مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي يدعو حكومة الخرطوم للاستقالة.. ويتهمها باستخدام السودانيين كدروع لحماية نفسها
د. علي الحاج يحمل الحركة الإسلامية التي جاءت بحكومة البشير مسؤولية ما حدث من تعذيب لمعارضيها
د. علي الحاج
لندن: مصطفى سري الشرق الاوسط دعا الدكتور علي الحاج مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي الحكومة السودانية بزعامة الرئيس عمر البشير الى الاستقالةa واتهمها بانها تسعى الى استخدام السودانيين كدروع بشرية لتحمي نفسها، مطالبا بتشكيل حكومة جديدة لانقاذ البلاد، محملا الحركة الإسلامية التي جاءت بحكومة البشير مسؤولية ما حدث من تعذيب لمعارضيها وما وصلت إليه الأزمة السودانية من تعقيدات في قضية دارفور، مؤكدا انها فشلت في تنفيذ برنامج الحركة الإسلامية، مطالبا بذهاب الأجهزة الأمنية التي اعتبر أنها وراء ما يحدث في السودان، واتهمها بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في منتصف التسعينات. وقال الحاج في حوار مع «الشرق الاوسط» عبر الهاتف من مقر إقامته في العاصمة الألمانية برلين: ان ما يتم التعبير عنه باسم الحركة الإسلامية هي حركة حكومية، واضاف ان البشير حسم امرها في اجتماع تم عقده مؤخرا في الخرطوم بان تصبح تابعة للحكومة، مشيرا الى وجود من لديهم أشواق للحركة الإسلامية، وقال لكن الأمر أصبح كله في أيدي الأجهزة الأمنية، كاشفا عن اتصالات أجرتها الأجهزة الأمنية مع المخابرات الاميركية من وراء الحركة الإسلامية، مستبعدا وجود حوار بين المؤتمر الوطني الحاكم وحزبه، وقال «على ماذا نتحاور ومع من؟». واضاف الحاج «الموقف اليوم داخل المؤتمر الوطني هو أشبه بموقف الحركة الإسلامية قبل المفاصلة، ولذلك هناك تيارات وانقسامات موجودة غير معلنة».
وحول السيناريوهات المتوقعة، قال «السيناريوهات كثيرة لكن أهمها، الحكومة تسعي لاستخدام السودان والسودانيين كدروع بشرية لتحمي نفسها من العالم الخارجي ولتحمي نفسها مما ارتكبته من جرائم»، واضاف ان مستقبل السودان لا يمكن التنبؤ به، وقال «من العسير ان يتحدث المرء عن مستقبل السودان وعن الظروف المحيطة بنا، ولكن اكيد ان هنالك تغييرا ما سيحدث، وآمل ان يكون تغيير الى الافضل».
وفي ما يلي نص الحوار:
* السودان يواجه أزمة حقيقية وبالغة التعقيد قد تقود الى تفكيكه الى دويلات اذا لم يتم تدارك ذلك. ألا تتفق مع الذين يرجعون ذلك الى الانقلاب الذي دبرته الجبهة الإسلامية في العام 1989؟
ـ أكيد ان الانقلاب الذي حدث في الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989 أتى ببعض هؤلاء الى السلطة. ولكن بأجندة ومواثيق واضحة خرجوا عليها ونقضوها واصبحت هنالك مفارقة تامة بين تلك الأجندة وما يمارس اليوم. وعندما اتحدث عن هذه الأجندة لا اعني تلك الأجندة المنشورة والمكتوبة من قبل الحركة الإسلامية في الساحة السودانية وحسب، وانما اعني الاجندة والبرامج التي وضعت للانقاذ حتى قبل التنفيذ ولكن كلها ضرب بها عرض الحائط ولست في حاجة لذكرها لانها معروفة في الساحة وموثقة. وهذه المفارقة لا تخفي على أحد.
* لكن عندما حدث التعذيب في بيوت الأشباح التي تتحدث عنها المعارضة آنذاك وكل الأشياء التي ذكرتها من حروب في الجنوب كنتم في السلطة فكيف تتنصلون من ذلك ؟
ـ القضية ليست تنصلا او تهربا من مسؤولية، فالحركة الاسلامية بوضعها القديم تتحمل المسؤولية كاملة. هذه خطوة لا بد من إثباتها وعلى المستوى العام يتحملها الجميع لان ما تم هو بقرار هيئة شورى الحركة الإسلامية.
اما على مستوى المسؤولية الشخصية فكل فرد اسندت اليه مسؤولية هو مسؤول عن الممارسة في حدود مسؤوليته ويحاسب عليها محاسبة ذاتية، وهذه المسؤولية لن تسقط بالتقادم. فمسؤولية الجماعة لا تحجب المسؤولية الفردية والممارسات السالبة التي قامت بها بعض الأجهزة الأمنية مثل التعذيب في بيوت الأشباح او انتهاكات لحقوق الإنسان او اي مظالم اخرى يسأل ويحاسب عنها من ارتكبها «وكل نفس بما كسبت رهينة»، «ولا تزر وازرة وزر اخرى».
أما على المستوى الشخصي فان ما كلفت به من مسؤوليات ليست ذات صلة تذكر بالأجهزة الأمنية «لكن بالطبع هذا لا يعفني من المسؤولية». ولذلك عندما كنت اسمع عن بيوت الأشباح والتعذيب كنت اعتبرها من باب الدعاية ضد الانقاذ واستبعدها تماما لانني لم اتصور ان يحدث هذا لا دينا ولا فقها ولا سياسة، وأصدقك القول اني لم انتبه للأجهزة الأمنية الا بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري والتي علمت فيما بعد ان الأجهزة الأمنية قامت بها دون الرجوع لأحد، واعتبرت هذه ذروة التجاوزات السلبية لدى الأجهزة الأمنية، بل اعتبرتها وما أعقبها من تداعيات هي ذروة المفارقة والمفاصلة غير المعلنة بين الحركة الإسلامية.
* الشعب السوداني يتوقع ان تتم المحاسبة بعد توقيع اتفاقيات السلام.. لكن ذلك لم يتم. في تقديرك ما هي الطريقة المثلى لتفعيل المحاسبة ؟
ـ نعم بعد اتفاقية نيفاشا لم يحدث تغيير في الأجهزة الأمنية، بل حدث المزيد من التمكين هذا في رأي مفهوم لأن معظم من تولى المفاوضات في نيفاشا هم من الأجهزة الأمنية. ولذلك لم أتوقع ولن يتوقع احد ان تشهد الأجهزة الأمنية ضد نفسها وفي مرحلة ما اعتقد ان قيادات الحركة الشعبية وجدت نفسها تحت القبضة الأمنية في نيفاشا وبعض الرواة يتحدثون عن خلافات وقعت بين ممثلي الحكومة في بعض المسائل وقد حسمها بعض قادة الاجهزة الامنية وعندها شعرت قيادة الحركة الشعبية بانها لا تستطيع ان تسير في طريق ما يسمى «محاسبة الأجهزة الأمنية».
نعم هنالك الدستور الانتقالي والذي ينص على مسائل تختص بالأمن وحقوق الإنسان... الخ، ولكن بعد التجربة التي مررنا بها فان الدساتير لا قيمة لها مع من هم في النظام وفي كثير من الأحيان فان الدستور يصبح زينة او زيا يرتديه الحاكم عند اللزوم. فاذا اخذنا دستور 98 مثالا «نجد ان الذي كبر له وهلل له وأجازه ووقع عليه، بل وأقسم عليه، هو الذي مزقه ووقع على دستور نيفاشا باعتباره زيا جديدا يرتدى لحين اشعار اخر، ولذلك يصبح الحديث عن تغيير القوانين لتتوافق مع الدستور نوعا من الترف الفكري، وما كان للحركة الشعبية ولا القوى السياسية الاخرى التي صالحت النظام ودخلت في الأجهزة الأمنية ما كان لها ان تغير شيئا في قانون الأمن فضلا عن تغيير الأجهزة الأمنية، والمرء يجد لهم العذر لان الاجهزة بطشها شديد واغراءاتها لا تقاوم، ولذا احسب ان نيفاشا قد قننت للأجهزة الأمنية من الناحية العملية «ورغم انف الدستور».
خلاصة القول: الحديث عن محاسبة الاجهزة الامنية مع وجودها الفاعل الذي ذكرناه هو حديث نظري او حديث اشواق، لان هذه الاجهزة قابضة على كل شيء فأنى للمواطن ان يجد الفرصة ليقف امام هذه الاجهزة.
* يعتقد كثير من المتابعين للشأن السوداني ان انقسام الاسلاميين فيما بينهم وضع السودان في الحالة التي عليه ؟
ـ يبدو ان هناك مفاصلة غير معلنة بيننا في الحركة الاسلامية أو سمها اجندة خفية قبل ان تظهر للعلن، فهنالك بعض منا يؤمن بحق تقرير المصير والبعض ليس كذلك وبعض منا لا يؤمن بالدستور وبعضنا لا يؤمن بالشورى وبعضنا وبعضنا... بل ان بعضنا كان على اتصال بجهات خارجية من وراء الحركة ولذلك أنا احسب ان المفاصلة هي اعلان لمواقف كانت متباينة وأقول متباينة حتى عندما تحسم القضايا الخلافية بالطرق الشورية او الديمقراطية او المؤسسية كان بعضنا يتصرف ضد هذه القرارات وبطرق خفية حدث هذا في السلام وفي الدستور وفي الحكم الاتحادي وفي انتخاب الولاة وفي تجاوزات الاجهزة الأمنية ... الخ وعبارة اخرى، كنا مجتمعين ولكنا في الاصل منقسمين وكانت الامور تجري من وراء التنظيم، ولذلك ان من فوائد المفاصلة انها كشفت المستور ووضح التباين والتمايز والمواقف بين الفريقين في هذا خير كثير للسودان وللحركة الاسلامية ولحركة الاسلام عامة اذ اننا لو استمرأنا في النهج الذي كنا نسير عليه لما اكتشفنا الاخطاء ولو اكتشفناها لما كان لنا ان نعالجها، والأمثلة في ذلك كثيرة، ولولا هذه المفاصلة لما كان هناك اتفاق مع الحركة الشعبية لأن الذين يحكمون اليوم كانوا ضد اتفاق السلام وهم الذين نقضوه.
* بعد كل ذلك ألا تعتقد ان الحركة الاسلامية سواء كانت متحدة او منقسمة فشلت في السلطة بعد 17عاما من الحكم، والآن عقدت الحركة الاسلامية اجتماعا في الخرطوم.. من الذي يمثل هذه الحركة ؟
ـ الحركة الاسلامية كيان فكري طوعي تأسست بارادة طوعية وعلى أسس ومبادئ واضحة وانضم الناس اليها من منطلق الايمان بها وهي مفتوحة وجامعة لكل البشر ولذلك الناس ينضمون اليها من هذا المنطلق وليس من منطلقات اخرى. وهي جامعة تشمل كل جوانب الحياة والسلطة جزء من هذه الناحية فهي اذا ليست حركة حكومة بل انما هي التي اتت بالحكومة وفق برامج ومرجعيات اشرنا اليها في المقدمة. وأتفق معك في ان الحركة الاسلامية فشلت في برامجها السياسية التي لم تطبق في ارض الواقع من حيث الديمقراطية والشورى والحريات ومن حيث العدل... الخ وهذه كانت من ضمن الاسباب الرئيسية التي ادت للمفاصلة اذ كانت هناك محاولات لتصبح الحركة الاسلامية حركة الحكومة بمعنى ان الحكومة تسير الحركة بدلا من الوضع الذي قامت عليه الحركة الاسلامية وانت تسألني الآن عن الحركة الاسلامية التي عقدت اجتماعا، فأقول ان هذه «حركة الحكومة» فهذه حركة اسلامية تسيرها الحكومة وفق برامجها وقراراتها، وهذا هو الفرق بين الحركتين. وبالاشارة لاجتماع «حركة الحكومة» الذي عقد في الخرطوم فان الأنباء أشارت الى ان الاجتماع احيط بكثير من السرية لاهميته وحساسية الموضوعات التي تناقش، ولكن الانباء ايضا تحدثت عن تيارين داخل هذا الاجتماع المغلق تيار يقوده بعض ذوي الاشواق الذين ما زال عندهم الحنين تجاه الحركة الاسلامية التي تقود الحكومة والمجتمع ولكن هؤلاء حسمهم التيار الاخر الذي يعتقد ان القول بحاكمية الحركة الاسلامية هو نوع من الازدواجية والثنائية والتي ادت الى المفاصلة. ويقال ان الامر قد حسم حينما قال الرئيس ان هنالك رئيس واحد وان الحركة الاسلامية الحكومية مهمتها التوعية والتعبئة والدعوة... الخ والحكومة هي التي تحكم وتقرر بشان الحكم وهذه مسؤولية شخص واحد لان الرئيس واحد (قيصر) فهذا القول يعني ان الحركة الاسلامية الحكومية مسؤوليتها هي الاشياء المذكورة فهي تعمل لله في الجانب التعبوي والتوجيهي... الخ (بعبارة اخرى هي تعمل لله !!!) وتترك ما سوى ذلك «للقيصر» وهذا ما هو حادث اليوم.
* هل هناك حوار بين المؤتمر الشعبي والوطني للخروج من الأزمة وما هي نتائجه ان حدث. وهل لديكم شروط في هذا الحوار ؟
ـ في بداية المفاصلة حدثت حوارات مكتوبة ومفتوحة وشاركت فيها حركات اسلامية من الخارج ولكنها جميعها باءت بالفشل، جميع هذه الحركات الاسلامية كانت مقتنعة ان المرجعية هي الدستور الذي تم إقراره ولكن الذين في السلطة اعتبروا ان هذا انحياز للمؤتمر الشعبي ومنذ ذلك الحين لم يكن هنال حوار جاد.
05-06-2007, 05:27 AM
الكيك
الكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172
خاطب الأستاذ علي عثمان محمد طه الأمين العام للحركة الإسلامية ونائب رئيس الجمهورية اجتماع مجلس المركز القومي للمناهج ببخت الرضا، وتحدث عن أهمية مراجعة المناهج تجاوباً مع التحديات التي أفرزتها اتفاقية نيفاشا، المتمثلة في »تحدي الوحدة الوطنية، وجعل الولاء للوطن« وما يعنيني في هذا الصدد حديث الرجل المنشور في صحيفة الرأي العام بتاريخ ٦٢/٤/٦٠٠٢ عن »جعل الولاء للوطن«. الأستاذ علي عثمان يحتاج إلى أن يوضح ما إذا كانت هذه إحدى بركات نيفاشا التي يبدو أنها ستلغي، بموجب هذا الكلام، شعار »هي لله.. هي لله« تماماً كما غيَّرت من العقيدة العسكرية للقوات المسلحة السودانية، رغم أنف المشروع الحضاري الذي قيل لنا إن نيفاشا لن تؤثر فيه، على الأقل في شمال السودان المفترض أنه محكوم بالشريعة الإسلامية. الشاب الفقيه محمد علي عبد الله تساءل في »الانتباهة« أمس الأول عن مشروعي الشريكين »المؤتمر الوطني والحركة الشعبية« وعن أيهما يمضي إلى الأمام، وأيهما يتناقص ويخسر بعد عامين من توقيع نيفاشا؟. في الوقت الذي يطلب فيه نائب الرئيس - أمين الحركة الإسلامية، حارسة المشروع الإسلامي - من إدارة المناهج إلغاء أهم ثوابت المشروع الإسلامي، بحيث يكون الوطن هو القيمة العليا، والثابت الأكبر بعد أن كان قيصر وما لقيصر، بل والوطن وكل الكون لله الواحد الأحد، يقوم الشريك الآخر »العلماني« بإلغاء اللغة العربية في الجنوب، بعد أن ضيق قبل ذلك على كل النشاط الإسلامي من خلال وقف المؤسسات الإسلامية، مثل ديوان الزكاة وجامعة القرآن الكريم والبنوك الإسلامية ومنع الأذان وما إلى ذلك. وأعجب ما في الأمر أن الحركة الإسلامية التي لم يعد لها علاقة بالسياسة بعد أن سلمت أمرها إلى المؤتمر الوطني، لا يعنيها الكلام المنسوب إلى أمينها العام، ثم إن عدم نفي الأمين العام للحركة الإسلامية نائب رئيس الجمهورية للحديث المنسوب إليه، يجعلنا نصدقه ونبني عليه خاصة وأنه جاء في إطار الحديث عن التحولات التي اقتضتها نيفاشا »وتحدي الوحدة الوطنية« التي يعتبرها الأستاذ علي عثمان إحدى الثوابت بالرغم من أن المؤتمر الوطني، بكامل قواه العقلية وإرادته الحرة، قد قرر طرحها على الاستفتا، ولعل ذلك ما جعل الوطن مقدَّماً ربما حتى على الدين في فقه نيفاشا. سؤال برىء.. تُرى لماذا العجلة والانبطاح والهرولة في تعديل المناهج، وتغيير الثوابت، ومرجعية الدولة، إذا كان شكل السودان الجغرافي لم يقرَّر بصورة نهائية؟! ثم سؤال آخر... إذا كان ما نُسب إلى النائب علي عثمان صحيحاً، وهو ما لم يصدر نفيٌ له حتى الآن، تُرى هل يحق له أن يصدر رغم أنف المؤسسية، مثل هذا التوجيه الخطير، أم نحن مقبلون على نيفاشا جديدة لم نستشَر فيها، رغم الحديث عن إلزامية الشورى؟!. أقول مجدداً إني أحتاج وربما تحتاج الحركة الإسلامية التي يبدو أنها فقدت البوصلة، إلى توضيح من أمينها العام يطمئن المجاهدين والحادبين على الدين وحاكميته بعد أن عوّلوا كثيراً على شعارات كانوا يحسبون أنها صادقة!.
الانتباهة 3/5/2007
05-07-2007, 07:48 AM
الكيك
الكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172
«تعقيب 4» ذكرت فى مقالتى عن «أخواننا الصغار» أن هناك أحداثا كبيرة وقعت وأثرت على الحركة الاسلامية وعلى الوطن تأثيرا سلبيا كبيرا، وأن الأجهزة الشورية للحركة لم تستشر فى ذلك، ثم أوردت على سبيل المثال قصة دخول أسامة بن لادن الى السودان واخراجه منه بالصورة التى تمت، كما ذكرت قصة دخول «كارلوس الجاكال» الى الخرطوم وتسليمه فيما بعد الى السلطات الفرنسية. ولم يكن قصدى فى ذلك المقال أو فى غيره أن أتقدم بتحقيق بوليسى عن موضوع كارلوس أو موضوع بن لادن، وانما قصدت ايراد بعض الأمثلة للتدليل على «تضخم» الوظيفة الأمنية فى التنظيم الإسلامى، وعلى «تعاظم» الأدوار التى كانت تقوم بها القيادات الأمنية؛ تعاظما جعلها «تحجب» قيادات التنظيم والدولة، أو تبتلعها فى بعض الأحيان. غير أن الأخ الصديق د. أمين حسن عمر، والذى أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن الأجهزة الأمنية، توقف طويلا فى تفاصيل القصة «الكارلوسية»، ليختلف معنا فى ما أوردناه، جملة وتفصيلا، ثم يتفضل بسرد وقائع شارك فيها هو شخصيا، ووقائع أخرى لم يشارك فيها ولكنه يعرضها مع ذلك بصيغ التأكيد والجزم مما يوحى بمعرفته التامة التى لا يتطرق اليها الشك. أما نحن الذين لم نشارك فى تلك الوقائع ولم نشهدها، فليس أمامنا غير خيارين: أن نستمع لهذا السرد الرسمى الذى يتقدم به الأخ د.أمين، ثم،«نعمل انتباه ونرجع للخلف»، كما ورد فى عبارة منسوبة للواء الزبير رحمه الله، تاركين هذه الملف فى ذمة التاريخ، وأما أن نستمع لما يقوله د. أمين، ثم نقارن ما أورده مع ما ورد من افادات أخرى منشورة أدلى بها بعض الذين شاركوا مثله تماما فى تلك الوقائع، فنتيح بذلك فرصة للقارىء ليتأمل ولينتهى لما يشاء من رأى.وهذا هو خيارنا. يقول د.أمين ان رئاسة الجمهورية لم تكن على علم بوجود كارلوس فى الخرطوم الا بعد المشاجرة التى وقعت فى بوتيك فى سوق نمرة 2، حيث تحركت أجهزة الأمن وألقت القبض عليه، ويواصل: «ولما كان الحادث مثيرا للفضول فقد بلغ رئاسة الجمهورية، وكلفت بالسؤال عن الأمر، وجاءت تفاصيل الحادثة »: ان شخصا يدعى أنه فلسطينى... دخل فى مشاجرة مع نجل صاحبة بوتيك...وفى اليوم التالى كانت المفاجأة الكبرى أن أجهزة الأمن«التى كانت تتلقى احتجاجات مستمرة من فرنسا بوجود كارلوس فى الخرطوم» قد اكتشفت أن الشخص المفرط فى السكر كان كارلوس بعينه وبشخصه.. هذا ما يقوله د.أمين، ومفاده أنه لا رئاسة الجمهورية ولا أجهزتها الأمنية كانت على علم بوجود السيد كارلوس فى الخرطوم.أما جهاز الأمن فله رواية أخرى تناقض هذا تماما، اذ وصلتنى من السيد رئيس جهاز الأمن «اللواء صلاح عبد الله»رسالة الكترونية بتاريخ 13 ديسمبر 2006، وذلك ردا على ما ورد فى مقالتى، يقول فيها ان: «أجهزة الأمن ومنذ أن وطأت أقدام كارلوس السودان تعرفت عليه وسيطرت على حركته دون أن يشعر بذلك فى انتظار قرار القيادة السياسية حياله». فوجود كارلوس فى الخرطوم كان، بحسب رواية د. أمين، «مفاجأة» لكل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الأمن، أما بحسب رواية جهاز الأمن فان وجود كارلوس بالخرطوم كان معلوما لديهم، ليس ذلك فحسب بل أنهم كانوا «يسيطرون» على حركته.هاتان روايتان لا يستقيمان معا، ولا توجد الا طريقة واحدة للتوفيق بينهما:أن نأخذ «نصف» ما يقوله د.أمين و «نصف» ما يقوله السيد رئيس الجهاز لنصل الى النتيجة التالية: ان رئاسة الجمهورية لم تكن تعلم بوجود كارلوس فى الخرطوم حتى وقعت واقعة «البوتيك»، والتى كلف د.أمين بالتحقق فيها«لماذا؟ لا ندرى»، أما من الناحية الأخرى فقد كانت أجهزة الأمن على علم تام بوجود كارلوس وتحركاته، ولكنها لم تخطر رئاسة الجمهورية«لماذا؟ لا ندرى» كما لم تخطر القيادة التنظيمية«كما سيرد لاحقا». فاذا كان هذا التفسير وجيها فانه سيحفظ لكل من الروايتين قدرا من الصدق،ولكنه من ناحية أخرى يؤكد ما ذهبنا اليه ابتداء من أن هذا جهاز يتصرف ويده طليقة، وأنه يستطيع«وقد استطاع فى بعض الأحيان» أن «يحجب» بعض المعلومات والملفات الأساسية عن رئاسة الجمهورية. أما إذا كان هذا التفسير غير معقول فنحتاج من د.أمين أن يوضح لنا الكيفية التى يرتفع بها التضارب بين ما يقوله هو وما يقوله رئيس جهاز الأمن الذى كان يمسك «الملف والملفوف» بكلتا يديه. أما فى الجانب الآخر، فهل كانت «قيادة التنظيم» على علم بالملف؟ أم أنها أيضا «فوجئت» كما فوجئت رئاسة الجمهورية؟ هنا يتفق كل من السيد رئيس الجهاز ود.أمين على أن وجود كارلوس بالسودان كان معلوما لكافة المسؤولين فى قيادة الحركة«بما فى ذلك قيادة المؤتمر الشعبى العربى الاسلامى»، وأن القرار الذى اتخذ بشأنه كان بموافقة الجميع. ولكن د.الترابى، الأمين العام للتنظيم ورئيس المؤتمرالشعبى العربى الاسلامى، ينفى ذلك نفيا قاطعا فى مقابلتة المشهورة مع تلفزيون العربية، بتاريخ 17 مارس 2006«برنامج العين الثالثة الذى يقدمه أحمد عبد الله»، والتى نقتطف منها هذه الفقرات: أحمد عبد الله: لم تلتق كارلوس؟ الترابى: وجهاز الأمن لم يستشرنى، ولم يبلغنى، بعد ذلك دخّلوا مستشفى، قبضوا عليه فى المستشفى فى عملية كان ستجرى، يعنى... أحمد عبد الله: يعنى الذى سلمه آنذاك، وأنت كنت فى السلطة.. الترابى: أصلا لم أحدث عنه أصلا، سلم الى الفرنسيين،«الفرنسيون طبعا لأنهم من الخارج يظنون أنى وراء كل ما يحدث فى السودان»، ولما ذهبت الى اسبانيا، مررت بفرنسا، فلقينى كبير اعلام فرنسى، وجاء كبير أمن سودانى، كان موجودا معه هناك، ليأخذ بعض ثمن المساومة، يعنى لجهازه«بعض الأجهزة وسيارات وهكذا»، جاء معه كأنه هذا الذى كان يحترمنى«لأنه كان أيضا فى الحركة الاسلامية يحترمنى»، ولكن الآخر كان يلقانى فى المطار وكأنى من أعظم الناس الذين أهدوا اليه.لأنى فرانكفونى«هو طبعا الذى يتحدث الفرنسية يحسبونه هو الأقرب اليهم فى العالم»، وأنا استحيت طبعا،أنا عابر فقط الى فرنسا، يعنى أشرح له وأقول أنا ليس لى دخل، وهذا جهاز الأمن، لن يصدق هذا، وسكت هذا، يعنى وتحدث وتحدث وشكرنى.. أحمد عبد الله: معقولة هذا الكلام؟ كلام فى كلام، يعنى لم تلتق أنت كارلوس أصلا، ماكنت تعلم أنه موجود؟ الترابى: أصلا أنا ما التقيته، هو حاول أن يلقانى.. أحمد عبد الله: بس كنت تعلم أنه موجود؟ الترابى : فى آخر أيامه، نعم علمت أنه موجود. أحمد عبد الله: وحاول أن يلتقيك. الترابى: حاول أن يلتقينى ولكن لم يدخل الى». ففى هذه الرواية يؤكد د.الترابى ثلاثة أمور على درجة كبيرة من الأهمية، وكلها تتناقض تماما مع يقوله د.أمين: الأمر الأول: أن د. الترابى وهو الأمين العام للحركة الاسلامية لم يكن يعرف بدخول كارلوس الى الخرطوم الا أخيرا جدا حينما أخبره بذلك أحد المسؤولين الفرنسيين؛ الامر الثانى: أن جهاز الأمن «وليست أجهزة وزارة الداخلية-كما ذكر د.أمين»هو الذى كان يتفاوض سرا مع السلطات الفرنسية دون علم الأمين العام؛ والأمر الثالث:أنه قد أبرمت «صفقة» بين جهاز الأمن السودانى والأمن الفرنسى، وأن مسؤولا أمنيا كبيرا «يعرفه د. الترابى بصورة شخصية» كان موجودا فى فرنسا لاستلام «الثمن»«الذى كان عبارة عن بعض الأجهزة والسيارات». ولو أن هذه الجزئية الأخيرة من الرواية جاءت من شخص آخر غير د.الترابى لتشككنا فيها، ولقلنا انه ان كانت هناك صفقة بالفعل فليس من المعقول أن يرضى جهاز الأمن «ببعض الأجهزة والسيارات»،اذ من الممكن أن ينتهز تلك الفرصة فيطالب بما هو أكبر من السيارات؛ كأن يطالب مثلا بتخفيف المقاطعة السياسية والاقتصادية على السودان، فهذا أقرب الى المنطق والى الواقع، وتؤكده بعض المصادر الفرنسية ذاتها، اذ ذكرت صحيفة الجيروسليم بوست بتاريخ 25أغسطس 1994«بعد عشرة أيام فقط من أعتقال كارلوس» أن الفرنسيين قد عرفوا بوجود كارلوس فى الخرطوم عن طريق المخابرات الأمريكية، وذلك على اثر اجتماع فى جنيف بين الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون وأحد رؤساء الدول العربية«وقد ذكرته الصحيفة بالاسم»، وان السودان قد وافق على تسليم كارلوس للحكومة الفرنسية على وعد من الأخيرة بأن تعمل على اقناع واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وأن الحكومة الفرنسية قد قامت ببعض المحاولات فى هذا الاتجاه، ولكن ادارة الرئيس كلينتون رفضت ذلك. هذا الخبر يجعلنا نتحفظ على الجزء الأخير فى رواية د. الترابى«برغم أنه لا ينفيها أو يكذبها»، ونكتفى منها بالنقطة الأساسية فى موضوعنا وهى أن قيادة التنظيم، ممثلة فى الأخ الأمين العام، كانت أيضا «محجوبة»؛ مثلها فى ذلك مثل رئاسة الجمهورية، وأن الملف المتعلق بكارلوس، والتفاوض بشأنه مع الفرنسيين لم يكن للأخ الأمين العام علم به الا فى الأيام الأخيرة حينما أخبره الفرنسيون أنفسهم وحينما انكشف الأمر كله للخرطوم وصارت الحكومة تبحث عن «مخارجة» منه.« ولكن الذى نعجب له هو موقف الأخ الأمين العام بعد أن توارى كارلوس فى احد السجون الفرنسية، ما هو «القرار» الذى اتخذه بخصوص الجهاز الأمنى الذى كان يعمل تحت أمرته ولكنه كان يتحرك فى الداخل والخارج بلا علم ولا اذن من سيادته؟ هل قام بدعوة المجلس القيادى وطرح الأمر عليه؟هل شكل لجنة للتحقيق والمحاسبة؟ واذا لم يكن فى مقدوره أن يفعل أى شىء فى هذا الصدد فلماذا لم يتقدم باستقالته فى ذلك الحين؟ لماذا انتظر ست سنوات أخرى أتاح فيها للجهاز ذاته أن يواصل عملياته والتى تجلت ثمارها المرة فى ملف بن لادن وملف الرئيس المصرى؟». على أن الذى يهمنا هنا «وقد أكدته افادة د.الترابى ود.أمين واللواء صلاح» هو أن ملف كارلوس لم يكن مفتوحا لقيادة الدولة أو لقيادة التنظيم «ناهيك عما سواهما من أجهزة الشورى»، كما أنه لم يغلق بتلك الصورة «البريئة» التى عمل د.أمين جاهدا على ابرازها من أن «تسليم كارلوس تم فى اطار تفاهمات وترتيبات بين أجهزة وزارة الداخلية ووفق الأعراف القانونية». أما «التشاور المستمر» الذى يشير اليه د.أمين مع قيادة المؤتمر العربى والاسلامى وقيادة الدولة وقيادة الحركة الاسلامية فهو فيما يبدو تشاور اللحظات الأخيرة بعد أن انكشف الأمر وأبرمت الصفقات. والسؤال الأخير: هل كانت الأجهزة الأمنية تقوم بهذه التحركات والاتصالات بصورة مستقلة أم باتفاق مع بعض العناصر السياسية؟ الذى غلب على ظنى حين كتابة المقالات انها كانت تفعل ذلك بصورة مستقلة، ولكنها قد تقوم من حين لآخر بتقديم «تنوير» للقيادة، والقيادة تشتمل كما كنت أعتقد لعهد قريب على الأمين العام ونائبه وثلاثة أو أربعة من أمناء القطاعات الأساسية فى التنظيم، يضاف اليهم الرئيس ونائبه وثلاثة أو أربعة من الوزراء«السيوبر تنظيم كما أسماه د.عبد الوهاب الأفندى»، ولكنى بعد قراءة رسالة السيد رئيس الجهاز،والتى أورد فيها أسماء المجموعة القيادية التى تداولت فى ملف كارلوس واتخذت القرار بشأنه، علمت أن تلك «القيادة» لم تكن تتضمن الأمين العام والأمناء الذين أجازهم مجلس الشورى، واذا استثنينا الرئيس ونائبه فليس فى تلك القائمة الا واحد أو أثنان ممن ليس له صلة بجهاز الأمن؛ أى أن القيادة التى يتحدث عنها السيد رئيس جهاز الأمن هى جهاز الأمن ذاته، أو هى عناصر تتحرك فى فلكه، غير أن كل واحد منها يحتفظ بعدد من «القبعات»، فاذا لبسوا القبعات الحمراء صاروا «قطاعا» وزاريا، واتخذوا قراراتهم بتلك الصفة، واذا لبسوا القبعات الخضراء صاروا قطاعا سياسيا أو دبلوماسيا، واتخذوا ما شاءوا من قرارات بتلك الصفة، ولعل هذا هو السبب الذى جعل السيد رئيس الجهاز يقول بثقة تامة أن «القيادة السياسية» كانت على علم وأنها هى التى اتخذت القرارات. فعلى أى شىء يدل هذا؟ هل يدل على أن ما كنا نسميه قيادة ومجلس شورى قد تم تجاوزهما منذ عام 1994؟ و أن ما كنا نسميه «قيادة سياسية» قد تماهى فى الجسم الأمنى؟ وهل سيعنى ذلك أننا سنلتفت يوما «ومعنا د.أمين» لنجد أن قيادتنا السياسية صارت هى ذاتها قيادة أمنية، تتبنى أطروحات الأمن وتتحدث بلغة الأمن، من عينة «ان المسألة الأمنية لا تستأذن أحدا»؛ و «دبلوماسية المخابرات» و «الأمن الشامل»؛ أم أننا سنلتفت يوما لنجد أن قيادات الأمن قد ترقت حتى صارت هى ذاتها القيادة السياسية العليا فى التنظيم والدولة؟ وسنواصل ان شاء الله.
الصحافة 14/4/2007
الحركة الإسلامية والمسألة الأمنية «1» ذكر أن الشريف حسين الهندى «رحمه الله» كان يشتم رائحة انقلاب مايو 1969 قبيل وقوعه، وذلك استنادا على أنباء تواترت بأن هناك تحركات مريبة فى داخل القوات المسلحة، فنقل الهندى ذلك الى السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء والدفاع آنذاك. غير أن المحجوب اعتبر ذلك ضربا من الإشاعات التى يروجها الاتحاديون، ولكنه أحال الأمر على مضض الى القيادة العامة بغرض التحرى، فجاءه الرد سريعا وعلى الطريقة التى يهوى:إن تلك مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة. قرأ الهندى التقرير ثم التفت الى من كان بجانبه على الطائرة المتجهة الى طرابلس قائلا:ان كانت هذه معلومات السيد المحجوب والخواض فأخشى أن نتحول فى نهاية سفرنا هذا الى لاجئين سياسيين. لماذا؟ سأله المرافق، فرد الهندى: لأن تقرير القيادة العامة الذى يعتمد عليه المحجوب قد كتبه مأمون ود عمك عوض أبوزيد، أحد ضباط الاستخبارات العسكرية الضالعين فى التخطيط للإنقلاب. و صدقت معلومات الشريف، وصدقت توقعاته، أما بقية القصة فقد صارت جزءا من التأريخ المعروف. تذكرت هذا وأنا أبدىء وأعيد فى نوعية وصدقية المصادر التى يستمد منها د.أمين معلوماته عن بعض الوقائع الأمنية، حتى علمت أنه حينما كان يعمل فى القصر مستشارا كانت من ضمن مهامه أن يلخص بعض التقارير؛ يقول:«وقد كنت أكلف عندما كنت أعمل بشأن الصحافة والإعلام والمعلومات بالقصر باختصار وتلخيص التقارير أو التحليلات أو التوقعات، ولم يكن ذلك عملا أشتهى أن أكلف به كرة أخرى». فتذكرت قصة السيد المحجوب الذى كان ينفى وجود انقلاب معتمدا على «المعلومات» التى يمده بها الإنقلابيون. يقول د. أمين «كأنه يختصر واحدا من تلك التقارير»: «أما الحديث عن عروض لتسليم الشيخ أسامة للأمريكيين فمحض هراء وادعاء لا يستند على دليل، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تطلب تسليمه، والسودان وجهاز الأمن على وجه الخصوص لم يعرض تسليمه، وما كان لمثل هذا الطلب أن يكون، واستحالة الطلب العرض معلومة لمن يحتفظ بمليجرام من الثقة فى إخوانه...». ونحن نحتفظ بقدر من الثقة فى اخواننا، ونميل لتصديق ما يقوله د.أمين، ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن نغمض أعيننا ونصم آذاننا عما تقوله مصادر أخرى كانت هى أيضا مشاركة فى هذه الأحداث. أنظر مثلا المقال المشترك الذى كتبه السفير الأمريكى الأسبق، تموثى كارنى، ومنصور اعجاز، الأمريكى المسلم ذى الأصول الباكستانية، ونشراه فى صحيفة الواشنطن بوست جاء فيه «والترجمة من عندى»: «اننا نكتب عن تجربة، فأحدنا«تموثى كارنى-دبلوماسى متقاعد» كان سفيرا للولايات المتحدة بالخرطوم، والآخر« منصور اعجاز-مدير مالى» لعبنا دورا غير رسمى يتمثل فى حمل رسائل بين الخرطوم وواشنطن فى أعقاب اخلاء السفارة الأمريكية بالخرطوم«من معظم طاقمها».... « فى فبراير من عام 1996 حاولت الخرطوم أن تتعاون«مع الولايات المتحدة» فى مجال مكافحة الإرهاب، اذ قام العقيد «.....» وزير الدولة بوزارة الدفاع«والذى يعمل الآن سفيرا للسودان بالأمم المتحدة» بزيارة سرية للولايات المتحدة مقترحا مقايضة: تسليم بن لادن الى المملكة السعودية فى مقابل تخفيض المقاطعة السياسية والإقتصادية للسودان، ولكن الرياض رفضت ذلك العرض.." «لاحظ أن هذه الرواية تتعزز بافادة لاحقة للرئيس بيل كلينتون، حيث ذكر« فى معرض اعترافه عن اخفاقاته فى محاربة الإرهاب» بأنه لم يتمكن من اقناع السعوديين بان يستلموا بن لادن من السودان ويضعوه رهن الاعتقال،« صحيفة وشنطن بوست،11مايو 2002». ثم يذكر الكاتبان فى المقال ذاته أن أحدهما «السفير كارنى» قد التقى وزير الخارجية السودانى فى الخرطوم، وأن الأخير قد عرض عليه تسليم بن لادن اذا كانت أمريكا ترغب فى ذلك...وذكرا فى المقال أن «......»من ادارة الأمن الخارجى قد أطلع أحدهما«اعجاز» على معلومات هامة عن مجموعة بن لادن ليقوم بايصالها الى الإدارة الأمريكية. واذا كانت هذه الروايات كاذبة ومختلقة، فلماذا لم تقدم وزارة الخارجية السودانية احتجاجا رسميا عليها، أو تصويبا فوريا لما ورد فيها؟ ويقول د.أمين: "وأنتهز هذه السانحة لأؤكد جازما للأخ التجانى أنه لا الدولة السودانية، ولا أجهزة الأمن السودانية، قد عرضت أو سلمت أيا كان للحكومة الأمريكية أو غيرها، وأتحدى أيا كان أن يسمى شخصا واحدا سلمه السودان للحكومة الأمريكية أو لأى حكومة أوربية أو عربية، والأمر معروض بين يدى الحركات الإسلامية جميعا، بما فى ذلك القاعدة وحركة الجهاد الحليفة لها أن تعلن اسم شخص واحد سلمه السودان أو أجهزة الأمن السودانى». كنت أتوقع من الأخ الصديق د. أمين أن يدعو، بدلا من أن يتحدى، لتكوين لجنة محايدة من أهل الأمانة والكفاءة توكل لها مهمة تقصى الحقائق فى تصرفات الأجهزة الأمنية فى الفترة السابقة، على أن تنشر تقريرها على الجمهور، فمن حق المحكومين أن يعرفوا الحقيقة كاملة عن تصرفات الحاكمين و«انجازاتهم»، وأن يقيموا التجربة، وبهذه الطريقة يكتسب حوارنا هذا قيمة وجدوى تضاف الى تيار الاصلاح. أما «التحدى الأقرع» فلا معنى له لأن د.أمين يعلم أن مثل هذه العمليات السرية الغامضة تعتبر «خطوطا حمراء» عند الأجهزة الأمنية، ولن يتسنى لشخص واحد ممن هم خارج السلطتين:سلطة التنظيم وسلطة الدولة، أن يطلع عليها، مما يفتح المجال واسعا للتخمينات والظنون. ولكن دعنا على أية حال ننظر فى معلومات الأستاذ يسين عمر الإمام، فهو أيضا قد كان من المطلعين على بواطن الأمور.يقول الأستاذ يسين:«صوت الشعب،بعنوان: أخطاء يجب أن تصحح، الحلقة الثالثة» «لقد قام معاونو المخابرات العالمية«فى جهاز الأمن السودانى» بتسليم من استجاروا بالبلاد والمستضعفين فى بلادهم الى حكوماتهم من غير اتفاقيات أمنية توجد بين السودان وتلك الدول؛ طرد التونسيون، وسلموا الليبيين وآخرين للولايات المتحدة ومصر وحتى إرتريا، والشواهد كثيرة ومعروفة ولا داعى لذكر «الجزار». ويذهب السيد يسين عمر بعيدا فى هذا الاتجاه ليؤكد الى «ان نافذين داخل نظام الإنقاذ «لعبوا بذيلهم» ووثقوا علاقة متينة بوكالة الاستخبارات الأمريكية عبر أجهزة مخابرات دولة مجاورة......» وقد يقول قائل ان ما يرد على لسان السيد يسين عمر الإمام و د.الترابى وأمثالهما فى قيادة المؤتمر الشعبى ينبغى أن يتحفظ عليه، فهم يكتبون من موقع الخصومة السياسية الحادة، بل انهم يخوضون معركة مع الطرف الآخر لم تنته بعد.وهذا صحيح، ونحن لا نجاريهم مجاراة تامة فيما يذهبون اليه، ولكن حتى حينما نكتفى بما هو مؤكد من أن الأجهزة الأمنية قد قدمت كل المعلومات المتاحة لديها الى أجهزة المخابرات الأمريكية، فسنجد أن الفرق ليس كبيرا بين أن تقدم معلومات لأجهزة المخابرات الأمريكية والتحقيقات الفيدرالية عن بعض الأشخاص تتضمن أسماء وصورا وخلفيات تعليمية ومهنية، وأن تلقى القبض عليهم بالفعل وتسلمهم لها. والأدهى والأمر من كل هذا أن اسم السودان لم يرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب حتى يومنا هذا، وذلك برغم التفاهمات والتسهيلات والكشوفات التى تبرعت بها أجهزتنا الأمنية. فأين هى المصلحة الكلية«وطنية كانت أو إسلامية» التى تحققت، وما هو الضرر الذى أزيح، اذا كان لنا أن نتكلم بلغة الفقهاء ؟ ألم تضاف الى تهمة الدول الراعية للإرهاب تهم جديدة؟ ألم تضاف الى قائمة المطلوبين للعدالة قائمة جديدة تتضمن بعضا من العناصر التى كانت تقود خط «التفاهمات» مع المخابرات الأمريكية، ألم يصرح بعض من كانوا على رأس جهاز الأمن بأن تحسين العلاقات مع أمريكا ضرب من ضروب الوهم؟ غير أننا لا نستطيع أن نتجاوز مسألة «الوقائع» هذه دون تطرق لحادث الرئيس المصرى، اذ قد رأينا فى المقالة السابقة كيف أن رئاسة الجمهورية لم تكن تعلم بوجود السيد كارلوس فى الخرطوم، وكيف أن د.الترابى، الأمين العام للتنظيم، لم يكن على علم بذلك، بينما كان جهاز الأمن وحده هو الذى كان على علم بوجود كارلوس منذ «أن وطأت قدماه أرض المطار». السؤال التلقائى هنا:هل كان حادث اغتيال الرئيس المصرى« والذى لا يعدو فى رواية د. أمين أن يكون اتهاما بالتستر» هل كان هو كذلك ملفا «محجوبا» عن رئاسة التنظيم ورئاسة الدولة؟ ولنعد مرة أخرى لرواية د.الترابى مع قناة العربية: أحمد: معناه أن الرئيس نفسه كان على دراية؟ د.الترابى: لا، كلا، الرئيس نفسه عينا لم يكن.. أحمد: طب كيف علمت أنت؟ د.الترابى: علمت بعد ذلك، بعد أن وقعت الواقعة. فالدكتور الترابى ينفى مرة أخرى أن يكون هو أو الرئيس البشير على علم بذلك الحادث الغريب. أما السيد يسين عمر فيقول: «والحقيقة ان الأمر «محاولة اغتيال الرئيس المصرى» لم يعرض لا فى اجتماعات القياديين، ولم يسمع به أحد حتى فى كواليس الحركة الاسلامية، وتداولته الدوائر المنفذة والمخططة بمعزل عن القيادا». «2» هذا ما كان من شأن «الوقائع»، الا أن بعضا من خلافنا مع د. أمين ليس فقط حول «الوقائع» التاريخية التى تنفى ما تصوره «اتهامات» موجهة ضد جهاز الأمن القومى، انما هو خلاف يمتد الى «الإطار الفكرى» الذى تولدت فيه تلك الوقائع، أو قل ليس هو خلاف حول التاريخ، وانما هو خلاف حول «الرؤية» والثقافة السياسية التى يستند عليها الأمنيون فى تحركاتهم السياسية والدبلوماسية، والتى يتصورون الأمن بموجبها عاملا مستقلا يؤثر ولا يتأثر. وهناك فرق كبير بين من يرى أن «الأولوية القصوى» فى العلاقات السياسية «الداخلية والخارجية» ينبغى أن تكون للأمن، وبين من يرى أن الإعتبار الأمنى عنصر واحد ضمن «نسيج استراتيجى متكامل»، تتعاظم أهميته أو تتضاءل فى تناغم مع المتغيرات الأخرى التى تتكون منها الإستراتيجية السياسية. فى الرؤية الأولى «والتى يطيل الدكتور أمين فى شرحها» تكاد العملية السياسية كلها أن تندرج فى العامل الأمنى، حيث يكون الاعتبار الأمنى هو «المتغير المستقل» الذى تتحدد فى ضوئه كل المتغيرات الأخرى وتكون تابعة له، مما يعطى الأجهزة الأمنية القدح المعلى ليس فقط فى جمع المعلومات وتحليلها، وانما فى اقتراح السياسات، ووضع المبادرات، واجراء المفاوضات، وتنفيذ العمليات.وسوف لن يكون لوزارات الخارجية والدفاع والداخلية«أو حتى وزارة المالية» دور يذكر فى السياسات العامة للدولة. أما فى الرؤية الثانية التى نحاول التعبير عنها فان الاعتبار الأمنى ليس عاملا ثابتا مستقلا، وانما هو واحد من «المتغيرات» داخل الإستراتيجية السياسية، مما يستلزم وجود عدد من الإدارات والمسارات، كالمسار السياسى والاقتصادى والثقافى، وعدد من الادارات والقيادات التى تجعل تلك المسارات تتحرك جنبا الى جنب مع المسار الأمنى فى تحقيق الإستراتيجية الموحدة. وفى هذه الرؤية لا يمكن أن يعزل عنصر واحد من عناصر الإستراتيجية «كالأمن مثلا» ويعطى «أولوية قصوى» لعشرات السنين، تغدق عليه الموارد البشرية والمادية بالصورة التى نراها، لا يحدث هذا الا فى بعض حالات التنظيمات السرية المغلقة. والذين يقفون هذا الموقف يذكروننا ببعض المتطرفين من أصحاب المدرسة الواقعية فى العلاقات الدولية، والذين يرون أن القوة «العسكرية» هى أهم عنصر من عناصر القوة القومية، وان العناصر الأخرى«مثل الاقتصاد، والدبلوماسية، والمشروعية الأخلاقية» لا تكون لها أهمية الا بقدر تحولها الى قوة عسكرية. ولكأن د.أمين يسحب هذا من المجال العسكرى الى المجال الأمنى، فلا يرى أهمية لعناصر القوة الأخرى الا بقدر جدواها الأمنية المباشرة، ولكنا نعتقد على خلاف الواقعيين أن الدبلوماسية الماهرة قد تجنب البلاد مواجهات عسكرية لا قبل لها بها، وأن النموذج الأخلاقى الناصع قد يجذب جمهورا فى الخارج والداخل تفوق قوته قوة الجيوش والمخابرات. ثم نختتم هذه المحاورة بالتأكيد على أننا حينما أشرنا الى ظاهرة التحالف بين الأمن والقبيلة والسوق لم نكن غافلين عن أهمية صيغ «التحالف»، اذ أن التحالف قد يكون وسيلة سياسية مناسبة وفرت وتوفر الاستقرار لكثير من النظم فى كثير من المجتمعات، ولكن عناصر التحالف فى النظام الاسلامى لا بد أن يكون من بينها عنصر «الفكرة» التى توفر المشروعية، كأن تتحالف مجموعة اسلامية حاكمة مع مجموعات أخرى بأن تجعل مصالحها تتداخل مع مصالح الفئات الإجتماعية الأخرى، وأن يعبر عن هذا التحالف من خلال فكرة أو مبدأ يجد قبولا واسعا فى أوساط الجمهور العريض، أما فى غياب الفكرة فان التحالف لن يعدو أن يكون تحالفا مصلحيا محضا يوفر استمرارا محدودا للمجموعة الحاكمة ولكنه لا يوفر «مشروعية»، فاعتراضنا لم يكن على صيغة التحالف من حيث هو ولكن على «تغييب الفكرة» واحلال التدابير الأمنية مكانها. هذا، ولعل القراء يقدرون أن على الكاتب أحيانا أن يتوقف قبل أن يوقف، وللحديث بقية ولكن بعد حين ان شاء الله.ونشكر الأخ د. أمين فقد أفاد وأجاد.
اخواننا المهلوسون الصحافة 8/4/2007
أحــــاديث فى الخصــــوص لقد أخذت على نفسى أن أكتب فى السياسة، حينما أكتب، بأقصى درجة ممكنة من «الموضوعية». والموضوعية عندى لا تعنى الحياد المطلق، أو التجرد الكامل من الذات، فليس ذلك فى مقدور البشر، وانما تعنى أن يجتهد الكاتب فى البحث عن الحقيقة، وألا ينكر الحقائق التى يثبتها الحس السليم ويشهد بها العقل الراشد، وألا يضيق بالرأي المخالف، وألا يحقر صاحبه، وألا يختلق له «صورة» من عنده ثم يلبسها له قسرا،وأن يبتعد عن المطاعنة والملاعنة وفاحش القول وبذيئه. هذا من حيث المنهج، أما من حيث الهدف فنحن نعمل من أجل تحريك حوار عام وعميق عن أمور مشكلات تتعلق بالتنظيم السياسى والدولة والمجتمع، باعتبار أننا نمر بمرحلة عصيبة فى تاريخ الحركة الإسلامية وفى تاريخ السودان، وباعتبار أنه اذا تم تبادل للأفكار، وتمحيص دقيق للآراء، ومراجعة أمينة للأخطاء، أمكننا أن نستبين الوجهة الصائبة فنسعى نحوها دون صراخ أو تشنج، أو خبط بالأيدى أو دبدبة بالأقدام. وكنا وما نزال نتوقع شغبا من هنا وهناك، ولكننا نحرص على تجنبه، اذ أن أكبر ما يعوق حركة المراجعة والإصلاح، ويقطع عليها الطريق، هو «الأعشاب الضارة» التى تحول الحوار الفكرى الجاد الى شغب وهياج. ثم قرأت شيئا مما كتبه الأخ الصديق الأستاذ عبد الرحمن الزومة فى عموده اليومى بصحيفة «السودانى»، فوجدته يضيق بالموضوعية التى نلتزمها ويعتبرها سبة، ويسخر من اللقب العلمى «الأنيق» الذى نحمله، ويعتقد أن المقالات التى قمنا بنشرها لا تحتوى على فكر وانما هى ضرب من الدعاية السوداء والعمالة الرخيصة. ثم وجدته قد صمم لشخصى الضعيف «سيرة» ذاتية كاملة، «اكتشفت» فيها أننى أعيش فى أمريكا، ليس كما يعيش عامة الناس وانما أعيش فى «مأزق»، وانهم هناك «أقصد الأمريكيين الملعونين» يطلبون منى ومن أمثالى أن نتخلى عن مسلماتنا، وأن ندفع «ثمنا مذلا ومهينا»، «يتمثل فى بعض الأمور الإجتماعية الخاصة بتربية الأولاد و«البنات»»؛ وأنهم، قاتلهم الله، يطلبون منا «فاتورة» أخرى ستتعلق باعلان البراءة من المشروع الاسلامى». ثم يؤكد الأستاذ الزومة، وقد بلغت هلوسة «الفاتورة» مداها أن: «الذين يعيشون فى أمريكا ومن بينهم بالطبع التجانى عليهم دفع هذه «الفاتورة» شاءوا أم أبوا»، ولكنه يعود ويضع لنا خيارا فيقول: «طبعا هناك حل آخر وهو العودة الى ديار الإسلام «أى الخرطوم/مدينة الرياض، حيث يقيم الزهاد من أهل الصفة»، ثم يستدرك: «ولكنه حل صعب لمن «افتتن» بالحياة فى أمريكا»؛ ويختتم مقالته بلغة الخبير النفسانى: «هؤلاء الأخوة لا يقبلون هذا التحليل« مثلنا طبعا مثل كل المرضى النفسانيين»، ولكن الواحد منهم عندما يضع رأسه على مخدته ليلا، فان أكثر ما يبعد عنه النوم هو هذا «الثمن» المهين الذى عليه أن يدفعه مقابل تلك الحياة الفانية فى أمريكا»؛ وهكذا، فنحن عند الأستاذ الزومة لسنا مجرد عملاء وانما نحن مرضى نفسيا، وهو يراقبنا فى غبطة وسعادة ونحن نأخذ الثمن المهين، ثم يراقبنا ونحن نضع رؤوسنا على مخداتنا بالليل وقد أرهقنا السهاد. قرأت هذا فقلت لنفسى: أليست هذه هلوسة؟ فالمهلوس لغة هو الذى يصنع صورة مقلوبة للواقع، ثم يدخل معها فى مناطحة، مستخدما كل ما يقع على يده من أسلحة الدمار الشامل، فاذا استيقظ على لكزة من صديق،أدرك أنه كان فى معركة وهمية مع «صور» لا علاقة لها بالواقع. ان صديقنا الزومة رجل «ملتزم»، قضى نحو عقدين من الزمان مغتربا فى السعودية، يحج ويعتمر ويحسن أحواله المعيشية على مقربة من البيت الحرام، فى وقت كان معظم أعضاء الحركة الإسلامية فى السودان يمرون بأحلك الظروف، ما بين معتقل ومشرد ومطارد، حتى اذا عبرت الحركة الاسلامية من حالة الإستضعاف الى حالة «الإنقاذ» عاد الأخ الزومة من السعودية لينفض الغبار عن «أسلحته» القديمة ليدافع عن المشروع الإسلامى ضد أمثالنا من «المارينز السودانيين» الذين يذمون الحركة الاسلامية ويشوشون عليها. غير أن النقطة الأساسية التى بنى عليها كل هذه المعركة الهائلة، والاتهامات المهولة هى أننى أعيش فى أمريكا، وأن القراء يشترون مقالاتى لا لشىء الا لأنى أكتب من أمريكا. وهى نقطة غير صحيحة البتة، ولا أظنه يقصد الكذب، ولكن لعله لم يسمع بأنى قد غادرت الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة، طائعا مختارا، وأنى أقيم الآن فى أحدى الدول الإسلامية«كما كان هو يفعل»، وأكتب منها هذه المقالات، وليس على أن أتخلى عن معتقداتى أو أساوم فى تربية أولادى و«بناتى» كما تصور ونشر على الناس. ولكن هب أنى مقيم فى أمريكا، فمن أين أتى بهذه الصورة «الكاذبة» عن المسلمين هناك؟ صورة المسلمين الذين تحولوا الى خونة وعملاء ومنافقين؟ واذا كانت هذه الصورة صحيحة فلماذا يحدثنا فى أحد أعمدته «28/2/7» وفى فرحة غامرة عن مخاطبة الرئيس البشير عبر الاقمار الصناعية جمهور المصلين فى مسجد ديترويت بولاية متشيجان الأمريكية عقب صلاة الجمعة، ويعتبر ذلك «أمرا مهما وتطورا غير مسبوق فى المسيرة السياسية والإقتصادية والفكرية فى السودان» ثم يبشرنا بميلاد محور جديد هو محور الخرطوم ديترويت «هلوسة..هلوسة»، ولكن السؤال هنا: لماذا تقيم حكومة الإنقاذ محورا مع المسلمين العملاء الذين أعلنوا البراءة من الإسلام وقبضوا «الثمن» من الحكومة الأمريكية؟ ثم قلت لنفسى مرة أخرى لعل هذه حالة واحدة من حالات الهلوسة النادرة، والنادر لا حكم، فلماذا لا نتمهل لنقرأ جزءا آخر من أعمدته الخمسين التى تثبتها الصحيفة على الإرشيف.وقمت بالفعل بقراءة سريعة فى مقالاته السابقة، فتوقفت عند مقال له يعرض فيه رسالة من أحد القراء الذين وصفوه بأنه «من المنافحين عن الإنقاذ بينما كثير من الإعلاميين الذين دربتهم الحركة الإسلامية انحنوا للهجمة الشرسة التى تقودها اقلام «المارينز السودانيين»؛ ويعلق الزومة على ذلك قائلا:ولم يوضح من يقصد بهؤلاء المارينز غير أننى عرفتهم، مؤكدا أنه قد بدأ الدفاع عن هذا المشروع الاسلامى فى وقت كان بعض هؤلاء المارينز أطفالا لا يحسنون الحديث، ويلبسون «العراريق» المثقوبة فى بعض الأصقاع السودانية النائية،«ولك أن تلاحظ عبارة «أصحاب العراريق المثقوبة» ثم عبارة الأصقاع النائية، وما فيهما من ايحاء طبقى بغيض بأن السيد الكاتب ينحدر من طبقة اجتماعية لا يلبس أطفالها «العراريق المثقوبة»، أما من يخالفونه الرأي فقد كانوا فى طفولتهم من المشردين، أنصاف العراة، من أبناء الأصقاع«وليس الأقاليم أو الولايات» النائية. وقد لا يدرك القارىء أن عبارة «الإعلاميين الذين دربتهم الحركة الإسلامية ثم انحنوا للهجمة الشرسة وصاروا مارينز سودانيين» هى تعريض ببعض الأفراد الذين بعثتهم الحركة الإسلامية فى أواسط الثمانينات من القرن الماضى ليكملوا دراساتهم العليا فى الولايات المتحدة، ولكنى لم أكن منهم كما يتوهم الكاتب، اذ أننى تلقيت دراساتى كلها، ما دون الجامعة وما فوقها، على حساب الشعب السودانى الأبى، الذى لا يتبع صدقاته منا ولا أذى، وبالتالى فليس هناك «فاتورة» يجب على سدادها،كما يتوهم الكاتب الصديق.أما أولئك الأشخاص الذين يعرض بهم ويسخر منهم فلا نعرف عنهم الا خيرا، وأغلبهم يوجد الآن على مقربة منه فى حكومة الإنقاذ، يدافعون عنها بأحسن مما يفعل. على أننا لم نفرغ بعد من الحديث عن الاشارة الى أصحاب «العراريق المثقوبة» و «الأقاليم النائية»، اذ أنها ليست مجرد اشارة عابرة بقدر ما هى مفهوم يتكرر فى كتابات الأستاذ الزومة، فهو مثلا حينما يريد أن ينال من مثلنا من «الإسلاميين الذين يعيشون تحت وهم الموضوعية واختاروا الإقامة فى بلاد الغرب» لا ينتقد أفكارنا، أو مناهجنا فى البحث والتحليل، أو أدلتنا، وانما يمتن علينا بالمشروع الإسلامى «الذى رفع من قدرنا وأعطانا ما لم نكن نحلم به وبعث بنا الى بلاد الأفرنج...الخ.»؛ أى أنه يعود مرة أخرى ليخلع علينا الصورة ذاتها: صورة اللقطاء والمشردين«أصحاب العراريق المثقوبة من أبناء الأصقاع النائية»، ثم ليذكرنا بأن «المشروع الإسلامى» هو الذى رفع من قدرنا،«والمقصود بالمشروع الاسلامى فى هذا السياق ليس الاسلام ذاته، اذ أننا كنا مسلمين والحمد لله قبل الدخول فى الحركة الاسلامية، ولكن المقصود هو النخبة المباركة التى يتقدمها الأستاذ الكاتب أو يتوسطها «من أصحاب العراريق غير المثقوبة ومن أبناء «الأقاليم» غير النائية». على أن الذى يحيرنى هو هذا «النمط» من الخطاب «الصراعى- الخارجى»، والذى يتصور أصحابه أن كل مشاكل الحركة الاسلامية تأتى من «الخارج»، والخارج عندهم يبدأ بالشيوعيين، الأموات منهم والأحياء، ثم القوميين «على غير تمييز بينهم»، ثم اسرائيل وأمريكا، ثم مجلس الأمن وإبليس.وأن أى ناقد أو دارس للحركة الأسلامية «أو حتى لحكومة الإنقاذ» لابد أن يكون واحدا من هؤلاء«الأنجاس المناكيد»، أو أن لم يكن منهم فهو على صلة بهم، وأن تلك الصلة لا يمكن أن تكون صلة فكر أو منهج وانما هى دائما صلة «عمالة» مدفوعة الثمن، أيا كان ذلك الثمن، ولذلك فان ما يكتبه هؤلاء ليس فكرا يستحق القراءة والنقد وانما هو مجرد تشويه للحركة الاسلامية يقوم به «عدو لدود» تجب محاربته، و«فقع» مرارته، و«هرد» أحشاءه، و«فرم» كبده كما ورد فى الميثاق الصحافى الجديد الذى أعلنه السيد الزومة«19/2/07».هذا الأسلوب الهوسى/التشنجى كنا نحسبه قد أنقرض، خاصة بعد أن انتهت الحرب الباردة، وسقط الاتحاد السوفيتى، وتبعثرت منظومة الدول الشيوعية، وما سبق ذلك ولحقه من تصدع للحركات الناصرية والبعثية، وكنا نمنى أنفسنا بأن الحركة الإسلامية قد تجاوزت مراحل الطفولة السياسية، فاذا بالأسلوب القديم يطفح مرة أخرى، فلا ندرى هل هذا جزء من استراتيجية اعلامية جديدة، تقوم على «هرد» الأحشاء و«فرم» الأكباد كما يبشرنا الأستاذ الزومة، أم هى مجرد «اجتهادات» منه.أما ما نعلمه يقينا فهو ان مشاكل الحركة الإسلامية توجد فى «داخلها»، وأن بداية الإصلاح تكون بمواجهة الذات والإنتصار عليها قبل مواجهة الخارج. «أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم، ان الله على كل شىء قدير» «آل عمران:165».صدق الله العظيم.
05-06-2007, 06:30 AM
البحيراوي
البحيراوي
تاريخ التسجيل: 08-17-2002
مجموع المشاركات: 5763
يبدو أن الأمر قد تعدي الهمز واللمز الي المواجهة الصريحة والحشاش يملأ شبكتو . لكن الأهم هو أين يحش هذاالحشاش ؟؟ أليس من الأجدر أن يذهبوا بعيدأً عنّا من بعد أن يقدموا لمحاسبة يكون هم الشهداء عليها؟؟
بحيراوي
ارسل المؤتمر الشعبي في الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من قيادته لولاية شمال كردفان رسالة للحكومة والمؤتمر الوطني مفادها أن معركة التغيير بدأت وكشف المؤتمر الشعبي خلال الزيارة امتلاكه لترسانة من المعلومات التي يمكن باطلاقها ادخال عدد من رموز الحكومة السودانية في مشكلات سواء أكان مع المجتمع الدولي أو مع الشعب السوداني.
اتهم الترابي طه بالمشاركة في محاولة اغتيال رئيس دولة عربية مجاورة وقال إن علي انفق من خزينة الحركة الإسلامية ما يزيد عن 1.5 مليون دولار في تدريب مجموعة من الإسلاميين والإعداد لهذه العملية.
نفى الترابي أن يكون قد تعرف على رئيس الجمهورية عمر البشير قبل انقلاب الإنقاذ وقال أنا لم أعرفه إلا يوم الأربعاء الذي سبق انقلاب الإنقاذ بالجمعة.
أوضح الشعبي أنه جاء إلى كردفان مصادماً بعد أن أقام عدداً من المؤتمرات القاعدية بنهر النيل والقضارف وجنوب دارفور، كشفت توق المواطنين لمن يعارض بصورة فاعلة.
توجيه الاتهامات
كان الهدف الواضح لكل الندوات التي اقامها الشعبي وتحدث فيها عدد من قياداته على رأسهم الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن عبدالله الترابي توجيه الاتهامات الواضحة لجهاز الأمن ولعدد من المتنفذين في المؤتمر الوطني بالمشاركة في عدد من الأحداث التي كان أهمها محاولة اغتيال الزعيم العربي الفاشلة بأثيوبيا والتي وجه فيها الاتهام صراحة لنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ورئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاح عبدالله قوش إلى جانب اتهام عدد من أفراد جهاز الأمن باغتيال عضوية المؤتمر الشعبي بعد المفاصلة الشهيرة والتركيز على محور الفساد كأحد الأسلحة في وجه المؤتمر الوطني، وشاركت رموز الشعبي في الندوات والليالي السياسية التي انتظمت عدداً من مدن ولاية شمال كردفان (الأبيض، بارا، النهود، أم روابة، والخوي) وفتح فيها المتحدثون عدداً من الملفات في اشارة واضحة لبدء مرحلة جديدة من الحرب بين الشعبي والنظام، وكان ابرز ما ذكره الترابي في هذه الندوة تفسيره لموقف نائب رئيس الجمهورية علي عثمان من المؤتمر الشعبي وقال (علي ربيناه في البيت وزوجناه في البيت ورقيناه سنة بعد سنة وجاء بعدها وانقلب علينا)، وأضاف أن نوح عليه السلام ربى ابنه بضع مئات من السنين ونوح نبي ثم لم يركب ابنه معه السفينة وعصاه، مؤكداً أنها اقدار الله واتهم الترابي طه بالمشاركة في محاولة اغتيال رئيس دولة عربية مجاورة وقال إن علي انفق من خزينة الحركة الإسلامية ما يزيد عن 1.5 مليون دولار في تدريب مجموعة من الإسلاميين والاعداد لهذه العملية وذهب الناس واجتهدوا لكنهم لم ينجحوا وقالوا لم نكن نعرف أنه يركب عربة مصفحة، وقد أُلقى القبض على بعض اخوانهم وقرر كبراء الأمن في السودان أنهم سيقتلونهم، وفعلاً قتلوا كل من اشترك في هذه العملية، واستمر المؤتمر الشعبي في التركيز على الملف الأمني.
تحاشى الفتاوى دينية
ونفى الترابي أن يكون قد تعرف على رئيس الجمهورية عمر البشير قبل انقلاب الانقاذ وقال أنا لم أعرفه إلا يوم الأربعاء الذي سبق انقلاب الانقاذ بالجمعة، مضيفاً أن نميري (كان أقرب لنا من العسكري الحالي)، واستمر الترابي في مهاجمة الحكومة التي وصفها بـ(القبلية المنكرة) واعتبر ما تم في طريق الانقاذ القاري ظلماً لأهل دارفور، وقال إن لجنة الطريق التنفيذية لم يكن يرأسها القيادي بالمؤتمر الشعبي علي الحاج ولكنه علي آخر، وطالب باكمال الطريق على نفقة الحكومة المركزية مضيفاً أن عدد سكان دارفور يبلغ اضعاف سكان الشمالية البالغين 1.5 مليون نسمة ومع ذلك اقامت الحكومة لهم طريقين في اشارة لطريق التحدي وشريان الشمال، وتحاشى الترابي في لقاءاته الجماهيرية الدخول في فتاوى دينية تثير أي جدل ولكنه اكد حديثه حول حق المرتد في أن يعتنق الدين الذي يريد مشيراً إلى عدم قتل المرتد بل مناقشته بالحسنى.
وقال الترابي إن اجماع الأمة على تفسير النص ملزمة موضحاً أن الشورى ملزمة وقال إن الديمقراطية مبنية على العقد الاجتماعي.
واصفاً الوضع الذي يعيشه السودانيون بأنهم أصبحوا مثل الأطفال الذين يستدعيهم حكام العالم من حولهم للمصالحة فيما بينهم وأضاف أن الوظائف العامة تعطى للقرابة والكبير يبني عشرات العمارات لأهله جهاراً نهاراً، وكشف الترابي أن عدداً من الإسلاميين جاءوا من الخارج ودفعوا عشرات الملايين من الدولارات لدعم المشروع الإسلامي في السودان ولكن كان جزاؤهم أن يبلغ عنهم وتصادر أموالهم.
ممارسات الحكومة
وذكر الترابي أن النذر والمخاطر تجمعت بأن يتمزق السودان كما تمزقت يوغسلافيا سابقاً مرجعاً السبب إلى عدم العدالة، وحتى القضاة أصبحوا لا صلة لهم والأمر يأتيهم من اولي الامر فلا يستطيعون إلا تنفيذه، وقال الترابي إن السودان قد ذل بسبب ممارسات الحكومة وأضاف أن المعاملة التي لقيها اسوأ من المعاملة التي لقيها عندما كان الشيوعيون يحكمون.
وطرح الترابي ايجاد معادلة جديدة مرضية لقيام الثورات في السودان مؤكداً أن الأحزاب أخذت عظة كاملة من حكم الانقاذ، وكشف أن الأمر هذه المرة يختلف عن أكتوبر وقال (المرة دي دايرة ليها ناس عندهم رشد حتى لا ينتقص السودان من اطرافه).
التحدي واثبات الذات
وأوضح الشعبي أنه جاء إلى كردفان مصادماً بعد أن أقام عدداً من المؤتمرات القاعدية بنهر النيل والقضارف وجنوب دارفور، كشفت توق المواطنين لمن يعارض بصورة فاعلة، فبعد أن بحث في القضارف عن مؤيدين، وفي نهر النيل عن أرضية للاستقطاب وفي جنوب دارفور عن التحدي واثبات الذات جاء الحزب بثقله إلى كردفان بنية مصادمة النظام لذلك ركز المتحدثون من قيادة المؤتمر الشعبي على الهجوم على النظام متخذين الملف الأمني ومشكلة دارفور اضافة لتردي الأوضاع والفساد العام إضافة إلى محاولة احياء المشروع الحضاري بفضح من تآمر على قتله على حد قول مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي والذي كشف أن تعيينه في السابق كوالٍ لولاية شمال كردفان كان بغرض التفريق بينه والترابي بغرض الانفراد بالأخير وازالته من موقع القرار وهاجم السنوسي قيادات الأمن ووعد باستمرار المعركة معهم وأضاف نحن لا نحتاج لحراستهم مؤكداً أن أحد اسباب اختلاف الشعبي مع المؤتمر الوطني والتي وصفها بـ(الهمباتة) هو المحور الأمني والذي كانوا يضيقون به على المواطن وأضاف أن الأحزاب السودانية وصلت إلى قناعة ألا يحكمها عسكري مرة أخرى وكل من يقود انقلاباً فستنقلب عليه جميع الأحزاب، وقال السنوسي إن النظام الحاكم أصابه الغرور الشديد والذي سيؤدي إلى تحطيمه واتخذ من قضية المطلوبين بلاهاي برهاناً فقال: لاهاي جات كان سلموا المطلوبين خازوق ولو ما سلموهم برضو خازوق ولو حاكموهم برضو خازوق.
فساد في دواوين الحكومة
وانتقد السنوسي تعيين ولاة لا علاقة لهم بالولايات التي يحكمونها، وكشف القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر أن عدداً من كوادر الشعبي والذين اتهموا بالمحاولة الانقلابية الثانية (شمس الدين إدريس وأبوالريش وآخرين) تم اغتيالهم بواسطة جهاز الأمن مؤكداً أن الشعبي قام بمحاولة لتحريك إجراءات جنائية ضد قادة جهاز الأمن وقام باخطار نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة لكن البلاغ تم حفظه وأضاف أن الشعبي يتحدث عن أزمة في الأخلاق والقيم والأمانة والوفاء بالعهد، وهو ما دعا الآخرين للاختلاف معهم مضيفاً أن السبب في الفساد هو وضع القوانين الذي وصفه بـ(السئ) مضيفاً أن تعطل عمل نيابة الثراء الحرام هو ما دفع بالفساد في دواوين الحكومة ليبلغ هذا الحد الكبير.
شمال كردفان: محمد علي يوسف
05-08-2007, 04:47 AM
الكيك
الكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172
الترابي : سبع سنوات علي الانشقاق .. ما المحصلة ؟! يوم الانقسام كانت بيده اكثر من عصا اهمها عصا الكاريزما والقيادة التاريخية اين ذلك كله وحزبه في انتخابات الجامعة الاخيرة لم يكن له وجود ملموس او محسوس ؟! موسي يعقوب سبع سنوات علي الانشقاق: ما المحصلة ..؟! في آخر تسعينات الالفية الثانية كانت «مذكرة العشرة» وبداية الضيق والتبرم بصلاحيات الشيخ الترابي الواسعة في الحركة والدولة والتي تلتها من بعد صور مختلفة من صور التنازع في شتي المستويات لاسيما وان الشيخ كان يحمل في يده اكثر من عصا أهمها بتقديرنا عصا التشريع حيث كان رئيساً للمجلس الوطني وعصا السياسة حيث كان اميناً عاماً للحزب الحاكم «المؤتمر الوطنى». ثم عصا الحركة التي كان امينها العام منذ وقت بعيد . وفوق ذلك - كما هو معلوم - كانت له شهرته وسمعته الداخلية والخارجية. وبعد ذلك كانت له مجموعته وحلقته الخاصة داخل الحركة والحزب. وذلك كله بين يدي الرجل لم يكن ليتصور او يتصور غيره ان الحال سينتهي الي ما انتهي اليه اليوم بعد اكثر من سبع سنوات كانت قد بدأت بقرارات الرابع من رمضان - 12 ديسمبر - كانون أول 1999م حيث فقد الشيخ الترابي كل صلاحياته الدستورية والسياسية والخاصة بادارة الدولة وهو ما كان يعتبره « فرقعة اعلامية» لاغير . وتأسيساً عليه كان قد توجه صباح اليوم التالي مباشرة الي مبني البرلمان - مقر عمله . ولكنه وجد الابواب مغلقة ورد علي اعقابه . وكانت تلك الاشارة الأولي لدي الشيخ الترابي والمراقب معاً أن في الأمر جديد . ومادامت عصا التشريع قد ذهبت فان العصي الاخري ستذهب تباعاً وربما زادت الايام والظروف عليها ان الرجل سينزل بحقه من الترتيبات والاجراءات كل ما كان ينزل بحق المعارض عندما كان الشيخ في سدة السلطة..! الكثيرون من السياسيين السيد الصادق المهدي وغيره قبل خروجه في العملية ( تهتدون) كانوا يترددون علي المعتقل والاقامة الجبرية . وكان اولئك من امثال الاستاذ محمد ابراهيم نقد يلوذون بباطن الارض كما عرف في ادبهم ..! الشيخ الترابي بعد ( تفاهم جنيف) بين فصيله (المؤتمر الشعبي) والحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM بجيشها الشعبي SPLA في فبراير - شباط 2001م كان قد عقد مؤتمرا صحفياً اعلن فيه بنود التفاهم واورد من الاشارات ما انتهي به الي اعتقاله وتحديد اقامته في غير داره . وما تلي ذلك كله عبر ما خلي من سنوات كان معروفاً حتي وصول المؤتمر الشعبي الي المرحلة الاخيرة التي مارس فيها نشاطه بحرية واصبحت له صحيفة ناطقة باسمه هي (رأى الشعب). واذا كانت السلطة ( ظل ضحي) كما يقولون فقد فقدها الشيخ منذ قرارات الرابع من رمضان الشهيرة المشار اليها التي وضعت حداً للعلاقة بينه وبين تلاميذه ورفاق دربه عبر السنين . ولكن يبقي ماهو اهم من السلطة بتقدير المراقب وليس الشيخ الترابي بطبيعة الحال . وهو رصيد الرجل وتاريخه الدعوي والسياسي وتأثيره في الحياة العامة بشكل عام . وهذا كله مالا يستطيع الواحد منا ان يفتي فيه بكلمة جامعة مانعة ولكن ثمة اشارات وعلامات تدل علي أن الدكتور الترابي خسر بأكثر مما ربح وفقد بأكثر مما حصّل او اتيح له . ذلك انه داخلياً : اولاً: فقد أقرب رفقاء دربه اليه وهو يبني الحركة والحزب ثم من بعد الدولة والاسماء هنا أشهر من ان يشار اليها. ثانياً: وحتي اولئك الذين خطوا معه خطوات علي الطريق وهو يدخل في حالة الانشقاق كالراحل موسي حسين ضرار ومحمد الحسن الامين وبدرالدين طه وغيرهم تركوه . ثالثاً : ثم جاءت فتاواه واجتهاداته الاخيرة لتزيد عليه الطين بله وتزعزع ثقة الكثيرين به فضلاً عن حدته وتطرفه في طرحه السياسي بصورة غير مسبوقة . اما خارجياً فان وفود الوسطاء من الحادبين والحريصين وكانت قد اجتمعت وانفضت في الخرطوم ولم تصل معه علي شئ في الجمع والتوافق بين الاطراف انتهت الي النأي بنفسها عن ذلك الموضوع مبقية علي صلتها بالاخرين . ومرة أخري كان لاجتهاداته وفتاواه الاخيرة في الخارج ما كان لها في الداخل . فنقص ذلك من سمعته الخارجية بعد ان كان ينظر اليه عند الكثيرين كرائد ومرجع - ان صح التعبير. علي أن ماهو أكثر اهمية هنا عند المراقب والدارس هو ان افراد الحركة الاسلامية وكادرها الذي لم يكن متأثرا او منجراً في الماضي نحو القيادات ذات الكاريزما والشخوص وبعضهم قد انشق علي الحركة الاسلامية او خرج عليها لم يجر رجليه علي طريق الشيخ وانما غلّب (الدولة) علي الكاريزما والقيادة التاريخية . ومن ثم لم يتأثر النظام الحاكم بخروج الترابي منه وعليه بل تعضد بجملة تطورات وامور استجدت منها. 1) انضمام بعض الاحزاب والشخصيات المعارضة اليه .. 2) تحقق السلام في جنوب السودان علي غير ما اشتهي الدكتور الترابي وعوّل في ( تفاهم جنيف) المشار اليه وكان من بعد اتفاق القاهرة مع التجمع الذي انضم الي مؤسسات حكومة الوحدة الوطنية. وعليه لم يترك ذلك للشيخ سوي مساحة صغيرة للتلافي الحرج مع اعداء الامس شركاء اليوم او تجمع دار الامة الذي يضم بشكل اكبر المؤتمر الشعبي الي حزب الامة والحزب الشيوعي السوداني وبعض التيارات الصغيرة .. العلاقة التي اندرج فيها الشعبي علي استحياء الي الدرجة التي تصبح فيها بعض مواقفه غير مفهومة او معلومة بالكامل لقاعدته الحزبية وللمراقب معاً. والاشارة هنا الي انتخابات الطلاب في الجامعات ومنها انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الاخيرة التي لم يسمع فيها صوت لطلاب المؤتمر الشعبي في حين ان الاخرين كطلاب حزب الامة وطلاب البعث كان صوتهم الاعلي في الشكوي من نقض العهود والمواثيق ومبادئ الشراكة مما يشي بان في الامر شئ أو سر مفاده: { ان طلاب الشعبي لم يصوتوا للقائمة الفائزة بقيادة الشيوعيين { او ان بعضهم صوّت علي استحياء والبعض امتنع والبعض الاخر شق عصا الطاعة وصوت للمؤتمر الوطني .. او جماعة الشيخ ابوزيد وهذا التكهن او الاستنتاج يشبه الي حد كبير مواقف الشباب في هيئات الشوري واجتماعات الهيئة القيادية او المؤتمرات . فالكثيرون غير راضين عن اطروحات امين عام الحزب والبعض سبق له ان نادي بأن يتنازل الشيخ عن موقع الامين العام والبعض نادي بأن يكفكف من التدخل في الصغيرة والكبيرة حتي بدأ الأمر وكأنه (مذكرة عشرة) جديدة.. بل ان الشيخ نفسه وقد تعالت « الهمهمات والغمغمات» صرح بأنه لا يرغب بالتجديد له اميناً لفترة اخري في المؤتمر العام القادم . لقد صدر ذلك التصريح بعد اخر هيئة شوري لحزب المؤتمر الشعبي او اخر مؤتمر لولاية الخرطوم انقسم فيه الحاضرون بازاء القرار الخاص بالقبول بقوات اممية في دارفور . علي ان الشيخ - فيما يبدو وبعيدا عن اجهزة الحزب كما صرح اكثر من مرة لايبالي من الدخول في تحالف همه وغياته النهائية القضاء علي نظام الحكم القائم والذي السيطرة فيه للمؤتمر الوطنى . ومن ثم فهو - أى الشيخ - في جولاته الاخيرة في الولايات خرج عن المألوف والمعروف في أدب الخلاف السياسي فكال الاتهامات للنظام الحاكم ورموزه علي نحو يضر بالمصلحة العامة والامن القومي بل يعتبر من المسكوت عنه في الاداب والتقاليد التي تحكم سلوك من سبق لهم ان تولوا المسؤولية العامة .. ولاسيما في مستوياتها العليا التي تتيح لاصحابها الالمام بحقائق واسرار ليس من المسئولية ان يلقي بها علي قارعة الطريق .. كالذي صدع به الشيخ وصرح في لقاءاته السياسية الاخيرة التي قالت بعض الصحف انها اعملت فيها قلم التحرير لتخرج في حدود المعقول. لقد درج الشيخ الترابي في احاديثه ومؤتمراته الصحافية علي أن يصوب سهامه ورماحه نحو رموز الحكم باسمائهم كفلان .. وفلان وفلان ولكن احداً من هؤلاء واعني هنا تحديداً الشيخ علي عثمان الذي كثيراً ما وجه الاتهامات اليه لم يبادلوه مثل ذلك الشئ مما رفع من قدرهم في نظر الكثيرين وكان خصماً علي الشيخ لاريب .. فهو بسنه ومكانته التاريخية أولي بألا يصدر عنه ما يقدح في سيرته وينتقص من قدره . ان المحصلة وخلاصة القول في هذا الشأن - شأن الانقسام في الحركة والحزب والدولة - يبدوان لمن راقب التطورات انهما لغير صالح الشيخ الترابي ولغير ما توقع وظن اذ مر ما يقارب السبع سنوات من الوقت ومسيرة الحركة والدولة لم تتأثر كثيرا رغم فقدانها بعض الكوادر بطبيعة الحال كالسادة عبدالله حسن احمد ومحمد الامين خليفه واحمد الطاهر حمدون والحاج آدم وغيرهم من الاخوة والاخوات ممن كان لهم اثرهم ودفعهم الملحوظ - تقبل الله منهم . علي أننا لن نعرف حجم ذلك وكمه وكيفه تماماً الا بعد الانتخابات العامة المزمعه ان مضي الحال علي حاله ولم يكرر المؤتمر الشعبي بحركته في انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الاخيرة التي فقد فيها المراقب الطريق والأثر لوجود ذلك الكيان في المجتمعات الطالبية وبالضرورة مجتمعات النخبة بشكل أكبر . ولعل اجتهاد الشيخ مؤخراً في مخاطبة الجهويات والقبليات ودعوة الكيانات الحزبية من كل قبيل وطيف للتجمع ضد حكومة المؤتمر الوطني والاجهاز عليها هو الحل والملجأ الاخير عنده حتي لا ينكشف أمره فالسبيل الي الخروج عنده هو ( علىّ وعلي اعدائى) فليذهب كل شئ ويبقي الانتصار للذات الفانية
عن اخبار اليوم
05-14-2007, 10:16 AM
الكيك
الكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172
العدد رقم: 540 2007-05-14 السودانى بين قوسين الفريق الدكتور كمال عمر وأشياء أخرى
عبد الرحمن الزومة كُتب في: 2007-05-10
(*) الأخ الفريق كمال عمر خدم الوطن فى أشرف الميادين وهو سلك الشرطة وتدرج حتى وصل الى رتبة (الفريق) و لقد عمل كالعديد من ضباط الشرطة فى معظم الأقسام وكذلك تنقل فى معظم مناطق السودان مما أكسبه خبرة ثرة خاصة فى مجال مكافحة المخدرات وهو المجال الذى اهتم به وميز سجله العسكرى بميزة خاصة تعتمد على الدراسة والبحث طيلة عمله بالشرطة وعندما غادر سلك الشرطة بعد تلك الرحلة الفريدة من العطاء المتميز لم يركن الى (الراحة) ويقضى وقته من (ضل ضحى) الى ضل عصر يجتر ذكرياته فى مرارة ويأس كما يفعل كثير من المتقاعدين بل شمر عن ساعد الجد وقرر أن يواصل الحياة فى ميدان آخر لكى يضرب المثل ويقدم النموذج العملى أن الحياة لا تتوقف وسجل الفريق لنيل درجة الدكتوراه فى نفس المجال وهو مجال مكافحة المخدرات ولقد نال الشهادة المميزة عن جدارة واستحقاق والفريق الدكتور كمال عمر بهذا لا يضرب المثل المشرف للشباب فقط بل يتعدى ذلك الى كل انسان خاصة المتقاعدين مؤكداً للجميع أن الوظيفة ليست نهاية المطاف مثلما أنها لم تكن بدايته. وحتى فى فترة الدراسة لنيل الشهادة الكبيرة فان الأخ (الفريق) كان يقدم عطاءه فى مجال آخر اذ عمل و لايزال مستشاراً لواحدة من أكبر الشركات الوطنية الصناعية والتجارية وهى( مجموعة ايلى) والتى لها مصانع فى مجال الدواء والصمغ العربى الى جانب نشاطاتها التجارية. (*) نشرت صحيفة (آخر لحظة) والمعروفة بدقة معلوماتها خبراً عن زيارة زعيم المؤتمر الشعبى السيد حسن الترابى الأخيرة لشمال كردفان وقالت الصحيفة إن قيادياً بارزاً فى الحزب اتصل بالشيخ محمد على موسى وهو من كبار رجالات كردفان بقرية (أم كرينك) بريفى بارا ليقوم باستقبال الترابى أثناء زيارته للمنطقة وقالت الصحيفة أن الرجل (اعتذر) بلباقة عن القيام بالمهمة متعللاً بأنه متوقف عن القيام بأى نشاط ويبدو و(هذا من تحليلى الخاص) أن القيادى البارز لم يفهم اعتذار الشيخ موسى على حقيقته قالت الصحيفة أن القيادى البارز فى الحزب قال للرجل أن الحزب مستعد لدفع تكلفة الزيارة و (خمسة وعشرين مليون كويس)؟! هنا يبدو أن الشيخ الجليل موسى لقن القيادى (الشعبى) درساً فى أخلاق أهل السودان فى أدبيات الكرم واستقبال (الضيف) وقال له انه اذا أراد استقبال أحد فانما سيفعل ذلك من جيبه الخاص. طبعاً ان أنسب تعليق هنا هو (لا تعليق) غير أن الانسان لا يملك الا أن يقول (سبحان الله) وتقدس وجه الله الذى يغير ولا يتغير. الترابى الذى كان زوار السودان من الدبلوماسيين والقادة يزورونه قبل زيارة رئيس الجمهورية أصبح الناس فى (أصقاع) كردفان يتهربون من مجرد استقباله. (*) السيد الامام الصادق المهدى برع فى أشياء كثيرة من ضمنها ولعه بتقديم الوصفات السياسية مشفوعة بالأرقام وأذكر أنه بعد (الانتفاضة) قال ان على الجبهة الاسلامية أن تغتسل سبع مرات (آخرها) بالتراب حتى يغفر لها. ثم استمر فى ممارسة هذه الهواية فمرة هنالك ثلاث أزمات تواجه الانقاذ ومرة على الحكومة أن تتخذ اربع خطوات للخروج من (أزمتها) ولقد كثرت الأرقام وتشابكت علينا لدرجة لم نعد نتابع العدد يا حبذا لو أن السيد الصادق حسب لنا المتوسط. (*) على ذكر السيد الصادق وبما أن الشئ بالشئ يذكر فقد صرحت ابنته الدكتورة مريم وعلى نفس طريقة الوالد فى استخدام لغة الأرقام بأن السودان أصبح رقم (155) فى الفساد (ورابع الطيش) فى صحة الأمومة. أنا أوافق الدكتورة على هذا التصنيف و لن أسألها من أين أتت بهذه الأرقام (هو نحن كنا سألنا أبوها)؟ لكن نطلب منها أن تعطينا ترتيب السودان على عهد أبيها الزاهر
05-27-2007, 04:23 AM
الكيك
الكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172
د.عبد الرحيم عمر محيي الدين لـ(السوداني):لا توجد مؤسسة حزبية اسمها المؤتمر الوطني.. فقط هناك نافذون..السودان تحول إلى جيش من الفاقد السياسي
قصة الحوار
كنا قد اردنا ان يكون الحوار رسالة تذكيرية لمجلس شورى المؤتمر الوطني قبل انعقاده، حيث كان مقررا له يوم الحادي والعشرين من الشهر الجاري، غير انه لم ينعقد ولم تأت افادات بشأن موعد انعقاده. على أية حال يظل الحوار والحديث مع الدكتور عبد الرحيم عمر محيي الدين ذا أهمية خاصة، حيث انه يتحدث بمبضع الجراح وبلغة الخبير والمدرك لبواطن الأمور..
حوار: عادل فضل المولى
لو صبر الترابي على (خيانة) العشرة لأصلح الحزب
الدولة تديرها العقلية الأمنية والقبلية
* لنقف أولاً على التحديات التي ستواجه اجتماعات هيئة الشورى بالمؤتمر الوطني.. ما أبرز هذه التحديات وكيفية العمل على تجاوزها..؟
- السودان في الظرف الحالي يواجه تحديات كبيرة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي.. من الإشارات الى توترات في العلاقات المصرية السودانية، أو الخوف من توترات في العلاقات السودانية الليبية، او الاحتكاكات على الحدود بين السودان وإثيوبيا. وعلى المستوى الدولي ما يزال الأخذ والرد يدور حول جبهة دارفور، وما يترتب على سياسة السودان الخارجية من آثار سالبة.
على المستوى الداخلي... ما تزال نيفاشا تفرز افرازات سالبة، وحتى هذه اللحظة لم ينعم السودانيون في الجنوب أو الشمال بثمار وخيرات نيفاشا، حيث ما يزال الخلاف على أوجه حول البترول او الشركات التي تعمل فيه، مثل الخلاف الدائر بين شركة توتال والنيل الأبيض، أو حول ملف أبيي.. وحتى السلام الذي هلل له السودانيون كثيرا تبين أن المفاوضين (ممثلي الحكومة في نيفاشا) قد خدعوا وكأنهم قد وقعوا على (شيكات على بياض)، إذ تبين انهم قاموا بنقل حرب الجنوب من الأطراف الى قلب العاصمة القومية، حيث أصبحت العاصمة عبارة عن قنبلة موقوتة تنتظر ساعة الصفر، كما خدعتهم القوى الدولية المعروفة بـ(أصدقاء الإيقاد)، الذين شهدوا ووقعوا على الاتفاق وضمنوا نيفاشا، بأنهم سوف يمولون مشروعات اعادة الإعمار (المانحين) لكنهم لم يقدموا شيئاً.
كذلك مورست الخديعة على المفاوض السوداني في ابوجا، حيث كان العهد أن يحاصر كل من لم يوقع على أبوجا، ولكن دُعمت الحركات التي لم توقع على الاتفاق، وحوصرت الحكومة وأصبحت تحاصر يوماً بعد يوم، ورأينا كيف بدأ القسم المغلظ يتحلل، ورأينا الحزم الحقيقية والمتوسطة والثقيلة في طريقها إلى المجئ بالقوات التي أعلنا الوقوف ضدها.
على مستوى الأحزاب السياسية فإن هيئة جمع الصف الوطني (هيئة المشير سوار الذهب) قد خرجت بطموحات وأشياء جميلة لكنها لا تزيد عن كونها أمنيات. ورغم أن المؤتمر الوطني قد سعى كثيراً وحاول أن يلعب على محور الخلافات داخل الأحزاب وأن يستوزر بعضاً منها على حساب الآخر.. لكن أيضاً تشهد الساحة الحزبية السياسية، سواء أكان ذلك في شكل ضغوط أو وساطات خارجية، عودة بعض أحزاب الأمة للتجمع مرة أخرى وربما أحزاب الاتحادي، وربما نشهد تحالفاً والانتخابات على الأبواب، تحالفاً اقليمياً أو جهوياً.
ومجلس الشورى الذي سينعقد يُجابه بتحديات كبيرة على المستوى السياسي والاقتصادي، وعلى المستويات كافة، هذا علاوة على المعاناة التي يعانيها الشعب السوداني الذي يفتقد إلى التعليم المجاني وإلى الصحة والعلاج ويفتقد إلى الأمن، كل هذه التحديات تواجه أعضاء مجلس الشورى.
التحدي الأكبر الذي يواجه المجلس، هو فاعلية مجلس الشورى نفسه: هل هذا المجلس حقيقة فاعل وله القدرة على الحل والعقد؟ أم هو مجلس اعضاؤه اقرب إلى الموظفين؟.. وحتى المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني لم يقم بالدور المنوط به في رسم السياسات وإقرارها ونقضها وتعديلها، خاصة القرارات الكبيرة.
الآن لا يوجد مجلس شورى فاعل بالمعنى. أيضاً سيجتمع مجلس الشورى والحركة الإسلامية تكاد تكون قد غابت عنه كمؤسسة فاعلة لها مرجعيتها وكان لها دور كبير. الآن أصبح الإسلاميون على هامش الحياة السياسية تماماً.. صحيح هناك بعض الإسلاميين كأفراد موجودين على الساحة، لكن الحركة الإسلامية ما كان ينبغي لها أن تتحول لجمعية القرآن الكريم أو جمعية للدعوة الشاملة لو أنها كانت موجودة بمؤسساتها و(جرحها وتعديلها)، لو كانت هي كذلك، لما اجتمع مجلس الشورى في اجتماعاته السابقة بصورة السكوت الجماعي.
أيضاً في هذا الظرف السودانيون يتحدثون عن التوجه القبلي للإنقاذ، نحن نريد لمجلس الشورى أن يقدم احصاءات وأن يجيب على السؤال الذي أصبح متداولاً حتى داخل أروقة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني: لماذا تدير الحكومة والمؤتمر الوطني والأجهزة، ثلاث قبائل فقط من شمال السودان؟ نريد أن نأخذ مثالاً (رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، الشركات).. لماذا قبيلة واحدة ومعها قبيلتان من شمال السودان وباقي قبائل السودان تشكو إلى الله هذا الظلم الفادح وهي تردد قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)؟؟ هذه المسألة ربما تجلب نوعاً من السخط، فلذلك فإن الولاء في هذه الحالة لا يكون ولاء إيمان ولا يكون ولاء مبادئ أو عقيدة، وإنما يكون إما طمعاً أو رهبة. يعني إن كنا نتحدث في السياسة الخارجية ما بين الجزرة والعصا، فإننا نتحدث في السياسة الداخلية ما بين (ذهب المعز وسيفه)؛ اما طامعاً يخشى ان يفقد طموحاته، وإما خائفاً يخشى من السيف المسلط عليه وعلى وظيفته، وهكذا...
*مجلس الشورى بهذا الفهم والواقع هل فقد فاعليته منذ قراراته إبان المؤتمر الشهير لرأب الصدع بين المنشية والقصر (صراع الترابي والبشير).. حيث لم تجد قراراته وتوصياته طريقاً للنفاذ، وحدث بعد ذلك الانشقاق بخروج الترابي وإعلان المؤتمر الشعبي..؟
- لا... حقيقة هذه المجالس والهيئات مجالس ديكورية (فلان يأتي وفلان لا يأتي). هذه مجالس لا تعدو كونها ديكورية تقرر ما هو مقرر، وتمرر ما هو مجاز سلفاً، سواء أكانت تلك المجالس مؤتمرات الشورى أو ما يمسى بالكيان الخاص للحركة الإسلامية.. هذه هياكل تأتي كلها جاهزة للمباركة ويُختار لها الناس. فمثلاً مؤتمر الحركة الإسلامية من يحضره؟!، مديرو الوزارات ورؤساء الأقسام ومديرو الشركات، فهؤلاء من يمثلون؟!، هؤلاء لا يمثلون الشعب السوداني ولا يمثلون المستضعفين والغبش ولا يمثلون حتى قواعد الحركة الإسلامية، هؤلاء يمثلون الدولة.. وأصلاً لا يمكن أن يكون حبل الحركة الإسلامية وقياداتها في أيادي دستوريين ليس لديهم الوقت ليحلوا مشاكل المؤسسات التي يعملون فيها.
* بهذا الفهم.. من الذي يدير المؤتمر الوطني؟ ومن الذي يصنع القرار ويجيزه.. حيث كان يتردد -قبل الانشقاق- أن الترابي كان هو المهيمن..؟
- نحن نختلف مع د.حسن الترابي اختلافاً كبيراً ونحمله التردي الذي وصلت له الحركة الإسلامية، لو صبر الترابي على مماحاكات ومؤامرات وخيانة العشرة، لو صبر قليلاً لاستطاع أن يحدث اصلاحاً كبيراً، لكنه تعجل بإعلان حزبه. اما الآن فالمؤتمر الوطني الذين يديرونه لا يتجاوزون الـ(5) أشخاص، ولا يستطيع أحد أن يتجرأ بالرفض، بعضهم يستمع إلى القياديين في المؤتمر الوطني، ولو في داخله رفض لكل سمع، ولكن لسانه يلهج بالتأييد، يقولون ما لا يؤمنون به اصلاً في دواخلهم، وإذا سمعوا أحداً يعترض يذهبون إليه ويقولون له "جزاك الله خيراً، قد قلت الذي لم نستطع قوله"، وهكذا.. لكنهم تكبلهم المصالح والمطامع وربما أشياء أخرى من أن يجهروا برأيهم. لذلك جروا البلد، الآن السودان تحول إلى جيش من الفاقد السياسي، مجموعة من الخلايا، جيوش من السياسيين اسهموا في تعطيل الإنتاج وفي ربكة المعادلات السياسية وأصبح كل منهم يتطلع إلى دور أكبر من امكاناته وأكبر من تأهيله وأكبر من خبراته، هذه مشكلة.. وليست هناك مؤسسة اسمها المؤتمر الوطني.. هنالك ذهب وسيف.
* أثار البعض اتهاماً مفاده ان (الدولة) ذابت في الحزب، بمعنى ان المتحكمين فيها يتعاملون مع مواردها وكأنها (ضيعة) تابعة للحزب.. كيف تنظر للأمر؟
- ليس هناك حزب حتى تذوب فيه الدولة.. هناك موظفون يتسنمون مواقع في الدولة ويجمعون بينها وبين مسميات داخل الحزب.. الحزب الآن كسيح لا يستطيع المشي، حزب متلاشٍ تماماً ويديره أهل الدولة.. لو كانت هناك أجهزة حزبية مصغرة تحاسب الدولة لقلنا إن الدولة تسير بموجهات الحزب، لكن هناك آليات، رئيس الدولة هو رئيس الحزب فمن يحاسب رئيس الدولة؟ هل يحاسبه رئيس الحزب الذي هو نفسه رئيس الدولة؟!! كل الوزراء والمستشارين هم قيادات في الحزب، فلذلك الدولة لم تذب في الحزب وإنما هناك دولة يلهث وراءها الحزب. الحزب أصبح بأفراده -ليس هناك مؤسسات- يلهث لكي يبرر قرارات الرئيس، ولكي يبرر قسم الرئيس.. وهكذا. انظر إلى أمانة العلاقات الخارجية لا تجدها، لا تكاد تسمع لها ركزاً، لا توجد أجهزة داخل الحزب، أين امانة الإعلام؟... حزب حاكم حتى الآن لا يمتلك صحيفة أو منابر إعلامية!!.
* ما قصدناه من السؤال هو ان موارد الدولة اصبحت مسخرة للمنتمين للحزب، والحزب اصبح يهيمن على مفاصل الاقتصاد.. والحديث يتصل بالفساد بوصفه سمة مميزة في كيفية ادارة الدولة..؟
- هذه اشياء تقال.. انا شخصياً أسمع ذلك كثيراً وأرى أن أي حزب سوداني يحتاج أن يمارس نوعاً من النشاط الاقتصادي وأن تكون له مؤسساته المستقلة، وهذا الذي ينبغي أن يكون، أن يكون للمؤتمر الوطني مؤسساته وشركاته ومصادر تمويله خارج مؤسسات الدولة، وإذا بات يتصرف من ميزانية الدولة فهذه اشياء سوف تأتي الأيام وتأتي المراجعات وتكشف ذلك.. الأمر لن يستمر في ديمومة للمؤتمر الوطني، وأنا ليست لدي ادلة واضحة لكن اسمع حديثاً من هذا القبيل.
* وماذا عن الحديث بأن الدولة يقودها تحالف (الأمن والسوق والقبيلة)..؟
- نعم ذكر ذلك الأخ التيجاني عبد القادر ويمكن الأخ عبد الوهاب الأفندي ايضاً يسير في هذا المجال بحديثه عن (السوبر تنظيم)، وأيضاً جاء غازي صلاح الدين في مقالاته الأخيرة في صحيفة (الصحافة) حول مستقبل السياسة السودانية وتحدث عن التكوينات ذات الطبيعة الاستثنائية، التي لا تُراقَب والتي تتوسع توسعاً كبيراً وخطيراً وتؤثر على مجريات الحياة، وأصبحت الملفات المدنية تدار بعقلية أمنية.. وهكذا. هذا حديث لمستشار في رئاسة الجمهورية، فحقيقة الدولة تديرها الآن العقلية الأمنية، وقبل ذلك تديرها القبلية، وأنا على يقين من أن التوجه القبلي هذا ليس عفوياً، وإنما هو توجه منتظم يسير وفق تنظيم ومتابعة ورصد، فهذه حقيقة (التوجه القبلي، توجه السوق، والتوجه الأمني) لا يختلف حولها اثنان.
* ما مدى تأثير ذلك على تعميق أزمات الوطن؟
- طبعاً هذا يؤثر.. القبيلة حينما تأتي لا تأتي بالمبادئ انما تأتي بالمصالح، أيضاً العقلية الأمنية كذلك. نحن مع الأمن الذي يحفظ وحدة البلاد ويحفظ الأجهزة الحكومية والشعبية من الاختراق، نحن مع الأمن الذي يحفظ سيادة الدولة.. لكنا لسنا مع الأمن الذي يرهب الناس، ولا مع الأمن الذي يرفض ان تقال الحقيقة، ولسنا مع الأمن الذي يعمل تغطيات على الممارسات الخاطئة.. نحن لسنا مع هذا، وتأثير ذلك واضح على المواطن.
أنظر إلى التنمية... لا يمكن لبلد ان يكون فيها بترول وصادرات زراعية وفيها ما فيها، الا تُصرف المرتبات حتى يوم 20 في الشهر وتحدث اضرابات وأن يفتقد الناس العلاج والتعليم.. وأن تصب كل الأموال في جهات محددة.
أنا أذكر ان برفيسور الدومة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، كتب عن اثر معارك دارفور على سياسة السودان الخارجية، وذكر ان هناك (أشياء) كان مفروضاً ان تذهب إلى وسط وشرق وغرب السودان لكنها حولت إلى الولاية الشمالية. وفي أحد البرامج التلفزيونية ذكر أحد أبناء المناطق في الشمالية انهم يفتخرون بأن لهم (26) دستورياً.. فرد د.جبريل إبراهيم، المدير السابق لشركة عزة للنقل وشقيق الدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وقال لأحد الدبلوماسيين في لندن (هؤلاء الجماعة يفتخرون بأن لهم (26) دستورياً في منطقتهم وحدها، ولو كان لدارفور كلها (26) دستورياً لما كنا تمردنا.. فهذه المسألة يراقبها الشعب وكل شئ بات معروفاً.. اعتقد ان هذه عقلية متخلفة وسوف تأتي على الذين ينتهجونها بالدمار وبأشياء لا يحمد عقباها.
* معنى ذلك ان الاجتماع القادم تحصيل حاصل؟
- ليس لديّ أدنى شك في ان اجتماع مجلس الشورى القادم سيكون تحصيل حاصل.. أنا اتحدى أعضاء مجلس الشورى ان يقرروا قراراً واحداً (وهو تجديد القيادات السياسية) التي جثمت على صدر الشعب السوداني منذ 1989 وحتى هذه اللحظة.. ان يتم تجديد هذه القيادات من خلال التعديل الوزاري القادم.. ان يبقوا فقط على الرئيس ليظل رمز سيادة، ولكن من دونه فلتأت قيادات جديدة.
* هل تعتقد ان قرار إلغاء الأمانة العامة في المؤتمر الوطني اسهم في شل فاعلية الحزب..؟
- بعد مذكرة العشرة التي حاولت تقليص مهام الأمين العام وإسناد كل المهام الرئيسية للأخ رئيس الجمهورية اصبح منصب الأمين العام (سكرتيرا) يعني أشبه بالمقرر. والرئيس بعد ان استلم (هذه المسائل) أصبحت الأمور كلها في يده.. فأصبحت الأمانة العامة (شكلا هلاميا)، حتى انني اخبرت إبراهيم أحمد عمر (الأمين العام السابق) انه سيصبح فقط مقرراً، وأن هذا (المكان) كان يملؤه الترابي وأنه كانت له قيمته.. لكنه في عهد إبراهيم أصبح مقرراً لمتابعة المحاضر (وحتى هذه إبراهيم نفسه لم يكن يستطيع القيام بها).. بعد ذلك رأى القائمون ان النجاح لم يتحقق، لذلك جاءت التغييرات. لكن مهما يكن فإن المؤتمر الوطني الآن هو الرئيس ومعه أمين الأمانة السياسية ونائب الرئيس للشؤون التنظيمية والسياسية هذا هو كل المؤتمر الوطني.. حتى الأخ نائب الرئيس لا وجود له داخل المؤتمر الوطني.. والمستشار نفسه د.مصطفى عثمان (الأمين السياسي) لا يزال يمارس دوره كوزير خارجية أو وزير خارجية ظل أكثر من دوره في الحياة السياسية الأخرى.
أمانة العلاقات الخارجية كان أبرز زول فيها هو حسن برقو، أمانة الإعلام لا تجد لها ذكراً ابداً، فالمؤتمر الوطني إذا تفاءلت أقول هناك (5) أشخاص وإذا لم اتفاءل اقول الرئيس ودكتور نافع.
* إذا كان الـ(5) أكثر من الواحد.. أليس هذا بتحول، كون ان الحزب كان يهمين عليه رجل واحد والآن صاروا (5)..؟
- طبعاً ليس هناك تحول أو تطور.. في النهاية ليس هذا هو الشكل المطلوب.. هذه صورة من الاتحاد الاشتراكي.. انا اتحدث بخلفيتي كعضو في الحركة الإسلامية لأكثر من (30) سنة، وكنت اطمح ان أرى دولة تعيد الخلافة الرائدة في التصور وفي الشورى وفي زهد القيادات.. ما كنت اتخيل ان اجد شخصاً مستشاراً للرئيس وبعدها اجده وزيراً للحكم الاتحاد وبعدها اجده وزير زراعة.. (الا ان يكون هذا الرجل خارقاً وأوتي جوامع الكلم).. الأخ ربيع حسن أحمد (رئيس اتحاد طلاب الخرطوم ابان ثورة أكتوبر 1964) قال "المؤتمر الوطني كأنه فريق كرة ليس لديه احتياطي. إذا اردت ان تغير وظيفة أحد اللاعبين لازم تغير تشكيلة الفريق كله، لكن داخل الميدان".. هذا واقع لا يتماشى مع روح الإسلام... أين الحديث عن تجديد القيادات وتجديد الأفكار... هذه مسائل لا تشبه طموحات الحركة الإسلامية!!.
* الملاحظ بعد خروج الترابي تراجع الإسهام الفكري للمؤتمر الوطني.. هذا التراجع هل أسهم في عدم ظهور قيادات جديدة..؟
- الفكر لم يعد لديه حظ في السياسة السودانية، الإنقاذ طرحت نفسها بوصفها دولة فكرة.. صحيح ان الترابي رجل رائد في الفكر، لكن الفكر هو فكر الحركة الإسلامية، يعني مجتمعة تنفذ برنامجها، لكن بعد الانشقاق لم تعهد هنالك مكانة للفكر، ونسمع اليوم كلمات مثل (هذا كلام مفكراتية) وبعضهم حينما تحدثه عن الفكر يقول لك هذا شعر، ولم تعد هناك مكانة للفكر.. ومع ان الدولة الإسلامية كما يقول أبو الحسن الماوردي في (الأحكام السلطانية)" "من شروط الإمام فيها أن يكون عالماً يرقى إلى درجة الاجتهاد".. لكن الآن من (العالم)؟؟.. حتى الذين يتصدون للقضايا الفكرية هم الذين من يدافعون ويبررون السياسات، وفي المقابل تخسر الحركة اناسا أمثال التجاني عبد القادر، وعبد الوهاب الأفندي الذي كان لسان حالها في الاتحاد الأوروبي كله وكان مستشار اعلاميا في لندن.. وتخسر أناسا كثيرين حتى أمثال محجوب عروة وعثمان ميرغني وعادل الباز وكل مجموعة الإعلاميين هؤلاء كلهم كانت خلفياتهم إسلامية.
* كل هؤلاء يهدفون في شباك الدولة والحركة الإسلامية لماذا..؟ - لغياب الشفافية، لغياب الشورى، لعدم احترام الرأي الآخر.
ما أرجوه من الأخ الرئيس ونوابه ومن الأخ نافع أن يلتقوا بأصحاب هذه الآراء لقاءات صادقة، وأن يستمعوا إليهم.. وما اتمناه من الأخ نافع ومن الأخ علي عثمان ومن الأخ مصطفى اسماعيل ومن الأخ مجذوب أن يقدموا لنا نموذجاً، أن يترجلوا، ولو في استراحة محارب لمدة سنتين أو ثلاثة وأن يتعاهدوا الا يدخل فيهم واحد التشكيل الوزاري القادم..
* دعوتك هذه تحتاج الى قرارات فردية من هولاء.. اليس الأفضل ان تدعو المؤتمر نفسه الى (نقد الذات) أولاً..؟
- طبعاً إذا لم يكن هنالك نقد للذات فكيف يكون الإصلاح؟ إذا لم تكن مستعداً لقبول الآراء الأخرى فإنك قد تكون فرعوناً تقول للناس أنا لا أخطئ وأنا لا أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، وهذه ظاهرة من الظواهر الفرعونية.
والشيء الذي أعلمه أن الرئيس مضروب عليه نوع من الحصار، لكنه يقبل الرأي الآخر إذا وجد من يقدمه إليه، ولكن في النهاية كيف يستطيع الناس أن يصلوا الى الرئيس؟ لأجل ذلك دعوت الرئيس، في بعض المقالات، أن ينظم لقاءً شهرياً غير محروس، (يعني لا فيه ناس أمن ولا أبواب) مع أساتذة الجامعات ومع الصحفيين والمفكرين في باحة القصر الجمهوري، الناس يحدثونه بكل ما يرون وهو يستمع لآرائهم مباشرة.
عندئذ الرئيس يكون مُبصراً.. وما تكتبه الصحافة اليوم شيء عظيم لكن من يقرأ..؟ كلهم (يلمون الجرائد ويقولون نقراها بكرة وعندما تأتي جرائد بكرة يقولون خلاص نقرأها بعد بكرة وهكذا)، لم يعد هناك من يسمع النصح، ولم تعد للصحافة قيمة عند المسؤولين.
* المؤتمر الوطني بهذا الوضع الذي أشرت اليه.. كيف سيتعامل مع استحقاق الانتخابات والوحدة الجاذبة نهاية الفترة الانتقالية..؟
- أولاً اتوقع وبقدر كبير جداً أن يحرز المؤتمر الوطني اغلبية كبيرة جدا في معظم الأماكن التي تجري فيها الانتخابات، هذه ليس لدي فيها شك، ليس لأن الناس قد آمنوا بالمؤتمر الوطني، لكن لأن المؤتمر يدير الحملة الانتخابية وهو حاكم بكل مؤسساته، وأيضاً المؤتمر الوطني استطاع بإمكاناته وبذهبه وبإغراءاته وبتعييناته وبهداياه وإكرامياته أن يجتذب وأن يضم إليه معظم الفعاليات في المجتمع السوداني (الطرق الصوفية والعمد والنظار وخلافهم)، ولا اعتقد أن هؤلاء دخلوا المؤتمر لأن لديه فكراً أو لديهم ولاءً، وقد سمعت أحد الذين ناصروا أصحاب مذكرة العشرة (وهو قائد الآن في المؤتمر الوطني في نقابات المزارعين والعمال)، وقالوا له يا فلان انت مع القصر أم المنشية..؟ قال لهم: "أنا مع القصر ولو كان داخله غردون باشا". هذه هي التشكيلة الموجودة الآن في المؤتمر الوطني تشكيلة تبحث عن مصالحها.
اما إذ جاءت أمريكا والاتحاد الأوروبي بأموالهم وإغراءاتهم في الشمال وشكلوا أيضاً حزاما إفريقيا (يعني عملوا تنسيق بين الحركة الشعبية وحركة دارفور وكذلك الجبهات الشرقية أيضاً وحدوها)، هذا ربما يؤثر أثرا كبيراً في الانتخابات. أما إذا جرت في الوضع الحالي فليس لدي أدنى شك لأن الناس مع الذي يخدمهم، في النهاية سيرون ان معارضة الحكومة ليست في صالح الناس، وأصبحوا أيضاً (براغماتيك) ينظرون اين مصلحتهم فينحازون لها، المبادئ لم يعد لها وجود.
الوحدة الجاذبة... هذه أشياء تقررها الدول الكبرى ولا نقررها نحن، إذا كانت أمريكا تريد سوداناً متحداً ستتجه الأطراف نحو الوحدة، وإذا كانت تريد للجنوب أن ينفصل فلديها من الآليات ولديها من الأعضاء والممثلين داخل السودان ممن يحققون لها أهدافها.
* وماذا تريد امريكا..؟
- كل الذي يقال إن امريكا تريد سوداناً موحداً، فالسودان الموحد فيه ضمان لاستقرار افريقيا كلها، ولكن ما أراه اليوم لا يبشر بخير وأتمنى أن يتحد السودان على أساس السلام والاحترام المتبادل.
=-=-=-=-=-=-=
* الدكتور عبد الرحيم عمر محيي الدين، مساعد الأمين العام للعلاقات السياسية سابقاً بالمؤتمر الوطني ومقرر مناوب سابقاً للقطاع. يعتبر من الخبراء في الحركات الاسلامية بحكم كتاباته عن الإسلام السياسي حيث صدرت له عدة كتب (الإسلاميون في السودان، التطور الفكري والسياسي 1969 -1989) وكتاب (الإنقاذ والترابي, صراع الهوية والهوى) وكتاب (فتنة الإسلاميين بالسلطة من مذكرة العشرة إلى مذكرة التفاهم مع قرنق)، بالإضافة الى كتب أخرى. يعمل استاذاً بكلية الآداب جامعة النيلين. له مقالات راتبة في صحف الخرطوم.
حوار: عادل فضل المولى
06-10-2007, 09:13 AM
الكيك
الكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172
شارع علي عبداللطيف وثقافة الاستسلام (1 - 2
الانتباهة
قبل عام أو يزيد من غضبته المضرية على قرار فتح شارع علي عبداللطيف وازالة الحواجز من امام سفارة امريكا، ولية نغمته الجديدة، كتب صاحبنا - وكأنما حيزت له الدنيا - جزلاً مسروراً من بين طيات السحاب قبل ان تحط قدماه على مرتع السوء وبيت الشيطان الذي نز ضيفاً عليه، ثم كتب مرة اخري لمتغزلاً في ردهات البنتاغون أو وزارة الدفاع الامريكية التي لربما كانت طائراتها في تلك اللحظات تقصف بعض احياء بغداد - عاصمة الرشيد - على رؤوس اطفالها ونسائها وتدك قندهار عرين الابطال في افغانستان حيث يتجول في كهوفها اسامة بن لادن ذلك الذي هجر الدنيا وزينتها والمليارات التي تكتنز بها حساباته البنكية ليلوذ بحمى ربه الكبير المتعال مجاهداً في سبيل الله واطئاً مواطئ العزة والشموخ يغيظ بها امريكا وينال منها في قلب حصنها العتيد حيث يتجول صاحبنا المنبهر بفرح غامر لكنه فرح وضيع. بعد عودته من تلك الجولة التي رأى فيها ما لم تر عينه او تسمع اذنه ولا خطر على قلبه الصغير جلس صاحبنا الى كاميرون هيوم القائم بالأعمال الامريكي - محاوراً. وللذين نسوا او لايعلمون فان ذلك السفير المتغطرس كان قد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب الخرطوم امام مجموعة من رجال الاعمال وتصدى له اسامه داود وأوردت الخبر احدى الصحف المحلية التي تشن هذه الايام حملة ضارية وكاذبة على رجل الاعمال الكبير.. أقول جلس صاحبنا الى هيوم محاوراً ومروجاً ومسوقاً لما تفعله امريكا بنا وبالمسلمين في كل مكان!! بعد اشهر من رحلة البنتاغون كتب صاحبنا من داخل وزارة الخارجية البريطانية التي ذكر - دون أدنى حياء - انه زارها بدعوة منها.. تخيلوا! بربكم هل من عدو للامة وللاسلام اليوم وبالأمس اكبر من امريكا وبريطانيا شيطان العصر؟ من الذي يزود اسرائيل بالسلاح ويتحالف معها ويضمن تفوقها على العرب والمسلمين جميعا حتي تظل محتلة للمسجد الاقصى - مسرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفلسطين - ارض الانبياء ـ غير امريكا؟من يحمي اسرائيل في مجلس الامن ويمنع أي قرار ضدها غير امريكا؟ من منح اسرائيل الحق في الاستيلاء على فلسطين غير بريطانيا (وعد بلفور)؟ من يشن الحرب على الاسلام والمسلمين غير امريكا وبريطانيا واسرائيل؟ من استعمر السودان وأوقعنا فى الازمات التي لا نزال نتجرع ويلاتها غير بريطانيا؟ من ورطنا في نيفاشا وأبوجا وتسبب في كل خيباتنا الحالية؟ ومن أوقع العقوبات الاخيرة وسابقاتها على السودان غير امريكا وحلفائها بريطانيا واوروبا الغربية؟ من.. ومن ... ومن....؟ ترى أبعد كل هذا يجوز لنا أن نشكك في عداء امريكا وبريطانيا لنا؟ ثم هل يجوز شرعاً، وقد ثبت لنا عداء تلكما الدولتين، ان نصعر خدنا لكلام الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق...) هل يجوز لنا أن نسقط فقه الولاء والبراء أو نشكك في قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فانه منهم..)؟! ما ان صدر قرار الوالي ـ ليس باعلان الحرب على الحبيبة امريكا التي حج صاحبنا الى وزارة دفاعها بعد ان حلق بين طيات السحاب ـ حتى انتفض الرجل رافضاً القرار، مشككاً فيه، مثبطاً من إنفاذه مولولاً (مبرطعاً كالملدوغ! (إذا لم تستح فاصنع ما شئت ذلك قول الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فمن يكتب مباهياً بدعوته لبيت الشيطان الذي شُنت منه الحرب على الاسلام والمسلمين تجرد تماماً حتى من ورقة التوت ولاينبغى لنا ان نعجب أو نستغرب من تصرفاته فقد قرأنا ورأينا حملة (حرب الافكار التي أعلن عنها وعلى رؤوس الاشهاد وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد رامسفيلد الذي وجه الدعوة لصاحبنا وقرأنا الموازنة المليونية التي رصدت للصحافيين العرب. بل رأينا كيف انشئت قنوات فضائية (الحرة واذاعات (سوا وصحف في سبيل مواجهة بعض القنوات الفضائية المشاكسة. صدقوني ان امثال هؤلاء يضعون دعاة حرية التعبير في وضع صعب للغاية لانه من الصعب على أية أمة من الأمم ان تسمح لأحصنة طروادة من الطابور الخامس ان يفِتّوا في عضدها وينهشوا من لحمها وينتهكوا من عرضها ويتقدموا صفوف اعدائها وينشروا ثقافة الاستسلام والإنبطاح مهما فُعِل بهم وبوطنهم. ...
العدد رقم: 561 2007-06-10 السودانى بين قوسين إلا الحقد!
عبد الرحمن الزومة كُتب في: 2007-06-10
قديماً قالت العرب كل داء له دواء الا (الحماقة) أعيت من يداويها، ومع مرور الأزمنة والأيام اكتشف الناس أن هناك العديد من (الأمراض) ليس لها دواء! أنا شخصياً اكتشفت واحداً اسمه (الحقد) أخطر من الحماقة لكنه يتميز عنها بأنه يؤذى صاحبه. ما هى مناسبة هذه المقدمة؟ مناسبتان الأولى عندما كنت فى أبوجا كنت يوماً أتحدث مع أحد أعضاء وفد متمردى دارفور والذى لم يكن يخفى تعاطفه مع حزب المؤتمر الشعبى. (الرجل لم يعد متمرداً) ولم يعد مؤتمراً (شعبياً) كانوا حينها يطالبون بأن تكون رئاسة الجمهورية (دورية) كل عام الرئيس من ولاية ثم لما شعروا أن ذلك الطلب صار مدار (تندر) قالوا انهم يطالبون بمنصب النائب الأول ولم يكن الطلب الا مثل سابقه ثم قالوا انهم يريدون منصب (نائب الرئيس) وأصرواعليه. قلت لصاحبى : لماذا الاصرار على هذا المنصب بالذات؟ قال لى : ألم تكتشف السبب؟ قلت له (مجرد شك يحتاج لتأكيد) قال لى ان المطلوب ليس المنصب وانما الذى يحتل المنصب: على عثمان فـ (صاحبك) يجرى وراءه وليس المسألة مسألة مطالب خاصة بدارفور!. المناسبة الثانية ما تناقلته الصحف الأسبوع الماضى عن مطالبة حزب المؤتمر الشعبى أثناء انعقاد مؤتمرهم بجنوب كردفان باعطاء أبناء دارفور منصب نائب الرئيس. الطلب فى المرة الأولى لم يكن منطقياً ولكنه على أية حال كان مقبولاً أما الآن وبعد أن قبل أبناء دارفور بمنصب كبير مساعدى الرئيس ويشغله احد زعمائهم فان الطلب لا يعنى غير أن يكون الحقد القديم قد (تاور) الحاقد الأول ومرة أخرى يمكننا أن نلحظ أن المطلوب ليس أبناء دارفور وليس المنصب وانما (حامل المنصب) ولكن ماذا نفعل مع ارادة المولى عز وجل الذى يؤتى الملك من يشاء و(ينزع) الملك ممن يشاء ونحن نعلم أن (النزع) حار ولكن ماذا نفعل مع أقدار الله فالذى يحتل المنصب الشيخ على عثمان لم يسع اليه ولم يضع اسمه على رأس قائمة (الثلاثة) لكى يتم اختياره بصفة تلقائية ولم يذهب (منفرداً) لكى يتأكد أن الاختيار قد وقع عليه والشيخ على عثمان كان زاهداً فى المنصب الأول ولقد تنازل عنه طائعاً مختاراً وبنفس راضية من أجل السلام ومهراً للوحدة وهو أكثر زهداً فى المنصب الحالى بل انه زاهد فى دنيا الناس هذه كلها. لقد قالها لى أكثر من مرة. كان ذلك قبل توقيع سلام الجنوب وكان السلام قد لاحت بشائره وقال لى بينى وبينه و الله (شاهدنا) قال: اننى انتظر أن يتم هذا السلام لأسلم لكم أمانتكم هذه. لم يكن الشيخ على عثمان (أمد الله فى أيامه) يوماً سعيداً بهذه المناصب ولكن الحاقدين لا يفهمون كيف لا يكون الرجل سعيداً وهو يحتل هذه المناصب الرفيعة و لو أنهم كانوا يعلمون ذلك لما جروا وراء المنصب ووراء الرجل بهذا السعار. على ماذا يجرون؟ انها مناصب دنيوية فانية! اننى لا أتهم المؤتمر الشعبى باثارة هذه المسألة فالذى قدم الاقتراح بأن يعطى أبناء دارفور منصب نائب الرئيس لا يملك أن يقول ذلك الا بايحاء من الحاقد الأكبر الذى ظن فى يوم من الأيام أن رئاسة الجمهورية نفسها قد صارت قاب قوسين أو أدنى من يده وهى بالفعل كانت كذلك فقد كان انصاره يجمعون (الخرز) لكى يتم تتويجه ملكاً ولكن الله أبى. ربنا قال (NO) ومن يومها وهو يسعى لأن يهد (الهيكل) على الجميع ولكن الهيكل يأبى أن ينهد فهو هيكل متين تحرسه عناية الله وسهر واخلاص و(دعاء) رجال مؤمنين ونساء مؤمنات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة