مقدار ما سقاه الساقي يغني) فذلك الموقف البطولي، هز حنجرة وردي، وقبل ذلك قلبه، فخرج اللحن وثابا، معتدلا، بلا تكلف، بذاك الغمام، الذي فج الدنيا ياما، وخرج من زحامها، زي بدر التمام)، الموقف اللحن ، واللحن الموقف ، وجهان لنشيد واحد .. وكما أستلت تلك الصورة، لمفكر سوداني أسمر، الباسم في وجه مقام الموت، برضى عجيب، حقيقي، استلت اللحن من جب قلبه ، كسيارة يوسف ، لحن بهي الطلعة ، كابن يعقوب ، يقد من يصغي له ، جلبابه من دبر ومن قبل ، بلا حول منه ، لطلعة اللحن ، وبهائه الفطري ، وتلذذ النفس ، بالجمال كفطرة ، وسنة غامضة ، قدت في جرمه .. كما أن ألحانه، فيها شئ من طهرانية وعذوبة ألحان الكاشف، ولكنها ممزوجة بقدر مناسب من النزوع الجسدي، (المنزلة بين المنزلتين كما يقول معتزلة بغداد)، فأغاني الكاشف جلسة استماع ، وأن شئت فقل جلسة سماع صوفي، وإن تغنى بسلمى، وليلى، وسعاد، فما هن، سوى مظاهر تجليات جماله، في الحس والمعنى، وكأن اختيار المنطقة الوسطى، (ما بين الجنة والنار)، التي أنكرها شعر نزار، ( لا توجد منطقة وسطى)، وجدها وردي، بين جنة المعنى، ونار الجسد، حمى الجسد، فكانت اغنياته، تعطي الجسد حظه، والروح حظها، وكذا النفس... عزة الأميرة، وفي البال حكايات عنه ، في الأسبوع المقبل ، لو مد الله في العمر، وبركة التعبير، وتلكم العلاقة بينه وبين شاعرك الشعبي، العظيم، محجوب شريف.. عميق محبتي ابنك المخلص عبد الغني كرم الله حي الأزهري، جنوب الخرطوم
---------------
البيت السوداني.. يوم مفتوح في أربعينية العملاق وردي حوارالنهر والصـخر
في رحلة توثيقية كاملة تعنى بالتوثيق لسؤال البدايات والجذور لحضارة قديمة مثلها صوت الموسيقار الراحل محمد وردي ، في محاولة لرد بعض الجميل لمن قدموا لهذا الشعب ، كان حوار الصخر والنهر خطوة أولى في الدرب حيث زارت إذاعة البيت السوداني مدينة صواردة وقدمت خلال بثها ليوم امس رحلة في تاريخ هذه المدينة التي أنجبت عملاق الأغنية السودانية محمد وردي. المكان هناك يبدو مختلفا تماما عنه في الخيال الجمعي للناس ، بساطة الأشياء والحياة في ذاتها تبدو مستندة على فطرتها الأولى ، إنه صوت التاريخ وامتداد الحضارة على ضفة النهر ، منازل النوبيين العريقة بطينها وأبوابها الخشبية العتيقة ، وهي مفتوحة كما قلوبهم لكل زائر، تقوم البيوت العتيقة على ضفة النهر يسمونها (تحت) بمحاذاة النخيل تماما وباتجاه الشرق تمتد أراضي زراعية. وعلى ضفة النهر ينهض منزل محمد وردي وهو بحسب بنت عمه يعود لوردي الكبير -أي جد الأستاذ -ونشأ وردي في كنف عمه صالح . وبحسب قبيلة صالح وردي فقد أطلق الأستاذ صرخة ميلاده الأولى في جزيرة (وايسي )وليس صواردة كما يعتقد الكثيرون وتضيف: وردي نشأ يتيما إذ ان والدته توفيت قبل الأربعين فبعد أسبوع واحد من ميلاده كان رحيلها .وبعدها بسبع سنوات توفي الأب. نشأ الراحل في منزل عمه صالح مع ابنتيه ثريا وقبيلة وعلم بحقيقة يتمه في فترة صباه وكان ذلك عن طريق الصدفة وعنها تقول قبيلة بنت عم الراحل: المعروف لدينا في كل عيد زيارة المقابر والدعاء لموتانا ،في أحد الأعياد تفاجأ وردي بأحد أصدقائه يشير الى أحد القبور موجها حديثه لوردي: إنت فاكر الفي البيت أمك، أمك هنا ،مشيرا الى القبر، هنا ثار وردي وبسرعة أتى الى المنزل وسأل جدته في مايشبه اللوم قائلا: انت ليه ماقلت لي أمي متوفية؟ بررت الجدة بأنه مازال صغيرا في السن والخوف من الصدمة منعني، كل ما في الأمر ان الحقيقة كانت مؤجلة.. في إفادة جديدة ايضا أكدت قبيلة صالح وردي أن جذور الأسرة لوردي الكبير ترجع الى صاي وهي جزيرة في شمال اقليم السكوت هاجر منها وردي الجد الى صواردة وتزوج منها وأسس حياة جديدة فيها كان نتاجها الحفيد الموسيقار وردي الذي ولد في جزيرة (وايسي) او صواردة القديمة..وصاي هي نفس المنطقة التي ينتمي اليها الفنان الراحل خليل فرح.. واعتبرت الاذاعة ان هذا اليوم مخصص لذكرى الموسيقار وردي في أربعينيته وتم انتاجه في قرية صواردة حيث طفولة وردي وشبابه وبيته الكبير ومن الفقرات الأساسية كانت، صواردة عبق الأمكنة وهي حكايات عن الراحل وأسرته وعن صواردة الإنسان والتاريخ .. وايضا فقرة حوار مع أحد الفنانين قدم فيه العديد من الأغنيات باللغة النوبية القديمة توزعت على مجموعة من المغنين النوبيين بالاضافة لمناقشة الشعر والأغنية النوبية وإسهامات الراحل وردي فيها. وكان اليوم بإشراف طارق البحر ومن إعداد وتنفيذ خالد سليمان وتقديم صدام صديق ومحمد فرح وهب.
الراى العام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد وردى ..الفنان المثقف الذى انفعل بقضايا الوطن ...وداعا ..توث (Re: الكيك)
|
إلى حبيبتي عزة.. (في عزة جبالك ترك الشموس) (الجزء الثالث) محمد عثمان وردي عبد الغني كرم الله
عزة، ألف مبروك، وألف عزاء، ففي العام الطيب، 1932، ولد وردي، ورحل خليل فرح، «وقبيل عام»، كتب ابنك البار، معاوية نور قصته الساحرة، (ام درمان مدينة السراب والحنين)، فما أعجبه من عام، وكأن الساعة الكونية، ومدار الفلك والنجم، كمل أجلها المسمى، وحان مخاض الموت، والميلاد، فمضى شاعر ومغني عظيم، كسلف، وعلا وتر نبيل، كخلف، وكل يجري لمستقر له، في كون محكم الصنع، غامض السر، كأنه قصيدة أبدية، معلقة فوق كعبة الزمان والمكان، معلقة شعرية، لا يمل جرسها، ولا يكل نفسها، ترتل أبد الدهر، تلكم هي الحياة، وفي تلكم الأعوام أصيب عبقري عظيم بالذهان ، بعد أن أرهقته معضلات الوجود، وعضت حسه النبيل، ضروس الفقر ورتابة العيش، انه ابنك معاوية نور، فما أعجب تلكم السنوات، في ثلاثينيات القرن الغابر، غروب، وشروق، ولد وردي، مات خليل فرح، وذهل معاوية، وبقى الوطن، كعادته يخوض الوحل، وينشد الشمس.. أنت أيها الطفل النوبي العجيب، في ذلك العام الطيب، عام 1932، تسلمت الراية بكفك الغضة، من رجل سافر لتخوم السماء في ذات اليوم، وليس في ذلك عجب، فالحياة خلقت من مادة الفكر، وترغب في أن تخلق من مادة الحلم، إنه خليل فرح، وسمعت قرية صواردة أول غناء لك، وهو بكاؤك الأول، كأنك تمرن نفسك على الأحزان، أحزان قريتك، وبلدك وعالمك، فبكيت، على خليل فرح، وكأن بكاءك لم يكن حزنا على خروجك من جنة الرحم، بل بكاء على رحيل خليل، بكاء من يعرف الحزن، ونبله، وسره، ومأواه، ألم يقل اليتيم الأعظم، عليه السلام «الحزن رفيقي»، ووصفه صحبه «كان دائم الفكر، متواصل الأحزان» فكيف لا يحزن» وهناك عشبة جائعة، ومعزة عرجاء ضلت الطريق عن أخواتها، وقلب ملء بظلام الضلال، كيف لا يحزن، وهو يشعر بهم، كما نشعر بالشوكة في القدم، والعاطفة الصادقة، تجعل الفكر خادمها، في إيجاد حلول، وأساليب وحيل في فك أسر المحبوب، أيا كان المحبوب نباتا، أم حجارة، وتأسى لضياعه، وألمه، وللحق لم تأت فكرة، أو رسالة، أو عقيدة ، وأيدلوجيا ، وإلا كان وراءها قلب مفعم بالمحبة، وما تلك الفكرة، إلا أثر من آثار المحبة، وبركة من بركاتها الدافئة، للأحياء والأشياء، فالفكر خادم العاطفة، وليس سيدها، ولكنها العاطفة العميقة، الصافية، الفطرية... فحزنك صادق عميم، فأضاء ميلادك فجر الروح، وأنار الفؤاد المعنى بسفر خليل،، خليلك، كأنك أنت وهو، قصيدك الذي تغنيت به بعد حين، حين أنشد (ألتقى كل شهيد، قهر الظلم ومات، بشهيد لم يزل، يبذر في الأرض بذور الذكريات)، فكان هو الشهيد الراحل ، وأنت الشهيد الذي بذر ، وهو حي ، ، قمحا ، ووعدا ، في قلوب بلادك ، بكل مناخاتها الاستوائية ، والسافنا، الفقيرة (والغنية)، فما أكرم وأعدل شمسك، وهي «ترك في عزة جبالك»..... (2) حين أسمعك، أشعر بالعصافير التي تطير فوقي، من منها الجائع!، ومن منها العطش!، ومن منها الشبع، كل على حدة، وكأن غناءك أكسير، لفتق المواهب التي غدت في بني آدم، أجمعين، وكما يطربني تغريد العصافير، يؤذيني جوعها، وكدت مثل الشاب بلوم، في رائعة جيمس جويس (يوليسيس)، أكسر الخبز الجاف المرمي عند أركان الأفران، والمطاعم، واعطيه للعصافير الجائعة في السماء، وفي الأرض وبين الغصون، وفي الخلاوي ، والمدارس ، والغاب، فالغناء، والفكر، والعبادة، تطلق الحبيس من العاطفة البشرية، فتلم بين ضلوعك الكون كله ، كالقلب نابض بين ضلوعك .. للسماع طقوس عند الشعوب، كلها، وله آداب، مثل مناسك العبادة لديها، وللحق السماع عالم غريب، فالأذن البشرية تسكر، حين تشرب خمر الكلمات، الكلمات الاصيلة، وتثمل البشرية سكرا حين تشرب الألحان، الألحان التي تنبع من سويداء القلب، وللسماع شأن في دنيا التصوف، أفرد له أبو حامد الغزالي فصولا في كتابه الجامع (أحياء علوم الدين)، حتى أن غفلة مريد واحد في جلسة السماع، يطرد الوجد، وتأفل المعاني في بقية السرب المنصت، كأن المغني هو العقل القديم، (أقام العباد فيما أراد)، فلا صوت سوى صوته (أنطقنا الله، الذي أنطق كل شئ)، فحين تعرج النفوس لسر التوحيد، ترى الحكمة حتى في الحزن، ووقائع الحياة الصغيرة، وكذا السماع، سماع من؟ (هو وحدته المتكلم)، كأنه يصغي لعالم الذر، (ألست؟)، تلكم العوالم الأقدم من الزمن من نفسه، فالزمن مخلوق، فتهتز أرض الجسد، وتنبت في كل خلية فيه انفعال بهيج، تقشعر، وتحيا، وتستلد كل خلايا، وتحن للحن الأعلى، والأبهى، حنين الأبل لمباركها، (أما تنظر الطير المقفص يا فتى، إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى) فما ألذ السماع عند أهله (وما أكثر المضنون به على غير أهله)، ولكن وردي، افشى سر السماع، بل أذن له، ومن أذن له في التعبير( فهمت في مسامع الخلق عبارته، وجليت إليهم إشارته) بلى، وربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار ، كما يقول الحكيم السكندرني ، ابن عطاء الله ، لم مكسوفة لأن (كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)، وكان وردي صادقا، افترش حصى سجن كوبر، بسبب أغانية (ألم يحرمه مدير السجن من العود حين طلبه)، حين طلبه وردي، وقال له مدير السجن (أنت دخلت السجن عشان سقته دبابة؟، ما عشان عودك ده)، فما أعجبه من عود، يمسه ما يمس الرعية، من ضيم، وجوع، وحزن، وكان عودا يخيف الحاكم، وكأنه مليون حنجرة تهتف ضد الظلم، كان عود الشعب (أكثر من عشرات الأغاني الوطنية الشهيرة)، عزفها هذا العود ، وأوتار العود ، كانت مشانق للظلم في النفس البشرية... (3) والفتى النوبي ، وردي ، من أولئك الناس الذين يجعلونك تحس بدبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، في الصخرة الصماء ، تشف روحك ، أثناء الاستماع المبارك، وتلم الوطن بأسره بين ضلوعك، ولو ضلت نملة طريقها إلى جحرها، لشعرت بذلك، فتمسح روحك برفق دموع ثعلب في الغاب، وسمكة افترست في النهر، والعذارى الباكيات تحت الملاءة، لجور عاشق، أو نأي أب، وكأن الأغنية، هي السيارة التي تخرج جمال يوسف من جب وجدانك، أبهى ما يكون.. فحقا للسماع أدب، وشروط، فتأدب أيها المريد مع الأغاني ، فإنها أسرار ، تأتي من جهة الغيب، بما لذ وطاب من القدرات الكامنة فيك، كمون النار، بل النور، في الحجر.. (ففي حضرة جانبك يطيب الجلوس)، فجلسنا نستمع، وكل على ليلاه، رغم أن الحنجرة واحدة، وحيدة، هي حنجرة الفتى النوبي، الأفريقي، السوداني، العربي، محمد وردي.. فالحداء يهيج أبل الروح ، كي تضرب حوافرها بهمة وجلد، وتخب في بيداء الأمل، وقفار الحزن، وحقول الطموح، وشعاب الغموض، وسهول المعنى، وسهوب الحيرة.. (ضاحك عن جمان *** سافر عن بدر) (ضاق عنه الزمان *** وحواه صدري) تلكم هي الحياة، حين يغني وردي، وأضرابه من أساطين الفن المعتق، ضاق عنه الزمان، وحواه صدرك، بلى.. (هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الأعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم القصار ، ويصيب أجناس الإيقاع ، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها من النقرات)، هذا وصف المصيب المحسن من المغنين، ابن سريج في كتاب [الأغاني للأصفهاني].. ألحانك يا وردي.... ولابد من ذكر زيدان إبراهيم.. (4) حين رحل، زيدان إبراهيم، لم أحزن على رحيله، كحزني على حياته، التي برقت هنا، ومضت، يبدو متوحدا مع الفن، راهبا في ديره (برج عاجي، بل طيني، في حمى العباسية، أو أقاصي الحاج يوسف)، لا يحتك بالناس، سوى أهل ربابه، ودن أوتاره، ولا يقابل جمهوره العريض، سوى في خشبة المسرح، أو العرس، أو شاشة التلفاز، مضى كشهاب لا يعرف عن الحياة، إلا تلك الأشعار التي تغنى بها، وحيدا، متوحدا، في خلوته، لا يؤنسه، سوى صوت ربابه، ودندنة ألحانه، حين ألحظه في حديث، أو لقاء، تبدو كلماته حالمة، عابرة، كأنه لم يكن، في عزلة من ذاق سكر الفن، وعاش بين حاناته، حتى زفه الموت لعالم آخر، فجاءت ألحانه كأنات الجريح، وقد أخفق وهو فتى العباسية الجميل، في جل تجاربه العاطفية، حتى تلك التي تكللت بالزواج، وكأنه قيس، يعشق عشقه ليلى، (ويموت الهوى مني إذ لاقيتها)، ويعود بفراقه لها، وكذا كان، ليلاه بين ثنايا روحه ، وبين ضلوعه ، وعلى حجره عود خشبي بسيط، تشد الأوتار بين ساقه الوحيد، وصدره، كحلم بين السماء والأرض، يدوزنه، ويحلق به، إلى حيث يشتهي ويريد.. ومن العجب أني سمعت عمر الشاعر، يغنى أغنية له، وهو ملحنها، ولكن ليس اللحن في أسى نبرات زيدان، (الفاتحة هي الفاتحة، ولكن أين عمر)، فاللحن هو اللحن، ولكن أين الغزال الأسمر، فحنجرته كربلائية الشجن، تخرج روحه مع اللحن وكأنه معلق على شعبة مشنقة، وليس مسرحا، وكما تخرج روح الند مع البخور، يفوح في الأثير الناعم كالحرير، بعد أن يحترق رأس الند بنار حامية، تطلق صراح البخور، فيفر أحادا، ومثاني، وجماعات، كعمة من سحب، فوق رأس الند الشهيد، وكذا زيدان، يغنى (وكل أحزان اليتامى)، تسكن قلبه الصغير ، (و جيت أقول مبروك عليك)، قالها وهو يرقص مذبوحا من الألم .. إن التمتع بالآسي أي ذلك الأسى الزيداني ، (لاشك الطيب عبد الله له طرف من الأسى)، يذكرني بقصة بديعة لأنطوان تشيكوف، اسمها (بعد المسرح)، وهي عن فتاة مراهقة، تحب أن لا تحب (هل تصدقوا، وللنفس البشرية حالات كهذه)، فتلكم الفتاة بعد أن حضرت مسرحية (يفجيني)، تمنت أن تكون البطلة، أن تحب، ولا تحب، بل وجرى خيالها، أن تشك في حب من أحبوها، وبأنهم يجاملونها، فهي عادية، بسيطة ، تقليدية ، وهم أذكياء ، كأنها رأفة منهم، فشرعت الفتاة في كتابة رسالة وهمية حارة، لعشاق وهميين، وبكت بحرقة، حتى تداخلت عليها رؤية الحروف في رسالتها، أسا على عشق من بنات أفكارها، ولكن ما الحزن؟ ما سره، ولم قال المعصوم (الحزن رفيقي)، وكان متواصل الأحزان دائم الفكر، هكذا وصفه أصحابه، وهم يحنون عليه، من اليتيم الغريب، الذي اعتزل غار حراء،ورجع يحنو على الحجارة، والنخيل، ويحادث جن الخلاء، ويأمر الغيم أن ينزل هناك، حين يشكو له التراب الظمأ، وظل حزينا، في تلكم الهوة بين ما يريد، وما يرى، ورؤيته، التي يرى ما هي؟ أعتى العقول، وأسرح الأخيلة لا تطالها (لا عين رأت ، ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر) فكيف لا يحزن، وهو يمد طرفه لنهاية الرحلة وهو يسوق خرافه المسكينة بين الشعاب، لذاك المرعى الأبهى، وكحداء الاغاني ، واللحن ، وكل فعل طيب، يسوق بني آدم لتلكم المناحي، والمغاني، (طيب في المغاني، كمنزلة الربيع من الزمان)،.. (5) وللحق للمغني ألف عشق، فكل أغنية عشق، يعيش عوالمها، وصورها، وعاطفتها، وتحلق معانيها اللطاف بين جوانحه، ويبحث عن لحن يكون زوجها، المثل بالمثل، لا تنكره روح القصيدة، مهما تشابهت الألحان، وبين ألحان كثر، (الكر كر البلقاء، والضرب ضرب ابي محجن)، ولكن أين ابو محجن، هكذا تكون الأغنية البلقاء، واللحن أبي محجن، فرس لا يمتطي ظهرها، إلا فارس يعرف قدرها، ويظل الملحن يبحث في ذاكرته، الموروثة والمكتسبة عن لحن ينفخ الروح كاملة في عوالم القصيدة، وصورها، وعاطفتها التي تجري في الحروف، مجرى الروح في العروق (ذهب الظمأ ، وابتلت عروق القصيدة بمهارة اللحن)، وثبت أجر المغني.. (6) أما ألحان وردي، فإن حكمة جنجرته، جعلت الأصوات تشع منه دون الفرح الصاخب، وفوق الأسى الحزين، فأغانية ليست في حزن زيدان، أو أسى الطيب عبد الله (والذي قد يثير فيك أسى موت أخ عزيز، أو فراق، حتى تنسى الأغنية، وتبكي بحرفة، في أثير موسيقاها، من تلكم الذكريات الحزينة التي أحياها اللحن والنغم)، ولا في شجن أغاني النور الجيلاني، وكأن الحياة مارشال حزين، بل أغاني فيها مرح، وفرح، وشئ من حزن نبيل (مثل أغاني مصطفى سيد أحمد)، هناك شبه، حدسي لا يعرف وجه الشبه بالضبط ، بين لحنه، وألحان (ثنائي العاصمة)، وللحق حتى أغنياته الراقصة، فيها حشمة أدب الرقص الصوفي، كأنها تحث حنايا وجوارح الراقص كي تتلون مع موسيقى الكون الحالم، وليس اثارة غريزة، وغنج مبتذل، في الجسد الراقص، وكأن التطريب كان للقلب في البدء، ثم يرقص الجسد بعد ثمالة القلب، فيصيب القلب بالحمى بدءا، وتسهر الجوارح بعدها، وتختصم، (فألحانه تنبع من حال يتيم، يصر على الفرح)، وكأن أخواله، واعمامه، أغدقوا عليه عطفا نبيلا، عوضه اليتم المبكر، بل جعله مميزا بين اقارنه، وقد ظل طوال حياته، يبحث عن هذا التفرد، ولكن بوسائله الصحاح (وليس الشاعر الذي يشرب الماء صفوا، ويشرب غيره كدرا وطينا)، بل له الصدر، دون العالمين أو القبر...وما اللحن؟ سوى تلكم العواطف والأصوات التي تجمعت من جداول الأفراح ، وانهمرت الاحزان ، وصبت في قلب الفتى، من عهد ألست بربك، قبل حبو الزمان، ومشي المكان، ولاشك هو ميراث طويل، في تقلبه في الأصلاب، حتى خرج مغنيا. كما خرج الزين ضاحكا من بطن أمه، في عرس الزين، وكما يخرج الضوء نشيطا، من مهده في الشمس، ونشيطا حتى كهولته على ظهر الأرض الطيبة، حين يضئ الوجوه والحقول والجبال.. حين لحن (يا شعبا تسامى)، أستلت صورة الاستاذ محمود، أمام قدسية المشنقة، وفرحة اللقاء بالجمال الأسمى، التي ارتسمت على وجهه، وكأن البشرية وبعد تاريخ الطويل، تصالحت مع (ملاك الموت)، بصدق وعمق، ومعرفة، أستلت تلك الصورة، لمفكر مبتسم، (الأنتصار على الخوف)، استلت لحنا من جب روحه، وقعر ذاته، كما استل السيارة يوسف الجميل، من قاع البئر، يوسف الصديق، الجميل.. (وكل فتى على مقدار ما سقاه الساقي يغني) فذلك الموقف البطولي، هز حنجرة وردي، وقبل ذلك قلبه، فخرج اللحن وثابا، معتدلا، بلا تكلف، بذاك الغمام، الذي فج الدنيا ياما، وخرج من زحامها، زي بدر التمام)، الموقف اللحن ، واللحن الموقف ، وجهان لنشيد واحد .. وكما أستلت تلك الصورة، لمفكر سوداني أسمر، الباسم في وجه مقام الموت، برضى عجيب، حقيقي، استلت اللحن من جب قلبه ، كسيارة يوسف ، لحن بهي الطلعة ، كابن يعقوب ، يقد من يصغي له ، جلبابه من دبر ومن قبل ، بلا حول منه ، لطلعة اللحن ، وبهائه الفطري ، وتلذذ النفس ، بالجمال كفطرة ، وسنة غامضة ، قدت في جرمه .. كما أن ألحانه، فيها شئ من طهرانية وعذوبة ألحان الكاشف، ولكنها ممزوجة بقدر مناسب من النزوع الجسدي، (المنزلة بين المنزلتين كما يقول معتزلة بغداد)، فأغاني الكاشف جلسة استماع ، وأن شئت فقل جلسة سماع صوفي، وإن تغنى بسلمى، وليلى، وسعاد، فما هن، سوى مظاهر تجليات جماله، في الحس والمعنى، وكأن اختيار المنطقة الوسطى، (ما بين الجنة والنار)، التي أنكرها شعر نزار، ( لا توجد منطقة وسطى)، وجدها وردي، بين جنة المعنى، ونار الجسد، حمى الجسد، فكانت اغنياته، تعطي الجسد حظه، والروح حظها، وكذا النفس... عزة الأميرة، وفي البال حكايات عنه ، في الأسبوع المقبل ، لو مد الله في العمر، وبركة التعبير، وتلكم العلاقة بينه وبين شاعرك الشعبي، العظيم، محجوب شريف.. عميق محبتي ابنك المخلص عبد الغني كرم الله حي الأزهري، جنوب الخرطوم
---------------
البيت السوداني.. يوم مفتوح في أربعينية العملاق وردي حوارالنهر والصـخر
في رحلة توثيقية كاملة تعنى بالتوثيق لسؤال البدايات والجذور لحضارة قديمة مثلها صوت الموسيقار الراحل محمد وردي ، في محاولة لرد بعض الجميل لمن قدموا لهذا الشعب ، كان حوار الصخر والنهر خطوة أولى في الدرب حيث زارت إذاعة البيت السوداني مدينة صواردة وقدمت خلال بثها ليوم امس رحلة في تاريخ هذه المدينة التي أنجبت عملاق الأغنية السودانية محمد وردي. المكان هناك يبدو مختلفا تماما عنه في الخيال الجمعي للناس ، بساطة الأشياء والحياة في ذاتها تبدو مستندة على فطرتها الأولى ، إنه صوت التاريخ وامتداد الحضارة على ضفة النهر ، منازل النوبيين العريقة بطينها وأبوابها الخشبية العتيقة ، وهي مفتوحة كما قلوبهم لكل زائر، تقوم البيوت العتيقة على ضفة النهر يسمونها (تحت) بمحاذاة النخيل تماما وباتجاه الشرق تمتد أراضي زراعية. وعلى ضفة النهر ينهض منزل محمد وردي وهو بحسب بنت عمه يعود لوردي الكبير -أي جد الأستاذ -ونشأ وردي في كنف عمه صالح . وبحسب قبيلة صالح وردي فقد أطلق الأستاذ صرخة ميلاده الأولى في جزيرة (وايسي )وليس صواردة كما يعتقد الكثيرون وتضيف: وردي نشأ يتيما إذ ان والدته توفيت قبل الأربعين فبعد أسبوع واحد من ميلاده كان رحيلها .وبعدها بسبع سنوات توفي الأب. نشأ الراحل في منزل عمه صالح مع ابنتيه ثريا وقبيلة وعلم بحقيقة يتمه في فترة صباه وكان ذلك عن طريق الصدفة وعنها تقول قبيلة بنت عم الراحل: المعروف لدينا في كل عيد زيارة المقابر والدعاء لموتانا ،في أحد الأعياد تفاجأ وردي بأحد أصدقائه يشير الى أحد القبور موجها حديثه لوردي: إنت فاكر الفي البيت أمك، أمك هنا ،مشيرا الى القبر، هنا ثار وردي وبسرعة أتى الى المنزل وسأل جدته في مايشبه اللوم قائلا: انت ليه ماقلت لي أمي متوفية؟ بررت الجدة بأنه مازال صغيرا في السن والخوف من الصدمة منعني، كل ما في الأمر ان الحقيقة كانت مؤجلة.. في إفادة جديدة ايضا أكدت قبيلة صالح وردي أن جذور الأسرة لوردي الكبير ترجع الى صاي وهي جزيرة في شمال اقليم السكوت هاجر منها وردي الجد الى صواردة وتزوج منها وأسس حياة جديدة فيها كان نتاجها الحفيد الموسيقار وردي الذي ولد في جزيرة (وايسي) او صواردة القديمة..وصاي هي نفس المنطقة التي ينتمي اليها الفنان الراحل خليل فرح.. واعتبرت الاذاعة ان هذا اليوم مخصص لذكرى الموسيقار وردي في أربعينيته وتم انتاجه في قرية صواردة حيث طفولة وردي وشبابه وبيته الكبير ومن الفقرات الأساسية كانت، صواردة عبق الأمكنة وهي حكايات عن الراحل وأسرته وعن صواردة الإنسان والتاريخ .. وايضا فقرة حوار مع أحد الفنانين قدم فيه العديد من الأغنيات باللغة النوبية القديمة توزعت على مجموعة من المغنين النوبيين بالاضافة لمناقشة الشعر والأغنية النوبية وإسهامات الراحل وردي فيها. وكان اليوم بإشراف طارق البحر ومن إعداد وتنفيذ خالد سليمان وتقديم صدام صديق ومحمد فرح وهب.
الراى العام
| |
|
|
|
|
|
|
|