حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 04:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2009, 07:24 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين


    حوار الطرشان ....بين الجمهوريين.... والاخوان المسلمين ....للتوثيق.؟





    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=939
    --------------------------------------------------------------------------------
    الكاتب : admino || بتاريخ : الإثنين 29-12-2008
    عنوان النص : القراي: كل من يدعي دولة دينية في الوقت الحاضر كذّاب!
    : منبر أجراس الحرية عن الاسلام والعلمانية (2-3)
    القراي: الدولة العلمانية ليست بديلا وندعو إلى دولة قائمة على الفهم العلمي الذي تلتقي عنده الاديان والافكار..
    د حيدر:لماذا لم يستطع الاصلاح الإسلامي ان يخترق وهم الدولة الإسلامية الذي تحدث عنه د. عبد الله النعيم؟
    رصدت الندوة وأعدتها للنشر:رشا عوض
    استضاف منبر أجراس الحرية مساء الأحد 21/12/ البروفسير عبد الله أحمد النعيم في ندوة بعنوان (الاسلام والعلمانية) قدم فيها أطروحته حول علمانية الدولة، ادار الندوة الأستاذ الحاج وراق وعقب على الأطروحة الدكتور عمر القراي متبنياً وجهة نظر مختلفة، وشارك في النقاش عدد كبير من الحضور الذين يمثلون تيارات فكرية مختلفة، البروفسير عبد الله أحمد النعيم هو استاذ كرسي القانون بجامعة أموري بولاية أتلانتا الأمريكية تخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون ونال درجة الماجستير والدكتوراة من بريطانيا ثم عمل محاضراً بجامعة الخرطوم ثم عمل أستاذاً زائراً بعدد من الجامعات في أمريكا وكندا والسويد.





    ابتدر حديثه بالإشارة الى أنه تلميذ للاستاذ محمود محمد طه معتبراً هذه (التلمذة) شرفاً حياً مستمراً ومسؤولية كبيرة ثم دلف الى موضوع الندوة مشدداً على أنه يتحمل شخصياً المسؤولية الكاملة عن أطروحته، وقال إن موضوع الإسلام والعلمانية متشعب ومتعدد الجوانب سأحاول هنا التركيز على جوهر الموضوع واضعاً بعض النقاط ثم استمع الى تعقيب الاخ عمر ثم استمع الى مداخلات الحضور وبعد ذلك نتداول في الموضوع وانا لا أهدف لأن أقول رأياً نهائياً وحاسماً بل أهدف لأن أضع أمامكم اطروحة – انا على قناعة تامة بها_ ولكن لدى استعداد تام لتغييرها ان ثبت لي بطلانها،







    ملخص أطروحة البروفسور عبد الله النعيم:



    استعرضنا الأطروحة تفصيلا في الجزء الأول وخلاصتها أن المسلمين في حاجة لتجاوز فكرة إقامة دولة إسلامية ليس بسبب الفشل المتكرر للتجارب والتطبيقات المرتبطة بهذه الفكرة بل لأن الفكرة نفسها باطلة تماما وليس لها أساس موضوعي، ولكن في ذات الوقت الذي تدعو فيه الأطروحة للدولة العلمانية(المحايدة تجاه الأديان على اختلافها) دعت الأطروحة لعدم إقصاء الدين من الحياة العامة والسماح للمتدينين بالتأثير في السياسات والتشريعات العامة من منطلق عقائدهم وقيمهم الدينية ولكن بشرط أن يقدموا المبررات الموضوعية التي يقبلها العقل وتناقش وفق منطق المصلحة العامة، وكل ما يطرحون من قوانين وسياسات وإن كانت مستمدة من الإسلام أو غيره تعامل كاجتهادات بشرية لا قدسية لها ويمكن تغييرها دون حرج متى ما اقتضت المصلحة ذلك.











    تعقيب الدكتور عمر القراي:







    اتفق مع بروفيسور عبد الله النعيم في كثير مما قاله وخاصة في رأيه في التجربة الإسلامية في السودان فهي تجربة منفرة للأذكياء من الدين جملة لأنها تجربة اتصفت بالنفاق والتضليل والتهميش للآخرين والعنصرية، وتمت ممارسة كل ذلك باسم الدين وباسم الدولة الدينية وما قدمته لا يمثل الصورة الدينية والإنسانية المطلوبة ولكنني اعتقد ان بروفيسور عبد الله النعيم اتخذ موقفه بناء على تقييمه لنموذجين: نموذج لدولة دينية قاهرة وظالمة ومصادرة لحقوق الناس باسم الدين، ونموذج دولة علمانية محايدة في موضوع الدين وتكفل الحريات على مستوى التطبيق، وهذان هما النموذجان الوحيدان على مستوى التطبيق ولكن على مستوى النظرية هناك نموذج ثالث لم يجد فرصته في التطبيق وهو نموذج الحكومة الإنسانية الذي أرجو أن يتوقف عنده البروف وهذه الحكومة قائمة على مستوى علمي تتلاقى فيه الاديان والافكار الانسانية على مستوى قممها واعتقد ان هذا المستوى هو ما طرحه الاستاذ محمود محمد طه ولذلك لا اعتقد اننا لكي نمنع الظلم والاعتداء على الحرية نحتاج لدولة علمانية.. خاصة وان الدولة العلمانية كما ذكر البروف عبد الله قد لا تكون محايدة اخلاقياً وضرب نموذجاً بالفرنسيين الذين منعوا المسلمات من الحجاب وبهذا هزموا افكارهم في الديمقراطية والحرية وهناك نماذج اكثر بلاغة من هذا النموذج تؤخذ على بعض الدول العلمانية،



    فالدولة لا تقوم في فراغ بل لا بد لها من تصور للوجود وللكون والحياة والفكر العلماني في اعلى قممه قاصر عن هذا المستوى اذا ما قورن بالمستوى العلمي من الدين الذي يطرحه الاستاذ محمود محمد طه ليس من الدين الاسلامي بل من الدين كقيمة علمية وهذا المستوى لم يسبق ان طرح في تاريخ الدين فمسألة الدستور والسلطة والحقوق تحتاج لتصور معين الحكومات الغربية العلمانية فشلت في ان تقدم التصور الانساني الصحيح فالعالم الغربي ينفق على التسلح اضعاف ما ينفق على السلام فلماذا نسعى لتكرار العلمانية في بلادنا رغم ان نموذجها في الغرب فيه القتل والدمار بسبب الخوف من التجارب الدينية الفاشلة.. التصور الصحيح للكون والحياة والذي تقاصرت عنه النظم العلمانية ذكره الاستاذ محمود محمد طه.. وفيما يلي اقرأ بعضاً من أفكاره:



    (حين تطور العلم التجريبي المادي حتى رد المادة في جميع صورها في الحياة إلى اصلها الاصيل في الطاقة تطور توأمه الدين حتى وصل بتصعيد التوحيد الى رد كل المناشط البشرية والطبيعية في العوالم المنظورة وغير المنظورة إلى أصل واحد، إن العالم جميعاً ماديه وروحيه انما هو مظهر لله الذي خلقه وقدره وسيره على ذلك اتفق انجاز العلم المادي والتجريبي والعلم الروحي التوحيدي، بايجاز ان البيئة التي نعيش فيها اليوم وظللنا نعيش فيها عهوداً سحيقة وظللنا نحاول التعرف عليها بكل وسائل البحث والتقصي قد اكتشفت اليوم بفضل الله علينا وعلى الناس ليست بيئة مادية كما توهمنا بل هي بيئة روحية ذات مظهر مادي من ذات الله متنزلة الى حياته ثم متنزلة الى علمه ثم متنزلة الى ارادته ثم متنزلة الى قدرته فبعلمه الاحاطة وبارادته التخصيص وبقدرته التجسيد وبالتجسيد جاء المظهر المادي بمعنى ما اصطلحنا عليه من المادة فلما فتت العلم المادي تجريب المادة فنبه الى طاقة معروفة الخصائص مجهولة الكنه وصلنا الى الارادة الالهية، ان العلم المادي التجريبي والعلم الروحي التوحيدي اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود ان البيئة التي نعيش فيها اذا هي بيئة روحية ذات مظهرها مادي وهذه الحقيقة سوف تحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة التي ظهر قصورها واليها يرجع فساد الحكم وقصور الحكم والحكام والمحكومين)..



    اذن قصور الحكم والحكام ليس بسبب كونهم دكتاتوريين بل لأن تصورهم للحياة والوجود خاطئ فالفكر العلماني قام على المادية، فالحكومة التي تحقق للناس الحرية والسعادة الحقيقتين لا بد ان تنطلق من فكرة او فلفسة لها مستوى علمي من معرفة الحياة والوجود على اساسه تقيم الدستور والعلم وتضع القوانين التي تسعد البشر فهل لدى الفكر العلماني هذه الفلسفة؟ اذا لم تكن له هذه الفلسفة فلن نطرحه بديلاً عن الحكومات الدينية المتخلفة ونطرح البديل الذي لديه حلا حقيقياً ونهاجم الحكومات الدينية المتخلفة التي لا تمثل الدين..



    في حديث د. عبد الله النعيم عن الدولة الدينية قال انها لم تقم واعتمد على ان فهم الناس لأصول دين معين هو اجتهاد الناس وما دام الناس طبقوا في أي وقت ما فهموه من الدين فهذا يعني ان ليست هناك دولة دينية، وأعتقد ان هذا يحتاج لمراجعة فالدولة الدينية كانت موجودة، دولة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة دولة دينية بمعنى ان الاحكام التي طبقت على الناس كانت هي الاحكام التي يرضاها الله للناس في ذلك الوقت والدليل على ذلك وجود النموذج الذي يتلقى المعرفة من الله..



    والدولة الدينية هي الدولة المحكومة بتصورات الدين اذا كانت هذه التصورات صحيحة فهذه الدولة الدينية صحيحة واذا كانت هذه التصورات خاطئة فهذه دولة دينية مزيفة، فليس بالضرورة ان تذهب الدولة الى الجامع حتى تكون دولة دينية كما ذكر البروف، النبي صلى الله عليه وسلم اقام دولة دينية صحيحة لأن علاقته المباشرة بالله تصححه ان هو أخطأ وقال دكتور عبد الله النعيم ان النبي حالة خاصة وهذا الفهم غير منسجم مع الفكر الجمهوري الذي لا يعتبر النبي حالة خاصة.. قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم). وقال (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى الي) وعندما ختمت النبوة لم تختم الولاية، فالنبوة هي ان يتلقى العارف المعرفة عن طريق جبريل وهذه ختمت بنص صريح (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولكن الولاية هي ان يتلقى العارف العلم عن الله ويصححه الله اذا اخطأ وهذه لن تنتهي ابداً، فختمت النبوة ولم تختم الرسالة وعلى هذا الاساس يمكن ان يكون للإنسان علاقة مع الله فيفهم عن الله ما يريده الله في وقت معين، ومثل هذا الانسان لا يمكن ان يدعو لدولة دينية ولذلك دعا الاستاذ محمود لدولة انسانية لأن مرحلة العقيدة تطورت الى المرحلة العلمية في وقتنا الحاضر كل من يدعي دولة دينية كذاب فالدولة لا يمكن ان تكون دينية ولكن يمكن ان تكون دولة يرضى عنها الله اذا قامت على الفهم العلمي الذي تلتقي عنده الاديان والافكار.. الدولة العلمانية منعت البنات من الحجاب من منطلق علماني ولو كانت الدولة دينية لفرضت عليهن الحجاب حيث جلدت البنات وفرض عليهن الحجاب واخرجن من المكاتب وتم استيراد الملابس الإيرانية لهن في ظل الدولة الدينية القائمة في السودان، فلو كانت الدولة علمية بالمعنى الذي نتحدث عنه لشرحت مشكلة الحجاب وعلاقته بالحرية وشرحت مشكلة التبرج وعلاقته بالحرية ودعت لعدم التبرج وعدم الحجاب وتركت للناس حرية الاختيار.



    فما دام الله خلق الكون كله ونظمه لا يمكن ان لا ينظم لنا نظام الحكم ولكن لا ينظمه لنا من منطلق عقائدنا بل من منطلق العلمية ولذلك شرع الله قانون المعاوضة وهو قانون ازلي قامت عليه الاكوان (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)..



    وقانون القصاص (العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص) هو اكثر القوانين علمية وهذا ينطبق على مسائل كثيرة فيما يخص الدولة وسلوك الناس، ولذلك ليس صحيحاً ان الحق والباطل لا يمكن ان يحسم الا في ضمير المسلم فالحق والباطل قائمان على العقل البشري فيمكنك ان تقنع الشخص بالحق بالحوار العقلي المنطقي ولذلك في اصل الدين لا يجوز ان تقتل من يخالفك، يمكن ان تقتله في الشريعة، خاطب القرآن النبي(قل انا او اياكم في ضلال مبين) (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) في المستوى الذي فيه الاسلام يعطي حق الكفر لا يمكن ان يحدث قهر ديني الخلاف بين الطبيعة الدينية والطبيعة السياسية غير صحيح فالسياسة ان نسوس امور الناس وفق الحق والعدل فلو كانت السياسة (فهلوة) او (لعبة قذرة) لا تكون لها علاقة بالدين ولكن السياسة الحقيقية ان تساس امور الناس وفق الحق والعدل لا يمكن ان تنفصل عن التصور الديني في المستوى العلمي الرأي الديني العقائدي غير موضوعي وذاتي لكن الرأي الديني اذا انطلق من مستوى العلمية في الدين يكون رأياً موضوعياً لانه يقوم على حقائق خارجة عن الانسان وموجودة في الكون وقوانين تقوم عليها الطبيعة وكل هذه مسائل موضوعية يمكن ان يسايرها الدين في حياة الفرد وحياة المجتمع.



    خلاصة حديثي اتفق مع د. عبد الله ان الدولة الدينية القائمة تهدر حقوق الناس ولكن يجب ان نركز جهدنا في اظهار الدولة العلمية بدلاً من اهدار كل الجهد في الدولة العلمانية .



    مداخلات الحضور:



    محمد علي عبد الله نائب الامين العام لمنبر السلام العادل وكاتب صحفي بصحيفة الانتباهة:



    أتيت الى هنا واعتقدت انني ساكون مختلفاً جداً مع المنصة لكنني اعتبر ان ما قيل الان اذا وجد شيئاً من الترتيب يمكن ان نتفق، وانا اقرب في رأيي الى د. القراي، عنوان الندوة (الاسلام والعلمانية) وهنا اتساءل هل الهدف من هذا العنوان إجراء مقارنة ام بيان حكم العلمانية في الاسلام، فاذا كان الهدف هو المقارنة فان المقارنة بين شيئين لابد ان تنطلق من تصور كامل لهما، اي تصور لما هو الاسلام وماهي العلمانية وعندما يكون لديك تصور كامل لماهية العلمانية ولا يكون لديك تصور كامل لماهو الاسلام ثم تعقد مقارنة بينهما فان ذلك لا يقودك لنتائج صحيحة بل يقودك لنتائج ظالمة ومجحفة، والعكس صحيح تماماً لم افهم حتى نهاية المحاضرة ما اذا كان الموضوع مقارنة ام بيان لحكم العلمانية في الإسلام، قال د. عبد الله ان للدولة وظائف ولذلك لا يمكن ان تكون هناك دولة دينية، اذا اردنا ان نحدد ما اذا كانت هناك دولة اسلامية فالأصل ان نقوم بتحديد وظائف الدولة ثم ننظر ما اذا كانت نصوص الاسلام تتناول هذه الوظائف ام لا، فقال الدكتور من وظائف الدولة الاقتصاد والتنمية والسلام والرفاهية والتعايش، وأنا كمسلم يمكنني ان اجد له ثروة تشريعية عظيمة جداً متوافرة متكاثرة لا توجد عند كل الذين وضعوا قوانين وضعية فيما يتعلق بوظائف الدولة، فالرأي الموضوعي هو ن نقول هناك وظائف للدولة وهنالك نصوص اسلامية تناولت هذه الوظائف لكن هذه الوظائف بهذا التناول النصوصي في الكتاب والسنة كانت تصلح لزمان ما ولا تصلح لزماننا وفي هذا شئ فيه قدر من الموضوعية ولكن ان نقول ليست هناك نصوص على الاطلاق تناولت وظائف الدولة لا في تاريخنا ولا في قرآننا ولا في مراجعنا فهذا غير صحيح، فوظيفة الانبياء الاساسية وظيفة سياسية وما قاله د. عمر الان هو كلام رائع جداً، فالسياسة هي اقامة شئون الناس بالعدل (كانت بنو اسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبيي بعث الله نبياً) فلكي تكون موضوعياً يجب ان تقول القرآن والسنة تناولا وظائف الدولة ولكن في تقديري انا هذا التناول يصلح لمسلمي ذلك القرن الذي تنزل فيه القرآن والسنة فهذا رأي فيه موضوعية ويجعلنا ننظر في تلك النصوص وما اذا كانت بمنطوقها والفاظها وسياقاتها مرتبطة بذلك الظرف الزماني والمكاني ام ان النصوص نفسها تحمل في طياتها ما يعطيها صبغة الاستمرار لاخر الزمان، فالبحث العلمي يقتضي ان تقول هناك وظائف للدولة ذكرت في القرآن وانا على استعداد ان اعرض للدكتور عبد الله النعيم عشرة نصوص في كل وظيفة من وظائف الدولة من امن واقتصاد وتنمية وحتى وظيفة تنظيف الشوارع فالنصوص موجودة اما اذا قال انها تصلح للقرن السابع فاننا ننظر في سياقاتها ونحدد ما اذا كان هذا صحيحا ام لا .



    البشرى/ منبر السلام العادل:



    انا عاتب على الاخوة منظمي الندوة لأنهم ضيقوا واسعاً فهذا عنوان كبير جداً: (الاسلام والعلمانية) ولكننا الان في رحاب الفكر الجمهوري وحتى في الفكر الجمهوري د. عبد الله حصر الاسلام في الدولة الاسلامية التي حصرها في التشريعات او الشريعة ثم حصر الشريعة في الحدود او العقوبات وانا افهم منطلقه فهو متأثر بتطبيق سابق للشريعة كان من نتائجه فقد روح استاذه، والغريب ان الدكتور يقدم العلمانية بديلاً للتجارب التي سميت اسلامية فانتقد التطبيقات ولم يتعرض للاسلام نفسه، وقد سمعت البروف في محاضرة في السبعينات عرف فيها القانون بانه الحد الادنى للاخلاق فهو لا يعترض على القانون الذي يحمل الناس حملاً على الحد الأدنى للأخلاق ولكنه يعترض على الشريعة في مسماها الاوسع من الحدود وما تشمله من التكافل والتراحم والزكاة فالمفترض ان يؤخذ الناس في هذا المجتمع الى حدود اعلى من الاخلاق، قبل ايام كنت في ندوة في هذا المكان ووقفت امرأة من اجراس الحرية اشارت بيدها الى قسيسين يجلسان في المنصة وقالت نحن لسنا ضد رجال الدين الاسلامي فحسب نحن ايضاً ضد رجال الدين المسيحي وهذه شجاعة حمدتها لها ولم اجد لها شجاعة مثيلة الا من اخت علمانية لها اسمها وفاء سلطان اتصلت بقناة الجزيرة وحينما سئلت عن دينها قالت لست مسلمة او مسيحية او يهودية انا علمانية ولا اؤمن بهذه الغيبيات التي تسمونها ديناً وكم اتمنى ان يكون العلمانيون في بلادي في مثل شجاعة وفاء سلطان.



    د.حيدر ابراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية:



    نحن أمام أزمة تشمل كل من تحدثوا في الندوة والأزمة تكمن في سؤال بسيط جداً: كيف يستطيع المسلمون ان يكونوا انفسهم وان يكونوا منتمين للقرن الحادي والعشرين؟ فهناك من يحاول تفسير الحاضر بعيون الموتى وهذه أزمة، الاخوة الجمهوريون الذين اختلف معهم مع احتفاظي بالود لهم اجدهم الاكثر تأزماً لانهم يقومون بعملية تجديد وعملية اصلاح في الدين الاسلامي الذي يتميز بانه مقاوم للتغيير ومقاوم للاصلاح وله قدرة كبيرة على المقاومة متأتية من اللغة العربية وما فيها من مطاطية! كما استمعنا الان في حديث د. القراي فهي لغة جميلة جداً ولكنها لا تحمل افكاراً كل الذي يقوله القراي (دولة علمية) ماهو تعريف الدولة العلمية؟ وكل الاستشهادات الدينية التي اتي بها ينطبق عليها قول الاخ عبد الله النعيم (تفسير ذاتي) ليس فيه موضوعية فكل يستطيع تفسيرها من زاويته الخاصة، كان الأجدر بالاخ عبد الله ان يتحدث عن عملية العلمنة وليس العلمانية وواو العطف بين الاسلام والعلمانية غير مناسبة والأفضل العطف على العلمنة، هناك علمنة في داخل الاسلام يتعرض لها انصار السنة ويتعرض لها منبر السلام العادل ويتعرض لها كل السلفيين فكل شخص يعيش في القرن الحادي والعشرين يتعرض لذلك، الامساك بالميكروفون علمنة!! فهذه تكنولوجيا لم ننتجها!! والعلمنة بناء فكري متكامل ولدته الثورة الصناعية والاصلاح الديني وهذا الشكل لم يوجد في الاسلام وهناك صعوبة في ان يوجد في الاسلام ولدي سؤال للاخوة الجمهوريين ولكل الاصلاحيين هل يستطيع عبد الله النعيم وعمر القراي طرح ما قالاه هنا امام النخبة في حوش الخليفة او امام الناس العادين؟



    لماذا آمنت الاغلبية بوهم الشريعة الاسلامية؟ في الانتخابات الماضية الجبهة الاسلامية وحزب الامة والاتحادي الديمقراطي كل منهم طرح الشريعة الاسلامية فلماذا تفوق الوهم على الحقيقة وهذا ينسحب على كل العالم الاسلامي! كل الدعوات الاصلاحية فشلت وبقيت دعوات صفوية فهناك من أسموا انفسهم باليسار الاسلامي في تونس مثل صلاح الدين الجورشي ومعه ثلاث او اربع اشخاص فقط وكذلك حسن حنفي وفي ايران لم يستطع على شريعتي ان يخترق حاجز التقليد واطالب باجابة لماذا لم يستطع الاصلاح الديني داخل الاسلام ان يخترق الوهم الذي تحدث عنه د. عبد الله النعيم؟










    ----------------------------------------------

    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=990
    --------------------------------------------------------------------------------
    الكاتب : admino || بتاريخ : الثلاثاء 30-12-2008
    عنوان النص : البروفسير عبد الله النعيم في منبر أجراس الحرية: الدولة الاسلامية بدعة وهم لا أساس له من الناحية المف
    : منبر أجراس الحرية عن الاسلام والعلمانية (1-3)
    الفصل الصارم بين الدين والدولة ضروري لمصلحتهما معاً!
    فالمشكلة ليست ان الدولة الاسلامية فشلت في السودان بل فكرة الدولة الاسلامية لا يمكن ان تنجح في اي مكان!
    اعارض مشروع الدولة الاسلامية من منظور اسلامي
    هذا هو تعريفي للدولة العلمانية!
    تطبيق الشريعة بواسطة الدولة افساد للشريعة والدولة والمجتمع وهذه هي الاسباب ..!!
    الحق والباطل دينا لا يمكن حسمه الا في ضمير المؤمن
    رصدت الندوة واعدتها للنشر:
    رشا عوض
    استضاف منبر اجراس الحرية مساء الاحد 21/12/ البروفسير عبد الله احمد النعيم في ندوة بعنوان (الاسلام والعلمانية) قدم فيها اطروحته حول علمانية الدولة ادار الندوة الاستاذ الحاج وراق وعقب على الاطروحة الدكتور عمر القراي متبنياً وجهة نظر مختلفةوشارك في النقاش عدد كبير من الحضور الذين يمثلون تيارات فكرية مختلفة البروفسير عبد الله احمد النعيم هو استاذ كرسي القانون بجامعة اموري بولاية اتلانتا الامريكية تخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون ونال درجة الماجستير والدكتوراة من بريطانيا ثم عمل محاضراً بجامعة الخرطوم ثم عمل استاذاً زائراً بعدد من الجامعات في امريكا وكندا والسويد.
    ابتدر حديثه بالاشارة الى انه تلميذ للاستاؤ محمود محمد طه معتبراً هذه (التلمذة) شرفاً حياً مستمراً ومسؤولية كبيرة ثم دلف الى موضوع الندوة مشدداً على انه يتحمل شخصياً المسؤولية الكاملة عن اطروحته موضوع الاسلام والعلمانية متشعب ومتعدد الجوانب ساحاول هنا التركيز على جوهر الموضوع واضعاً بعض النقاط ثم استمع الى تعقيب الاخ عمر ثم استمع الى مدخلات الحضور وبعد ذلك نتداول في الموضوع وانا لا اهدف لأن اقول رأياً نهائياً وحاسماً بل اهدف لان اضع امامكم اطروحة – انا على قناعة تامة بها_ ولكن لدى استعداد تام لتغييرها ان ثبت لي بطلانها!

    فيما يلي نترك المجال للبروفسور عبد الله النعيم ليستعرض أطروحته تفصيلا:

    التجربة المريرة
    نحن السودانيين أصحاب تجربة فريدة فقد عايشنا تجربة كاملة فيما لمحاولة تطبيق الشريعة الاسلامية وتطبيق ما يسمى بالدولة الاسلامية والمتابع للأوضاع في السودان في ظل هذه التجربة لا يمكن أن يتصور ان السودان أصبح على مشارف ان يكون نموذجاً كوكبياً! فقد عشنا تجربة كاملة ثبت بطلانها وثبت فشلها.
    ولكن هذه التجربة المريرة والزمن الغالي الذي دفعه في سبيلها هذا البلد يكون بلا جدوى اذا لم نتخذ العبرة مما حدث، فاذا توهمنا ان ما حدث هو مجرد فشل تجربة وليس فشل النموذج نفسه فسوف يتصدى مغامر آخر ويقول سوف أنجح انا فيما فشل فيه الآخرون.

    وفي أطروحتي هذه أهدف لأن أقرر الحقائق التالية:

    الحقيقة الأولى: إن مفهوم إمكانية إقامة دولة اسلامية وهم باطل لا أساس له على الإطلاق من الناحية المفهومية ولا أساس له في التجربة التاريخية او الممارسة العملية، فالمشكلة ليست ان الدولة الاسلامية فشلت في السودان بل فكرة الدولة الاسلامية في حد ذاتها لا يمكن ان تنجح في اي مكان وهي لم تقم على مر التاريخ في اي مكان،
    والحقيقة الثانية: هي أن الشريعة الإسلامية لا يمكن ان تطبق بواسطة تشريع الدولة فالدولة الاسلامية اذا تصدت للقيام بتفنين الشريعة الاسلامية فسوف يؤدي ذلك إلى إفساد الدولة وإفساد تطبيق الشريعة وإفساد المجتمع كما سأوضح لاحقا، فهذه المحاولة فاشلة من جميع جوانبها ولا ينبغى ان نتورط فيها،
    الحقيقة الثالثة: في المجتمع المسلم لابد من تناول القضايا من منظور اسلامي ولذلك جاء عنوان هذه الندوة (الاسلام والعلمانية) وهذا الربط ليس تكتيكيا!ً فأنا مسلم وأرجو ان اكون مسلماً في كل جوانب حياتي ولذلك فإنني عندما أعارض مشروع الدولة الاسلامية افعل ذلك من منظور إسلامي فلا يمكن ان يتحقق صالح المسلمين كأفراد أو كمجموعات في ظل ما يسمى بالدولة الإسلامية، فانا اعتقد ان مناهضة الدولة الاسلامية شرط لازم لصحة تجربة المسلم في ممارسته لدينه، فمحاولة اقامة الدولة الاسلامية هي إجهاض لإمكانية ممارسة الإنسان للإسلام بصورة صحيحة لان الانسان لا يصح إسلامه إلا إذا اختاره بقناعة ذاتية واي شكل من القهر والإكراه يغير طبيعة التجربة وطبيعة العمل.
    الحقيقة الرابعة: أنا أدعو للفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة! فلا يمكن ولا يجوز للدولة ان تتخذ اي موقف ديني باختلاف الاديان وليس الاسلام وحده، فهناك ضرورة حتمية لفصل الدين عن الدولة لمصلحتهما معا، ولكن بالرغم من هذا الفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة يجب عدم حرمان المواطن المسلم من التعبير عن قيم الدين من خلال المؤسسات العامة والسياسات العامة وحتى التشريعات، ولكن ليس من منطلق تطبيق الشريعة، وتبدو هذه الدعوة وكأنها معضلة أو مغالطة ولذلك سأسعى لاحقا لتوضيحها، أي لتوضيح كيفية فصل الدين عن الدولة وفي الوقت ذاته تمكين الشريعة الاسلامية والقيم والاخلاق الاسلامية من التأثير على الحياة العامة، فمن المعروف في التجارب العلمانية للمجتمعات المختلفة أنها تتشدد في فصل الدين عن الدولة بصورة صارمة لا تسمح بأي وجود للدين في الحياة العامة كما هو الحال في التجربة الفرنسية والتجربة التركية وعندما يتخوف المسلمون من العلمانية تكون في أذهانهم مثل هذ التجارب التي تمضي في اتجاه الاقصاء التام للدين من الحياة العامة وأنا أعارض ذلك إذ أن تعريفي للدولة العلمانية هو أنها دولة محايدة تجاه الدين ووفقا لهذا التعريف تركيا ليست دولة علمانية لأنها تتحكم في الدين وليست محايدة تجاهه وكذلك فرنسا، فأطروحتي هي فصل الدين عن الدولة مع تمكين المجتمع من ممارسة معتقداته والتعبير عنها من خلال السياسات العامة والتشريع وتقنين أحكام الشريعة ولكن ليس من منطلق انها شريعة إسلامية بمعنى انه لا يمكن ولا يجوز ان نشرع قانوناً ونطالب بتطبيقه ونقول إننا فعلنا ذلك لأن هذا القانون هو من الشريعة الاسلامية، ففي ذلك خلط بين الدين والدولة! ففي الدولة العلمانية لا يكون القانون قانونا لأن الشريعة أمرت به ولكن إذا أمكن تقديم طرح لمشروع قانون أو سياسة عامة تتضمن بعضاً من قيم الشريعة الاسلامية وأحكامها وتم تبرير ذلك بالمنطق العام أي المنطق المدني فلا مانع من ذلك، اي ان لا تستخدم المرجعية الدينية في فرض القوانين والسياسات أو تبريرها، فالذنب الديني ليس جريمة، اذا كان هناك سلوكاً يعتبره المسلم ذنبا وأراد المسلم أن يجرّم هذا السلوك فلا بد ان يقدم أسباباً موضوعية لهذا التجريم دون الإشارة لمرجعية دينية لأن المواطنين حتى اذا كانوا ينتمون لدين واحد يصعب اتفاقهم على رؤية دينية واحدة ، فنحن شركاء في الدولة ولنا الحق في أن نختلف في أدياننا وبالضرورة سوف نختلف فيها حتى ان كنا أصحاب دين واحد وبالتالي لا يمكن أن تكون المرجعية الدينية هي الأساس للسياسات العامة للدولة ولذلك يجب أن تتأسس السياسات العامة للدولة على المنطق العام للمواطنة، فيجب ان نقنع المواطنين بأن المشروع المطروح في السياسة العامة صحيحاً استناداً إلى أسباب موضوعية وليس استناداً الى ان الدين أمر بذلك فقد يكون هناك مواطن لا يؤمن بالدين أصلاً فالمسلمون أنفسهم يختلفون في فهم ما قاله الله وأمر به ناهيك عن غير المسلمين او اللا دينيين، والمواطن الذي لا يعتقد في الاسلام هو مواطن كامل المواطنة وعدم إسلامه لا يقدح في مواطنته أو كرامته الإنسانية مطلقاً ولذلك فإن المواطنين المسلمين إذا رغبوا في طرح مشروع قانون أو سياسة عامة من منطلق قيمة إسلامية فعليهم أن يقنعوا المواطنين الآخرين دون الاعتماد على العقيدة الدينية، هذه الحقائق هي اأطراف الموضوع الذي نحن بصدده، وفيما يلي أود التفصيل في بعض الأمور لتتضح الصورة تماما، فأنا لا أنزعج من الخلاف مع أطروحتي بأي قدر ولكن بشرط ان يختلف معي الآخرون على أساس ما اقول وليس على أساس ما يتوهم الآخرون حول ما أقول:
    لا أدعو للعلمانية كفلسفة حياة:
    عندما أدعو للدولة العلمانية يتبادر إلى الذهن أنني أدعو للعلمانية كفلسفة حياة، وأطروحتي ليست الدعوة للعلمانية كفلسفة حياة بل أدعو لعلمانية الدولة بصورة كاملة،
    لقد ذكرت في بداية حديثي أن الدولة الدينية لا يمكن ان تقوم ولم تقم في الماضي ولا الآن ولن تكون في المستقبل، فالدولة مؤسسة سياسية لا تملك إمكانية الاعتقاد الديني فالإنسان وحده هو الذي يعتقد والجماعة المسلمة هي عبارة عن مجموعة من المسلمين المختلفين وهي ليست كياناً يمكن أن يعتقد فالكيان القادر على الاعتقاد في كل الوجود هو الانسان الفرد والدين هو مسؤولية الانسان منفرداً ومتفردا عن اعتقاده فلا يمكن لمؤسسة أن تعتقد أو تسلك سلوكاً دينياً فعلى حد قول المرحوم جعفر بخيت في السبيعنات وعلى حد قول المرحوم جون قرنق الدولة لا تصلي ولا تصوم ولا تذهب إلى الجامع.. فبداهة الدولة لا يمكن أن تكون دينية ولكن لا يكفي ان ننفي صفة التدين عن الدولة لأن هذا ما ينفر المسلمين من الدعوة للدولة العلمانية، فإذا كانت العلمانية تعني تغييب الدين مطلقاً فهذا غير مرغوب سواء عند المسلمين او عند المؤمنين عموماً من مختلف الأديان ولذلك نحتاج الى صفة إيجابية في الدولة التي نثق في مقدرتها على أن تضمن حرياتنا بالقدر الذي يمكننا من ممارسة معتقداتنا الدينية بحرية وكرامة، فالدولة العلمانية هي الدولة المحايدة تجاه الدين أي التي ليس لها موقفاً سلبياً او إيجابياً من الدين فالدولة مؤسسة سياسية لها وظائف محددة لازمة وضرورية تقتضي حيادها تجاه معتقدات الناس فالدولة وظيفتها توفير الأمن والسلامة وإدارة الاقتصاد والتنمية ولكن لاعلاقة لها بالدين.
    مراوغة المثقفين يمينا ويسارا
    وبالتالي فلا علاقة للدولة بالفرد الا كمواطن ولا شأن لها بأن يكون هذا المواطن مسلماً او مسيحياً او بوذياً او ملحداً وهذه هي الصفة الإيجابية التي أعنيها وهي أيضاً لها اشكالاتها فحياد الدولة تجاه الدين لا يحل كل المشاكل ولكن هناك جانب معين من المشاكل عايشناه في السودان بمرارة وقسوة شديدة وفي هذا الجانب لا مفر من مواجهة هذا الأمر بهذا التحديد، مما يحزنني ويؤلمني أن كل قطاعات الرأي العام السوداني حتى المثقفين يميناً ويساراً لم يجرؤوا على مواجهة القضية بهذا التحديد (فاللت والعجن) الذي يدور في هذه القضية سببه أن لا أحد يريد أن يقول صراحة ليست هناك دولة إسلامية وهذه المراوغة هي التي كلفتنا كل هذا العنت خلال العشرين سنة الماضية فيجب ان نتجاوز هذا الوهم وهذه البدعة، فالدولة الاسلامية بدعة.
    فخطاب الدولة الإسلامية لا وجود له في التاريخ الاسلامي حتى منتصف القرن العشرين، فإذا بحثنا في كل لغات المجتمعات المسلمة لا نجد مصطلح (الدولة الاسلامية) قبل القرن العشرين، فهذا خطاب مستحدث، أي خطاب ما بعد الاستعمار وهو خطاب قائم على مفهوم استعماري للدولة ومفهوم استعماري للقانون، فالدولة الاسلامية التي تمت الدعوة لها في أواسط القرن العشرين تعتمد على مفهوم أوروبي للدولة وهو مفهوم الدولة المركزية البيروقراطية ذات الحدود السياسية المحددة وذات السيادة الكاملة، فهذه مواصفات أوروبية للدولة أخذ بها الإسلاميون ليوهمونا ويوهموا أنفسهم أن هناك دولة إسلامية يمكن أن تكون بهذه المواصفات.
    الخلط بين الشريعة والقانون:
    القانون ليس شريعة والشريعة ليست قانونا،ً وعندما نتوهم أننا يمكن أن نقنن الشريعة نغير من طبيعتها كنظام وقواعد سلوكية ملزمة للمسلم دينا،ً فتصبح قاعدة قانونية ملزمة للمواطن قانوناً، فالشريعة تعتمد على عقيدة الإنسان في صحة الموقف أو السلوك المعين ومسؤوليته عن ذلك، أما القانون فيعتمد على مقدرة الدولة على إنفاذ إرادتها بغض النظر عن رأي المواطن في صحة أو بطلان القانون، فأنا من ناحية دينية غير مسؤول إلا عما اعتقد بأنه شريعة ملزمة لي، أما قانونا فأنا ملزم بأن أطيع قانون الدولة ايا كان رأيي فيه فإذا كان النظام ديمقراطياً فيمكنني السعي لتغييره ولكن عدم مقدرتي على تغييره لا تعفيني من الالتزام به فطبيعة القانون مخالفة لطبيعة الشريعة.
    آن أوان التحرر من الأوهام:
    الخطاب الإسلامي في أواسط القرن العشرين أوهمنا أن هناك شئ اسمه الدولة الإسلامية وهي في الواقع نفس الدولة الأوروبية القائمة على المنهج الأوروبي والتي لم يكن لها وجود قبل الاستعمار، فطبيعة الدولة المعاصرة هي طبيعة أوروبية وليست إسلامية، وطبيعية القانون الصادر عن السلطة التشريعية في هذه الدولة مغايرة لطبيعة الشريعة الإسلامية، فمن طبيعة الرؤية الدينية أنها لا تقبل الحسم بالتقاضي، الحق والباطل ليس مسألة تحسم بالتصويت أو بالقوة فطبيعة الحق والباطل ديناً مسألة لا يمكن أن تحسم إلا في ضمير المؤمن نفسه فطبيعة الموقف الديني لا تقبل ان نحمل الانسان على غير قناعته بينما طبيعة الموقف السياسي المقدرة على طاعة القانون المجاز بالأغلبية.
    فالمسألة مغالطة ووهم باطل وأنا أسميه بدعة ولكن هذا الخطاب نجح في أن يوهمنا بأنه حقيقة موضوعية واقعة فلم يعد بمقدرتنا تصور بديل له.
    دولة المدينة لم تكن دولة اسلامية:
    إنني أعمل في هذا المشروع منذ عشر سنوات وقد طفت محاضراً حوله في مختلف الدول في افريقيا واسيا ودائماً يوجه لي السؤال التالي: إذا لم تكن هناك دولة اسلامية فما هي دولة المدينة ؟
    دولة المدينة هي دولة سياسية وليست دينية، هي معادلة سياسية بين قطاعات وقوى سياسية واجتماعية في واقع معين ودولة ابو بكر الصديق ليست دينية ووجوده في قيادتها كان سياسياً وليس دينياً، أما حالة النبي صلى الله عليه وسلم فهي حالة متفردة لا سبيل لتكرارها فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي وهذا لا يقارن بأي موقف آخر وابتداء من ابي بكر الصديق الدولة سياسية فيها ما فيها من التنازع والاختلاف .

    جانب الممارسات المعاصرة:
    السعودية وإيران مثلا ليستا دولتين إسلاميتين والسودان لم يكن دولة إسلامية في يوم من الأيام لا في عهد المهدية ولا في عهد الانقاذ، فهذا وهم باطل والادعاء بأن الدولة إسلامية لا يجعلها كذلك! مثلاً السعودية وإيران الاثنان على طرفي نقيض ويكفران بعضهما البعض فكيف تكونان دولتين إسلاميتين؟ فصفة الدولة الاسلامية صفة عشوائية تماماً وليس لها اساس موضوعي ولقد أفرطنا في وصف الأشياء بالإ سلامية الدولة الاسلامية , البنك الاسلامي, وهذا عبث ولذلك غاب علينا مواجهة من يحدد ماهية هذه الصفة وفي هذا السياق تحضرني تجربة باكستان التي أسست لكي تكون دولة للمسلمين، ففي عام 1953 أقامت الدولة لجنة مفوضة لتعريف من هو المسلم هذه اللجنة قامت باستجواب مئات العلماء والمفكرين الإسلاميين وتوصلت الى قرار أنه لا يمكن تعريف من هو المسلم! ففي الحقيقة وجدت هذه اللجنة ان كل طائفة من المسلمين في باكستان محكوم عليها من قبل طائفة أخرى بأنها خارجة عن الدين!! فالدولة مؤسسة سياسية فقط والوصول الى هذه القناعة ليس سهلاً وبالتوصل لهذه القناعة نستطيع إغلاق باب في منتهى الخطورة في مسألة السياسة وهو تكفير الناس بسبب الاختلاف في الرأي، فلا يوجد فهم ديني موضوعي فكل فهم ديني فردي وذاتي فما هو دين عندي هو دين عندي انا فقط.
    اي رأي ديني ذاتي ولذلك نقاش السياسات العامة لا يجوز أن يكون نقاشاً دينياً ففي هذا المجال (كل حزب بما لديهم فرحون) اما النقاش الموضوعي للسياسات العامة فيجعل بالإمكان تغييرها وتبديلها دون حرج .
    فقوانين سبتمبر 1983 وهي وهم باطل وتناقض وجهل وتنطبق عليها كل الصفات السيئة لم نتمكن من الفكاك منها بسبب الوهم بأنها شريعة اسلامية وهي ليست كذلك ويمكن الغاؤها بجرة قلم، فيجب أن نتحرر من هذا الوهم ونلتفت لقضايانا الحقيقية الكبيرة في التنمية والمسؤولية المحاسبة ، فهذا الوهم أضاع علينا الكثير من الزمن الغالي العزيز.
    --------------------------------------------------------------------------------
                  

01-05-2009, 05:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    الأحد 28 ديسمبر 2008م، 1 محرم 1430هـ العدد 5574


    في الذكرى المئوية لميلاد الأستاذ محمود محمد طه

    د. عمر القراي

    لكي تعرف الأجيال أقدار الرجال (2)
    مقاومة الاستعمار :
    في مستهل الحركة الوطنية اتجهت الأحزاب الكبيرة التي تكونت من مؤتمر الخريجين الى مهادنة الإستعمار ، وطرح بدائل مقبولة لديه ، مثل الوثيقة التي تدعو للاتحاد مع مصر والتحالف مع بريطانيا ، وتكون على أساسها ، الوفد الذي أعد ليسافر إلى مصر ، فقد جاء (أن الوفد السوداني عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه : أن مطالب السودانيين تتلخص في :
    (1) إقامة حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وقد ترك تحديد نوع هذا الاتحاد معلقا لم يبت فيه.
    (2) مصر والسودان سيقرران معا طبيعة هذا الاتحاد .
    (3) عقد محالفه مع بريطانيا العظمى على ضوء هذا الإتحاد المصري السوداني (جريدة الرأي العام بتاريخ الأربعاء 28/3/1946) . ولقد رفض الحزب الجمهوري هذا الإتجاه وعن هذا الرفض جاء (ورفض الحزب الجمهوري الوثيقة التي إئتلفت عليها الاحزاب الأخرى في 25 أغسطس 1945م وتبناها المؤتمر في اكتوبر 1945م لأنها تختلف في جوهرها عن دستور الحزب . وقد سبقت الاشارة الى ان احد بنود الوثيقة ينص على قيام حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا. وفي معرض تعليقه على هذا البند قال الحزب الجمهوري « اننا لا نفهم لماذا نتقيد باتحاد وتحالف فنضع بذلك حق البلاد الطبيعي في الحرية موضع المساومة بان ندفع ثمن الحرية اتحاداً مع هذه او تحالفاً مع تلك « ( فيصل عبد الرحمن على طه : الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان . ص 231).
    وبين ما كان هذا اتجاه الأحزاب الكبرى، اتجه الحزب الجمهوري بقيادة الأستاذ محمود ورفاقه إلى الشعب مباشرة يثيرونه ضد الاستعمار ، بالمواقف الصادقة ، وبالرأي السديد .. ومن ذلك مثلاً نقرأ ( مثل الأستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الإخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام لا يشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات. ويودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك .. ولكن الأستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن، وقد اقتيد لتوه إلى سجن كوبر( الرأي العام - 3/6/1946م). بهذا الاعتقال أصبح الأستاذ محمود محمد طه ، أول معتقل سياسي ، في مستهل الحركة الوطنية. ومع ذلك فقد استبعد اسمه من كل كتب التاريخ فلم يعرف ابناء هذا الشعب من أول من دافع عن كرامة شعبهم واستقلاله .

    ولما كان الاستاذ محمود محمد طه قد فضل الاعتقال على الرضوخ للمستعمر حتى تتصاعد المقاومة الشعبية ، فانه قد رفض الانصياع لقوانين السجن ، حتى عوقب عقوبات مضاعفة داخل السجن .. وكانت السلطة البريطانية ، في حيرة من أمره ، لأنها لم تكن لها سابق تجربة مع معتقلين سياسيين قبله ، ولأنه كان يفاجئهم بعصيان اوامرهم غير عابئ بعقوباتهم .. فقد رفض أن يعمل كما يعمل المساجين ، ليطوع قوانين السجن حتى تميز بين المعتقل السياسي والمجرم العادي. وفي هذا المضمار رفض الاستاذ محمود أن يقف لضابط السجن ، واخبره انه ليس لديه مشكله معه ، ولكن مشكلته مع الحكومة الإستعمارية ولهذا لن يطيعها لا خارج السجن لا داخله .. وعن ذلك نقرأ ( بيان رسمي من مكتب السكرتير الإداري عن رئيس الحزب الجمهوري: «ظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثا بخصوص محمود محمد طه الذي هو الآن تحت الحراسة بالخرطوم بحري نتيجة لرفضه أن يمضي كفالة المحافظة على الأمن.. وهذه البيانات قد احتوت على معلومات غير دقيقة، والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود محمد طه أن يشتغل، وهذا يخالف قوانين السجن فلم يعمل له أي شئ في اليوم الأول، أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام «بالزنزانة» و «الأكل الناشف» ولو أنه رفض أيضا أن يقف عند الكلام مع ضابط السجن فان العقوبة التي نالها الآن لم تعط له نتيجة المخالفة لنظام السجن، وبهذه المناسبة يجب أن يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم ، يجب أن يقفوا الى ضابط السجن انجليزيا، كان أو سودانياً . ( الرأي العام - 26/6/1946م).

    وحين كان الأستاذ محمود يقاوم الاستعمار، من داخل السجن ، كان رفاقه في الحزب الجمهوري ، يصعدون المقاومة في الخارج ، فقد نشرت جريدة الرأي العام ، في نفس الأسبوع الذي سجن فيه الأستاذ ، الخبر التالي:
    ( ألقى الأستاذ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري خطابا عاما أمس الأول عن الجنوب في الخرطوم بحري في جمهور كبير أمام السينما الوطنية، وأعاد إلقاءه مرة أخرى في نفس الليلة في مكان آخر في الخرطوم بحري، وقد استدعاه البوليس هذا الصباح وحقق معه فاعترف بكل ما حصل وزاد بأن هذا جزء من خطط كبيرة ينفذها الحزب الجمهوري ).
    وفي تصوير ذلك السجن الأول وما يحوي من مشاعر الوطنية الصادقة سطر الشاعر الفذ محمد المهدي المجذوب في مارس 1947م قصيدة طويلة جاء فيها :
    محمود يا ابن محمد لك أسوة
    أوعيت محنة يوسف تأويلا
    وطن وهبت له الشباب منضراً * ورأيت أجمل ما وهبت قليلاً
    بات الرجال على الخيانة والخنى * وجعلت قيدك للوفاء مقيلا
    الفجر منتظر حداءك صافياً * بهدى السماء ونورها مشمولا
    تلقي البلاد الى يديك زمامها * بطلاً يعود بفخرها موصولا
    فرداً على آي النبي وشرعه * عدلاً يقيم على البلاد عدولاً
    وهو الأمين وسوف يسأل معجب * أتراه يبعثه الرسول رسولا
    قلبت يا وطني السيوف كثيرة * حتى وجدت حسامك المأمولا
    أنظر حسامك ذو المضاء محجب * في السجن يبرق حده مصقولا
    محمود يلمع في عماية كوبر * مثل الهلال وضاءة ونحولا
    الله طهر اصغريه ومده ظلا * على أهل الحقوق ظليلا
    الصايم القوام بين قيوده * يتلو الكتاب منزلاً تنزيلا
    خشعت له من كوبر انحاؤها * وتسمعت في ليلها ترتيلا
    مسحت تلاوته على آثامها * فبكت هناك متابها مجهولا
    محمود برأك العليم من الهوى * وأحق فيك على الحياة دليلا
    الفجر أنت على النفوس ولم * يكن بسواك نور هداية مكفولا
    أنت الغياث لموطن ابناؤه * تركوه بين عيونهم مخذولا

    ولما تصاعدت المقاومة من الجمهوريين ، على قلة عددهم في ذلك الوقت ، خشيت الحكومة البريطانية من تعاطف الشعب معهم ، فأطلقت سراح الأستاذ محمود . وبالرغم من ان الحزب الجمهوري قد كان الأصغر ، من بين الأحزاب ، ألا أن مئات التهاني ، وعبارات التضامن والتقدير ، للدور الوطني ، الذي لعبه رئيسه ، قد وردتهم من جميع أنحاء السودان ، مما يدل على استعداد الشعب للثورة ، لو أن قادته قد كانوا في المستوى المطلوب ..
    ويكفي أن نذكر بعض تلك البرقيات، التي وردت للحزب الجمهوري آنذاك ، عرفاناً لأصحابها الأحياء منهم ، والأموات ، فقد دخلوا بها التاريخ :
    ( سكرتير الحزب الجمهوري - أم درمان
    كان سجن الرئيس درسا وطنيا قيما لشباب الجيل في الإيمان والروح وقد سررنا لخروجه لا شفقة عليه ولكن ليواصل الجهاد الوطني . حسن بابكر - القضارف 24/7/1946).
    ( محمود محمد طه - الحزب الجمهوري أم درمان :
    تأكل النار الصدأ واللمما وبها يسمو كريم الذهب
    ويرى الحر العذاب المؤلما لذة في الحق يا للعجب
    ياسجينا قدره قد عظما وسما حتى جثا في السحب
    أحمد محمد عثمان - عطبرة 29/7/1946)
    ( الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري - أم درمان
    أعضاء جبهة المؤتمر الوطنية بالابيض يرون في خروجك من السجن آية واضحة للإيمان بالوطنية الصادقة ويعدّون جهادكم رمزا للكرامة السودانية، فبقلوب مفعمة بالغبطة يشاركون إخوانهم الجمهوريين السرور بعودتكم لميدان الجهاد .
    السكرتارية 24/7/1946)
    ( أمين صديق ، البوستة الخرطوم للرئيس
    دخلته رجلا وغادرته بطلا وضربته مثلا
    علي عبد الرحمن - الأبيض 32/7/1946م)
    ( سكرتير الحزب الجمهوري - الخرطوم
    إن جميع أعضاء الجبهة الوطنية بسنجة مستبشرون بالإفراج عن رئيس حزبكم العظيم وهم جميعا يبتهلون الى الله أن يسدد خطاكم ويتمنون للرئيس العافية وحسن الجهاد.
    سكرتير عام الجبهة الوطنية - سنجة 2/8/1946م)
    ( محمود محمد طه - أم درمان
    عرفنا فيك المثل الأعلى منذ عهد الطلب، فسرّنا أن يعرف القاصي والداني هذا القلب الكبير
    صديق الشيخ - كوستى 30/7/1946 )
    ( محمود محمد طه - أم درمان
    أوفيت كرامة السودان وابائه حقهما - فلتعش رمزا صادقا للوطنية الخالصة ، لك تقديرنا وإعجابنا .
    اتحاد طلبة كردفان - الأبيض 23/7/1946م)
    ( محمود محمد طه - أم درمان
    لقد سجلت بعزمك القوي وإيمانك الصادق فخرا للأجيال فلتعش مرفوع الرأس - لك منى التهاني-
    الطيب حسن/عطبرة 24/7/1946م).
    وهكذا تجاوب الشعب مع الاستاذ محمود، واتخذه رمزاً لنضال الأمة ، وحامياً لعزتها وكرامتها، ومع كل ذلك لم يرد اسمه في تاريخ السودان . ولقد افلح خصومه السياسيين، والدينيين، ان يشوهوا افكاره ، وان يخفوا مواقفه ، حتى نشأت اجيال، لا تعرف عنه، الا ما ينفرها منه ومن فكره . ولم يكتف الحزب الجمهوري، تحت قيادة الاستاذ محمود، بمواجهة الاستعمار، وانما امتد نضاله لمواجهة الأحزاب الكبيرة، التي سارت مع الاستعمار في مشروعه، وتبادلت معه المذكرات، ولم تلتفت لشعبها تثيره ضد المستعمر .. ومن مما جاء في ذلك منشور شهير جاء فيه ( هذا نذير من النذر الأولى ياجماعة الأشقاء وياجماعة الأمة - أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية - أيها القادحون قادحات الاحن بين أبناء الأمة - أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة ، أيها المرددون النغمة المشئومة - نغمة الطائفية البغيضة - انكم لتوقرون أمتكم وقرا يؤودها ..
    ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تلتمسون الحرية بالانتماء الى المصريين فتتمسكون بأسباب رمام ، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الانجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام .. أنتم تريدون ابقاء المصريين ، وأنتم تريدون ابقاء الانجليز ، فاذا اجتمعت كلمتكم فانما تجتمع على ابقاء المصريين والانجليز معا ..
    ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لاتقوون على مواقف الرجال الأشداء ، وأنتم تتمسحون بأعتاب الانجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صورا شوهاء .. أنتم تريدون السلامة ، وأنتم تريدون الملك .. أنتم تضيعون البلاد لمّا تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لمّا تطمعون .. أنتم تستغلون سيدا لايعرف ماتريدون ، وأنتم يستغلكم سيد يعرف مايريد ، والبلاد بينكم أنتم ، وأنتم ، على شفا مهواة ومهانة .. فليلطف الله ببلاد لايخدم نهضتها الا صغار الموظفين ، أو كبار الموظفين ، وليتدارك الله دينا باسمه يحيا أناس في برد العيش ، وقرار النعمة ، ورخاء الدعة ، وباسمه هم لأبنائه يكيدون ..
    ياهؤلاء ، وهؤلاء : ان الله لواحد ، وان الدين لواحد ، وان الوطن لواحد ، ففيم تنقسمون على هذا النحو المزري . ياهؤلاء ، وهؤلاء : كونوا ليوثا غضابا ، أو فكونوا قردة خاسئين ، وارحموا شباب هذا الوادي المسكين ، فقد أوسعتموه غثاثة وحقارة وهوانا ..
    ياهؤلاء ، وهؤلاء - لأنتم أشأم على هذه البلاد من كل شؤم وشؤم .. أيها السادرون من هؤلاء وهؤلاء ، لاتحسبن الكيد لهذه الأمة مأمون العواقب ، كلا !! فلتشهدن يوما تجف لبهتة سؤاله أسلات الألسن ، يوما يرجف كل قلب ، ويرعد كل فريصة ....) ( ارشيف الجمهوريين: منشور 1945م)

    --------------------------------------
    الأحد 4 يناير 2009م، 8 محرم 1430هـ العدد 5574


    في الذكرى المئوية لميلاد الأستاذ محمود محمد طه

    د. عمر القراي

    لكي تعرف الأجيال أقدار الرجال «3»
    ثورة رفاعة:
    في اواخر عام 1945م كانت أصوات السودانيين ترتفع مطالبة بحق تقرير المصير، وكانت دولتا الحكم الثنائي بريطانيا ومصر، تدرسان هذا الطلب نزولاً عند مبادئ ويلسون بعد الحرب العالمية.. في هذه الأثناء أصدرت الإدارة البريطانية قانون منع الخفاض الفرعوني. ولقد كان الانجليز يتوقعون رفض القانون، ومقاومته، لعلمهم بأن هذه العادة متأصلة، وبأنها ترتبط في الوعي الشعبي بالعفة والشرف، وتعد من أخص خصوصيات الاسر.. ولكنهم حين أعلنوا القانون، كانوا يخططون لاستثمار الرفض المتوقع كدليل على ان الشعب السوداني لا يزال متخلفاً، وهو من ثم، لا يستحق الحكم الذاتي أو الاستفتاء لتقرير المصير.. هذا هو الغرض من إصدار القانون في ذلك الوقت بالذات .. فالقضية إذن في جوهرها قضية سياسية، وهي لا يمكن أن تواجه الا على المستوى السياسي. ولهذا عارض الجمهوريون قانون الخفاض الفرعوني علناً، وكشفوا نوايا المستعمر، خاصة في منشورهم الذي صدر في ديسمبر عام 1945م، والذي جاء فيه «إننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود ان ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني، أو نحلل الأسباب التي أوحت بها لأبناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا، ولكننا نود ان نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة ابتدعتها حكومة السودان ابتداعاً، وتريد أن تجبرنا على اتباعها...» ويمضي المنشور ليقول «إن الخفاض عادة سيئة ولها مضارها المتعددة، ولكنَّ السودانيين مثل بقية الشعوب لهم عاداتهم الحسنة، وعاداتهم السيئة، والعادات السيئة لا تحارب بالقوانين وانما بالتربية والتعليم الواعي ... ولا شك أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة متأصلة في النفوس تأصل الخفاض الفرعوني، دليل قاطع على أن حكومة السودان إما أن يكون رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ، أو عقيدة، أو أن تكون قد أرادت أن تقول للعالم الخارجي إن السودانيين قوم متعنتون، وأن تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية، هو نفس التعنت الذي وقف في سبيلنا، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب، والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبراوي، والتوسع في التعليم.. هذا من ناحية الالتجاء للقانون، وأما القانون في حد ذاته فهو قانون أريد به اذلال النفوس، واهدار الكرامة، والترويض على النقائص والمهانة.. قل لي بربك أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟ وأي كريم يرضى أن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيرته للطبيب للكشف عليهن؟ عجباً لكم يا واضعي القانون ان تستذلونا باسم القانون؟ أو من الرأفة بالفتاة أن تلقوا بكاسبها في أعماق السجون ؟! » « ارشيف الجمهوريين 1946م». هذا هو رأي الجمهوريين الواضح في قانون الخفاض، قبل مواجهتهم الحكومة وقيادة الأستاذ محمود لثورة رفاعة.
    في سبتمبر 1946 قبضت السلطات على امرأة، في مدينة رفاعة، بتهمة خفاض ابنتها وأودعتها السجن .. فاتصل أهلها بالأستاذ محمود محمد طه، الذي قام في نفس المساء، بالطواف على مقاهي سوق رفاعة، وحدث الناس وذكرهم بمنشور الجمهوريين ودعاهم للتجمع في صلاة الجمعة.. وبعد الصلاة قام فيهم خطيباً، فهاجم القانون، ووضح القصد منه، وذكر ان الناس لو سكتوا يكونوا قد نكصوا عن نصرة المظلوم ورد الظالم .. ومما جاء في تلك الخطبة الشهيرة التي تحرك المصلون على إثرها لاطلاق سراح المرأة «ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، أيها الناس، وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصّر عن الجهاد، وهو قادر عليه، ألبسه الله ثوب الذل، وغضب عليه، ولعنه. أيها الناس: من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره، فلن ينصره الله على عدو. ألا أن منظر الظلم شنيع، ألا أن منظر الظلم فظيع.. فمن رأى مظلوما لا ينتصف من ظالمه، ومن رأى ذليلا لا ينتصر على مذلّه، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام، وشهامة الإسلام الى النصرة، والمدافعة، فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر ...».
    ولقد تابعت صحيفة «الرأي العام» آنذاك، تطور احداث رفاعة يوماً بيوم، وكانت بذلك رمز للصحافة الحرة، التي تشكل وعي الشعب، وتعينه على المتابعة، والتجاوب، وحشد الروح الوطنية المتصاعدة وكان مما جاء فيها:
    الرأي العام 21/9/46 - نشرنا قبل أيام، أن السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض، لأنها خفضت بنتا، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق، واضطرت السلطات الى اطلاق سراح المرأة بضمانة.. وجاءنا اليوم تلغرافيا، بتوقيع أهالي رفاعة، أن السلطات عادت فسجنت المرأة، وعندما علم الجمهور بالأمر خرج من الجامع، واقتحم السجن، وأطلقوا سراح المرأة، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها .. فأمر المفتش بسجن الضامنين، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضاً، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة، وأخذها الى جهة غير معلومة.. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا، ومنعت السلطات المعدية من العبور، وأضربت المدارس، وأغلق السوق، وقامت مظاهرة عمومية، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء، وفي كل مكان- تعليق: رغم منع السلطات عبور المعدية فإن الجمهور عبر بقوارب الصيد..
    الرأي العام الاثنين 23/9/46 - وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر، ومنع المعدية من العبور .. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس.. فتوجه الجمع الى المركز في مظاهرات واسعة، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك، فتحطم كثير من الأبواب، والنوافذ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين.. وعلى إثر ذلك، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة باطلاق سراح المرأة السجينة، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة.
    الرأي العام 25/9/46 - تمّ اعتقال بعض الناس من رفاعة والحصاحيصا، منهم الأستاذ محمود محمد طه، وشقيقه مختار محمد طه، فوضعوا في سجون رفاعة، والحصاحيصا، ومدني.
    الرأي العام 25/9/46 - اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس، وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم .. وقد خطب منصور عبد الحميد في احدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق، فاعتقله البوليس للتحقيق - وكان الغرض من الموكب، والخطبة، الاحتجاج على اعتقال رئيسه، والتنديد بقانون الخفاض.
    الرأي العام 27/9/1946 - اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذو النون جبارة، وعبد المنعم عبد الماجد عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري .. نددا فيهما بالمجلس الاستشاري، وقانون الخفاض، وكبت حرية الرأي والخطابة.
    الرأي العام 1/10/1946م
    بيان رسمي عن الحزب الجمهوري
    تريد الحكومة أن تؤكد أن الأشخاص الذين قبض عليهم، في رفاعة، ثم في الخرطوم، والخرطوم بحري، لم يقبض عليهم لآرائهم عن القانون الذي يمنع الخفاض الفرعوني.. فكل شخص له الحق في أن يكون له رأي خاص، وأن يعرب عنه، بالطريقة المشروعة .. فالاشخاص الذين قبض عليهم في رفاعة لاثارة الشغب، والذين في الخرطوم والخرطوم بحري، قبض عليهم لالقاء خطب مثيرة، علانية، يحتمل أن تعكر صفاء الهدوء العام، وأن تثير إخلالا بالأمن.
    الرأي العام 7/10/1946: جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني، برئاسة مفتش المركز، وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي، وقابل المفتش، وقمندان البوليس، ورجع الى مقر فرقته.. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه، وأحضر الى المركز .. وإثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز، وفي الحال نقل الأستاذ محمود الى معسكر البلوك الرابع، خارج المدينة.. وتحركت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة .. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريبا من المركز، ولما لم يقفوا، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز، ولم يصب غير أربعة أشخاص، اثنان منهم باصابات بسيطة جدا، وأما الرابع، فقد كسرت ساقة كسرا سيئا.
    الرأي العام 21/10/1946م - صدرت أحكام بالسجن بمدد تتراوح بين شهر وسنة على كل من: عباس المكي، عوض القريض، أحمد الأمين، محمد الياس، الزبير جاد الرب، عبد العال حسن، أحمد عثمان، حمد النيل هاشم، علي مالك، محمد الحاج علي، بابكر وقيع الله، عبد الله حامد الشيخ، حسن أحمودي، منصور رجب، عبدون عجيب - وحكم على «صبي» بالجلد.
    الرأي العام 17/10/1946 - حكمت محكمة كبرى بود مدني برئاسة القاضي أبو رنات، بسنتين سجنا على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، بتهمة إثارة الشغب في رفاعة .. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد اتمام مدة سجنه.
    الرأي العام 19/10/1946 - أصدرت محكمة الجنايات حكمها على بعض أعضاء الحزب الجمهوري المتهمين تحت المادة «105» وكانت الأحكام كالآتي: عثمان عمر العتباني 3 شهور سجنا، سعد صالح عبد القادر، شهر سجنا، ذو النون جبارة شهر سجنا. وكانت المحكمة برئاسة استانلي بيكر، وعضوية محمد أفندي محمود الشايقي مفتش الخرطوم بحري، والعمدة عمر كويس.
    الرأي العام 24/10/1946 - بهذا اليوم، أتم الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري السجين، ستة أيام من صيامه.. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني، والأندية الرياضية، احتجاجا على سوء معاملته.. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري، والمواطنين على السلطات بالاحتجاج.
    ولد سجل الشاعر محمد المهدي المجذوب هذه الثورة الخالدة في قصيدة عصماء قال فيها واصفاً رفاعة:
    هل أدت عن شعبها الدين ??? يا رب وللحق في الشعوب ديون
    رفعت طرفها إلى الله ??? والأدمع في خدها رجاء حزين
    ليس تشكو إلى سواه لقد ??? أعرض سودانها وقل المعين
    أين محمودها الذي دفع ??? الضيم أ للقيد في يديه رنين
    عربي يثور للعرض ??? والدين ولكنه الغداة سجين
    يا خديني الذي يغيبه السجن ??? وللشوق إن حجبت عيون
    أنا ألقاك في ضميري وفي ??? البيعة يلقى بها الإله الضمين
    أنا ألقاك في الجهاد الذي ??? يعذب فيه الردى ويسلو الحزين

    الصحافة
                  

01-12-2009, 03:47 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    الأحد 11 يناير 2009م، 15 محرم 1430هـ العدد 5581


    في الذكرى المئوية لميلاد الأستاذ محمود محمد طه

    د. عمر القراي

    لكي تعـرف الأجيــال أقدار الرجـال «4»
    وبالاضافة للقصيدة العصماء، التي اشرنا اليها في الحلقة الماضية، كتب الشاعر محمد المهدي مجذوب قصيدة اخرى في مناسبة ثورة رفاعة جاء فيها:
    أقالُوا دفعـْنا عـن أمــورٍ قديمــةٍ؟
    وأمسُـوا، لهـمْ في كـلِّ كارثةٍ عذرُ؟
    نحطّــم أظفــارَ الأعــادي وهمُّهمْ حمايتُها، والغــدِرُ يمــنعُــه الغـدُرُ
    لحانــا أشقــاءُ نَعــَمٍ، كـلُّ مُطمِعٍ شقيــقٌ لهـم في مصـرَ ترزقُهُ مِصرُ
    وكمْ سرقَ الأصواتَ لصٌ مغامرٌ ويربَحُ بالأصــواتِ ما يربَــحُ التـُّجـرُ
    إذا جاهدُوا عادوا بشـايٍ وسّكــرٍ وخيْشٍ، وشيخُ الحزبِ منْ حِزبِه التّمرُ
    أُبايعُ محموداً على الحقِّ بيعــة هـي الصبرُ والرضوانُ في عقدِها بدْرُ
    أبى اللهُ أنْ تلقى هواناً مصونةٌ وما ذنبُهــا، إلا العَـفافــةُ والطُّهـرُ
    حماهــا أبــيُّ الدينِ والعقلِ ثائرُ له مِنبــرٌ ما فيـــه خوفٌ ولا ستـرُ
    تخطَّى إليها السِّجنَ والنّارُ دونَه ولمْ يُجــدِ إنـــذارُ المفّتشِ والـزأْرُ
    لك النصرُ يا محمودُ والنورُ باقيا وأُعطيــتَ، ما أعْطى بصائرَنا الفجرُ
    عَرفْنا رجـالاً قدرُهمْ ليسَ قــادِراً وغيرُكَ في الســودانِ ليــسَ لهُ قدرُ
    لقد أثر موقف الاستاذ محمود، وشعر المجذوب، واصرار الجمهوريين، وشعب رفاعة، على المقاومة على الرأي العام السوداني، فظهرت اقلام شجاعة في الصحف السودانية، تحلل القضية وتساند الموقف الوطني، وتوعي الشعب بضرورة المقاومة، ومن ذلك نقرأ «أصبح واجبا لزاما علينا أن ننبه الحكومة، على ضوء ما حدث أخيرا، في أول تجربة لتطبيق هذا القانون، الى الخطر الذي ينجم من التسرع في تطبيقه، والى النكبة الاجتماعية الخطيرة التي ستتعرض لها المرأة السودانية عند تطبيق هذا القانون عليها.. ففي الحادث الأخير بدا واضحا أن الطريقة التي اتبعت في اعتقال هذه المرأة كانت مثيرة، ولا تتفق مطلقا مع كرامة الحكم وهيبة القضاء، فانتزاع المرأة من بيتها، في غسق الليل، وبازار النوم، وتهريبها الى الحصاحيصا، لا معنى له غير اثارة الخواطر أكثر، ولا يجدر بالحكومة أن تلجأ الى أساليب هي أشبه بأساليب الاختطاف التي يلجأ اليها رجال العصابات.. وليست هذه الطريقة التي اتبعت هي موضع الخطر في هذا القانون، ولكن هناك خطرا جسيما، ولا بد من التنبيه عليه، ذلك أن المرأة السودانية الشريفة، الحرة، لم تتعرض، حتى الآن، الى محنة السجن، بحكم حياتها الاجتماعية، التي تنأى بها عن مواطن الجريمة . وقانون الخفاض، بوضعه الحالي، سيخلق عقابا لجريمة سوف تتعرض لها بالتأكيد كرائم النساء السودانيات اللواتي لا يرين أن الخفاض جريمة، بحكم ما يسيطر على عقولهن من سلطان العادات الموروثة، والتقاليد المتبعة، ومعني هذا أنه من المحتمل جدا أن يتعرض لسطوة القانون هذا النوع من النساء السودانيات المحصنات.. ويقينا أن القاء هؤلاء في السجن، بغض النظر عما يثيره في نفوس رجالهن وذويهن، فإنه من ناحية النظرة الاجتماعية المحضة، يقضي على سمعتهن، وكرامتهن قضاء مبرما.. وما أحسب أن امرأة محصنة توضع في سجن من هذه السجون السيئة الوضع، والرقابة، تخرج منه وهي محتفظة بسمعتها، ولن يتقبلها المجتمع السوداني بعدها تقبلا حسنا، اذن فالعقاب بالسجن، لمثل هذا النوع من النساء، لا يعد اصلاحا وتهذيبا لنفوسهن، ولا يردع غيرهن، وهذا هو الغرض من سجن المجرم، انما يعد إفسادا لخلقهن، وقضاء مبرما على سعادتهن في المجتمع» «الرأي العام أكتوبر 1946م»

    دفاع الأستاذ أمام المحكمة:
    جاء في الأخبار «علمنا أن الاستاذ محمود محمد طه رفض أن يقبل محامياً للدفاع عنه، وانه أعلن بأنه لن يدلي بأية اقوال للتحقيق إلا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض الفرعوني. وكان الاستاذان المحاميان الاستاذ أحمد خير والأستاذ زيادة قد تقدما للدفاع عن الأستاذ، فشكرهما الاستاذ واعتذر لهما بأنه سيباشر القضية بنفسه» «الرأي العام 12/10/1946م».
    حين وقف الأستاذ محمود، أمام القاضي ابو رنات، في محكمة مدني، مدافعاً عن نفسه، كان مما قاله:
    «1- أهالي رفاعة جميعهم أبرياء، وزملائي الذين سجنوا أبرياء، وأنا برئ، والمسألة في الحقيقة، سلسلة أخطاء من الإدارة، من أولها إلى آخرها.. كلما أخطأت الإدارة مرة، وتمسك الناس بحقهم، اعتبرته مساساً بهيبتها، فاستعلت، وأخذتها العزة بالإثم، فقفزت في خطأ آخر، هو في زعمها، يعيد لها هيبتها في نفوس الناس.. وما علمت أن اجتماع الأخطاء، لا ينتج منه ولا صواب واحد».
    «2- الوضع الصحيح المجمل لهذه المسألة، هو أن الإدارة قد ضربت أهالي رفاعة فصاحوا من ألم الضرب بصوت خفيض، ثم ضربتهم فصاحوا، ثم ضربتهم فصاحوا، فاستاءت من أن يصيح المضروب المتألم، فقدمتنا للمحاكمة، فكانت هذه المحكمة.. ولو كنا نملك ما تملك، لقدمناها نحن لهذه المحكمة، ولكنا لا نملك جيشاً، ولا بوليساً، ولا سجوناً وقيوداً، ولو ترك القطا ليلاً لنام».
    «3- قلت بالأمس، إني وبالمثل أي عضو من أعضاء الحزب الجمهوري، لا أنكر تهمة الإثارة، لمجرد أنها تهمة إثارة، إنما أنكر تهمة الإثارة، بالنقد الذي لا يحترم الحقائق وبالتشويش المغرض .. ولقد كان من دواعي الشرف لي، ولحزبي، لو صح أني أنا الذي أثرت أهالي رفاعة حول هذه القضية، لأنها من القضايا التي نقدنا فيها الحكومة، وسننقدها الى أن تقلع عنها .. ولكن للأسف، فإن الإدارة قد سبقتني إلى هذا الشرف، فأثارت أهالي رفاعة، وأثارتني معهم .. فلننظر».
    «7- قالت جريدة الرأي العام في يوم 24 سبتمبر، تحت عنوان رئيسي «القضاء ينظر في قضية الخفاض برفاعة»، بعد حديث لها «وقد علمنا من مكتب «الصحافة» هذا الصباح، أن قضية الخفاض التي سببت كل هذا الشغب، هي الآن، تحت نظر رئيس القضاء بالمصلحة القضائية، وأن التهم الموجهة الى الذين اعتقلوا في هذه الحوادث، لا دخل لها بآرائهم في موضوع الخفاض.. ولكنها تتعلق اولاً وأخيراً باستخدام القوة، لتحقيق غاية، في الوقت الذي كان فيه الاستئناف مفتوحاً أمام المتظاهرين».
    «8- هل باب الاستئناف مفتوح أمام المتظاهرين ؟ .. لننظر».
    «9- قالت الحكومة في بيان رسمي، في الصحف، ما يأتي «حصلت أخيراً في رفاعة حادثة أدينت فيها امرأة لخفضها ابنتها خفاضا غير مشروع، وحكم عليها بأربعة أشهر سجناً، وقد قدم استئناف لمدير المديرية، فرفضه، وحبست المرأة في السجن» .. ومع ذلك فالحكومة تقول إن باب الاستئناف مفتوح !! وهذا الاستئناف رفض، مع ان المرأة مسجونة بغير أدلة كافية للإدانة، وفيما أعلم لم يخبر المستأنفون، ولا نحن مندوبي الهيئات، الذين قابلنا المفتش، بهذا الاستئناف، وانما أعيدت المرأة للسجن والسلام.. فإن لم يكن هذا سوء النيّة والاستخفاف بالناس فماذا عساه يكون؟».
    «12- مفتش رفاعة، سجن أمرأة مصونة شابة، في سجن عمومي مع خادمة عاهرة .. فحدثناه في ذلك، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء، في رفاعة، فأطلقها بضمانة، وظل ما ظل في رفاعة لا يذكرها، فلماذا عندما ذهب الى الحصاحيصا، أمر باعادتها الى نفس السجن ؟! فهل تسمي هذا استخفافاً بدين الناس، واخلاقهم، أم تسميه جهلاً بالناس أم هما معاً؟! سمه ما سئت فهو برهان ثالث».
    «13- إن تصرف المفتش هذا، يجعل ما قمت به أنا، في الجامع، وما قام به الناس بالمركز، شيئاً مفروضاً علينا، في واجب الدين، وواجب الاخلاق، وواجب الحياة نفسها، بل إن الناس قد سلكوا سلوكاً يستحق الثناء، وقد شرحنا تفصيله للمحكمة».
    «15- وضعت المرأة بسجن مدني، وما أدراك ما سجن مدني؟! بهذا السجن اليوم 23 امراة، منهن أربع مجنونات، يفحشن بالفاظ يندى لها وجه الرجل، وسائرهن عهر، أحضرن من بيوت عامة، وحوكمن في جرائم خمرة .. بين عنبرهن وعنبر الرجال، نحو 15 متر يفصل بينهم السلك الشائك .... مع هؤلاء، في هذا السجن، يراد سجن امرأة شابة حرة، مسلمة، مصونة، تشرف على تربية بنات وأولاد، تركهم لها زوجها، الذي توفى قبل شهر.. فاذا قال أهلها لا، وناصرهم إخوانهم في الدين، وفي الجنس، وفي الوطن، قالت الحكومة هذا شغب، وهذه فتنة، وهذا تهديد !!».
    «16- تتهمني الإدارة بأني أثرت أهالي رفاعة، وهي تتهمني هذه التهمة، لأنها تجهل الناس جهلاً شنيعاً، وتستخف بأحلامهم وأخلاقهم، والا فهل أحد يحتاج الى من يثيره مع كل هذا ؟! وهل استطيع أنا، أو يستطيع أبلغ خطيب، أن يثير الناس أكثر من إثارة الإدارة هذه إياهم ؟! وأهالي رفاعة خارج رفاعة من الذي أثارهم ؟ أسمع تلغراف أهالي رفاعة، من مدني وتندلتي ... هؤلاء الناس، لو كانوا شهوداً، لتولوا كبر الثورة .. هل أثارت هؤلاء واخوانهم الإدارة، أم أثارهم محمود في جامع رفاعة ؟!».
    سوء الفهم والتزييف:
    بالاضافة الى التزييف المتعمد للتاريخ، من قبل الحكومات المتعاقبة على السودان، والتآمر على ابعاد دور الاستاذ محمود في الحركة الوطنية، وحجبه عن الاجيال، فإن هنالك تزييفاً تم بواسطة بعض المثقفين، بسبب جهلهم بالوقائع، وسوء فهمهم لها. ولقد اهتم الجمهوريون بالتصحيح، في كل وقت، ومن ذلك نقرأ «لقد انخدع بعض المثقفين بقانون الخفاض الفرعوني، ولم يطالعهم وجهه الآخر.. ولما تزل هذه الخدعة تجوز على كثير من الناس، بل انها قد جازت على بعضهم بأثر رجعي !! ومن هؤلاء الدكتور سعيد محمد أحمد المهدي، عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، سابقا فقد عبر عن تقويمه لهذا الأمر في مقال له بجريدة «الصحافة» بتاريخ 30/11/1968م، وهو يعلق على مهزلة محكمة الردَّة .. حيث قال: «وأذكر أنه قبل عشرين عاما، بالتمام والكمال، وأنا طالب في مدرسة رفاعة الأميرية الوسطى بالسنة الأولى، أن الناس كانوا يتحدثون عن ثورة محمود محمد طه التي سجن من جرائها، ذلك أنه قاد الجماهير الغاضبة من رفاعة الى مركز الحصاحيصا».. ويمضي الدكتور سعيد فيقول «وهذه الثورة رغم أنها رجعية، لأنها تؤيد الخفاض الفرعوني، الا انها كانت ثورة عارمة ضد الاستعمار». هذا ماقاله الدكتور سعيد بعد عشرين عاما من أحداث رفاعة.. ولئن عذرنا عامة المثقفين لالتباس الأمر عليهم، ولنقص المعلومات التي لديهم عن هذه الواقعة، فلن نعذر الخاصة من هؤلاء، بل من يكون منهم على رأس مؤسسة من أكبر المؤسسات القانونية.. ذلك بأنه لا يقوم نقص المعلومات، التي يمكن الحصول عليها، وتمحيصها، عذراً أمام هؤلاء في أن يتناولوا واقعة تاريخية، مثل واقعة قانون الخفاض الفرعوني، تناولا مجردا من الملابسات المحيطة بها، فيأتي من ثم حكمهم عليها ساذجا وسطحيا.. أليس من المؤسف أن يأتي رجل مثقف ثقافة قانونية، بعد عشرين عاما، من مناهضة قانون الخفاض الفرعوني، فيقول «إنها تؤيد الخفاض الفرعوني» ولذلك «فهي ثورة رجعية».. ان الثورة كانت ضد القانون وليست دفاعا عن الخفاض.. ليست ضد القانون في ذاته، ولكن للملابسات التي تكتنفه.. أرجو أن لا يكون أبناؤنا من طلبة الحقوق بجامعة الخرطوم، يدرسون، عن هذه السابقة القانونية، على طريقة الدكتور سعيد..!!» «الأخوان الجمهوريون: معالم في طريق تطور الفكرة 1980م».

    الصحافة
                  

01-14-2009, 00:45 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    شكراً، يا عزيزي الكيلك. هذا موضوع دجدير بالمتابعة.
                  

01-14-2009, 03:26 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    شكراالاخ حيدر
    تابع مهانا وربنا يشفى الصديق ياسر الشريف ويعود كما كان لم استطع الاتصال به لاننى لا املك اى وسيلة
    علمت بانه اجرى عمليةجراحية فى المانيا ..
    ندعو له بالعودة شافيا غانما ان شاء الله ..
    واواصل انزال هذا الحوار الذى اجرته الزميلة نبيلة عبد المطلب مع الاستاذ اسماء محمود محم طه امس فالى الحوار

    العدد رقم: 1138 2009-01-13

    السودانى
    أسماء محمود محمد طه في حوار مع (السوداني): (1-3)


    حوار: نبيلة عبد المطلب



    الفكر الجمهوري أحدث إنقلاباً في الفهم والتجديد
    أنا لست خليفة لوالدي.. و ليس له ثانٍ
    تآمر السلفيين والأخوان المسلمين أدى إلى شلِّ الحركة الجمهورية
    جدل كثيف دار لعقود من الزمن حول فكر الحركة الجمهورية بدءأ من ظهورها قبل منتصف أربعينيات القرن الماضي أثناء الحكم الإنجليزي وإلى إغتيال مؤسس الحزب الجمهوري محمود محمد طه في 18 يناير من العام 1985 في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري وإعتقال عدد كبير وإيداعهم السجون والمعتقلات آنذاك، وبعدها إنحسر نشاط الجمهوريين بدرجة كبيرة ولسنوات طويلة إلاّ من نشاط هنا وهناك لكنه ظل محدوداً، وظل الفكر الجمهوري مسار جدل فكري بسبب الأطروحات التي قدمها محمود محمد طه عبر منشوراته ومطبوعاته التي تدور جلها في التغيير الإجتماعي والديني.. الى جانب قضايا المرأة والأحوال الشخصية.
    ولكن لماذا لاينتهي الجدل حول الفكر الجمهوري بالرغم من مرور كل هذه السنوات؟ وماهو منشأ الخلاف بين الجمهوريون ومن يرفضون فكرهم أصلاً؟ ولماذا يتمسكون بالمصالحة مع إسرائيل تحت كل الظروف؟ وماهي أسباب عزوف الجمهوريين عن خوض غمار السياسة والمشاركة في السلطة.. !! كانت هذه بعضاً من أسئلة كانت حاضرة بذهني وأنا في طريقي الى منزل الأستاذة أسماء محمود محمد طه بأم درمان ظهيرة الخميس الماضي بعد عودتها من مقر إقامتها في الدوحة لإجراء هذا الحوار الذي إمتد لما يقارب ثلاث الساعات كانت هذه تفاصيله:
    * الفكر الجمهوري تجاوزه الزمن لأنه لم يقدم ما يقنع الناس حتى الآن؟
    ـ هذا ليس صحيحاً دعيني أقول أنني قدمت الاسبوع الماضى ندوة بمركز الخاتم عدلان فوجئت بعدد كبير من الحضور وباستقبال الناس لي وللفكر الجمهوري.. كانت المشكلة الاساسية حينما كنا ندعوا للفكر الجمهوري وجود واقع متخلف، وكان الحديث حول حقوق المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة يصاحبه الاستغراب، ويقول البعض ان المرأة "كان بقت فاس ما بتقطع الراس"
    وكثير من الحديث كان يوضح مستوى المجتمع.. أستاذ محمود محمد طه كان لديه كتاب بعنوان "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" يقوم على الحقوق المتساوية بين الرجال والنساء من القرآن، إذا كانت المرأة مسؤولة امام الله مسؤولية تامة فمن باب اولى ان تكون كذلك امام المجتمع دون أن يكون أي احد قيّم عليها لا والدها ولا اخيها ولا الزوج، وهذا الكتاب ارسى اساساً لمسألة الزواج في الإسلام والحقوق المتساوية ولكن عندما بدأنا الحديث عن حقوق المرأة كان حديث الناس انه لا يمكن أن تحدث مساواة بين المرأة والرجل.. وكتب الاستاذ كتاب "خطوة نحو الزواج في الإسلام" تنزل به لواقع الناس لانه كان متخلفا، ورجع الى نصوص شرعية يمكن ان تعطي المرأة بعض الحقوق التى تناسبها في الوضع الحالي، الواقع ارتفع اخيراً للفكر الجمهوري بصورة كبيرة واصبح الناس يتلهفون للفكرة في الداخل والخارج والناس محتاجة لفهم إسلامي يخرجها من الهوس الحاصل والتشنج والتعصب باسم الدين.
    * لم يستطع الحزب الجمهوري أن يبرز نشاطه بصورة واضحة أسوة بالآخرين.. عموما ً كيف تقيمين الأمر؟
    ـ حركة الفكر الجمهوري كانت حركة قوية الى حد كبير وتعتبر في تقديري الشخصي حركة ثورية غيرت الكثير من المفاهيم ولامست ارض المجتمع السوداني لأنها نبتت منه و خلقت نموذجاً من المجتمع الجمهوري ولنا فيه ممارسات مختلفة في المسائل الأساسية والعادات الاجتماعية مثل مسألة الزواج وهناك من يتزوج بجنيه واحد والمرأة يكون لها حقوق وتشترط أن يكون لها حق العصمة وشرط ألا يعدد زوجها عليها وكلها تثبت في القسيمة مقابل تنازل المرأة عن الصور التي تمارس في المجتمع ونعتقد انها مظاهر (فاضية) ماعندها قيمة للمرأة، ونبسط الزواج في المراسم بتقديم البلح وعصير الليمون والكركدي وبعدها ينتقل الزوج والزوجة الى بيتهم وممارسة حياتهم الطبيعية.
    في المآتم تذهب المرأة الجمهورية الى المقابر مع الرجال وترافق الجثمان بترديد الذكر الله..الله حتى الوصول للمقابر.. ولا تمارس المرأة ما يحدث في بيوت العزاء من بكاء ونواح وهي خطت خطوات كبيرة في نبذ ذلك وهي تعيش قيمة في المجتمع الداخلي يختلف من الخارجي، في المناسبات الكبيرة والسمايات تكون الكرامة (بالبليلة ) والبلح و"زلابية" وشاي باللبن وليست هنلك ذبائح، ونحن لا نضحي مثل الآخرين لأن فهمنا الديني أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ضحى عن أمته وهي سنة عادة وليست سنة عبادة وبهذه الصورة إستطعنا أن نكوّن مجتمعاً على أسس وقيم مختلفة، ولكن تآمر السلفيين والأخوان المسلمين وكل من كان خلفهم على الاستاذ محمود محمد طه والى أن تم إغتياله بالصورة التي تمت وبتدبير سياسي وإظهار ذلك بأنه لأسباب دينية والدين برىء من ذلك، كل ذلك أوقف الحركة الجمهورية وشلها الى حد كبير، وتوقفت الحركة منذ تنفيذ الحكم على الاستاذ عام 1985 ولم تصبح بالقوة التي كانت عليها وهذا امر طبيعي لايناكف فيه الاّ شخص له غرض في المناكفة لايمكن بغياب صاحب الدعوة أن تكون الدعوة بنفس قوتها السابقة ولكن بعد 24 سنة من تنفيذ الحكم عليه العالم محتفل بمرور مائة عام على ميلاد الاستاذ العالم المتمدن عرف قيمة ما قدمه استاذ محمود في تغيير المجتمع وفي الدعوة للتغيير السلمي وعرف أن السبب الذي اغتيل به سبب سياسي التحف قداسة الدين حتى يوهم الشعب بأن هناك خطأ في تفكير محمود محمد طه، الفكرة مشتعلة بالرغم من أننا لم نعمل لها من السودان ولكن فعلنا ذلك في الخارج والمنابر مفتوحة لنا، سأذهب الى امريكا للتحدث في ندوة تقيمها جامعة اوهايو في إحتفالية لمئوية محمود محمد طه بحضور شخصيات غربية لهم مكانتهم في المجتمع الغربي وهذا رد لإعتبار الاستاذ ومعرفة لمكانته التي بدأت تظهر بالرغم من ان الحركة كانت مشلولة ومضغوطة من خصومها ومن الجهاز السياسي.
    * إذن الفكر الجمهوري حركة إجتماعية وليست دينية؟
    ـ حركة الفكر الجمهوري تقوم على فهم ديني والدين عندنا لاينفصل عن السياسة والإجتماع واذا فهم بصورة صحيحة يوجه كل مناشط الحياة ولكن على أن يفهم في مستواه العلمي وليس العقائدي ويتساوى فيه كل الناس في الحقوق والواجبات ولو قام على الشريعة التي طبقت في القرن السابع في المدينة لن يكون على المستوى الذي يستوعب حياة الناس وطاقتهم ولكن أستاذ محمود كان له فهمه في الدعوة لأصول القرآن التي تساوي بين البشر وجميع فصائل المجتمع وبالتالي تكون هذه المسألة مستمدة من أصول القرآن وهي الآيات التي نزلت على ذاك المجتمع ولم تطبق وهذه دعوة كبيرة ومفصلة في كتاب (الرسالة التانية) وفي كثير من الكتب التي أصدرها أستاذ محمود.
    * باعتبارك الابنة الكبرى لمحمود محمد طه هل أنتِ خليفته؟
    ـ أنا لست خليفة لوالدي، الأستاذ سعيد شايب الذي يعتبر الرجل الأول في تنظيم الأخوان الجمهوريين سئل هذا السؤال، لكنه قال إن استاذ محمود أول وليس له ثانٍ أي ليس له خليفة وأنا أستعير عبارته، لأن الأستاذ صاحب أصالة في الدعوة وانا مجرد ناقلة ومن المحتمل أن أنقلها نقلاً مخلاً لكنني مجتهدة لفهم الأفكار التي قدمها الأستاذ وأكون واحدة من الداعين لأفكاره باعتبار أنها تحوي حلا لمشكلة الانسان المعاصر والمرأة بصورة خاصة لكني لن أدَّعي مقاما لنفسي لأن أكون خليفته.
    * ولكن من يقود الحزب الجمهوري؟
    ـ الفكر الجمهوري ليس فكراً تقليدياً وليس فهماً اسلامياً تقليدياً مثل الدعوة بخلفاء وإنما الدعوة الجمهورية فكرة فيها حل لمشاكل الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحل لمشكلة الفرد وإجابة لتساؤلات مثل من أين جئت والى اين أذهب وماذا أفعل خلال رحلتي؟ كل ذلك طرحه الفكر الجمهوري في كتب ومواقع في الشبكة يطلع عليها الجميع وكل من يقتنع بالفكر الجمهوري هو حامل له ليس له انسان معين حتى يكون خليفة، كل من يعتقد أن بها أخطاء يعارضها ونحن نسمع آراء المعارضين ونجيب بما يمكن على هذه الإعتراضات واذا كانوا سلبيين تجاهها نقول لهم هذه فكرة فيها حل لمشكلة العالم لايجب أن تكونوا كذلك والسلبية ما تنفع في الأفكار الدينية التي يمكن أن تغير وجه التأريخ والحياة.
    * هل أنتِ الأقرب فهما وتشرباً لأفكار والدك؟
    ـ لا.. أبداً.. هناك الكثيرون الذين فهموا وتشربوا الفكر الجمهوري أكثر مني هناك مستويات عالية من الاخوان والأخوات حققوا فهماً متقدماً للفكرة وإعتبر نفسي أحد هؤلأء أجتهد في أن احقق وأفهم الفكر الجمهوري وأقدمه حسب مستوى فهمي.
    * هناك عدد من المفكرين الإسلاميين في الداخل والخارج إختلفوا مع أطروحات الفكر الجمهوري وتقولين أنهم تقليديون.. هل تعنين أن الفكر الجمهوري الأكثر تجديداً؟
    إلى حد كبير إعتبره كذلك.. ولا اعتقد أن هناك أي مفكر جاء بالتجديد اكثر من الفكر الجمهوري يعني أنه أحدث مستوى إنقلابياً في الفهم والتجديد و الدعوة بأن للقرآن مستويين مستوى الأصول ومستوى الفروع.. وأن مجتمعنا يحتاج في الوقت الحالي أن ينتقل من الفروع التي طبقت قبل (1400) سنة، إلى الأصول المدخرة لحياة الناس اليوم، حتى نحصل على التشريع الذي يناسبنا في الوقت الحاضر وهذا ما جاء به الأستاذ، وهناك دعوات للتجديد من هنا وهناك لكنها لم تصل لما وصل اليه الأستاذ في تبويبها وتفصيلها مثل قضايا المرأة مثلاً.
    * تأخذ قضايا المرأة الإهتمام الأكبر لديك وتحدثتي أن هناك تعدياً على حقوقها ما الذي تقصدينه؟
    ـ انا معنية كثيراً بقضايا المرأة الى حد كبير وحقوق الانسان في المقام الأول وهذا نفسه مادعا اليه الفكر الجمهوري مساواة الرجال والنساء ومساواة الناس كلهم امام القانون وهو الشغل الشاغل لي أينما أذهب.
    أجريت دراسة لتعديل قانون الاحوال الشخصية وسبق أن قدمنا طعناً دستورياً في قانون الاحوال الشخصية في عهد نميري، لأنه يعامل المرأة بمستوى أقل من ندّها الرجل وبالتالي هناك تمييز قائم على الجنس ولكن رفض الطعن، والآن معي عدد من المحاميات بصدد إجراء تعديل لقانون الأحوال الشخصية ولن أفتر من الحديث عن حقوق المرأة والدفاع عنها ولكن أقول ان الحقوق لا تعطى ولكن تؤخذ، ولكن إن لم تنتبه النساء لحقوقهن فلن يحصلن عليها ونريد أن تعي المرأة بحقوقها وتطالب بها وبعدها ستنالها.
    نواصل



                  

01-15-2009, 05:56 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    العدد رقم: 1139 2009-01-14

    أسماء محمود محمد طه في حوار مع (السوداني): (2 - 3)

    حوار: نبيلة عبد المطلب

    أطالب بزيادة الحريات وفتح المنابر وقبول الرأي الآخر
    التعدد في الزواج أصبح مباحاً بصورة مملة ومهينة للمرأة
    القيود المفروضة على المرأة قائمة على العفة والخوف


    جدل كثيف دار لعقود من الزمن حول فكر الحركة الجمهورية بدءأ من ظهورها قبل منتصف أربعينيات القرن الماضي أثناء الحكم الإنجليزي وإلى إغتيال مؤسس الحزب الجمهوري محمود محمد طه في يناير من العام 1985 في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري وإعتقال عدد كبير من مؤيديه وإيداعهم السجون والمعتقلات، وبعدها إنحسر نشاط الجمهوريين بدرجة كبيرة ولسنوات طويلة إلاّ من نشاط هنا وهناك لكنه ظل محدوداً، وظل الفكر الجمهوري مسار جدل فكري بسبب الأطروحات التي قدمها محمود محمد طه عبر منشوراته ومطبوعاته التي تدور جلها في التغيير الإجتماعي والديني.. الى جانب قضايا المرأة والأحوال الشخصية.
    ولكن لماذا لا ينتهي الجدل حول الفكر الجمهوري بالرغم من مرور كل هذه السنوات؟ وماهو منشأ الخلاف بين الجمهورين ومن يرفضون فكرهم أصلاً؟ ولماذا يتمسكون بالمصالحة مع إسرائيل تحت كل الظروف؟ وماهي أسباب عزوف الجمهورين عن خوض غمار السياسة والمشاركة في السلطة.. !! كانت هذه بعضاً من أسئلة كانت حاضرة بذهني وأنا في طريقي الى منزل الأستاذة أسماء محمود محمد طه بأم درمان ظهيرة الخميس الماضي بعد عودتها من مقر إقامتها في الدوحة لإجراء هذا الحوار الذي إمتد لما يقارب ثلاثة الساعات كانت هذه تفاصيل:
    كيف تنظرين إلى الحريات المتاحة لأن يمارس الحزب الجمهوري نشاطه..؟
    الى مدى ما هناك مساحة للحرية ولولا ذلك لما جئت الى السودان، وكنت قد غادرته لإنعدام الحرية، وبعد إتفاقية السلام والضغوط التي مورست على الحكومة ظهر نوع من الانفتاح وإن لم يكن بالحجم الذي كنا نريده، لأن الصحافة مازالت مقيدة والرقابة مازالت موجودة ولا يزال جهاز الأمن بشراسته ومازالت الاعتقالات لمجرد الأفكار، لكن طالما هناك قدر من الحرية نقوم بإسغلالها، وأنا من المطالبن بزيادة الحريات وفتح المنابر الحرة وقبول الرأي الآخر بصورة فيها سماحة.
    * بعد الإعتكاف الشهير لمحمود محمد طه خرج بمفاهيم جديدة من بينها اشتراط المرأة في عقد الزواج بعدم الزواج بغيرها وان تكون العصمة بيدها، اليس هذا بعيدا عن جوهر الإسلام الذي أباح التعدد في الزواج؟
    ـ إعتكف الأستاذ نحو ثلاث سنوات وكانت إمتداداً لسجن تعرض له عام 1946 في مسألة تتعلق بالخفاض الفرعوني وخرج من إعتكافه بالفكرة الجمهورية بصورتها في الدعوة لأصول القرآن على النحو الحالي، فيما يتعلق بالمرأة يرى أستاذ محمود أن اصل الدين جاء لتحقيق كرامة الرجل والمرأة على السواء، ومن كرامة المرأة أن تكون نداً لزوجها، وأن يكون الرجل الواحد للمرأة الواحدة، وورد في القرآن الكريم "أنكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة" وقال تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة". فسمح ببعض الميل في المرحلة والأصل في القرآن العدل ومن هنا يأتي تبرير ان يكون لكل إمرأة رجل واحد.
    * ولكن النصوص القرآنية واضحة في مسألة التعدد وأجمع عليه كل الفقهاء؟
    ـ كانت هنالك ظروف معينة عندما جاء الإسلام.. كان المجتمع حينها مجتمعاً غابياً يحكمه قانون الغابة في بيئة صعبة جدا، كان الرجال يخوضون الحروبات وكانت هذه الحروب تقضي على عدد كبير من الرجال، والنساء كنَّ يقبعن في البيوت وكانت إعالتهن على الرجال في المجتمع وكانوا يمنعونهن من الغارات لضعف المرأة الجسماني وكانت الفضيلة في تلك الفترة قوة العضلات، وقال الله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، فالفضيلة هنا قامت على قوة العضلات ونتجت عنها الانفاق على النساء وكان عددهن في المجتمع اكبر من عدد الرجال في ذاك الوقت نسبة للحروبات، وكانت النساء في حاجة للرجال لحمايتهن وكانت العادة قبل الاسلام أن يتزوج الرجل عدداً كبيراً من النساء يفوق عددهن العشرة وكان الرجال يستغلون النساء في خدمتهم وعندما جاء الإسلام حرَّم تعدد الزواج وقصره على أربعة فقط وعندما أصبح عدد الرجال أكثر من النساء اباح التعدد كعادة موجودة ولكن في حدود اربعة فحسب، وذكر الإسلام أن العدل في التعدد لن يكون مستطاعاً لذلك حدد العدل في العدل المادي، كما أن مسألة الميل القلبي من الصعب التحكم فيه.
    أمّا في مجتمعنا الحالي إذا كانت المرأة ليست في حاجة للعدل المادي وأقصد أن المرأة التي تعمل لا تحتاج الى إنفاق زوجها عليها ولكن الحاجة أن تحتاج المرأة الى الزوج بأكمله كما يحتاج اليها بكاملها وتبقى فضيلتنا في المجتمع المرأة الواحدة للرجل الواحد، الاّ إذا كانت هناك ضرورات مثل رغبة الزوج في الزواج بأخرى من أجل الإنجاب والأولى لا تنجب، وحق المرأة هنا مرعي ويستشيرها الزوج إذا كانت تريد الإستمرار معه تحت هذه الظروف ولو رفضت تفارقه، المرأة المعاصرة لا تحتاج للعدل المادي وإنما للزوج بأكمله وهذا ما ينادي به الأستاذ محمود محمد طه.
    * هناك ضرورات أخرى تجعل الرجل يتزوج بأخرى غير التي تحدثتي عنها؟
    ـ إذا إقتضت الضرورة هناك شرع الضرورة ولكن ليس في الأصل، ولا يمكن أن يكون التعدد ثقافة كما يحدث الآن التعدد أصبح مباحاً بصورة مملة ومهينة للمرأة أي رجل يقول أنا مقتدر يتزوج هذا ليس ما يدعو له الدين والدين أساسا جاء لتكريم الانسان ومن كرامة المرأة أن تكون مع رجل واحد وهذا هو التشريع الأصلي.
    * هل تقصدين أن الرجل الذي يتزوج بأكثر من واحدة يستند فقط على الجزء الأول من الآية "أنكحوا ما طاب لكم من النساء "؟.
    ـ نعم بالتأكيد.. فقد أغفلوا حاجة العصر،وهذا فيه جهل بواقع الإسلام وبالتشريع الاسلامي، الدين الاسلامي جاء ليكرم النساء، وليس من المعقول أن يكون معي ثلاثة من النساء يشاركنني رجلاً واحداً، عقلا لايمكن،، فمثلا إذا دعونا الأمريكان للدخول في الدين الإسلامي وكانت إحدى نسائهم قد خاضت الإنتخابات الرئاسية (هيلاري كلنتون) وقدمنا لها الأسلام وقلنا أنه يصلح لكل زمان ومكان ويصون كرامة المرأة وحقوقها.. و قلنا لها أن زوجك من حقه أن يتزوج بثلاث أخريات وفقا للإسلام هل سيكون هذا مقبولا منطقا وعرفا وديناً وثقافة؟ لايمكن أن ترضى أي إمرأة كريمة لنفسها وضعاً كهذا.
    * المساواة بين الرجل والمرأة كيف تكون مطلقة حسبما تنادون به؟
    ـ حينما جاء الإسلام في البداية وجد ان المرأة توأد حية وأعطاها حق الحياة.. ونهى عن قتلها وما كان ممكناً أن يدعوا الإسلام الى عدم قتلها وأن تكون مساوية للرجل في الوقت الذي ينظر إليها المجتمع بأنها عارٌ وسُبة وكان لابد من المواءمة، لأنه من كمال القانون أن يلامس حياة الناس.. حتى ولو كان قانوناً إنسانياً لا يطيقه الناس لن يكون له قيمة.
    القيود المفروضة على المرأة أساسا قائمة على العفة والخوف وأنها لن تكون على المستوى المطلوب اذا منحت حريتها الكاملة لذلك فرض عليها القيد والحجاب و قوامة الرجل وأصبح الرجل حارساً عليها، ومنحت بعض الحق مثل الشهادة ولكن شهادة إمرأتين بشهادة رجل واحد لأن تجربتها في الحياة كانت قليلة وتجربة الرجل أكبر، ولكن عندما ننظر للأمر الذي نزل في القرن السابع يمكن النظر بأنه كان حكيماً - في وقته - كل الحكمة وحلت مشكلة المرأة حينها، ولكن في الواقع الحالي تغير كل شئ تعلمت المرأة وتقدم مستوى تعليمها بشكل كبير ولا يمكن أن يطبق عليها ما كان مشرعا حينما كانت توأد البنات ويقول الاستاذ: هل في الإسلام جزء يحل مشكلة المرأة وقال لحسن الحظ ولصلاح الاسلام لكل مكان وزمان هناك من الآيات في القرآن المكي ماتساوي بين النساء والرجال كآية "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة"، الدعاة السلفيون يعتمدون على الآية التي تنص على هذه الدرجة.. وقال الاستاذ يجب الا يفهم ذلك على اساس أنها مسألة في القانون وإنما هي درجة في الأخلاق لأن على قمة الخلق كان هناك رجل


    السودانى
                  

01-15-2009, 08:37 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    Quote: تابع مهانا وربنا يشفى الصديق ياسر الشريف ويعود كما كان لم استطع الاتصال به لاننى لا املك اى وسيلة
    علمت بانه اجرى عمليةجراحية فى المانيا ..
    ندعو له بالعودة شافيا غانما ان شاء الله ..


    عزيزي الكيك،
    تحيتي ومحبتي، وشكري الوافر على استمرارك في توثيق حورات الجمهوريين. وهذا، لعمري، من أسمى ما يمكن أن يساهم به إنسان يؤمن بالإنسان في هذه الأيام التي نحتفي فيها بسيرة أعظم إنسان: ألاستاذ محمود محمد طه! الذي قابل الموت مبتسماً فرحاً بسقوط حجاب الجسد عنه إلى باحات الحرية، والروحية، الفردية المطلقة!

    ثم أشكرك على السؤال عن د.ياسر الشريف. فهو بخير وصحة طيبة، وهو في زيارة للسودان هذه الأيام ليطمئن فيها الأهل على أنه بلغ الصحة، الحسية والمعنوية. وسيعود بإذن الله للمزيد من المساهمات، حين تتيسر له الفرصة.
                  

01-17-2009, 06:40 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    الثورة انطلقت شعارات ترددها القلوب!

    يا صانع التاريخ، يا شعبي الذي سحق الظلام!
    المجد لك، الخلد لك، يا صارم القسمات، يا حي الشعور!


    وللجهلاء لا نقول إلا سلام، سلاما!
                  

01-19-2009, 06:14 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    شكرا لك اخى حيدر
    والحمد لله على شفاء الاخ ياسر ونتمنى ان يعود سالما نصيحا قويا كما كان وانا هنا احاول سد الفرقة التى خلقها غيابه بقدر الامكان ..
    هنا اضافة قرشى عوض من اجراس الحرية



    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1425
    --------------------------------------------------------------------------------
    الكاتب : admino || بتاريخ : الأحد 18-01-2009
    عنوان النص : *محمود محمد طه لماذا قتلوه؟
    : قرشي عوض

    الفترة الاخيرة من حكم الرئيس الاسبق ـ جعفر النميري، اتسمت بالجنون السياسي واتخاذ القرارات الهوجاء، التي كانت محصّلتها النهائية قصم ظهر النظام نفسه. حيث بلغ البطش درجة لم يكن في الامكان احتمالها. وتجلّت تلك القرارات في حالة القهر السياسي، التي وقعت على معارضي النميري الذي تحول هدف النظام الاساسي لحمايته الشخصية وتنفيذ مشيئته، التي صارت فوق القوانين. ويعكس حالة التسلط الفردي ما قاله الرئيس نفسه في احدى لقاءاته الشهرية التي يعرضها التلفزيون على الشعب، في برنامج اسمه المكاشفة بين الشعب والقائد.

    حيث قال: ان المواد 80-81 من الدستور تعطيني الحق في أن أقول لأي رجل شرطة: ان فلاناً هذا خائن فاقتله فيقتله.



    كانت كل الاجهزة طوع بنان الرئيس.. في هذه الاجواء لُفِّقت تهمة الردة للاستاذ. محمود محمد طه، وقتلوه إثر بيان، أصدره (الاخوان الجمهوريون) يعارضون فيه قوانين سبتمبر 1983 المسماه: بالقوانين الاسلامية!. كثمرة من ثمرات المصالحة بين النميري والحركة الاسلامية .



    حينما سألت الدكتور. حسن مكي، عن اسباب قتل الاستاذ محمود، اجابني: بان الرجل أُعدم لاسباب دينية وسياسية، مستنداً في ذلك الى أن هنالك فتوى صدرت من المحكمة عام 1967 برئاسة. الامين داؤود، تقضي برِدَّة الاستاذ محمود. لكنها لم تُنفَّذ، نسبة لأن المحاكم في ذلك الوقت لم تكن لها قدرة على التنفيذ، لان القضاء كان قد دخل في مجابهات حول حل الحزب الشيوعي.



    وحينما جاء النميري الى الحكم تحالف الجمهوريون معه في بداية أمرهم ودافعوا عن مايو، باعتبارها الترياق المضاد للاسلام السياسي والطائفية واستمر هذا التحالف حتى 1983 فغيروا رأيهم في النظام، لان النميري كان قد تحالف مع الاخوان المسلمين. الشئ الذي قاد الى تغير في طبيعة الحكم فظهرت مصطلحات القيادة الرشيدة. والتشريعات الاسلامية، والتي عارضها الجمهوريون. فاعتبر النميري ذلك تحدياً لارادته، خصوصاً وان الاجواء السياسيّة كانت حرجة، في ظروف اتّسمت بالمجاعة وحرب الجنوب. فأُعلِنت محاكم العدالة الناجزة، وبدأت الحكومة تنظر للجمهوريين كجماعة تهدد أمن وسلامة البلد. فالتقت الرغبة السياسية بالفتوى الدينية، فصدر الحكم ونفذ.



    ويرجح التقاء الاسباب الدينية مع السياسية ايضاً احد رموز مايو د. اسماعيل الحاج موسى، ويرى ان حيثيات المحكمة التي استندت اليها في اصدار الحكم كانت دينية، لكن لا يستطيع أحد ان ينكر الاسباب السياسية. ورغم أنّ اسماعيل من المؤيِّدين للقوانين الاسلامية حسبما قال لي، لكنه كان معترضًا على طريقة التنفيذ. وأنَّ القضاة الذين قاموا على أمر تلك المحاكم كانوا متعسفين ومتطرفين. وكان في الامكان أن يتولى الأمر قضاة أكثر حكمة وتعقُّلا.



    اذاً التطرف والتعسف وعدم الحكمة كان ضمن الاسباب التي قادت لارتكاب تلك الجريمة. وهي تأتي ضمن أسباب حصرها الاستاذ محمود نفسه في قائمة الضعف الفني والاخلاقي للمحكمة. والذي قاده لعدم التعامل معها.



    وتضيف إحدى رموز مايو: الدكتورة. سعاد ابراهيم عيسى، سبباً آخر يتمثَّل في تحريض جماعة (الجبهة الاسلامية) للنميري ضد الاستاذ محمود محمد طه، بسبب الكتيبات التي كان يصدرها الجمهوريون، وينتقدون فيها مايو. الا ان النميري كان يقول لهم: إن الافكار تحارب بالافكار.. لم يكن اختلاف الجمهوريين مع الاسلام السلفي يعني النميري في شئ، لكن الذي يعنيه الا ينتقده هو أحد. او علي حد تعبير د. سعاد: إن القرار كان خاطئاً، بل ان اتحاد نساء السودان في ذلك الوقت كان قد اصدر مذكرة اعترض فيها على قرار الاعدام، رفعها للرئيس، وذ كَّره فيها بحديثه: عن ضرورة محاربة الافكار بالافكار!. لكن النميري، وبحكم انه كان يفتَرِض في اجهزة مايو ان تدافع عنه هو شخصياً، وان تقف خلف قراراته، لذا توعَّد عضوات اللجنة التنفيذية للاتحاد.



    وترجع الاستاذة. آمال عباس، السبب الى الهلع الذي كانت تشعر به جماعة الاسلام السياسي، من الطرح المستنير للاستاذ محمود. وترى ان الإعدام تم لاسباب سياسية، تتمثل في عدم موضوعية الاتهام، وارتباطه بالمناخ السياسي. فالتقى تآمر الاخوان المسلمين مع رغبة النميري. وتقول آمال عباس: إن المحاكمة، والاتهام كانت معزولة تماماً عن إرادة أغلبية أعضاء الاتحاد الاشتراكي. حيث قام اتحاد شباب السودان برفع مذكرة للرئيس يتحفَّظ فيها على المحاكمة ويرفض تنفيذ حكم الإعدام.



    ويبدو ان التآمر على محمود قد تواصل حتى بعد موته. حيث تتساءل آمال عباس: لماذا لم تكشف اللجنة الحكومية التي قامت باستلام وثائق الاتحاد الاشتراكي بعد انتفاضة ابريل عن تلك المذكرات، التي رفعت للرئيس برفض المحاكمة والاعدام؟.



    وتذهب في نفس الاتجاه: الاستاذة. نفيسه احمد الامين، رئيسة التنظيم النسائي لمايو في تلك الفترة. وتحصر الأمر في كونه تصفية حسابات مع الاستاذ محمود. وتقول: إنَّ مذكرة الاتحاد النسائي، التي رفعت للرئيس لم توافق عليها بعض العضوات. طلبت مني أن اعفيها عن ذكر اسمائهن، لانهن لسن على قيد الحياة. وترى نفيسة: ان أسباب اغتيال محمود ليست دينيّة.. وأضافت نفيسة: إنَّها تعرف الاستاذ محمود محمد طه معرفة شخصية. وقد أقام ندوة للاتحاد النسائي بنادي الخريجين في مدني. وتقول: إن كل ما قيل عنه ليس صحيحاً.



    مضى الاستاذ محمود الى سجل الخالدين!!. لأنَّه رفض التسلط وحكم الفرد. أمَّا افكاره، [والتي يحق للآخرين أن يختلفوا معه فيها] كان يجهر بها منذ أكثر من عشر سنوات من عمر نظام مايو نفسه. وان قتله بالتآمر عليه يظهر عجز خصومه عن مواجهته في ساحات الفكر.



    وقد مضى جبل الأكاذيب تحت إرادة رجل حر، وبقيت الحقيقة عارية. ولازالت افكار محمود مواجهة من قبل تيار الاسلام السياسي، ولم يفلح الموت في تغييبها!!.





    --------------------------------------------------------------------------------
                  

01-19-2009, 07:25 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    ويلٌ لأُمة لا تعرف قدر مُفكِّريها!

    فتحي الضـو
    [email protected]

    كان من المفترض أن يكون كتابي الأول عن سيد شهداء الفكر الحر الاستاذ محمود محمد طه، ولكني لم أستطع أن أحقق تلك الرغبة الصادقة لسبب سأكشف عنه بعد نحو ما يناهز العقدين من الزمن، ولا أدري إن كان يهم القارىء الكريم في كبير شىء أم لا، لكن على أية حال يمكن القول أن هذا المشروع إن تحقق يومذاك فلا شك عندي أنه كان سيسعد حلفاء الكلمة المكتوبة على الأقل، أولئك الذين بينهم وبين (نون والقلم) أواصر محبة وعروة وثقى...تقول القصة إنني توجهت من الكويت حيث أعمل في صحيفة (الوطن) إلى (الوطن) السودان آواخر العام 1988 وكانت الزيارة بغرض جمع مادة توثيقيه عن حياة الاستاذ الراحل، فقصدت أولاً السيدة أسماء محمود محمد طه وطرحت عليها فكرتي، ورغم أن المعنِي بها هو والدها قبل أن يكون رائد ومؤسس الفكر الجمهوري، إلا أنها بتواضع جم وجهتني لآخرين قالت لي أنهم سيعطونني ما أريد، وبالفعل بدأت رحلتي بالسفر إلى مدينة ود مدني حيث نزلت ضيفاً على الاستاذ الراحل سعيد الشايب وكان منزله كخلية نحل لا يخلو من الغادين والرائحين ولو للحظة قصيرة، فالرجل عليه رحمة الله لا تراه إلا مُحدِّثٍ أو مُودِّعٍ أو مُستقبل لضيوفه...قضيت معه بضعة أيام زودني فيها بما كنت أصبو إليه، وقال لي إن أردت زيادة من مستزيد فيمكنني التوقف في مدينة رفاعة حيث يوجد الاستاذ خالد الحاج عبد المحمود، والذي طلبت منه أولاً أن يدلني على المنزل الذي وُلد ونشأ وترعرع فيه الاستاذ محمود محمد طه.

    هناك على عكس ما توقعت تملَّكني حزن وأسىً عميق حينما شاهدت أطلالاً كسَّحها الزمن، وتذكرت كيف أن الشعوب الوفية تبذل كل جهد للمحافظة على آثار مفكريها وعظمائها وكل مشاهيرها لتتعرف عليهم الأجيال اللاحقة وتستلهم سيرهم العطرة، وبعد عودتي للخرطوم إلتقيت أيضاً الاستاذ عبد اللطيف عمر وآخرين، ثم مررت على دار الوثائق وجامعة الخرطوم ومعهد الدراسات الاضافية وكل مكان توسمت فيه خيراً، وبعد تلك الرحلة الطويلة عُدت أدراجى إلى الكويت أحمل غنيمة لا تقدر بثمن، وشرعت في العمل في الكتاب فور وصولي بمهلة وتؤدة واستمتاع...وكنت قد تعودت على ذلك في نهاية كل يوم بعد ان افرغ من عملي الصحفي الروتيني، وحتى أُسهِّل تلك المهمة على نفسي كنت قد وضعت مسودة الكتاب في احدى خزائن مكتبي. وفجأة داهمنا هادم اللذات من حيث لم نحتسب، إذ غزت جيوش صدام دولة الكويت على حين غرَّة، وكانت دُور الصحف في طليعة أولويات واهتمامات (الغزاة) الذين عمدوا إلى إحتلالها وبعد ذلك حصنوها بدبابات وقفت شاهرة مدافعها أمام كل صحيفة، ثم زادوا عليها بعشرات من الجُند المُجندة كأنهم يخشون فرار مطابعها، وعلى مدى ثلاثة شهور قضيتها مُجبراً تحت سنباك خيول (الاحتلال) باءت كل محاولاتي اليومية بالفشل الذريع، ولم أفلح في اقناع (النشامى) المدججين بالأيدولوجيا ووصايا الحجاج بن يوسف بالدخول لمكتبي لأخذ (ورق) كما كنت أقول لهم دوماً، وأتذكر كيف أنني كنت أتعمد خفض صوتي حينما أقول تلك الكلمة المُحرَّمة كأنني أنطق كفراً، إلى أن حضرت ذات يوم كالعادة لممارسة طقوس الإستجداء فوجدت محتويات الصحيفة كلها وقد أفرغت في جوف شاحنات ضخمة تمهيداً لنقلها للعراق (كغنائم) في حرب لم تندلع أصلاً! أذكر يومذاك وقفت كما كان يقف شعراء الجاهلية على الأطلال، كسير النفس والخاطر...خائر القوى...لا ألوى على شىء. ثم مثل فارس فقد سلاحه في معركة غير متكافئة طفرت من عيني دمعة حراء ما زلت - رغم تقادم السنين - أشعر بلسعاتها سياطاً تلهب خدي وعلقماً يهرىء جوفي... ومنذاك اليوم عزَّ على أن أكتب شيئاً عن قامة...تقاصرت دونها قامات!

    لكن السؤال الذي يثور ويحق للقارىء أن يطرحه...لماذا كانت فكرة الكتاب في الأصل؟ أو لماذا الاستاذ محمود تحديداً؟ الواقع أنني قدرت أن اخوض غمار التجربة إنطلاقاً من عدة زوايا منها:

    أولاً: في تقديري يعد الاستاذ محمود محمد طه المفكر السوداني الوحيد الذي ينطبق عليه اللفظ بمعناه الموسوعي المعرفي، صحيح قد يكون لدينا في السودان جيش من السياسيين فيهم النزيه والتعيس و(خايب الرجا) وصحيح أيضاً أن الله خصَّنا بالعديد من العباقرة في الطب والهندسة والأدب والعلوم الانسانية، ولدينا أيضاً كثير من الموهوبين في الرياضة والفنون بشتى أنواعها، بل على هذا المنوال يمكننا أن نحصى الآلاف...منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ولكننا لن نجد بين الأحياء أو الأموات من يمكن أن يُطلق عليه صفة مفكر سوى الاستاذ محمود، هذا بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع اجتهاداته واطروحاته الدعوية الفكرية.

    ثانياً: عندما فرضت عليه الأقدار أن يواجه جلاديه في (المحكمة المهزلة) كما اسماها، تمسك بمبادئه ورفض المساومة حولها ولم يتنازل قيد أنملة عن شىء آمن به، بالرغم من أنه كان يعلم أنه يواجه خصوماً طالما تربصوا به للنيل منه، إذ لم تكن تلك هي المرة الأولى ومع ذلك إزداد إصراراً، ولكنه بذكائه المعهود حاكم قضاته عوضاً عن أن يحاكموه، ونال من قوانينهم تبخيساً وتشريحاً وإزدراءً قبل أن تنال منه جوراً وظلماً، وحوَّل المحاكمة برمتها من محاكمة جلادين لشخصه إلى محاكمة جلادين لشعبه!

    ثالثاً: مثل أساطير آلهة الإغريق مضى في طريق الايمان بقضيته إلى حد تقديم حياته قرباناً لها، فكان السوداني الوحيد الذي نذر روحه لفكره، واعتلى موقعه وسط قلَّة من المفكرين الذين حفل بهم تاريخ الانسانية وتعرضوا لذات المصير الذي تعرض له هو على يد جلاوزة الفكر الظلامي.

    رابعاً: أن ينذر رجل حياته لفكرة ظلّ يدعو لها لنحو نصف قرن وينجح في استقطاب الآلاف نحوها من السودانيين، وثم تجذب الفكرة آخرين من خلف الحدود ومن جنسيات شتى، ورغم تمددها نوعياً وعددياً يظل هو على ذات الحال، ذلك الرجل الذي يأكل طعام غمار الناس ويشاطرهم العيش البسيط ويجلس بينهم لدرجة لو أنك لم تكن تعرفه لحسبته راعياً كان يرعى غنم خالاته من بني مخزوم كما سيدنا عمر بن الخطاب...لم يغتر والغرور (بفتح الغين) شاخصاً بصره نحوه، ولم يترفع أو يتكبر والغرور (بضم الغين) يضعه البعض تاج عزّ على جباهم!

    خامساً: تفرد الاستاذ محمود بين السودانيين بأنه تعدى رحاب المحلية، فهو إلى جانب أفكاره الدينية كانت له العديد من الآراء في قضايا مصيرية خارج حدود السودان، ومنها قضايا جدليه أثبتت الوقائع صحتها مثل القضية الفلسطينية، وفي تقديري لو أن الناس ركنوا لما قال يومذاك لكانوا قد وفروا دمائهم وأرواحهم، ومن المفارقات التي لا تخفى على أحد أن يتزامن التصعيد المأساوي الحادث الان في غزَّة مع الذكرى المئوية لميلاده والذكرى الرابعة والعشرين لإعدامه!

    كانت هذه هي مجتمعة هي الأسباب التي حدت بِنا للتفكير في مشروع الكتاب، والذي كان سيكون محصوراً في النقاط الخمسة، أي النقاط المعنية بحياته الحافلة والعامرة بالعطاء الانساني لنحو نصف قرن، وأشعر بالفخر حينما أقول انني شخصياً إستلهمت من الاستاذ محمود القيم التي تقوى من عضدي في المضى قدماً في طريق الكتابة الشاق، وخاصة قيم الحرية والعدل والحق والمساواة. وحريٌ بنا القول أن في الكتاب المذكور لم أكن أنوي تناول الفكر الجمهوري من قريب أو بعيد، ليس لسبب سوى أعترف بأنني لم أكن مُلماً الإلمام الفلسفي والديني الكامل الذي يجعلني أقف موقفاً معارضاً أو منافحاً للفكرة، بل واعترف أنني قبل الاقدام على الفكرة لم اكن أعرف شيئاً كثيراً عن الاستاذ محمود محمد طه إلا القدر الذي كان يلفت أنظار الناس آنذاك والمتمثل في نفر من الرجال والنساء يتوشحون البياض ويتوزعون في أماكن التجمعات وفي شوارع الخرطوم التي يكثر فيها السابلة، وتراهم يحملون في ايديهم أسفاراً وهو يتجادلون بالحسنى مع كل من يستوقف نفسه من الناس، والذين هم إما منجذب نحو حب الاستطلاع أو عاشق للمعرفة أو راغب في حوار بناء، أما بالنسبة للجمهوريين فسيان عندهم...إن كان المُجادل نزِقاً متطرفاً أو عقلانياً متفهماً، فتراهم يواجهون الموقفين معاً بثغر لا تفتر إبتسامته وبوجه لا تعبس سيمائه وبنفس لا تضيق ذرعاً بالآخر. كان الكثيرون يستغربون ليس في ما يطرحونه ولكن في قدرتهم على الصبر والمثابرة وقوة الاحتمال، لدرجة أنه عرفوا بين الخلق أنه مهما أوتي البعض من مقدرات في المكر والدهاء كما العصبة ذوي البأس فإنهم لن يستطعوا أن يزلزلوا (جمهوري) من ثباته السرمدي في موقفه أو يجره نحو منابع الغضب والاستفزاز، ولولا إننا قوم جُبلنا على الجحود ونكران الجميل لأعطينا الجمهوريون حقهم في صدقة جارية، فقد ساهموا في ارساء دعامة كبرى نحتاجها في حياتنا وهي دعامة الحوار، وكلنا يعلم أن غيابها تسبب في الكوارث السياسية والفكرية والاجتماعية التي ابتلينا بها، واستطيع أن أقول إن شوارع العاصمة المثلثة إفتقدت حوارات الجمهوريين عنواناً للتسامح الديني والفكري والسياسي، وأستطيع أن أقول أيضاً وبنفس الروح أن شوارع العاصمة المثلثة تلك، تمدد فيها العنف وسالت فيها الدماء وفتحت جهنم أبوابها منذ أن غاب عنها الجمهوريون أنفسهم!

    يا إلهي...عِوضاً عن أن نقابل الحسنة بحسنة مثلها...من نكد الدنيا علينا أن نرى بيننا بعضاً تمادى في غيهم وسفاهتهم، فرجل بهذه السمو ما زال بعض شذاذ الآفاق يتوهمون بأنهم يمكن أن ينالوا منه حتى بعد موته، ومن بين هؤلاء معتمر القلنسوة أو (كراديتش) الصحافة السودانية الذي ينفث سُمه الزعاف يومياً على صفحات صحيفة زميلة، ولا يتورع في توزيع صكوك الكفر والايمان بحماقة وتهور...لا يقدم عليه إلا من أنتمى للعصبة ذوي البأس، وكنت قد سألت نفسي سؤالا مستحيلاً وقلت لها لو أن جمهورياً تطرف في لحظة غضب واحتل موقع كراديتش الصحافة السودانية وطفق يكتب عن خفافيش الظلام الذي اغتالوا الاستاذ محمود غيلة وغدراً وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور كما يفعل كراديتش نفسه، فماذا سيكون رد فعله يا ترى؟ لا اظن أن الاجابة ستكون عصية – يا سادتي - على من خبر طرق ودروب ومنهج العصبة ذوي البأس!

    في الذكري المئوية العظيمة وتلك العشرينية الأليمة...نوجه الرسالة الثالثة للشعب السوداني عامة ولتلاميذ ومريدي الاستاذ محمود محمد طه خاصة...ونقول لهم ارفعوا رؤوسكم بشموخ كأبطال الاساطير القديمة، فقد ترك لنا الاستاذ محمود ما لن نضل بعده أبداً...ترك لنا الشجاعة التي إسترخصت الحياة وأدبرتها وأقبلت نحو الموت بإباء وشمم، ترك لنا الايمان بالمبادىء والثبات عليها والتمسك بحرية الرأي وقال أن الحرية لنا ولسوانا، ترك لنا المجادلة بالتي هي أحسن واحترام الآخر مهما كان تطرفه وتهوره، ترك لنا ضرورة الصبر على المكارة، ترك لنا حتمية العفو عند المقدرة، ترك لنا فريضة قول الحق في وجه سلطان جائر، ترك لنا البساطة في المأكل والمشرب والملبس، ترك لنا سفر الخلود في العيش بكرامة أو الموت بموقف يعزز الكرامة، ترك لنا نعمة التأمل في الكون وخالقه ومخلوقيه، ترك لنا قاعدة إختلاف الرأي التي لا تفسد للود قضية...وأخيراً لخص فلسفته وفكره بتلك الابتسامة الساحرة التي هزمت ثيوقراطية خفافيش الظلام يوم اعدامه... وقال لنا: اليوم أكملت لكم رسالتي ورضيت لكم السودان وطناً والفكر الحُر موطناً!

    أقيموا للاستاذ محمود تمثالاً في قلب الخرطوم لنقول للأجيال القادمة أننا قوم نحترم الفكر الحر ونضع مكانة خاصة لمفكرينا حتى وإن خالفناهم الرأي، اقيموا له تمثالاً ليُذكِّر المرجفين بفعلتهم الشنعاء، أقيموا له تمثالاً حتى لا يفكر اللاهوتيون الجدد في قتل محمود آخر! فالويل كل الويل لأمة لا تعرف قدر مفكريها!

    لمثل هذا يا سادتي تصبح الكتابة فرض عين على كل من إمتلك ناصية القلم... فقل لي بربك ما جدواها بدون الحرية التي مهر لها الاستاذ محمود محمد طه حياته!!



    عن (الأحداث) 18/1/2009
                  

01-21-2009, 08:21 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1427
    --------------------------------------------------------------------------------
    الكاتب : admino || بتاريخ : الأحد 18-01-2009
    عنوان النص : أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    : د.عبد الله النعيم لـ(أجراس الحرية) (1-3)


    أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    لم أقابل أحداً لديه المقدرة على أن يعيش ما يقول كالأستاذ محمود
    هناك من يجادلون في الجانب العرفاني للفكرة الجمهورية تهرباً من مواجهة جانبها العقلاني!
    لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً)!
    علاقتي بالاستاذ محمود ليست علاقة تابع بقائده بل علاقة تلميذ بأستاذه
    في اعتقادي الاستاذ محمود ليس معصوماً
    حياد الدولة تجاه الدين شرط لازم لتمكين حرية الاعتقاد
    الفكرة الجمهورية لم تدع لترك العبادات





    حوار: رشا عوض



    البروفسيور عبد الله احمد النعيم استاذ كرسي القانون بجامعة اموري بالولايات المتحدة الامريكية والخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان، من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه وصاحب مشروع فكري يهدف الى تأسيس مشروعية ثقافية للدولة العلمانية ولحقوق الانسان في المجتمعات المسلمة منطلقاً في ذلك من مرجعية الفكرة الجمهورية في هذا الحوار طرحنا عليه تساؤلاتنا حول الفكرة الجمهورية وتساؤلاتنا حول أبعاد وأهداف مشروعه الفكري فكان هذا الحوار:



    بعد مضي أربعة وعشرين عاما على استشهاد الأستاذ محمود ما زال الجانب العقدي في الفكرة الجمهورية يمثل حاجزاً بين الفكرة والجماهير بما حواه من افكار باطنية كمقام الأصيل والمسيح المحمدي ما رأيك في ذلك؟



    انا تلميذ للاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968م اذ استمعت اليه في محاضرة في ذلك التاريخ ولم اجد نفسي مختلفاً معه بل كانت قناعتي به تترسخ باستمرار لم تضعف ولم تتغير ولكنني اتهيب الحديث باسم الاستاذ محمود واحجم عن ذلك لأن فكره موجود ومشاع فلا يوجد من هو اقدر او ابلغ منه في الدفاع عن فكره، ولذلك فان كل ما اقوله اتحمل مسؤوليته شخصياً فلا اتحدث لا باسم الاستاذ محمود او غيره من الجمهوريين في اعتقادي ان الانجاز الحقيقي للاستاذ محمود لم يكن في المسائل العرفانية الجدلية وانما هو في مسألة اصولية بسيطة لو ألممنا بها لاغنتنا عن كل هذا الجدل والكلام عن الاصيل الواحد والوقت والمسيح فهذه كلها قضايا انصرافية عن القضية الاساسية اي قضية تغيير الانسان لنفسه، على المستوى الشخصي انا لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً) قضيتي ببساطة هي ان الاستاذ محمود قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة اصلح بها نفسه وقد عشت معه ثمانية عشرة عاماً ولم اجد من هو اكمل منه في اية قيمة انسانية، فاهتمامي في المقام الاول هو ان اتعلم من هذا الرجل واستفيد من تجربته ومنهجه لأغير نفسي فاذا نجحت في ذلك في خاصة نفسي فكل المشاكل الاخرى محلولة واذا لم انجح فلن تحل اية مشكلة، فاذا كان الاستاذ محمود هو المسيح وجاء الان لن يحل مشكلتي اذا لم احلها بنفسي وعندما اقول ذلك فانا لا اعني ان المسائل الجدلية لن تظل تثير الجدل لكنني اتساءل بعيداً عن المسائل الجدلية ماذا عن بقية ما طرح الاستاذ محمود، في اعتقادي ان التركيز على المسائل الجدلية والانصراف عن القضايا الاخرى وهي اكثر اصولية واصالة وهي قضايا واضحة ومباشرة فيه اختلال، فيجب ان نتيح الفرصة لمناقشة ما طرحه الاستاذ محمود في السلوك و العبادة والمعاملة.



    *الاستاذ محمود قدم منهجه للتغيير على اساس انه يتلقى العلم من مصدر عرفاني متعالي على المعرفة البشرية لا على اساس عقلاني فهل تحتاج مجتمعاتنا الغارقة اصلاً في الغيبيات الى تكريس العقلانية ام العرفانية؟



    في اعتقادي ليس هناك تناقض بين المعرفة العقلانية والمعرفة العرفانية فهما غير متضادتين ولذلك ليس صحيحاً ان الاستاذ محمود بتقديمه للعرفانية فرط في العقلانية بل على العكس الاستاذ محمود اكد العقلانية وهو لا يذكر الامور العرفانية الا عندما يسأل عنها، طرح الاستاذ محمود طرح عقلاني فمسائل تطوير التشريع واتباع منهج محمد وكل ما قاله ومارسه عملياً يدل على ان العرفانية كانت نتاجاً للعقلانية وليست نقيضاً لها والذين يتجهون للعرفانية دون العقلانية يرتبكون لأنهم يعزلون العرفانية عن منهجها فما طرحه الاستاذ محمود في منهج التربية مثلاً هو منهج عقلاني ففيه توجيهات بعدم الكذب والصلاة في اوقاتها وقيام الليل وحسن معاملة الاخرين ومتابعة النفس (طردا وعطفاً) من الخارج للداخل وفن الداخل للخارج، في اعتقادي ان الذين يركزون على المسائل الجدلية يفعلون ذلك تهرباً من مواجهة المسائل العقلانية فالجانب العرفاني هو نتاج للجانب العقلاني والجانب السلوكي، حجة الاستاذ محمود الدامغة هي مقدرته على ان يعيش ما يقول ففي عمري الذي امتد لاثنين وستين عاماً لم اقابل احداً لديه المقدرة على ان يعيش ما يقول كالاستاذ محمود ففي قياداتنا هنا في السودان وبكل احترام لا توجد قيادة تعيش ما تقول باي قدر ومقدرة الانسان على ان يعيش ما يقول هي اقوى حجة على صحة طرحه واقوى من الجدل حول العرفانية والعقلانية .



    *الجمهوريون اليوم عندما يطرحون فكر الاستاذ محمود يطرحونه بافتراض انه الفكر الوحيد القادر على تقديم الرؤية الدينية الصحيحة بشأن القضايا المعاصرة أليس هذا النهج شبيهاً بنهج الجماعات السلفية التي تتمسك برؤية وحيدة وتنكر تعددية الاجتهادات؟



    كل من يطرح طريقاً في التجديد لابد ان يطرح طريقاً واحداً فلا يمكن ان يطرح طريقين في نفس الوقت، كل ما يقدمه تلاميذ الاستاذ محمود يعبر عن اجتهاداتهم الفردية وكل واحد منهم يمكن ان يخطئ ويصيب، فيجب الرجوع الى الاستاذ محمود في مصادر ومراجع فكره المتاحة ونموذج حياته ولكن عندما يقدم كل منا رؤاه في القضايا المطروحة يقدم قناعته هو في مقابل قناعات اخرى وبالتالي يكون السؤال المشروع هل نقبل النقاش والاخذ والرد حول ما نطرح ام لا ام ان لدينا تصلب وعدم احتمال للاخر، من معايشيتنا للاستاذ محمود نستطيع ان نقول كلما قدم تلاميذه افكارهم ووجهات نظرهم بصورة مفتوحة وقابلة للاخذ والرد كلما كانوا اصدق في تقديمهم لرؤية الاستاذ محمود وبقدر ما قدموا افكارهم بصورة متعنتة ومتصلبة وعنيفة وضائقة بالرأي الاخر بقدر ما يكون هؤلاء التلاميذ رجالاً او نساء مقصرين في ايصال رؤية الاستاذ محمود فسعة الصدر واحتمال الرأي الاخر ورد الحجة بالحجة هي سمة عمل الاستاذ محمود.



    *هناك سلفيون لديهم سعة صدر ويستمعون للرأي الاخر ويجادلوه ولكنهم يستبطنون فكرة امتلاك الحقيقة الكاملة وبالتالي هم يجادلون الاخر لهدايته واقناعه فليس هناك افتراض بامكانية ان يمتلك الاخر جزءاً من الحقيقة الدينية وبالتالي له دوره في الاصلاح من موقعه هو، وهناك جمهوريون يستبطنون ذات الفكرة ألا يشكل ذلك بذرة للإقصاء والأحادية؟



    هذا صحيح في حق كثير من الجمهوريين بمن فيهم شخصي لاننا لم ننتفع من معيتنا للاستاذ محمود بالقدر الكافي بحيث نتجاوز هذه النزعة الانسانية، فالانسان بطبعه لديه هذا الميل لادعاء امتلاك الحقيقة، تلاميذ الاستاذ محمود لا يتجاوزوا قصورهم الانساني بمجرد معيتهم للاستاذ محمود ولا يتجاوزوها بقدر متساوي فمنهم من هو اقرب للاستاذ محمود والقرب الى هذا النموذج لا يكون بمجرد القدرة على الجدل والنقاش وتقديم الحجج او (الفهلوة) بل بالسلوك وتمثل القيم، والتواضع قيمة مهمة جداً فمن يعتقد ان الحقيقة عنده هو تكون في الواقع حقيقة غيره هي التي عنده، الاستاذ محمود هو الذي حقق حقيقته بالمجاهدة الطويلة وبالثمرة الواضحة نحن _ تلاميذه_ اتينا لنقدم حقيقته هو وكأنها حقيقيتنا نحن! وفي هذا عدم تواضع يجب ان ننقل رؤية الاستاذ محمود كما حققها هو ونعترف اننا نسعى قدر طاقتنا في تحقيقها وقطعاً انا ناقص ومقصر في هذا ولكن نقصي وقصوري لا يحسب على الاستاذ محمود.



    *من معوقات التطور في مجتمعنا غياب العقلية النقدية ومن الملاحظ انعدام الحس النقدي تجاه الفكرة الجمهورية فالاستاذ محمود فوق النقد تماماً لاعتبارات عرفانية، وعادة ما يورد الجمهوريون ان الفكرة لا تحتاج الى تطوير بل الواقع هو الذي يجب ان يرقى لمستوى الفكرة وبالتالي يسود المنطق التبريري عند مناقشة اخطاء الجمهوريين مثل تأييد نظام نميري وقبل ذلك التظاهر ضد القانون الذي سنه المستعمر لمنع ختان الاناث ما تعليقك على ذلك؟



    انا علاقتي بالاستاذ محمود هي علاقة تلميذ باستاذه لا علاقة تابع بقائده، فاذا تشكلت لدي قناعة تخالف الاستاذ محمود في مسألة اساسية لديه اكف عن ان اكون تلميذاً له وعندما يدافع الجمهوريون عن افكار ومواقف الاستاذ محمود يفعلون ذلك عن قناعة وليس بمنطق تبريري، مثلاً في الموقف من مايو هناك تلاميذ للاستاذ محمود انصرفوا عنه وكفوا عن كونهم جمهوريين فانا لو كنت اعتقد ان الاستاذ محمود مخطئ في حادثة رفاعة (التظاهر ضد قانون خفاض البنات) فانا سوف اكف عن كوني تلميذه وكذلك في مسألة مايو لو اقتنعت بخطأ موقفه اكف عن كوني جمهورياً، فطريقة طرحك للسؤال توحي بانني ادافع عن امور لست مقتنعاً بها بهدف التبرير وهذا احتمال، وهناك احتمال اخر هو انني ادافع عنها عن قناعة اين الحقيقة؟ لا اعتقد اننا نستطيع معرفتها بصورة قاطعة قد يكون موقفي تبريرياً ولكني ألبسه ثوب القناعة وقد أكون مقتنعاً بما ادافع عنه ولكنك لا تقبلين بان هذه قناعتي لانك تريدين سماع نقدي للفكرة الجمهورية.



    من ناحية اخرى الفكرة الجمهورية لا تختلف عن غيرها من الافكار، فالاسلام نفسه الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فيه ناحية عقدية وناحية عقلانية والبشر في تكوينهم النفسي هناك من يميل للعقائدية ومن يميل للعقلانية ففي صدر الاسلام كان هناك اصحاب العقيدة ولا شئ غيرها وهناك من اتجهوا للتفكير العقلاني والفلسفي والجدلي كالمعتزلة، وفي تاريخ الفكرة الجمهورية سيكون هناك اتجاه مشابه فنحن قريبي عهد بما حدث للاستاذ محمود ولذلك رؤيتنا قد تغلب عليها الناحية الدفاعية او العقائدية على الناحية العقلانية فالنفس البشرية بطبيعتها عندما يكون هناك هجوم عليها تتقوقع .



    الفكرة الجمهورية لو فشلت تماماً وانهارت واندثرت لكان ذلك دليلاً على عدم صحتها ولكن يجب اعطاء هذه الفكرة الفرصة الكافية ونفسح لها المجال باوسع مما استطاع تلاميذ الاستاذ محمود ايصاله للناس فالفكرة الجمهورية لم يمضي عليها زمن طويل بحساب عمر الافكار وحركات الاصلاح فالمسيحية مثلاً هي اليوم الدين الاول في العالم لم تنتصر الا بعد ثلاثة قرون من صلب السيد المسيح وحركات الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر اخذت وقتها كذلك.



    *هل كل من اختلف مع طرح الاستاذ محمود في قضية ما يصبح خارج اطار الفكرة الجمهورية بمعنى اخر ألا توجد مشروعية للتعددية داخل اطار الفكرة نفسها؟



    توجد مشروعية لذلك هناك اعتقاد انك لكي تكون جمهورياً يجب ان تعتقد بان الاستاذ محمود معصوماً ولا تقبل فكرة انه يمكن ان يخطئ، في اعتقادي ان الاستاذ محمود ليس معصوماً وقد اتبعته بقناعة ولو اتضح لي انني اختلف معه في امور اساسية سأنصرف عنه اما مسألة هل انا جمهوري ام غير جمهوري فمن الذي يحدد ذلك وما قيمته؟ انا من اصنف نفسي بانني جمهوري ام لا، ولذلك انا ادعو للدولة العلمانية وتفادياً لاشكالية المصطلح اسميها الدولة المدنية والغرض من هذه الدعوة هو ان تكون الدولة محايدة تجاه الدين حتى يتمكن الناس من ان يعيشوا قناعاتهم بحرية كاملة فاشكالية العقائدية تظهر عندما ترتبط بالسلطة لانك اذا خالفت رأياً في اطار السلطة الدينية فانك تعاني من تبعات ذلك بالاعتقال والتعذيب حياد الدولة تجاه الدين هو دعامة اساسية في تمكين حرية الاعتقاد وافساح المجال للتعددية والاختلاف في الرأي ولكن في حياد الدولة تجاه الدين وابتعادها عن اي شبهة ترجح وجهة نظر دينية عن الاخرى هو شرط لازم ولكنه غير كاف فلابد من ان يكون مصحوباً بالتربية.



    نحن باستمرار نعيش في عقول الاخرين! الكل مشغول بما يقوله الاخر عنه وهذا ما كان يحاول الاستاذ محمود باستمرار اضعافه حيث كان يدعو الى ان لا ننشغل بتقييم الاخرين لنا بل علينا ان ننشغل بمدى التزامنا بما نؤمن به من قيم، فمثلاً في عبادة الصلاة نجد المسلمين عموماً مشغولين جداً بان يظهروا امام بعضهم البعض بمظهر الورع، فنلاحظ ذلك عند دخول وقت الصلاة يحرص كل شخص على ان يلفت انتباه الاخرين لاهتمامه بالصلاة.



    الصلاة! هل توضأتم ؟ انا ذاهب لاتوضأ؟ وهكذا... الجمهوريون يحرصون على البعد من هذا السلوك فهم يصلون ولا يشعرون احداً بانهم يصلون فهناك عقدة عميقة الجذور في تربيتنا وفي مجتمعنا سواء المجتمع الشرقي او الغربي هي اننا نعيش في عقول الاخرين اكثر مما نعيش قناعاتنا، اخراج الدولة عن مجال الدين شرط لازم لبداية المجهود لاعادة تربيتنا بحيث اننا نعيش في عقولنا نحن لا في عقول الاخرين .



    *الا تعتقد ان الفكرة الجمهورية عندما تجدد في مجال العبادات تخلق حاجزاً بينها وبين جماهير المسلمين إذ أن هناك صعوبة في اقناع الناس بالتجديد في المعاملات فكيف يمكن اقناعهم بالتجديد في العبادات؟



    الفكرة الجمهورية لم تأت برأي جديد في العبادات بمعني انها قالت بترك الصلاة او الصيام او الحج، وانما جاءت برؤية جديدة في تجديد معنى العبادات ومنهجها بحيث يكون منهجاً مؤثراً في السلوك وهذا تحقيق لقيمة العبادة، الاستاذ محمود كان يقول اننا نصلى وسلوكنا ليس سلوك مسلمين ونصوم ولكننا نكذب ونغش فهناك خلل في عبادتنا لانها صحيحة شكلاً ولكنها ناقصة المحتوى فدعوته كانت لتغيير المحتوى وهو لم يدع احداً لترك الصلاة او ترك الحج وقد سمعته شخصياً يقول الذي لم يحج سوف يسأل عن عدم حجه.



    هل يؤدي الجمهوريون الحج وفق المناسك المقررة في الشريعة؟



    نعم وهناك جمهوريون حجوا وفق الشعائر المتعارف عليها منهم احمد عبد الرحمن العجب، وانا شخصياً انوي الحج فمن لم يحج وفقاً للشعائر يجب ان يكون له من العلم والحجج التي يجيب بها عندما يسأل عن ذلك ولا يكفي ان يقول الاستاذ محمود قال، يجب ان يكون له رؤية يستطيع الدفاع عنها.



    الاستاذ محمود لم يدع لترك اي من العبادات بل دعا لاحياء القيمة في العبادات ودعا للتفكر فيها.



    _ولكن هو في خاصة نفسه أليست له طريقة في العبادة تختلف عن الشريعة؟



    هذا يعيدنا الى الحديث عن العيش في عقول الاخرين فالاستاذ محمود بالتأكيد يعلم انه عندما لا يصلى الصلاة المتعارف عليها في الشريعة فان ذلك سيسبب له مشكلة في دعوته وهو في فترة من حياته كان يصلى صلاة الشريعة ويراه الناس يصلي ويذهب الى الجامع ولكنه في وقت معين قال ان له صلاه اصيلة, وقال عندما علمت ان الصلاة الواجبة على غير هذه الصلاة المعروفة للناس اصبحت امام خيارين: ان اصلى امام الناس الصلاة التي يعرفونها حتى يرونني اصلى وفي هذه الحالة اكون اصلى لهم هم وليس لله، او أن اصلى الصلاة التي أعرف ان الله أمرني بها وانا مسؤول عنها امام الله الذي يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور، فليس هناك قيمة ارفع من قيمة ان يعيش الانسان كما يقول فهذه المطابقة ليس هناك اصعب منها وليس هناك ماهو اقوى منها في الحجة فالاستاذ محمود عاش قناعته هو، اذا قناعته هذه اقنعت الاخرين فالحمد لله واذا لم تقنع الاخرين فهو لا يمكن ان يترك قناعته ليرضي الاخرين.



    وماذا عن موضوع الاضحية وصلاة التراويح وهي من الشعائر التي يتبنى فيها الاستاذ محمود رؤية مغايرة؟



    فيما يتعلق بالاضحية الاستاذ محمود عبر عن رأي واقتنع به كثيرون انا شخصياً مقتنع به وفي كل حياتي لم اضحي لدي قناعة بانها مسألة عنيفة وليست جوهرية في الدين.



    اما صلاة التراويح فهي ليست واجبة والجمهوريون يصلون صلاة القيام وهي اوجب من التراويح، نحن نتساءل عن قيمة ومضمون العبادة لا يوجد شئ يفعله الانسان سلباً او ايجاباً إلا ويسأل عنه هذه الامور يسأل عنها من عنده العلم المحيط بحقيقة دوافع ونوايا كل شخص



    ولكن في موضوع العبادة هل كل فعل يقوم به الانسان يجب ان تكون له تبريرات عقلية الا يقتضي الخضوع لله القيام بكثير من الاعمال دون تساؤل عن الحكمة لان عقل الانسان لا يحيط علماً باي شئ؟



    صحيح ولكن يجب ان تكون هناك قناعة ذاتية بذلك فمثلاً انا لا اكل لحم الخنزير لانني على قناعة بان الله حرمه لا لاي سبب اخر، وبالتالي ان كانت قناعتي ان الله لم يكلفني بذبح الاضحية فيجب ان لا اضحي واذا كانت قناعتي ان الله لم يأمرني بالتراويح فلا يجب على ان اصليها فيجب ان يعيش كل منا قناعته التي يستطيع الدفاع عنها امام الله، اما ان التزم بقناعات غيري فهذا يهدم الموضوع، فالعبادة لا تكون عبادة إلا إذا أداها الإنسان وهو مقتنع أن الله كلفه بها، وبما أنني غير مقتنع بأن الله كلفني بالأضحية فلا يمكن أن أضحي إرضاء للآخرين.


                  

01-22-2009, 05:29 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    عزيزي الكيك،
    تحياتي مجدداً،
    استمتعت غاية الاستمتاع بمقال الأستاذ فتحي الضو. هذا الرجل يتميز بوضوح في الرؤية وقدرة على الإبانة لا تحدها حدود.

    تشرفت بأنني انتقلت من السنة الماضية للسنة الجديدة -حرفياً عند منتصف ليلة أول السنة- وأنا بين دفتي كتاب الأستاذ فتحي "سقوط الأقنعة." وقد تعلمت من الكتاب الكثير، لا من حيث المعلومات الوفيرة فحسب، بل من الصدق في التناول والاستقامة الواضحة في التوفيق بين الفكر والعاطفة في تناول القضايا العامة. هذا الرجل يكتب بفكر وعاطفة في آن معاً، فيبقيك مع كلماته إلى خاتمتها، تتلهف للمزيد مما يكتب.

    أصبحت من محبي هذا الرجل، ومن الحريصين على قراءته لأنني دوماً أتعلم منها جديداً أوأعضض قديماً على ضوء رؤى جديدة يطرحها هذا الصحفي السوداني الفذ بمهنية عالية تجبرك على احترامه. لم أتشرف بعد بلقاء هذا الرجل المحترم. وقد نشأت بيني وبينه صلة وجدانية حتى قبل أن أعرف مدى محبته وتقديره للأستاذ محمود محمد طه.

    له مني عبر هذا المنبر عميق شكري وامتناني على مساهماته الكبيرة في ترسيخ فضائل الحرية والعدل والمساواة عندي وعند غيري من السودانيين المكتوين بنار القضية، قضية الإنسان الحر في هذا الكوكب المتأزم.
                  

01-22-2009, 09:51 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    فوق!
                  

01-22-2009, 11:47 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)


    الأستاذ الكيك
    تحية طيبة
    الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة مقالات الأخ عمر القراي كان يفترض أن تنزل في جريدة الصحافة في يوم 18 يناير ولكن تلقفتها أيدي رجال الأمن وصادرتها كالعادة حينما يشعرون أنها تعرف الناس بحقيقة موقف الأستاذ البطولي وتكشف دورهم التأمري حينما عجزوا عن مقارعته في ميدان الحجة الناصعة والمواقف المشرفة:


    في الذكرى المئوية لميلاد الأستاذ محمود محمد طه

    لكي تعرف الأجيال أقدار الرجال (5-5)



    ومن الذين حاولوا تشويه هذا التاريخ المجيد بسوء فهم وسوء نيّة ، د. خالد المبارك ، ولعل الرجل كان في هجومه على الاستاذ محمود ، يتسقط رضا حكومة الانقاذ ، ويطمح في نيل عطفها ووصلها ، فهل يحس ، الآن ، انه كسب نفسه ، لأنه نال منصباً دون منصب السفير، في أحدى سفاراتنا بالخارج ؟!

    قال د. خالد المبارك ( لكن الاستاذ محمود محمد طه ارتكب أيضاً عدة اخطاء تقديرية جسيمة . حدثت انتفاضة رفاعة – التي اشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني . قيل للعامة "يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ........ بناتكم" وفعلاً ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الاستاذ محمود . كان موقفه متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم . انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال الوطني ضد الاستعمار بل هي من مخازينا ويقع وزرها على كاهل الاستاذ محمود محمد طه) (خالد المبارك : محمود محمد طه وانصاف الحقائق. الرأي العام 19/11/2002)
    (وقبل ان نوضح حقيقة ما جرى في حادث رفاعة المشهور ، نود ان نركز في البداية ، على مسألة شديدة الدلالة ، على مبلغ تدني خطاب د. خالد المبارك . فقد أورد في النص أعلاه عبارة "قيل للعامة يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى......... بناتكم" أوردها هكذا بين قوسين ، ليوهم القارئ بأن هذه العبارة قد قالها الاستاذ محمود أو الجمهوريون !! ولقد تعمد ان يضع نقاطاً ، بدلاً عن الكلمة البذيئة ، التي حذفها ، وترك إستنتاجها للقارئ !! ولو كان للكاتب معياراً أخلاقياً يحاكم اليه ، لأمكن لومه على هذا التلميح المسف ، والذي ينطوي على عدم احترام للمرأة السودانية ، وعلى التعريض بعرضها بلا حياء .. وحسبنا من تقييم د. خالد المبارك إنعدام الامانة الفكرية ، ومحاولة تضليل القراء ، بان هذه العبارة التي تحتوي على الكلمة النابية ، يمكن ان يكون قد قالها رجل عف الخلق واللسان ، طاهر السيرة والسريرة ، مثل الاستاذ محمود محمد طه.. ) (عمر القراي : أنصاف الحقائق أم انصاف المثقفين؟! سودانايل يناير 2003م).
    ولقد ظل الاستاذ محمود مجهول القدر في وطنه ، فرغم نضاله ضد الاستعمار، وضد الطائفية ، ورغم وقوفه في وجه التضليل الديني، وفضحه لقصور الفهم السلفي، لم يسجل اسمه في تاريخ بلاده، كرائد من رواد نهضتها، وعزتها ، وكرامتها .. فمن من ابناء السودان ، من زعمائه او كتابه ، او مثقفيه، يؤمن به كما آمن به الاستاذ محمود محمد طه؟! يقول الاستاذ محمود عن السودان: (أنا زعيم بان الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم !! وان القرآن هو دستوره .. وان السودان اذ يقدم ذلك الدستور في صورته العملية ، المحققة للتوفيق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة للعدالة الإجتماعية الشاملة ، انما هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب!! ولا يهولن أحداً هذا القول لكون السودان جاهلاً خاملاً صغيراً ، فان عناية الله قد حفظت على أهله، من اصائل الطباع، ما سيجعلهم نقطة التقاء الأرض باسباب السماء) ..
    لقد انشغل المثقفون عن فكرته التي كتب في شرحها مايزيد على الثلاثين كتاباً ، بقشور من الثقافة الغربية، وقشور من الإسلام .. وتركوه وحده، في ميدان المعركة ضد الجهل والتخلف . ولقد حدث ما حدث تحقيقاً لمقولته الخالدة (ان ما جئت به هو من الجدّة ، بحيث اصبحت به بين أهلي كالغريب .. وبحسبك ان تعلم ان ما ادعو اليه هو نقطة التقاء الاديان جميعاً، حيث تنتهي العقيدة ويبدأ العلم .. وتلك نقطة، يدخل منها الإنسان عهد انسانيته، ولأول مرة، في تاريخه الطويل) .. ولم يكتف المرتزقة باسم الدين، بمعارضة الاستاذ محمود، وتشويه فكرته، وانما تآمروا عليه، ووجدوا في معارضته السافرة، لقوانين سبتمبر الشوهاء، وقضاتها الجهلاء، ما يغري به الإمام المخلوع، فساقوا إمامهم الى حتفه، بجعله يقبض على الاستاذ محمود، ويحاكمه جوراً، ويعدمه ظلماً وعدواناً ، فلم يمكث بعده الا قليلا.
    في ضحى الجمعة 18 يناير 1985، إقتيد الاستاذ محمود ، وهو مصفد اليدين والقدمين ، ومغطى الوجه الى ساحة سجن كوبر العمومي . وكانت الساحة ، على سعتها ، تضيق بمئات المواطنين ، الذين يرتفع صوت هتافهم "الله اكبر الاسلام هو الحل"!! ثم يخبو ، بجانب هتاف السجناء ، الذين يضربون باقدامهم الارض ، ويدقون على ابواب حراساتهم ، وهم يرددون "لن ترتاح يا سفاح" "العار العار يانميري" .. ولقد كانت الجماعات الاسلامية، تترقب هذه اللحظة ، والفقهاء الذي انتقدهم الاستاذ محمود ، ينتظرون ان يروا ، منه ، اي بادرة خوف ، او تراجع ، تطمئنهم على انه ربما لم يكن ، على حق في دعوته .. اذ لا يتوقع من شخص مدع ، أو منحرف ، ان يثبت في لقاء الموت .. لقد عجزوا ان يهزموه طوال حياته ، فهاهم يطمعون ان يهزموه في مماته!! ومعلوم ان الموت لا يمثل هزيمة ، لانه مصير كل الاحياء ، ولكن الهزيمة في التراجع ، او الخوف والاضطراب .. ولكن ما حدث ، كان مفاجأة لهم ، ولغيرهم ، بكل المقاييس . اذ ان الاستاذ محمود ، سار الى الموت ثابت الخطى والجنان ، ولم ينس ان يخلع نعليه عند المنصة ، وحين كشف الغطاء عن راسه ابتسم!!
    ولقد صور عدد من الشعراء ، والمفكرين ، والادباء ، هذا الموقف، ومن هؤلاء د. عبد الله بولا ، فقد أورد حديث الاستاذ في المحكمة ، ثم قال: (كان هذا حديث الرجل الى المحكمة التي كان يعلم انها أضمرت قتله أو اذلاله بالتراجع عن آرائه ، حديث رجل سلط على عنقه سيف ارهاب مشرع مديد طوله الف وثلاثمائة عام ونيف ، فما زاغ بصره وما طغى ، ولا أقول لم يرمش له طرف ، بل لم يهتز منه ظل خاطرة في أعمق أعماق طبقات وعيه الباطن:
    وقد كان فوت الموت سهلاً فساقه اليه الحفاظ المر والخلق الوعر
    وامام المشنقة ثانياً: فعندما أحكموا حبل الموت حول عنقه وأزاحوا غطاء الرعب عن وجهه الوضئ ، وجدوا رجلاً يبتسم لا ساخراً ولا مستهزءاً بالموت ، بل موقناً بالفداء الكبير ، مطمئناً الى اختيار ربه ، منسجماً حتى النهاية مع منطقه التوحيدي وهذا أقصى ما يصل اليه الصدق . وهكذا فقد مضى "الى الخلود بطلاً ورائداً وقائداً رعيل الشهداء ورمز إيمان جديد بالفداء ..... وبالوطن". أقول هذا وانا جد قلق مستوحش من ان اكون قد أسات الوقوف في حضرة هذا الشيخ الجليل) (عبد الله بولا : تجديد الفكر الديني . مقال نشر برواق عربي وهي من اصدارات مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان)
    وفي قصيدة المرحوم بروفسير عبد الله الطيب :
    قد شجاني مصابه محمود مارق قيل ، وهو عندي شهيد
    وطني مجاهد واديب منشئ في بيانه تجويد
    وخطيب مؤثر ولديه سرعة الرد والذكاء الفريد
    الى ان يقول :
    علناً علقوه يشنق للجمهور ذاك المفكر الصنديد
    أخرجوه لحتفه ويداه خلفه وهو موثق مشدود
    جعلوه يرقى به الدرج الصاعد نحو الهلاك خطو وئيد
    كشفوا وجهه ليعرف ان هذا هو الشخص عينه محمود
    فاراهم من ثغره بسمة الساخر والحبل فوقه ممدود
    وعلى وجهه صفاء واشراق أمام الردى وديع جليد؟!
    وفي قصيدة الاستاذ عوض الكريم موسى:
    ويخلع النعلين عند سفح المشنقة
    كأنها المصلى وهو يصعد الخطى الموثقة الواثقة
    كأنه المحب في لقاء محبوب مهاجر يرنو لان يعانقه
    ويكشف الغطاء عن بوادر ابتسامة
    عن انضر ابتسامة
    عن أجسر ابتسامة
    كالشمس لم تخامرها غمامة
    برهانه على اليقين والصمامة
    رسالة الى الاحرار بالخلاص المرتجى
    حرب على الدجال فهي في حلوقهم شجى
    وفي عيونهم قذى وفي صدورهم لظى
    فقد أبى أن يعطي الدنية
    في دينه من نفسه الابية
    لله وحده أعطى زمامه
    أقام دينه أوفى تمامه
    تبت يداهم يقتلون في الضحى السلام
    والغصن والحمامة
    وحوله هتافهم كجوفهم مباءة المساءة
    قاماتهم قماءة ، وجوههم دمامة
    أليسوا الساقطين في شر الفتن ؟
    البائعين الدين ، والمبائعين التالف المتلاف
    بيعة الامامة؟!
    وفي قصيدة الأخ العوض مصطفى:
    ان ما اشتاق لهذا الصابر في البأساء فلا اشتاق
    المؤمن بالشعب العملاق
    الباذل للروح الغالي والمطلق من قيد الاشفاق
    يكفيني أني عشت زماناً كان له طعم ومذاق
    يكفيني اني كنت جليسك رغم شعور الابن العاق
    فيا من كان بحضرته والفكر به قيد ووثاق
    حدثني عن أخبار الشيخ الباسم في وجه الشناق
    وفي قصيدة الاستاذ عالم عباس :
    كان الدرج الصاعد نحو المشنقة المنصوبة في ساحة
    كوبر يدرك ان الخطوات المتزنات اللائي سرت بهن
    وئيداً تفضي نحو الموت الرائع والمتسق تماماً مع ما كنت تقول
    كان الحبل الملتف على رقبتك الشامخة الرأس هو
    الطرف الآخر من ذات الحبل الملتف على عنق الوطن المقتول
    ليس بعيداً كل قضاتك والجلادون ملامحهم ذابت
    ووجوههم متفحمة خجلاً وصغاراً
    وثباتك مثل الخنجر بين اضالعهم
    فكأنك تقتلهم بمخازيهم شنقاً وتحرر
    ربقة هذا الوطن الرائع من نير الذل
    انت الأغلى ، والأعلى ، والانبل
    كنا ندرك انك تفدي الوطن الأجمل
    فلتكن القربان اذن حتى يتطهر وجه الارض
    وينخسئ البهتان
    ومن شعر الشاعر سيد احمد الحاردلو شفاه الله ، باللهجة السودانية الدارجة :
    بس يا سلام سلم
    زول يستحق القول
    والحمد والتبجيل
    محمود جنا طه
    ملك وملكو علم
    وفقير وفقرو علم
    ويمين يمين الله
    لو عندي أيد لاحقه
    أديهو تاج الرجال
    وابنيلو في الخرتوم
    فوق البحر تمثال
    لكن خسارتي انا
    الماعندي أيها حال

    د. عمر القراي
                  

01-23-2009, 04:53 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Omer Abdalla)

    فوق، إلى حين ميسرة!
                  

01-28-2009, 10:16 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    شكرا حيدر بدوى
    على هذا المجهود الجبار
    نتواصل معا
                  

01-30-2009, 05:38 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    فوقّ
                  

01-30-2009, 08:43 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1685 الكاتب : admino || بتاريخ : الخميس 29-01-2009
    عنوان النص : د. منصور خالد في مئوية محمود محمد طه:
    : محمود كان ذو مِرّة وذو المِرّة لا يكسر أمام الخطوب.

    رصد: آدم أبكر علي

    في إطار احتفال مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية بمئوية الأستاذ محمود محمد طه 1909 ـ 2009م وبالذكرى الـ24 لاستشهاده قدم الدكتور منصور خالد في محاضرة بعنوان (محمود الذي عرفت) مساء الخميس 22/1/2009 ،د.الباقر العفيفي إبتدر الحديث قائلاً: هذه الليلة يشرِّفنا د.منصور خالد متحدثاً عن الأستاذ الشهيد/ محمود محمد طه محتفياً بحياته الثرة، وبفكره الرصين، وبوقفته الملهمة، وبين محدثنا والأستاذ/ محمود صفات مشتركة رغم اختلاف مشاغلهما، منها الجسارة الفكرية، وارتياد الطُرق البكرة، طرق الفكرة غير المطروقة، ولعل أكبر مشترك بينهما أن حسادهما كُثر، والحسد داء لا شفاء منه، والساعين للتآمر لاطفاء نورهما من خفافيش الظلام أيضاً كُثر، بهذه الكلمات الرصينة قدَّم مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية الدكتور/ منصور خالد متحدثاً عن شهيد الفكر الأستاذ/ محمود محمد طه، وقد جذب وشد د.منصور خالد انتباه الحاضرين من خلال حديثه، باسلوبه المتفرد، وقدرته على تطويع الكلمات.
    (أجراس الحرية) رصدت ما قاله د.منصور خالد بحق الشهيد فإلى حديثه:
    محمود محمد طه الذي عرفت
    قال د.منصور خالد: عندما جوبهت بسؤال عن الموضوع الذي أتمنى اختياره بالمثل عن سيرة شهيد الفكر الأستاذ/ محمود محمد طه وعن رؤيته، في الذكرى الرابعة والعشرين، توقفت مرة بعد مرات، فمحمود رجل لكل الفصول، ذلك وصف اطلقه الفيلسوف البولندي راسموس الملقب بأمير الانسانيين على شهيد فكر آخر هو سير/ توماس مور رئيس مجلس اللوردات البريطاني في العام 1529م على عهد الملك هنري الثامن، وبين الرجلين تشابه في الصدق مع النفس حتى الموت، وعندما تمنى عليَّ منظمو الحفل ان اتحدث عن الفكر السياسي عند محمود محمد طه ازددت احترازاً، لأن اقبال الاستاذ الشهيد على الفكر السياسي كان مختلفاً جداً عن ما يطلق عليه البعض اسم الفكر السياسي في السودان، وهو ليس منه على شيء، العنوان الذي اخترت للحديث (محمود محمد طه الذي عرفت) فيه مجال للتوسعة بدلاً عن الاختصار والتضييق، الهدف من الحديث ليس هو شرح أو تشريح لأفكار الاستاذ، وانما هو القاء اضاءة كاشفة عن تنوعه المعرفي، وجديته في الاقبال على القضايا العامة، ثم صدقه مع نفسه في القول والعمل، ولئن سأل سائل كيف عرفت الاستاذ؟ ولماذا حرصت على معرفته؟ اجبت انني عرفت المفكر النابه أولاً، كما ينبغي أن يعرف المفكرون. المفكر يعرفه الناس من قراءة ما كتب، والتملي فيما كتب. والمفكر تشد الناس اليه نجاعة الفكر، وفصاحة الاسلوب، وبدائع التعبير، ثم البلاغة في تصريف المعاني، كثير من الذين تصدوا لأفكار الراحل يبتنَّون معرفتهم لأفكاره على السماع، ولا يرمون بذلك إلا لغرض واحد هو التشهير، ومن بين اولئك طائفة من المتربصين، سارعت الى قراءة ما بين السطور قبل قراءة السطور، ناهيك عن التمعن فيها، ومن ثم ذهبت تلك الطائفة الى اقتناص المعاني التي يريدون من قراءتهم الزائفة، ان يقدِّروا عليها الاحكام بالظن، وبعض الظن إثم.
    التعرف إلى مخبره قبل مظهره
    سعيت من بعد القراءة والتملي فيما قرأت، الى لقاء به، ليس فقط رغبة في الحوار معه حول بعض افكاره، وانما أيضاً لاكتنه امره، ما الذي يبتغي مما يدعو له؟ وعلى أي أساس يخاصم ويصطلح؟ وما هو معياره في الحكم على البشر؟ وبخاصة الحواريين من حوله، الغاية من ذلك الحوار كانت هي الادراك السليم لكيف يستبطن المفكر الداعية القيم التي يدعو لها؟ أي التعرّف الى مخبره قبل مظهره، تعرَّفت على محمود أيضاً من خلال تجارب اخوة لي لم يكونوا أبداً من بين صحبه وناظريه، لكن شاءت الظروف ان يرافقوا الاستاذ في مرحلة من مراحل حياته، فأحبوه، ورأوا فيه ما لم يروا في غيره من الرجال، هذه هي المداخل التي قادتني للتعرّف على رجل، وبكل المعايير رجل وحده.
    محمود محمد طه مفكِّر ديني مجدد
    ساءه ان يتظان الاغيار (بل بعض المسلمين) ان الاسلام في ازمة، وانه عقبة في سبيل التطور والتحديث، محمود رأى غير ذلك، العقبة في رأيه هي في الفهم القاصر للدين، وليس الدين نفسه، والمأزوم هو المسلم المتقاصر عن فهم الدين فهماً صحيحاً، وليس الإسلام، فمحمود أيضاً مثقف موسوعي، لم ينبذ الافكار المعاصرة أو يناهضها دون دراية وعلم، بل ذهب لتقصي أصولها ودراسة تجاربها، شأن الباحث المدقق، والأمين في آنٍ واحدٍ، ذهب لدراسة الماركسية لينفُذ الى حسناتها ويبين سيئاتها، كما درس الحضارة الغربية ورأى وجهيها، فحسب قوله: لتلك الحضارة وجه حسن مشرق الحسن، ووجه دميم، حسنها في الكشوف العلمية التي اخصبت الحياة البشرية، ودمامتها في القصور عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، وهكذا دواليك في قراءته وبحوثه حول الليبرالية، حول الفكر القومي، حول مناهج الحكم، هو أيضاً متصوف، زاهد، اخشوشنت حياته باختياره حتى خمص بطنه، ورب مخمصة خير من التخم، ورغم مهنيته التي اثرى منها رفاقه في المهنة، إلا انه لم يوظف مهنته تلك ليُكثر في المال، بل ظل يبقى منه ما يقيم الأود، ثم يغفو.
    هو سياسي جدد في البيئة السياسية الى ان يروي بفكره عزز أرضه، وكان له في ذلك قول يعود الى عهد مؤتمر الخريجين عندما تساءل في السفر الأول، اول ما يؤخذ على الحركة الوطنية انصرافها التام عن المذهبية التي تحدد الغاية، وترسم الطريق الى تحقيقها، وفي هذا المجال اقبل الاستاذ على الكتابة في كل ضروب السياسة، السياسة الحكمية، السياسة الاجتماعية، السياسة الثقافية، أي ذهب الى معالجة كل قضايا الناس الحيوية والحياتية، وذلك هو لب السياسة، وكان ذلك في وقت لم يتجاوز فيه اهل السياسة التفاصح والتداهي بما ليس فيه، بحيث اصبحت الفصاحة والتي هي ليست مرادفة للبلاغة هدفاً في حد ذاتها.
    رأي محمود في الإسلام
    لمحمود المجدد ان ابتغينا التفصيل رأي في الإسلام، هو أن الاسلام محاصر في سياج دوغماطي مغلق، ذلك تعبير في الواقع اقتبسته من المفكر الاسلامي الجزائري (محمد عقوم)، ولا سبيل لفك مغاليق ذلك السياج إلا بقراءة جديدة للإسلام، وفق فكرة محمود التي تقوم على التمييز بين فقه الاصول وفقه الفروع، ولا احسب ان الاستاذ المجدد قد أنكر صلاحية الفقه الموروث في زمانه، ولكنه ارتأى ان ذلك الفقه والقيم المعيارية الملحقة به لا يصلحان لزمان الناس هذا، لما بين الزمنين من فجوة معرفية وقيمية ومعيارية، فهذا زمان تحكمه وعود دولية حول حقوق الانسان، وتضبط الحكم فيه علاقات بين الأمم على امتداد العالم مواثيق ارتضتها الدول، ولم تنكرها واحدة منها، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة، تلك المواثيق والعهود فرضت واجبات لا تملك الدولة التخلي عنها بدعوى خصوصيتها الثقافية، وازاء التناقض الظاهر بين الدين وبين القيم المعيارية الجديدة، انقسم المسلمون الى فرق، فريق يقول لا مكان للدين في الحياة، ولهذا فالدين غير ذي موضوع بالنسبة للحياة او لمنظومة السلوك الدولية الجديدة.
    وفريق ثانٍ يرى في كل ما ابتدعته الانسانية بدعاً ضليلة وكل ضلالة للنار، هؤلاء تصاعدوا في زماننا هذا الى تفريق العالم الى فسطاطين، فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان.
    وفريق ثالث لا يريد ان يستقيل عن دينه، كما لا يقدر على الانعزال عن العالم فيلجأ الى تخريجات مستنبطة من المفاهيم والاحكام الدينية الموروثة، وهي تخريجات تؤكد ولا تنفي دعاوى الذين يقولون بعدم صلاحية الدين للعصر لما في مطاوي تلك التخريجات من تناقض.
    محمود كان من أسبق المفكرين إلى الحلول المستمدة من أصول الإسلام
    وفي هذا، هم إما مفكرون قاصرون، او ادعياء منافقون. محمود كان من أسبق المفكرين الى الحلول المستمدة من اصول الاسلام، لا ليناهض بها الفكر الموروث الذي لم يعد صالحاً لهذا الزمان، بل ليدحض بها الفكر الملتبس أو (المتيبس) للإسلام، حماية للإسلام نفسه، لهذا فإن جوهر رسالته كان هو التكامل بين الدين والحياة، ولا سبيل في رأيه لذلك التكامل ان واظبنا على النظر للاسلام من منظار سلفي، لما بينه وبين الحاضر المعيش من فجوة كما قلنا، ولهذا انكر محمود على المعاصرين من حماة ذلك الفكر المتيبس الدور الوسائطي الذي افترضوه لأنفسهم بين الانسان وربه، فذلك كهنوت لا يعرفه الاسلام، وفي رأي الأستاذ كل مسلم رجل دين، وفي عودته للاصول لم ينحو الرجل للتجريد، وانما تقفى كل القضايا الحياتية التي شغلت او ينبغي ان تشغل الناس، وعلى رأسهم قياداتهم السياسية، ففي السياسة الحكمية كتب محمود عام 1955م عن الفيدرالية كأصلح نظام حكم في السودان، في الوقت الذي كان غيره يصفها بأنها ذريعة استعمارية لتفتيت وحدة السودان، وكأني بهؤلاء لم يكونوا يعرفون كيف وحدت الفيدرالية الولايات المتحدة الامريكية، الهند، كندا، البرازيل، ألمانيا.
    السياسة الاجتماعية
    وفي السياسة الاجتماعية تناول الاستاذ قضية المرأة، في وقت لم يكن فيه للمرأة مكان إلا ان تكون مستردفة وراء الرجل حتى بالمعنى الحسي للكلمة، واظنكم تذكرون كيف كان بعض الرجال يوم ذاك، يستنكف ان تجلس زوجته الى جواره في السيارة، وما فتى بعض هؤلاء ينادون بقوامة الرجل على المرأة مهما كان مستوى علمها ودينها وخلقها، كان الاستاذ ينظر للمرأة كانسان ينبغي الانتصاف لحقه أياً كان هذا الانسان، ويروي لي الراحل الدكتور/ خليل عثمان ـ وكان قد صحب الاستاذ في محبسه ـ كيف أن الاستاذ ظل يلاحق الانتخابات الامريكية في الوقت الذي كان يقف فيه جورج ريجان وجورج بوش ضد مونديل وجيرالدين فرارو، وكان يتمنى ان تفوز جيرالدين فرارو، فقال له د.خليل هل تعرف هذه السيدة؟ قال لا. لماذا تهتم بها؟ قال لأن انتصار المرأة في موقع كهذا في امريكا هو انتصار للمرأة في كل مكان، هذا ما اعنيه باستبطان الرجل لما كان يدعو له، وربما اذا كان لي ان اضيف شيئاً اقول: ان تحرير المجتمع يبدأ بتحرير المرأة، فالمرأة هي الانسان كما قال الروائي الالماني المعروف: (الرجال هم الرجال.. لكن المرأة هي الإنسان).
    رأي الأستاذ في الحرب والسلام
    ذهب به الى جذر المشكل بعقود من الزمان قبل أن نعترف بذلك في اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م، ففي الوقت الذي كان فيه السودان كله يتلظى بنيران الحرب، وبعض من اهله لا يخفى فرحته بما حقق من انتصار وهمي، كان ينظر الى الصورة المتكاملة، ولا يتوه في التفاصيل، كان يقول كلما تباهى المنتصرون بقولهم (لقد قضينا مثلاً على مائة من الخوارج واستشهد منا خمسة) كان يقول: أما نحن نقول فقد السودان مائة وخمسة من اهله، وكان محمود في صراعات الناس خير من أسبقهم الى ادراك البُعد الوطني لما ظللنا نسميه مشكلة الجنوب، حين كتب في واحدة من رسالاته (وللشمال مشكلة أيضاً) كنَّا دائماً نظن ان المشكلة هي مشكلة الجنوب، لكنه كان أول من نبَّه ان في الشمال مشكلة أيضاً، ومشكلة الجنوب هي دون شك جزء من مشكلة الشمال، هذا طرف من قضايا السياسة التي أهمَّت الاستاذ حين صمت عنها السياسيون إما عجزاً او لا مبالاة، أدهى من ذلك ان اللهاث وراء السلطة يوم ذاك كان هو الشغل الشاغل لسادة الحكم، دون ان يقولوا مرة واحدة لمن ولوهم السلطة او حملوهم الى سدتها ما الذي يريدون ان يفعلوا بتلك السلطة من أجل قضايا الناس، واتت نظرة الاستاذ الشهيد للمدينة الفاضلة التي قدَّرها وأحب ان يصير عليها السودان نظرة متكاملة، إلا انه قدَّر ايضاً ان السودان جزء من عالم لا يستطيع الانفكاك عنه، ومن حضارة انسانية لا سبيل له للانخلاع عنها، وفي ذلك لم يذهب مذهب الذين يدعون للانخلاع عن الحضارة المعاصرة بدعوى تناقضها او تباينها مع خصوصية ثقافية مدعاة، هؤلاء الذين يقولون مثل هذا الكلام يلتهمون في نفس الوقت نتاج تلك الحضارات في المسكن، وفي الملبس، وفي المشرب، وفي التواصل، وفي الترحال، أي يعيشون كمستهلكي حضارة لا منتجين لها، في ذات الوقت الذي يجمِّدون فيه ما تتميز به تلك الحضارة، شهيد الفكر كان يرمي ببصره بعيداً ويقول: (إن الحضارة المعاصرة، حضارة القرن العشرين بلغت نهاية النضج، وان البشرية المعاصرة هي مجتمع كوكبي، ان اصيب جزء منه تداعت لمرضه بقية الاجزاء)، هذه النظرة التي جاء بها الاستاذ الشهيد في السبعينيات سبقت ما تواصينا عليه بعد عقد من الزمان في لجنة دولية كان لي شرف المشاركة في رئاستها، هي اللجنة الدولية للبيئة والتنمية، والتي خرجت على الناس بتقرير اصبح هو الميثاق الدولي للبيئة في قمة الارض بريو دي جانيرو.
    الشهيد المفكر كان يعالج أمور بلاده في محيط كوكبي أرحب
    جوهر ذلك التقرير هو وحدة كوكب الأرض، بحيث ينبغي على كل فرد منا ان يفكر عولمياً، ويعمل محلياً، ثم جاء من بعد فيضان العولمة بخيره وشره، فانداحت معه الحدود بين البلاد، ولعلني لا أريد ان اتقصى أثر المسطحين الذين يحاولون ايجاد نسب لكل حدث، ولكل فكرة جديدة، ولكل تطور الى مفكر هنا او مفكر هناك، وقد ذهب البعض ممن يسمّون انفسهم بالعلماء العلميين الى ايجاد نسب حتى للنعجة دولي في القرآن، كل ما أريد ان اقول هو ان الشهيد المفكر كان يعالج امور بلاده في محيط كوكبي أرحب، لا نملك إلا ان نعيش فيه، ونتفاعل معه، ونؤثر عليه، ونتأثر به، في حين كان غيره لا يحسبون ما تحت أقدامهم بدليل عجزهم عن معالجة أدنى مشاكل الحكم.
    غايتنا ليست هي الحكم، وانما خلق المسلم الصالح المتكامل
    ذات مرة قلت للاستاذ بكل افكاره النيرة تلك: لماذا لا ينشئ حزباً سياسياً يترجم عبره هذه الافكار؟ قال: (غايتنا ليست هي الحكم، وانما خلق المسلم الصالح المتكامل، وبصلاح الناس يصلح المجتمع)، وحقاً لا يصلح قوم فوضى، لا صلات لهم، ولا صلات لجهال امثالهم، إذاً كان يسعى لبناء مدينة فاضلة يخلق رجالاً ونساءً فاضلات، والرجل الفاضل عنده فيما تبينت من قوله هو الانسان مجدود الخلق، الذي يحسن عمله، ويقوم برعاية اهله وذويه، ويؤدي فروض ربه ووطنه، سألته ذات مرة: كيف تنتقي ابناءك وبناتك؟ قال: في البدء ـ وهذا موضوع مهم لا اظن ان الكثيرين ينتبهون له ـ : (ان كان ذا مهنة فلا بد له ان يجوِّد مهنته، فالرجل الذي لا يستجيب لمهنته يفتقد القوام الرئيس لقيادة الناس، وقوام كل شيء هو عماده، الأمر الثاني هو القدرة على التبليغ، أي نشر الخطاب بين الناس بالتي هي أحسن، بحيث لا يستفزه مستفز، أو يزعجه مزعج عند الحوار، والنقطة الثالثة ـ وذلك في رأيه هو بيت القصيد ـ قال: ألا يفعل في سره ما يستحي عن فعله في علنه. كان الاستاذ يريد ان يخلق انبياءً، هذه هي صفات الانبياء، أو بشراً يقاربون الانبياء في سلوكهم، وهذا أمر أنا شخصياً لا ادعي أنني قادر عليه، ولو قدر عليه من صحاب المفكر الشهيد فتحية اعجاب، بُغية الاستاذ المعلم كانت هي اعداد بنيه وبناته ليكونوا قدوة صالحة تكلِّف نفسها في سبيل الدعوة غاية ما تقدر عليه، هذا امر ليس منه بُد، ان كانت الدعوة لدين أساسه الاستقامة والاستواء، وذلك هو دين القيِّمة، ولعله في هذا ذهب مذهب ابن رشد القرطبي في نظرته للكمال الانساني، فعند ابن رشد يتميز الانسان العاقل بما يحصل عليه من عتاد روحي، وثقافي، ومعرفي، وتتكامل عنده الحكمة والشريعة، لما بينهما من اتصال.
    الرجال عندنا ثلاثة
    لمحمود أيضاً رأي في الانسان أبدع فيه، قال في واحدة من رسائله: الرجال عندنا ثلاثة، الرجل الذي يقول ولا يعمل لأنه يخاف من مسؤولية قوله، وهذا هو العبد، والرجل الذي يحب ان يقول وان يعمل لكن يحاول ان يهرب تحت الظلام فلا يواجه مسؤولية قوله ولا عمله وهذا هو الفوضوي، والرجل الذي يجب ان يفكر وان يقول وان يعمل وهو مستعد لمسؤولية قوله وعمله وهذا هو الرجل الحر، هذا ورد في (الثورة الثقافية)، اظن أن هذا حديث حكيم شفيف الباطن، استذكرت معه قولاً للراحل محمود درويش ورأيت أن اعاود قراءة كلمات محمود هذه:
    أنا لست مني لو أتيت ولم اصل
    أنا لست مني ولو نطقت ولم أقل
    أنا من تقول له الحروف الغامضات
    أكتب تكن إقرأ تجد
    وإذا اردت القول فافعل يتحد ضداك
    في المعنى وباطنك الشفيف هو الخصب
    فللأستاذ إذاً رؤية سوية للانسان المثالي.
    مسلك الاستاذ مسكاً وتصوفاً
    لا إفراط فيها ولاتفريط، وان كان هو في خاصة نفسه قد غالى بمعاييرنا في قمع نفسه حتى عن اللهو وتوافه الانسان، وفي هذا أيضاً أروي قصة رواها لي الاستاذ خليل عندما كان مع الراحل، او كان الراحلان في محبس، طلب خليل من الاستاذ ان يتناول معه كوباً من الشاي، رفض الاستاذ وألح عليه خليل ان يفعل، ونتيجة الحاح خليل تناول كوب الشاي، وفي اليوم الثاني حاول خليل ان يكرر نفس العملية، الاستاذ قال له لا، ألح عليه، الاستاذ أصر على الرفض، قال له: خليل أنت البارحة شربت كباية الشاي ولم تضرك. قال: نعم، ولكن الشاي منبه، وأنا لا أريد ان أصبح عبداً لشيء. هذه ايضاً فيها قدرة الانسان على كبح جماحه حتى من الأشياء التي تظن أنها لا قيمة لها، قلت: ان في مسلك الاستاذ مسكاً وتصوفاً، وفي ذلك المسك يذكر المرء ما قاله الإمام الغزالي في الإحياء قول الزهد.
    رأيه في متصوِّفة السودان
    قال هو ان تأتي الدنيا للانسان راغمة صفواً عفواً، وهو قادر على التنعم بها من غير نقصان أو قبح إثم، فيتركها خوفاً من ان يأنس بها، فيكون آنساً بغير الله، محباً لما سواه، ويكون مشركاً لما في حبه الله، ايضاً هذه النظرة للزهد نظرة صوفية عميقة، ولهذا سألته عن رأيه في متصوفة السودان، وسألته أيضاً: لماذا يصب جام غضبه على الإسلاميين المحدثين، قصدت بالسؤال طبعاً شيئاً من الاستفزاز الفكري، لا سيما ان رأيي في متصوفة السودان رأي جيد وايجابي، خاصة لأني عشت في رحابهم، وتعلمت اصول الدين من أشياخهم. قال الاستاذ: المتصوفة والعلماء هم الذين قربوا الاسلام الى نفوس اهل السودان بالحسنى، وحببوه اليهم بتقوى الله، ولهفة المظلوم، ولم يتخذ غالبوهم الدين طريقاً للدنيا، أما الطائفيون الذين اتخذوا الدين معبراً للسياسة، والمحدثون الذين ينصبون انفسهم دعاة للاسلام، فقد اساؤا للاسلام من مسلك هؤلاء، على ان منسك الاستاذ محمود كان رجلاً من غمار الناس يمارس كل عوايده، يأكل الطعام، ويمشي في الاسواق، ويعود المرضى، ويواسي الجريح، ويعزي الميت، كما لم يك يحسب نفسه منذوراً للبطولة كالمسيح، او أحبار الكنيسة، إذ تزوج وأنجب كبقية الخلق، ولم يذهب ايضاً مذهب المتصوفة في اقصاء المعارف الدنيوية من حياتهم، لأنها تلهيهم عن القربى ـ أي اقتراب السالك من ربه ـ فجُل المتصوفة لم يتبعوا من قراءة القرآن وتفسيره استنباط احكام فقهية او عقائد كلامية، بل كانوا يريدون خلاصاً شخصياً بتعميق تجربتهم الروحية، بخلاف ذلك انغمس الاستاذ حتى اخمص قدميه في المعرفة الدنيوية، يحاور، وينتقد، ويقبل، ويرفض، ولم يكن اقترابه من التوحيد من وجهة حلولية شأن كل المتصوفة، بل محاولة فلسفية منه للحصول على معارف واقعية تهدي الانسان في الحياة الدنيا، أي انه رأى سبل الرشد فاتخذه سبيلاً ،كما كان سبيله للآخرة هو الاقدام على الفروض والواجبات.
    نهاية شهيد الفكر
    كان اقباله اقبال رجل يخشى قلبه الوجل من مخافة الله، ويدرك ان وراء اداء الشعائر مغزى روحيا عميقا غير المعنى الظاهر، فتماماً كما ليس للصائم او لبعض الذين يصومون في صيامهم غير الجوع والعطش، كذلك للمصلين من ليس لهم من صلاتهم غير الركوع والسجود.
    ثم جاءت نهاية شهيد الفكر كنهاية اضراب له، وأشباه من المفكرين الذين قدموا ارواحهم قرابين في محاريب الفكر كانت نهايتهم على يد طغاة كحال الشيخ الشهيد، وتوماس مور، او غوغاء كحال سقراط وغاندي، هؤلاء جميعاً لا ذنب لهم غير المجاهدة لكي يصبح الانسان انساناً، فمن قبل محمود ذهب سقراط ضحية اتهامه بتلويث عقول الأثينيين، ولكنه رغم إلحاح افلاطون عليه بالهرب، وكانوا يعدون لهربه العدة، لكنه رفض ذل الهرب من الموت، ذلك المشهد وصفه احمد شوقي فأبدع حين قال:
    (.. سقراط واعطى الكأس وهي مليئة.. شفتي محب يشتهي التقبيلا.. عرضوا الحياة عليه وهي ذليلة.. فأبى وآثر ان يموت نبيلا..)، اما غاندي الذي لم يعرف للعنف سبيلا مات مغدوراً على يد متطرف هندوكي، بُغض غاندي للعنف وحبه للناس حملاه لأن يقول: (اهداف كثيرة.. انا على استعداد للموت من أجلها.. ولكني لا اعرف هدفاً واحداً يبرر لي ان اقتل رجلاً)، عند رحيله نعاه جواهر لال نهرو وقال: (لقد انطفأ النور من حولنا، فالظلام يعمَّ كل مكان، ثم صمت نهرو مستدركاً وقال: ما كان لي ان اقول هذا إلا انكم لن ترونه اليوم انه باقٍ بين ظهرانيكم).
    اما توماس مور رجل كل العصور لقد آثر الصمت عندما قرأ هنري الثامن قرار إعدامه ورفض ان ينبس ببنت شفة عند جلاده، وذلك كان بسبب اصرار هنري على مور لكي يعمده رئيساً على الكنيسة، وكانت كلمة مور الوحيدة: هي لا سلطة لبشر على الروحانية.
    ذلك كان هو موقف الاستاذ الشهيد، اذا ما ابلغ صمته أمام المشنقة، فالجلاد وقضاة النار لم يبتغوا من الدعوة لاستتابته إلا كسر نخوته، ومن الحنق ان يظن ظان ان يفعل آخر الليالي رجل تمرس في الشدائد وصهرته المحن وعرف الحق ما لم يفعله في صباه، محمود كان ذو مِرة وذو المِرة لا يكسر أمام الخطوب.
    فأنتم أيها الصحاب أقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاضٍ ظلوم، ومن أي عالم من الذين تراكم الصدأ على خلايا عقولهم، حتى تلك الأيام الحوالك عشت في لندن مع اخوة لي اغلبهم ممن عرف الاستاذ الشهيد من خلال ما كتب، كان من بينهم الراحل حسن محمد علي بليل اقتصادي تعرفونه ويعرفه بعضكم، والراحل ابوبكر البشير الربيع اداري يعرفه بعضكم، والاستاذ التجاني الكارب، ثم خليل الذي اشرت اليه اكثر من موقع، بليل والكارب لم يكونا يبكيان على الرجل، بل على موت ضمير قالا سوياً: هذا هو اليوم الوحيد الذي تمنينا فيه ألا نكون سودانيين، ما تركنا يوم ذاك باباً في عواصم العالم إلا وطرقناه حتى يرد الطاغية عن غيه، ثم ادلهم الظلام، وذهب محمود كما يتوقع المرء ان يذهب، فأمثال محمود لا ينتهون بانتهاء الوظائف البايولوجية لاجسامهم، وانما هم باقون بما خلفوا في الرأس وفي الكراس، باقون بما سطروا على الارض، وما تركوا في ادمغة الرجال والنساء، وبهذا ينبغي ان يصبح السكون الابدي لاجسادهم حركة دائمة لا تهن، اذاً ايها الصحاب فأنتم اقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاضٍ ظلوم.
    [ اغلاق النافذة ]
                  

01-30-2009, 10:01 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    Quote: رأي الأستاذ في الحرب والسلام
    ذهب به الى جذر المشكل بعقود من الزمان قبل أن نعترف بذلك في اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م، ففي الوقت الذي كان فيه السودان كله يتلظى بنيران الحرب، وبعض من اهله لا يخفى فرحته بما حقق من انتصار وهمي، كان ينظر الى الصورة المتكاملة، ولا يتوه في التفاصيل، كان يقول كلما تباهى المنتصرون بقولهم (لقد قضينا مثلاً على مائة من الخوارج واستشهد منا خمسة) كان يقول: أما نحن نقول فقد السودان مائة وخمسة من اهله، وكان محمود في صراعات الناس خير من أسبقهم الى ادراك البُعد الوطني لما ظللنا نسميه مشكلة الجنوب، حين كتب في واحدة من رسالاته (وللشمال مشكلة أيضاً) كنَّا دائماً نظن ان المشكلة هي مشكلة الجنوب، لكنه كان أول من نبَّه ان في الشمال مشكلة أيضاً،


    عزيزي الكيك،
    شكراً على المثابرة، وعلى نقل كلام د.منصور خالد من جريدة أجراس الحرية.
    تأمل ما تحته خط، لترى كيف سبق الأستاذ الشهيد محمود محمد طه الكل، بعقود طوال، في نظرته الثاقبة لمشاكل السودان. فقد طرح موضوع الفدرالية -الحكم اللامركزي- في كتابه "أسس دستور السودان،" الذي صدر في أوائل الخمسينيات. مما يعني أن السياسييين لو كانوا من الحصافة بحيث يستمعون لما يقول لما وردنا دروب المهالك.


    لك وافر شكري، وتقديري، مع رجائي أن تظل مثابراً في متابعة الرصد، والتعليق، ورفع الخيط متى توفر لك الوقت، وتوفرت لك العافية والجهد.
                  

01-31-2009, 02:57 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)
                  

02-01-2009, 04:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    مئوية الأستاذ محمود محمد طه

    محمود الذي عرفت



    د. منصور خالد

    مئوية الأسـتاذ محمـود محمـد طـه

    1909م – 2009م

    (الذكرى الرابعة والعشرين لإستشهاده)

    (1985م)

    محمود الذي عرفت

    د. منصور خالد

    مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية

    الخرطوم 22/1/ 2009م

    عندما جوبهت بسؤال عن الموضوع الذي أتمنى إختياَره للحديث عن شهيد الفكر محمود في مئويته، بل في الذكرى الرابعةِ والعشرين لإستشهاده، توقفت مرة بعد مرةً، فمحمودٌ رجلٌ لكل الفصول (A man for All Seasons)، ذلك وصف أطلقه الفيلسوف الهولندي إيراسموس الملقب بأمير الإنسانويين على شهيد فكر آخر، هو السير توماس مور، رئيس مجلس اللوردات البريطاني في عام 1529م على عهد الملك هنري الثامن. ليس بين الرجلين عُلقةٌ في الفكر، بل تشابهٌ في الصدق مع النفس حتى الموت. وعندما تمنى علىَّ منظمو الحفل أن أتحدثَ عن الفكر السياسي عند محمود إزدَدتُ إحترازاً لأن إقبالَ الأستاذ الشهيد على الفكر السياسي كان مختلفاً جداً عما يُطلِق عليه البعضُ أسم الفكر السياسي في السودان، وهو ليس منه في شئ.

    العنوان الذي إخترت للحديث: "محمود محمد طه الذي عرفت" فيه مجالٌ للتوسعة بدلاً عن الحصار والتضييق. و الهدف من الحديث ليس هو شرح او تشريح أفكار الاستاذ، وانما هو القاء اضاءة كاشفة عن تنوع معارفه، وجديته في االإقبال علي القضايا العامة، ثم صدقه مع نفسه في القول و العمل. ولئن سأل سائل: كيف عَرفَتُ الأستاذ، ولماذا حَرَصتُ على معرفته، أجيبُ انني عرفت ذلك المفكر الفهامه أولاً كما ينبغي أن يُعرف المفكرون. المفكر يعرفه الناس من قراءة ما كتب والتملي فيما كتب. والمفكر تشدُ الناسَ اليه نجاعةُ الفكر، وفصاحةُ الأسلوب، وبدائعُ التفسير، ثم البلاغة في تصريف المعاني. كثيرٌ من الذين تصدوا لأفكار الراحل إبتنوا معرفتهم لأفكاره على السماع لم يروموا من ذلك غير غرض واحد هو التشهير. ومن بين أولئك طائفةٌ من المتربصين سارعت إلى قراءةِ ما بين السطور، قبل قراءة السطور، ناهيك عن التمعن فيها، ومن ثَم ذهبت تلك الطائفة إلى إختراص المعاني التي يريدون عبر تلك القراءة الزائفة حتى يُقَدروا عليها الأحكام بالظن، وبعضُ الظن إثم.

    سعيتُ من بعد القراءة والتملي فيما قرأتُ إلى لقاء الرجل، ليس فقط رغبة في الحوار معه حول بعضِ أفكاره، وإنما أيضاً لأكتنِه أمرَه: ما الذي كان الأستاذ يبتغي مما يدعو له؟ وعلي أي أساس كان يخاصم ويصطلح؟ وما هو معيارُه في الحكم على البشر، وبخاصة الحواريين من حوله؟ الغاية من ذلك الحوار كانت هي الإدراكُ السليمُ لكيف يستبطنُ المفكرُ الداعيةُ القيمَ التي يدعو لها، أي التعرفَ إلى مخبره قبل مظهره. تعرفت على محمود أيضاً من خلال تجارب اخوة لي لم يكونوا أبداً من بين صحبه وناصريه ولكن شاءت الظروف ان يرافقوا الإستاذ في مرحلة من مراحل حياته فأحبوه، ورأوا فيه من الخصائص والخلال ما لم يروه في غيره من الرجال. هذه هي المداخل التي قادتني للتعرف على رجل هو بكل المعايير رجلُ وَحْدَه.

    فمحمودٌ مفكرٌ دينيٌ مجدد ساءه أن يتظنى الأغيار، بل بعضُ المسلمين، ان الإسلام في ازمة، وانه عقبةٌ في سبيل التطور والتحديث. محمود رأي غيرَ ذلك. العقبة في رأيه هي الفهمُ القاصرُ للدين، وليس الدينُ نفسَه. والمأزوم هو المسلمُ المتقاصرُ عن فهم الدين فهما صحيحاً، وليس الإسلام.

    محمود أيضاً مثقف موسوعي لم ينبذْ الأفكارَ المعاصرة او يناهضها دون علم و دراية بها، بل ذهب لتقصي إصولها ودارسة تجاربها شأن الباحث المدقق والامين في آن واحد. ذهب لدراسة الماركسية لينفذ الي حسناتها ويبين سيئاتها. من حسناتها في رأيه تحليلها للإقتصاد وإبرازها لدور الإقتصاد في مراحل التطور التاريخي للإنسانية، ومن سيآتها، حسب رأيه، إتخاذ العنف وسيلة للتغيير. كما درس الحضارة الغربية ورأي وجهيها، فحسب قولهَ لتلك الحضارة "وجه حسن مشرق الحسن ووجه دميم". حسنُها في الكشوف العلمية التي اخصبت الحياة البشرية، ودمامتها في القصور عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة. وهكذا دواليك كان إقترابه من تحليل اللبرالية والفكر القومي، ومناهج الحكم.

    هو أيضاً متصوف زاهد إخشوشنت حياتُه بإختياره حتى خَمُص بطنه ورب مخمصةٍ خيرٌ من التُخَم. ورغم مهنيته التي اثرى منها رفاقُه في المهنة إلا انه لم يوظف مهنَته تلك ليوثِنَ (يكثر) في المال، بل ظل يُبقى منه ما يقيم الأود ثم يعفو ما فاض عن حاجته.

    هو سياسي حمله جَدْب البيئة السياسية إلى أن يُرَوي بفكره عَزازَ ارضها. وكان له في ذلك قول يعود الي عهد مؤتمر الخريجين عندما قال في السفر الأول : "أول ما يؤخذ علي الحركة الوطنية انصرافها التام عن المذهبية التي تحدد الغاية وترسم الطريقة التي تحقيقها". ذلك رأي عاد إليه بعد إنتفاضة إكتوبر 1964م فوصفها بأنها فترة إكتملت فيها مرحلة العاطفة السامية التي جمعت الشعب على إرادة التغيير لكن لم تملك بعد فكرة التغيير. من ذلك نستجلي أن الأستاذ كان لا يرى مستقبلاً لأي تطور سياسي إلا أن إهتدى العمل السياسي بفكرة ورؤية. وفي هذا المجال أقبل الاستاذُ على الكتابة في كل ضروب السياسةُ: السياسةُ الحكمية، والسياسة الإجتماعية، والسياسة الثقافية، اي ذهب الي معالجة كل قضايا الناس الحيوية و الحياتية وذلك هو لب السياسة. كان ذلك في وقت لم يتجاوز فيه أهل السياسة التفاصح والتداهي بما ليس فيهم، بحيث أصبحت الفصاحة – والتي هي ليست مرادفاً للبلاغة – هدفاً في حد ذاتها.

    لمحمودٍ المجدد، إن ابتغينا التفصيل، رأي في الإسلام، هو ان "الإسلام محاصر في سياج دوغماطي مغلق" ، وذلك تعبير نقتبسه من المفكر الاسلامي الجزائري محمد اركون. ولا سبيل في رأي محمود لفك مغاليق ذلك السياج الا بقراءة جديدة للإسلام وفق فكرة إبتدعها تقوم على التمييز بين فقه الإصول وفقه الفروع، بين آيات الإصول التي تعبر عن القيم الرفيعة والمبادئ الأساسة التي ما جاء الأسلام إلا لتحقيقها، وبين تلك التي لا تكون فيها التكاليف إلا بوسع الناس على تحملها. وعبر كل ما قرأت للأستاذ المجدد لم أقرأ ما يشي بإنكاره لصلاحية الفقه الموروث في زمانه ومكانه، وإنما إرتأى أن ذلك الفقه والقيم المعيارية الملحقة به لا يصلحان لزمان الناس هذا، لما بين الزمنين من فجوة معرفية وقيمية ومعيارية. فهذا زمان تحكمه عهود دولية حول حقوق الإنسان، وتضبط الحكم فيه والعلاقات بين الأمم على إمتداد العالم مواثيق إرتضتها الدول ولم تنكرها واحدة منها وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة. تلك المواثيق والعهود فرضت واجبات لا تملك دولة التخلي عنها بدعوى خصوصياتها الثقافية.

    أزاء ذلك التناقض الظاهري بين الدين والقيم المعيارية الجديدة إنقسم المسلمون إلى فرق. فريق يقول أن لا مكان للدين في الحياة، ولهذا فالدين غيرُ ذي موضوع بالنسبة للحياة، أو لمنظومة السلوك الدولي الجديدة. وفريق ثانٍ يرى في كل ما إبتدعته الإنسانية بِدعاً ضِليله، وكل ضلالة للنار. بعض من هؤلا تصاعد في زماننا هذا بتلك الفكرة المدمرة الى تفريق العالم إلى فسطاطين: فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان. وفريق ثالث لا يريد أن يستقيل عن دينه، كما لا يقدر على الإنعزال عن العالم فيلجأ إلى تخريجات مستنبطة من المفاهيم والأحكام الدينية الموروثة وهي تخريجات تؤكد ولا تنفي دعاوي الذين يقولون بعدم صلاحية الدين للعصر لما في مطاوي تلك التخريجات من تناقض داخلي. و في هذا، هم اما مفكرون قاصرون، أو أدعياء منافقون.

    محمود كان من أسبق المفكرين للدعوة لحلول مستمدة من إصول الإسلام، ليس فحسب، ليناهض بها الفكر الموروث الذي لم يعد صالحاً لهذا الزمان، بل ايضاً ليدحض بها الفكر الملتبس أو المتيبس للإسلام حماية للإسلام نفسه، خاصة وهو كله آراء رجال وبالتالي لا قدسية له. بدون قراءة جديدة للمفاهيم والأحكام الدينية السائدة ، يستعصي التكامل بين الدين والحياة. في دعوته تلك، إنطلق الأستاذ من قاعدة إصولية هي ان الإسلام غير معاش على الأرض الآن، لا على مستوى تشريعات الدولة الإسلامية ولا في مستوى أخلاقيات المسلمين.

    جاء في الحديث "أن للدين صوى(benchmarks) ومنارات كمنار الطريق"، وعن تلك الصوى كان محمود يبحث. بسبب من ذلك انكر تقديس الاحكام التي لم تعد صالحة لزماننا، وأن صلحت كشريعة لمن قبلنا. انكر أيضاً على المعاصرين من حماة ذلك الفكر المتيبس الدور الوسائطي الذي إفترضوه لأنفسهم بين الأنسان وربه. ذلك كهنوت لا يعرفه الإسلام، بل نعيذ الإسلام منه بذاته وبأسمائه. فكل مسلم في رأي الأستاذ رجل دين. كما ليس في الإسلام وظيفة يطلق عليها وظيفة رجل الدين. ودوننا العراقي أبو حنيفة، وهو من أبرع الأئمة في إستخراج الأحكام الفقهية، كان تاجر خز لم يلهه الإجتهاد عن مهنته.

    في عودته للإصول لم ينحُ طه للتجريد وإنما تقفى كل القضايا الحياتية التي شغلت، أو ينبغي أن تشغل، الناس، وعلى رأسهم قياداتهم السياسية. ففي السياسة الحكمية كتب محمود في عام 1955م عن الفيدرالية كأصلح المناهج لنظام الحكم في السودان، في الوقت الذي كان غيرُه يصفُ الفيدراليةَ بأنها ذريعةٌ إستعمارية لتفتيت وحدة السودان وكأنا بهؤلاء لم يكونوا يعرفون كيف وحدتْ الفيدراليةُ دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، وكندا، والبرازيل، والمانيا. وفي السياسةِ الإجتماعية تناول قضيةَ المرأة في وقت لم يكن فيه للمرأةِ مكانٌ إلا أن تكون مستردفةً وراء الرجل حتى بالمعنى الحسي للكلمة، إذ كان بعضُ الرجال يومذاك يستنكف أن تجلس زوجته إلى جواره في السيارة. ما فتئ بعض من هؤلاء ينادي بقوامةِ الرجل على المرأة مهما كان مستوى علمِها ودينِها وخلقها، ولا ضير عندهم إن كانت المرأة هي العالمة مدام كوري الحائزة على جائزة نوبل مرتين، أو الكاتبة البريعة إيملي برونتي، أو شهيدة الحرية بنازير بوتو. كما لا ضيرعندهم ان كان الرجل هو أي فحل جلف ليس له من علم او خلق يتحفل به أمام المرأة التي يطمع في الولاية عليها. هذه النظرة التي تجعل من المرأة ضديداً للرجل نسبها الأستاذ، بحق، إلى الجهل ولهذا كتب: "المرأة ليست عدوة الرجل، الجهل عدوهما، معاً". لذلك فإن موقف الإستاذ الشهيد من قضية المرأة كان من أعظم فتوحاته الفكرية في الحقل الإجتماعي. وكان الأستاذ ينظر للمرأة كإنسان ينبغي الإنتصاف لحقه، أين كان. ويروي لي الراحل الحبيب الدكتور خليل عثمان، وكان قد صَحبَ الأستاذَ في محبسه، كيف أن الأستاذ ظل يُتابعُ إنتخابات الرئاسة الأمريكية: رونالد ريقان وجورج بوش ضد والتر مونديل وجيرالدين فيرارو، ويجاهر بتمنياته لفيرارو بالإنتصار. سأله خليل: ما الذي تَعرفُ عن هذه السيدة حتى تؤيدَها؟ قال الاستاذ: "أنا لا اعرفُها البتة لكني اتمنى لها الإنتصار لأن إنتصارَ المرأةِ أمريكا لإحتلال موقعٍ كهذا هو إنتصار للمرأة في كل مكان". ولعل محموداً قد فطن إلى أن في تحرير المراة تحريراً للمجتمع، وأن في صلاحها صلاحاً للأسرة، فالمرأةُ هي الإنسان كما قال الـروائي الألمــاني المعـروف تومـاس مــــان: "الرجـال هـم الرجـال ولكــــن المـرأةَ هي الإنسـان" (Men are men but woman is man).

    كان للأستاذ أيضاً رأي في الحرب والسلام ذهب به إلى جَذر المشكل بعقود من الزمان قبل ان نعترف بذلك في إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م . في تلك الإتفاقية إعترف طرفاها بجذور المشكلة التي ظلت كل القوى السياسية الشمالية تعوص على نفسها الإمور برفضها. بدلاً عن الإعتراف بجذر مشكلة الجنوب إستمرأت تلك القوى البحث عن مشاجب خارجية تُعلق عليها أسباب الخيبة. قال الطرفان في ديباجة بروتوكول ماشكوس: ", وإذ يدركان أن النزاع في السودان هو أطول نزاع في افريقيا، وأنه قد سبب خسائر مريعة في الأرواح، ودمر البنى التحتية للبلاد، وأهدر الموارد الإقتصادية، وتسبب في معاناة لم يسبق لها مثيل، ولا سيما فيما يتعلق بشعب جنوب السودان، وشعوراً منهما بأوجه الظلم والتباين التاريخية في التنمية بين مختلف المناطق في السودان". في ذلك إعتراف منا بأن لمشكل الجنوب إسباباً متجذرة في الداخل. وحقاً، حين كان السودانُ كلهُ يتلظى بنيرانِ الحرب، كان بعضٌ من أهله لا يُخفي فرحتَه بما حقق من إنتصار وهمي. في ذات الوقت ما انفك الأستاذُ ينظر إلى الصورة المتكاملة ولا يتوه في تفاصيلها، أو يهرب إلى الإمام من واقعها الكالح. كان كلما تباهى المنتصرون بقولهم: "لقد قضينا على مائة من الخوارج وأستشهد منا خمسة"، يعقب بالقول: "أما نحن فنقول أن السودان فقد مائة وخمسة من رجاله".

    بصورة عامة كان محمودٌ في سَرَعَان الناس (أي أسبقهم) إلى إدراك البعد الوطني لما ظللنا نسميه مشكلة الجنوب. كتب في واحدة من رسالاته ازاء الإسراف في الحديث عن مشكلة الجنوب، وكأن هذا الجنوب هو جنوب المريح: "وللشمال مشكلة أيضاً". بذلك سبق قول الراحل جون قرنق:"مشكلة الجنوب هي فرع (Subset) من مشكلة السودان". هذا طرف من قضايا السياسة التي أهَمَت الأستاذ في حين صمت عنها السياسيون اما عجزأً أولا مبالاة. أدهي من ذلك أن اللهاثَ وراءَ السلطة يومذاك كان هو الشغلُ الشاغل لسادة الحكم، دون أي إجتراء من جانبهم على مواجهة النفس ونقد الذات، بل دون أن يقولوا مرة واحدة لمن ولوهم السلطة أو حملوهم الى سدتها، ما الذي يريدون أن يفعلوا بتلك السلطة من أجل قضايا الناس.

    وإن كانت نظرةُ الاستاذ الشهيد للمدينة الفاضلة التي قَدرَها وأحب أن يصير إليها السودانُ نظرةً شمولية تكاملية، إلا أنه قَدَر أيضاً ان السودانَ جزءٌ من عالم لا يستطيع السودانُ الإنفكاكَ عنه، كما هو جزء من حضارة إنسانية لا سبيل له للإنخلاع عنها. في ذلك لم يذهبْ مذهبَ الذين يدعون للإنخلاع عن الحضارة المعاصرة بدعوى تناقضها أو تباينها مع خصوصية ثقافية مدعاة، أو نقاء عرقي مزعوم. فهؤلاء مع كل مزاعمهم بفساد تلك الحضارة وجَحدهم لكسبها ومنجزاتها الإنسانية ظلوا يلتهمون نتاجها في المسكن والملبس والمشرب والتواصل والترحال، أي يعيشون كمستهلكي حضارة لا منتجين لها.

    شهيد الفكر كان يرمي ببصره بعيدأ ويقول أن الحضارة المعاصرة، حضارة القرن العشرين بلغت نهايات النضج. وان البشرية المعاصرة مجتمع كوكبي إن أصيب جزء منه تداعت لمرضه بقية الأجزاء. هذه النظرة التي جاء بها الأستاذ الشهيد في السبعينات سبقت ما تواصينا عليه بعد عَقد من الزمان في لجنة دولية كان لي شرف المشاركة في رئاستها: اللجنة الدولية للبيئة والتنمية. خرجت تلك اللجنة على الناس بتقرير اصبح هو الميثاق الدولي للبيئة في قمة الارض بريو دي جانيرو. جوهر ذلك الميثاق هو وحدة كوكبِ الأرض بحيثُ ينبغي على كلِ فردٍ في المعمورة ان يفكر عولميا ويعمل محلياً. ثم جاء من بعد فيضان العولمة بخيره وشره، وإنداحت معه الحدود بين البلاد. ولعلني لا اريد أن أتقفى أثر المفكرين المسطحين الذين يحاولون إيجاد نسب لكل فكرة حضارية جديدة، أو ظاهرة علمية مستحدثة بتجارب الدولة الإسلامية وبالقرآن الكريم، ناهيك عن ربطها بأفكار مجتهد معاصر، لا سيما وقد جاء زمان أطل علينا فيه نفر من المتفيقهين الذين لم يستح واحدٌ منهم من أن يفتعل لتخليق النعجة دوللي بالإستنساخ ذِكراً في الكتاب الكريم. كل ما أريد قولَه هو ان الشهيدَ المفكر كان يعالجُ إمور بلاده في محيط كوكبي أرحب لا نملك إلا ان نعيش فيه، ونتفاعل معه، ونؤثر عليه، ونتأثر به، في حين كان غيره لا يبصرون حتى ما تحت أقدامهم بدليل عجزهم عن معالجة أدنى مشاكل الحكم والحياة.

    هذه النظرة الكلية لقضايا الإنسان في السودان كانت بارزة أيضاً في ما كتب الأستاذ عن الإقتصاد. من ذلك رسالته حول الضائقة الإقتصادية (1981م). وأمثال تلك الضائقة يتخذها دوماً معارضو الحكم تكأة لتخذيله، أو ذريعة لحمله على الفشل. يفعلون ذلك دون أدنى إهتمام لما لتلك الضائقة من أثر على الوطن والمواطن. في تناوله لتلك الضائقة (والتي نستعرضها كنموذج) تناول الأستاذ البعد الأخلاقي للأزمة: مسئولية الدولة ومسئولية الأفراد؛ الريف والمدينة وأثر إنهيار الإقتصاد الريفي على إنهيار المجتمع الحضر؛ البعد الخارجي: التجارة الدولية، الديون؛ البيئة الطبيعية، الكوارث مثل الجفاف والتصحر. هذه النظرة الموضوعية العلمية لقضايا الناس هي التي يترجاها المواطن من قادته ومفكريه إن كانوا حقاً جادين في تدارس أي أمر ذي بال حتى يصلح حاله وأمره. والا حق قول أبي العلاء بأن الحكم ومذاهبه عند أولئك ليس هو الا وسيلة لجلب الدنيا لسادة الحكم.

    إنما هذه المذاهب أسباب لجلب الدنيا إلى الرؤساء

    تساءلت ذات مرة عن ما الذي يحول دون هذا المفكر، طالما أهّمَته السياسة، أن ينشئ حزباً سياسياً يتصارع عبره مع الآخرين على الحكم حتى يترجم أفكاره تلك إلى واقع. قال: "غايتنا ليست الحكم هي وإنما خلق المسلم الصالح المتكامل، وبصلاح الناس يصلح المجتمع". وحقاً لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، وحقاً ايضاً أن لاسراة إذا تسيد الجهل على الناس.

    قلت أن الاستاذ المجدد كان يسعى لبناء مدينة فاضلة بخلق النساء والرجال الفاضلين. والرجل الفاضل عنده، فيما تبينت من قوله، هو الإنسان مجدول الخلق الذي يحسن عمله، ويقوم برعاية اهله وذويه، ويؤدي فروض ربه ووطنه. سالته ذات مرة كيف تنتقي ابناءك وبناتك من الجمهوريين، وما الذي تتوخاهُ فيهِم؟ قال: في البدء ان كان ذا مهنةٍ فلابد له من ان يُجود مهنتَه، فالرجلُ الذي لايستجيدُ مهنتَه يفتقدُ القوام الرئيس لقيادة الناس، وقوامُ كلِ شئ هو عِماده. الأمر الثاني هو القدرة على التبليغ، أي نشرالفكرة بين الناس بالتي هي احسن بحيث لايستفزه، عند الحوار، مستفز أو يزعجه مزعج. ثالثاً – وذلك هو بيت القصيد - أن لا يفعل في سره ما يستحي من فعله في علانيته. وكأني بالأستاذ الشهيد أراد ان يجعل من صحبه بشراً يقاربون الأنبياء في سلوكهم. هذا أمر لا أدعي أنني قادر عليه، ولمن قَدِر عليه من صحاب المفكر الشهيد تحية إعجاب.

    بُغية الأستاذ المعلم، إذن، كانت هي إعداد بنيه وبناته ليكونوا قدوة صالحة تُكلف نفسها في سبيل الدعوة غاية ما تقدر عليه هذا امر ليس منه بُد إن كانت الدعوة لدين أساسَه الإستقامةَ والإستواء "وذلك هو دين القيَّمة". ولعله في هذا ذهب مذهب إبن رشد القرطبي في نظرته للكمال الإنساني. فعند إبن رشد يتميز الإنسان العاقل بما يحصل عليه من عتاد روحي وثقافي ومعارفي وتتكامل عنده الحكمة والشريعة لما بينهما من إتصال.

    لمحمود أيضاً رأي في الإنسان أبدع فيه. قال في واحدة من رسائله "الرجالُ عَندنا ثلاثة: الرجلُ الذي يقولُ ولايعمل لأنه يخافُ من مسئوليةِ قوله، وهذا هو العبد. والرجلُ الذي يَحِبُ ان يقولَ وان يعملَ ولكنه يحاولُ أن يهربَ تحت الظلام فلا يواجهُ مسئوليةَ قوله ولاعمله وهذا هو الفوضوي. والرجل الذي يحب أن يفكرَ وأن يقولَ وأن يعملَ وهو مستعد دائماً لتحمل مسئولية قوله وعمله، وهذا هو الرجلُ الحرّ (الثورة الثقافية)". هذا حديث حكيم شفيف الباطن. إستذكرت الشاعر الراحل محمود درويش (الجدارية) وانا أعاود قراءة كلمات محمود هذه

    انا لستُ مني لو أتيتُ ولم أصل

    انا لستُ مني لو نطقتُ ولم أقل

    أنا من تقول له الحروفُ الغامضات

    أكتُب تكن

    إقرأ تَجِد

    وإذا أردتَ القولَ فأفعل ، يتحد

    ضداك في المعنى

    وباطنُك الشفيف هو القصيد

    فللأستاذ، إذن، رؤية سوية للإنسان المثال لا إفراط فيها ولاتفريط، وإن كان هو في خاصة نفسه قد غالى، بمعاييرنا، في قمع نفسه حتى عن اللَمَم وتوافه الملذات. روى لي الدكتور الراحل خليل عثمان إبان محاياته للأستاذ وهما في الحبس إلحَافه على الشهيد أن يتناولَ معه كوباً من الشاي فتأبى الأستاذ، ثم رضخ لإلحاف خليل. وفي اليوم التالي كرر خليلٌ الدعوةَ له وهو يذكره بأنه تناول الشايَ البارحة دون أن يلحقَ به ضُر. قال الأستاذ: "لقد فعلتُها بالأمس إكراماً لك ولكني أعرف أن الشاي منبه وإن تناولتَه المرة بعد الاخرى صار شربُه لي عادة وانا لا اريد أن أكون عبداً لأي عادة".

    قلت ان في مسلك الأستاذ نسكاً وتصوفاً، يستعيد للذاكرة قول الإمام الغزالي في الأحياء حول الذهد: "هو أن تأتي الدنيا للإنسان راغمة صفوا عفوا وهو قادر على التنعيم بها من غير نقصان جاه، وقبح إسم فيتركها خوفاً من أن يأنس بها فيكون آنسا بغير الله، مخبأ لما سواء، ويكون شركاً لما فيحب الله غيره" لهذا سألته عن رأيه في متصوفة السودان، ولماذا يصب جام غضبه عى الإسلاميين المحدثين لا على المتصوفة. ذلك سؤال قصدت به الإستفزاز الفكري، لا سيما ورأيي في علماء السودان ومتصوفته رأي إيجابي إذ عشت في رحابهم، وتعلمت إصول ديني من أشياخهم، قال الأستاذ: "المتصوفة والعلماء هم الذين قربوا الإسلام إلى نفوس اهل السودان بالحسنى وحببوه إليها بتقوى الله ولهفة المظلوم، ولم يتخذ غالبهم الدين طريقاً للدنيا". أما الطائفيون الذين إتخذوا الدين معبراً للسياسية والمحدثون ممن ينصب أنفسهم دعاة للإسلام فقد أساءوا إلى الإسلام من جانبين: أولاً إحتكار الحقيقة حول الدين بالرغم من سوء فهمهم له؛ وثانياً تبغيض الناس فيه بسبب من الغلواء في الاحكام، لهذا فان مسعاه، كما قال، هو إستنقاذ الاسلام من هؤلاء. هذا الموقف هو ما ظل الأستاذ ثابتاً عليه في كل ما كتب عن الطائفية السياسية ، وكان متسامحاً فيما كتب، بمعنى أن الإصرار على الحوار الفكري، لا إغتيال الشخصية وإلغاء الآخر، هو قمة التسامح. ورغم إختلافه مع الطائفيين والإخوان المسلمين والشيوعيين دعا عند المصالحة الوطنية في عهد نميري (أغسطس 1977م) إلى خلق منابر فكربة تتصارع فيها كل هذه القوى السياسية واسماها بأسمائها: لم يستثن منها واحداً. وكان يومها يتمنى أن يُملأ الفراغ السياسي بالفكر. أما الآخرون الذين تداعوا إلى تلك المصالحة فلم يروا لها إلا وجهاً واحداً هو المشاركة في الحكم عبر إئتلاف حزبي أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة قومية.

    وعوداً على بدء في موضوع مَنسِك الأستاذِ نقول أن نسكه ان ذا طبيعة خاصة به، كان رجلاً من غمار الناس يمارس كل عوائدهم: ياكل الطعام، ويمشي في الاسواق، ويعود المريض، ويواسي الجريح ، ويعزي في الميت، كما لم يك يحسب نفسه منذوراً للبتولة كالمسيح أو أحبار الكنيسة إذ تزوج وانجب كبقية الخلق. لم يذهب أيضاً مذهب المتصوفة في إقصاء المعارف الدنيوية من حياتهم لأنها تلهيهم عن القربى، أي غقتراب السالك من ربه. فجُل المتصوفة لم يبتغوا من قراءة القرآن وتفسيره إستنباط أحكام فقهية أو عقائد كلامية، بل كانوا يريدون بها خلاصاً شخصياً بتعميق تجربتهم الروحية. بخلاف ذلك، إنغمس الأستاذ حتى أخمص قدميه في المعارف الدنيوية يحاور وينتقد، ويقبل ويرفض. ولم يكن إقترابه من التوحيد من وجهة حلولية شأن كل المتصوفة، بل محاولة فلسفية منه للحصول على معارف واقعية تهدي الإنسان في الحياة الدنيا؛ أي أنه "رأي سبيل الرشد فأتخذه سبيلاً". كما كان سبيله للآخرة هو الإقدام على الفروض والواجبات إقبال رجل يغشى قلبه الوجل من مخافة الله :"إذا ذكر الله وجِلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً" (الأنفال،2). كما كان يدرك أن وراء أداء الشعائر مغزى روحي عميق غير المعنى الظاهري، فتماماً كما أن ليس للصائم من صيامه غير الجوع والعطش، ليس، في حال البعض، للمصلي من صلاته غير القيام والقعود. الدين عند هؤلاء هو حوار أبدي بين الإنسان وخالقه في الليل والنهار حتى يتحقق لهم المقام المحمود: "ومن الليل تتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" (الإسراء 79).

    ثم جاءت نهاية شهيد الفكر كنهايات إضراب له واشباه من المفكرين الذين قدموا ارواحهم قرابين في محاريب الفكر، كانت نهايتهم على يد طغاة كحال الأستاذ الشهيد وتوماس مور، أو غوغاء كحال سقراط وغاندي. هؤلاء جميعاً لا ذنب لهم غير المجاهدة حتى يصبح الإنسان إنساناً. فمن قبل محمود ذهب سقراط ضحية إتهامه بتلويث عقول الإثينيين ولكنه، رغم إلحاح إفلاطون وزينوفون عليه كي يهرب - وكانوا يعدون للأمر عدته - رفض ذل الهرب من الموت. ذلك مشهد وصفه شوقي فابدع في الوصف

    سقراط أعطى الكأس وهي مليئة شفتي محب يشتهي التقبيلا

    عرضوا الحـياة علـيه وهي ذليلة فابى وآثر أن يمـوت نبيلا

    أما غاندي الذي لم يعرف للعنف سبيلا فقد مات مغدوراً على يد متطرف هندوكي. بُغضُ غاندي للعنف وحبُه للناس حملاه على أن يقول:"هناك أهداف كثر أنا على إستعداد للموت في سبيل تحقيقها، غير أني لا ارى هدفاً واحداً يمكن أن يدفعني إلى قتل إنسان".نقل نبأ رحيل غاندي لأهل الهند جواهر لال نهرو وهو يقول:"لقد إنطفأ النور من حولنا، فالظلام يعم كل مكان." ثم إستدرك قائلاً:"ما كان لي أن أقول هذا. أنتم لن ترونه بعد اليوم إلا أنه سيبقى بين ظهرانيكم".

    توماس مور، رجل كل الفصـــول، آثر الصـمت عندما قضــي هنري الثامن بإعدامه لرفضه التوقيع على القانون الذي يجعل من هنري رئيساً للكنيسة (Act of supremacy). وعندمىا أقتيد إلى المشــــنقة رفض أن ينبس ببنت شـــــــفه لقاضيه وجــلاده عــدا كلماته الاخـيرة التي صـمت بعــدها: "لا يحق لبشــــر زائل أن يكون رئيســــاً للروحــانية" "No temporal man may be head of spirituality". ذلك كان موقف الأستاذ الشهيد، إذ ما أبلغ صمته وأجمل سمته أمام المشنقة، فالجلاد وقضاة النار لم يبتغوا من الدعوة لإستتابته إلا كسر نخوته. ومن الحمق ان يظن ظان رجلاً تمرس بالشدائد، وصهرته المحن، وعرف الحق، أن سيفعل آخر الليالي ما لم يفعله في صباه. الشهيد ذو مِرة، وذو الِمرة لا ينكسر أمام الخطوب.

    في تلك الايام الحوالك عشت في لندن مع إخوة لي اغلبهم ممن عرف الاستاذ الشهيد من خلال ما كتب: الراحل حسن محمد علي بليل الإقتصادي المعروف، والراحل ابوبكر البشير الوقيع الإداري النابه، والأستاذ التجاني الكارب، ثم الراحل رفيق محمود، الدكتور خليل عثمان. بليل والكارب لم يكونا يبكيان على رجل ، بل كان بكاؤهما على موت ضمير. قالا سوياً:"هذا هو اليوم الوحيد الذي تمنينا فيه ان لا نكون سودانيين". ما تركنا يومذاك باباً في عواصم العالم الا وطرقناه حتى يُرَد الطاغية عن غيه. ثم ادلهم الظلام وذهب محمود كما يتوقع المرء أن يذهب، مرفوع الرأس كالرواسي الشامخات.

    أمثال محمود لا ينتهون بنهاية الوظائف البيولوجية لأجسامهم، وإنما هم باقون بما خلفوا في الرأس وفي الكراس. باقون بما سطروا على الورق، وما تركوا في أدمغة الرجال والنساء. وبهذا يصبح، أو ينبغي أن يصبح، السكون الأبدي لأجسادهم حركة دائبة. لا تهنوا، إذن، أيها الصحاب فأنتم اقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاض ظلوم، ومن أي عالم من أولئك الذين تراكم الصدأ على خلايا عقولهم.


    -----------------------------------------------

    شكرا اخى جيدر بدوى
    واجد نفسى هنا اكرر الندوة او ما قاله دكتور منصور خالد ببنط اسود لان الكثير من القراء اتصلوا بى عبر الايميل يريدون الموضوع ببنط اسود
    ..
    ليكون اسهل لهم فى القراءة
    نتواصل
                  

02-01-2009, 04:57 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)


    نعم .. لقد كنت هنالك عندما أعدم الشيخ

    محمد عبد الله الصايغ
    [email protected]

    الموت ذلك المجهول.. ياتي بغتة ... وذلك من نعم الله على البشر .. يعرف الكل انهم سوف يموتون ولكن متى ؟ لا احد يعرف فقد خلق الله لهم العقل و جعل الموت مجهول الاوان .. فالعلم به امر مؤلم يأخذ الانسان الى كثير من المعاناه .

    قرّرت أن أكتب لانني اوقن أن التأريخ يجب أن يكتب .. أن يدوّن في حقّ الرّجال ما صنعوا وأن يعطوا حقّهم بعد أن رحلوا وذلك أدعى للعدل وهو مسئوليه على عاتق الاحياء . .. عندما يكون هنالك رجال بهذا الحجم الاسطوري من الايمان بالمبادئ .. الشجاعه .. الصلابه .. سمعت عن الكثيرين في مواجهة الموت بسبب ما امنوا به ، ويقيني انّ ما سمعته كان صحيحا ، ولكنّني ما رأيت الاّ واحدا .. رأيته وانا في كامل وعيي .. أحاسيسي .. شعوري وعنفواني .. أنقله لكم وأنا شخص محايد لم ار الرجل الاّ صباح رحيله ولكني سمعت عن نضاله من أجل وطن أنتمي أنا اليه .. وسمعت كلماته الواثقه القويّه امام المحكمه تلك الكلمات التي جاءت أحمى وطيسا من الدواس .. خرجت بالرجل من دائرة الشياطين الخرس .. وما أكثرهم ، لللاسف ، وبينهم علماء .. وأشار " بعصاته " ، ليس من طرف خفي وليس على استحياء ، فرأت عشيرته الفرعون عاريا كيوم ولدته أمّه .... " ومحل رهيفه تنقد " .

    استيقظت مبكرا , كعادتي , في ذلك اليوم الشتوى للحاق بعملي . كنت حينها نقيبا بشرطة المرور الخرطوم . كان يطغى عليّ في ذلك اليوم شعور بالحزن ... فقد جاء في الاخبار ان تنفيذ حكم الاعدام بحق الاستاذ الشيخ محمود محمد طه سيكون في ذلك اليوم .

    كنت ، مع عدم انتمائي لمدرسة الرجل وعدم المامي حتى بافكاره ، مبتلّا بذلك الشعور ... شعور الحزن فتصفية الخصوم بسبب الرأى امر يتعدّى الفجور في الخصومه . كان الاستاذ الشيخ كبيرا في دواخلي بتاريخه النضالي.. واخيرا بمواقفه الشجاعه وهو يواجه محاكمه يعلم ان تصفيته هو هدفها ... فتحدّث امامها حديث الرجال الذين تمتد اهتماماتهم لاوطانهم وشعوبهم قبل انفسهم واسرهم وبيوتهم وهذا قطعا ما لا نجده الا في من سمت قاماتهم الى جلائل الامور ترفّعا عن صغائرها وهؤلاء هم الذين يشكلون حياة شعوبهم .. بل شعوب البشرية جمعاء .

    وصلت الى مكان عملي عند السادسة صباحا بشرطة مرور الخرطوم . وجدت انه كان منوطا بي في ذلك اليوم الاشراف على سير حركة المرور في القطاع الذى يقع جنوب كبرى القوات المسلحه " منطقة الخرطوم " وشمال الكبرى " منطقة كوبر وامتداداتها , شارع كسلا شرقا وغربا حتى السكه الحديد .مما يضع منطقة السجن العمومى بكوبر داخل ذلك الاختصاص ، من الناحيه المروريه بالطبع ، ..

    كنت واجما وانا في طريقي ومعي نفر كريم من الزملاء رجال شرطة المرور لتسهيل حركة المواطنين في تلك الانحاء ... كان تفكيرى في تلك اللحظات غارقا في كنه الموت .. في رجال ثبتوا للموت وخطوا باتجاهه دون تهيّب دفاعا عن مبادئهم وعن ما يؤمنون به فمضوا احياء في تاريخ اممهم بل وفي تاريخ البشريه جمعاء . هل يمكن مواجهة الموت بكل صلابه ؟ ان كان نعم .. فمن هم هؤلاء الذين يستطيعون ؟ هل هم بشر من طينة أخرى ؟ ما الفرق بين الشجاعة والجبن ؟ قوّة المراس وضعفه ؟ الشموخ .. ....؟ ..؟ .. الذين تغنّت لهم وبهم القصائد الخالده في الادب الشعبي .. " قارحك غير شكال ما بقربو الشدّاد " .. " كاتال في الخلا وعقبا كريم في البيت " .. وفجأة قفز الى ذهني بيت الشعر الرائع للمرحوم عمر الدوش :

    ايّ المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها ....

    قررت ان اذهب لارى بام عيني .. كيف يجعل الرجال " الموت " ذلك البعبع المخيف أهون من شرب كأس من الماء المثلّج .. ذهبت لارى كيف ترتجف المشانق أمام الثبات .. سمعت كثيرا عن رجال هزموا الموت وبالتالي هزموا الواقفين على تنفيذه .. كان أحدهم " رضوان " عندما صاح بطابور اعدامه الذي كان حينها قد اطلق المجموعه الاولى من الرصاص فجاءت في خاصرته وأسفل بطنه " علّوا التنشين " .. كان ذلك في " وادي الحمار " بعطبره حيث " دروة ضربنار " عقب انقلاب حسن حسين . والرجل حينها كان رقيبا بالمظلاّت تمّ الحاقه لنا ونحن بعد طلبه بكليّة الشرطه 1975 لتدريبنا في مجال الرياضه وقد كان أحد أساطينها ولهذا حديث اخر

    بعد اطمئناني على عملي اوقفت سيارتي امام البوابه الرئيسيه للسجن من الناحيه الشماليه وكانت مفتوحة ودلفت الى داخل السجن وكان ذلك في الساعة الثامنه صباحا كانت الساحه الداخليه هادئه والمكان يغصّ برجال شرطة السجون يروحون ويغدون أداء لواجباتهم وبعض المواطنين كان بعضهم يجلس على الارض والبعض الاخر في طريقه لذلك .

    بمجرد دخولي وجدت رجلين يقومان على حراسة زنزانه كانت قريبه من المدخل , عرفت منهما انها حراسة الشيخ . سألتهم عنه فأشاروا الى حيث كان يجلس . كان ذلك أمام الزنزانه من الناحية الشرقيّه حيث رأيت الشيخ يجلس على " مسطبه أسمنتيه " كتلك التي تفصل بين الميادين . كان يجلس متجها الى الشرق في هدوء لم اشهد له مثيلا من قبل وكان في حالة " توهان " بيّنه كانما في عالم غير هذا العالم . وقفت خلفه لمدة تزيد على العشرين دقيقه وأنا أنظر اليه ...كان غاية ما اتمناه ان اتحدث اليه ان استمع اليه في اى موضوع في تلك اللحظات الرهيبه والبالغة الدقّه ولكنني ، للاسف ، لم أجرؤ .. ربّما لدقّة الموقف او ربّما لانني اخترت أن احترم تلك الخلوة الساميه والهدؤ العجيب لرجل على بعد ساعة من الموت .. وفضّلت عدم التدخل لايقاظه منها والعودة به الى دنيا البشر . كنت متاكدا انه كان في سمو غير عادي مفتح العينين واثب بكل جوارحه نحو الافق الشرقي.

    التغتّ الى احد الرجلين وسألته عن الشيخ وكيف تسير حياته هنا . اجابني بأن " الهدؤ " هو ما يميزه و بأنّه لم يتناول طعاما منذ ان احضر الى السجن اى انه فضّل الا ياكل وكان فقط يشرب الماء وكان يقضى جل وقته مستقبلا القبله تائها فيها منقطعا عن العالم من حوله . في هذه الاثناء كانت اعداد الناس تتزايد في الساحه الداخليه للسجن . كانوا يحضرون فرادى او في مجموعات .. في هذه اللحظات ارتفعت هتافات ممن هم حول الساحه " الله اكبر " .

    خرجت الى حيث عملي , وواضح ان حركة المرور كانت تزداد على الطرق المحيطه و ... عدت الى السجن فى الساعه التاسعه والنصف .

    الان الساحه الداخليه ليس بها موطىء لقدم , تموج بمختلف الهيئات والسحن والازياء من عسكريه بالوانها المختلفه الى مدنيه . اعداد كبيره كانت تجلس على الارض في صفوف منتظمه بالجهه الشرقيه والباقين كانوا وقوفا في سائر انحاء الحوش يحيطون بالمشنقه التي كانت تقف في منتصف الساحه بكل جبروتها ... كالهة الموت عند قدماء الاغريق .

    هذه المشنقه عباره عن نصب عال من الكمر الحديدى يصعد اليها عموديّا بواسطة السلم الموجود خلفها ويمكن للذي يسير بالشارع الواقع شمال السجن ان يرى الجزء العلوي منها . كان الهتاف ياتي مستمرا من الجالسين وكان هتافا مبرمجا اوانه كان يبدو كذلك وكان ايضا يبدو " كالمباركه " لما سوف يحدث . وكان الواقفون في حالة تحرك قلق محدود هو للغليان اقرب .

    كنت اقف امام باب الزنزانه الذي فتح قبل الساعه العاشره بربع ساعه وخرج منه الشيخ في ملابس السجن ويغطي لباس احمر اللون من اعلا راسه وحتى اسفل رقبته ويديه مقيدتين خلف ظهره بجنازير تمتد الى حول خصره ثم تتابع تدليها في قسمين يذهب كل منهما الى معصم كل قدم .

    كان الشيخ يسير وحده دون اعتماد على اي شخص ولا حتى مساعده من الجنديين الذين كانا يسيران خلفه في بطء يتفق مع خطوه المتمهل . كان كل ما أراه يدعو للعجب .. شيخ جاوز السبعين .. لم يذق طعاما منذ ايام .. مغطى العينين .. يحمل كل تلك الاثقال من الحديد ويسير " الى الموت " معتمدا على نفسه فقط وعلى ذاكرته عن المكان .. بل ويرتقي درج ذلك السلم الطويل الضيّق العمودى دون مساعده من احد نعم لقد ارتقى السلم وحده في تمهّل حتى وقف اخيرا على المنصه العريضه في الاعلا ... شامخا بحجم كلماته أمام المحكمه ، عملاقا .. بحجم التأريخ الّذي أرسى حجر أساسه .

    كان الهتاف الذي اشرت اليه يتوقف ليعود من جديد . ساد بعض الوجوم في تلك اللحظات واوقف تلامذة الشيخ خلف المشنقه من الناحيه الغربيه .

    احسست في تلك اللحظات ان جسدي كله صار عباره عن نبض وان كل اجهزته قد تداخلت في بعضها وفجأة دوى هتاف واحد موحد هز اركان السجن وارتجفت له حتى المشنقه وكان هتافا جماعيا متتاليا " لن ترتاح يا سفاح " ولم يكن الهتاف من الجمهور الذي بالساحه فقد سكن ذلك الجمهور كأنّما على رأسه الطّير امام المدّ الطاغي والمتتابع لذلك الهتاف ..الذي كان يأتي من مكان مجهول . علمت فيما بعد انه كان صادرا من المعتقلين السياسيين والذين كانوا بالزنازين الشرقيه حينها كما اكّد لي احد كرام الاصدقاء فيما بعد وقد كان بينهم .

    بعد ان استقر الشيخ في علوّه ذاك منتصب القامه قام شخص في مقتبل العمر بالهتاف بصورة انفعاليه وهو يردد بصوت عال ان الرجل ، ويعني الشيخ ، لن يموت وما هي الا لحظات حتى غاب عن الانظار بعد ان اقتادته مجموعة من الاشخاص في ملابس مدنيه .

    وقف شخص يخظب في اعلا المشنقه امام الشيخ . كان حديثه يتلخص في كيف انهم سيقيمون الحد في ذلك الرجل وفي اي شخص يقوم باي ما من شأنه.... والخروج عن الدين ... وكانت الهتافات تتردد الله اكبر وبلغت القلوب الحناجر والتفت الرجل ناحية الشيخ ونزع العطاء عن رأسه ووجهه تماما .

    اسفر نزع ذلك الغطاء عن لوحة لاحد كبار الفنانين اخذ وقته في رسمها فجاءت واثقه مطمئنه نضره ثابته وليس فيها اى نشاز .. وجه صبوح هادىء فيه ابتسامة عميقه غير متكلفه .. مرسومة من القلب ومدعّمه ومسنوده بكل الخلايا والحنايا والجوارح .. كأنما ايقظه احد احفاده الصغار من نومة هادئة طويله وظل يداعبه ويلاطفه واقسم على هذا . اجال الشيخ طرفه لجهة اليمين اولا في التفاتة كامله ثم ببطء وتؤده الى ناحية الشمال وكان وجهه يحمل في ان معا كل معاني القوة والصلابه والهدوء والعزة والكبرياء .. مجتمعه .. وعندها هدأت نفسي تماما وامتلآ المكان بطمأنينة غريبه . وعندها علمت أيضا لماذا كان ذلك الشخص ، الذي تمّ اقتياده ، يهتف " ان الرجل لن يموت " .

    في هذه الاثناء طغى صوت مروحيه " هليكوبتر " وهي تهبط في المنطقه الواقعه غرب السجن خارج اسواره . اعاد الخطيب غطاء الرأس الى موضعه وفجأة بدا جسد الشيخ وهو يتأرجح من اسفل المشنقه ..

    بعدها قام شخص بالكشف عليه بواسطة سمّاعه ثمّ لفّ في بطانيه سوداء .. وما هي الا لحظات عادت بعدها المروحيّه لتقلع من جديد مثيرة الكثير من الغبار والضوضاء .. لا أحد يعلم الى أين .. ولم يعلم أحد حتّى الان ربّما .. ولكنها ، قطعا ، كانت قد ذهبت الى حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر .. ليس بالضرورة ان يسأل الناس " أين دفن فلان " اذا كان فلان هذا قد دفن في قلب كلّ فرد من أمّته .. فمن يموت ليهب الحياة للاخرين لا يتسع قبر لرفاته .. وعاد بيت الشعر الخالد للرائع عمر الدوش ليملآ قلبي ، روحي ووجداني وليستقر هناك .. والى الابد .
                  

02-02-2009, 04:03 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    Quote: وقد مضى جبل الأكاذيب تحت إرادة رجل حر، وبقيت الحقيقة عارية. ولازالت افكار محمود مواجهة من قبل تيار الاسلام السياسي، ولم يفلح الموت في تغييبها!!.
                  

02-03-2009, 00:56 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    Quote: اسفر نزع ذلك الغطاء عن لوحة لاحد كبار الفنانين اخذ وقته في رسمها فجاءت واثقه مطمئنه نضره ثابته وليس فيها اى نشاز .. وجه صبوح هادىء فيه ابتسامة عميقه غير متكلفه .. مرسومة من القلب ومدعّمه ومسنوده بكل الخلايا والحنايا والجوارح .. كأنما ايقظه احد احفاده الصغار من نومة هادئة طويله وظل يداعبه ويلاطفه واقسم على هذا . اجال الشيخ طرفه لجهة اليمين اولا في التفاتة كامله ثم ببطء وتؤده الى ناحية الشمال وكان وجهه يحمل في ان معا كل معاني القوة والصلابه والهدوء والعزة والكبرياء .. مجتمعه .. وعندها هدأت نفسي تماما وامتلآ المكان بطمأنينة غريبه . وعندها علمت أيضا لماذا كان ذلك الشخص ، الذي تمّ اقتياده ، يهتف " ان الرجل لن يموت " .
                  

02-04-2009, 00:43 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)



                  

02-04-2009, 07:16 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    هلموا إلينا واستجيبوا لدعوة بها هام دعوات السلام تتوج
                  

02-04-2009, 08:11 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)





    د. أحمد مصطفي دالي، في ركن النقاش الشهير وقتها -في الثمانينيات- في جامعة الخرطوم.

    ومعلوم أن الجمهوريين هم أول من أسس أركان النقاش في الجامعات والأماكن العامة. وكان دالي من الرواد الأوائل في هذا الباب. أول من بدأ أركان النقاش في الجامعة كان الدكتور الجمهوري عبد الرحيم الريح، عندما كان طالباً في الجامعة. ولكن تلك الأركان لم تزدهر بالصورة التي عرفت بها لاحقاً إلا بعد دخول أحمد دالي للجامعة (كلية العلوم) وتوليه لها. ثم دخل د.عمر القراي كلية الاقتصاد، وبدأ بعد فترة يدير الأركان بالتناوب مع أحمد دالي. كان ذلك في السبعينيات. وقد أصبحت أركان النقاش قبلة لكل الطلبة الأذكياء، المتفتحين. كان قبلة للذين يريدون المزاوجة بين الفكر الديني والعلم المادي التجريبي الذي يتلقونه في جامعة الخرطوم.

    بدأت الأركان في جامعة الخرطوم ثم انتشرت إلى بقية الجامعات، مثل القاهرة فرع الخرطوم، والتي كان يدير ركن النقاش فيها الأستاذ متوكل مصطفي حسين، والأستاذة سمية محمود محمد طه، والأستاذة هدي نجم. وكان بعضنا يدير أركان نقاش في المدارس الثانوية. ومن هذه، مثلاً، مدرسة كوستي الثانوية، التي كنت أدير ركن النقاش فيها في فترة دراستي في تلك المدرسة. أي أن أركان النقاش أصبحت تقليداً راسخاً من تقاليد العمل الفكري في مؤسسات التعليم المختلفة، بخاصة الجامعات. ذلك بعد أن أرسى الجمهوريون هذا التقليد الراسخ، الذي أصبح ظاهرة متميزة للجامعات السودانية، لا يوجد لها شبيه في كل جامعات العالم!

    وكان المهرجون، بخاصة من المهووسين، من يصفهم الأخ الكريم الكيك بوصف "الطرشان،" ينزعجون، غاية الانزعاج، من هذه الأركان. ذلك لأنها كانت تكشف فسادهم ومتجارتهم بالدين واستخدامهم له كوسيلة سياسية للكسب المادي وللانقضاض على السلطة.
                  

02-05-2009, 09:20 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1427
    --------------------------------------------------------------------------------
    الكاتب : admino || بتاريخ : الأحد 18-01-2009

    عنوان النص : أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    : د.عبد الله النعيم لـ(أجراس الحرية) (1-3)

    أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    لم أقابل أحداً لديه المقدرة على أن يعيش ما يقول كالأستاذ محمود
    هناك من يجادلون في الجانب العرفاني للفكرة الجمهورية تهرباً من مواجهة جانبها العقلاني!
    لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً)!
    علاقتي بالاستاذ محمود ليست علاقة تابع بقائده بل علاقة تلميذ بأستاذه
    في اعتقادي الاستاذ محمود ليس معصوماً
    حياد الدولة تجاه الدين شرط لازم لتمكين حرية الاعتقاد
    الفكرة الجمهورية لم تدع لترك العبادات





    حوار: رشا عوض



    البروفسيور عبد الله احمد النعيم استاذ كرسي القانون بجامعة اموري بالولايات المتحدة الامريكية والخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان، من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه وصاحب مشروع فكري يهدف الى تأسيس مشروعية ثقافية للدولة العلمانية ولحقوق الانسان في المجتمعات المسلمة منطلقاً في ذلك من مرجعية الفكرة الجمهورية في هذا الحوار طرحنا عليه تساؤلاتنا حول الفكرة الجمهورية وتساؤلاتنا حول أبعاد وأهداف مشروعه الفكري فكان هذا الحوار:



    بعد مضي أربعة وعشرين عاما على استشهاد الأستاذ محمود ما زال الجانب العقدي في الفكرة الجمهورية يمثل حاجزاً بين الفكرة والجماهير بما حواه من افكار باطنية كمقام الأصيل والمسيح المحمدي ما رأيك في ذلك؟



    انا تلميذ للاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968م اذ استمعت اليه في محاضرة في ذلك التاريخ ولم اجد نفسي مختلفاً معه بل كانت قناعتي به تترسخ باستمرار لم تضعف ولم تتغير ولكنني اتهيب الحديث باسم الاستاذ محمود واحجم عن ذلك لأن فكره موجود ومشاع فلا يوجد من هو اقدر او ابلغ منه في الدفاع عن فكره، ولذلك فان كل ما اقوله اتحمل مسؤوليته شخصياً فلا اتحدث لا باسم الاستاذ محمود او غيره من الجمهوريين في اعتقادي ان الانجاز الحقيقي للاستاذ محمود لم يكن في المسائل العرفانية الجدلية وانما هو في مسألة اصولية بسيطة لو ألممنا بها لاغنتنا عن كل هذا الجدل والكلام عن الاصيل الواحد والوقت والمسيح فهذه كلها قضايا انصرافية عن القضية الاساسية اي قضية تغيير الانسان لنفسه، على المستوى الشخصي انا لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً) قضيتي ببساطة هي ان الاستاذ محمود قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة اصلح بها نفسه وقد عشت معه ثمانية عشرة عاماً ولم اجد من هو اكمل منه في اية قيمة انسانية، فاهتمامي في المقام الاول هو ان اتعلم من هذا الرجل واستفيد من تجربته ومنهجه لأغير نفسي فاذا نجحت في ذلك في خاصة نفسي فكل المشاكل الاخرى محلولة واذا لم انجح فلن تحل اية مشكلة، فاذا كان الاستاذ محمود هو المسيح وجاء الان لن يحل مشكلتي اذا لم احلها بنفسي وعندما اقول ذلك فانا لا اعني ان المسائل الجدلية لن تظل تثير الجدل لكنني اتساءل بعيداً عن المسائل الجدلية ماذا عن بقية ما طرح الاستاذ محمود، في اعتقادي ان التركيز على المسائل الجدلية والانصراف عن القضايا الاخرى وهي اكثر اصولية واصالة وهي قضايا واضحة ومباشرة فيه اختلال، فيجب ان نتيح الفرصة لمناقشة ما طرحه الاستاذ محمود في السلوك و العبادة والمعاملة.



    *الاستاذ محمود قدم منهجه للتغيير على اساس انه يتلقى العلم من مصدر عرفاني متعالي على المعرفة البشرية لا على اساس عقلاني فهل تحتاج مجتمعاتنا الغارقة اصلاً في الغيبيات الى تكريس العقلانية ام العرفانية؟



    في اعتقادي ليس هناك تناقض بين المعرفة العقلانية والمعرفة العرفانية فهما غير متضادتين ولذلك ليس صحيحاً ان الاستاذ محمود بتقديمه للعرفانية فرط في العقلانية بل على العكس الاستاذ محمود اكد العقلانية وهو لا يذكر الامور العرفانية الا عندما يسأل عنها، طرح الاستاذ محمود طرح عقلاني فمسائل تطوير التشريع واتباع منهج محمد وكل ما قاله ومارسه عملياً يدل على ان العرفانية كانت نتاجاً للعقلانية وليست نقيضاً لها والذين يتجهون للعرفانية دون العقلانية يرتبكون لأنهم يعزلون العرفانية عن منهجها فما طرحه الاستاذ محمود في منهج التربية مثلاً هو منهج عقلاني ففيه توجيهات بعدم الكذب والصلاة في اوقاتها وقيام الليل وحسن معاملة الاخرين ومتابعة النفس (طردا وعطفاً) من الخارج للداخل وفن الداخل للخارج، في اعتقادي ان الذين يركزون على المسائل الجدلية يفعلون ذلك تهرباً من مواجهة المسائل العقلانية فالجانب العرفاني هو نتاج للجانب العقلاني والجانب السلوكي، حجة الاستاذ محمود الدامغة هي مقدرته على ان يعيش ما يقول ففي عمري الذي امتد لاثنين وستين عاماً لم اقابل احداً لديه المقدرة على ان يعيش ما يقول كالاستاذ محمود ففي قياداتنا هنا في السودان وبكل احترام لا توجد قيادة تعيش ما تقول باي قدر ومقدرة الانسان على ان يعيش ما يقول هي اقوى حجة على صحة طرحه واقوى من الجدل حول العرفانية والعقلانية .



    *الجمهوريون اليوم عندما يطرحون فكر الاستاذ محمود يطرحونه بافتراض انه الفكر الوحيد القادر على تقديم الرؤية الدينية الصحيحة بشأن القضايا المعاصرة أليس هذا النهج شبيهاً بنهج الجماعات السلفية التي تتمسك برؤية وحيدة وتنكر تعددية الاجتهادات؟



    كل من يطرح طريقاً في التجديد لابد ان يطرح طريقاً واحداً فلا يمكن ان يطرح طريقين في نفس الوقت، كل ما يقدمه تلاميذ الاستاذ محمود يعبر عن اجتهاداتهم الفردية وكل واحد منهم يمكن ان يخطئ ويصيب، فيجب الرجوع الى الاستاذ محمود في مصادر ومراجع فكره المتاحة ونموذج حياته ولكن عندما يقدم كل منا رؤاه في القضايا المطروحة يقدم قناعته هو في مقابل قناعات اخرى وبالتالي يكون السؤال المشروع هل نقبل النقاش والاخذ والرد حول ما نطرح ام لا ام ان لدينا تصلب وعدم احتمال للاخر، من معايشيتنا للاستاذ محمود نستطيع ان نقول كلما قدم تلاميذه افكارهم ووجهات نظرهم بصورة مفتوحة وقابلة للاخذ والرد كلما كانوا اصدق في تقديمهم لرؤية الاستاذ محمود وبقدر ما قدموا افكارهم بصورة متعنتة ومتصلبة وعنيفة وضائقة بالرأي الاخر بقدر ما يكون هؤلاء التلاميذ رجالاً او نساء مقصرين في ايصال رؤية الاستاذ محمود فسعة الصدر واحتمال الرأي الاخر ورد الحجة بالحجة هي سمة عمل الاستاذ محمود.



    *هناك سلفيون لديهم سعة صدر ويستمعون للرأي الاخر ويجادلوه ولكنهم يستبطنون فكرة امتلاك الحقيقة الكاملة وبالتالي هم يجادلون الاخر لهدايته واقناعه فليس هناك افتراض بامكانية ان يمتلك الاخر جزءاً من الحقيقة الدينية وبالتالي له دوره في الاصلاح من موقعه هو، وهناك جمهوريون يستبطنون ذات الفكرة ألا يشكل ذلك بذرة للإقصاء والأحادية؟



    هذا صحيح في حق كثير من الجمهوريين بمن فيهم شخصي لاننا لم ننتفع من معيتنا للاستاذ محمود بالقدر الكافي بحيث نتجاوز هذه النزعة الانسانية، فالانسان بطبعه لديه هذا الميل لادعاء امتلاك الحقيقة، تلاميذ الاستاذ محمود لا يتجاوزوا قصورهم الانساني بمجرد معيتهم للاستاذ محمود ولا يتجاوزوها بقدر متساوي فمنهم من هو اقرب للاستاذ محمود والقرب الى هذا النموذج لا يكون بمجرد القدرة على الجدل والنقاش وتقديم الحجج او (الفهلوة) بل بالسلوك وتمثل القيم، والتواضع قيمة مهمة جداً فمن يعتقد ان الحقيقة عنده هو تكون في الواقع حقيقة غيره هي التي عنده، الاستاذ محمود هو الذي حقق حقيقته بالمجاهدة الطويلة وبالثمرة الواضحة نحن _ تلاميذه_ اتينا لنقدم حقيقته هو وكأنها حقيقيتنا نحن! وفي هذا عدم تواضع يجب ان ننقل رؤية الاستاذ محمود كما حققها هو ونعترف اننا نسعى قدر طاقتنا في تحقيقها وقطعاً انا ناقص ومقصر في هذا ولكن نقصي وقصوري لا يحسب على الاستاذ محمود.



    *من معوقات التطور في مجتمعنا غياب العقلية النقدية ومن الملاحظ انعدام الحس النقدي تجاه الفكرة الجمهورية فالاستاذ محمود فوق النقد تماماً لاعتبارات عرفانية، وعادة ما يورد الجمهوريون ان الفكرة لا تحتاج الى تطوير بل الواقع هو الذي يجب ان يرقى لمستوى الفكرة وبالتالي يسود المنطق التبريري عند مناقشة اخطاء الجمهوريين مثل تأييد نظام نميري وقبل ذلك التظاهر ضد القانون الذي سنه المستعمر لمنع ختان الاناث ما تعليقك على ذلك؟



    انا علاقتي بالاستاذ محمود هي علاقة تلميذ باستاذه لا علاقة تابع بقائده، فاذا تشكلت لدي قناعة تخالف الاستاذ محمود في مسألة اساسية لديه اكف عن ان اكون تلميذاً له وعندما يدافع الجمهوريون عن افكار ومواقف الاستاذ محمود يفعلون ذلك عن قناعة وليس بمنطق تبريري، مثلاً في الموقف من مايو هناك تلاميذ للاستاذ محمود انصرفوا عنه وكفوا عن كونهم جمهوريين فانا لو كنت اعتقد ان الاستاذ محمود مخطئ في حادثة رفاعة (التظاهر ضد قانون خفاض البنات) فانا سوف اكف عن كوني تلميذه وكذلك في مسألة مايو لو اقتنعت بخطأ موقفه اكف عن كوني جمهورياً، فطريقة طرحك للسؤال توحي بانني ادافع عن امور لست مقتنعاً بها بهدف التبرير وهذا احتمال، وهناك احتمال اخر هو انني ادافع عنها عن قناعة اين الحقيقة؟ لا اعتقد اننا نستطيع معرفتها بصورة قاطعة قد يكون موقفي تبريرياً ولكني ألبسه ثوب القناعة وقد أكون مقتنعاً بما ادافع عنه ولكنك لا تقبلين بان هذه قناعتي لانك تريدين سماع نقدي للفكرة الجمهورية.



    من ناحية اخرى الفكرة الجمهورية لا تختلف عن غيرها من الافكار، فالاسلام نفسه الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فيه ناحية عقدية وناحية عقلانية والبشر في تكوينهم النفسي هناك من يميل للعقائدية ومن يميل للعقلانية ففي صدر الاسلام كان هناك اصحاب العقيدة ولا شئ غيرها وهناك من اتجهوا للتفكير العقلاني والفلسفي والجدلي كالمعتزلة، وفي تاريخ الفكرة الجمهورية سيكون هناك اتجاه مشابه فنحن قريبي عهد بما حدث للاستاذ محمود ولذلك رؤيتنا قد تغلب عليها الناحية الدفاعية او العقائدية على الناحية العقلانية فالنفس البشرية بطبيعتها عندما يكون هناك هجوم عليها تتقوقع .



    الفكرة الجمهورية لو فشلت تماماً وانهارت واندثرت لكان ذلك دليلاً على عدم صحتها ولكن يجب اعطاء هذه الفكرة الفرصة الكافية ونفسح لها المجال باوسع مما استطاع تلاميذ الاستاذ محمود ايصاله للناس فالفكرة الجمهورية لم يمضي عليها زمن طويل بحساب عمر الافكار وحركات الاصلاح فالمسيحية مثلاً هي اليوم الدين الاول في العالم لم تنتصر الا بعد ثلاثة قرون من صلب السيد المسيح وحركات الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر اخذت وقتها كذلك.



    *هل كل من اختلف مع طرح الاستاذ محمود في قضية ما يصبح خارج اطار الفكرة الجمهورية بمعنى اخر ألا توجد مشروعية للتعددية داخل اطار الفكرة نفسها؟



    توجد مشروعية لذلك هناك اعتقاد انك لكي تكون جمهورياً يجب ان تعتقد بان الاستاذ محمود معصوماً ولا تقبل فكرة انه يمكن ان يخطئ، في اعتقادي ان الاستاذ محمود ليس معصوماً وقد اتبعته بقناعة ولو اتضح لي انني اختلف معه في امور اساسية سأنصرف عنه اما مسألة هل انا جمهوري ام غير جمهوري فمن الذي يحدد ذلك وما قيمته؟ انا من اصنف نفسي بانني جمهوري ام لا، ولذلك انا ادعو للدولة العلمانية وتفادياً لاشكالية المصطلح اسميها الدولة المدنية والغرض من هذه الدعوة هو ان تكون الدولة محايدة تجاه الدين حتى يتمكن الناس من ان يعيشوا قناعاتهم بحرية كاملة فاشكالية العقائدية تظهر عندما ترتبط بالسلطة لانك اذا خالفت رأياً في اطار السلطة الدينية فانك تعاني من تبعات ذلك بالاعتقال والتعذيب حياد الدولة تجاه الدين هو دعامة اساسية في تمكين حرية الاعتقاد وافساح المجال للتعددية والاختلاف في الرأي ولكن في حياد الدولة تجاه الدين وابتعادها عن اي شبهة ترجح وجهة نظر دينية عن الاخرى هو شرط لازم ولكنه غير كاف فلابد من ان يكون مصحوباً بالتربية.



    نحن باستمرار نعيش في عقول الاخرين! الكل مشغول بما يقوله الاخر عنه وهذا ما كان يحاول الاستاذ محمود باستمرار اضعافه حيث كان يدعو الى ان لا ننشغل بتقييم الاخرين لنا بل علينا ان ننشغل بمدى التزامنا بما نؤمن به من قيم، فمثلاً في عبادة الصلاة نجد المسلمين عموماً مشغولين جداً بان يظهروا امام بعضهم البعض بمظهر الورع، فنلاحظ ذلك عند دخول وقت الصلاة يحرص كل شخص على ان يلفت انتباه الاخرين لاهتمامه بالصلاة.



    الصلاة! هل توضأتم ؟ انا ذاهب لاتوضأ؟ وهكذا... الجمهوريون يحرصون على البعد من هذا السلوك فهم يصلون ولا يشعرون احداً بانهم يصلون فهناك عقدة عميقة الجذور في تربيتنا وفي مجتمعنا سواء المجتمع الشرقي او الغربي هي اننا نعيش في عقول الاخرين اكثر مما نعيش قناعاتنا، اخراج الدولة عن مجال الدين شرط لازم لبداية المجهود لاعادة تربيتنا بحيث اننا نعيش في عقولنا نحن لا في عقول الاخرين .



    *الا تعتقد ان الفكرة الجمهورية عندما تجدد في مجال العبادات تخلق حاجزاً بينها وبين جماهير المسلمين إذ أن هناك صعوبة في اقناع الناس بالتجديد في المعاملات فكيف يمكن اقناعهم بالتجديد في العبادات؟



    الفكرة الجمهورية لم تأت برأي جديد في العبادات بمعني انها قالت بترك الصلاة او الصيام او الحج، وانما جاءت برؤية جديدة في تجديد معنى العبادات ومنهجها بحيث يكون منهجاً مؤثراً في السلوك وهذا تحقيق لقيمة العبادة، الاستاذ محمود كان يقول اننا نصلى وسلوكنا ليس سلوك مسلمين ونصوم ولكننا نكذب ونغش فهناك خلل في عبادتنا لانها صحيحة شكلاً ولكنها ناقصة المحتوى فدعوته كانت لتغيير المحتوى وهو لم يدع احداً لترك الصلاة او ترك الحج وقد سمعته شخصياً يقول الذي لم يحج سوف يسأل عن عدم حجه.



    هل يؤدي الجمهوريون الحج وفق المناسك المقررة في الشريعة؟



    نعم وهناك جمهوريون حجوا وفق الشعائر المتعارف عليها منهم احمد عبد الرحمن العجب، وانا شخصياً انوي الحج فمن لم يحج وفقاً للشعائر يجب ان يكون له من العلم والحجج التي يجيب بها عندما يسأل عن ذلك ولا يكفي ان يقول الاستاذ محمود قال، يجب ان يكون له رؤية يستطيع الدفاع عنها.



    الاستاذ محمود لم يدع لترك اي من العبادات بل دعا لاحياء القيمة في العبادات ودعا للتفكر فيها.



    _ولكن هو في خاصة نفسه أليست له طريقة في العبادة تختلف عن الشريعة؟



    هذا يعيدنا الى الحديث عن العيش في عقول الاخرين فالاستاذ محمود بالتأكيد يعلم انه عندما لا يصلى الصلاة المتعارف عليها في الشريعة فان ذلك سيسبب له مشكلة في دعوته وهو في فترة من حياته كان يصلى صلاة الشريعة ويراه الناس يصلي ويذهب الى الجامع ولكنه في وقت معين قال ان له صلاه اصيلة, وقال عندما علمت ان الصلاة الواجبة على غير هذه الصلاة المعروفة للناس اصبحت امام خيارين: ان اصلى امام الناس الصلاة التي يعرفونها حتى يرونني اصلى وفي هذه الحالة اكون اصلى لهم هم وليس لله، او أن اصلى الصلاة التي أعرف ان الله أمرني بها وانا مسؤول عنها امام الله الذي يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور، فليس هناك قيمة ارفع من قيمة ان يعيش الانسان كما يقول فهذه المطابقة ليس هناك اصعب منها وليس هناك ماهو اقوى منها في الحجة فالاستاذ محمود عاش قناعته هو، اذا قناعته هذه اقنعت الاخرين فالحمد لله واذا لم تقنع الاخرين فهو لا يمكن ان يترك قناعته ليرضي الاخرين.



    وماذا عن موضوع الاضحية وصلاة التراويح وهي من الشعائر التي يتبنى فيها الاستاذ محمود رؤية مغايرة؟



    فيما يتعلق بالاضحية الاستاذ محمود عبر عن رأي واقتنع به كثيرون انا شخصياً مقتنع به وفي كل حياتي لم اضحي لدي قناعة بانها مسألة عنيفة وليست جوهرية في الدين.



    اما صلاة التراويح فهي ليست واجبة والجمهوريون يصلون صلاة القيام وهي اوجب من التراويح، نحن نتساءل عن قيمة ومضمون العبادة لا يوجد شئ يفعله الانسان سلباً او ايجاباً إلا ويسأل عنه هذه الامور يسأل عنها من عنده العلم المحيط بحقيقة دوافع ونوايا كل شخص



    ولكن في موضوع العبادة هل كل فعل يقوم به الانسان يجب ان تكون له تبريرات عقلية الا يقتضي الخضوع لله القيام بكثير من الاعمال دون تساؤل عن الحكمة لان عقل الانسان لا يحيط علماً باي شئ؟



    صحيح ولكن يجب ان تكون هناك قناعة ذاتية بذلك فمثلاً انا لا اكل لحم الخنزير لانني على قناعة بان الله حرمه لا لاي سبب اخر، وبالتالي ان كانت قناعتي ان الله لم يكلفني بذبح الاضحية فيجب ان لا اضحي واذا كانت قناعتي ان الله لم يأمرني بالتراويح فلا يجب على ان اصليها فيجب ان يعيش كل منا قناعته التي يستطيع الدفاع عنها امام الله، اما ان التزم بقناعات غيري فهذا يهدم الموضوع، فالعبادة لا تكون عبادة إلا إذا أداها الإنسان وهو مقتنع أن الله كلفه بها، وبما أنني غير مقتنع بأن الله كلفني بالأضحية فلا يمكن أن أضحي إرضاء للآخرين.



                  

02-05-2009, 07:04 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: الكيك)

    Quote: أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    : د.عبد الله النعيم لـ(أجراس الحرية) (1-3)


    العزيز الكيك،
    تحياتي وشكري على إنزال مقابلة د.عبد الله النعيم في جريدة أجراس الحرية.
    أرجو أن تنزل بقية النص. فهو 1 من 3 كما هو مبين في النص بعاليه.



    Quote:
    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1427
    --------------------------------------------------------------------------------
    الأحد 18-01-2009

    أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    : د.عبد الله النعيم لـ(أجراس الحرية) (1-3)

    أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    لم أقابل أحداً لديه المقدرة على أن يعيش ما يقول كالأستاذ محمود
    هناك من يجادلون في الجانب العرفاني للفكرة الجمهورية تهرباً من مواجهة جانبها العقلاني!
    لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً)!
    علاقتي بالاستاذ محمود ليست علاقة تابع بقائده بل علاقة تلميذ بأستاذه
    في اعتقادي الاستاذ محمود ليس معصوماً
    حياد الدولة تجاه الدين شرط لازم لتمكين حرية الاعتقاد
    الفكرة الجمهورية لم تدع لترك العبادات

    حوار: رشا عوض

    البروفسيور عبد الله احمد النعيم استاذ كرسي القانون بجامعة اموري بالولايات المتحدة الامريكية والخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان، من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه وصاحب مشروع فكري يهدف الى تأسيس مشروعية ثقافية للدولة العلمانية ولحقوق الانسان في المجتمعات المسلمة منطلقاً في ذلك من مرجعية الفكرة الجمهورية في هذا الحوار طرحنا عليه تساؤلاتنا حول الفكرة الجمهورية وتساؤلاتنا حول أبعاد وأهداف مشروعه الفكري فكان هذا الحوار:

    بعد مضي أربعة وعشرين عاما على استشهاد الأستاذ محمود ما زال الجانب العقدي في الفكرة الجمهورية يمثل حاجزاً بين الفكرة والجماهير بما حواه من افكار باطنية كمقام الأصيل والمسيح المحمدي ما رأيك في ذلك؟

    انا تلميذ للاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968م اذ استمعت اليه في محاضرة في ذلك التاريخ ولم اجد نفسي مختلفاً معه بل كانت قناعتي به تترسخ باستمرار لم تضعف ولم تتغير ولكنني اتهيب الحديث باسم الاستاذ محمود واحجم عن ذلك لأن فكره موجود ومشاع فلا يوجد من هو اقدر او ابلغ منه في الدفاع عن فكره، ولذلك فان كل ما اقوله اتحمل مسؤوليته شخصياً فلا اتحدث لا باسم الاستاذ محمود او غيره من الجمهوريين في اعتقادي ان الانجاز الحقيقي للاستاذ محمود لم يكن في المسائل العرفانية الجدلية وانما هو في مسألة اصولية بسيطة لو ألممنا بها لاغنتنا عن كل هذا الجدل والكلام عن الاصيل الواحد والوقت والمسيح فهذه كلها قضايا انصرافية عن القضية الاساسية اي قضية تغيير الانسان لنفسه، على المستوى الشخصي انا لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً) قضيتي ببساطة هي ان الاستاذ محمود قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة اصلح بها نفسه وقد عشت معه ثمانية عشرة عاماً ولم اجد من هو اكمل منه في اية قيمة انسانية، فاهتمامي في المقام الاول هو ان اتعلم من هذا الرجل واستفيد من تجربته ومنهجه لأغير نفسي فاذا نجحت في ذلك في خاصة نفسي فكل المشاكل الاخرى محلولة واذا لم انجح فلن تحل اية مشكلة، فاذا كان الاستاذ محمود هو المسيح وجاء الان لن يحل مشكلتي اذا لم احلها بنفسي وعندما اقول ذلك فانا لا اعني ان المسائل الجدلية لن تظل تثير الجدل لكنني اتساءل بعيداً عن المسائل الجدلية ماذا عن بقية ما طرح الاستاذ محمود، في اعتقادي ان التركيز على المسائل الجدلية والانصراف عن القضايا الاخرى وهي اكثر اصولية واصالة وهي قضايا واضحة ومباشرة فيه اختلال، فيجب ان نتيح الفرصة لمناقشة ما طرحه الاستاذ محمود في السلوك و العبادة والمعاملة.

    *الاستاذ محمود قدم منهجه للتغيير على اساس انه يتلقى العلم من مصدر عرفاني متعالي على المعرفة البشرية لا على اساس عقلاني فهل تحتاج مجتمعاتنا الغارقة اصلاً في الغيبيات الى تكريس العقلانية ام العرفانية؟

    في اعتقادي ليس هناك تناقض بين المعرفة العقلانية والمعرفة العرفانية فهما غير متضادتين ولذلك ليس صحيحاً ان الاستاذ محمود بتقديمه للعرفانية فرط في العقلانية بل على العكس الاستاذ محمود اكد العقلانية وهو لا يذكر الامور العرفانية الا عندما يسأل عنها، طرح الاستاذ محمود طرح عقلاني فمسائل تطوير التشريع واتباع منهج محمد وكل ما قاله ومارسه عملياً يدل على ان العرفانية كانت نتاجاً للعقلانية وليست نقيضاً لها والذين يتجهون للعرفانية دون العقلانية يرتبكون لأنهم يعزلون العرفانية عن منهجها فما طرحه الاستاذ محمود في منهج التربية مثلاً هو منهج عقلاني ففيه توجيهات بعدم الكذب والصلاة في اوقاتها وقيام الليل وحسن معاملة الاخرين ومتابعة النفس (طردا وعطفاً) من الخارج للداخل وفن الداخل للخارج، في اعتقادي ان الذين يركزون على المسائل الجدلية يفعلون ذلك تهرباً من مواجهة المسائل العقلانية فالجانب العرفاني هو نتاج للجانب العقلاني والجانب السلوكي، حجة الاستاذ محمود الدامغة هي مقدرته على ان يعيش ما يقول ففي عمري الذي امتد لاثنين وستين عاماً لم اقابل احداً لديه المقدرة على ان يعيش ما يقول كالاستاذ محمود ففي قياداتنا هنا في السودان وبكل احترام لا توجد قيادة تعيش ما تقول باي قدر ومقدرة الانسان على ان يعيش ما يقول هي اقوى حجة على صحة طرحه واقوى من الجدل حول العرفانية والعقلانية .

    *الجمهوريون اليوم عندما يطرحون فكر الاستاذ محمود يطرحونه بافتراض انه الفكر الوحيد القادر على تقديم الرؤية الدينية الصحيحة بشأن القضايا المعاصرة أليس هذا النهج شبيهاً بنهج الجماعات السلفية التي تتمسك برؤية وحيدة وتنكر تعددية الاجتهادات؟

    كل من يطرح طريقاً في التجديد لابد ان يطرح طريقاً واحداً فلا يمكن ان يطرح طريقين في نفس الوقت، كل ما يقدمه تلاميذ الاستاذ محمود يعبر عن اجتهاداتهم الفردية وكل واحد منهم يمكن ان يخطئ ويصيب، فيجب الرجوع الى الاستاذ محمود في مصادر ومراجع فكره المتاحة ونموذج حياته ولكن عندما يقدم كل منا رؤاه في القضايا المطروحة يقدم قناعته هو في مقابل قناعات اخرى وبالتالي يكون السؤال المشروع هل نقبل النقاش والاخذ والرد حول ما نطرح ام لا ام ان لدينا تصلب وعدم احتمال للاخر، من معايشيتنا للاستاذ محمود نستطيع ان نقول كلما قدم تلاميذه افكارهم ووجهات نظرهم بصورة مفتوحة وقابلة للاخذ والرد كلما كانوا اصدق في تقديمهم لرؤية الاستاذ محمود وبقدر ما قدموا افكارهم بصورة متعنتة ومتصلبة وعنيفة وضائقة بالرأي الاخر بقدر ما يكون هؤلاء التلاميذ رجالاً او نساء مقصرين في ايصال رؤية الاستاذ محمود فسعة الصدر واحتمال الرأي الاخر ورد الحجة بالحجة هي سمة عمل الاستاذ محمود.

    *هناك سلفيون لديهم سعة صدر ويستمعون للرأي الاخر ويجادلوه ولكنهم يستبطنون فكرة امتلاك الحقيقة الكاملة وبالتالي هم يجادلون الاخر لهدايته واقناعه فليس هناك افتراض بامكانية ان يمتلك الاخر جزءاً من الحقيقة الدينية وبالتالي له دوره في الاصلاح من موقعه هو، وهناك جمهوريون يستبطنون ذات الفكرة ألا يشكل ذلك بذرة للإقصاء والأحادية؟

    هذا صحيح في حق كثير من الجمهوريين بمن فيهم شخصي لاننا لم ننتفع من معيتنا للاستاذ محمود بالقدر الكافي بحيث نتجاوز هذه النزعة الانسانية، فالانسان بطبعه لديه هذا الميل لادعاء امتلاك الحقيقة، تلاميذ الاستاذ محمود لا يتجاوزوا قصورهم الانساني بمجرد معيتهم للاستاذ محمود ولا يتجاوزوها بقدر متساوي فمنهم من هو اقرب للاستاذ محمود والقرب الى هذا النموذج لا يكون بمجرد القدرة على الجدل والنقاش وتقديم الحجج او (الفهلوة) بل بالسلوك وتمثل القيم، والتواضع قيمة مهمة جداً فمن يعتقد ان الحقيقة عنده هو تكون في الواقع حقيقة غيره هي التي عنده، الاستاذ محمود هو الذي حقق حقيقته بالمجاهدة الطويلة وبالثمرة الواضحة نحن _ تلاميذه_ اتينا لنقدم حقيقته هو وكأنها حقيقيتنا نحن! وفي هذا عدم تواضع يجب ان ننقل رؤية الاستاذ محمود كما حققها هو ونعترف اننا نسعى قدر طاقتنا في تحقيقها وقطعاً انا ناقص ومقصر في هذا ولكن نقصي وقصوري لا يحسب على الاستاذ محمود.

    *من معوقات التطور في مجتمعنا غياب العقلية النقدية ومن الملاحظ انعدام الحس النقدي تجاه الفكرة الجمهورية فالاستاذ محمود فوق النقد تماماً لاعتبارات عرفانية، وعادة ما يورد الجمهوريون ان الفكرة لا تحتاج الى تطوير بل الواقع هو الذي يجب ان يرقى لمستوى الفكرة وبالتالي يسود المنطق التبريري عند مناقشة اخطاء الجمهوريين مثل تأييد نظام نميري وقبل ذلك التظاهر ضد القانون الذي سنه المستعمر لمنع ختان الاناث ما تعليقك على ذلك؟

    انا علاقتي بالاستاذ محمود هي علاقة تلميذ باستاذه لا علاقة تابع بقائده، فاذا تشكلت لدي قناعة تخالف الاستاذ محمود في مسألة اساسية لديه اكف عن ان اكون تلميذاً له وعندما يدافع الجمهوريون عن افكار ومواقف الاستاذ محمود يفعلون ذلك عن قناعة وليس بمنطق تبريري، مثلاً في الموقف من مايو هناك تلاميذ للاستاذ محمود انصرفوا عنه وكفوا عن كونهم جمهوريين فانا لو كنت اعتقد ان الاستاذ محمود مخطئ في حادثة رفاعة (التظاهر ضد قانون خفاض البنات) فانا سوف اكف عن كوني تلميذه وكذلك في مسألة مايو لو اقتنعت بخطأ موقفه اكف عن كوني جمهورياً، فطريقة طرحك للسؤال توحي بانني ادافع عن امور لست مقتنعاً بها بهدف التبرير وهذا احتمال، وهناك احتمال اخر هو انني ادافع عنها عن قناعة اين الحقيقة؟ لا اعتقد اننا نستطيع معرفتها بصورة قاطعة قد يكون موقفي تبريرياً ولكني ألبسه ثوب القناعة وقد أكون مقتنعاً بما ادافع عنه ولكنك لا تقبلين بان هذه قناعتي لانك تريدين سماع نقدي للفكرة الجمهورية.

    من ناحية اخرى الفكرة الجمهورية لا تختلف عن غيرها من الافكار، فالاسلام نفسه الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فيه ناحية عقدية وناحية عقلانية والبشر في تكوينهم النفسي هناك من يميل للعقائدية ومن يميل للعقلانية ففي صدر الاسلام كان هناك اصحاب العقيدة ولا شئ غيرها وهناك من اتجهوا للتفكير العقلاني والفلسفي والجدلي كالمعتزلة، وفي تاريخ الفكرة الجمهورية سيكون هناك اتجاه مشابه فنحن قريبي عهد بما حدث للاستاذ محمود ولذلك رؤيتنا قد تغلب عليها الناحية الدفاعية او العقائدية على الناحية العقلانية فالنفس البشرية بطبيعتها عندما يكون هناك هجوم عليها تتقوقع .

    الفكرة الجمهورية لو فشلت تماماً وانهارت واندثرت لكان ذلك دليلاً على عدم صحتها ولكن يجب اعطاء هذه الفكرة الفرصة الكافية ونفسح لها المجال باوسع مما استطاع تلاميذ الاستاذ محمود ايصاله للناس فالفكرة الجمهورية لم يمضي عليها زمن طويل بحساب عمر الافكار وحركات الاصلاح فالمسيحية مثلاً هي اليوم الدين الاول في العالم لم تنتصر الا بعد ثلاثة قرون من صلب السيد المسيح وحركات الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر اخذت وقتها كذلك.

    *هل كل من اختلف مع طرح الاستاذ محمود في قضية ما يصبح خارج اطار الفكرة الجمهورية بمعنى اخر ألا توجد مشروعية للتعددية داخل اطار الفكرة نفسها؟

    توجد مشروعية لذلك هناك اعتقاد انك لكي تكون جمهورياً يجب ان تعتقد بان الاستاذ محمود معصوماً ولا تقبل فكرة انه يمكن ان يخطئ، في اعتقادي ان الاستاذ محمود ليس معصوماً وقد اتبعته بقناعة ولو اتضح لي انني اختلف معه في امور اساسية سأنصرف عنه اما مسألة هل انا جمهوري ام غير جمهوري فمن الذي يحدد ذلك وما قيمته؟ انا من اصنف نفسي بانني جمهوري ام لا، ولذلك انا ادعو للدولة العلمانية وتفادياً لاشكالية المصطلح اسميها الدولة المدنية والغرض من هذه الدعوة هو ان تكون الدولة محايدة تجاه الدين حتى يتمكن الناس من ان يعيشوا قناعاتهم بحرية كاملة فاشكالية العقائدية تظهر عندما ترتبط بالسلطة لانك اذا خالفت رأياً في اطار السلطة الدينية فانك تعاني من تبعات ذلك بالاعتقال والتعذيب حياد الدولة تجاه الدين هو دعامة اساسية في تمكين حرية الاعتقاد وافساح المجال للتعددية والاختلاف في الرأي ولكن في حياد الدولة تجاه الدين وابتعادها عن اي شبهة ترجح وجهة نظر دينية عن الاخرى هو شرط لازم ولكنه غير كاف فلابد من ان يكون مصحوباً بالتربية.

    نحن باستمرار نعيش في عقول الاخرين! الكل مشغول بما يقوله الاخر عنه وهذا ما كان يحاول الاستاذ محمود باستمرار اضعافه حيث كان يدعو الى ان لا ننشغل بتقييم الاخرين لنا بل علينا ان ننشغل بمدى التزامنا بما نؤمن به من قيم، فمثلاً في عبادة الصلاة نجد المسلمين عموماً مشغولين جداً بان يظهروا امام بعضهم البعض بمظهر الورع، فنلاحظ ذلك عند دخول وقت الصلاة يحرص كل شخص على ان يلفت انتباه الاخرين لاهتمامه بالصلاة.

    الصلاة! هل توضأتم ؟ انا ذاهب لاتوضأ؟ وهكذا... الجمهوريون يحرصون على البعد من هذا السلوك فهم يصلون ولا يشعرون احداً بانهم يصلون فهناك عقدة عميقة الجذور في تربيتنا وفي مجتمعنا سواء المجتمع الشرقي او الغربي هي اننا نعيش في عقول الاخرين اكثر مما نعيش قناعاتنا، اخراج الدولة عن مجال الدين شرط لازم لبداية المجهود لاعادة تربيتنا بحيث اننا نعيش في عقولنا نحن لا في عقول الاخرين .

    *الا تعتقد ان الفكرة الجمهورية عندما تجدد في مجال العبادات تخلق حاجزاً بينها وبين جماهير المسلمين إذ أن هناك صعوبة في اقناع الناس بالتجديد في المعاملات فكيف يمكن اقناعهم بالتجديد في العبادات؟

    الفكرة الجمهورية لم تأت برأي جديد في العبادات بمعني انها قالت بترك الصلاة او الصيام او الحج، وانما جاءت برؤية جديدة في تجديد معنى العبادات ومنهجها بحيث يكون منهجاً مؤثراً في السلوك وهذا تحقيق لقيمة العبادة، الاستاذ محمود كان يقول اننا نصلى وسلوكنا ليس سلوك مسلمين ونصوم ولكننا نكذب ونغش فهناك خلل في عبادتنا لانها صحيحة شكلاً ولكنها ناقصة المحتوى فدعوته كانت لتغيير المحتوى وهو لم يدع احداً لترك الصلاة او ترك الحج وقد سمعته شخصياً يقول الذي لم يحج سوف يسأل عن عدم حجه.

    هل يؤدي الجمهوريون الحج وفق المناسك المقررة في الشريعة؟

    نعم وهناك جمهوريون حجوا وفق الشعائر المتعارف عليها منهم احمد عبد الرحمن العجب، وانا شخصياً انوي الحج فمن لم يحج وفقاً للشعائر يجب ان يكون له من العلم والحجج التي يجيب بها عندما يسأل عن ذلك ولا يكفي ان يقول الاستاذ محمود قال، يجب ان يكون له رؤية يستطيع الدفاع عنها.

    الاستاذ محمود لم يدع لترك اي من العبادات بل دعا لاحياء القيمة في العبادات ودعا للتفكر فيها.

    _ولكن هو في خاصة نفسه أليست له طريقة في العبادة تختلف عن الشريعة؟

    هذا يعيدنا الى الحديث عن العيش في عقول الاخرين فالاستاذ محمود بالتأكيد يعلم انه عندما لا يصلى الصلاة المتعارف عليها في الشريعة فان ذلك سيسبب له مشكلة في دعوته وهو في فترة من حياته كان يصلى صلاة الشريعة ويراه الناس يصلي ويذهب الى الجامع ولكنه في وقت معين قال ان له صلاه اصيلة, وقال عندما علمت ان الصلاة الواجبة على غير هذه الصلاة المعروفة للناس اصبحت امام خيارين: ان اصلى امام الناس الصلاة التي يعرفونها حتى يرونني اصلى وفي هذه الحالة اكون اصلى لهم هم وليس لله، او أن اصلى الصلاة التي أعرف ان الله أمرني بها وانا مسؤول عنها امام الله الذي يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور، فليس هناك قيمة ارفع من قيمة ان يعيش الانسان كما يقول فهذه المطابقة ليس هناك اصعب منها وليس هناك ماهو اقوى منها في الحجة فالاستاذ محمود عاش قناعته هو، اذا قناعته هذه اقنعت الاخرين فالحمد لله واذا لم تقنع الاخرين فهو لا يمكن ان يترك قناعته ليرضي الاخرين.

    وماذا عن موضوع الاضحية وصلاة التراويح وهي من الشعائر التي يتبنى فيها الاستاذ محمود رؤية مغايرة؟

    فيما يتعلق بالاضحية الاستاذ محمود عبر عن رأي واقتنع به كثيرون انا شخصياً مقتنع به وفي كل حياتي لم اضحي لدي قناعة بانها مسألة عنيفة وليست جوهرية في الدين.

    اما صلاة التراويح فهي ليست واجبة والجمهوريون يصلون صلاة القيام وهي اوجب من التراويح، نحن نتساءل عن قيمة ومضمون العبادة لا يوجد شئ يفعله الانسان سلباً او ايجاباً إلا ويسأل عنه هذه الامور يسأل عنها من عنده العلم المحيط بحقيقة دوافع ونوايا كل شخص.

    ولكن في موضوع العبادة هل كل فعل يقوم به الانسان يجب ان تكون له تبريرات عقلية الا يقتضي الخضوع لله القيام بكثير من الاعمال دون تساؤل عن الحكمة لان عقل الانسان لا يحيط علماً باي شئ؟

    صحيح ولكن يجب ان تكون هناك قناعة ذاتية بذلك فمثلاً انا لا اكل لحم الخنزير لانني على قناعة بان الله حرمه لا لاي سبب اخر، وبالتالي ان كانت قناعتي ان الله لم يكلفني بذبح الاضحية فيجب ان لا اضحي واذا كانت قناعتي ان الله لم يأمرني بالتراويح فلا يجب على ان اصليها فيجب ان يعيش كل منا قناعته التي يستطيع الدفاع عنها امام الله، اما ان التزم بقناعات غيري فهذا يهدم الموضوع، فالعبادة لا تكون عبادة إلا إذا أداها الإنسان وهو مقتنع أن الله كلفه بها، وبما أنني غير مقتنع بأن الله كلفني بالأضحية فلا يمكن أن أضحي إرضاء للآخرين.

    (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 02-05-2009, 07:15 PM)

                  

02-07-2009, 08:50 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    Quote: العزيز هشام،
    تحيتي وتقديري لمواظبتك على التواصل مع قادة الراي والقوى الحية وسط مثقفينا، الذين نرجو ان يتخلصوا من إدمان الفشل! وهنا صورة لدالي في ركن الجمهوريين الشهير. أرسى ذلك الركن دعائم الحوار الحر، أهم ركيزة من ركائر الديمقراطية الحقة. وهذه الحالة السودانية المتفردة، التي زرعها الأستاذ محمود محمد طه في صلب التجربة الديمقراطية السودانية ما زالت تتوالد في الجامعات السودانية. وعلى الرغم من غياب الجمهوريين عن النشاط العام، فإن ثمارهم لم تغب، بل هي تؤتي أكلها كل حين. تصور أن للوهابية أركان في الجامعات!! وقارن وهابية السودان بواهبية السعودية، وسترى بأن وهابية السودان غاية في التحضر وغاية في التحلي بمتطلبات النظام الديمقراطي - مقارنة مع رصفائهم في السعودية. وهذه ثمرة واحدة مما غرسه دالي والجمهوريون ما زالت تثمر ثمراً كثيراً. تصور أن يقول لك وهابي "تعال نناقش المسالة دي،" بدلاً من أن يضربك. أوليس هذا إضافة كبرى من إضافات الجمهوريين للتطور الديمقراطي، ليس في السودان فحسب، بل في العالم الإسلامي والعربي؟ أقول ذلك لأنني لا أشك بأن التجربة السودانية ستصبح تجربة مثالية في المستقبل القريب، بعد أن نشفى من الأمراض التي زرعها مشروع الهوس الديني في حواشي بنيتنا الديمقراطية الصلدة!

    أركان النفاش، كظاهرة يومية، لا توجد إلا في الجامعات السودانية. وهي، على الرغم من قمع السلطة الحاكمة للمعارضين، من أهم المتنفسات ضد الطغاة. وقد كان لها، وما زال، أثر عميق في تخفيف حدة الهوس الديني.

    خذ الصورة لدالي، ثم مزيد من التعليق بعدها!





    د. أحمد مصطفي دالي، في ركن النقاش الشهير وقتها -في الثمانينيات- في جامعة الخرطوم.

    ومعلوم أن الجمهوريين هم أول من أسس أركان النقاش في الجامعات والأماكن العامة. وكان دالي من الرواد الأوائل في هذا الباب. أول من بدأ أركان النقاش في الجامعة كان الدكتور الجمهوري عبد الرحيم الريح، عندما كان طالباً في الجامعة. ولكن تلك الأركان لم تزدهر بالصورة التي عرفت بها لاحقاً إلا بعد دخول أحمد دالي للجامعة (كلية العلوم) وتوليه لها. ثم دخل د.عمر القراي كلية الاقتصاد، وبدأ بعد فترة يدير الأركان بالتناوب مع أحمد دالي. كان ذلك في السبعينيات. وقد أصبحت أركان النقاش قبلة لكل الطلبة الأذكياء، المتفتحين. كان قبلة للذين يريدون المزاوجة بين الفكر الديني والعلم المادي التجريبي الذي يتلقونه في جامعة الخرطوم.

    بدأت الأركان في جامعة الخرطوم ثم انتشرت إلى بقية الجامعات، مثل القاهرة فرع الخرطوم، والتي كان يدير ركن النقاش فيها الأستاذ متوكل مصطفي حسين، والأستاذة سمية محمود محمد طه، والأستاذة هدي نجم. وكان بعضنا يدير أركان نقاش في المدارس الثانوية. ومن هذه، مثلاً، مدرسة كوستي الثانوية، التي كنت أدير ركن النقاش فيها في فترة دراستي في تلك المدرسة. أي أن أركان النقاش أصبحت تقليداً راسخاً من تقاليد العمل الفكري في مؤسسات التعليم المختلفة، بخاصة الجامعات. ذلك بعد أن أرسى الجمهوريون هذا التقليد الراسخ، الذي أصبح ظاهرة متميزة للجامعات السودانية، لا يوجد لها شبيه في كل جامعات العالم!

    وكان المهرجون، بخاصة من المهووسين، من يصفهم الأخ الكريم الكيك بوصف "الطرشان،" ينزعجون، غاية الانزعاج، من هذه الأركان. ذلك لأنها كانت تكشف فسادهم ومتجارتهم بالدين واستخدامهم له كوسيلة سياسية للكسب المادي وللانقضاض على السلطة.
                  

02-10-2009, 03:59 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    Quote: وكان المهرجون، بخاصة من المهووسين، من يصفهم الأخ الكريم الكيك بوصف "الطرشان،" ينزعجون، غاية الانزعاج، من هذه الأركان. ذلك لأنها كانت تكشف فسادهم ومتجارتهم بالدين واستخدامهم له كوسيلة سياسية للكسب المادي وللانقضاض على السلطة.

                  

02-13-2009, 11:45 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    شكرا حيدر على المتابعة
    واضيف هنا رايا اخوانيا اخر وهو راى متطرف بلا شك ارى ان التعليق عليه واجب من الجميع
    الراى للطيب مصطفى الاخوانى المتطرف فى حزب ا لمؤتمر الوطنى الحاكم ..

    نشره فى صحيفته الانتباهة....... الغفلانة


    محمود محمد طه!!
    كتب الطيب مصطفى
    Wednesday, 11 February 2009

    zafrat.jpg
    زفرات حرى

    الطيب مصطفى

    محمود محمد طه!!

    لعل القراء الكرام يتساءلون عن السر الذي يجعل صحيفة (أجراس الكنائس) التي تعبِّر عن الحركة الشعبية ومشروعها القمئ المسمى بالسودان الجديد تحتفي كل هذا الاحتفاء بالمرتد محمود محمد طه وتفرد لتمجيده مئات المقالات المسبِّحة بحمد الرجل الذي أسقط عن نفسه الصلاة وأنكر كل شعائر الإسلام وشرائعه؟! ما الذي يجعل صحيفة الحركة الشعبية وجون قرنق وباقان أموم وغيرهما ممن أعلنوا الحرب على الإسلام تُفرد كل هذه المساحات لرجل أفتى قضاة السودان وعلماء الأمة خارج السودان بردَّته وخروجه على الدين؟!

    لم أجد إجابة على ذلك غير الطعن في دين الله والتلبيس على الناس وإقامة مسجد ضرار من خلال الدعوة إلى الدين الجديد لمحمود محمد طه.

    صبَّرتُ نفسي حتى أكملت قراءة حلقة واحدة من حوارات أُجريت مع أحد دهاقنة ما يسمى بالفكر الجمهوري وهو د. عبد الله النعيم الذي حظي بتغطية واسعة وحضور كبير في تلك الصحيفة خلال زيارته العابرة للسودان من مهجره في أمريكا التي احتضنت عددًا من الجمهوريين الذين غادروا السودان في أعقاب مهلك زعيمهم وعندما فرغت من قراءة الحوار الذي يصب في مخطَّط إحياء العظام وهي رميم... أعني عظام التخليط والتخريف الذي جاء به الرجل قبل مصرعه.

    العجيب أن عبد الله النعيم الذي تُصر (اجراس الحرية) والعلمانيون على الاستنجاد به من أجل إحياء رميم ما يُسمى بالفكر الجمهوري تنصَّل من كثير مما كان يؤمن به قديماً بل إن ابنة محمود محمد طه (أسماء) التي احتفى بها العلمانيون كذلك عندما قدمت من مهجرها في زيارة قصيرة ما عادت تؤمن بما كانت تعتقده في السابق وقد كتبتُ من قبل معلقاً على حوار أُجري معها ويبدو أن كثيرين من الجمهوريين كانوا يعتقدون أن (محمود) لن يموت قبل أن يكمل رسالته ولعل ذلك ما جعل بعضهم يهتف عقب سقوط جثمان الرجل في هذيان محموم (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم) مشبِّهين الرجل بعيسى بن مريم عليه السلام بالرغم من أنهم كانوا يعتقدون أنه أعظم من الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم!!

    أكبر دليل على كفر عبد الله النعيم بالفكر الجمهوري وبرسوله القديم وعلى رجوعه إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أن الرجل (عبد الله النعيم) اعترف بأن محمود ليس معصومًا بل انه قال إن علاقته بمحمود ليست علاقة تابع بقائده وإنما علاقة تلميذ بأستاذه ثم اعترف بأنه حتى علاقة الأستاذ بتلميذه يمكن أن ينزعها عن الرجل متى ما خالفت قناعاته كما في حادثة تظاهر محمود محمد طه ضد قانون الختان الفرعوني الذي شرعه الاستعمار الانجليزي... بل أهم من ذلك فإن عبد الله النعيم قال إنه ينوي أداء فريضة الحج بالرغم من أن أستاذه وقائده القديم وصف الحج بأنه وثنية!!

    عبد الله النعيم تحدَّث بشجاعة عن ترك محمود محمد طه للصلاة لأنه (أُمر بصلاة غيرها) أي غير التي فُرضت على الرسول الخاتم والخلفاء الراشدين والصحابة والمسلمين أجمعين.. أي شيطان يا تُرى ذلك الذي أمر محموداً هذا بصلاة غير التي صلاها محمد رسول الله ونزل بها القرآن الكريم والتي تعتبر الركن الأول في شعائر الإسلام وعباداته؟!

    ليت عبد الله النعيم سأل أستاذه عن طبيعة (الوحي) الذي أمره بأن يبدل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جديدة لا يشاركه فيها أو يعرف كنهها أحد من العالمين... هل هو الروح الأمين (جبريل) أم شيطان مريد هو الذي ساقه إلى نقض عرى الإسلام عروة عروة وهو الذي يسوق هؤلاء المسبِّحين بحمد محمود والمفردين له صحائفهم للتلبيس على الناس وللصد عن سبيل الله.

    عبد الله النعيم الذي خرج من علاقة التابع لرسول (الرسالة الثانية) التي توهم هذا الشيطان أنه ابتعث ليبلِّغ بها وأصدر في ذلك كتاباً يقرأه الناس... عبد الله النعيم هذا والذي كان من أكثر المقرَّبين لمحمود قبل هلاكه ربما يكون من أولئك الذين حضروا مصرع الرجل في سجن كوبر ورأى فضيحة ارتجاف الرجل وربما كان ذلك مما هزَّ قناعاته هذا بالطبع بخلاف الوهم الذي عشعش في عقولهم بأن الرجل معصوم من أن يُقتل قبل أن يكمل رسالته فلما تبين لهم حقيقته انفضوا عنه رغم احتفاظهم ببعض تخاريفه!!!

    مما أثار انتباهي ذلك المقال الذي كتبه فيصل محمد صالح منتقدًا موقف الجمهوريين من الصراع الفلسطيني الصهيوني فقد انتقد فيصل الذي يتبنى حسب علمي العلمانية وهو ممن كانوا مفتونين بمحمود محمد طه... انتقد ما صرحت به ابنة زعيم الجمهوريين أسماء محمود محمد طه والتي قالت إن (أصل الخلاف أن إسرائيل تريد السلام بينما الفلسطينيون وبعض محرِّضيهم من العرب لا يريدون ذلك بل يريدون إلقاء إسرائيل في البحر)!!

    أحمد لفيصل محمد صالح موقفه المساند للمقاومة الفلسطينية وأقول إنه ربما لا يعرف أن اسماء تجتر موقف والدها من القضية الفلسطينية حيث ظل الرجل يساند دولة الكيان الصهيوني... أكثر من ذلك فإن محمود محمد طه يعارض الجهاد في سبيل الله ولذلك لا غرو أن تفتح أمريكا أبوابها للجمهوريين الذين يعمل عدد منهم الآن (مترجمين) ضمن القوات الأمريكية العاملة في العراق.!!

    أفهمتم الرابط بين الحركة الشعبية التي تحتفي صحيفتها بمحمود محمد طه وبين أمريكا وإسرائيل؟! أفهمتم لماذا رفض ياسر عرمان إدانة العدوان الصهيوني على غزة من داخل البرلمان؟! أفهمتم أن هؤلاء جميعهم يصدرون عن مرجعية واحدة هي مرجعية الكيد للإسلام؟!

    بقيت لي كلمة أخيرة أخاطب بها الأخ محجوب عروة الذي لا يزال ينتمي إلى مدرسة الإسلام... هل تُراه يتقرَّب إلى الله تعالى بإفساح المجال لبعض العلمانيين لتمجيد محمود محمد طه والدعوة إلى تخليطه وكفره البواح؟! ذات السؤال أطرحه على الأخ النور أحمد النور.

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de