دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟
|
الاستاذ عبد الله على ابراهيم ابتعد منذ زمن طويل على التفاعل مع قضايا الوطن اليومية والتعليق او الكتابة عن اى شان يحرجه مع اهل الانقاذ والاخوان المسلمين00 وتفرغ للكتابة فى كل ما يسيىء للدكتور منصور خالد والتعليق على القضايا الهامشية التى لا تمس المواطن السودانى وقضاياه ومشاكله المتعددة سواء كانت اقتصادية او سياسية او اجتماعية 00 وانما دائماما يثير قضايا انصرافية مثل ما كتبه عن المرحوم عبد الخالق وكيف ان الخاتم عدلان افحمه بمقال رصين اتمنى ان اجده او ينزله اى واحد من اهل البورد الكرام استضافت طيبة برس لاستاذ عبد الله ليتحدث عن السودان المريض فى ذكرى الاستفلال فانحرف بالمحاضرة الى شانه الخاص واعلن من منبره ترشيحه لرئاسة الجمهورية التى لم يتحدث او يكتب عنها يوما وهى تواجه قضية محكمة الجنايات الدولية .. مما ادى لاستياء الحاضرين وفسره الدكتور حيدر ابراهيم بانه نوع من التدليس واوضح الزميل فيصل الموقف لاجهزة الاعلام بصفته المدير العام عن انحراف المحاضر عن العنوان المتفق عليه .. ولكن هناك سؤال بديهى لماذا فعل المحاضر ذلك ..؟انا اعتقد انه هروب من الولايات المتحدة ومحكمته التى على وش الانعقاد هناك فى القضية الى سو يرفعها عليه منصور خالد باشانة السمة من خلال مقالات استمرت لمدة عام يتهم فيها الدكتور منصور بعمالته للمخابرات اامريكية دون ان يثبت ذلك ..والقضية الان فى ايدى محامين ..اذن اما حكاية ترشيحه وهذا من حقه بالطبع ن يرشح نفسه ولكن هو متهم من قبل الدكتور منصور خالد باشانة السمعة وقضيته عند احد المحامين فى ولاية ميسورى الامريكية حيث يعيش الان بعيدا عن دولة المشروع الحضارى التى يدافع عنها ويغبش المسائل من اجلها بمقالاته التى ينشرها فى صحيفة الراى العام كل اسبوع 0 ولعله يريد الابتعاد عن مكان القضيىة هروبا من مواجهتها الى الداخل معلنا ترشيحه معتقدا انه يستطيع الهروب من العدالة التى سوف تبحثها المحكمة الامريكية فى شان ما اثاره واتهم فيها اخرين 00
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وهذا هو مقال الاستاذالمرحوم الخاتم فى الرد على عبد الله على ابراهيم كتبه هنا فى موقع سودانييز اوون لاين وتم نشره فى صحيفة الاضواء ابان رئاسة الزميل فيصل محمد صالح لتحريرها فى فترتها الذهبية 00 المقال نشر 15\2\2005 فالى المقال
هذا مقالي للأضواء الغراء هذا الأسبوع، وهو يتعرض لمحاولات الدكتور عبد الله علي إبراهيم للإعدام المعنوي لعبد الخالق محجوب، بعد أن قتله أعداؤه جسديا.
بين الدكتور عبد الله على إبراهيم، والأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب:
لا يكتفي الدكتور عبد الله علي إبراهيم، بأقل من الإعدام المعنوي لليسار، ممثلا في واحد من أوضأ رموزه: الأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب. ومن خلال إشارات مبثوثة في عدد لا يحصى من المقالات، يحاول عبد الله على إبراهيم أن يمدح عبد الخالق محجوب بأن ينسب إليه قيما ومواقف لم تكن حياة الشهيد وموته، إلا نفيا ودحضا لها. وإذا كان ما حدث لعبد الخالق محجوب صبيحة الثامن والعشرين من يوليو 1971، إعداما جسديا إجراميا نفذه حاكم معتوه، فإن رد فعل عبد الخالق عليه، قد مثل الدرجة العليا من التسامي الفردي، والبطولة الإنسانية، والشجاعة العقلية، التي ألهمت أجيالا من الشعراء والرسامين والمبدعين، بقدر ما ألهمت المناضلين في كل الدروب. ومصدر الإلهام هنا لم بكن تلك الوقفة الأسطورية وحدها، بل كانت السيرة كلها، والقيم التي أضاءت تلك السيرة، والتي لم يزدها الإعدام الجسدي إلا جلاء. أي أن عبد الخالق محجوب، لم يعد منذ تلك المأثرة الباهرة التي خطها بموته، سوى تلك القيم التي عاش من أجلها، وجاد بروحه ودمائه لإضاءتها وسقياها. وهو قد قال لنا بفعله ذاك: جسدي فداء لفكري، دمي زيت لقيمي، عبوري ثمن لبقاء معناي. فإذا أتي من ينسب لعبد الخالق قيما ومواقف نقيضة لما كان يؤمن به، ويرفعها علما على ذكراه، مع كل آيات التمجيد الزائفة وحسرات الفراق المفتعلة، فإنه يحاول إتيان جريمة أفظع من القتل الجسدي، وهي قتل المعنى. وهذا هو ما ظل يمارسه عبد الله علي إبراهيم منذ أن زلزلته الإنقاذ بحضورها الرهيب، وخلعت فؤاده وكسرت جبارته. في كتابه عن الترابي كزعيم للتجديد الإسلامي في السودان، وعن إمكانية حكم البلاد بواسطة فئة القضاة الشرعيين، يورد عبد الله علي إبراهيم الإهداء التالي: " إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم." ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق. وهي فكرة ليست كاذبة فحسب، بل هي غبية كذلك. لقد أتهم عبد الخالق محجوب بالتآمر في أشياء كثيرة، في مراحل مختلفة من حياته، من مؤامرة الشيوعية الكبرى، وحتى مؤامرة الإنقلاب العسكري. وكانت الإتهامات ذات طابع سياسي واضح، لأن عبد الخالق كان قائدا سياسيا فذا، من أخمص قدميه إلى شعر رأسه. ولكن أحدا لم يتهم عبد الخالق بمؤامرة فكرية. في مسائل الفكر كان عبد الخالق واضحا كالشمس. بل كان يوصي الشيوعيين بأن يكونوا واضحين فكريا مثله، وألا ينحشروا في مواقع الدفاع، حتى لا يتهموا بالإنتهازية. فكيف يمكن لرجل هذا شأنه أن يتآمر مع عبد الله على أفكار هابطة مثل تولية شؤون الدستور والحكم لفئة القضاة الشرعيين، إذا كان ذلك هو الجزء من الكتاب موضوع التآمر، أو تنصيب الترابي زعيما للتجديد الديني، إذا كان موضوع التآمر هو الجزء الثاني من الكتاب؟ وكيف يمكن لعبد الخالق أن يتآمر على كل تاريخه الفكري؟ التآمر المشار إليه هنا، لا يعني سوى أن عبد الله، وقد سار في الدروب الموحشة، بدلا عن "السكة الخطرة"، يريد أن يدعي أنه يفعل ذلك وهو في صحبة رفيعة، كما يريد أن يتأبط ذراع عبد الخالق إلى قبره المعنوي، الذي أعده بدافع الكراهية العميقة التي تسمي نفسها حبا خالدا. وسأوضح ما أجملته هنا عندما أتناول في مقالات قادمة، كتاب عبد الله المدوّن بمداد التهافت المنطقي والمرجّب بعمد الحجج الخاوية. وما أجمله عبد الله هنا في كلمة إهدائه المسمومة، فصله شيئا ما في مقدمته لكتاب عبد الخالق: أفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين الذي كتبه الشهيد أواخر الستينات. ولأن الرسالة التي حددها عبد الله علي إبراهيم لنفسه، إزاء عبد الخالق، لا يمكن أن تكون مستقيمة، وإلا كشفت نفسها للدحض المباشر، فإن إلتواءها قد ظهر هنا بأجلى ما يكون الظهور. إن عبد الله إذ يقدم لكتاب، ينتقد دون رحمة، وباستقامة فكرية عظيمة، عرفت عن الشهيد، أفكار الإخوان المسلمين، لا يورد حرفا واحدا، أو فكرة واحدة من الكتاب الذي بين يدي القاريئ، بل يلجأ إلى نسبة أفكار نقيضة لما ورد في الكتاب إلى مؤلفه، بإعتماد مراجع أخرى ليست بين يدي القارئ ولا يؤمل أن يحصل عليها حتى إذا شاء! والأخبار غير السارة بالنسبة لعبد الله، إننا حصلنا على بعضها، ونعمل على الحصول على الأخريات ولو طال السفر، فليكفهر وجهه ما شاء له الإكفهرار! يقول عبد الله علي إبراهيم أن عبد الخالق محجوب، لم يكن معترضا على دعوة الدستور الإسلامي، عند ظهورها، بل كان محبذا لتلك الفكرة، منشرحا إزاءها، ومحتفيا بها. وربما يكون رد فعل كثير من القراء، وهم يطالعون هذه الدعوة الغليظة، أنني أتجنى على الرجل، وأرجمه بالغيب، وأتهمه بما لا يمكن أن يكون قد صدر عنه. ولا أستطيع أن أرد على هؤلاء إلا بكلمات عبد الله علي إبراهيم نفسه الواردة في مقدمته تلك لكتاب عبد الخالق. يقول في صفحة 11 ما يلي: " ويذكر الشيء بالشيئ، فأريحية عبد الخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد الدعوة إلى الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوى بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان عام 1957، والدعوى إلى مثل هذا الدستور في طفولته بعد" (الدعوى بدلا عن الدعوة وطفولته بدلا عن طفولتها، نقلتها كما وردت في الأصل.) ولكن التأييد المزعوم للدستور الإسلامي، المنسوب لعبد الخالق محجوب، وإيمانه ليس فقط بمشروعية الدعوة، بل بسدادها، لا يتوقف على مقال نشر عام 1957 عندما كان عمر عبد الخالق 30 عاما، بل يمتد معه في دعوى عبد الله حتى مماته على ما يبدو، يقول على ص 13 من مقدمته: " وعليه لم يكن عبد الخالق في عام 1958م، كما لم يكن في عام 1965 م، ممن أستثقل أو إستفظع أو إسترجع –أي جعلها رجعية باطلاق- الدعوة إلى الدستور الإسلامي، بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة كتأمين السيادة الوطنية على أساس من العدل الإجتماعي. والدليل على رحابة صدر عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلى أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة أكتوبر 1964م " ولدت وعيا بين الناس لا سبيل إلى إنكاره ولفتت الإنتباه لأول مرة في بلدنا للنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين." وربما يكون روع القاريئ قد هدأ حاليا، بعد أن وقف من عبارات عبد الله، على أنني لم أنسب إليه ما لم يقله. فالعبارات رغم حظها الضئيل من الإبانة، ورغم ما فيها من اللغو والعويش، إلا أنها توضح موقف صاحبها بصورة كافية. إذن كان عبد الخالق محجوب منشرحا لدعوة الدستور الإسلامي، محتفيا بها، غير منكر ولا "مسترجع" لها. كل إعتراضات عبد الخالق محجوب، إنطوت على اعتبارات ثانوية، مثل أنها طرحت في غير محلها، وأنها لم تتشرب بصورة كافية بعداء الإستعمار، كما أنه لم يكن واثقا من أنها "صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر" أو كما قال! هنا أيضا، يريد عبد الله علي إبرهيم، في مسيرته الهابطة، أن يقنع الناس أنه يسير في صحبة راقية. وهنا أيضا يحاول أن يسوق عبد الخالق محجوب إلى قبره المعنوي، بعد أن تكفل الآخرون بقتله الجسدي. والواقع أن عبد الخالق لم يكن في أية لحظة من لحظات حياته المدونة، من دعاة الدستور الإسلامي، سواء بتوضيحاتها أو بدون توضيحاتها. بل كان خصما لدودا، ومجادلا عميقا عارفا، ضد ذلك الدستور وتلك الدولة، وما كتابه هذا الذي يقدم له عبد الله علي إبراهيم، ولا يذكره بكلمة واحدة، سوى شهادة دامغة على ما نقول. مواقف عبد الخالق محجوب في المعركة الممتدة ضد الدستور الإسلامي معروفة وموثقة، وخطبه داخل الجمعية التأسيسية عندما كان نائبا من نوابها معروفة للجميع، تسميته لتلك الدعوة بالمشبوهة والرجعية معروفة كذلك، ويعرفها عبد الله علي إبراهيم أكثر من سواه. وهذه كلها شواهد سنوردها ونفصل أمرها. ولكنا هنا نكتفي بالدحض المنطقي لمقولات عبد الله علي إبراهيم المتهافتة حول موقف عبد الخالق محجوب. فإذا كانت الرواية التي أعتمدها عبد الله لتلك المقالة التي نشرها عبد الخالق صحيحة، وليس لدي ذرة من الثقة في أمانة عبد الله، فإن جوهر حجة عبد الخالق هي أن المعركة في ذلك الوقت، كانت هي الوحدة ضد هجمة الإستعمار، وليست الفرقة حول الدساتير. هذا لا يعني أن عبد الخالق كان يؤيد الدستور الإسلامي، بل كان يرى أن من يطرحونه إنما يريدون خلط الأوراق، والهروب من المعركة الماثلة إلى معارك أخرى سيأتي أوانها. فلنحارب الإستعمار جميعا كسودانيين، ثم نتعارك بعد ذلك حول الدساتير. وهذا موقف لا أستبعد أن يكون عبد الخالق قد وقفه بناء على التحليل الماركسي في التناقضات الأساسية والثانوية، المعروفة لدى عبد الله دون ريب. وبمعنى أوضح إذا كان عبد الخالق يدعو إلى دستور علماني، وقد كان يدعو إليه حتى إستشهاده، وهو بعض من معانيه الباقية، فإنه يقول دعونا نعرض حاليا عن طرح الدساتير، ودعونا نتوحد ضد الإستعمار وأذناب الإستعمار، وبعد أن نزيح ذلك الخطر فليطرح كل منا دستوره، وفي هذه الحالة فإنني سأعترض على دستوركم الإسلامي، طارحا دستورا علمانيا مستقيما. هذا كل ما يمكن أن يستشفه المحلل الأمين من مواقف عبد الخالق محجوب. المهم أن عبد الخالق محجوب لو كان يدعو إلى الدستور الإسلامي، فإن معانيه كلها تكون قد جفت تقريبا، بقيام الدولة الإنقاذية الأصولية التي ألتحق عبد الله بخدمتها الفكرية، من مواقع الإلتواء والخفاء الشديد والنكران. وإذا كان ذلك مبتغى عبد الخالق، فإن إعدامه المعنوي يكون قد إكتمل. فكيف يمكن أن يكون عبد الخالق داعية للإشتراكية والعدالة والعلمانية والشيوعية، إذا كانت أحلامه تنتهي عند عتبة الدولة الدينية؟ ولست مندهشا لمحاولات عبد الله إعدام عبد الخالق معنويا، لأن ذلك يمثل بالنسبة إليه حاجة نفسية قاهرة. فهو لم يكن ليقدم على مثل تلك المحاولة لولا أنه اختار الإعدام المعنوي لذاته أولا، في مواجهته لأخطار لم يكن من ضمنها الموت. وذلك على النقيض تماما من عبد الخالق محجوب الذي اختار الفناء الجسدي، والبقاء المعنوي، وهو عارف تماما بتبعات خياره. ولا يكتفي عبد الله بمقالات مجهولة كتبت عام 1957، بل يورد وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر كشاهد على أطروحته. وهذا ما سنعالجه في حلقة مقبلة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الأحد 4 يناير 2009م، 8 محرم 1430هـ العدد 5574 عبد الله علي إبراهيم رئيساً الطيب زين العابدين الصحافة True فجَّر صديقي الدكتور عبد الله علي ابراهيم نهار الأربعاء الماضي قنبلة مجهولة الاتجاه أمام مستمعيه في رحاب منتدى طيبة برس بمتحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم، جاءوا يمنون النفس بمحاضرة سياسية شيّقة عن ذكرى استقلال السودان الثالث والخمسين، مما عرف به الكاتب الأديب السليط، ولكنه رأى المناسبة سانحة ليعلن عن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة. هكذا مرة واحدة دون صعود السلم الانتخابي درجة درجة كما يفعل ناشئة السياسيين عادة! يبدو أن حالة السودان المرضية تستحق جراحة عاجلة في تقديره وأن ما بقي من العمر لا يسمح له بهدر الوقت في معارك صغيرة أو جزئية. فهو من قبيلة تتغنى: يا غرق يا جيت حازمة! ولعله محق في كلا التقديرين، ولكن هل يعني هذا أنه هو من دون خلق الله سيكون الطبيب المداويا. مسألة فيها نظر وتختلف حولها الآراء مثل القضايا السياسية كافة! وبصرف النظر عن صلاحية عبد الله شخصياً للترشّح لرئاسة الجمهورية أم لا؛ هل الخطوة في حدِّ ذاتها مطلوبة الآن أم لا؟ أن يقفز أحد المثقفين الأكاديميين من كرسيه المريح في الجامعة، ويترك معاشه المضمون بها، ويتخلى عن مهنته التي يجيدها في التحصيل والتدريس، ويبتعد شيئاً ما عن صحبه القدامى من الأكاديميين الذين عرفهم وعرفوه، ليتشابى لقيادة السودان بالترشح إلى رئاسة الجمهورية. أحسب أن الخطوة مطلوبة وبإلحاح في هذا الزمن وتحتاج إلى قدر من الشجاعة والإقدام لا تتوفر إلا للقلة من طبقة المثقفين مثل الصديق عبد الله الذي عركته الأيام وعركها حتى تكسّرت النصال على النصال. لماذا هي مطلوبة؟ لأن قادة السودان من السياسيين والعسكريين أثبتوا فشلاً ذريعاً طيلة نصف قرن من الزمان في إدارة هذا البلد بالرشد والحكمة والعقل. ويكفي دليلاً على ذلك -إن احتاج ضوء الشمس إلى دليل- أن الدولة السودانية ما زالت تحكم بدستور انتقالي رغم مرور أكثر من خمسة عقود على نيل الاستقلال (بالمقارنة فإن الإمام الخميني وضع دستوراً لبلاده بعد سنة واحدة من ثورته الرسلامية العاتية التي غيَّرت وجه إيران وما زال ذلك الدستور سارياً، والزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو وضع دستوراً دائماً لبلاده بعد سنتين من انتخابه رئيساً للوزراء في عام 71م وما زال ذلك الدستور نافذاً رغم تقلَّبات الحكم العسكري والمدني في باكستان)، والسبب في ذلك التقصير أن الحكام السياسيين لا يريدون مواجهة الحقائق الصعبة في إدارة البلاد وطاشت أسهم الفريقين في تحقيق الاستقرار السياسي، أو توطين الديمقراطية، أو بسط الأمن وترسيخ حكم القانون، أو إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو حماية حقوق الإنسان، أو رعاية المال العام. وكانت النتيجة أن زهد معظم الناس، خاصة الشباب، في تعاطي العمل السياسي إلى درجة ما عادت انتخابات طلاب الجامعات تكمل النصاب القانوني لها إلا بشق الأنفس. وهناك رفض ظاهر ومكتوم للفريقين من الحكام، السياسيين منهم والعسكريين مع الفارق في المسؤولية بعدد السنين التي حكمها كل فريق وبعدد الجرائر والخطايا التي ارتكبها في حق الوطن. لذا أن يغامر أحد المثقفين الأكاديميين دون أن يكون له سند حزبي يدعمه، أو شوكة قبلية أو عسكرية تقف من ورائه، أو مال وفير يستطيع أن ينفق منه على حملة انتخابية فاعلة، أمر محمود في حدِّ ذاته لأنه يحرّك البحيرة السياسية الراكدة، ويعطي بعض الأمل لهؤلاء الشباب المحبطين .ثم إن الوطن يمر بمرحلة دقيقة حرجة قد يكون بعدها أو لا يكون، ما زال وضع الجنوب معلقاً بالاستفتاء، ومأساة إنسانية دامية تدور رحاها في إقليم دارفور، واحتكاك ينذر بالشرر في جنوب كردفان وتوتر في شرق السودان وفي النيل الأزرق، وعشرات الآلاف من القوات الأممية والمراقبين الدوليين تتمترس في أقاليم البلاد المختلفة، وأصبح التدخل في الشأن السوداني مباح لكل منظمة ودولة مهما صغرت وهان شأنها، وآن للنخبة المثقفة، التي كانت تقنع بتوظيف جهدها الفكري والمهني لدى الحكام من السياسيين والعسكريين، آن لها أن تتقدّم الصفوف بنفسها دون غطاء حزبي أو عسكري وتعرض نفسها على الشعب صاحب الحق الأول والأخير في تقرير مصير البلد وتنصيب حكامه. يقول د. عبد الله إنه سيعتمد على القوى الاجتماعية النقابية في دعم ترشيحه، وأحسب أن ذلك بقية من عصبية أيديولوجية قديمة، وقد كنت أظن أن اليسار الشيوعي استوعب الدرس بأن المفهوم الطبقي في السودان ما زال ضعيفاً بين العمال وغيرهم، فالتقسيم الأقوى بين السودانيين هو القبلية والطائفية والإقليمية ودرجة التعليم. والقيادة الفكرية والسياسية والإدارية في السودان هي للطبقة «البرجوازية المثقفة» كما يحلو لأهل اليسار أن يصفوها، وهي صاحبة الاستشعار الأفضل لمعرفة مشكلات البلد وطرق حلها، وإن اتسمت بالتردد في الإقدام على المعالجة ورضيت بالخنوع زمناً للحكام السياسيين والعسكريين. فمن الأجدى للدكتور عبد الله أن يكون مرشح الطبقة المثقفة لمنصب الرئاسة لأنه ينتمي حقاً إليها ولأنها الأقدر لمساندته ودعمه ولن تجد أفضل منه بين المرشحين المحتملين، وليست هناك ثمة عداء بين النقابيين والمثقفين فهناك خمسة عشر اتحاداً نقابياً للمهنيين من أطباء ومهندسين ومحامين وزراعيين وبيطريين وأساتذة جامعات ومعلمين يضمون عشرات الآلاف .يقول د. عبد الله إن برنامجه يستهدف الشرائح التالية: ذوي الحاجات الخاصة من المعوقين والعجزة، المعاشيين والمفصولين تعسفياً، المهمشين الذين حملوا السلاح، قدامى المحاربين وقدامى النقابيين. ويريد تحرير الدولة من بيروقراطية المستعمر (يا حليلها!)، وتنزيل الحكم إلى أدنى، وخضوع العسكريين للإرادة المدنية المنتخبة، وكفالة حريات اللغات السودانية غير الرسمية، وإعادة فتح التحقيقات في بعض المواجهات وفي قرارات الخصخصة. أحسب أن عبد الله تعجَّل في وضع إطار ضيق لبرنامجه يتجاهل بعض القضايا الكبيرة مثل صنع السلام، والحفاظ على وحدة البلاد، وإحداث التحول الديمقراطي، وترسيخ نظام اتحادي على أسس متوازنة ومقبولة للأقاليم المختلفة، ومعالجة الفقر المستشري، وتحسين فرص العمالة، وزيادة الأجور وتوازنها بين العمال والموظفين والمدنيين والعسكريين، والنهضة بالزراعة المتعثرة، وتشجيع الصناعة التي أقفلت أبوابها... إلخ. والفرصة ما زالت أمامه ليلتقي بقطاعات واسعة من المجتمع ليأخذ معهم ويعطي، ويعرف ما يجري وما يشكو منه الناس. لا تبدو الفرصة كبيرة أمام د. عبد الله ليفوز بمنصب الرئاسة لأن السلطة والمال والعصبيات التقليدية ستلعب دورها لا محالة، ولكنه سيحدث حراكاً مفيداً في الساحة السياسية يكون تراثاً لمن يبني عليه في المستقبل، ولا أستبعد تماماً أن يضرب معه الحظ فينفتح له طريقاً للنجاح من حيث لا يحتسب، ويحدث ذلك إن استطاع إنشاء تحالفات عديدة مع قوى سياسية واجتماعية في مناطق السودان المختلفة، وان تمكن من تكوين إدارة انتخابية نشطة وفاعلة في أنحاء البلاد، وإن استطاع جذب تمويل مقدّر من قطاعات المجتمع المختلفة خاصة القاعدية. وفي مقارنة بينه وبين المرشحين المحتملين من القوى السياسية الكبيرة مثل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي، أرى أنه سيكون أكثر جاذبية للمثقفين والشباب والطبقة الوسطى (إن بقيت فيها بقية) وربما المرأة من كل أولئك. فمنهم من حكم سنوات طويلة وليس لديه ما يعطيه وآن له أن يستريح، ومنهم من اكتفى بحكم إقليمه ولا ينبغي له أن يزيد، ومنهم من أخذ فرصته كاملة في الماضي دون أن يحقق الكثير، ومنهم من لا يجد من يطمئن إلى ترشيحه! قود لاك (Good Luck) د. عبد الله!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الأحد 4 يناير 2009م، 8 محرم 1430هـ العدد 5574 عبد الله علي إبراهيم رئيساً الطيب زين العابدين الصحافة True فجَّر صديقي الدكتور عبد الله علي ابراهيم نهار الأربعاء الماضي قنبلة مجهولة الاتجاه أمام مستمعيه في رحاب منتدى طيبة برس بمتحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم، جاءوا يمنون النفس بمحاضرة سياسية شيّقة عن ذكرى استقلال السودان الثالث والخمسين، مما عرف به الكاتب الأديب السليط، ولكنه رأى المناسبة سانحة ليعلن عن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة. هكذا مرة واحدة دون صعود السلم الانتخابي درجة درجة كما يفعل ناشئة السياسيين عادة! يبدو أن حالة السودان المرضية تستحق جراحة عاجلة في تقديره وأن ما بقي من العمر لا يسمح له بهدر الوقت في معارك صغيرة أو جزئية. فهو من قبيلة تتغنى: يا غرق يا جيت حازمة! ولعله محق في كلا التقديرين، ولكن هل يعني هذا أنه هو من دون خلق الله سيكون الطبيب المداويا. مسألة فيها نظر وتختلف حولها الآراء مثل القضايا السياسية كافة! وبصرف النظر عن صلاحية عبد الله شخصياً للترشّح لرئاسة الجمهورية أم لا؛ هل الخطوة في حدِّ ذاتها مطلوبة الآن أم لا؟ أن يقفز أحد المثقفين الأكاديميين من كرسيه المريح في الجامعة، ويترك معاشه المضمون بها، ويتخلى عن مهنته التي يجيدها في التحصيل والتدريس، ويبتعد شيئاً ما عن صحبه القدامى من الأكاديميين الذين عرفهم وعرفوه، ليتشابى لقيادة السودان بالترشح إلى رئاسة الجمهورية. أحسب أن الخطوة مطلوبة وبإلحاح في هذا الزمن وتحتاج إلى قدر من الشجاعة والإقدام لا تتوفر إلا للقلة من طبقة المثقفين مثل الصديق عبد الله الذي عركته الأيام وعركها حتى تكسّرت النصال على النصال. لماذا هي مطلوبة؟ لأن قادة السودان من السياسيين والعسكريين أثبتوا فشلاً ذريعاً طيلة نصف قرن من الزمان في إدارة هذا البلد بالرشد والحكمة والعقل. ويكفي دليلاً على ذلك -إن احتاج ضوء الشمس إلى دليل- أن الدولة السودانية ما زالت تحكم بدستور انتقالي رغم مرور أكثر من خمسة عقود على نيل الاستقلال (بالمقارنة فإن الإمام الخميني وضع دستوراً لبلاده بعد سنة واحدة من ثورته الرسلامية العاتية التي غيَّرت وجه إيران وما زال ذلك الدستور سارياً، والزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو وضع دستوراً دائماً لبلاده بعد سنتين من انتخابه رئيساً للوزراء في عام 71م وما زال ذلك الدستور نافذاً رغم تقلَّبات الحكم العسكري والمدني في باكستان)، والسبب في ذلك التقصير أن الحكام السياسيين لا يريدون مواجهة الحقائق الصعبة في إدارة البلاد وطاشت أسهم الفريقين في تحقيق الاستقرار السياسي، أو توطين الديمقراطية، أو بسط الأمن وترسيخ حكم القانون، أو إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو حماية حقوق الإنسان، أو رعاية المال العام. وكانت النتيجة أن زهد معظم الناس، خاصة الشباب، في تعاطي العمل السياسي إلى درجة ما عادت انتخابات طلاب الجامعات تكمل النصاب القانوني لها إلا بشق الأنفس. وهناك رفض ظاهر ومكتوم للفريقين من الحكام، السياسيين منهم والعسكريين مع الفارق في المسؤولية بعدد السنين التي حكمها كل فريق وبعدد الجرائر والخطايا التي ارتكبها في حق الوطن. لذا أن يغامر أحد المثقفين الأكاديميين دون أن يكون له سند حزبي يدعمه، أو شوكة قبلية أو عسكرية تقف من ورائه، أو مال وفير يستطيع أن ينفق منه على حملة انتخابية فاعلة، أمر محمود في حدِّ ذاته لأنه يحرّك البحيرة السياسية الراكدة، ويعطي بعض الأمل لهؤلاء الشباب المحبطين .ثم إن الوطن يمر بمرحلة دقيقة حرجة قد يكون بعدها أو لا يكون، ما زال وضع الجنوب معلقاً بالاستفتاء، ومأساة إنسانية دامية تدور رحاها في إقليم دارفور، واحتكاك ينذر بالشرر في جنوب كردفان وتوتر في شرق السودان وفي النيل الأزرق، وعشرات الآلاف من القوات الأممية والمراقبين الدوليين تتمترس في أقاليم البلاد المختلفة، وأصبح التدخل في الشأن السوداني مباح لكل منظمة ودولة مهما صغرت وهان شأنها، وآن للنخبة المثقفة، التي كانت تقنع بتوظيف جهدها الفكري والمهني لدى الحكام من السياسيين والعسكريين، آن لها أن تتقدّم الصفوف بنفسها دون غطاء حزبي أو عسكري وتعرض نفسها على الشعب صاحب الحق الأول والأخير في تقرير مصير البلد وتنصيب حكامه. يقول د. عبد الله إنه سيعتمد على القوى الاجتماعية النقابية في دعم ترشيحه، وأحسب أن ذلك بقية من عصبية أيديولوجية قديمة، وقد كنت أظن أن اليسار الشيوعي استوعب الدرس بأن المفهوم الطبقي في السودان ما زال ضعيفاً بين العمال وغيرهم، فالتقسيم الأقوى بين السودانيين هو القبلية والطائفية والإقليمية ودرجة التعليم. والقيادة الفكرية والسياسية والإدارية في السودان هي للطبقة «البرجوازية المثقفة» كما يحلو لأهل اليسار أن يصفوها، وهي صاحبة الاستشعار الأفضل لمعرفة مشكلات البلد وطرق حلها، وإن اتسمت بالتردد في الإقدام على المعالجة ورضيت بالخنوع زمناً للحكام السياسيين والعسكريين. فمن الأجدى للدكتور عبد الله أن يكون مرشح الطبقة المثقفة لمنصب الرئاسة لأنه ينتمي حقاً إليها ولأنها الأقدر لمساندته ودعمه ولن تجد أفضل منه بين المرشحين المحتملين، وليست هناك ثمة عداء بين النقابيين والمثقفين فهناك خمسة عشر اتحاداً نقابياً للمهنيين من أطباء ومهندسين ومحامين وزراعيين وبيطريين وأساتذة جامعات ومعلمين يضمون عشرات الآلاف .يقول د. عبد الله إن برنامجه يستهدف الشرائح التالية: ذوي الحاجات الخاصة من المعوقين والعجزة، المعاشيين والمفصولين تعسفياً، المهمشين الذين حملوا السلاح، قدامى المحاربين وقدامى النقابيين. ويريد تحرير الدولة من بيروقراطية المستعمر (يا حليلها!)، وتنزيل الحكم إلى أدنى، وخضوع العسكريين للإرادة المدنية المنتخبة، وكفالة حريات اللغات السودانية غير الرسمية، وإعادة فتح التحقيقات في بعض المواجهات وفي قرارات الخصخصة. أحسب أن عبد الله تعجَّل في وضع إطار ضيق لبرنامجه يتجاهل بعض القضايا الكبيرة مثل صنع السلام، والحفاظ على وحدة البلاد، وإحداث التحول الديمقراطي، وترسيخ نظام اتحادي على أسس متوازنة ومقبولة للأقاليم المختلفة، ومعالجة الفقر المستشري، وتحسين فرص العمالة، وزيادة الأجور وتوازنها بين العمال والموظفين والمدنيين والعسكريين، والنهضة بالزراعة المتعثرة، وتشجيع الصناعة التي أقفلت أبوابها... إلخ. والفرصة ما زالت أمامه ليلتقي بقطاعات واسعة من المجتمع ليأخذ معهم ويعطي، ويعرف ما يجري وما يشكو منه الناس. لا تبدو الفرصة كبيرة أمام د. عبد الله ليفوز بمنصب الرئاسة لأن السلطة والمال والعصبيات التقليدية ستلعب دورها لا محالة، ولكنه سيحدث حراكاً مفيداً في الساحة السياسية يكون تراثاً لمن يبني عليه في المستقبل، ولا أستبعد تماماً أن يضرب معه الحظ فينفتح له طريقاً للنجاح من حيث لا يحتسب، ويحدث ذلك إن استطاع إنشاء تحالفات عديدة مع قوى سياسية واجتماعية في مناطق السودان المختلفة، وان تمكن من تكوين إدارة انتخابية نشطة وفاعلة في أنحاء البلاد، وإن استطاع جذب تمويل مقدّر من قطاعات المجتمع المختلفة خاصة القاعدية. وفي مقارنة بينه وبين المرشحين المحتملين من القوى السياسية الكبيرة مثل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي، أرى أنه سيكون أكثر جاذبية للمثقفين والشباب والطبقة الوسطى (إن بقيت فيها بقية) وربما المرأة من كل أولئك. فمنهم من حكم سنوات طويلة وليس لديه ما يعطيه وآن له أن يستريح، ومنهم من اكتفى بحكم إقليمه ولا ينبغي له أن يزيد، ومنهم من أخذ فرصته كاملة في الماضي دون أن يحقق الكثير، ومنهم من لا يجد من يطمئن إلى ترشيحه! قود لاك (Good Luck) د. عبد الله!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
تحية طيبة أستاذ الكيك، لقد تابعت هذا الخبر منذ أن سبقت به الأستاذة نبيلة عبد المطلب و للحق فقد لاحظت مداخلتك هناك و ها أنت تفتح بها هذا البوست... و بالطبع لا يفوتني أن أقرأ بين السطور امتعاضك من واعتراضك على ترشيح الدكتور عبد الله نفسه للتنافس على منصب رئيس الجمهورية، هذا بغض النظر عن موقفك الفكري أو الانتخابي منه!! و تجدني استغرب غاية الاستغراب لموقف كهذا منك كأحد أفراد الشعب السوداني (المثقف)!!! ما السيء، أو الضار بك، أن يترشح أحد أفراد الشعب (المثقف) مثلك لهذا المنصب؟ ألا تجد في هذا كسر للاحتكارات السياسية الأزلية أو تلك التي سادت في العشرين سنة الماضية؟ أليس فيه تعويل على الديمقراطية التي بحت أصواتكم في تفعيل مبادئها؟ ألا يحق له ترشيح نفسه بداعٍ من عدم الأهلية الدستورية؟ ألا يرمي ترشيحه بحجر ضخم في بركة السياسة الآسنة و طفوها المتعفن؟ ألا يحق لمن لا تتفق معه أن يترشح؟ ووووو...أسئلة تترى؟؟؟؟ ثم، هذا الحديث عن هروبه من محاكمة ما في ميسوري!!! هل أنت جاد؟ أيهرب (عاقل) من موضوع لا يزال مستقراً على رأيه فيه و يواصل الكتابة عنه و عن محاكمات أخر جارية فيه، بأن يرشح نفسه لرئاسة دولة هي بلده و بلد شاكيه الذي تزعم، كتعبير عن إيمانه بالديمقراطية و بعافية يرجوها لهذه الدولة؟؟ هل الدكتور منصور خالد نفسه، لو صحّ ما نسبته إليه من رفعه دعوى إشانة السمعة، جاد؟؟؟ و ما قال الدكتور عن الدكتور على أية حال؟؟؟ قال إنه (قوّال) snitch !!!!!ه فهل سيثبت المحامي الأمريكي للمدعي غير ما أثبتت الوثائق المتاحة للكافة إنه قال و قال و قال فهو إذن قوّّال؟ أقول لك شيئاً: لو أراد المحامي أقوالاً أكثر مباشرة مما كتب الدكتور عبد الله عن هذا الموضوع، فعندي منها تسجيل حديث بالصوت و الصورة و مباشر و محضور من جمع كبير.... فلربما إذن يفيدكم في الدعوى!!! أما موضوع استخدام منبر (طيبة برس) فمبرر: (طيبة برس) منبر إعلامي يتطلع لأن يكون منبراً ثقافياً فيستغل وجود الدكتور و يدعوه لإلقاء محاضرة ثقافية!! المحاضر يعلم أن المنبر بالأصل منبر إعلامي يوفر فرصة لا تعوض في نشر خبر ترشيحه فلم لا يستفيد منه؟ أنت كإعلامي تعلم أن مثل هذا التصرف إنما هو من العادي جداً وروده في العمل السياسي و الإعلامي... أن تتوقع شيئاً فيفاجؤك الواقع بشي غيره.. و هذا بالذات من المعتاد في السياسة الأمريكية و إعلامها حيث تابعها الدكتور المرشح. فلم إذن التشنيع عليه بالتدليس و ليس على (طيبة برس) و لا على آلاف غيرها من الوقائع المشابهة، رغم أن ما قرأه الدكتور (منشور في بوست آخر) تناول أيضاً موضوع المحاضرة المعلن و لو بشكل غير تقليدي؟؟؟ أما مقال المرحوم الخاتم ففي رأي هو مقال عداء فكري مؤدلج لا يخلو، في أوهى التقدير، من تعسف شديد في قراءة الورقة المناقشة، و على كل، فهو لا يقدح في حق الرجل أن يرشح نفسه و لو رأى فيه المقال ما رأى!!! لو أردت مناقشة رأيي من المقال في خيط خاص، فلا بأس...! أما ما أوردت عن آراء غير تلك فهي رأي من ليس له أن يعترض على مبدأ الترشيح إلا بحق دستوري و إن جاز له أن يترشح ضده و أن ينافس المرشح أو أن يكتفي بالإستغراب لو أراد؟ و لكنه أمر مخجل أن يكون موقف الدكتور الطيب زين العابدين في المقال الملصق اعلاه أكثر تفهماً و أشد منطقاً من أراء النائحين على الديمقراطية دهراً ثم لما تدق طبولها يعرضون خارج الدارة و يشنعون على من يعرض نفسه لبطانها!!! بإختصار؛ الموقف الذي تعبر عنه بمداخلاتك و خيطك هذا أراه موقفاً معترضاً على مبدأ و حق الترشيح نفسه و لا يوجد له تفسير منطقي عندي إلا أن متناقضات (المثقفين) السودانيين، قد تصيبهم أحياناً بالحرج البالغ... من أنفسهم!!! أمام الناس و أنفسهم!!!
مع دوام التقدير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الأخ العزيز الكيك تحية طيبة وتقدير
سبق وأن قمت بانزال بوست عن ترشيح الدكتور عبد الله عليِ إبراهيم نفسه كرئيس لجمهورية السودان في الأنتخابات القادمة ولم يجد البوست ذاك الانتباه وهذا امر اراه من وجهة نظري غريب لسبب هو :- حدة الخطاب السياسي هنا في المنبر واراء الناس فيه (الخطاب السياسي) وكما هو معلوم لك وليّ وللجميع (كبديهية) أن يترشح أنسان ويتقدم لرئاسة الدولة فهي قمة السياسة وهو الامر الذي يجب أن يُتقل بحث ونقاش فائض من كافة النواحي المكونة للمرشح (ثقافياً واجتماعياً وفكرياً) لكن مر ذاك البوست مرور الكرام واظنه يقبع الأن في الصفحة الرابعة أو الخامسة ، لست نادم علي ذهابه ابدا لكنى حائر بأن لا يتم النقاش لمثل هذه المواضيع لذا عزمت أن اكون جزء من هذا البوست واعوض عن نفسي ذهاب ذاك طالما أن الموضوع واحد .
ربما كان اهم مايشغلنى دائماً في المرشحين لرئاسة اوطانهم هو محمولهم الذهنى من اراء وافكار ولذا عزمت أن اتقدم ببعض الافكار والاراء التي يقول بها المرشح لرئاسة جمهورية السودان الدكتور عبد الله علي إبراهيم علها تبين لنا تكوينه العقلي وطرق تفكيره التى بالضرورة سوف يسعي لترسيخها في الواقع السودانى اذما توصل للرئاسة وحتى اذا لم يتحصل عليها أتمني أن يكون نقاشنا لافكاره وطرحها للحوارات هو ديدننا لنتقدم خطوات وخطوات في هذا المنبر لحوار بناء وفعال حقيقياً .
ملحوظة مهمة :- اخى العزيز الكيك اخواتى واخوتى الاعضاء والقراء كثير من المواد التي سوف اوردها هنا متواجدة منذ امد بعيد في مكتبة الاخ الاستاذ عجب الفيا ذاك الاخ والصديق الذي يفتقده المنبر وافتقده أنا بشكل شخصي منذ أيام البشير الريح ومنتدي المحامين أتمني أن يكون حقاً بخير وأن يعود لنا ليعود لنا العصف الذهني الفعال .
تحياتي للجميع سفيان نابرى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الاخ العزيز الفاضل الكيك أنسي امر البوست بتاعي فهذا البوست اعتبره ملكي دعنا نستفيد من الامر في طرح ونقاش افكار الرجل يا صديقي العزيز .
وهذا احد اهم مشاريع الدكتور عبد الله علي إبراهيم الفكرية التي تبين اطروحته سوف انزلها علي أجزاء هنا :-
الآفروعربية ..أو تحالف الهاربين
د.عبدالله علي ابراهيم
القصد من هذه الكلمة أن نتفحص نقديا مفهوم " الأفروعربية " الذي استقر كوصف لثقافة الجماعة الشمالية العربية المسلمة على النيل البوادي . لقد اكتسب المفهوم أبعادا ودلالات شتى في مساره ، وارتبط بمصالح واستراتيجيات سياسية وتجارية وثقافية مختلفة . غير أن تقويم هذه الكلمة سينصب بصورة رئيسية على صورة المفهوم التى تفتق عنها خطاب تلك الطائفة المفصحة من جيل الستينيات ، التي حاولت أن تؤسس رؤيتها الشعرية والثقافية على الأفروعربية كمشروع حضارى . وهو المشروع الذي رمزوا له بـ " الغابة والصحراء " في دلالة التصالح بين الدغل والبادية ، بين الثقافة العربية والثقافة الأفريقية في السودان .
أولا – أصول الأفروعربية
رد الشاعر د. محمد عبد الحى الأفروعربية إلى دعوة الأدب السوداني التى نادى بها الشاعر والناقد حمزه الملك طنبل وإلى مدرسة الفجر ، وهما الدعوة والمدرسة اللتان ازدهرتا في ثلاثينيات القرن (1) . وقد جاءت دعوة طمبل لتنقض المسلمات الفنية لمدرسة الاحياء الشعرى التي سادت العقدين الثانى والثالث للقـرن . فقد بدأ أن شعراء الأحياء الشعرى ، مثل العباسى والبنا ، راغبون عن اعتبار الحيز السوداني في إبداعهم ، بينما هم يطمئنون بخصوبة لمصطلح الحيز العربي النموذجى ، مثل ريح الصبا النجدي ورامة والعقيق وخلافها . ولذا استحث طنبل الشعراء أن يفتنوا بالبيئة الثقافية والطبيعية السودانية حتى يقول قارئ شعرهم : إن هذا شعر سوداني حق فيه الحساسية والتضاريس السودانية (2) .
ومن الجانب الآخر ، تقمصت مدرسة الفجر دعوة ماثيو آرنولد إلى تسامى الصفوة فوق التشاحن والشتات لكى تحسن تمثيل الأمة بأسرها وليس مجموعاتها الصغيرة المغلقة (3) . فكانت دعوة الصفوة السودانية إلى الذاتية السودانية والأدب القومى ضمن البحث عن القاسم المشترك الأعظم للهجنة العربية – الأفريقية في السودان (4) . غير أن مدرسة الفجر لم تتجاوز دعوة طنبل إلى الشعراء لاعتبار الطبيعة السودانية في إنشائهم الشعرى . ولم تغادر مدرسة الفجر ذلك إلى أفريقانية من أية شاكلة . وهذا مأخذ عبد الحى عليها : " ليس فى كتاباتهم ( مبدعو مدرسة الفجر ) غير طائف نظرى ( حول الذاتية العربية الأفريقية للسودانيين ) لم يتنزل إلى إنجاز شعرى لتزاوج الثقافة العربية والأفريقية في صنع الذاتية السودانية " (5) . ولذا عد عبد الحى الشاعـر محمـد المهـدى مجـذوب ( 1919 – 1982 ) ، من الجيل التالى لمدرسة الفجر ، أول شاعر تلمس إمكانية تأليف شعر باللغة فيه وعى بانتماء حقيقى إلى أفريقيا (6) . وقد راجع عبد الحى قناعته السالفة في كلمة له عام 1985 (7) . وسنعود إلى ذلك في موضع لاحق من هذه الكلمة .
وتقف دعوة الأفروعربية بيولوجيا على ما روجه المؤرخون والاثنوغرافيون خلال هذا القرن من أن سكان شمال السودان هجين عربي أفريقـي ( . وقد صدرت هذه النظرية في سياق نقد أولئك المؤرخين والاثنوغرافيين لمزاعم النسابة السودانيين من أهل الشمال في إلحاق أهلهم بنسب عربى صريح . وقد ساءهم إسقاط النسابة لاختلاط الدماء العربية والأفريقية في من عدوهم عربا أقحاحا . فهارولد ماكمايكل يصف الخليط من النوبة القارة والعرب ، ممن أقاموا على النيل من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر ، كهجين أفروعربى . وقد تبعتـه فـي ذلك جمهـرة العلمـاء من امـثال ج. ترمنغهـام ( 1949 ) ، ويوسف فضل حسن ( 1967 ) ، وسيد حامد حريز ( 1977 ) ، وليام آدمز (1977 ) ، وحيدر ابراهيم ( 1979 ) ، وغيرهم كثير .
ونقول استطرادا : إن دعوة الهجنة في أصولها العرقية عند ماكمايكل ، وتجلياتها الثقافية عند ترمنغها ، تنطوى على فرضية انحطاط . وهو انحطاط نجم في نظر دعاتها عن امتزاج العرب المسلمين بالنوبة الأفريقيين . فقد جاء عند ماكمايكل ما يوحى بأن الدم العربى أرفع من الدم الأفريقى . وجاء عند ترمنغهام أن الهجين العربى الأفريقى قد سرب من العقائد إلى الاسلام ما أدخله فـي الوثنيـة (9) . والواضح أن المكون الأفريقى في هذا الهجين هو أكثر من تأذى بنظرية الانحطاط هذه ، فقد رد ترمنغهام مثلا " عصبية البقارة " التى ناصروا بها المهدية إلى غلبة الدم الأفريقى فيهم " (10) .
الأفروعربية هي ، بوجه من الوجوه ، رد فعل لاصطدام مبدعى جيل الستينيات بثقافة أوروبا الغالبة . فقد وقع مجاز " الغابة والصحراء " للشاعر النور عثمان وهو في محيط أوروبا الحضارى الذي " رفض هويتى الأفريقية حين أفكـر ، ورفض هويتى العربية حين أكون " (11) . فهى بهذا اكتشاف للجذور قام به هؤلاء الشعراء بعد تغرب في ثقافة أوروبا أو أروقتها . وقد عادوا من ذلك كله صفر اليدين إلا من " الحامض من رغوة الغمام " (12) . فعبد الحى يطلب من حراس مدينة سنار ( عاصمة دولة الفونج الاسلامية 1504 – 1821 ) فتح الباب للعائد من " شعاب الأرخبيل " الأوروبى (13) . و " إنسان سنار " صورة عمدة في الأفروعربية ; لأنه نتاج أول دولة اسلامية عربية فى السودان (14) . فعند بوابة سنار يستجوب ضابط الجمارك الشاعر ، فيقدم الشاعر جواز سفره السنارى المتجاوز لتتحقق له الأوبة والقبول :
" – بدوى أنت - لا - من بلاد الزنج - لا أنا منكم ، تائه عاد يغنى بلسان ويصلى بلسان ............... " الأفرورعربية ، في نظر دعاتها ، هي عمل واع لاستعادة " الدم الأفريقي ودراسة ذلك الجانب من ميراثنا والذي أهمل لمدة وأعنى التراث الزنجـى " (15) . وهي تريد بذلك أن تتلافى قصور مدرسة الفجر التى وعدت بالذاتية السودانية ، غير أنها أهملت التراث الأفريقى . وقد قصدت هذه الاستعادة للدم الأفريقى أن تحجم بوعى انتماء السودان الشمالى إلى العروبة حتى تستقيم الأفروعربية . فكلمة النور عثمان ، التى لم أقع عليها بعد (16) . كانت " لست عربيا ولكن ... " ، وعد عبد الحى انتماءنا إلى العرب تكبرا أجوف (17) . فبينما يرى الشاعر الدبلوماسى محمد المكى إبراهيم أننا قد أنكرنا أفريقيتنا في تلهفنا ( التشديد من فعل الكاتب الراهن ) لذلك الانتماء المتكبر (1 . بناء على ذلك فليس كل تراث العرب بمقبول إلا الذي اندرج في الأفروعربية التي بدأت بـ " إنسان سنار " (19) . ثانيا – الأفروعربية في أجندة تلطيف الثقافة العربية الاسلامية :
لا تهدف الأفروعربية إلى تحجيم الانتماء العربى الصريح وحسب ، بل إلى اجراء تحسين جذرى في المكون العربي الاسلامي من الذاتية السودانية . فاستعادة التراث الأفريقى ، في نظر الأفروعربيين ، ليست مجرد تصحيح لمعادلة مختلة ، وإنما المقصود منها هو تهريب أجندتهم الاجتماعية والفكرية إلى الثقافة العربيـة الاسلاميـة الغبشـاء المتشـددة ( الحنبلية في قول المكى ) (20) ، بقصد حملها على التلطف والسماحة .
فمكى يرى أن الكثير من القيم الاجتماعية الحنبلية السارية دخيلة على تكويننا النفسى لأن " الدم الأفريقى يرفض التشدد " (21) . وفي إطار دعوته إلى المزيد من التمازج بين الشمال والجنوب يرحب مكى بقدوم المرأة الجنوبية الأفريقية إلى مدن الشمال التي علبت المرأة " داخل أسمك وأطول ثياب " (22) ، فنساء مدن الشمال سيجدن منافسة من أختهن الأفريقية التي اعتادت معاملة الرجل بوصفه ندا لها ، وانطبعت بالسلوك المتحرر المنطلق في كل مسارب الحياة . وأمام هذه الدفعة من التحرر " يمكننا أن نلمح على قسمات الرجل السوداني ( العربي المسلم في المدينة ) ملامح التسامح والتقدم ، والتخلص من تقاليد الكبت والرجعيـة القديمـة " (23) . فتحرر المرأة العربية المسلمة في الشمال رهين ، عند مكى ، بقوة القدوة التى ستمثلها المرأة الجنوبية الأفريقية إلى حد كبير . وأقول استطرادا : أن منطق التحرر بالقدوة قد تكرر إبان نقاش جرى بالصحف السودانية ، حول آثار وجود أعداد متزايدة من الأثيوبيات والارتريات في العاصمة حول منتصف السبعينيات . فقد ارتأت جماعة أن ذلك الوجود سيدفع المرأة العربية السودانية إلى اقتباس آيات الزينة والتجميل الوافدة . وصفوة القول : إن إسناد التحرر إلى القدوة حجة ضعيفة جدا . والناظر في محصلة تحرر المرأة السودانية الشمالية منذ الأربعينيات سيجد أن ذلك التحرر استوعب اعتبارات اقتصادية واجتماعية وفكرية أصيلة لم تكن القدوة فيه غير تنويع فرعى .
ويأخذ مكى على الثقافة العربية مخاطبتها العقل دون الروح . وقد وسمها هذا الخطاب وحيد الجانب بالمباشرة والنفاذ والقطع كـ " ضربة السيف " . ولهذا خلت من " الفنون الراقية " مثل الرقص والنحت والتصوير . ولاكتساب هذه الفنون يشترط مكى استعادة امتلاك " الدم الأفريقى الجارى في عروقنا " . وللجنوب السودانى في هذه الاستعادة دور مرموق (24) .
ومن زاوية اللغة ، يرى مكى أن احتكاك العربية باللغات الأفريقية سيؤدى إلى تغييرات في نطق أصوات العربية ، فقد تسقط منها أصوات العين والحاء . وسيكون مشروعا حيال هذا الاحتكاك التساهل في قوانين النحو " المفروض على العربى ( والذى ) يقتل لديه نهائيا إمكانية الخلق " . وقد يترتب على ذلك أن تلقى الدعوة إلى تسهيل العربية ، مثل اقتراح كتابتها باللاتينية ، قبولا أكثر في السودان لما ستتعرض له العربية من اللحن والهجنة (25) .
ويحترز مكى ، وهو يتكلم عن تصوره لما سيؤول إليه الاسلام في معترك الهجنة . فقد اضطره موضوع " الدين المخيف " أن يكتب عنه بتعميم ؛ فهو يرى أن عوامل الجهل والتخلف قد مكنت لدعوات التشدد والتخويف في الاسلام ، بغض النظر عن معدنه الأصيل الداعى إلى الحب والتسامح . وقد استحال مع هذا التخويف " تلاقى البشر حول إله واحد وحب واحد " . ويرى مكى أن لقاء الاسلام بصورته الخاطئة بالعقائد الإفريقية ، ( أو ما يسميه بالوافد الأفريقى الطفل ) ، سيخلف مشاكل تحتاج إلى حلول خاصة (26) . وقد قدر أن يكون السودان بواقع الهجنة منبعا للفتاوى الجريئة وللتخفيف عن الناس وتيسير اللقاء بالله ، عبر كل الـدروب . وهذا ، في معنى قوله ، أن يلعب السودان دورا قائدا في التسامح والاحياء في مجال الديانات (27) .
وينعى مكى وقار وجد وتزمت الحضارة العربية ، في حين يرى الخفة في الأفريقيين . ووقار السودانى العربى المسلم يتجلى في قول مكى في بطء الحركة وثباتها حتى إذا حاصرته السيارات وهو يقطع الطريق ، وهو تلكؤ اشتكى منه الأوروبيون الذين قادوا سياراتهم في السودان (2 . وسأضطر إلى الاستعانة ، هنا ، بمقتطف طويل من مكى بشأن وقار العربى وخفة الأفريقى ، لكى أعطى القارئ فكرة أفضل عن مقابلات مكى بين العروبية والأفريقية وعن منهجه في كيمياء التلاقح المنشود بينهمـا . لا ننكر أن المشى جزء من مفهوم الشخص في الثقافة ، ولكن سيقف القارئ في المقتطف على صورة الأفريقى عند مكى ، التى هى بالأساس نعرة عربية . يقول مكى :
" والانسان السوداني العربى الثقافة إنسان جاد . وهو بالفعل إنسان مفتوح القلب لكن يرفض أنواعا شتى من الهزل ؛ يرفض أن تشتمه مداعبا ويرفض النكتة العملية ، بعكس الانسان العربى في مصر والشام ... ومن الجانب الآخر نجد الدم الأفريقى خاليا ( أى الجد والوقار ) تماما ، بل بصورة مستحبة . الأفريقى ملئ بالحركة بحيث لا يهمه أن عبر الشارع قفزا أو ركضا أو يرقص فيه ، وهو في ضحكه معتمد على النكتة العملية على الأقل بصفتها أكثر بدائية من النكتة المحكية . وهذا الانسان الضاحك الخفيف خليق بأن يؤثر على المزاج العربى غير المتلائم ومتطلبات الحياة الحديثة ، بحيث يتخلى عن هذا الوقار الجاد في تصرفاته المتزمتة ، وبحيث تكتسب الخفة الأفريقية اتزانا يعصمها من الفوضى " .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
ثالثا – البدائى النبيل وتأرجح الثقافات :
سافر محمد المكى إبراهيم وزميله الشاعر النور عثمان في رحلة إلى ألمانيا الغربية لقضاء عطلة صيف 1962 ضيفين على جمعية الصداقة الألمانية السودانية الناشئة . وقد أملت البوهيمية والشغف بالترحال على مكى أن يمد إقامته في ألمانيا إلى عام تغيب فيه عن الجامعة ، وعاد بشعر صاف عذب يرويه الجيل بعد الجيل من ديوانه " أمتى " . وقد قال مكى عن رحلته هذه عام 1963 : إنها كانت " تحالفا بين هاربين " لم يتركوا في وطنهم حبا يشتاقون إليه فلاذوا بالهرب مغادرين السجن المفروض عليهم ، وعليه لم يكن بين دوافعهم " فهم أو تعاطف يصلح لحب عميق " (30) .
في فرار الأفروعربيين إلى النسبة الأفريقية تشابه مع رحلة مكى البائسة . فدعاة الأفروعربية لم يلقوا ، وهم في ريعان الشباب ، من ثقافتهم العربية الاسلامية ما يروى غلتهم من الحب والتعبير . فاضطروا إلى الهرب بأجندة الريعان والشغف إلى فردوس أفريقى مطموس في تكوينهم الاثنى ، الغرائز فيه طليقة ، والرغائب مستجابة . ولأن رحلتهم لم تقم على فهم وتعاطف مع " سجن " الثقافة العربية الاسلامية الذي هربوا منه ، أو معرفة بالثقافة الأفريقية التي هربوا إليها ، لذا فقد كان حصادها مؤسفا . فقد ترك الأفروعربيون الانطباع الخاطئ بأن تزمت الثقافة العربية الاسلامية لا ينصلح إلا بعملية نقل دم من حضارة أخرى أكثر تسامحا في إرواء الأشواق والغرائز . ولذا بدأ جفاء الثقافة العربية عندهم خصيصة بيولوجية وليس خصلة اجتماعية قائمة في التاريخ العيانى .
ومن الجانب الآخر أساء الأفروعربيون إلى أفريقانيتهم ، من حيث أرادوا تعزيزها وتكريمها . فقد اصطنعوا في صلف سخطهم وبوهيميتهم الكظيمة أفريقيا وهميا لحمته وسداه معطيات أوربية عربية مردودة عن أفريقيا مثل الطفولة والغرارة والمشاعية والروحانية وخفلة القلب والولع بالايقاع والرقص . والأفريقى المخترع هذا هو الذي جرى وصفه دائما بـ " البدائى النبيل " في علم الأثنوغرافيا . وقد لا نستغرب حصاد الأفروعربية البائس من مشروع لم يجمع الهاربون فيه حبا عميقا أو معرفة دقيقة بأي من الأمكنة : لا تلك التي هربوا منها ولا تلك التي هربوا إليها .
جاء عبد الحى بمصطلح " البدائى النبيل " إلى حلبة نقاش العلاقات الثقافية في كلمته القيمة المشار إليها آنفا (31) . فقد خلص عبد الحى من دراسة القصائد التي اشتهرت بـ " الجنوبيات " ، من شعر الشاعر المجذوب – عليه رحمة الله – إلى أنها قد صورت الجنوبى في صورة وهمية هى صورة " البدائى النبيل " . و " الجنوبيات " هى نسل مجرد من شعر المجذوب وقعت له حين جرى نقله من بورتسودان ( على ساحل البحر الأحمر ) إلى واو ( في جنوب السودان ) في أوائل 1954 ، والتى أقام فيها حتى قبيل حوادث الجنوب المشهورة في آب / اغسطس 1955 .
وقد اعتقد الأفروعربيون أن " الجنوبيات " هى باكورة لنوع الشعر السودانى الذي يريدون له الذيوع . فقد رأينا عبد الحى يصف المجذوب في كلمته عام 1976 بأنه الشاعر السودانى الذى أدرك حقيقة انتسسسابه إلى أرومة زنجية . وأضاف عبد الحى بأن شعر المجذوب إنما يعكس في جنوبياته وغيرها وحدة على مستوى عمق مصادر التقليدين العربى الأفريقى (32) . وقال مكى فى المعنى نفسه أيضا : إن المجذوب في جنوبياته قد جعل ذاته الشاعرة معلما على سودان الغابة والصحراء . ورأى في شعره استيعابا وتصويرا وتمثيلا لتجربتنا الحضارية ، مؤصلا في معرفة بثقافة الشمال العربية وثقافة الجنوب الأفريقية (33) . وهكذا عمد الأفروعربيون المجذوب ، الذى هو فى سن آبائهم ، أبا روحيا لمشروعهم الشعرى الرامى إلى التعبير عن الوحدة العميقة للوجودين العربى والأفريقى ، في ذاتية سودانية صمدة .
رد عبد الحى في كلمته الأخيرة ( 1985 ) جنوبيات المجذوب إلى تأرجح الشاعر (34) بين ثقافة العرب وثقافة الأفارقة ، لا إلى وحدتهما في عمق المصادر كما فعل في كلمته عام 1967 ، كما رأينا أعلاه . فجنوبيات المجذوب عند عبد الحى قائمة في ثنائية الحضارة ، التى تمثلها ثقافة الشمال العربية ، والطبيعية ، التي تمثلها ثقافة أهل الجنوب (35) . وهى ثنائية يتعارض فيها العرف مع الملابس ، البراءة مع العار ، والقلب مع العقل ، والأريحية مع النقود ، والطلاقة مع الأخلاق ، والمشاعة مع النسب . وعند عتبة مجتمع الطبيعة الجنوبى البكر العذوبة ، خلع الشاعر عباءة الحضارة العربية بمحرماتها ونواهيها الكاسية . فالمجذوب يشبه تحالف الأفروعربيين في يأسه من إصلاح الثقافة العربية الاسلامية من باطنها ، واصطناعه بدائيا نبيلا في الجنوب يصوب به ذهنيا علل وآفات تلك الثقافة . لقد تمنى المجذوب :
وليتنى في الزنوج ولى رباب تميد به خطاى وتســــتقيم وأجتزع المريسة في الحوانى وأهــدر لا الأم ولا ألــوم وأصرع في الطريق وفي عيونى ضباب السكر والطرب الغشوم طليق لا تقيدنى قريـــش بأحساب الكرام ولا تنيـــم
غير أن هذا البدائى النبيل صورة وهمية كما يقول عبد الحى (36) . فالبوهيمية الاجتماعية (37) التى رآها الشاعر في الجنوب إنما هى إسقاط من شاعريته النهمة التى قيدتها الزواجر الاجتماعية في الثقافة العربية الاسلامية . فهذه الاسقاطات هى عبارة عن شهوات للشاعر لم ينقع مجتمعه غلتها فأرغت وأزبدت عالما من البوهيمية .
إن صورة الجنوبى كبدائى نبيل لا تصمد أمام الصورة الاثنوغرافية التى رأيناها عند إيفانز برتشارد وليتهاردت وغيرهما ، والتى فيها الجنوبى أيضا إنسان مشدود بين الثقافة والطبيعة ، وهى الثنائية التى لا مهرب لبشرى من مجابهتها . وهى لم تصمد بالفعل للجنوبى الواقعى الذى ارتكب أنواعا من القتل المجانى ضد طائفة من موظفى الدولة الشماليين فى حوادث 1955 (3 . وقد اضطر المجذوب إلى أن يسقط حقائق اجتماعية جنوبية كثيرة لكى يخلص له " إنسان الجنوب البسيط الضاحك المتفاعل " (39) . فقد لاحظ مكى مثلا إغفال المجذوب ذكر السياسيين من مثقفى الجنوب الذين ، " كان يمكن أن يكونوا صيدا نموذجيا لهجائه الساخر وتصويره المضحك الدقيق " (40) . فقد أراد المجذوب أن يختصر طريقه إلى البراءة والسلاسة الجنوبية اختصارا .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
رابعا – الأفروعربية وجه آخر من وجوه الخطاب العربى – الاسلامى الغالب :
تتجاوز الأفروعربية أن تكون صورة أخرى من صور الخطاب العربى الاسلامى الغالب في السودان ، على ما ييبدو عليها من سيماء النصفة للمكون الأفريقى في ثقافة شمال السودان. فهى تتفق مع أكثر قسمات ذلك الخطاب محافظة وتبشيرية ، وهى نظرية السودان البوتقة التى تنصهر فيها كل المفردات الثقافية في ثقافة جامعة ما .
ويختلف خطابا غلاة الاسلاميين والأفروعربيين في منتوج التمـازج . فالتمازج القومى في نظر الغلاة سينتهى بشكل مؤكد إلى تبنى الجماعة الجنوبية الاسلام والعربية لأنهما مميزان علويان مقابلة بملل الوثنية ورطانات العجم . فالتمازج في أفق الغلاة هو معسكر دعوة كبير لتغيير الملل واللسان .
أمل الأفروعربيين في تمازج الثقافات في السودان معلق بحركة التصنيع بوسعها أن تزيل البقية الباقية من العوائق بيـن الجنـوب والشمـال (41) . ولسداد الامتزاج يحتاج أهل الجنوب إلى تقوية تأثراتهم بالعربيـة (42) . وعليه يكون ناتج الامتزاج بين الجنوب والشمال لإعادة إنتاج لانسان سنار ، الذي هو أساس التركيبة الهجينة للسودانيين الشمالييـن . فمحصلة الامتزاج بين الجنوب والشمال في نظر الأفروعربيين ستكون بمثابة طبعة لاحقة للسوداني الشمالى الذى لا عيب فيه حاليا سوى تجاهله لتراثه الأفريقى . وهذا التراث هو الذى يرمى الأفروعربيون إلى استعادته لكى يستقيم السودانى الشمالى بين دفتى تراثه المزدوج . فالأفروعربية تجعل إذا من السودانى الشمالى نتاجا للتاريخ الصواب في السودان ، ومنتوجا لن نخطئه كلما اتسعت وتائر التمازج بين الجنوب والشمال .
خامسا – محنة الأفروعربيين في الاستقطاب الثقافى :
الأفروعربية دعوة إلى الوسيطة السعيدة . ولذا أعادت فرز وترتيب رموز الثقافة السودانية لكى تصح قراءة تلك الثقافة في توازن الوسطية المفيد بين العرب الخلص والأفارقة الخلص (43) . ومع ذلك لم تسعد الأفروعربية أحدا ، فهى لم ترق للجنوبيين . نشرت جريدة ( الفجلنت Vigilant ) الانجليزية بتاريخ 14/7/1965 قصيدة بعنوان " الوحدة المغلفة بالسكر " لشاعر من أهل جنوب السودان يستنكر فيها دعوة الأفروعربية .
قال الشاعر :
تفترض الوحدة وجود فريقين الفريقين اللذين يتفقان على التآزر فمن غير المنظور في الوحدة أن تقوم على أشلاء آلاف الضحايا ولا على فوهات جيش منفلت مأمور أن يستأصل شأفة ( الجنوبيين )
ويمضى المقطع ليشير إلى " خطيئة العرب " وهى هجرهم التمثيل المناسب للجنوبيين في أجهزة ، بعد مؤتمر المائدة المستديرة الذى انعقد عام 1965 للمصالحة بين الجنوب والشمال . قال الشاعر :
غير أن الطبيعة نفسها تأبى أن تتخذ الصحراء والسافنا ( الغابة )
غير أنهم ابتذلوا عدل الطبيعة ، حين ظنوا أن بامكانهم توحيدها بمحض القوة .
فقد تلزم الجنوبيين ضرورات التساكن القومى إلى اكتساب اللغة العربية أو عادة عربية إسلامية . غير أنهم سيقاومون كل ميل لجعلهم يتبنون النسبة العربية المقترحة من قبل الأفروعربيين إلى جانب نسبتهم الأفريقية المؤكدة . وستبدو لهم الدعوة إلى إعادة إنتاجهم ، عبر التمازج الثقافى كطبعة لاحقة لانسان سنار ، نوعا من الغش الثقافى لا الحوار . فالجنوبيون محاذيرهم كثيرة ، الصادق منها والمخترع ، حيال عرب الشمال . وهذه المحاذير واضحة في دلالات الازدراء والمقت التى تجرى بها كلمة عربى على ألسنتهم . بل إن بعضهم لايزال يحدس أن أفضل المخارج لمسألة السودان أن يحزم عربه حقائبهم ويقطعوا البحر الأحمـر . وهذا اعتقاد بعيد بما لا يقارن مع النسبة الجزئية إلى العرب التى تقدمها لهم الأفروعربية .
من الجانب الآخر ، جردت التوفيقية الطوباوية الأفروعربيين الليبراليين من كل مصداقية . ولذا يبدون في استقطاب الثقافات الجارى في بلدنا خلوا من كل قوة تفاوضية . فحيلهم التوسط بالهجنة مردودة . فقد جاء في الاحتجاج عند منصور خالد في حلقة تناولت مسألة جنوب السودان بما يلي :
" إن تعريب وأسلمة شمال السودان قد تمت بالتدريج عبر فترة طويلة من الزمن وفي إطار تلاقح ثقافى سلمى . وهو التلاقح الذى بلغ الغاية حتى إن أولئك الذين يبحثون تفردهم في أى من العروبة والاسلام إنما يحرثـون فـي البحـر " (44) .
وقال عبد الله النعيم في الحلقة الدراسية نفسها ، وفي المعنى نفسه ما يلى :
" المحاولات الجارية للتشديد على هوية إسلامية أو عربية خالصة مزعومة لأى من أقاليم السودان هى محاولة مضللة وسلبية في آن معا " (45) .
وفي الكلمتين تفاوض واضح بالأفروعربية قد لا أتفاءل بحظه من القبول لأطراف الاستقطاب في المسألة الثقافية السودانية .
وعندى إجمالا أن خلع أو تحجيم الهوية أو الثقافة العربية هو إما غش ثقافى أو يأس . فالطريق فيما أرى إلى اطمئنان الجنوبيين وغيرهم من حملة الثقافة الأفريقية إلى أمنهم الثقافى ، يمر عبر تصدى العرب المسلمين للنعرات وأنواع التحريم التى تغص بها ثقافاتهم تصديا بالأصالة عن أنفسهم ، لا نيابة عن أحد . ويستلزم ذلك وقفة مستنيرة إزاء الذات وقدرة على تحرى النقد ، وتحمل تبعاته . ولا أحسب أن حملة الثقافة الأفريقية ممن يرغب في الزج بهم كلاعبين رئيسيين في أجندة تفتح وديمقراطية الثقافة العربية الاسلامية . فالأصح في نظرى مثلا أن يدعو من يزعم أن تعاطى الخمر حرية شخصية إلى كامل حرياته الشخصية كعربى مسلم ، لا أن يتخفى وراء نسبته في أفريقيا التى الخمر فيها بعض الماء أو الغذاء أو أنخاب الطقوس . والأهم من ذلك كله ألا يتأسى العربى المسلم لفقدان الجنوبى حريته في شرب الخمر ، قبل أن يتأسى هو لفقدانه الحق ذاته . فحملة الثقافة الأفريقية قد يرغبون أن يروا العرب المسلمين في السودان متمتعين بحقوقهم في الاعتقاد والرأى وأنواع الشغف الأخرى أولا ، قبل أن يصدقوا مشروع الأفروعربيين الحضارى .
ومن الجانب الآخر فخطة الأفروعربيين لاستخدام المكون الأفريقى فيهم وحقوق الجنوبيين لنصرة آراء لهم في الحياة السياسية والاجتماعية هى خطة مكشوفة للغلاة من الدعاة الاسلاميين . فهم يرون الليبراليين من الأفروعربيين إنما يدسون مشروعهم العلمانى وراء تظلمات الجماعات الأفريقية غير المسلمة . وهذه الخطة الأفروعربية في نظر الغلاة مجرد حيلة في علم الحيل . فقد قال الشيخ الترابى ، " إن مناصرى العلمانية منافقون مارقون من بين صفـوف المسلمـين لا يستطيعون الجهر بمعارضتهم للاسلام ، بل يتصنعون الغيرة على حقوق المواطن السوية ، وأنهم بحماية الأقلية غير المسلمة في الجنوب يريدون أن يلقنوا تلك الأقلية لتعبر عن أهوائهم التى لا يستطيعون أن يفصحوا عنها " (64) . وهكذا لم يقض للأفروعربية الموسومة بالوسطية أن تسعد أحدا ؛ وهذا باب في الاخفاق كبير .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
خاتمــة
صفوة القول : إن الأفروعربية هى صورة أخرى من صور الخطاب العربى الاسلامى الغالب في السودان . وهى كخطاب غالب تنهض على محوريـن : المحور الأول ، هو تمييز " إنسان سنار " – نواة السودان الشمالى – عما عداه من أناس في الوطن . ولذا تنظر الأفروعربية إلى الحركة التاريخية في السودان كحركة مستمرة صائبة من التمازج بين العرب والأفارقة ، بين الشماليين والجنوبيين ، لاصدارات متكررة من ذلك الانسان ؛ أما المحور الثانى فهو تشويه الأفروعربية لموضوع خطابها وهو الأفريقى . ففي تنقيبها عن الأفريقى المطموس السودانى الشمالى انتهت الأفروعربية إلى اختراعه كبدائى نبيل . وككل بدائى نبيل ، صدر الأفريقى من حوار الأفروعربية مصنوعا من محض معطيات ومسبقات وتكهنات وتشهيات لا أصل لها في واقع الحال .
لقد أرادت الأفروعربية ، باستردادها المكون الأفريقى في العربى السودانى المسلم ، أن تضرب عصفورين بحجر واحد ، أن تدس خلال ذلك مشروعا خاصا بها في تفكيك محرمات الحضارة العربية الاسلامية التى سدت على يفاعتهم منافذ الاشباع . أما الأمر الثانى فهو تطمين الجنوبى إلى أمنه الثقافى في أروقة مفهومها للتمازج ، الذى للأفريقية فيه مكان ، على خلاف نموذج الغلاة من الاسلاميين والعروبيين .
من الواضح أن برنامج الاصلاح الأفروعربي للثقافة العربية الاسلامية لم يحالفه التوفيق . وواضح كذلك أن الجنوبيين لم يطمئنوا إلى وعده أو شروطه في قدر من التعريب والأسلمة . وهذه بعض دلالات الاستقطاب الثقافى المتفجر في السودان .
إن أفضل الطرق عندى أن يكف أبناء الشمال العربى المسلم عن خلع بعض حضارتهم بدعوى الهجنة . فأوفى الضمانات للأفريقيين في الوطن هى يوم يرونهم قد وطنوا حرياتهم كعرب ومسلمين في باطن ثقافاتهم . فالاحتجاج بحقوق الأفريقيين المعاصرين أو ممن يزعم الأفروعربيون أن دماءهم ، كأسلاف ، قد استقرت فينا هو خطة سلبية جدا . فأهدى السبل إلى السلام والنهضة الثقافية في السودان هو الاقرار بقوامين ( أو أكثر ) للثقافة السودانية . قد تمتزج هذه القوامات وقد تتبادل التأثير والتأثر ، مع احتفاظ كل منها باستقلال الدينامية من حيث المصادر والترميز والتوق .
الهوامش
(1) أنظر محمد عبد الحى ، الصراع والهويــــــة ( ] د.م.د.ن [ ، 1976 ) ، ص 6-29 ( بالانجليزية). (2) المصدر نفسه . ص 8-9 . (3) المصدر نفسه . ص 19-20 . (4) المصدر نفسه . ص 12-13 . (5) المصدر نفسه . ص 23 . (6) المصدر نفسه . ص27 . (7) أنظر : محمد عبد الحى ، " مفهوم الزنج في الشعر العربى في السودان " ورقة قدمت إلى : جامعة الخرطوم ، معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية ، مؤتمر القومية السودانية في ضوء التعدد العرقى والتنوع الثقافى ، الخرطوم ، 26 –28 تشرين الثاني / نوفمبر 1985. ( عبد الحى ، الصراع والهوية ، ص 2-5 . (9) ج. ترمنغهام ، الاسلام في السودان ( ] د.م.د.ن.[ ، 1949 ) ، ص149 . (10) المصدر نفسه ، ص 30 . (11) " حوار مع النور عثمان " الأيام ، 24/3/1979 . (12) أنظر : محمد عبد الحى ، قصيدة " العودة إلى سنار " . (13) المصدر نفسه . (14) كتب محمد عبد الحى إن تاريخ الثقافة السودانية يبدأ بقيام ممالك التلاقح الاسلامية العربية الأفريقية ، ومن بينها دولة الفونج بسنار . ففترة قيام تلك الممالك عنده ( هى التى بدأت في إنتاج ثقافة سودانية – وأعنى بكلمة ثقافة كل طرائق حياة مجموعة ما – لقد امتزج العنصران الأفريقى والعربى وكونا عنصرا ( أفروعربيا ) جديدا ليس بعربى ولا زنجى ... إنه نتاج لقاح هذين العنصرين ) . أنظر : محمد عبد الحى ، " نحو ثقافة أفروعربية " الرأى العـام ، 24/12/1963. (15) المصدر نفسه . (16) وهى الكلمة التى رد عليها صلاح أحمد ابراهيم في : الصحافة ، 25/10/1967 ، واتهم النور بالطعن في العروبة . (17) عبد الحى ، " نحو ثقافة أفروعربية " . (1 محمد المكى إبراهيم ، " المستقبل الحضارى في السودان " الرأى العام ، 13/12/1963. (19) عبد الحى ، المصدر نفسه . (20) إبراهيم ، " المستقبل الحضارى في السودان " الرأى العام ، 15/12/1963. (21) المصدر نفسه ، في : الرأى العام ، 8/12/1963. (22) المصدر نفسه ، في : الرأى العالم ، 15/12/1963. (23) المصدر نفسه . (24) المصدر نفسه ، في : الرأى العام ، 13/12/1963. (25) المصدر نفسه ، في : الرأى العام ، 15/12/1963. (26) المصدر نفسه . (27) المصدر نفسه . (2 المصدر نفسه . (29) المصدر نفسه . (30) المصدر نفسه ، في : الرأى العام ، 8/12/1963. (31) عبد الحى ، " مفهوم الزنج في الشعر العربى في السودان " . (32) عبد الحى ، الصراع والهوية ، ص 27 . (33) محمد المكى إبراهيم ، " الجنوب في شعر المجذوب " مجلة الاذاعة والتليفزيون والمسرح ، العدد 36 ( 7 تشرين الأول / اكتوبر 1976 ) . (34) عبد الحى ، " مفهوم الزنج في الشعر العربى في السودان " ، ص 12 . (35) المصدر نفسه ، ص 10 . (36) المصدر نفسه ، ص 12 . (37) إبراهيم " الجنوب " مجلة الاذاعة والتليفزيون والمسرح ، العدد 36 ( 7 تشرين الأول / اكتوبر 1976 ) . (3 أنظر : تقرير لجنة التحقيق في تلك الحوادث . (39) إبراهيم ، المصدر نفسه . (40) المصدر نفسه . (41) عبد الحى ، " نحو ثقافة أفروعربية " . (42) إبراهيم ، " المستقبل الحضارى في السودان " الرأى العام ، 13/12/1963 . (43) سعد حامد حريز ، " المقومات الثقافية للقومية السودانية " الصحافة ، 2/12/1968 . (44) من كلمة له في حلقة دراسية انعقدت في امريكا في عام 1987 حول مسألة جنوب السـودان . (45) من كلمة له في الحلقة الدراسية نفسها . (46) من محاضرة له عن تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان .
كما ذكرت سابقاً شكري الجزيل لعزيزى الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا الذي تعلمت منه الكثير والكثير .
سفيان نابرى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: عمر ادريس محمد)
|
شكرا لكل الاخوة المتداخلين هنا واخص بالشكر الاخ هاشم الحسن الذى كتب كلاما جميلا وهادئا بلغة رصينة منتقدا او لائما لى لاننى اغمطت الدكتور عبد الله حقه فى الترشيح واننى كاحد الاعلاميين والمثقفين ما كان يتوقع منى ذلك وهذه النقطة بالذات هى ما بنى عليه اللوم ولا اقول النقد فوضعنى وبعض المثقفين فى خانة التناقض اذ كيف نؤمن بالديموقراطية ونرفض ابسط قواعدها وهو حق الانتخاب لكل فرد ؟ وسوف اجيب على هذه النقطة ومن ثم بقية النقاط الاخرى التى قدم فيها تساؤلات بادب جم واحترام شديد وهو ما قاد اخرين من امثال نابرى وغيره بالدخول وتقديم مشاركات على مستوى ما تناول اخونا هاشم فى مداخلته وبنفس مستوى تناوله.. قال الاخ هاشم فى مداخلته ( لا يفوتنى ان اقرا بين السطور امتعاضك من واعتراضك على ترشيح الدكتور عبد الله على ابراهيم نفسه للتنافس على منصب رئيس الجمهورية هذا بغض النظر عن موقفك الفكرى او الانتخابى منه ) ويقول الاخ هاشم فى الفقرة الثانية ( وتجدنى استغرب غاية الاستغراب لموقف كهذا منك كاحد افراد الشعب السودانى المثقف ؟ ما السىء او الضار بك ان يترشح احد افراد الشعب لمثقف مثلك لهذا المنصب ؟) ولابد لى هنا من توضيح ... يلاحظ القارىء فى الجزء الاعلى من الموضوع ما قلته بالنص فى الفقرة الرابعة وانقلها هنا ايضا ربما ان الاخ هاشم لم يراها او لم يقراها او نسى لان حسن النية لدى وارد وهذا شىء طبيعى ..تقول الفقرة ما يلى ( اما حكاية ترشيحه وهذا من حقه بالطبعا ن يرشح نفسه ولكن هو متهم من قبل الدكتور منصور خالد باشانة السمعة وقضيته عند احد المحامين فى ولاية ميسورى الامريكية حيث يعيش الان بعيدا عن دولة المشروع الحضارى التى يدافع عنها ويغبش المسائل من اجلها بمقالاته التى ينشرها فى صحيفة الراى العام كل اسبوع 0) يبقى هنا على هنا ادخال القارىء كحكم بينى وبين اخوى هاشم الذى لامنى ولم ير لذا فان هذه الفقرة كفيلة بالرد عليه وانا اوضحت امتعاضى ولم اعترض كما قال اخونا هاشم وهنا يتضح ان كنت ممتعضا ام معترضا مما ينفى هذه التهمة او اللوم على .. الا اننى هنا اريد ان اوضح للاخ هاشم نقطة مهمة انا بصراحة كدة ممتعض من شخص ابتعد كل البعد عن قضايا جمهوريته وخاصة السياسية وتفرغ لمناكفة افراد يختلف معهم فى الفكر والراى ووظف كل همه وعلمه وثقافته لادانة شخص ما لمدد طويلة ولم يكتب حرفا واحدا عن قضايا الدولة او الجمهورية التى سوف يترشح لرئاستها وانا متابع له ولنشاطه الفكرى منذ زمن كيف لى ان اقبل وانا الشخص العادى المكتوى بنار نظام بشع كما يقول هوفى بعض الاحيان واقرا واشاهداخرين فى الساحة السياسية من يعترض ويقول رايه بصدق وصراحة فى كل شىء وعبد الله ليس من بينهم كيف لى ان لا امتعض من ترشيحه ..
ادخل معك اخى هاشم للنقطة الثانية وهى اننى شاركت بهذه المداخلة فى بوست لزميلة نبيلة عبد المطلب وفتحت بها بوست خاص واحكى لك السبب .. وصلتنى اكثر من خمسين رسالة عبر البريد الالكترونى يوضحون لى فيها ان بوست الاخت نبيلة يتناول الحدث كخبر وان المتداخلين فيه انحصرت ردودهم حول الخبر واننى تناولت القضية من زاوية السبب واننى شرحت هذا السبب ولذا لابد ان يكون هناك بوست خاص لاننى اتيت بمعلومة جديدة عن السبب الذى جعل عبد الله على ابراهيم ياتى للسودان بعد ان قدم استقالته للعودة النهائية ومن ثم عملية ترشيح نفسه فى انتخابات رئاسة الجمهورية ولعلهم احسوا باهمية ما قلت وطالبونى وانا رايت ان وجهةطلبهم ووجهة نظرهم سليمة والحمد لله ان البوست نجح فى جذب قراء جدد من نوعية خاصة وكنت انت فى اولهم وهذا ما اسعدنى .. سوف اواصل الرد على الاخ هاشم تباعا ان شاء الله ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
يقول الاخ هاشم فى شان استغلال منبر طيبة برس لاعلان الترشيح ما يلى ( أما موضوع استخدام منبر (طيبة برس) فمبرر: (طيبة برس) منبر إعلامي يتطلع لأن يكون منبراً ثقافياً فيستغل وجود الدكتور و يدعوه لإلقاء محاضرة ثقافية!! المحاضر يعلم أن المنبر بالأصل منبر إعلامي يوفر فرصة لا تعوض في نشر خبر ترشيحه فلم لا يستفيد منه؟ أنت كإعلامي تعلم أن مثل هذا التصرف إنما هو من العادي جداً وروده في العمل السياسي و الإعلامي... أن تتوقع شيئاً فيفاجؤك الواقع بشي غيره.. و هذا بالذات من المعتاد في السياسة الأمريكية و إعلامها حيث تابعها الدكتور المرشح.) واقول للاخ هاشم اتفق معك ان السياسى الحصيف هو من لا يقاطع اى جهاز اعلامى يستطيع من خلاله ارسال رسالته لمن يريد ولكن كيف ..؟ الدكتور عبد الله تمت دعوته لتقديم محاضرة عن السودان المريض الان فى ذكرى الاستقلال وهى مناسبة والجهة المستضيفة دعت الناس على هذا الاساس فاذا بالحاضرين يرون شيئا اخر لا يمت لعنوان المحاضرة بصلة فماذا تريد منهم بالله عليك ان يقولوا غير انهم خدعوا او تم نوع من التدليس كما قال الدكتور حيدر وهذا من حقه لانه وهو راجل عنده التزامات ووقته دائما مليان وتفرغ لهذه المحاضرة ليستفيد هو والاخرون فاذا بهم يجدون مرشحا لرئاسة الجمهورية وانهم امام دعاية انتخابية وان المحاضرة الاصلية غابت ..تسمى شنو بالله موقف زى دا ..؟ الا ان النقطة المهمة الاخرى التى ذكرها الاخ هاشم واقحمنى فيها رغم ان لاناقة لى فيها ولا جمل عندما قال ما يلى .. ( ثم، هذا الحديث عن هروبه من محاكمة ما في ميسوري!!! هل أنت جاد؟ أيهرب (عاقل) من موضوع لا يزال مستقراً على رأيه فيه و يواصل الكتابة عنه و عن محاكمات أخر جارية فيه، بأن يرشح نفسه لرئاسة دولة هي بلده و بلد شاكيه الذي تزعم، كتعبير عن إيمانه بالديمقراطية و بعافية يرجوها لهذه الدولة؟؟ هل الدكتور منصور خالد نفسه، لو صحّ ما نسبته إليه من رفعه دعوى إشانة السمعة، جاد؟؟؟ و ما قال الدكتور عن الدكتور على أية حال؟؟؟ قال إنه (قوّال) snitch !!!!!ه فهل سيثبت المحامي الأمريكي للمدعي غير ما أثبتت الوثائق المتاحة للكافة إنه قال و قال و قال فهو إذن قوّّال؟ أقول لك شيئاً: لو أراد المحامي أقوالاً أكثر مباشرة مما كتب الدكتور عبد الله عن هذا الموضوع، فعندي منها تسجيل حديث بالصوت و الصورة و مباشر و محضور من جمع كبير.... فلربما إذن يفيدكم في الدعوى!!!) انتهى كلام الاخ هاشم واقول يمكن للقارىء ان يقرا كيف انه اقحمنى فى هذه القضية باستخدام كلمة يفيدكم فى الدعوى التى اوردها فى اخر الفقرة الا ان اخطر ما قاله هنا الفقرة التى تقول ان المحامى الامريكى لو اراد المحامى الامريكى اكثر مباشرة مما كتب الدكتور بالصورة والصوت ومحضور من جمع كبير وانا اقول لك اخى هاشم هذا حسن ويمكن يفيدكم فى القضية وهنا ارجع لك كلمة يفيدكم لانك اصبحت احد الاطراف التى تملك الادلة... والادلة مكانها المحكمة بالطبع اليس كذلك وممكن يتم استدعاؤك كاحد الشهود وعندها سوف ترى المحكمة وانا اشكرك على هذه المعلومة ..التى ادخلت فينى بعض الشك وان شاء الله يتضح فيما بعد .. اواصل الرد على الاخ هاشم الحسن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وعن مقال الراحل الاستاذ الخاتم عدلان الذى اوردته هنا قال الاخ هاشم ..
(أما مقال المرحوم الخاتم ففي رأي هو مقال عداء فكري مؤدلج لا يخلو، في أوهى التقدير، من تعسف شديد في قراءة الورقة المناقشة، و على كل، فهو لا يقدح في حق الرجل أن يرشح نفسه و لو رأى فيه المقال ما رأى!!! لو أردت مناقشة رأيي من المقال في خيط خاص، فلا بأس...! أما ما أوردت عن آراء غير تلك فهي رأي من ليس له أن يعترض على مبدأ الترشيح إلا بحق دستوري و إن جاز له أن يترشح ضده و أن ينافس المرشح أو أن يكتفي بالإستغراب لو أراد؟)
عندما اوردت مقال االاستاذ الخاتم هنا كنت ارمى لشىء واحد فقط هو ان الدكتور رغم انه بهتم بالتعليق على بعض القضايا الهامشية والتاريخية فانه يهمل اشياء فكرية كبيرة مثل هذا المقال الذى كتبه الاستاذ الخاتم ولم يرد عليه فى حياته ولا اعتقد ان هناك اى تعسف وانما حقائق ذكرها الكاتب واراد ان يوصلها للقارىء لانه احس بنوع غريب من المعلومات التى اوردها عبد الله على ابراهيم فى ورقته تلك وهو الاقرب اليه فكريا وتنظيميا ويعلم الكثير من الاسرار التى تربط بينهم الثلاثة لا نستطيع ان ايرادها الان ولم يشا الدكتور الدفاع عن نفسه امامها فى حياة الكاتب الى ان توفاه الله ..
الفقرة الاخيرة والتى اريد الرد عليها فيما قاله الاخ هاشم تقول ..
(و لكنه أمر مخجل أن يكون موقف الدكتور الطيب زين العابدين في المقال الملصق اعلاه أكثر تفهماً و أشد منطقاً من أراء النائحين على الديمقراطية دهراً ثم لما تدق طبولها يعرضون خارج الدارة و يشنعون على من يعرض نفسه لبطانها!!!)
واقول لك اخى هاشم خذلك قلمك عندما قلت من المخجل وكلمة من المخجل كان يمكن ان تكون صحيحة لو ان الرجل غير ديموقراطى او يدعو لغيرها فالرجل كما نعرفه من المنادين بالديموقراطية ويجد الاحترام من الكل رغم انه من قيادات الاخوان المسلمين ورايه دائما صائب وانا استشهد به وهو داعية للديموقراطية وليس فى دعوته ما يخجل احدا لهذا نحترمه ونحترم كل من يدعو لها ولك منى كل تحية وتقدير واحترام واتمنى ان لا اكون جرحتك بكلمة واذا حدث فاعذرنى وسامحنى وكلنا ننشد الرشاد والاستقرار لوطننا الكبير السودان ..اواصل الردود على بقية الزملاء والاخوان المتداخلين ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الاخ العزيز سفيان نابرى اشكرك جزيل شكرى على المجهود الجبار الذى بذلته فى شان اضاقتك لمكتبة الصديق والاديب اخونا عبد المنعم عجب الفيا وهو كان احد المتداخلين الرئيسيين فى ندوة الدكتور عبد الله على ابراهيم بالمجمع الثقافى فى ابوظبى عن السودان الشمالى والتى نشرها هنا وعقب عليها الاستاذ الخاتم بما يعرف من علمه الغزير .. افسح لك الفرصة لانزالها كاملة ومن ثم مداخلة الاستاذ الخاتم عدلان يرحمه الله ويحسن اليه . اما بوستك والله ما شفته لكن كثرة الايميلات التى طالبتنى بفرز مداخلتى من بوست الاخت والزميلة نبيلة ما جعلنى افتح هذا البوست الذى انا سعيد به لان امثالك هنا معى لانجاحه والحمد لله نجح كبوست للمثقفين الذين دائما ينتقدون حال المنبر لانهم لا يجدون ما يشفى غليلهم بعد ان كثرت فيه الاراء الفطير وبوستات كلمة وسطرين .. انا فى انتظارك وسوا سوا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
Quote: اما بوستك والله ما شفته لكن كثرة الايميلات التى طالبتنى بفرز مداخلتى من بوست الاخت والزميلة نبيلة ما جعلنى افتح هذا البوست الذى انا سعيد به لان امثالك هنا معى لانجاحه والحمد لله نجح كبوست للمثقفين الذين دائما ينتقدون حال المنبر لانهم لا يجدون ما يشفى غليلهم بعد ان كثرت فيه الاراء الفطير وبوستات كلمة وسطرين ..
|
الأخ العزيز الكيك تحية طيبة وسلام
ياراجل بوستي كان الغرض للتنبيه وللنقاش الجاد والهادف وطالما الغرض واحد فمافي إي مشكلة وغالب ظني أنو تعدد البوستات ذات المعني الواحد يذهب بالحوار لمنحنيات لا نحتاج لها غالباً . كما أني ارى بأن حديثك عن مسألة البلاغ المتقدم به دكتور منصور خالد ضد دكتور عبد الله علي إبراهيم هي (وإن صدقت ليس للتذكيبك لكن ليس لي بها إي معرفة أو دراية) مسألة خاصة تخص منصور خالد ومن حقه رفع دعوي إذا تعدي عليه عبد الله أو اي شخص اخر وفي ذات الوقت ارى أنها (وأن صدقت كما قلت سابقاً) مهمة جداً طالما أن الدكتور عبد الله متقدم لترشيح رئاسة الجمهورية خصوصاً هو المثقف والعارف بالتاهيل وشرط الترشيح لمثل هذه المناصب لكنى ارى ايضاً أن من المهم في مسألة الترشيح هذا نقاش افكار وروى الدكتور عبد الله لأن الرجل بكل مقائيس لبثقافة مثقف وعارف ومتعلم بدرجة يتفق ويختلف حوله الكثيرين وهو الامر الذي يجب أن نحاول تحليله وأتمني أن يذهب البوست هذا الاتجاه حقاً .
Quote: افسح لك الفرصة لانزالها كاملة ومن ثم مداخلة الاستاذ الخاتم عدلان يرحمه الله ويحسن اليه . |
اظن بأني يا صديقي قمت بانزال تلك الندوة في احد الروابط التى في الاعلي اما اذا كانت مبتورة وناقصة فأتمني أن تحاول ايجادها وانزاله بما أنك كنت من الحضور فهذا الموجود بالاعلي هو ما وجدته في مكتبة الصديق عبد المنعم عجب الفيا التي هي من اهم المراجع لي في مايخص دكتور عبد الله علي إبراهيم وفي الكثير من قضايا الثقافة .
أما فيما يخص الاخ هاشم الحسن اذا سمحت لي وسمح لي هو فأني اقول :- من حق الدكتور الترشيح كما من حق إي احد اخر اذا كان مستوفي الشروط المتعارف عليها في مثل هذه الحالة واقصد بالشروط ليس تلك الشروط وفق طرق الرئاسة في السودان منذ اليوم ونحن نرجع بالعقل للخلف إلي العام 56 ميلادية وخصوصاً أن الدكتور عبد الله هو ما هو من معرفة وهو ما هو من اراء وكتابات وافكار وهو ماهو من إعتقاد الكثيرين فيه بأنه المثقف العارف . من ناحية اخرى اخى هاشم يحق لمن اسميتهم بالمثقفين أو حرج المثقفين أن يقفوالموقف الذي يروه مناسباً من الرجل واظن أنك تري الجانب الضد وهو ايضاً حق بكل المعايير إذما كان هناك ما يسمي (بالمثقف العضوئي والمثقف غير العضوئي) كما قال به العارف بالثقافة ( ميشل فوكو) فالمثقف العضوئي هو ذاك الذي ينتمي لمجتمعه ويعمل لاجل قيادته وتقدمه وغيره هو غير ذاك ، من هذا الجانب اظن النقاش جدير بحالة الدكتور عبد الله علي إبراهيم .
لكم جزيل شكرى وتقديرى . سفيان نابرى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: سفيان بشير نابرى)
|
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1146 -------------------------------------------------------------------------------- الكاتب : admino || بتاريخ : الإثنين 05-01-2009 عنوان النص : "قون" في الدقائق الأخيرة : قرشي عوض أثار اعلان د. عبد الله علي ابراهيم نية ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ردود فعل واسعة في الوسطين الثقافي والسياسي. وبل وقابله البعض بالاستهجان طالما انه لم يكن في الامكان تجاهله بسبب انه يصدر من مفكر رقم في قامة عبد الله علي ابراهيم، الرجل الذي ظلت مسيرته السياسية مثيرة للجدل لما له من افكار ظلت عسيرة على الهضم بالنسبة للنخبة السياسية والمتعلمة لاسباب تخصه هو كما تخص تلك النخبة. تجدر الاشارة الى ان عبد الله الذي يعود للاقتران بالممارسة السياسية كان قد طلقها منذ سبعينات القرن الماضي بعد ان غادر صفوف الحزب الشيوعي لاسباب آثر الشيوعيون ان يتسامروا بها دون ان يوثقوها. فكل الذي قيل في هذا المضمار بضع كلمات وردت في اصدارة يتيمة لورشة المبدعين الشيوعيين في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي أظنها اقيمت في اطار الاعداد للانتخابات عام 1986م. وجاء الحديث عن عبد الله في اطار البحث عن اجابة لسؤال مفاده لماذا يغادر المبدعون الحزب الشيوعي وذكرت اسماء من ضمنها عبد الله علي ابراهيم وقالت الاصدارة (قيل انه قدم استقالة غير مسببة). كما كتب الكاتب الصحافي الذي ترك الحزب الشيوعي هو الآخر الاستاذ ابوبكر الأمين في عموده بجريدة الحرية في عام 2001م عن تلك المقابلة التي جمعت عبد الله مع قيادي شيوعي لا زال في قيادة الحزب تحت عمود كهرباء بالديوم وكان الاثنان في الاختفاء وقد تبادلا في ذلك اللقاء ما أسماه ابوبكر بـ(البقج) ويعني بها صرة الأوراق والمستلزمات الحزبية في حياة الاختفاء وكان من ضمن ما تسلم ذلك القيادي في تلك (البقجة) استقالة عبد الله من الحزب مذيلة ببيت شعر للمتنبي يقول: (اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ان لا تفارقهم فالراحلون هم) فأخذ ذلك القيادي يصيح (الراحلين نحن يا عبد الله) هذا ما اطلعت عليه بخصوص طي عبد الله لخيمته من مضارب بني الأحمر. وفي برنامج حواري بتلفزيون السودان في (التسعينيات) استخدم الاستاذ حسين خوجلي كل براعته لينتزع من عبد الله انتقادات للحزب الشيوعي لكن الرجل نفذ من تلك الشراك ببراعة تفوق براعة محاوره لم يزد على القول ان هنالك من يعتقدون ان لهم مساحات ولم يفسر تلك المساحات ولا اشار لمن يمتلكها واختتم حديثه قائلاً عن الفترة التي قضاها بالحزب ان تلك صفحة في حياتي قد انطوت بعناية. هذا كل ما قيل ويبقى جل الحكاية في صدور الرجال شأنها شأن معظم تاريخ الحزب الشيوعي السوداني الذي شاء البعض ان يأخذوه معهم في رحلتهم الابدية وتلك قصة اخرى وسوف تتراجع الى ذيل الاهتمامات الوطنية كلما ادلهم الخطب وتكالبت على الوطن المصائب. لكن تلك الفترة التي قضاها عبد الله في الحزب ظلت ذكرياتها حبيبة الى نفسه خصوصاً ما تعلق منها سنوات الاختفاء والاعتقال وعطبرة التي لم يتصور احد ان يعود اليها بهذه الطريقة وكل ذلك تعكسه كتاباته واحاديثه في الندوات واللقاءات الصحفية والتلفزيونية. وظل عبد الله يتغزل بالديمقراطية النقابية وتجربة عطبرة وكيف انه تشرب الحداثة فيها منذ نعومة اظافره عبر صافرات ضبط الوقت وزخم حياة المجتمع الصناعي الذي كان يتشكل هناك قبل ان يرضع تلك الفكرة من الكتب وينهل منها من خلال قاعات الدرس والمكتبات. كما ظل من جانبه يحمل على طبقة البرجوازية الصغيرة ويحملها كل تداعيات الهرج الذي تعيشه البلاد من خطرفات ثورة مايو وحتى اتفاقية نيفاشا كما ظل يتمسك بمفهومه الطبقي للصراع السياسي. وقد قال لي السياسي الشاب عادل عبد الصافي انه قال لعبد الله انك وعلى الرغم من خروجك من الحزب الشيوعي الا ان الحزب لم يخرج منك، وقال له عبد الله ان ذلك صحيح. ولم يتسنى لي ان أسأل عبد الله عن هذا الحديث لكنني كنت حضوراً في مناقشة عابرة لعبد الله مع بعض مريديه في الخرطوم وقال له احد الحضور انك لم تغادر شجرة عبد الخالق محجوب واجابه عبد الله (ولن أغادرها). كما ان الرجل في كثير من احاديثه كان يردد ان قاطرة الوطن تحتاج ان تعاد فوراً الى ورش الصيانة بعطبرة وفي حديث تلفزيوني الاسبوع الماضي باحدى القنوات السودانية اعتبر الرجل عطبرة هي المدينة الوطنية وليست أم درمان. المعروف ان لعبد الله اهتمامات مبكرة بالبادية وبالريف وقد قضى جزءاً من وقته في البحث داخل تراث الكبابيش كما ان رسالته كانت بعنوان (النواحي البلاغية في شعر الرباطاب). وفي حواره التلفزيوني مع حسين خوجلي سالف الذكر مقروناً مع ايمانه بالطبقة العاملة يوسع عبد الله مفهوم الطبقة العاملة لتشمل كل الفقراء والكادحين وقال لمحاوره لم أفقد ايماني بغمار الناس. لكنه في الندوة التي اقامها بجريدة الصحافة وقام شخصي باعدادها للنشر ابان توقيع اتفاقية السلام وبعنوان تداعيات الهرج والذي اعتبر د. عبد الله نيفاشا من تلك التداعيات مركزاً هجومه على البرجوازية الصغيرة والتي يبدو انه قد قصرها على طبقة الافندية في حين ان الماركسية تدخل فيها المنتج الصغير الذي لا يبيع قوة عمله وهذا تعريف يشمل كل المزارعين خارج المشاريع الكبرى والرعاة في القطاع المطري التقليدي والذين يشكلون 70% من سكان السودان. والماركسية لم تعن بالفقر في حد ذاته ولكنها كانت معنية عن تقريب العامل عن قوة عمله في شكل فائض القيمة التي تشكل الربح والذي تنظر اليه الماركسية باعتباره عمل غير مدفوع الأجر. وهذه معادلة لا يدخل فيها الفقير الذي يملك أدوات عمله في القطاع التقليدي، وعليه فقراء الريف وليس اجراء الريف الذين ينتجون القيمة المضافة في مشروع الجزيرة لا يدخلون ضمن الطبقة العاملة. هذا المفهوم يروج له الحزب الشيوعي الآن في اطار سعيه لتوسيع دائرة الطبقة العاملة (بقدرة قادر) والشيوعيون يدخلون فيها بخلاف عبد الله حتى الأفندية وما كان يسميهم ماركس بالبروليتاريا الرثة الذين يشكلون جيشاً احتياطياً للبرجوازية ويقصد بهم من يعملون في الحرف الهامشية ضمن الاقتصاد المديني. وعليه لا يمكن التمسك بالمفهوم الماركسي للتقسيم الطبقي وفي ذات الوقت البحث عن توسيع دائرة الطبقة العاملة باضافة فئات ليست منها. كما ان عبد الله علي ابراهيم لن يعود الى عطبرة في قطار الثامنة، فالمدينة لم تعد تلك المدينة وبها التي بها تركيبة اقتصادية أكثر تعقيداً مما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات ويحتاج عبد الله لأكثر من طول باعه في علم التاريخ لكي يستوعبها، هذا اذا لم يعود ادارجه للخرطوم لأن عطبرة التاريخية قد انسحبت الى الذاكرة وكل من غادرها قبل 10 سنوات لابد ان يستخدم الهاتف عدة مرات لوصف أماكن كانت مألوفة مثل مكتبة حنتبلي ودبورة وقهوة القراي ودكان أبوشنب ومكتبة البلدية. وربما لا يصدقنا العائدون الى عطبرة اذا قلنا لهم ان سعر قطعة الأرض قد بلغ 100 مليون جنيه وان ايجار المنازل قد فاقت فيها بعض احياء ام درمان وان المدينة تنتظمها حركة عمران رفعت عدد المغالق، من مغلق واحد هو مغلق العاملين لصاحبه عباس الخضر الى أكثر من 20 مغلقاً. والسبب يعود الى تركيز الخدمات من كهرباء ومياه وتعليم وهاتف وصحة وطرق بولايتي نهر النيل والشمالية، لدرجة انه يوجد استاذ في مقابل كل 17 تلميذ بنهر النيل في حين انه يوجد استاذ في مقابل كل 133 تلميذ بولاية جنوب كردفان. من لا يخاطب هذه الانجازات التي تحققت في عطبرة وغيرها من مدن نهر النيل لن يجد اذناً صاغية من أهل المدينة كما ان ما تحقق من انجازات يصب في مصلحة المؤتمر الوطني ضمن خطته لتركيز التنمية داخل مثلث حمدي. والمعضلة التي يواجهها د. عبد الله بوصفه نصيراً للكادحين وباحثاً عن التعافي عن ما حدث بين الشعب والدولة والشعب والشعب هي هل سينحاز الى احقاق العدالة حقاً ويقول ان هنالك عدم عدالة في توزيع الموارد وان رفع الغبن يقتضي ضمن تدابير اخرى خفض عدد المعلمين في عطبرة ورفعه في محلية ابوجبيهة وذلك باعتماد 500 وظيفة في مجال التعليم وفي هذه الحالة انصحه ان يبدأ حملته لرئاسة الجمهورية من محلية ابوجبيهة او تلودي، أم انه سوف ينظر بعين الرقباء الى ما تحقق من اجندة اليسار السوداني والرعيل الأول من النقابيين وفي هذه الحالة عليه ان يدع جانباً والاكتفاء بالترشح في دائرة عطبرة وحينها سوف تتنازل له كل الاحزاب بما فيها المؤتمر الوطني لأن لا أحد يرى أبعد مما يرى. ذلك على الرغم من ان عبد الله يستحق ان يحكم السودان بحكم تجربته السياسية وتأهيله الاكاديمي وحبه لغمار الناس لكن غالبية غمار الناس لا تعني لهم النقابة شيئاً بل انهم ربما لم يسمعوا بها لان التنظيم الاجتماعي وسط سكان القطاع المطري التقليدي صاحب الحضور الأكبر في المشهد السياسي لم يصل بعد الى مرحلة التقسيم الطبقي والسؤال الجوهري وسط هذه الكتل البشرية هو التساوي مع الآخرين في الكرامة ولذلك هناك اسئلة جديدة تنطرح في الساحة لن تجدي أمامها التدابير البسيطة على شاكلة (البوش الجلابي) الذي دعى له د. عبد الله في كتابه الرهق الخلاق والذي وصف فيه الانقاذ باعتبارها آخر دولة جلابة في السودان. لكن يبدو ان هنالك بصيص أمل في تصريحات عبد الله داخل الندوة التي حولها حسبما يرى البعض الى مؤتمر صحافي حيث يلاحظ تغيراً في وجهة نظر الرجل تجاه اتفاقيات السلام المبرمة خاصة نيفاشا التي وصفها في وقت لاحق باحدى تداعيات الهرج، حيث امتدح توافر الأسس الواجبة لبناء وطن حر مستقل تظلله الإلفة السودانية عبر الاتفاقيات الناجزة والتي تحت النظر حتى كدنا بما توافر لنا من مواثيق ان نرى الضوء في آخر النفق. وعلى الرغم من مصير الخطوة التي قام بها د. عبد الله الا انها ذات دلالة مهمة على رأسها تواصل تصالح النخبة النيلية مع اتفاقية السلام في نيفاشا التي ابتدرته اعترافات احزاب الشمال بالاتفاقية وحصر انتقاداتها لها في المحاصصة، وكما ان تلك الخطوة تكسر حلقة (العوافة) للسياسة من قبل الطبقة الوسطى السودانية خاصة تلك التي لازت بالمهاجر ربما هرباً من هجير الانقاذ وجمرها. وبدخول آخر (عزّابي) سياسي لعش الزوجية السياسية بعد ان هجرها في المضاجع على تلك الفترة حتى يكون قد انفتح ثقب في جدار الرفض الاكاديمي للعمل السياسي وربما يتوسع بانتهاج طرائق مختلفة لتلك التي اختطها د. عبد الله. تجدر الاشارة الى ان سبب التشرذم الحالي ضمن عدة اسباب مساوية له في الأهمية هو ابتعاد المثقفين عن العمل السياسي والاكتفاء بترك افكارهم في الشارع السياسي يلتقطها السياسيون السابلة الشيء الذي افرز قيادات فاقت الكارثة حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه، وعليه تجئ فكرة القائمة الوطنية للنهضة اختصاراً (قون) كخطوة تشكل في الدقائق الأخيرة وليس في الزمن الضائع اذا أحسن استثمارها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
صوتي للدكتور عبد الله علي إبراهيم سارة عيسي [email protected] تابعت مشروع الدكتور عبد الله علي إبراهيم الإنتخابي ، فالرجل الذي طالما كان يعتز بيساريته العتيدة عقد العزم للترشح لرئاسة السودان ، فهو لا يريد إلا الإصلاح ، وقد ضحى بوظيفته في بلاد العم سام ، في تلك البلاد لا يهتم الناس كثيراً بالتاريخ ً ، يهتمون بترنح بناسداك وصعود وول ستريت وأسعار العملات وتداولات الأسهم ، لذلك من الطبيعي أن تجد المثقف هناك لا يعرف كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم أمريكا ، لست بصدد دراسة عزوف الأمريكيين عن دراسة تاريخ بلادهم لكن ما أستوقفني حقاً هو مشروع الدكتور عبد الله علي إبراهيم السياسي ، وأظنه أساء التقدير عندما وصف نفسه بأنه أوباما السوداني ، من وجهة نظري أن الدكتور عبد الله علي إبراهيم هو من جيل الشيوخ وإن لبس ثوب الشباب ، ومن خلال قراءتي لبعض ما يكتب أنه ينتمي للنخبة وليس للهامش الذي فتح طريقاً ثالثاً للوصول إلي السلطة ، فواقع التهميش الذي أفرز ظاهرة أوباما في أمريكا لم يطال الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي سلك طريق الرئاسة وهو في أخريات أيام العمر ، وقد أغفل أستاذ التاريخ أن السودان يختلف كثيراً عن بلاد العم سام ، هنا تداول السلطة ممنوع ، والمشير البشير هو رئيس حكومة السودان بصورة سرمدية طالما رزقه الله الصحة والعافية ومداه بطول العمر ، وهناك مستجدات حدثت قد تجعل الرئيس البشير أكثر إلتصاقاً بكرسي الحكم ، من بينها المحكمة الجنائية الدولية ، فالرجل لن يقبع في قهوة أرباب المعاشات لتناله براثن القضاة الدوليين ، وهناك عائق ثاني يقف في حملة الدكتور إبراهيم وهو أن حكومة الإنقاذ قدمت مشهداً في مسرح تداول السلطة لم يكن مألوفاً من قبل وهو الجهوية المسنودة بقوة السلاح ، من له قبيلة في الأطراف وجيدة التسليح يستطيع أن يتخطى حواجز صناديق الإقتراع ، فأقل منصب يناله هو مساعد الرئيس وهناك مساعي لحمل الإنقاذ على ممارسة لعب الكراسي داخل القصر الجمهوري ، بحيث تدور كأس الرئاسة بين أقاليم السودان المختلفة ، فالبشير أرسى هذه الفضيلة عندما قال : لن نفاوض إلا من يحمل السلاح ، إذاً حملة الدكتور إبراهيم لا تزيد عن كونها فرقعة إعلامية محدودة في الميدان الشرقي لجامعة الخرطوم عندما تكون هناك منافسة رياضية بين طلاب الطب والهندسة ، أنها مثل حملة السباح الشهير " كيجاب " الذي حاول إستغلال مهارته في السباحة لتجنيب السودان الغرق ، ربما يحاول الدكتور عبد الله إبراهيم أن يركب قارب الإنقاذ " باللفة " ، مثل الذين يخفقون في إنتخابات الإنقاذ عادةً ما يخرجون من المولد ببعض الحمص ، فربما ينال مقعداً في المجلس الوطني مخصوماً من حصة حزب المؤتمر الوطني ، فدكتور إبراهيم يعلم أكثر من غيره أن ترشحه للرئاسة هو عبث لا طائل منه ، فالسودان اليوم ليس هو حي ود نوباوي القديم ، و هو ليس جامعة الخرطوم أو الفضائية السودانية حيث تشعر بالدفء والأمل وأنت تسمع ما يُقال ، السودان بلد مترامي الأطراف وتحرقه الحروب من كل جانب ، هو بلد مقبل على المجهول ولن تُحل أزماته بتغيير الأشخاص ، على العموم أتمنى للدكتور عبد الله إبراهيم حظاً موفقاً في الإنتخابات القادمة ، وسوف أمنحه صوتي المتواضع مع تقبلي لمخاطرة أنه يلعب دوراً في مسرحية حزب المؤتمر الوطني ، لذلك نريد منه توفير الخبز والدواء وإستقامة العدل ومحاربة الفساد ، لقد نال العسكر حظهم من السلطة حتى شبعوا ، وتعاملوا مع السودان كأنه غنيمة حرب ، أنهم الآن يبكون على ضحايا غزة بينما يقتلون ألوف الناس في دارفور بنفس الطريقة والحقد والمنهج ، نريد أن يكون الرئيس القادم أن يعيش مشاكل السودان كأهله ، وقد ساءني إتصال الرئيس البشير على قناة الجزيرة وهو يعلق سياسياً على أحداث غزة ويصفها بالعمل الإجرامي !!! إذاً ما الذي يحدث في دارفور يا سعادة الرئيس ؟؟ ---------------------------------------------------------
قون" لن يحتسب بداعي التسلل بدر الدين حامد الهاشمي [email protected] رأيت عبد الله علي إبراهيم للمرة الأولي في نهايات 1969 أو بدايات العام الذي تلاه في "جمعية الصداقة السودانية السوفيتية" و كانت حينها في نمرة 2، حيث كان يشرف علي ندوة عن الموسيقار السوفيتي تشايكوفسكي (صاحب بحيرة البجع)، و أعترف هنا بأني ما رغبت في حضور تلك الندوة إلا عندما قرأت في الإعلان عن الندوة أن الفنان محمد الأمين سيتحدث فيها، و طال انتظارنا له حتى حسبنا أن ذكر اسمه إنما كان (تدليسا) لجلب المزيد من الحضور، و أذكر أنه في نهاية المطاف حاضرنا عن ذلك الموسيقار العملاق موسيقي شاب من دارسي معهد الموسيقي اسمه (إن لم تخني الذاكرة) خليفة – لعله درس لاحقا في روسيا-. ثم وقع في يدي في ذات الأيام كتابه الأول "الصراع بين المهدي و العلماء" و كان واسع الانتشار في "أكشاك الجرائد"، فرسخ الرجل في ذهني ككاتب ممتاز و مؤرخ مجيد، و أذكر أنه قال ذات مرة : أن من يحبني يحبني لهذا الكتاب و من يكرهني يكرهني له أيضا! . توالت بعد ذلك علاقتي به كقارئ فقرأت مجموعة مقالات له جمعت في كتاب ممتع أسماه "أنس الكتب" فازداد إعجابي به و شغفي بقراءة مقالاته و كتبه. ثم اختفي الرجل من "الحياة العامة" ردحا من الزمان كمتفرغ حزبي، فلقد سجن في كوبر و شالا زمانا ثم اختفي "تحت الأرض" بعد أن اطلق سراحه. مرت أعوام و أعوام و وجدت نفسي يوما في نهاية التسعينات في مكتبة جامعة نبراسكا أقلب في مجلة الدراسات الإفريقية فإذا بي أري مقالا رصينا لدكتور عبد الله عن انقلاب 19 يوليو. كتبت للرجل في مقر جامعته في ميسوري لمناقشته فيما كتب. و ما إن انقضت عدة أيام حتى حمل لي البريد خطابا من الرجل فيه رد مفصل – بخط يده- علي ما أثرته من نقاط، و لا أزال احتفظ به ( لا أدري فقد يكتسب قيمة مادية معتبرة يوما ما زيادة علي قيمته التاريخية). و في خطابه سألني عن تخصصي و عن سر اهتمامي بما نشره، فرددت – صادقا- بما يفيد إنني "مجرد هاوي" انشد المعرفة أينما وجدت. و استمرت علاقتنا بالهاتف و الرسائل الإليكترونية القصيرة والمطولة و المكتوبة بلغة إنجليزية رفيعة غاية في الجمال لم أقرأ مثلها لسوداني قط. هداني الرجل – مشكورا- لمخطوطة عن "ثورة أكتوبر" بقلم البروفسير الأميركي كليف طمسون و كتاب المرحوم محجوب عبد المالك عن "الصحافة و السياسية السودانية" و شجعني علي ترجمتهما للعربية، و سعي لنشرهما في "الأحداث"، و أنتقي لي لترجمة أخري كتابا عن السياسية السودانية لباحثة أميريكية يعرفها بيد أنه تعذر الحصول علي موافقة الناشر علي الترجمة العربية، فلم يتم المراد . أنا لكل ما ذكرت مدين للرجل بالفضل و معترف له بحسن الرعاية. بيد أن كل ذلك لا يمنعني من الصدع بما أري حيال "القنبلة – من العيار الثقيل- التي فجرها ع.ع. إبراهيم" كما يحلوا لكتاب الصحف و المنابر (أو المساطب) الإليكترونية أن يصفوا ما ذكره الدكتور عبد الله في ندوة أقيمت بدعوة من منتدى طيبة برس كان من المفروض أن تدور حول ضحد مقولة سيكتوري الشهيرة التي تفيد أن السودان هو "رجل أفريقيا المريض". لا أظن أن الدكتور سيأبه بما سأكتبه الآن أو يكتبه غيري من القادحين أو المادحين، فالرجل قد أعلن عن عزمه علي الترشح لرئاسة الجمهورية و لا أظن انه سيلتفت الآن لناصح أو مادح أو قادح. و بدءا أقول ليت الرجل استفاد من فترة سكناه الطويلة بأمريكا و اقتدي بالساسة الأمريكيين الحاذقين الذين يتلمسون طريقهم برفق و تؤدة و يقوموا بعمل ما يمكن تسميته ب "دراسة جدوى" قبل المغامرة بإعلان الترشيح لرئاسة الجمهورية، و كم من مرة سمعت الساسة الأمريكان يتمنعون في الإجابة عن الأسئلة المباشرة التي تطرح حول احتمال ترشيحهم لأنفسهم للمناصب الكبيرة، و يجيبون بإجابات غامضة ملتوية لا تغلق للترشيح بابا و لا تفتحه تماما! يفعلون ذلك حتى يتأكدوا من احتمالات فوزهم بعد تأمين الموارد المالية اللازمة و الكوادر المساعدة المدربة علي تنظيم الحملات الدعائية و التنسيق مع عشرات الجهات ذات الصلة من حزبيين و ممولين و محرضين و إعلاميين، فالانتخابات الآن (حتى في العالم الثالث) "صناعة" لها مدخلاتها المتعددة، و مخرجاتها إما نصر مبين أو هزيمة ماحقة! اشك أن د/ عبد الله قد أمن كل ما تحتاجه أكثر الحملات الانتخابية تواضعا! و يبدوا أنه يعتمد كثيرا (و كما قال ساخرا في آخر لقاء له في حوارات قناة النيل الأزرق و في موضوع آخر) علي : "يضع سره في أضعف خلقه"!
أقول أيضا أن الرجل لم يستفد من "التفكير الأميركي" في أمور الدعاية و الإعلان. فهو – و هو سيد العارفين- يعلم أنه ليس من المقبول أخلاقيا – و علي الأقل من باب باب احترام الحضور- أن توافق علي الحضور لمحاضرة تم سلفا تحديد موضوعها و عنوانها ثم "تفاجئ" الجميع بقنبلة – من العيار الثقيل- و أن تتحدث في أمر كان من الممكن التمهيد له بإعلان مسبق عن ندوة منفصلة تذكر أن الدكتور سيقوم فيها بإعلان هام... و لن أقارن ذلك بالطبع بما يذكر في إعلانات الحفلات و افتتاح المحلات الجديدة عن أن هنالك "مفاجأة كبري" في انتظار الحضور. و لا أدري لماذا تذكرت هنا الندوة التي رتبها الدكتور عن تشايكوفسكي و التي أعلن فيها عن مشاركة الفنان محمد الأمين قبل نحو أربعة عقود!
أعجبتني اللغة التي سطر بها الدكتور – و هو ساحر البيان- بدايات اهتمامه بالسياسة و هو صبي صغير ثم شاب يافع و رجل مكتمل الرجولة إلي أن صار كهلا، أقول هذا رغم أنه كتب يقول "لم ينصرونني" و هو الأديب الأريب!. ما أزعج الكثيرين في برنامج الدكتور هو عدم استناده لمرجعية سياسية أو فكرية محددة، فهو مفرط في العمومية و الإنشائية و به ضعف بائن و خلو من التصدي لأهم القضايا التي تواجه البلاد من حيث نظام الدولة الأساسي و فلسفة الحكم و نوعه و مسألة الدين و الدولة و الهوية و الحريات، و غير ذلك من الأمور الجوهرية. جل ما ذكره الدكتور في برنامجه لا يبز ما يمكن أن يذكره وزير أو وزيرة الشئون الاجتماعية في أي نظام حكم سواء أكان في أقصي اليمين أو أقصي اليسار! فالاهتمام بالعجزة و ذوي الإحتياجات الخاصة (و ليس هنالك من داع لوصمهم بالعرج و الكساح) من البدهيات التفصيلية التي لا يستطيع سياسي – صادقا أو كاذبا- أن يزعم أنه ينفرد بالدفاع عنها دون غيره من المنافسين.
رغم أن الترشيح لرئاسة الجمهورية أمر متاح و مشروع لكل من يري في نفسه القدرة و الكفاءة لحكم البلاد إلا أنه تراودني فكرة أن الدكتور لا بد موقن بأن حظوظه في الفوز برئاسة البلاد تكاد تكون – عمليا- شبه معدومة، بيد أنه يرغب فقط في تحريك بركة البلاد الساكنة و بث روح ثقافية (و سياسية) جديدة في جسد البلاد، و كسر طوق الدائرة المغلقة التي تدور بين الساسة التقليديين و العسكريين، و أشك أن الدكتور – و هو سليم الحس و الوجدان- يرغب فقط في نيل ذلكم اللقب المشكوك في كرامته، لقب :" مرشح سابق لرئاسة الجمهورية! بيد أنه تمر علي لحظات أتخيل فيها أن دكتورنا يتشبه بالمسرحي التشيكي هافل، ذلك المثقف الذي عارض الحكم الشيوعي ردحا من الزمان و أنتهي به المطاف في كهولته رئيسا للبلاد... بيد أن التاريخ لا يعيد نفسه دوما! و بمناسبة هافل هذا فلقد جاء في أحد أقواله المأثورة ما قد يكون له علاقة ما بما نحن بصدده هنا من أن "الأمل" شئ يختلف كلية عن "التفاؤل"، فالأمل لا يعني أن تؤمن بأن شيئا سوف يتم علي أحسن حال، بل هو الوثوق في أن ما أنت بصدده شئ يقبله العقل و الحس العام بغض النظر عن ما سيؤول إليه هذا العمل.
Hope is definitely not the same thing as optimism. It is not the conviction that something will turn out well, but the certainty that something makes sense, regardless of how it turns out.
أختم بالقول بأن الرجل ما انفك يثير الجدل بتناقض مواقفه (و هو أمر لم يفت حتى علي أستاذه السابق و شريكه في المواطنة العطبراوية الشوش) ، فهو - و بعد أن خلع نفسه من حزبه الشيوعي القديم - يعلن الآن عن تمسكه بالماركسية و علي طريقته الخاصة التي تتيح له أن يفتن بعبد الخالق و بالترابي في آن معا، و أن يتمسك بأهداب الدين و بالماركسية في ذات الوقت! و أن يهاجم "الأفندية" و هو منهم، و يصفهم ازدراء بالبرجوازية الصغيرة، و كيف له أن يفوز في الانتخابات العامة دونهم؟ و لن يصوت لهم أهل اليمين لتمسكه بأهداب ماركسيته (الخاصة)، و أهل اليسار الذين كان يصفهم هازئا بأهل "اليسار الجزافي" لن يلتفتوا له إلا في غضب، و لا حظ له – في نظري الضعيف- عند الرعاة و المزارعين و "المهمشين" الذين وصفهم نميري ذات مرة بالحزانى في الشمال و العطشى في الغرب و الجوعى في الشرق و لعله قال العرايا في الجنوب... فالرجل أكاديمي ممتاز و مسرحي مبدع و صحفي متمكن و مثقف واسع الإطلاع بيد أن كل هذا لن يشفع له في سوق أو قل (جبانة) السياسية اليومية (الهايصة) التي عمادها كريزما شعبية لا أظن أنه خلق لها، و ليس هذا من باب التخذيل و تثبيط الهمة، فسوف أكون في أشد حالات العجب إن أقدم الرجل بعد الآن علي التنازل عن ما قر في قرارة نفسه من العزم علي المضي في درب اللعبة السياسية الانتخابية، و لعل رده (الحاضر) علي كل من يجهر بمعارضة ما عزم عليه أن يقول له في بساطة: "إن لم يعجبك ما أقول فلا تعطني صوتك"! علي نحو ما جاء رده علي زميله د/ حيدر إبراهيم علي، و مثل هذا النوع من الردود القصيرة الحاسمة (و المسيخة أيضا) ليس من شيم السياسيين الذين يعدون كل من يتحدث معهم (حتى و إن خالفهم الرأي) حليفا محتملا و مؤيدا مستقبليا! و هنا يبرز الخلاف بين محترف السياسة و "المثقف" هاوي السياسة.
نقلا عن "الأحداث"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
Quote: أختم بالقول بأن الرجل ما انفك يثير الجدل بتناقض مواقفه (و هو أمر لم يفت حتى علي أستاذه السابق و شريكه في المواطنة العطبراوية الشوش) ، فهو - و بعد أن خلع نفسه من حزبه الشيوعي القديم - يعلن الآن عن تمسكه بالماركسية و علي طريقته الخاصة التي تتيح له أن يفتن بعبد الخالق و بالترابي في آن معا، و أن يتمسك بأهداب الدين و بالماركسية في ذات الوقت! و أن يهاجم "الأفندية" و هو منهم، و يصفهم ازدراء بالبرجوازية الصغيرة، و كيف له أن يفوز في الانتخابات العامة دونهم؟ و لن يصوت لهم أهل اليمين لتمسكه بأهداب ماركسيته (الخاصة)، و أهل اليسار الذين كان يصفهم هازئا بأهل "اليسار الجزافي" لن يلتفتوا له إلا في غضب، و لا حظ له – في نظري الضعيف- عند الرعاة و المزارعين و "المهمشين" الذين وصفهم نميري ذات مرة بالحزانى في الشمال و العطشى في الغرب و الجوعى في الشرق و لعله قال العرايا في الجنوب... فالرجل أكاديمي ممتاز و مسرحي مبدع و صحفي متمكن و مثقف واسع الإطلاع بيد أن كل هذا لن يشفع له في سوق أو قل (جبانة) السياسية اليومية (الهايصة) التي عمادها كريزما شعبية لا أظن أنه خلق لها، و ليس هذا من باب التخذيل و تثبيط الهمة، فسوف أكون في أشد حالات العجب إن أقدم الرجل بعد الآن علي التنازل عن ما قر في قرارة نفسه من العزم علي المضي في درب اللعبة السياسية الانتخابية، و لعل رده (الحاضر) علي كل من يجهر بمعارضة ما عزم عليه أن يقول له في بساطة: "إن لم يعجبك ما أقول فلا تعطني صوتك"! علي نحو ما جاء رده علي زميله د/ حيدر إبراهيم علي، و مثل هذا النوع من الردود القصيرة الحاسمة (و المسيخة أيضا) ليس من شيم السياسيين الذين يعدون كل من يتحدث معهم (حتى و إن خالفهم الرأي) حليفا محتملا و مؤيدا مستقبليا! و هنا يبرز الخلاف بين محترف السياسة و "المثقف" هاوي السياسة.
|
وللهاشمى في البلاد البعيدة السلام والافتقاد في هذه البلاد ياريت يعود للكتابة في هذا الموقع أيضاً مثل ما يساهم في مواقع كثيرة .
الرجاء الانتباه للموقف النقدي الذي تقدم به الفاضل الهاشمي وهو نقد مؤسس علي ما يقول به دكتور عبد الله علي إبراهيم من افكار واراء ومواقف وجل كتاباته وهو ذات التوجه(النقد) الذي اعتزمه اخونا (الكيك) صاحب البوست وماسرت معه فيه فلا يمكننا بإي حال من أحوال خصوصاً في حالة دكتور عبد الله علي إبراهيم أن نتخذ موقفنا دعماً له أو رفضاً له من خلال ما يقدمه مما أسماه برنامجه الأنتخابي فالرجل لا اري ما يمنعه أن يتقدم للترشيح لكني في ذات اراء أن لا نتعامل معه مثل إي سياسي فهو ليس سياسي فقط بل في كل الأماكن يطرح رواه باعتبار كاتب ومثقف ومفكر وهو كذالك بالفعل .
اتفق في كل نقطة تحدث عنها الصديق الفاضل الهاشمي متمني أن نسعي مسعاه في الحوار .
سفيان نابرى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: سفيان بشير نابرى)
|
لابد لى من شكر الاخ عمر ادريس مرتين اولا لانه نبهنى لمقال الاخت سارة عيسى والثانى لانه مشارك اصيل فى هذا البوست فله منى كل الشكر وايضا الاستاذ واخونا الكبير ابويكر .. وللاخ سيف نابرى ولكل المهتمين انزل رابط محاضرة الدكتور فى ابوظبى والتى اجتهد فيها الاستاذ عجب الفيا واخذت منه زمنا كبيرا فى نقلها من الصوت للطباعة ومن ثم للقارىء .. هنا ستجد الرابط ومن ثم انزل وداخلة الاستاذ الخاتم لوحدها فى الاسفل ويجد القاىء بقية المداخلات فى الرابط نفسه فالشكر اولا للاستاذ عجب الفيا والشكر الثانى لاخونا سفيان نابرى النابه .. هنا الرابط انقر هنا
السودان الشمالي والمازق الثقافي - محاضرة د.عبدالله علي ابراهيم
وهذه مداخلة الاستاذ المرحوم الخاتم عدلان والتى ساهم بها فى بوست الاستاذ عجب الفيا عندما انزل نص المحاضرة ..
اقرا
أحب أولا أن أعبر عن شكري الجزيل للأخ عبد المنعم عجب الفيا، على وضعه لفكر صديقنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم، في بؤرة الضوء، سواء محاضرته في أبوظبي التي نشرها عجب الفيا في هذا الموقع بعد نيل موافقة المحاضر على سلامة النص، وهو تقليد حميد اقتضته الأمانة ، أو ورقته بعنوان تحالف الهاربيين حول «مدرسة» الغابة والصحراء، أو كتاباته اليومية في الصحف السودانية. وبالطبع فإنني أوافقه على المجرى العام لحجته الراجحة كما يتضح من مداخلتي الحالية. وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره. من أجل تلافي هذا الخلل الذي أشرت إليه أرجو أن نوجه الدعوة لعبد الله أن يشارك في التوضيح والشرح والرد، والدفاع، عما طرحه هنا من آراء، حتى نصل إلى نتيجة ما، بضمير مرتاح وشعور وافر باللياقة الفكرية. النص المقدم هنا يصعب أن يطلق عليه مصطلح المحاضرة، فهو ينطوي على إهمال كبير وارتجال فتك بالإبانة فتكا غير رحيم، كما به من التهافت من حيث البناء المنطقي ما قل أن نجده حتى في نصوص العوام. وهي أمور يمكن إقامة الدليل عليها بالإقتطاف المباشر من النص المبذول بين يدينا، والذي تشهد كل عبارة فيه تقريبا على ما نقول. وربما يغريني توفر مثل هذه الأمثلة بكثرة جالبة للملل، على تتبعها وإبرازها، ولكني لا أريد أن أسير في هذا الطريق. أولا لأن فطنة القراء لا تحوجني إليه، وثانيا لأنني مهتم بالمفهومي في نص عبد الله، حتى وإن توارى تحت عويش من الكلام، أكثر من طريقته في التعبير عنه. ولن أتعرض للتعبير إلا في إطار ما أراه فضحا للمفهوم الثاوي تحت طياته. أستطيع أن ألخص أهداف محاضرة عبد الله، مع تحفظي حول الإسم، فيما يلي: • نحن في السودان الشمالي ننتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية، وهي سوية يمتنع معها التمييز بين أي شمالي أو آخر، سواء كان يساريا أو يمينيا، حاكما أو معارضا، غنيا أو فقيرا، مجاهدا من أجل المشروع الحضاري، أو مناضلا من أجل السلام، مشردا عن الوطن أو ناهبا لثرواته، قاهرا لشعبه أو خارجا ضد ذلك القهر، داعية للدولة الدينية أو مناديا بالدولة العلمانية. كلنا سواء: إذا ارتكب قادة الحكومات المتعاقبة، الديكتاتورية اوالديمقراطية، أخطاء قاتلة في حق الوطن، فإننا نكون كلنا قد ارتكبنا تلك الخطايا حتى وإن كانت ضدنا. إذا شن عبود والصادق المهدي وعمر البشير الحرب ضد الجنوبيين فإننا نكون كلنا قد شننا تلك الحرب حتى وإن عارضناها. أيادينا ملطخة بالدماء حتى وإن لم يطرأ لنا يوما أن نقتل احدا ولو في الأحلام. وعقابنا جميعا واحد لأننا مشتركون كلنا في الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنبا في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا. • يقول عبد الله في تسويقه لفكرته السابقة: « أصبحت السياسة تتكلم عن قطاع عريض، تتكلم الآن مش عن حزب كذا وحزب كذا، ومن أخطأ في حق الجنوب. وإنما بتتكلم عن قطاع، عن « ريس»، عن عنصر، ودا مهم لأنو دي الوقت بداية دخول فكرة الريس، العنصر، يعني في تناولنا وفي نظرنا الثقافي والسياسي، يعني نحن كنا بنتكلم عن والله الخطة بتاعت الجمهوريين هي كانت أفضل عن الجنوب وإنو مثلا اليسار كان أحنى بالجنوب، اليسار الشمالي، والجمهوريين الشماليين. لكن السيد الصادق والنظر العام دي الوقت يقول نحن الشمال السوداني، تتعدد اللافتات والشمال السوداني واحد. ودا مهم لأنو نحن دي الوقت بنتكلم عن ريس، كمدخل لدراسة التعقيد الجاري في السودان ودا بزيل المزاعم الخاصة للجماعات السياسية الشمالية من اليمين إلى اليسار إلى الوسط على أنها هي الفرقة الناجية في مسألة الجنوب: أنا أحسن من ديل، أنا كنت قدمت الفكرة الفلانية والموقف الفلاني وكذا وكذا.» • الفكرة الثانية المرتبطة بهذه هي أن ما قامت به الجبهة الإسلامية في الجنوب ليس أسوأ مما قامت به كل الأحزاب الأخرى وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعا، وحقيقة أن القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها وحررته بطريقة خرقاء ومأزومة. • يتبع من كون القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها، وبصورة منطقية، أن تصغر وطنها ليتطابق مع ذاتها، وأن تترك ما عداه لمن لا ينتمي إليها، وهي دعوة إلى الإنفصال، يشارك عبد الله فيها عتاة العروبيين الإسلاميين وغلاتهم. • بعد أن يتساوى الوطن مع القومية العربية الإسلامية فإن الدعوة موجهة لنا جميعا لدخول برج الإنقاذ حتى وإن كنا نكرهه لأن دخوله يعني أننا لن نراه. وإذا كانت هذه هي القضايا الاساسية التي طرحها عبد الله في هذه المحاضرة، فما هي علاقتها بالثقافة؟ الإجابة على هذا السؤال تدخلني إلى تكتيكات عبد الله في تسويق افكاره، وفي الإيحاء للكثيرين، من خلال هذه التكتيكات، وكما ظهر في تقديم الأخ محمد عبد القادر سبيل، بأنه عالم لا يشق له غبار، وأنه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا. وهي اوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد أن تكون كلية، وخاصة بعد أن سبق عليه كتاب الإنقاذ وزلزله نداؤها من ابواب الجحيم، وهو أمر سأوضحه في نهاية هذه المساهمة. التكتيك الأول: إخفاء الموقف السياسي المباشر في طيات الرطانة الثقافية، التي غالبا ما تكون خالية كليا من المعنى. فعندما أراد عبد الله أن ينفي حجج المعارضة السودانية في إدانة الإنقاذ لأجندتها العروبية الإسلامية الأصولية قال: « دا ما صحيح، الصحيح هو أنو نظام الإنقاذ مستل من شفرة في الثقافة ومن مستودع في الثقافة ومن دلالات في اللغة ومن دلالات في الثقافة بحيث إنو لربما كان الأخير في زمانه ولكن جاء بما لم تستطعه الأوائل من حيث البشاعة « ضحكة» لكن البشاعة، إذا شئت إنه في بشاعة أو أنو في عنف، أو في، هو مستل من شفرة أساسية وهذه الشفرة الأساسية زيادة على الثقافة العامة التي درجنا عليها، لكن تأسست بشكل أساسي في فترة الحركة الوطنية.» فهذا الحديث المكتسي جلال الثقافة خاو تماما من المعنى. فما معنى أن يكون الإنقلاب العسكري الذي نفذته الجبهة الإسلامية عن طريق التأمر يوم 30 يونيو، مستلا من شفرة ثقافية عربية أو غير عربية؟ الشفرة الوحيدة في إنقلاب الإنقاذ هي «سر الليل» الذي استخدمه الإنقلابيون في تلك الساعات الأولى من الصباح، وهي شفرة فشل في حلها أحمد قاسم فلقي حتفه صباح ذلك اليوم، رغم ما يحمله، حسب عبدالله، من شفرة ثقافية عربية أسلامية أصيلة. وهل يمكن الحديث عن شفرة ثقافية، كما نتحدث مثلا عن شفرة جينية؟ هل إندغمت الثقافة في مفاهيم عبد الله الحديثة جدا في البيولوجيا؟ ومن كان يملك تلك الشفرة: الترابي مجدد العصر، الذي هجره المفتونون به عندما فقد السلطة، أم علي عثمان الذي أكتشف البعض قرابتهم معه بعد أن آلت إليه الأمور؟ وهل الشفرة الثقافية العربية الإسلامية واحدة؟ بحيث يتساوى فيها محمود محمد طه وقاتلوه؟ هل كل مسلم هو بالضرورة أخ مسلم؟ ما هذا الحديث الفج عن الشفرات الثقافية، بينما المقصود معنى سياسي واضح هو الدفاع عن الإنقاذ وجرائمها. • لا يستخدم عبد الله الثقافة وحدها في الدفاع عن آرائه السياسية، بل يستخدم كذلك الهراء المحض. وأنا استخدم كلمة «الهراء» هنا، بالمعنى الذي استخدمها به أحمد بن الحسين، عندما فسر الهراء بأنه : « الكلام بلا معاني»: ولولا كونكم في الناس كانوا "هراء كالكلام بلا معاني" • . فلنستمع لعبد الله مرة أخرى وهو يحاول أن يدمغنا جميعا بما أقترفه نظام الجبهة الإسلامية من خطايا في حقنا، وأقصد نحن كجنوبيين وشماليين: « نحن كلنا إذا كنا سودانيين شماليين في هذا اللقاء، لنا إشكال في شفرة ثقافتنا، وفي رموز ودلالات لغتنا وفي شحناتها التاريخية وفي علاقاتها التاريخية بحيث أنه يصبح مفهوم الفريق الناجي ضئيل جدا. وبحيث تكون التبعة والذنب والخطأ هو الخيط الذي يصل بين الجماعات الشمالية كلها.» ولاحظ هنا أن الإستنتاج السياسي، وهو تجريم الجميع، واضح جدا ومقيل بلغة لا لبس فيها ولا غموض، لغة سياسية صافية، أما المبررات فهي الهراء المحض الذي لا معنى محددا له، والذي يلوذ بالشفرات والرموز والدلالات والشحنات. • لقد تساءلت بيني وبين نفسي: هل أنا مسؤول عن الجرائم التي حاقت بأهلي في الجنوب؟ هل ساهمت فعلا في قهرهم؟ بل هل توانيت في استخدام كل ما أملك من طاقات للدفاع عنهم من مواقعي؟ وأجبت بضمير مرتاح: أنني لست مذنبا. صادقت الجنوبيين والجنوبيات منذ نعومة أظفاري، لم أشعر بتفوق عليهم، وإن شعرت بتفوق الكثيرين منهم عليّ، ولم أحتج في ذلك إلى جهد كبير، لأنني تحررت من أوهام التفوق العرقي وأنا لم أشب بعد عن الطوق، في عام 1969 اقترحت في أتحاد طلاب جامعة الخرطوم أن نبعث لجنة لتقصي الحقائق في الجرائم التي ارتكبت ف الجنوب عامي 1965 و1966، وذهبنا في وفد من أربعة أعضاء في اللجنة التنفيذية، هم أبدون أقاو، وحاتم بابكر، وعبد الله حميدة وشخصي، وحققنا في جرائم الملكية في جوبا، وفي مذبحة العرس في واو، وهددنا مدير المديرية الإستوائية، يوسف محمد سعيد، بالسجن لأننا رفضنا لغته المسيئة ومفاهيمه النازية، وتضامنا مع صديقنا ورفيقنا أبدون أقاو، ضد تهجمه الشخصي. وعندما عدنا إلى الخرطوم عرضنا الحقائق الدامغة في مؤتمر صحافي غطته كل الصحف في اليوم التالي، وأصدرنا إدانتنا الدامغة للجيش السوداني و قيادته السياسية. وكنا نسعى إلى المواصلة لولا قيام إنقلاب مايو بعد ذلك بأقل من أسبوع. وفي 1970 ذهبت ضمن مجموعة كبيرة من أعضاء جمعيتي الثقافة الوطنية والفكر التقدمي إلى جوبا وواو وملكال، وعشنا مع الناس واقمنا الفصول للطلاب والاسواق الخيرية لصالحهم وحلقات محو الأمية للكبار، وساعدنا النساء والعمال على التنظيم وخرجنا من كل ذلك بصداقات باقية حتى نهاية العمر. صادقت أخوتي الجنوبيين في الجامعة، وصار «بيتر نيوت كوك» أعز أصدقائي وأعتبره عالما، ديمقراطيا، مثقفا، وقانونيا ضليعا، ضمن مثقفين وعلماء كثر يعج بهم هذا السودان. أيدت نضال الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ أن إنشئت، وأشدت ببرنامجها ودافعت عنها في جميع المنابر دفاع من لا يلوك كلماته أو يخشي في نصرة الحق لومة لائم. وناديت في رفق من يفهم ظروفها، والتعقيدات المحيطة بها، والشروط التاريخية التي لا تملك منها فكاكا، وليس المتحامل عليها من مواقع التآمر السياسي مع الطغاة الأصوليين، إلى تحولها إلى حزب سياسي من حلفا إلى نمولي كما يعبر قادتهأ، واقمت مع هؤلاء القادة أنفسهم ومع أسرهم علاقات حميمة وقوية. • كيف إذن يحملني عبد الله علي إبراهيم بدوافع تواطئه المذموم مع الجبهة الإسلامية الخطايا التي ارتكبها القتلة والمجرمون والمهووسون في نظام الإنقاذ أو خارجه؟ وقد تحدثت عن نفسي هنا، ليس لتفرد موقفي أو شخصي، بل لإعطاء مثال محدد لا يستطيع عبد الله أو غيره أن ينازعني عليه. مع علمي أن موقفي هذا هو الموقف المشترك، وإن اختلفت التفاصيل، لمئات الآلاف من أبناء وبنات وطننا الكبير الذين لا يكنون لأخوتهم الجنوبيين سوى الإعزاز. وليس سرا أن عشرات الآلاف من أبناء وبنات الشمال قاتلوا في صفوف الحركة الشعبية طوال هذه السنين، وبلغوا في ذلك شأوا لم نبلغه. • هل معنى ذلك أن « الثقافة العربية الإسلامية» وحتى في أكثر صيغها رقيا، خالية من النزعات الإستعلائية، المحقرة للآخر والمقصية له من مجال الكرامة، أو حتى من مسرح الحياة نفسها؟ طبعا لا. ولكن القول بأننا جميعا مشتركون في هذه المفاهيم الحاطة من قدر الإنسان وكرامته، هو القول المرفوض والمردود في تهجمات عبد الله الغليظة علينا جميعا. شخصيا، لا أحمل من هذه النزعات شيئا كثيرا أو قليلا، بل سخرت عمري حتى الآن لمحاربتها ودفعت مستحقات موقفي. وهنا أيضا لا أتحدث عن تفرد شخصي، بل أريد أن أقيم الحجة على عبد الله بصلابة لا يستطيع أن يتخطاها أو يلتف حولها، وأعلم في نفس الوقت أن مئات الآلاف من أبناء السودان وبناته يحملون الموقف ذاته، ومنهم من يعبر عنه بعمق أكثر مما أستطيع، ويدفع مستحقاته بتحمل أقدار من الظلم لم تطالني بنفس الدرجة. كما أعرف أيضا أن عبد الله سار في هذا الطريق لبعض الوقت، وهاهو قد سبق عليه كتاب الإنقاذ، فتنكب ذلك الطريق، وصار يقبل من الثقافة العربية نفسها أكثر جوانبها معاداة للديمقراطية والإستنارة، وتغييبا للإنسان. • ليس صدفة أن عبد الله يتحدث عن شفرة ثقافية، غير عابئ بالخلط بين العلوم والتخصصات والفلسفات. فغرضه من ذلك تحقيق سوية غير متمايزة من الشماليين جميعا، ليسوقهم، بالتخليط والتشويش، وبالإبتزاز الصريح المستند إلى الجدار القمعي الحاكم في السودان، والمعتمد في المدى البعيد على مستودعات التجهيل التي أشاعتها الإنقاذ، إلى خطيئة واحدة، وثقافة واحدة ، وتاريخ غفل من الفعلة، وجرائم غاب مرتكبوها في سديم الشفرات. ولا يجد عبد الله صعوبة في كل ذلك، نتيجة للتشويش الفكري الذي يعاني منه هو شخصيا، لإفتقاره للأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات. • ماهي هذه الشفرة الثقافية يا ترى؟ ما هي طبيعتها؟ كيف نفك رموزها ومن يملك تلك الرموز؟ أيملكها حسن عبد الله الترابي أم علي عثمان محمد طه أم البشير؟ أم يملكها عبد الله شخصيا ولا يريد أن يجود علينا بأسرارها؟ أمن ضمنها الأصولية الإسلامية والدولة الدينية، والحرب الممتدة، والتطهير العرقي والإسترقاق، وإضطهاد النساء والبتر والقطع والصلب والخلافة عن الله؟ أمن ضمنها الطغيان والدكتاتورية؟ أمن ضمنها النهب الإقتصادي والأثرة والأنانية والشراهة التي تغطي عوراتها بالنصوص المقدسة؟ أمن ضمنها تقسيم البلاد إلى حاكورات يملكها أهل الإنقاذ فيسدون أبواب الرزق على كل من عداهم من أهل هذه البلاد؟ أية شفرة يتحدث عنها عبد الله؟ • يسهل على عبد الله أن يتحدث عن سوية غير متميزة، لأنه يعتقد أنه يمكن حتى الآن، أن نتحدث عن المجتمع، وهو هنا المجموعة الشمالية العربية المسلمة، في تصنيف عبد الله، وكأنها «جوهر» مستقل عن خصائصه! وهو في ذلك يتخطى إلى الوراء، وفي قفزات نكوصية مذهلة، إرث أكثر من ألفي عام من المنطق الفلسفي والعلمي، وتلك نقطة سنعود إليها في غير هذا السياق. • يهمني أن أقول هنا، أنني، ولإنتمائي لشعبي، لا أنتمي لمقولة عبد الله الذهنية حول «الجماعة العربية المسلمة»، بل أنتمي لهوية أوسع هي الشعب السوداني، المتمايز قوميا ونوعيا وطبقيا ودينيا وثقافيا، والذي يشد عراه مع ذلك إنتماء جامع إلى وطن واحد، نحاول أن نوسعه ليشمل الجميع ويحتفي بالجميع. المقولة الذهنية الخاصة بعبد الله، تقوم على فكرة هجرتها البشرية حاليا، هي فكرة النقاء العرقي، بل إن كل قرون إستشعار المخاطر المحدقة، تستيقظ وتدق أجراسها عندما تسمع من يردد هذه الفكرة التي تترتب عنها مناهج في التفكير أورثت البشرية اضرارا فادحة. وقد دفعنا ثمنها في السودان، قبل أن تجيئ حكومة الإنقاذ، ولكن حكومة الإنقاذ حملتها إلى نهاياتها الأكثر دموية وعنفا. وإن أي تحليل يحاول أن يطمس الحدود بين الإنقاذ وما عداها، ويساوي بينها وبين من سبقها، أو حتى يساوي بينها وبين من يحمل هذه الافكار نفسها ولكنه لم يشأ أن يطبقها أو لم يجد وسيلة لتطبيقيها، لهو تحليل معطوب ومتنكب للصواب. ولذلك فإن وضع عبد الله الطيب، أو الطيب صالح على سبيل المثال، في نفس معسكر الترابي والبشير، وإن حمل الرجلان بأقدار متفاوتة مفاهيم عروبية ذاهلة عن حقيقة شعبهما ونفسيهما، من الأخطاء المنهجية الكبيرة التي تورط فيها البعض دون أن يستبينوا الخطل فيما يزعمون. • إنتمائي للسودان كهوية جامعة لا ينفي بل يغذي، الإنتماء لهويات أصغر، شريطة ألا تتعارض تلك الإنتماءات، أو تلك الهويات الأصغر، مع المباديء الجامعة للجماعة السودانية، الشمالية الجنوبية الشرقية الغربية الوسطية، وهي مبادئ المساواة والعدالة والرفاه والكرامة والحقوق الإنسانية المملوكة ملكية جماعية. أي أنها لا تتعارض مع الإسلام المستنير، بل تتقف مع جوهره الخير الداعي للحرية، والمتصالح مع العلمانية، وحقوق الإنسان وكرامته. وما العلمانية سوى إدارة الناس لشؤون دنياهم بعيدا عن أي كهنوت. وهي بهذا المعنى حركة مجتمعات لا محيد عنها ولا مهرب منها، طالما أن المجتمعات تسير دون هوادة في إتجاه الإمساك بمصائرها، وإقامة بنائها على أساس من العدل والرشد. وهذا قول يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. كما لا تتعارض مع المسيحية أو الديانات العريقة المبجلة للطبيعة او للجوهر الإنساني، ولا تتعارض مع علوية الإنسان من حيث هو إنسان، بل تمتد بهذه العلوية إلى آفاق أكثر رحابة باستمرار, وتتسع الهوية السودانية الجامعة لكل الهويات العرقية الأصغر، ومنها الهوية العربية بخصائصها السودانية التي وصفناها. أقول السودانية، وأعتبرها مركز جملتي، لأن الأوطان تصبغ خصائصها وتعطي إسمها لكل الجماعات الوافدة عليها، وحتى وإن كانت وفادتهم تدشينا لعهد جهد جديد، ومرحلة تاريخية متطورة. وهي تعطيهم إسمها، وسماتها، وخيراتها، وتفرض عليهم واجبات حمايتها، وتصوغهم وفق قوانين اجتماعها، في نفس الوقت الذي تتسع لمواهبهم وثقافاتهم وألسنتهم وأديانهم أو تتبناها. وهذا أيضا يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. ولا ترفض الهوية السودانية الجامعة بالطبع، اللغة العربية، ولكنها لا ترفض كذلك اللغات الأخرى بل تحتفي بها. ونسبة لحاجة الجماعة الموحدة في الوطن إلى لغة مشتركة، فنحن نرشح اللغة العربية لتكون ذلك الوسيط، على أن تتطور هي نفسها لتكون لغة عالمية، علمانية لا يشعر المتحدث بها أنه ملزم، لهذا السبب، بالإيمان بدين غير دينه. أي فك الإرتباط الأيديولوجي بين اللغة والمكونات الثقافية الخاصة بجماعة في الوطن دون سواها، وتوسيع القطاع العلماني في التعبير بطابعه الإنساني الشامل، المتمايز عن الخطاب الديني الأصولي، الذي يحاول في كل مناسبة أن يستر ضعفه ويخفي تهافت منطقه، بالتحصن والتسلح والتصفح، بالنصوص المقدسة التي يحرفها عن مواضعها ويستغلها في استدامة أنماط تفكيره وإحكام أدوات سيطرته على العقول. وهو ما فعلته كل اللغات المتطورة في العصر الحالي، دون أن تكون عاجزة بالطبع عن التعبير عن القيم الدينية لمن يريد أن يعبر عن تلك القيم. ويتبع ذلك رفع الحرج، التأصيلي، الذي ابتليت به اللغة العربية على أيدي بعض ممثليها من حراس القديم، والمتمثل في تحفظها في الأخذ من اللغات السودانية الأخرى، من نيلية وحامية ونوبية بدويت، ومن الدارجة السودانية وترقية تعابيرها ورفعها كل يوم إلى مصاف اللغة الفصحى، كما ترفع الفرق الكروية التي تتميز في أدائها إلى المستويات الممتازة، باعتبار هذه اللغات هي المستودع الذي لا تنضب مياهه للتعبير اللغوي المعاصر والمتطور والذكي والطريف. وباعتبار قربها من الوجدان الشعبي ومقدرتها على التعبير عن أدق خلجاته. ويمتد رفع الحرج إلى الأخذ من اللغات العالمية كل ما تحتاج |ليه لغتنا لتكون بالفعل لغة للعلوم والفلسفة والإزدهار الأدبي والثقافي. ونخص هنا اللغة الإنجليزية، مذكرين بما حدث لهذه الأخيرة نفسها في بداية النهضة الصناعية، إذ تمثلت في ظرف عدة سنوات أكثر من عشرة ألاف كلمة من اللغة الفرنسية التي كانت أكثر تطورا منها، ليس في مجال اللاهوت، بل من حيث قابليتها للتعبير عن النهضة العلمية الكاسحة التي شهدتها بريطانيا في ذلك الوقت. ولا يساعد على تطور اللغة العربية في هذا الإتجاه، خطاب المهووسين من الأصوليين، الذين يريدون أن يوحوا في كل ما يكتبون بأن إجادة اللغة العربية مرتبطة باعتناق الإسلام. كما لا يساعد فيه ما يوغل فيه بعض اليساريين السابقين، من إبداء طقوس تدينهم في كل حرف يكتبونه، تملقا للمهووسين. وليربأ هؤلاء بإيمانهم من هذا الإستخدام غير الوقور. وهم على كل حال لن ينالوا رضا الأصولين ولن يأمنوا شرهم عن هذا الطريق. فأنت لا تأمن شر الإنقاذيين إلا بالإذعان لهم، إذعانا كليا، أو النهوض في وجوههم وكسر شوكتهم. فهم يفضلون الإذعان على الإيمان، في حالة التخيير بين هذا وذاك. وهم ليسوا وحدهم في ذلك، فجنود إبن العاص كانت تصد أفواج الفلاحين المصريين عن دخول الدين الجديد، لأنهم حينها لن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، والصغار هو الإذعان كما تعلمون. نرشح اللغة العربية، ونعتقد أنها يمكن أن تقوم بهذا الدور، دون استبعاد لأية لغة أخرى، وتجيئ المسألة كاقتراح لأن المجال مفتوح أمام تنافس لغوي لا يمكن حسم نتيجته بصورة مسبقة. وهذه أيضا من أمهات القضايا التي لا بد أن يدور حولها الحوار المفتوح والمثقف. • « الجماعة العربية الإسلامية »، التي يتحدث عنها عبد الله علي إبراهيم، هي جماعة عربية نقية العروبة، لم تخالطها دماء زنجية أو حامية، ربما لأن الجماعة العربية الإسلامية التي جاءت إلى السودان، أبادت شعبه الأصلي، من بناة الحضارات القديمة، الذين تمتد جذورهم إلى ما وراء التاريخ، والذين اختلطوا بهذه لأرض، يأخذون سيماءها وتأخذ سيماءهم، ويغيرونها بالفعل المديد، وتمتد فيهم وتخالط منهم الدماء. ربما أبادتهم القبائل العربية الباحثة عن الأرض والفضاء والماء والمرعى، والضائقة بمن لا ينتمون إلى شفرتها الجينية من الشعوب.« يسميها عبد الله الشفرة الثقافية» ربما ابادتهم هذه القبائل، لأننا لا نجد عند عبد الله تفسيرا لمقولته الذاهلة، حول النقاء العرقي لهذه القبائل، وحول أختفاء هذه الشعوب التي صارت أثرا بعد عين. إن أقل إتهام نوجهه لعبد الله هنا، هو أنه ذاهل كليا عن النتائج المترتبة على مقولته، وأنه عن طريق الخرق " بفتح الخاء والراء" الفكري القليل المثال أزال شعبا كاملا من الوجود دون أن يشعر أنه مطالب بأن يقول شيئا، ولو قليلا، عن هذه الصور التوراتية لزوال الشعوب. فهل جاءت القبائل العربية بنظرية عرفناها بعد ذلك عند اليهود، وهي قصة شعب بلا أرض، يبحث عن أرض بلا شعب؟ ولكن التاريخ والحقيقة أكثر حكمة من عبدالله، وأحكم منه كذلك جميع المؤرخين وعلماء الأنثربولوجيا والآثار، الذين قالوا، وأطنبوا في القول، أن الجماعات العربية الوافدة إلى السودان اختلطت بشعبه، وأن اختلاطها قد أذاب العنصرين في هوية جديدة، لا يمكن أن نسميها عربية خالصة إلا بمصادرة غافلة عن الحقيقة والواقع، ولا نفعل ذلك إلا لأننا نحقر جزء أصيلا من مكونات الهوية الجديدة، مما يفتح الأبواب لانفصامات النفس وفساد الوجدان وخلل العقل. ولا أحب أن أوحي من قريب أو بعيد، بأن عملية الإختلاط هذه شملت الجميع من العنصرين، بل لا أستطيع أن أحدد لها نسبا كمية دقيقة. كما لا أحب أن أتبع المنهج الشيلوخي في تقسيم الإنسان إلى أرطال من اللحم أو أوقيات من الدم، أضع لها قيما متفاوتة كما يفعل القصابون. ولكني اقول باطمئنان أن هذا الإختلاط وإن لم يشمل أغلبية العناصر السودانية العريقة، فإنه شمل الاغلبية العربية الوافدة، ودون أن يحط من شأن هؤلاء أو يعلي من أقدار أولئك. وهذه هي الحقيقة الهامة فعلا، وهي وحدها كافية لدحض مقولة عبد الله عن النقاء العرقي العربي. • والجماعة العربية المسلمة، في تعريف عبد الله، أصولية العقيدة محكومة بالشريعة الإسلامية في اقصى صورها بعدا عن العصر، وهي دعوة دعا إليها عبد الله مرارا وتكرارا، وطالب الآخرين بالإنتماء إليها. والجماعة العربية الإسلامية إنقاذية الإنتماء السياسي، منكفئة على ذاتها، رافضة للآخرين، كارهة للتعددية بكل أشكالها وألوانها. إنها سوية أيديولوجية غير متمايزة، مقولة ذهنية في ذهن "مرهق"، ذاهل عن العصر. أقول لعبد الله ولأمثال عبد الله، إنني شخصيا لا انتمي إلى هذه المقولة الذهنية. فليكف عن تصنيفي على هذا الأساس. إنني أنفي عن نفسي فكرة النقاء العرقي، بل تجري في عروقي دماء الأقوام السودانية العريقة، كما تجري في عروقي دماء عربية لا أنكرها ولا أتيه بها على الآخرين. وعندما أتحدث عن الدماء فإنني أتحدث بكثير من المجاز، لأن الموضوع الوراثة يتعلق بالحامض النووي، وبالمورّثات عموما، والتي تعطي الفرد خصائصه الجسدية، ومصطلح الدم، كمحدد للهوية، مثله مثل مصطلح القلب كمكمن للعواطف، مصطلح مجازي تخطته العلوم. ولا فرق بين دماء عربية أو زنجية، حامية أو سامية، ملكية أو عامية. كما يمكن للإنسان أن يغير دمه كليا ولا تتغير هويته في قليل أو كثير، وهو أمر يحدث أمام أعيننا كل يوم. ولا يقتصر الأمر على الذين يغيرون دماءهم لأمراض تصيبهم، بل إن الناس جميعا تتغير دماؤهم كليا أو جزئيا عدة مرات في العام الواحد. وقد آن لنا أن نتحرر من جهالاتنا "الدموية"! الدم حامل للحمض النووي ولكنه متمايز عنه تمايزا كليا. وإذا كان الأمر لا يتعلق بدماء نقية أو ملوثة، نحسها تجري في عروقنا، بل يتعلق بشفرة جينية، تكاد أن تكون، من فرط دقتها، مفهوما رياضيا، فإن جوهر المسألة يصبح هو قبولنا لأنفسنا وتأمل ذواتنا في مرايانا الخاصة، وليس النظر إليها بمرايا الآخرين. حينها سنكتشف كم هي جميلة هذه الهوية السودانية، وكم هي متمايزة عن الآخرين في نفس الوقت. ولكن مرايانا نفسها تحتاج إلى التطوير والصقل، لترى تلك القوى الهاجعة في بطن هذه الأم الرؤوم المعطاءة، "المملوءة الساقين أطفالا خلاسيين." وحينها سيكتشف السودانيون أن ما يطلبونه، أي يبحثون عنه، " قد تركوه ببسطام" كما نقل عبد الحي عن فتوحات إبن عربي المكية. فقد تميز السودانيون في كل أرض حلوا بها، لأنهم يملكون طاقة التميز والفوت، عندما يتعلق الأمر بالخصائص الجوهرية في الإنسان، أي علمه، وعمله، وأخلاقه وكرامته. أي لم يكن أكثرهم تفوقا، بالضرورة، أولئك الذين يحملون سمات خارجية أقرب إلى تلك المجتمعات الجديدة التي حلوا بها. ومن يتأمل هذا الأمر يعود إلى ذاته راضيا عنها مرضيا. • أتحدث عن نفسي في قضية الهوية، لدوافع ذكرتها تتعلق بالإختيار، وهذا زمن الخيارات الحاسمة، ولكني أعتقد أن ما أقوله عن نفسي ينطبق بصورة أو أخرى، وبهذه الدرجة أو تلك على كل هؤلاء المتحاورين حول الهوية، ومنهم عبد الله علي إبراهيم، كما ينطبق على زعمائنا جميعا دون استثناء. ينطبق على الشريف زين العابدين الهندي، الذي قال أننا جئنا إلى هنا وتزوجنا الإفريقيات، ومن هنا جاءتنا هذه "الشناة"، في مناسبة حضرتها شخصيا، وفي قول أورده صديقي الباقر العفيف الذي تناول الهوية وكتب عنها ما لم يكتبه سواه، وحلل كلمات الهندي بما لا يحتمل الزيادة، كما تنطبق على أحمد الميرغني، وعلى أخيه محمد عثمان، وعلى الصادق المهدي، وعلى حسن عبد الله الترابي، وعلى محمد إبراهيم نقد وعلى عثمان محمد طه وغير هؤلاء. وقد طالبت هؤلاء جميعا، بأن يبرزوا " أشجار نسبهم" السودانية الحقيقية، التي يخفونها كما يخفي الإنسان عورته، كما ابرزوا من قبل أشجار نسبهم العربية المؤسطرة والمتخيلة، لأنهم إن فعلوا ذلك، فإنما يقدمون لأهلهم خدمة جليلة، تفتح لهم الطريق إلى التصالح مع أنفسهم، وإطراح الأوهام التي تضر ولا تفيد، عن أصلهم المتميز والمتفوق. • ثم يصل عبدالله بعد ذلك إلى قمة محاضرته، وهي في نفس الوقت قاعها، وهي دعوة الجميع إلى دخول برج الإنقاذ. يقول: « في هذا الصدد أري إنو يجب أن نعترف أننا كلنا ننتمي إلى النظم السيئة، مش النظم السياسية. ننتمي إلى الشفرة الثقافية الموصوفة بالسوء. بقول كان البروفسور إدوارد سعيد ضرب مثل، وأنا أستعين بيهو هنا، قال إنو في كاتب فرنسي كان يكره برج أيفل جدا، لا يطيق رؤية برج إيفل، وكان حله لما يضيق به الضيق النهائي، ويصبح برج إيفل بالنسبة له شبح وكذا، يصعد البرج ويجلس في مطعم البرج ويأكل. قيل له: ليه. قال، لانو تلك اللحظة الوحيدة التي لا أرى فيها البرج «ضحكة». فيا أخوانا نظام الإنقاذ أنا بصفه بأنه برج أيفل لينا « ضحكة ». لا نطيقه، مزعج، كلنا عندنا مواقف حتى أنصاره « ضحكة ».» • دعوة عبد الله هنا هي أن ندخل برج الإنقاذ « ونأكل» منه حتى لا نراه. وهو يستعين على دعوته هذه، بالأمثلة، ويعاني في طرحها حرجا عظيما تنوء به الجبال، تظهره الضحكات العصبية المستوحشة، وتظهره العبارة المتهالكة، المستعصية على الفهم، ويظهره تداخل الكلام بعضه في بعض، و الزوغان في نهاية العبارة من معناها الواضح الصريح. ما الذي يجبر عبد الله على كل هذا العناء وهو المشفق على الجميع من الإرهاق؟ ودعونا هنا نناقش المثال الذي أورده عبد الله، وهو يقع في مجال المجاز، وإذا كانت لعبد الله مساهمة متميزة فهي في مجال المجاز وحده وليس سواه. رجل وحيد، غريب الأطوار، يكره برج إيفل، وليس غريبا أن يكون الرجل وحيدا وغريب الأطوار، لأن من يكره إنجازا حضاريا مثل برج إيفل يجب أن يكون كذلك. فهو يكره إنجازا حضاريا يمثل مصدر فخر للشعب الذي شيده، وتفخر به البشرية في عمومها لأن من عاداتها أن تفخر بمثل هذه الإنجازات. هذا الرجل يعتقد أن برج إيفل هو مظهره الخارجي وحده، أي هذا الإمتداد الفولاذي الذي يشق عنان السماء، وليس باطنه، بما فيه من عجائب هندسية ورؤية ساحرة، وأماكن للترويح عن النفس من ضمنها المطاعم التي يأكل فيها ذلك الرجل. رجل يجهل حقيقة يدركها كل الناس وليس السواح وحدهم، وهي أنك عندما تدخل برج إيفل فإنما تراه بصورة أفضل، بل يعتقد أنك إذ تدخله لن تراه. ما الذي يقابل هذا الرجل عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإنقاذ؟ وما الذي يقابل برج إيفل عندما يتعلق الأمر ببنائها الداخلي؟ • إن حقائق الواقع الماثلة تقول أن الاغلبية الساحقة من شعب السودان تكره الإنقاذ، لأسباب أقوى بكثير من تلك الأسباب التي تحمل بعض الشعوب على كراهية حكوماتها. والاغلبية الساحقة إن كرهت نظاما سياسيا فإنما تسقطه ولا تدخله. وهذا هو الطريق الذي يسير فيه شعب السودان حاليا، بعد أن ساعدته الحركة الشعبية لتحرير السودان على قطع نصف الطريق. ومهما تغيرت الأساليب فإن الغاية واحدة، وهو إسقاط نظام الإنقاذ وتفكيكه طوبة طوبة، طال الزمن أم قصر. ولكن ذلك سيحدث عن طريق صعود الشعب السوداني مراقي جديدة في التمسك بحريته وحقوقه، وامتلاكه أدوات جديدة، سلمية في غالبها. وهذا أمر طبيعي فالإنقاذ بكل ما تمثله من فكر وممارسات عملية ليست سوى بثور علقت بهذا الجسم الجميل وهي لا شك زائلة. وهذا من طبائع الأشياء لأن الشعب الفرنسي، وليس ذلك الرجل الغريب الأطوار، إذا كره برج إيفل، فإنه سيقتلعه من " الجذور"، ليزيل الأذى عن خط باريس السماوي. ومن الناحية الأخرى، هل يمكن المقارنة بين الإنجاز الحضاري المتمثل في برج إيفل، و"المشروع الحضاري" المتمثل في الإنقاذ؟ ندخل برج إيفل فنأكل الفروي دوميغ، والكوت دو بوف،والفياند سينيان، وبعضنا يأكل شكروت الألزاس، وما يصاحبها من الأجبان والنبيذ المعتق. فماذا نأكل عندما ندخل الإنقاذ؟ عبد الله نفسه يعطينا مثالا عمليا على ما يمكن أن نأكله، فمن ضمنه الدعوة الصريحة إلى الباطل الصريح ومن على رؤوس البيوت، وخيانة المثقف لواجبات التنوير وإستخذاؤه للطغاة، فقط لأنهم طغوا. وهو طريق لم يختره أولئك الفتية الذين حاضرهم عبد الله في أبي ظبي، أو نشر عليهم افكاره في السودان وفي بلدان الشتات. خيانة النفس، إذن، والتنكر لرسالة المثقف ، هي أفضل وجبة يمكن أن تقدمها إلينا الإنقاذ. ولكن ليس ذلك بالنسبة لها سوى "المقبلات". إذ تجيئ بعد ذلك الوجبة الرئيسة وهي مشاركتها في خطاياها جميعا، المكسوة بالقمع والمتوجة بالإبادة الجماعية للاقوام والشعوب، أما " التحلية" فهي إقامة الرفاه المادي للقلة الغليظة الحس، على خلفية من الإفقار المطلق لشعب كريم. "ثم ثانيا" كما يقول أحد أصدقائي وهو يطرح نقطته الخامسة: إذا كان ذلك الرجل يأكل في برج إيفل ويذهب إلى بيته، فهل يمكن الأكل في برج الإنقاذ والخروج منها بعد ذلك، وكل ليلة؟ • أقول لصديقي عبد الله: دعوتك مرفوضة يا " أخا العرب"، لأنه مهما بلغ حب الناس لك، فإنه لا يبلغ مبلغا يجعلهم يختانون أنفسهم. فهم لم يحبوك على باطل، بل أحبوك على حق. فهل تسير وحدك في دربك الموحش؟ هل تواصل وحدك " رحلة بائسة"؟ هل تتوغل وحدك في صحراء الإنقاذ؟ هل تخوض وحدك في وحلها؟ وهل صار حتما مقضيا أن تقطع رحلة الألف ميل وقد بدأت بخطوة واحدة؟ الخيار خيارك يا عبد اللهّ. وأقول "وحدك" مشيرا إلى وحشتك في قطيع من الذئاب، وليس إلى خلو المكان من الآخرين، ومنوها بمجدك الذي بنيته على بسط ثوب الإستنارة عندما كتبت عن " الناس والكراسي" مذكرا اللبراليين الذين تعثرت ألسنتهم عن إدانة العدوان البربري على تراث الشعب، الذي قامت به عام 1968 هذه الفئة نفسها التي تدعو الناس إلى دخول برجها اليوم، بتلك اللحظات التي تعثرت فيها أرجلهم في باحات الرقص والمخاصرة في جامعات الغرب، وبذلك الفرح الخجول الذي لا يريدون أن يدفعوا مقابله شيئا. • سألت في موقع سابق من هذا المقال عما يجبر عبد الله على مثل هذا المآل، وعما يدفعه إلى تحمل هذا الحرج الكبير. ولو وضع عبد الله في موضع يجبره على الإجابة على مثل هذا السؤال، لتعلق أيضا بمقولة ثقافية ما ، غالبا ما تكون خالية من المعنى. وكما أوضحت أن دوافع عبد الله سياسية بحتة، مكسوة بجلال كاذب ومغشوش، فإني أقول أن بداية التحول الفكري لعبد الله، كانت سياسية أيضا، أو قل أنها كانت سياسية نفسية. وهي تتعلق تحديدا بموقفه من الإنقلاب العسكري الذي حدث صبيحة الثلاثين من يونيو 1989. موقف عبد الله كديمقراطي، وموقفه كعلماني، وموقفه كتقدمي، كان يملي عليه، كما أملى علينا جميعا، أن يرفض ذلك الإنقلاب، حتى ولو لم يكن قادرا على مقاومته. هذا الموقف لم يستطعه عبد الله، ليس لأنه كان طامعا في منصب أو مال أو جاه، ولكن لأنه لم يجد في ذاته قوى وطاقة كافية تسنده ليقف ذلك الموقف. ولذلك عندما دعته السلطة الإنقاذية المغتصبة، إلى المساهمة في إعطائها شرعية أمام الشعب، وخاصة من مثقف تقدمي مثله، له كل هذه الشنة والرنة، فإن عبد الله لم يستطع سوى أن يلبي النداء، وشارك في "مؤتمر الحوار الوطني" وشاهده الناس جميعا، وعلى وجهه ذلك الحرج الأسطوري، وهو يقبل الإنقاذ كبديل للديمقراطية، ويقبل النكوص كبديل للتقدم والتنوير والإنفتاح. وقدفعل عبد الله ذلك والدماء التي أسالتها الإنقاذ ما تزال حارة فوارة، كما أنه في طريقه إلى " المؤتمر" قد مر بالجثة الكبيرة لكيونونة كانت تسمى الديمقراطية الثالثة. تلك خطيئة لم يفق منها عبد الله بعد ذلك، مع أن الطرق كانت أمامه مفتوحة لإنقاذ النفس من "الإنقاذ". عندما خرج عبد الله من السودان، كان يمكن أن يوضح أن موقفه نتج عن غريزة حب البقاء، وهي غريزة مركبة في الناس جميعا، ولكنهم يتعاملون معها بطرق مختلفة، تتراوح بين البطولة والتقية والمخاتلة وتصل إلى قبول الموت المعنوي إنقاذا للجسد. وكان يمكنه أن يعتذر إعتذارا خفيفا، ويواصل الدعوة إلى ما كان يدعو إليه قبل الإنقاذ. ولكن عبد الله لا يجيد الإعتذار، بل لا يقبله حتى وإن كان مستحقا، كما قال في محاضرته هذه، ولذلك اختار أن يحول الموقف الناتج عن ارتخاء الركب، إلى موقف فكري شامل ومحيط. وذاك لعمري اختيار بئيس. • في نفس الوقت الذي نشرت فيه محاضرة عبد الله، كنت أعيد قراءة سيرة سقراط، كما جاءت في محاورات أفلاطون، وخاصة كتاب "الإعتذار": أبولوجيا. صعقتني المفارقة بين هذا وذاك. فهذا الرجل الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة عام لديه ما يقوله لنا حتى اليوم. فعندما قالت عرافة دلفي، وهي إلهة في ذلك الزمان، وناطقة باسم الآلهة وخاصة زيوس، أنه ليس بين البشر من هو أكثر حكمة من سقراط، حار سقراط حيرة شديدة في هذا الأمر. فهو يعلم أنه لا ينطوي على قدر يؤبه له من الحكمة أو المعرفة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الآلهة لا تكذب، ولم تغب عن فطنته بالطبع أن شهادة الآلهة لم تكن فقط في صالحه، بل تتوجه حكيما على كل البشر. لم يقبل سقراط، لما ركب فيه من هذا العناد البشري المتطاول، حكم الآلهة، لا من حيث قداسته وتنزهه عن الكذب، ولا من حيث أنه جاء في صالحه وحده دوه سواه. فصار يزور أولئك الذين اتصفوا بالحكمة، من حكام ومفكرين وشعراء وأدباء، فاكتشف لدهشته أنه أكثر حكمة من هؤلاء جميعا، لأنه كان يسألهم عما اشتهروا بإتقانه والتخصص فيه، ويظهر لهم من خلال إجاباتهم وبتلك الماكينة العقلية الهائلة التي كان يملكها، أنهم لا يعرفون، معرفة حقة، ما يدعون أنهم يعرفون. وتوصل إلى أنه أكثر حكمة منهم، لسبب بسيط جدا، وهو أنه يعرف أن معرفته متواضعة، وأن الكون لم يكشف له إلا شيئا قليلا من أسراره، وأن عليه أن يمضي دون هوادة في الإستزادة من المعرفة، بينما تربع هؤلاء على حصاة من المعرفة ظنوها جبالا شوامخ. وقال سقراط وهو يشرح ما توصل إليه من علاقة بين المتعالمين الذين يدعون معرفة ما لا يعرفون، والناس العاديين المتواضعين رغم معارفهم وحكمتهم: "أثناء بحثي في خدمة الإله، وجدت أن أولئك الأكثر شهرة والأكثر ذيوعا في الصيت، هم في الغالب الأكثر نقصا، بينما أولئك الذين يعتبرون أقل شأنا هم الأكثر معرفة. ( ترجمة غير رسمية). "رحلة " عبد الله القاسية من بداية محاضرته وحتى نهايتها أثبتت شيئا عكسيا تماما لمسيرة سقراط. فقد وضح أن هذا المفكر الوحيد في السودان، إن كان في السودان مفكر، كما قال مقدمه الكريم، هو الأكثر جهلا بموضوعه من جميع الذين كان يحاضرهم. ولا شك أنهم كانوا يمدون أرجلهم قليلا قليلا، كما فعل أبو حنيفة، كلما أوغل المحاضر في باطله وهرائه، حتى مدوها عن آخرها في نهاية المحاضرة، هذا إذا لم يفكر بعضهم في إطلاقها للريح. وأكاد أرى صديقي محمد الحسن محيسي، المتبحر في كثير من ضروب المعرفة، وهو يفعل ذلك تحديدا. وأحصر المقارنة مع سقراط هنا فقط، فالمقام لا يسمح بالحديث عن محاكمته وموته. • وأخيرا، دخل عبد الله في قلوب وخرج من قلوب، وهو بينما يستطيب الدخول فإنه يكره الخروج، ويحاول جهده الجمع بين هذا وذاك، ولا يعتقد ذلك ممكنا إلا لأنه لا يضع للمنطق في تفكيره ورغباته، وزنا كبيرا. وهو يعتقد أنه بالقاء بعض الملاحظات العابرة، لصالح جمهوره القديم، يمكنه أن يكسب هؤلاء وأولئك في نفس الوقت. أنظر إلى إشارته إلى موت جوزيف قرنق "الباسل"، مع أن محاضرته تلزمه أن يقول أن جوزيف قرنق مات من أجل قضية ليست قضيته، مات من أجل جماعة شمالية عربية مسلمة لا ينتمي إليها، مات من أجل وطن يضع عبد الله يده حاليا في أيادي من يريدون تمزيقه، وتقليصه ليكون في حجم مقدراتهم على القهر والتنكيل والسيطرة. أقول لصديقي عبد الله، خيارك الحالي يمكن ألا يكون نهائيا، إذا التفت قليلا إلى الوراء لترى أن مطارديك أصابهم الإعياء والإرهاق "غير الخلاق"، وبالرغم من أنهم لم يكفوا عن المطاردة إلا أن الصمود في وجههم ممكن وميسور، وقد استطاعه كثيرون لم يدقوا الطبول إعلانا عن صمود، فكيف تدق الطبول إعلانا عن هروب؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الأخ الأستاذ المحترم الكيك، دامت عليك المعالي، يا سيدي ليس من مسوغ عندي، ماضياً ًوالآن أو في المستقبل، فلا أسبغ على معاني اختلافي ما تستحق أنت و الأخ سفيان نابري و ضيوفك الكرام من احترام، بل العكس. فهي إذن بداهة لا يجدر بنا التوقف عندها كثيراً أو قليلاً. أما القسمة في كلامي بين اللوم و النقد فهي ليست ممكنة، إذ يشتمل واحدهما على الآخر من كل بد... اللوم كباب في العشم و نوال التأميل من الصحيح الأصوب يحتاج إلى نقد. الحقيقة هي إنني قد شعرت وكأن خبر ترشيح الدكتور قد أدخل الكثيرين في ما أسميته بالحرج الديمقراطي و ما كان لهم أن يحرجوا في ظني لو أنهم قد قدموا بين يدي نقدهم بعض العشم و البشري بين يدي هذه السابقة التي سبقها منهم مثقف بما يوافق (كلامات المثقفين) و يفارق وقائع الراهن قيد الهرج.... أشكرك على الرد الوافي المستقصي لكل كلمة كتبتها و أعتذر لو كلفتكما رهقاً أو مضيعة للوقت. أما قولي باعتراضك على المرشح فهو مما تسرب لي مما كتبته أنت مثقلاً لمعانيه بما يفيد المآخذ القانونية تقدح في أهلية المرشح و لو من باب خلفي ينفتح في قارة أخرى، وكذا بإهمالك الإيجابي من هذه البادرة و تركيزك على التسليب السياسي و الفكري للمرشح. و مع إقراري بحقك في ذلك إلا أنني رجحت أن تعبيرك عن اعتراضك على المرشح ( و هو سهل) قد فاق احتفاءك بالبادرة نفسها كمبادرة في السعي الديمقراطي المحمود من رجل ذي ثقل ثقافي جلمود، فهي إذن فعلة مفيدة تستحق التنويه (و هو الأصعب) ومن ثم الاتفاق و الاختلاف . لقد أكبرت موقف الدكتور مجمد جلال هاشم في الندوة/المؤتمر الذي في جملة واحدة أطرى على خطوة الترشيح و عارض المرشح مقدماً الأولى كما ينبغي و حيثياته للثانية الأخرى. أما عن حدث (طيبة برس) فلا زلت أرى أن ما حدث لا تثريب عليه و لئن فارق معهود السودانيين في الخرطوم فما هو بالغريب على الملابسات السياساعلامية و ممارساتها القارّة في عالم اليوم. و أزيد بالقول أن النص المكتوب يحوي الترشيح قد حوى أيضاً ما معاني عنوان المحاضرة المعلن، و إن زاد. بالمناسبة، ربما يفيد التوثيق أن تلحق ذلك النص (في دحض فكرة أن السودان هو رجل أفريقيا المريض) هنا فيقرأ الخيط على ضوء منه و من فكرة الأخ سفيان عن النظر و البحث في معطى الدكتور/المرشح الفكري. أما فيما يتعلق بقضية الدكتورين في ميسوري، فقد أقحمتك كما تقول بـ(أنتم) لسببين؛ الأول إنني أول مرة أسمع بهذا، فمنك. و الثانية إنك، فيما بدا لي من سياقات الكتابة، إنما تقدح في أهلية الدكتور القانونية للترشيح بسبب من هذه القضية و قد ألححت في ذلك و هو مما لا يجوز عندي لأسباب منها؛ أن محل الاختصاص القانوني مختلف، و أن القضية نفسها، لو صحت الرواية، قضية خاسرة بما هناك ما يسمى بـ (التعديل الأول) في الدستور الأمريكي الذي يبيح و يتيح لأي أن يقول أياً ما يريد في حق أي من الناس و لو توفر له أدنى مستند على ذلك، لولا هذا (التعديل الأول) لما كتب صحفي و لا مارس سياسي السياسة في الولايات المتحدة. الشاهد هو أن مقالة الدكتور عن الدكتور كـ (قوّال) تجد الكثير الذي تستند إليه في وثائق طازجة أفرجت عنها الدولة محل التقاضي حيث يكفل التعديل الأول الحماية من هكذا شكاوي. و ما علاقة قضية عالقة في ميسوري بالأهلية الدستورية في السودان؟ و بخصوص ما أخبرتك(م) عنه عن التسجيل فخبره يا سيدي إننا (الأخ الأستاذ بابكر فيصل و شخصي) في موافقة من مصادفات الغربة الأمريكية و بحضور كبير فيه العديد من أهلنا (البورداب) قد نظمنا في يوليو الماضي و القريب هذا، حواراً طويلا طويلاً طويل مع الدكتور، وردت فيه قصة الدكتورين هذي و حكايات أخرى عدداً، فوجدنا الدكتور لا يزال على رأيه من الدكتور، بل زاد في التقريع عليه بمآخذ في السياسة تجدها فيما ينشره عنه، ثم إنه سمّى الأشياء بألفاظ أكثر حدّة... و على أية حال فنحن يا سيدي وبموافقة الدكتور/ المرشح و منذ حينها، بصدد تفريغ و تحرير هذا الحوار من سبع ساعات و عازمون على نشره خاصة و أن الأحداث الآن تستدعي ذلك كما قد يوافقني الأخ سفيان. نحتاج بعض وقت و بعض مقدرات في التحرير الصحفي لا نتوفر عليها الآن و لكن حتى حينه فلن تجدنا نخفي عن المحكمة المزمعة ما قد تطلبه محكمة، لا يجوز قانوناً و لا ينفع فيه حتى (التعديل الدستوري الخامس). أعتقد أن الأمر كله كما ورد في هذا السياق، كما أمر استدعاء مقال المرحوم الأستاذ الخاتم عدلان دونما نظر معرفي و ناقد فيه، لا يعدو أن يكون باب في الاعتراض السياسي المؤدلج على شخص المرشح. اعتراض طغى به الحرج الديمقراطي على الموضوعية و النصفة التي كانت تحتم علينا الاحتفاء بالخطوة الديمقراطية السديدة اتخذها المرشح غض النظر عن جدواها الانتخابية و عن اختلافاتنا مع المرشح. هذا بياني بالخصوص... و إن شاء الله تزول به شكوكك...! أما عن الدكتور زين العابدين وكيف أن موقفه مخجل لزمر من المثقفين من دعاة الديمقراطية، فليس أمره كما ذهبت إليه يا أستاذ الكيك من إنني أفترض أن د. الطيب رجل غير ديمقراطي! بل هو العكس تماما! الخجل لازم لأن الدكتور زين العابدين القادم من خلفية فكرية لا تنتطح على شموليتها عنزان قد أثبت عبر مسيرة في النقد الذاتي و الرغبة في التصحيح على أخطاء منهاجهم و المثابرة المتسقة في القول و الفعل إنه هو الديمقراطي السوداني (سيد اللسم) و لو تحفظنا على الإطلاق، ثم هو لم يشعر بحرج المثقفين من الدعاة و المبشرين بالديمقراطية من على ذرى المنابر أو من سديم المهاجر.... ألا ترى لاحتفائه المبين بهذه البادرة كيف يشرئب إلى الحق و يستعلي على ما يستوجبه العجز و فقر الحال من حرج لا تكاد تغطيه عورات النقد السياسوي المؤدلج تعمي البصائر عن كل خير فيها. و نعم، إنه لأمر مخجل أن يكون موقف الدكتور الطيب زين العابدين في المقال الملصق أعلاه أكثر تفهماً و أشد منطقاً من أراء النائحين على الديمقراطية دهراً و يدّعونها في منطلقهم ثم لما تدق طبولها يعرضون خارج الدارة و يشنعون على من يعرض نفسه لـ بـطانها... في مظانها... ــــــــ وبعودة لتعليق الأخ سفيان نابري، فشكراً على ما تفضلت به يا أخي وبالتأكيد فللكل أن يقف من أي مرشح بحيث يريد وفقاً لما يعرف عن فكر المرشح ومواقفه. هذا متفق عليه، و لكن الغير متفق عليه أن تطغى علينا المخالفة فنتعامى عن محاسن وجود مرشح كالدكتور عبد الله في بيئة سياسية لم تعرف غير بل و تعج الآن بالسادات الوارثين و بالعسكر و بالمتعسكرين و ببائعي الضمائر الحداثويين ببخس من دراهم التوزير و التمدير و بالجهلاء، وهو أنكى.... إن ما قد يدفع لمثل هذا الموقف لا يمكن إلا أن يكون تناقضاً أساسياً في الذات الديمقراطية يستحق النظر فيما انطوى عليه من أسباب وما يشي به عن الحرج. أما محاسن و مساوئ المرشح نفسه فلا ضير، بل الواجب أن تناقش و هو أمر ضروري كضرورة الديمقراطية نفسها و أحمد لمشاركاتك سعيها في توفير هذي الأرضية التأسيسية لنقد مثمر. مصداقاً لذلك فلتسمح لي بالقول؛ إنني اعتقد جازماً أن أكثر نقد نافذ و بالغ القيمة و محيط بلب أطروحة الدكتور المرشح الفكرية والمعرفية، هو النقد الذي قدمه الدكتور محمد جلال أحمد هاشم (يمكن أن تتفق معه ويمكن أن تختلف)!!! و لكنك مع ذلك واجد أن موقف الدكتور هاشم كان موقفاً سديداً أمكنته الموضوعية و من موقع المخالف أن يحتفي بعزم المرشح الدكتور أولاً ثم يحتفي بمستقبل أفضل للخلاف نفسه. تلك مقالة من الدكتور هاشم شاهدة على اتساق محمود تأتى يسيراً لمخالف ديمقراطي غير محرج. أما الحرج فعسر، و لذا فقبل ذلك وبعده تجدني مستقراً على عزمي لكشف ما تيسر لي من تناقضات المثقفين المخفية طي (الكلام الكتر) و التي أورثتهم حرجاً ديمقراطياً بالغاً و جرحتهم جرحاً في المصداقية بالغاً. حرج يا المثقفين..... حرج !!! ملحوظة صغيرة يا سفيان: صاحب الاقتباس الأخير الذي أوردته هو الدكتور بدر الدين حامد الهاشمي وليس الفاضل الهاشمي.
مع جزيل شكري على الفرصة و خاصة على التوثيق لهذه الكتابات المفيدة. و لكما منى يا أستاذ الكيك وأستاذ سفيان كل تحية وتقدير واحترام وأتمنى كما تمنى الكيك ألا أكون قد أسأتكما بكلمة و لئن هو حدث عفواً فاعذراني وسامحاني إذ كلنا كما أسلفت يا ذا المعالي الكيك؛ إنما ننشد الرشاد في القول و الفعل ونرجو الاستقرار لوطننا السودان. آمين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الشكر للأستاذ الصحافي / الكيك والشكر لأضيافه الكرام . نورد نقلاً عن أرشيف الأستاذ / منصور المفتاح مقالاً للدكتور عبد الله علي إبراهيم ،ويلاحظ السادة القُراء والقارئات الأفاضل أوصاف الدكتور عبد الله علي إبراهيم للدكتور منصور خالد :
Quote:
ومنصور خالد
منصور خالد: القوّال (The Snitch)
د. عبد الله علي إبراهيم [email protected]
امتطى محمد الأمين عبد الله عباس الطالب بكلية الأقباط المصرية الدرجة الرابعة في أكسبرس حلفا بمحطة الخرطوم في نحو السابعة والنصف من صباح يوم في الاسبوع الأول من مايو من عام 1953.كان يطوي لفافة ما طياً جيداً في رحلة لا تشبه رحلات من حوله في شيء. كان واجف القلب يتفصد جبينه قطرات عرق باردة يجففها في قيظ الخرطوم بعد انحسار برودة الصباح. لم تكن تستقر له عين على شيء. وكاد المريب أن يقول خذوني. وبالفعل أخذه البوليس الذي بدأ بفض لفافته فاسقط في يد محمد الأمين. ياله من صباح. انتهت المهمة قبل أن تبدأ. وفتح البوليس اللفافة فإذا بها تحتوي على مائة نسخة من جريدة "اللواء الأحمر"، جريدة الحزب الشيوعي السرية، وبياناً سياسياً فيه تحليل طويل لإتفاقية الحكم الذاتي الموقعة بين دولتي الحكم الثنائي: مصر وبريطانيا في فبراير 1953. وكان محمد الأمين في طريقه بهذه المواد الخطرة إلى عطبرة.
هذه واقعة ربما لم تجدها مؤرخة في أي من صحفنا أو كتب تاريخنا. ولكنك تجدها حسنة التوثيق في أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية المودع بدار الوثائق الوطنية بمدينة كولدج بارك بولاية ميرلاند. فبجانب خبر هذه الواقعة بمحطة السكة حديد التي كتبها السيد جوزيف سويني (1912-1979)، ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية ، من مصادره سيجد المطلع بدار تلك الوثائق نسخاً من المواد الشيوعية المصادرة نفسها. بل سيعثر على عدد آخر من اللواء الأحمر ( بتاريخ 10 مايو 1953) حصل عليه البوليس بعد مداهمة منزل السيد عبد الوهاب البشير في أم درمان. وكل هذا كائن بين دفتي فايل لوحده عن الشيوعية في السودان. وهو سجل عن الحزب الشيوعي من أندر المراجع في تلك الفترة الباكرة أو هو الأندر. وفي عدديّ اللواء الأحمر تقرأ لرفاق مولهين بستالين وسكرى به. مثل ما كتبه الرفيق كمال (بين قوسين سعاد) "حول وفاة ستالين الصديق" وسبب اختياره له كأحسن صديق. وستجد توقيعاً ل"الرفيق راشد-السكرتارية المركزية" على بعض كلمات الجريدة السرية أو افتتاحياتها. وراشد هو الأستاذ عبد الخالق محجوب. ويسود العددين والبيان المصادرين سوء ظن عميق بالنظام المصري تحت اللواء نجيب بنسبته للعمالة للاستعمار البريطاني والأمريكي. وكان الاستعمار الأخير قد بدأ يطرح بضاعته في الشرق الأوسط مثل مشروع النقطة الرابعة لبناء تحالفات مع عرب ما بعد الاستعمار المباشر للوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي لدي تباشير الحرب الباردة. ومن شأن هذه الوثائق أن تزيدنا علماً بمنطق الشيوعيين في معارضة اتفاقية الحكم الذاتي لفبراير 1953 التي بها استقل السودان في خاتمة الأمر.
لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية ان تترك الحبل للشيوعيين على الغارب. لم تستفز تلك المخابرات لرصد نشاط الشيوعيين مقتضيات الحرب الباردة الأيدلوجية التي كانت آخذة في الشدة فحسب بل عافية الشيوعيين السودانيين السياسية التي أذعرت جوزيف سويني والذي ربما كان رجل المخابرات بالخرطوم. وهو ذعر امتد حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958 وخلاله كما بينا في الحلقة الخامسة من هذا الكتاب. وبلغت تلك العافية حداً وصف به سويني مدينة عطبرة، التي لم ينفذ إليها محمد الأمين بشحنته السياسية، بأنها "مركز السكة الحديد وواحدة من المواقع الرئيسية للتحريض الشيوعي في السودان." وبلغ به الخوف حداً سأل به السيد بابكر الديب، نائب مدير البوليس، إن كانت همة الشيوعيين وحميتهم بين المزارعين كما فصلها في رسائله ستفضي إلى حركة مسلحة شبيهة بحركة الماماو في أوائل الخمسينات بكينيا التي قام بها مزارعون معدمون جردهم الإنجليز البيض من أفضل أراضيهم. وقد طمأنه الديب أن الأمور لن تبلغ بنا ذلك المبلغ وإن نبهه إلى أن أوضاع المزارعين في المشاريع الخاصة بشندي وأملاك السيد عبد الرحمن المهدي ربما نضجت لتسلل شيوعي لبسط نفوذهم بين المزارعين.
وأذعر ما في همة شيوعيي السودان أنها كانت وثيقة الصلة بالكمنفورم بصور وأخرى. والكنفورم هو مكتب إعلامي للأحزاب الشيوعية والعمالية تكون في 1947 وانحل في 1956. فاقتطف سويني من نشرة "بروجكت" (3 يوليو 1953) التي يصدرها الكمنفورم فقرة من مقال عن حركة المزارعين في السودان لابد أنها بلبلت خاطره للعلاقة غير الخفية بين شيوعي السودان ومركز الشيوعية العالمي. وعلق سويني على الفقرة بين قوسين : "لربما جاء الوقت لمن ظن أن بالوسع تجاهل الشيوعية في هذا البلد أن يعيد النظر كرتين." ووقف سويني عن طريق الديب بصورة دقيقة على نشاط المخابرات البريطانية (MI-5) ومركزها الإقليمي في قناة السويس ثم عدن الساهر على محاربة الشيوعية في السودان. ولاحظ سويني ان بريطانيا بدأت تأخذ موضوع محاربة الشيوعية في السودان بجد. فدربت بمركزها بعدن السيد أحمد حسن. وقد كان للمخابرات البريطانية اليد الطولى في تشريع محاربة الشيوعية الذي أجازه المجلس التنفيذي للجمعية التشريعية في بداية الخمسينات. فهي التي سَرَعت خطواته بينما كانت تشريعات الديب وبوليسه السياسي ترواح في محلها. وكان MI-5 يعين البوليس في السودان بتعقب الشيوعيين متى بارحوا السودان. وكانت خطة MI-5 أن يقيم مكتباً له في جهاز البوليس السياسي يغشاه ج آي إليوت من عدن للتنسيق مع أمن السودان عن كثب. ومما يستحق الذكر أن المجلس التنفيذي بقيادة السيد عبد الله خليل البيه هو الذي عارض بشدة ترتيبات الحكومة تلك مع ال MI-5 وتراجعت الحكومة عنها.
علقت بمنصور خالد تهمة أو ريبة العمالة للمخابرات الأمريكية في سياق هذه الرصد الغربي الدقيق لنشاط الشيوعيين. وكان أكبر من روج لعمالة الرجل بالطبع الشيوعيون. وظلوا حتى وقت متأخر من عام 1972 يصفونه ب "عميل المخابرات الأمريكية" في تقويمهم لإتفاقية سلام أديس ابابا. وظلت التهمة ذماً سياسيا عاماً لمنصور لم يقم الشيوعيون الدليل الملموس على التهمة ذاتها. وهو أمر صعب بالطبع. وربما لم يكن الجيل الأول من الشيوعيين بحاجة إلى التدليل على ذلك. كانت تكفيهم البينات الظرفية وما دونها. فمن جهة كان منصور يشاهد في دوائر "الخواجات" غير حافل أو مكترث في وقت استفحلت الوطنية وأصبحت مجرد خلطة الإنجليز والرهط من عظائم الخيانة. فأكتفى ذلك الجيل الشيوعي الأول من البينات على عمالة منصور بالنظر المجرد والريبة الوطنية البديهية. وبدا أن تهمة منصور قد أخذت تسقط بالتقادم حتى أن الشيوعيين أنفسهم سحبوا عبارة "وعميل المخابرات الأمريكية منصور خالد" حين أعادوا نشر بيانهم الذي قوموا فيه إتفاقية اديس أبابا منذ سنوات خلت. وقد سميت ذلك ب "خفة اليد الثورية" لأنهم خدشوا مبدأ نهائية النص التاريخي وقدسيته بغير أن يصرحوا لقارئهم بدافعهم لتلك المراجعة.
وبلغ فساد تهمة منصور بالعمالة لأمريكا حداً لم يعد منصور يعدها سوى "سفاهة". فقد استنكر سؤالاً عنها من محرر جريدة البيان (13-3-2002)وتمنع أن يجيب عنه لأنه إذا فعل يكون انحدر من دَرَج المسائل الهامة والجدية التي سبقت في الحوار إلى درك السفاسف. وأضطر منصور للقول تحت إلحاح المحرر بإن اتهامه بالعمالة مما يشغل الأذهان: "اتهامي بالعمالة "سفاهة" درجت على تجاهلها". وواصل في استهجان بليغ للتهمة: "حسناً مثل هذا الكلام درجنا على تجاهله وتجاوزه لأنه يندرج في خانة "السفاهة". وهذه من التهم السائدة في المنطقة خاصة من قبل الجماعات المتطرفة، أياً كان نوع التطرف، ضد كل من يخالفهم في الرأي. وقذف الناس بتهم مثل هذه تنضح يالسخافة خصوصاً في عالم اليوم في زمن تقوم فيه أمريكا بالتدخل في كل شيء حتى أنها تسعى لحل قضية فلسطين عبر مخابراتها. في زمن مثل هذا يكون مثل هذا الكلام غير ذي معنى ولذلك لا اقف عنده كثيراً ولا أعيره اهتماماً. من جانب آخر عندما يكون المرء قد تربى في أحضان الأمم المتحدة ويتدرج إلى مكانة تؤهله لخلق علاقات واسعة مع أشخاص رفيعي المستوى وتؤهله بالتالي حتى للالتقاء بروؤساء أمريكا نفسها فلا يكون عندها حاجة ليكون مجرد عميل لجهاز في إدارتها."
دفع منصور التهمة عنه لأنها من فرط سخفها ترده أسفل سافلين في حين بلغ هو منزلة تساوى كتفه فيها مع علية القوم الأمريكيين فاصبح نداً لا عميلاً. وهو دفع لا بأس به لولا "شطح حيرانه" الذين . . . بالغوا. فلم يكتفوا بتثبيت علو مقام حبيبهم منصور بل أسفلوا بالأمريكيين حتى أصبحوا عملاء لمنصور. مدد مدد. فكتب السيد قاسم ثروت (سودانايل 62-5-2005): "أزعم أن المخابرات الأمريكية عميلة لمنصور وليس العكس. هذا إذا افترضنا وجود عمالة وهو إفتراض خاطيىء . . . فمنصور لا يحتاج أن يكون عميلاً لأحد فعنده من المال والخيل ما يهديه. وفوق ذلك فإن استقلاله وقوة شخصيته الطاغية لا تجعله رهن (؟) لأي من كان. ثم أن اتساع ماعونه الفكري يجعله يٌلعب المخابرات الأمريكية "سورو؟" ويلبسها خاتم في يده. وإذا جمعت كل عناصر المخابرات الأمريكية واحداً فوق الآخر لما وصلوا لكتف منصور." وهذه دروشة الحداثة بزبد وعبل.
ويأسف المرء لأن حقائق الأمر غير حقائق منصور وشيعته. فقد وقعنا على وثائق خبرها غير سار. فقد خدم منصور المخابرات الأمريكية في عام 1953 وهو طالب بعد بكلية الخرطوم الجامعية. وربما كان في عامه الثاني بكلية القانون. فقد ورد اسمه ونوع خدمته في تقرير من ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية بتاريخ 8 أغسطس 1953 إلى الخارجية الأمريكية بصورة إلى أفرع القوات المسلحة الأمريكية والسي آي أى. وهو تقرير استكمل به ضابط الاتصال مذكرة سلفت له بتاريخ 31 مارس 1953 . وعنوانه "الشيوعية في السودان". وشمل تلخيصاً أثبت فيه قوة الشيوعية السودانية وحسن تنظيمها وسدادها في بناء الجبهات المتحدة حتى أنها نجحت بسرعة في إزالة الآثار السلبية التي ترتبت على موقفها المعارض لإتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953. وتعرض لحزم بريطانيا في حرب الشيوعيين في حين تجرجر مصر قدميها حتى لا تكسب عداء دوائر سودانية. ثم تعرض إلى تمويل الشيوعيين وقد نقل عن أحدهم أنهم يحصلون على المال من الشيوعية العالمية مطوياً في صناديق الكبريت "أبو مفتاح" الذي يستورده السودان من تشيوكوسلوفاكيا بواسطة موردين أرمن سودانيين. وقد استسخف سويني هذه الرواية.
ثم عالج التقرير بنية الشيوعية السودانية في أبواب ستة هي منظمات العمال والطلبة والصحافة ومنظمات النساء ونشاط الشيوعيين في القوات المسلحة ثم الحركة الشيوعية. وشمل الفصل الأخير خطط البوليس السياسي لرصد الشيوعية وقمعها ثم تطرق لبرنامج الشيوعيين للترشيح في انتخابات الحكم الذاتي. وذكر التقرير أن عبد الخالق محجوب ربما ترشح لدوائر الخريجين وهو ما لم يحدث. ثم تعرض التقرير لتنظيم البوليس السياسي وعلاقاته المصرية والبريطانية وتناول أخيراً وضع القوانين الحكومية وسياساتها إزاء الشيوعية ثم موقف دولتي الحكم الثنائي من الشيوعية في السودان.
وأرفق سويني قائمة بالمصادر البشرية التي زودته بالمعلومات لكتابة التقرير ثم قائمة أخرى عَرَّفت بعشرين شيوعياً أو من أعتقد مخبرو سويني أنهم شيوعيون ومنهم عبد الخالق محجوب ومحمد سعيد معروف وأحمد سليمان وقاسم أمين وطه بعشر وحسن الطاهر زروق ومصطفى السيد وعبد القادر حسن وفاطمة طالب وخالدة زاهر السادات ومحمد أمين حسين وعز الدين على عامر وأحمد محمد خير وحسن سلامة ومحمد المرضي جبارة وعبد الرحيم الوسيلة وفتح الرحمن محمد خلف الله وجيمس تدي لاركن (جوبا) ومحمد إبراهيم نقد وعبد العزيز أبو. وأرفق سويني بالتقرير القوانين التي صدرت لمكافحة الشيوعية ونصاً مترجماً لخطاب القاه المرحوم محمد سعيد معروف في الأبيض عن مهام ما بعد الاتفاقية كانت قد نشرته جريدة "الصراحة".
جاء اسم منصور خالد بالرقم 9 من بين المصادر البشرية لهذا التقرير وعددهم إحدى عشر. ووصفته القائمة بأنه "طالب قانون بكلية الخرطوم الجامعية ومحرر بجريدة "الوطن" والمعلومات عن الطلبة من صنعه." وعلى ضوء هذه المعلومات كتب سويني ما يلي عن عبد العزيز أبو : " طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وكان عضواً بلجنة اتحاد الطلبة. طٌرد من الكلية لقيادته مظاهرة. هو الآن بسبيله للدراسة بجامعة براغ التي منحته مواصلات مجانية بداخل البلد وأعفته من المصروفات الجامعية ونفقات السكن والأكل التي تكفلت بها الحكومة التشيكية طوال تلقيه العلم بالجامعة. وبحسب إفادة منصور خالد فإن أبو كان بادر بالتقديم لهذه المنحة بالسفارة التشيكوسلوفاكية بالقاهرة. ويقول خالد أن أبو شيوعي لا غلاط فيه."
وجاء ما يلي في تقرير سويني عن محمد إبراهيم نقد: "طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وسكرتير اتحاد الطلاب. طردوه من الكلية لنشاطاته الشيوعية. هو الآن بسبيله إلى براغ. فقد منحوه مواصلات مجانية بداخل البلد وكذلك أعفوه من المصاريف الجامعية مع السكن والأكل وتكلفت الحكومة التشيكية بذلك. وبحسب قول منصور خالد فإنه قد بادر بالتقديم للمنحة بسفارة تشيكوسلوفاكيا بالقاهرة. ونقد هو قريب الدرديري نقد من الحزب الجمهوري الاشتراكي."
هذا الفصل من كتابي عن منصور خالد هو أشقها على نفسي. فلست ممن يسعد بتعقب سير الناس وكشف صغائرهم. وشهد الله لم أسع لدار الوثائق الوطنية الأمريكية لتوثيق عمالة منصور الشاب للأمريكان. ما حملني لشد الرحال لتلك الدار هو الوقوف على وثائق الخارجية الأمريكية عن انقلاب 17 نوفمبر 1958 بعد اطلاعي على طرف من وثائق الخارجية البريطانية. ووجدت فيها علماً منيراً. ومن جهة أخرى تربيت في خلقية أن البحث"أمانات" مثل البيوت لا تحفر في أرشيفاته صيداً للزلات الشخصية الصغيرة ولا الكبيرة حتى. وتربيت في الحركة الماركسية أنه لن يفل حديد تطفل المستعمرين على المستضعفين إلقاء القبض على مخبريهم وفمهم في الدريش. فالتطفل والمخبرون جزء من اللعبة التي بوسعك أن تستدبرها إلى بنية الاستضعاف نفسه لحشد أكبر حلف من غمار الناس لمساواة الصفوف وسد الفرج بوجه شيطان المخبرين.
ولكني ضربت باعتبارات الحشمة الأكاديمية والسياسية عرض الحائط لأن منصوراً استكبر جداً وعكر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتي. فقد جاء من حيث لا يحتسب إلى مسألة الآخاء السوداني التي شقي بها بعض جيله بينما هو في شغل بالتبليغ عنهم فأفسدها فشخبت دماً. وكان فينا مثل طويس الولع بشعر نقائض الأوس والخزرج وحروبهم. "فقلَّ مجلس اجتمع فيه هذا الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء. فكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن". ومثله في الإضرار بمشروعنا في الإلفة السودانية وممارستها مثل الشيخ الأمين داؤد من المرحوم محمود محمد طه. فقد بث المرحوم شكواه منه في 1978 في محكمة أراد بها رد الاعتبار لتعرض الشيخ لفكره بسوء النقل والتعليق الفاحش قائلاً: " نحنا الأذى البلغنا من الشيخ الأمين مزمن صبرنا عليهو." |
الوصال من مكتبة الأستاذ / منصور المفتاح منصور خالد: القوّال (The Snitch)ومنصور خالد....د. عبد الله علي إبراهيم...
.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
ونقطف من مقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم: منصور خالد: القوّال (The Snitch)
Quote: ولكني ضربت باعتبارات الحشمة الأكاديمية والسياسية عرض الحائط لأن منصوراً استكبر جداً وعكر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتي. فقد جاء من حيث لا يحتسب إلى مسألة الآخاء السوداني التي شقي بها بعض جيله بينما هو في شغل بالتبليغ عنهم فأفسدها فشخبت دماً. وكان فينا مثل طويس الولع بشعر نقائض الأوس والخزرج وحروبهم. "فقلَّ مجلس اجتمع فيه هذا الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء. فكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن". ومثله في الإضرار بمشروعنا في الإلفة السودانية وممارستها مثل الشيخ الأمين داؤد من المرحوم محمود محمد طه. فقد بث المرحوم شكواه منه في 1978 في محكمة أراد بها رد الاعتبار لتعرض الشيخ لفكره بسوء النقل والتعليق الفاحش قائلاً: " نحنا الأذى البلغنا من الشيخ الأمين مزمن صبرنا عليهو." |
وكتبنا رداً في حينه وفي ذات الملف :
Quote: نتحدث الآن عما تراءى لنا من الوهلة الأولى :
(1)
حول استخدام الدكتور عبد الله ( الحشمة الأكاديمية ) :
تعجبت كثيراً لِمَ اختار الدكتور لفظ ( الحشمة ) وتخيرها من دون الخيارات المُتاحة ، وكان أيسرها : الحياء الأكاديمي ؟!
لم يُخطئ الدكتور عبد الله ولن نبحث عن الأخطاء ، ولكنا نبحثُ عما جعل أكاديمي قاص وكاتب يملُك ناصية اللغة ومراجعها من أدبيات الشعوب وانعكاس ما يبثه السلاطين من نثر ومن غسيل لساني أنبتته سياسة إعادة صياغة البشر : ملبسهم ومأكلهم وتعليمهم وثقافتهم ، بل وبنانهم الذي يكتُب . أن يترك ذهنه الخلاق المُبدع ينقاد لمؤسسة الغسيل اللساني وينجر لُغوياًمع ( مسلك القطيع ) .
أكتُب هذا وأنا أقدم عُذري إن كان في كتابي غِلظة ما عهدتُ نفسي بالِغها يوماً في حضرة أي كان فما بالها ( جَفلت ) جُفول من يستشعر الخطر .
( الحشمة ) مثلها مثل :
تنـزيل و مُقدَّر و حقيقة و رسالي و جلالات واستكبار
خرجت علينا برغوتها ولبِسها العامة نُطقاً ، و انتهجها الإعلام الموجه ، ونحن من بعد لن نستهجن لغة الاستخدام ، فمنها اللغة القرآنية أو السنة النبوية المنقولة وهي بالغة مروج البلاغة ، إلا أن مكر السياسة جفف معانيها النبيلة وألبسها حِلية نعال يركبها الغادي والرائح فبليت من كثرة الاستخدام ، وذهب عطرها المُبجل للغة أضحت يجرها أهل السوق ونصبوا على معانيها وأفقروها من كل حليها فغدت لُغة ( قهر ) ، واغتسلت من العبادة ورونقها الروحي .
ولنا عودة إن تيسر
عبدالله الشقليني |
.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
Quote: وبعودة لتعليق الأخ سفيان نابري، فشكراً على ما تفضلت به يا أخي وبالتأكيد فللكل أن يقف من أي مرشح بحيث يريد وفقاً لما يعرف عن فكر المرشح ومواقفه. هذا متفق عليه، و لكن الغير متفق عليه أن تطغى علينا المخالفة فنتعامى عن محاسن وجود مرشح كالدكتور عبد الله في بيئة سياسية لم تعرف غير بل و تعج الآن بالسادات الوارثين و بالعسكر و بالمتعسكرين و ببائعي الضمائر الحداثويين ببخس من دراهم التوزير و التمدير و بالجهلاء، وهو أنكى.... إن ما قد يدفع لمثل هذا الموقف لا يمكن إلا أن يكون تناقضاً أساسياً في الذات الديمقراطية يستحق النظر فيما انطوى عليه من أسباب وما يشي به عن الحرج. أما محاسن و مساوئ المرشح نفسه فلا ضير، بل الواجب أن تناقش و هو أمر ضروري كضرورة الديمقراطية نفسها و أحمد لمشاركاتك سعيها في توفير هذي الأرضية التأسيسية لنقد مثمر. مصداقاً لذلك فلتسمح لي بالقول؛ إنني اعتقد جازماً أن أكثر نقد نافذ و بالغ القيمة و محيط بلب أطروحة الدكتور المرشح الفكرية والمعرفية، هو النقد الذي قدمه الدكتور محمد جلال أحمد هاشم (يمكن أن تتفق معه ويمكن أن تختلف)!!! و لكنك مع ذلك واجد أن موقف الدكتور هاشم كان موقفاً سديداً أمكنته الموضوعية و من موقع المخالف أن يحتفي بعزم المرشح الدكتور أولاً ثم يحتفي بمستقبل أفضل للخلاف نفسه. تلك مقالة من الدكتور هاشم شاهدة على اتساق محمود تأتى يسيراً لمخالف ديمقراطي غير محرج. أما الحرج فعسر، و لذا فقبل ذلك وبعده تجدني مستقراً على عزمي لكشف ما تيسر لي من تناقضات المثقفين المخفية طي (الكلام الكتر) و التي أورثتهم حرجاً ديمقراطياً بالغاً و جرحتهم جرحاً في المصداقية بالغاً.
|
الاخ الفاضل :- هاشم الحسن تقديري وسلامي يجدك في احسن حال واطيب احوال وهداوة بال واتفق معك في كل ما اوردت اعلاه وهو ما قادني هنا بالضبط للحوار البناء والهادف . كما احب أن اتفق معك اتفاق اخر يبهجني ويقر في قلبي مكان الراحة أن ما يجمعني مع محمد جلال احمد هاشم هو الفكرة الواحدة والعمل من اجلها وهو أستاذي ومن ثم رفيقي واخيراً صديقي له ولعائلته الأمنيات الطيبات .
Quote: مع جزيل شكري على الفرصة و خاصة على التوثيق لهذه الكتابات المفيدة. و لكما منى يا أستاذ الكيك وأستاذ سفيان كل تحية وتقدير واحترام وأتمنى كما تمنى الكيك ألا أكون قد أسأتكما بكلمة و لئن هو حدث عفواً فاعذراني وسامحاني إذ كلنا كما أسلفت |
من جانبي يا صديقي لك محبة خالصة ولم اشعر ابداً ولا لثانية بإي سوء بل سعدت بحملتك علي المثقفين لعلها تدفع بهم نحو فعل تحتاجه المرحلة الحالية في السودان أو فايصمتو للأبد .
Quote: ملحوظة صغيرة يا سفيان: صاحب الاقتباس الأخير الذي أوردته هو الدكتور بدر الدين حامد الهاشمي وليس الفاضل الهاشمي.
|
اشكرك علي التصحيح وعذري لأستاذي بدر الدين حامد الهاشمي الذي اتابع كتاباته كثيراً في سودانايل والتي غالباً يمارس فيها تحليل موضوعي لكافة الاحداث التي يتطرق اليها كما عذري للاخ الصديق الفاضل الهاشمى الذي حقاً افتقده هنا ويفتقده المكان لما له من وضوح الفكرة والكتابة والتحليل الجيد للاحداث .
لك محبة خالصة وتقدير . سفيان نابرى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: سفيان بشير نابرى)
|
عزيزي سفيان، التحيات الطيبات و الشكر المستحق، يسعدني أن اختلفنا و ها نتفق بمثل هذه الأريحية الوافرة... و في الحقيقة أن الدكتور محمد جلال هاشم قد استحق تقديري على موقفه من هذا الترشيح و من المرشح كليهما فلا أنت تراه تنازل عن منطق و سداد الفكر الديمقراطي في القبول بالآخر و لو نأت مواقفهما ، و لا هو ترك لخلافه الفكري المعلوم أو لأي خلاف غيره أملته اللحظة مع شخص المرشح أن يفسد عليه موقفه بالحرج كما فسدت مداخل موقف الدكتور حيدر إبراهيم مثلاً ، مع كامل توقيري للأخير و اقراري الكامل بأفضاله عليّ و على جيلي. فهنيئاً لك يا سفيان برفيقك قد فارق درب الهرج و أهداني موقفاً يستحق الإشادة. و شكري لك و للكيك. ـــــــــــ باكراً، مباشرة بعدما أنزل الأستاذ شقليني مداخلته، كنت أود إضافة تعليق طفيف و مختلف بخصوصها من حيث كنت في العمل و هو مما إضطرني لكتابة معظمها بالإنجليزية ثم حاولت أن ألحق بها مقتبس و رابطين لبعض المواقع يبدو أن تأمينها العالي قد أفسد علي تحميلها مهما حاولت. سأحاولها من الغد إن شاء الله ببعض تصرف و برجاء التوفيق. ــــــــ يا أستاذ شقليني، تحياتي ، نفتقدك و ننتظرك بي هناك في جدل الدين و الماركسية و العلمانية، لو سمحت ظروفك...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: هاشم الحسن)
|
اشكرك اخى هاشم الحسن على الكلام الجميل الذى كتبته ... واتمنى ان تواصل معنا كا بدات نشطا ومتابعا وقارئا وكاتبانحريرا .. ولعل القارىء لهذا البوست وعى الى مقاصدك النبيلة فيما تشككت انا فيه وسامحنى ان اخطات عليك
ايضا لابد من شكر اخونا الاديب عبد الله الشقلينى وانا سعيد بمساهمته هنا وهذا المكان مكانه الذى يمكن ان يبدع فيه وفى انتظار المزيد مما وعد به .. اما اخونا سفيان نابرى فلا يستحق منى شكر خاص وبس فالكل هنا يشكره على ما قام به من تنشيط للذاكرة واهتمام جدى بالنقاش واثرائه على مستوى من الذوق الراقى والتهذيب المطلوب .. نتوصل جميعا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
نقطف من مقال الدكتور عبد الله الآتي :
Quote: لأن منصوراً استكبر جداً وعكر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتي. فقد جاء من حيث لا يحتسب إلى مسألة الآخاء السوداني التي شقي بها بعض جيله بينما هو في شغل بالتبليغ عنهم فأفسدها فشخبت دماً. |
الشكر الجزيل للصحافي الكيك ، وضيوفه الأفاضل ، ونتلمس درجة عالية من توقير الآخر واحترام الخلاف ، والشكر للأستاذ / هاشم الحسن ، وسنعوده في الملف المذكور ، وهو ملف كثيف بحق ويتطلب الزمن المناسب . مرفق مداخلة أخرى قدمناها سابقاً في حينه :
Quote: حول مقال الدكتور عبد الله واتهامه الدكتور منصور بأنه ( قوّال ) _ ( 3)
من يسبح في مواقع النجوم ، ويكتب عن الصفاء السياسي ؟.
أين هذا الصفاء السياسي ؟
يقول الذكر الحكيم :
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }الواقعة75
ومن هُنا اخترنا عنوان المقال :
كتب الدكتور ضمن مقاله :
( ولكني ضربت باعتبارات الحشمة الأكاديمية والسياسية عرض الحائط لأن منصوراً استكبر جداً وعكر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتي.)
قطفنا العبارة أعلاه ليس من وراء الانتقاء نزعاً من السرد كما يبدو من الوهلة الأولى ، بل هو رصد اللغة في كتابة المكر لدى الكاتب الدكتور عبد الله علي إبراهيم ، وليصدق لمن يُريد أن يصفني أني انتقِ ما يحلو لي من الكلمات التي يجُرها كاتب يُجلس كل كلمة مكانها ويقصُد ذلك الجلوس على منصة المفاهيم في مكتبة الصحافة السودانية وهي تخطو معه آفاقاً جديدة في تقنية الكتابة الصحافية في السياسة و لم تكن حسب ما أرى كتابة أكاديمية تستدعى تبرير الحياء أو ( الحشمة ). منهج جديد وتجريب صناعة في الكتابة الصحافية ، يصوغ الكاتب الدكتور عبدالله البينة من مُطلق الزعم !. والزعم مكيدة يضع فيها الكاتب الطُعم في ( سِنَّارة ) الصيد ليأتي السمك جائعاً إليه . نعم .. هي من مكر من يريد اصطياد الحقائق من بُحيرة المزاعم . ينتظر زماناً مفتوحاً على كل الاحتمالات ، وصبر من لا يمَلّ حتى تأتي ( السِنَّارة ) ليس بأسماك المقيل ، بل لجرَّة من الجرار التي ختم عليها النبي سليمان في القص المقدس ألا يخرج من القمقم مارداً بينه وبين الدكتور عبدالله علي إبراهيم ليست فروقاً في العُمر وذاك مقدور عليه ، ولكنها فروق في التجريب والممارسة وصناعة التاريخ .
إذن منْ المارد الذي يرغب الدكتور عبد الله أن يصطاده ( بسِنَّارة ) ؟
إن الدكتور عبد الله بالغ من اللغة مكاناً جلس بسببه في مواقع النجوم. ليس هو أول من جلس هناك فقد سبقه الدكتور منصور لتلك المواقع ، ولا نَزعُم زعماً بل نقُل عن ثقة ومن يعتقد بغير ذلك فدونه تراث كل من الدكتور منصور خالد وتراث الدكتور عبد الله علي إبراهيم ، ولينثُر من يُريد التاريخ والأحداث الجسام ودور كل في صناعة تاريخ وطنه ، أياً كان ذلك التاريخ السياسي . والسياسة سماء مفتوحة للخلاف وهو معلوم بالضرورة ـ ( والإقتباس مأخوذ من طرائق عرض أهل الفقه) ـ
إني أزعم وأعود للزعم ولكن بلباس جديد : إن أكثر من يمسكون بخيوط صناعة التاريخ يقفون في موقف :
The best second man
من يلعب الشطرنج يعرف أن الملكة لها القدرة والمناورة أكثر من الملك وفق الأسماء الغربية لأبطال الرُقعة ، أو أن الوزير في الشطرنج أكثر قدرة على المناورة من الملك ولديه الكثير من الوقت ليُفكر وتكون له رؤية ، في حين أن الرجل الأول في الملك غاطس في برتوكولات العمل اليومي العام ! : بدءً من إدارة مكتب الجنرال السابق : ( عبد الله بك خليل ) وأنت صاعد في سٌُلم الممالك والملوك ... إنه لمعلوم أن الضابط العظيم السابق ورئيس وزراء حزب الأمة قبل النظام العسكري الأول في زمان الفريق عبود كان ضابطاً عظيماً أيام اللواء الأبيض : 1924 م وكان يقف على مسافة بعيدة ناصحة من بُعد لأبطال الحركة ، وتلك مساحة لسنا بصدد الحديث عنها الآن . تلك من الفجوات التي استعصت على كتبة التاريخ الكسالى !!
الدكتور عبد الله لا تجُره الفكرة فيترك اللغة تنقاد كما يفعل الناشئة ، بل يتزاحمان كتِفاً بكتِف مثل كافلي الأيتام في القص المُقدس : يدخلون الجنة برفقة نبيٍ كريم .
نأتي لعبارة الدكتور عبد الله علي إبراهيم :
( عكَّر صفانا السياسي ) .
ضمير نحنُ في صفانا يستدعي أن نسأل : من نحنُ وفي أي رقعة زمان ومكان ( كُنا ) ؟ والضمير في نحن يشمل الدكتور ومن معه ، فهل يا تُرى ( نحن ) ثُلة من الأولين أم ثلة من الآخرين أم بينَ بين ؟
وأي صفاء كان يوماً في تاريخنا ؟
من يقرأ التاريخ ومنذ قديم الزمان يعرف أن السودان المعروف الحدود الآن لم يكن يوماً يعرف الصفاء ولكنها بُرهة بين آماد قلق وتوتُر وحروب وقهر |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
نورد هنا نص مقال الأستاذ / عبد الباقي محمد في مقال له رداً لمقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم : ( منصور خالد: القوّال (The Snitch)ومنصور خالد ) :Quote: Re: منصور خالد: القوّال (The Snitch)ومنصور خالد....د. عبد الله علي إبراهيم... (Re: munswor almophtah) [email protected] Last Update 03 اكتوبر, 2007 10:11:11 PM منصور خالد رقصة الاستربتيز في ولاية ميسوري ثروت قاسم [email protected] مقدمة:
وجد سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم في دار الوثائق الامريكية تقريرا اعده المستر سويني ضابط الاتصالات بالسفارة الامريكية في الخرطوم بتاريخ 8 اغسطس 1953 الى رئاسة الخارجية الامريكية في واشنطون بصورة الى افرع القوات الامريكية المسلحة والسي آي آي وعنوانه "الشيوعية في السودان" واشتمل التقرير على قائمة من احدى عشر اسما زعم المستر سويني انه استقى بعض المعلومات منهم لكتابة تقريره وضمت هذه القائمة اسم منصور خالد ضمن اخرين من الزعماء ورجال السياسة والفكر والصحافة في السودان من بينهم السيد عبد الله خليل والبروفسير سعد الدين فوزي. واختار سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم اسما واحدا من هذه القائمة وهو منصور خالد ليبرهن بهذا الاختيار على ان منصور خالد ((دون غيره من الاسماء العشرة الاخرى الواردة في القائمة)) عميل للسي آي آي.
وقد وضح سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم ان التقرير اشتمل على معلومات كثيرة استقاها المستر سويني من الجرائد السودانية مثلا : نص مترجم لخطاب القاه الاستاذ محمد سعيد معروف في الابيض وتم نشره في جريدة الصراحة آن ذاك. كما احتوى التقرير على "شطحات" كثيرة مثل ادعاء التقرير ان الشيوعيين السودانيين يحصلون على المال من الشيوعية العالمية مطويا في صناديق الكبريت "ابو مفتاح" الذي كان يستورده السودان من تشيكوسلوفاكيا. كما اشتمل التقرير على كثير من المعلومات المغلوطة والاكاذيب القراح مثل ادعاء ترشيح الاستاذ عبد الخالق محجوب في دوائر الخريجين.
وقد برهن كاتب هذه الكلمات وآخرين في مقالات سابقة, وبالبراهين المؤكدة والشواهد البينة, على عدم صحة وبطلان فرية اتهام منصور خالد بالعمالة للمخابرات الامريكية وان هذا الاتهام لا يعدو ان يكون من باب الكيد الرخيص ومحاولة الاغتيال السياسي لهرم من اهرامات السودان.
ولحسن الصدف فقد صدر كتاب عن وكالة المخابرات الامريكية "السي آي آي" الشهر المنصرم في امريكا. وقد انتهيت لتوي من قرآة هذا الكتاب والخص ادناه , لفائدة القارئ الكريم , بعضا من اجزائه المهمة ذات الصلة بموضوع المستر سويني وتقريره المذكور اعلاه.
كتاب حصاد الرماد:-
اسم الكتاب "حصاد الرماد" لمؤلفه المستر تيم وينر وناشره دبلداي, ويقع في سبعمائة صفحة. وقد توكأ مؤلف الكتاب على مقابلات اجراها مع اكثر من عشرة من مدراء السي آي آي السابقين وعلى دراسة اكثر من خمسين الف وثيقة في ارشيف السي آي آي. وقد صرح المؤلف بأن كل ما يحتويه كتابه صحيح وحقيقي ولكن للاسف لا يحتوي على كل الحقائق.
تقييم نكسون وايزنهاور للسي آي آي :-
دعنا نقرأ تقييم المستر نكسون الرئيس السابق للولايات المتحدة لمحللي ومنسوبي السي آي آي:
"انهم عصبة من المهرجين الذين يملاؤون تقاريرهم بمعلومات مأخوذة من الجرائد المحلية ولا يكتبون الا ما يعتقدون انه يجلب السرور والرضاء للرئيس الامريكي". هل تذكر ان تقرير سويني احتوى على كثير من المعلومات التي نقلها من الجرائد السودانية؟ مثلا خطبة الاستاذ محمد سعيد معروف المنشورة في جريدة الصراحة كما هو مذكور اعلاه؟
*دعنا نتملأ ادناه ما كتبه المستر ايزنهاور في مذكراته عن السي آي آي:
"ان الاخطاء التي ارتكبتها السي آي آي في تقييمها لكاسترو وثورته هي التي ساعدت في زرع الشيوعية في امريكا اللاتينية".
فعند زيارة كاسترو لامريكا في مايو 1959 بعد نجاح ثورته في يناير من نفس السنة, اكدت السي آي آي في تقرير سري للرئيس الامريكي ان :
"المستر كاسترو هو القائد الجديد الروحي للقوى الديموقراطية المعادية للدكتاتوريات في امريكا اللاتينية ويجب دعمه بلا حدود!"
فتأمل!
هل تذكر ان تقرير المستر سويني في السودان وعنوانه "الشيوعية في السودان" اثبت قوة الشيوعية في السودان وحسن تنظيمها وسدادها في بناء الجبهة المتحدة حتى انها نجحت بسرعة في ازالة الاثار السلبية التي ترتبت على موقفها المعارض لاتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953.
مؤامرة اغتيال القذافي:-
* دعنا نقرأ ما كتبه المؤلف في كتابه عن العقيد معمر القذافي:
في يناير 1981 استلمت السي اي اي الضوء الاخضر "لعمل شيء" ضد القذافي.... اي اغتياله. واختارت الوكالة دولة تشاد كمسرح للعمليات لاغتيال القذافي. واتفقت مع وزير دفاع تشاد في ذلك الوقت السيد حسين هبري الذي هرب مع الفين من جنوده الى السودان بعد خلاف مع رئيس الوزراء التشادي. وبدأ المستر وليم كاسي مدير السي اي اي في ذلك الوقت في تقديم دعم مقدر لهبري. فتم تزويده بزهرة السلاح الامريكي في ذلك الوقت "صاروخ ستنقر" المضاد للطائرات وكثيرا من الاسلحة المتقدمة وكثيرا من المال حتى بلغت مصروفات السي آي آي على هبري اكثر من نصف مليار دولار مكنته من انتزاع السلطة من الحكومة الشرعية في تشاد والبقاء حاكما لمدة اكثر من ثماني سنوات.
ولكن ماذا فعل هبري لكي يرد الجميل للسي آي آي ويساعد في اغتيال القذافي؟
لا شيء !
والدليل ان القذافي لا يزال حيا يرزق؟
* ثم اورد المؤلف عدة امثلة لتبرهن ان السي آي آي رغم الامكانيات الهائلة التي تتمتع بها لم تتمكن من التنبأ واحباط كثير من الحوادث التي اثرت سلبا على الأمن القومي الامريكي مثلا :
1- الفشل في القبض على اسامة بن لادن 2007. 2- الفشل في التنبؤ بنجاح حماس في انتخابات 2006. 3- فرية وجود اسلحة دمار شامل في عراق صدام حسين 2003. 4- حوادث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطون. 5- غزو صدام حسين للكويت في 1991. 6- حرب اسرائيل على البلاد العربية في 1967. 7- زرع خورشوف لصواريخ نويية في كوبا سنة 1962. 8- التمرد في المانيا الشرقية 1953 وفي المجر 1956. 9- غزو الجيش الصيني لكوريا في 1950. 10- تفجير الاتحاد السوفيتي للقنبلة النووية في 1949. 11- فشل السي آي آي خلال اربعين عاما من الحرب الباردة من الحصول على اي معلومة بخصوص العمل السري في الكرملين. * وخلص مؤلف الكتاب الى ان الولايات المتحدة لم تنجح خلال ستين عاما في بناء جهاز استخباراتي فعال ومهني ولم تحقق اي تقدم في هذا المجال منذ تأسيس السي آي آي في 1947 وحتى تاريخه رغم ان السي آي آي تعتبر حاليا واحدة من 18 جهاز استخبارات تصرف البلايين كل عام والنتيحة : نقل معلومات من الجرائد المحلية “…..…….خطبة محمد سعيد معروف"……, جمع معلومات مغلوطة ……….."ترشيح عبد الخالق في دوائر الخريجين"…… وشطحات………… "الكبريت التشيكي"…. مما اوقع الولايات المتحدة في شر اعمالها في العراق, افغانستان, لبنان, فلسطين وايران ضمن بلاد اخرى.
فرية العمالة للمخابرات الامريكية:-
كما كتبت من قبل فانني ازعم ان المخابرات الامريكية عميلة لمنصور وليس العكس. هذا اذا افترضنا وجود عمالة . وهو افتراض خاطئ. ولكن؟
وهنا لا القي الزعم على عواهنه , فان منصور لا يحتاج ان يكون عميلا لاحد, فان استقلاليته وقوة شخصيته الطاغية لا تجعله رهن لاي من كان. ثم ان اتساع ماعونه الفكري يجعله يُلعب مهرجي .……."حسب تصنيف نكسون اعلاه" ………السي آي آي "سورو" ويلبسهم خاتم في يده. واذا جمعت كل "مهرجي" واقزام المخابرات الامريكية واحدا فوق الاخر لما وصلوا لكتف منصور . ثم هناك شواهد وبينات على ما اقول فصلتها في مقالة سابقة ولا داعي لتكرارها هنا . ولكن الكتاب الذي ظهر الشهر الماضي يؤكد وبالبراهين والامثلة عدم مهنية وتهريج السي آي آي.
الاستربتيز الثقافي:-
لا اتصور كيف وجد سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم الشجاعة الادبية لان يفبرك الحقائق ويلوي الثوابت ويقفز للنتائج متهما رمزا من رموز بلادي وهرما شامخا من اهرامات بلادي وايقونة عالية من ايقونات بلادي بأنه خائن وعميل لهذه السي آي آي التي فضحها وعراها على حقيقتها الكتاب الوارد ذكره اعلاه.
* ولا اعرف لماذا يصر سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم على الاستمرار في ممارسة الاستربتيز الثقافي وينتزع من ثيابه القطعة تلو الاخرى حتى بلغ عدد القطع المنزوعة, حتى تاريخه, خمس عشرة قطعة. وحسبي انه لم يبق له شيئا يستر به عورته الثقافية امام مثقفي بلادي فسخروا منه وهم يرونه يحارب في طواحين الهواء في معارك انصرافية تفضحه وتعريه هو اكثر مما تؤثر على الرموز الشماء والايقونات العالية التي تربأ بنفسها من السقوط في المستنقعات الأسنة وتستعصم بعليائها بعيدا عن ساقط وهاتر القول.
دعوى جنائية ومدنية امام محاكم ولاية ميسوري الامريكية:-
* كما هو معروف فأن امريكا هي وبأمتياز بلاد الحرية .... حرية التعبير , حرية النبش, حرية الردح, حرية النشر ولكن بشرط واحد هو ان لا تتعدى هذه الحريات, حريات الاخرين خصوصا اذا تعلق الموضوع بأشانة السمعة دون دليل او بينة. هنا يتدخل القانون ليفصل بين الحرية والفوضى. ونسبة لان اتهام سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم للمعلم بالخيانة والعمالة للمخابرات الامريكية ونشره هذا الاتهام على صفحات الجرائد , اتهام خطير عقوبته الاعدام في معظم القوانين الوطنية, ولعدم وجود بينة يتوكأ عليها هذا الاتهام, وحتى نقطع دابر هذه الاتهامات التي يلقيها الموتورون جزافا فقد قررنا ان نستشير مكتب محاماة في ولاية ميسوري مقر اقامة سعادة الدكتور عبد الله وحملنا معنا كل المستندات والوثائق اللازمة, وبعد دراستها أمن مكتب المحاماة على وجود بينة جنائية ومدنية واضحة في مواجهة سعادة الدكتور عبد الله تحت بند القذف والتشهير واشانة السمعة لشخصية محترمة وزعيم سياسي شريف. وعليه فقد وافق المكتب على اقامة دعوى جنائية ومدنية "تعويض بمبلغ 10 مليون دولار امريكي" في مواجهة سعادة الدكتور عبد الله علي ابراهيم.
حسب نصوص القانون الجنائي والمدني الامريكي , سوف تقوم السلطات العدلية في ولاية ميسوري , بعد اكتمال الاجراءات القانونية , وهي بطيئة بعض الشيء, بعمل اللازم الذي يكفله القانون , حسب تأكيد مكتب المحاماة لنا. وسوف نحيط القارئ الكريم بالمستجدات في هذه المسألة تباعا, والتي لم نكن نرد لها ان تصل الى هذه النتيجة المؤسفة ولكن الاتهام لو ثبت ضد المعلم , فعقوبته الاعدام , ومن هنا كان التحوط والرغبة في اجتثاث دابر هذه الشائعات حتى لا تتكرر مستقبلا.
قوم ميسوري:-
* قوم ميسوري يقعون على شاكلة الذين جاءوا أباهم عشاء يبكون. فقال لهم المعلم بل سولت لكم انفسكم امرا, فصبر جميل. ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا . اولئك الذين خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون.
وننتهز هذه السانحة لنذكر المعلم بكلمات صديقه الجاهلي:
اذا ما خرجنا من تنيـة لفلـف
فخبر رجالا يكرهـون ايابـي
وخبرهم اني رجعـت بغبطـة
احدد اسناني ويصـرخ نابـي
وانى ابن حرب لا تزال تهرني
كلاب عدوي او تهـر كلابـي
* ويأتيك رجل من اقصى المدينة يسعى.
يقول للمعلم ان اعرض عن قوم ميسوري انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود.
ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب؟
وكذلك اخذ ربك اذا اخذ ميسوري وهي ظالمة ان اخذه اليم شديد.
فان اهل ميسوري قد شقوا ولكن ربك فعال لما يريد.
وانتظروا أنا منتظرون !
جفت الاقلام ورفعت الصحف ! |
الوصال لملف فتحه الأستاذ منصور المفتاح : منصور خالد: القوّال (The Snitch)ومنصور خالد....د. عبد الله علي إبراهيم...
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
تحية طيبة لكل أساتذتي الافاضل هنا واخص استاذي الكيك واستاذي هاشم الحسن والدكتور شوقي بدري
ونواصل في جمع بعض ما يطرحه الدكتور عبد الله علي إبراهيم علنا نفرد مساحة للتعرف اكثر علي مكونه الفكري والثقافي ومبادئيه التي يعمل من اجلها ويطرحها من خلال اطروحته في برنامجه الأنتخابي لرئاسة السودان وكما قلنا سابقاً أن مشروعه البرامجي السياسي هو انعكاس لذهنيته وافكاره .
تعلق قلبي لفظة عربية
طلب مني الأستاذ عمر محمد الحسن شاع الدين أن اقدم لكتابه "المناقرات: خلافات ومراجعات في العامية." وهذا تشريف وتكليف أطلعني علي كتاب قيم أفدت من فائدة جزيلة. وهذا نص المقدمة. عبدالله علي ابراهيم لا أعرف ذا ولع باللغة العربية في الجيل العاقب للشيخ الطيب السراج (1893 -1963) والدكتور عبدالله الطيب مثل الأستاذ الأمين البدوي وصاحب هذا الكتاب: عمر محمد الحسن شاع الدين. وفيهما معاً كلف بها وشغف بجمالها وأسرار سحرها ذكرني بما أمتاز به الشاعر حسين منصور، أستاذ التيجاني يوسف بشير. فقد حرس الحسين لغة الضاد من أن تجرفها عجمة المستعمر ومن تبعه من المقردين. فقال في حب علومها وأساليب تلقيها ما لم يسبق اليه: ومانبتغي غير درس العلو م والفقه في ديننا اللازم معنعنة فيه أقواله فلا خوف من كذب الزاعم فعن مالك الفقه عن نافع وعن أسلم الخير عن سالم فأنظر كيف جعل من العنعنة التي استرذلها المحدثون طريقاً الي النفع والخير والسلامة . . . الي مالك الفقه. نهل البدوي علم العربية من شناقيط كردفان، فتأمل. أما عمر فقد تشرب العربية من والده المرحوم محمد الحسن شاع الدين التاجر بأم روابة. وقد نشأ عمر في رغد من اللغة. فكان والده لا يقتني مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات، التي افتتن بها جيل الحركة الوطنية في الثلاثينات والأربعينات، بل يشارك بالكتابة فيها ما وسعه. فقد علق في عددها 908 من سنتها الثامنة عشرة (27-11-1950) علي رسالة من الشاعر العراقي عبدالقادر رشيد ناصري يستصرخ وزير المعارف العراقية ان يهب لنجدته من سقم ما. وقد زكي الزيات الرسالة بمناشدة الوزير أن يتعطف علي الشاعر. وقد أيد والد المؤلف تزكية الزيات بقصة عن تعطف الملك فاروق علي طالب سوداني مجد إسمه أحمد مدثر كانت نشرتها جريدة "كردفان". فقد كان الطالب يتلقي العلم في فرنسا وأضطر للعمل كحمال لمواصلة دراسته. ولما سمع به الملك تعطف عليه بمال كثير وبمنحة دراسية مكنته من تحقيق أمله في السفر الي سويسرا للحصول علي الدكتوراة. ولذا اتخذ عمر والده مرجعاً في مبحثه هذا من مثل قوله "وكان والدي يري ذلك." "يناقر" أغلب هذا الكتاب منهج وحصائل أستاذنا الدكتور عون الشريف من علم عامية السودان العربية الذي نذر له أكثر همه وعمره. ويناقر علي الخصوص قاموسه للعامية السودانية، المنشور في 1972 و1985. وقد اعتذر المؤلف عن ما يتبادر الي الذهن من الكلمة في دارج الإستخدام وخلص منها الي معني ذكي آخر يجده القاريء طي الكتاب. ومن رأي الكاتب أن عون قد توسع في ما اعتبره عامية سودانية توسعاً نسب معه كلمات صحيحة الأصول العربية الي هذه العامية المزعومة الهجينة من العربية ولغات السودانيين الأخري. وددت مع ذلك لو خلت مناقرات شاع الدين، لو قبلنا الكلمة علي علاتها الحسنة التي ذكرها، من مثل قوله و"أعجب لولاي الدكتور وهو العالم الضخم كيف . . . " أو أنه ما سمع عون بأمر ما الإ من كلام سبق للمؤلف. أو وصف إستنتاج ما لعون بأنه "باطل" أو استنكار خطة فكرية لعون بقوله "هذا العجب عينه." ثم مثل أن عوناً لم يأخذ إلا بعض تصويبه له في طبعة الكتاب الثانية واهمل الآخر منه. أومثل عجبت أن عوناً "يرتضخ الإلفاظ يسمعها ولا يستيقنها" في الشواذ من مفرداته. أو مثل عجبت إذ لم ياخذ المؤلف بكلامي." ونحوه. فهذه العبارات قد ترجع بنا الي المناقرة في دارج معناها مما يصيب زمالة البحث في مقتل. هذا كتاب بديع. ووفرت مناقراته فرصة طيبة لمراجعة عقيدة هجنة ثقافة عرب السودان التي ذاعت في الستينات. وتجسدت هذه العقيدة في مصطلح "الأفروعروبية" الذي اثمر مدرسة الخرطوم في الفنون الجميلة والغابة والصحراء في الشعر والثقافة عامة. وأثمر في الساحة السياسية والحكومية مصطلح "الجسر بين العرب وأفريقيا." وهو جسر جاءتنا عن طريقه بنوك عربية ومعاهد دينية غرضها نشر الثقافة العربية الإسلامية. بينما لم يأتنا من أفريقيا عبر هذا الجسر شيء مذكور. وتتعرض فكرة "الأفروعروبية" في منشأها الستيني الي نقدات مركزة. منها ما ظل يقوم به الدكتوران عبدالله بولا وحسن موسي في مقام الفنون الجميلة. وقد اتفق لي ان أخذت علي مدرسة الغابة والصحراء مآخذ معلومة تثير جدلاً واسعاً علي ايامنا هذه. وقد وفر لي هذا الكتاب أن أري في شغل عون في عامية السودان أثراً من أيدلوجية الأفروعروبية. والحق أن قاموس عون لعامية السودان هو نبت الستينات. ولا زلت اذكر بداياته في رحلة لنا بجامعة الخرطوم في نحو 1963. وكان عون من شهودها وظل يلتقط ما يتساقط من كلمات أنسنا يدونها ويراجعنا فيها. فقد رشحت أيدلوجية الأفروعروبية علي منهج عون ومفهومه للعامية السودانية. فعون الشريف شديد الإقتناع "أن السودان الحديث ثمرة تلاقح تاريخي أو هجنة. فقد برز مع قيام دولة الفونج وظل يتشكل لما يزيد عن تسعة قرون بعد ذلك التاريخ، بلغ فيها التفاعل بين الأجناس والثقافات مداه فجاءت دولة الفونج تعبيراً عن هذا التمازج وقمة لعملية البناء الحضاري لشعب السودان." ورد عون سلامة هذا التلاقح في كتابه "التمازج القومي في السودان" الي سماحة الاسلام التي قضت بتكافوء الأعراق. ويري عون أن العامية السودانية جاءت من كنف هذه الخلطة. فهي قد نشأت في منطقة النيل الوسطي التي شهدت التمازج المثالي بين العرب وغير العرب في السودان. فأقصي الشمال لم يتعرض لضغط قوي من هجرات العرب لفقر بئيته خلافاً للوسط الذي تحقق به التمازج الحق بين النوبة والعرب. فقد بقيت في الشمال لغات النوبة وبقي تيار قوي من الأثر النوبي حتي في لهجة الشايقية العربية. أما الوسط فقد اصبح بوتقة توازنت فيها العناصر الثقافية ونشأت في أثره "منطقة تعادل لغوي" يتمثل فيها "القدر المشترك بين كافة القبائل العربية في السودان، الي جانب ما تأثرت به هذه القبائل بحكم اتصالها بالسكان الأصليين سواء اكانوا البجة في شرق البلاد أم النوبة في حوض النيل، أم العناصر النيلية في الجنوب، أم الكردفانية والدارفورية في الغرب". وقد استبعدت منطقة التعادل اللغوي الوسطية الحضرية المستقرة هذه لغة البادية الحوشية العسيرة . وطعنت الهجنة في بعض فصحي العربية الوسطية هذه. فلغة هذا الوسط الذهبي ليست نموذجية من حيث "الحفاظ علي أكبر قدر من من الألفاظ العربية الفصيحة، بل الأقرب الي الواقع ان يقال أن العربية هنا، وبحكم إتصال العرب الوثيق بالنوبة علي أوسع نطاق، قد تأقلمت وتطوعت لتلائم البئية." فاللهجة العربية في هذه المنطقة نموذجية لا من حيث الفصاحة التي قد تنعقد للهجات البادية. ومع ذلك بقي إطارها العربي راكزاً لم تهزه تيارات اللغات التي احتكت به. فقد لاقت تحديات هذه المنطقة بباعها المعروف في الحضارة فطوعتها "وتمثلت من العناصر النوبية المحيطة بها، ومن العناصر غير النوبية التي انتقلت اليها من جهات أخري." وبناء عليه فاللهجة العامية السودانية "في مجملها عربية الجوهر من حيث تركيبها ومن حيث مفرداتها." ولا يثبت عون أحياناً عند معني التبادل الحبي بين العربية واللغات السودانية الذي توحي به عبارته السالفة. فهو في مرات يتحدث بلغة فوز العربية علي ما عداها. فقد قال في مقال نشرته له مجلة "حروف، يونيو 1993" أن العربية دخلت كثيراً في صراع مع لغات سادت قبلها و"دوختها" غير أن هذا لم يضمن لها النصر المؤزر فقد تركت اللغات "المندحرة آثارها في شكل ألفاظ أو آثار أخري في النطق والتركيب أو التحريف أو جميعها معا.ً" وقد سمي هذه الخالفات من لغات السودان السابقة للعربية ب"الرواسب" أو "المخلفات". وقد سلمت من الإنقراض في وجه اللهجة العربية لأنها ظلت تؤدي وظيفة تعبيرية لم تنفد كما أن العربية استوعبتها لطواعيتها ومرونتها. فقد استمرت الفاظ الساقية وخصائص الأرض الزراعية الفرعونية النوبية في لهجتنا العربية لأنه لم يكن للعرب سابق علم بحرفة الزراعة وبهذه الآلة وصفات التربة الزراعية. كما حافظوا علي نوبية أو بجاوية أسماء بعض الشجر والثمر والطير التي صادفتهم في السودان ولم يتفق لهم تأليف اسماء لها. كما تسربت الي اللهجة العربية بعض مسميات البيت والأطعمة وطقوس العبور النوبية أو البجاوية. وحدث نفس الشيء بالنسبة لأسماء القري والجزر. ثم عرج علي أخذ عاميتنا العربية بشيء من الفرعونية ولغات أفريقية. ونبه الي تأثر عاميتنا العربية بلغة السريان والفرس واليونان مما جاء به العرب في حصيلتهم اللغوية الي السودان في مبدأ الأمر. ثم تأثرت لهجتنا بالتركية ولغات أوربا من بعد القرن التاسع عشر. غرض المؤلف من هذه المناقرات أن يؤثل "لقدر العربية الأصل في عاميتنا وتأصيل لقدر العروبة ورسوخها في السودان." وما أنكر المؤلف الخلطة. فهو يقول أن المقطع "آب" البجاوي شكل كلمات مثل "ويكاب" من "ويكة" و"آب" و "ودعكاب" من "دعك" و "آب" وهو الألم. كما أنه يعتقد أن المقطع "يب" سوداني يدخل علي جذور عربية مثل "قلس" فتكون "قلسيب" المكونة من "قلس" العربية "ما يخرج من زبد" والمقطع "ويب". وقلسيب عندنا في السودان أعواد يجرفها النهر فتججف للوقود. وهو يسلم بأن المصطلح الزراعي أغلبه نوبي بينما أن مصطلح الرعي والجمل عربي لا شك. غير ان ما يأخذه المؤلف علي عون أنه قد حمل الهجنة العربية الأفريقية في عامية السودان العربية محملاً بعيداً. فقد نسب الي هذه العامية الهجين كلمات لو تحرها بدقة لصدق أنها إما عربية أو معربة. وقد قام منهجه لإثناء عون عن الغلو في تهجين العربية علي هذه الشعب الخمس: 1-"تفصيح" ما سودنه عون. فقد رد كلمات مثل "تر" في "واقف تر" و"تمر" في "تمر الكباية" و"جغم" في "جغم الماء" و"تخة" في "فلان التخوخة" و"فندر" و"كركب" و "دلق" و "بج" و"كاوش" و"لشق" و"حمبق" الي اصل عربي غاب عن عون حتي وصفها بأنها "عامية سودانية". وفعل ذلك لنحو مائة كلمة مظنون أنها ربما تسربت من لغات سودانية تليدة مازجت العربية وتولد منها كلام مبتكر سماه عون بالسوداني. وإذا اطرد هذا الدليل ضعفت حجة عون علي ما اسماه ب"منطقة التبادل اللغوي" في وسط السودان متي صدق شاع الدين في تفصيحه أو تعريبه. وبعض استخراجات المؤلف في هذا الباب مثيرة وذكية. فقد قال ان "حندك" (أثار الرغبة) هي من "حدق" العربية (أنظر ما املك وما تملك) أو "الحندقوق": وهبته ليس بشمشليق ولا حدقوق العين حندقوق اي انه لا يسرق النظر رغبة في اشياء الناس وهي الرأراة. وهذه من "عنعنة" الحسين منصور التي سلف ذكرها. كما أعجبت برده "قنن" في "قنن اللبن" الي اللفظ العربية "قنأ اللحية" اي سودها و"قنأ الماعون" اي سوده. وهذه فكرة اللبن المقنن عندنا ذاتها. وعليه لم يقبل شاع الدين قول عون أن "مقنن" من "قنا اللبن" اي مزجه بالماء. فذلك عنده بعيد والأقرب هو ما رآه لا ما راي عون. 2- ومن ابواب هذا التفصيح رد ما نسبه عون الي عامية سودانية الي الدخيل اصلاً في العربية. وهو الذي يقال عنه "المعرب". فكلمة "تركاش" وهي جعبة لحمل الحراب الضغيرة أو الحربة الصغيرة نفسها، هي من العربية ولكنها من دخيل العربية. ولفت عون النظر الي هذا غير أن المؤلف توسع في هذا الباب. 3-أو أنه استصوب اصلاً عربياً لمفردة عامية سودانية افضل مما انتخبه عون لها. ف "اللطخ" عند عون من الفصيح الراجع الي "القذر الأكل" بينما ردها المؤلف الي قولهم "الأحمق البليد." 4- او رد الكلمة المنسوبة الي العامية السودانية الي أصل من لغات أجنبية. فقد رد "بمبار"، التي قال عون انها سودانية الي اصل تركي. كما عاد ب "جوبك" و"كشكوش" السودانيتين الي اصلهما في الآرامية. ووجد ل "كنتوش" "ودنكوج" أصلاً في الفارسية. ونسب "برطمانية" الي الهند. وكذلك ساق "مسوجر" الموصوفة بالسودانية الي أصل إيطالي و"كنب" الي أصل فرنسي. 5-كما رد كلمات معدودة عامية سودانية الي استخدامات لها في عاميات عربية اخري. فالسوريون عنده يقولون "لغوص" في معني "لغوس" عندنا. ويقول العراقيون "كجم" و"شلش" و "تبش" و"ارباب" (التي قال أنصار الهجنة أنها من "عرب" مضاف اليها المقطع النوبي "آب") مثلنا. 5- أو اورد متطوعاً كلمات مظنوناً عاميتها السودانية ليفصحها مثل "الدربكة" و"كاكاه" التي تقال لمنع الطفل من تناول شيء قذر. لا يريد المؤلف نفي تأثر العربية باللغات السودانية القارة. فهذا الأثر من طبائع الأشياء. فمطلب المؤلف، مستعيناً عليه بالدرس الحازم والنظر المدقق، ان يحجم الأثر "الأفريقي" علي عامية السودان العربية بالنظر الي ما رآه من اسراف في حقنها بهجنة لا يقوم عليها دليل أو برهان. وهذا تنبيه هام ونحن نقبل علي تقعيد علم الهوية الذي أدمي الوطن وأوجعه. وقد أخذت علي أكثر الخائضين في هذا العلم أنهم قد جاءوه من باب السياسة (والسياسة الفجة للأسف) وأرتكبوا بشاعات معلوم أن الجهل يورثها لأهله الجاهلين. ولتقعيد علم الهوية ومستتبعاته من هجنة وخلطة وتلاقح وجب أن نعود علي بدء لدراسات "معملية" مثل التي رزقنا بها المؤلف. وبارك الله في المؤلف وفي والده الذي أشربه حب العربية والعلم بها معاً. ونسأل الله أن يكون هذا الكتاب النير هادياً الي الأخذ بناصية العلوم بقوة والكف عن الاستهتار الفاشي بالمعرفة في اوساط متعلمينا والتطوع بالجهل القاتل. ونسأل الله للكتاب أن يكون صدقة تضوع براً بالوالد وأجراً يتنزل في دفاتره حتي اليوم الموعود. ومثل هذه التاثيرات القاموسية شائعة ومشروعة في مسار اللغات لا يستلزم نشأة "منطقة التعادل اللغوي" التي يوحي بها منطق عون حيناً. وهي المنطقة التي نجمت عن تمازج العرب مع العناصر السودانية الساكنة بالبلد قبلهم خرج به الي الوجود "تكوين بشري جديد، لا نجد له وصفاً خيراً من السوداني نطلقه عليه". فالإستلاف القاموسي قد يكون بخلطة العناصر البشرية أو بغيرها. فلم يختلط العرب بالإنجليز غير أن الإنجليزية حملت كلمات عربية لم تجد مفراً من الأخذ بها. وما يضيق الفرنسيون بشيء الآن الإ إضطرارهم للأخذ بإسراف عن الإنجليزية بغير خلطة في الأعراق. أما ما يستحق النظر اليه في باب خلطة الأعراق العربية والسودانية، الذي هو جوهر نظرية عون، فهو إشاراته القليلة جداً الي تراكيب لغوية عامية عربية مستقاة من لغات النوبة والبجة. فمن هذا التراكيب، التي هي أعقد من مجرد الإستلاف اللغوي وأدل، لفظ "قرباب" (وهو الثوب يلف به خصر النساء) الذي تكون من "قرب" العربية الفصحي التي تعني "الخاصرة" و"آب" وهو مقطع بجاوي يعني "الذي يخص." وقد أخنا ب المقطع البجاوي في سائد النسبة عندنا فنحن نقول "عبداللابي" ولا نقول "عبداللوي" كما في صحيح النسبة العربية في الفصحي. وقد أضعف من قوة هذا الشاهد المعقد في خلطة الأجساد واللغات بقوله أننا قد اخذنا مقطعاً للنسبة من التركية وهو "جي" في قولنا "لعبنجي ولخمنجي". وأخذنا مقطع التصغير "آية" المجهول الأصل في مثل "غنماية ونملاية". ورجح عون أن يكون افريقياً. وقال عون أن دراسة ادق في تراكيب العامية السودانية ونطقها ربما قادنا الي علم أكثر بتأثرها بلغة النوبة والبجة. فقد قال أن من الباحثين الأقدمين من نبه الي أن عبارة "قاعد" في "القطر قاعد يمشي" ربما جاءت من الدنقلاوية التي تقف فيها قاعد دلالة علي الإنشغال. وتحفظ عون بقوله أن اللغة العربية لم تخل من مثل هذا الإستعمال. ونبه مثلاً الي أن كسر أواخر الكلمات عند الشايقية في قولهم "كسري" ل "كسرة" ربما تأثروا فيه باللغة النوبية التي أحاطت بهم كما لم تحط بالوسط السوداني عون الشريف شديد الإقتناع أن "أن السودان الحديث الذي برز مع قيام دولة الفونج ظل يتشكل لما يزيد عن تسعة قرون قبل ذلك التاريخ، بلغ فيها التلاقح التفاعل والتلاقح بين الأجناس والثقافات مداه فجاءت دولة الفونج تعبيراً عن هذا التمازج وقمة لعملية البناء الحضاري لشعب السودان" ورد قاسم سلامة هذا التلاقح الي سماحة الاسلام التي قضت بتكافوء الأعراق (من صور التمازج القومي في السودان). وقضي بأن هذا التكوين البشري والحضاري في السودان "هو في جوهره نتاج مباشر للعروبة والثقافة العربية الإسلامية في تفاعلها مع العناصر البشرية والثقافات اتي حفلت بها ارض السودان. (13). من راي عون أن منطقة النيل الوسطي هي التي شهدت التمازج المثالي بين العرب وغير العرب في السودان. فأقصي الشمال لم يتعرض لضغط قوي من هحرات العرب لفقر بئيته خلافاً للوسط الذي تحقق به التمازج الحق بين النوبة والعرب. فقد بقيت في الشمال لغات النوبة وبقي حتي في لهجة الشايقية العربية تيار قوي من الأثر النوبي. أما الوسط فقد اصبح بوتقة توازنت فيها العناصر الثقافية نشأت باثره "منطقة تعادل لغوي" يتمثل فيها "القدر المشترك بين كافة القبائل العربية في السودان، الي جانب ما تأثرت به هذه القبائل بحكم اتصالها بالسكان الأصليين سواء اكانوا البجة في شرق البلاد أم النوبة في حوض النيل، أم العناصر النيلية في الجنوب، أم الكردفانية والدارفورية في الغرب". وقد نفت منطقة التعادل اللغوي الوسطية الحضرية المستقرة هذه حوشية لغة البادية. وعليه فهي ليست نموذجية من حيث "الحفاظ علي أكبر قدر من من الألفاظ العربية الفصيحة، بل القرب الي الواقع ان يقال أن العربية هنا وبحكم إتصال العرب الوثيق بالنوبة علي أوسع نطاق قد تأقلمت وتطوعت لتلائم البئية." فاللهجة العربية في هذه المنطقة نموذجية لا من حيث الفصاحة التي قد تنعقد للهجات البادية. ومع ذلك بقي إطارها العربي راكزاً لم تهزه تيارات اللغات التي احتكت به. فقد لاقت تحديات هذه المنطقة القديمة التحضر فطوعتها "وتمثلت من العناصر النوبية المحيطة بها، ومن العنصر غير النوبية التي انتقلت اليها من جهات أخري." وبناء عليه فاللهجة العامية السودانية "في مجملها عربية الجوهر من حيث تركيبها ومن حيث مفرداتها." ولا يثبت عون أحياناً عند معني التبادل الحبي بين العربية واللغات السودانية الذي توحي به عبارته السالفة. فهو في مرات يتحدث بلغة فوز العربية علي ما عداها. فقد قال أن العربية دخلت كثيراً في صراع مع لغات سادت قبلها و"دوختها" غير أن هذا لم يضمن لها النصر المؤزر فقد تركت اللغات "المندحرة آثارها في شكل ألفاظ أو آثار أخري في النطق والتركيب أو التحريف أو جميعها معاً" (32 المجلة). وقد سمي هذه الخالفات من لغات السودان السابقة للعربية ب"الرواسب" أو "المخلفات". وقد سلمت من الإنقراض في وجه اللهجة العربية لأنها ظلت تؤدي وظيفة تعبيرية لم تنفد كما أن العربية استوعبتها لطواعيتها ومرونتها. فقد استمرت الفاظ الساقية وخصائص الأرض الزراعية الفرعونية النوبية في لهجتنا العربية لأنه لم يكن للعرب سابق علم بحرفة الزراعة وبهذه الآلة وصفات التربة الزراعية. كما حافظوا علي نوبية أو بجاوية أسماء بعض الشجر والثمر والطير التي صادفتهم في السودان ولم يتفق لهم تأليف اسماء لها. كما تسربت أوتسربت الي اللهجة العربية بعض مسميات البيت والأطعمة وطقوس العبور النوبية أو البجاوية. وحدث نفس الشيء بالنسبة لأسماء القري والجزر. ثم عرج علي أخذ عاميتنا العربية بشيء من الفرعونية ولغات أفريقية. ونبه الي تأثر عاميتنا العربية بلغة السريان والفرس واليونان مما جاء به العرب في حصيلتهم اللغوية الي السودان في مبدأ الأمر. ثم تأثرت لهجتنا بالتركية ولغات أوربا من بعد القرن التاسع عشر. ومثل هذه التاثيرات القاموسية شائعة ومشروعة في مسار اللغات لا يستلزم نشأة "منطقة التعادل اللغوي" التي يوحي بها منطق عون حيناً. وهي المنطقة التي نجمت عن تمازج العرب مع العناصر السودانية الساكنة بالبلد قبلهم خرج به الي الوجود "تكوين بشري جديد، لا نجد له وصفاً خيراً من السوداني نطلقه عليه". فالإستلاف القاموسي قد يكون بخلطة العناصر البشرية أو بغيرها. فلم يختلط العرب بالإنجليز غير أن الإنجليزية حملت كلمات عربية لم تجد مفراً من الأخذ بها. وما يضيق الفرنسيون بشيء الآن الإ إضطرارهم للأخذ بإسراف عن الإنجليزية بغير خلطة في الأعراق. أما ما يستحق النظر اليه في باب خلطة الأعراق العربية والسودانية، الذي هو جوهر نظرية عون، فهو إشاراته القليلة جداً الي تراكيب لغوية عامية عربية مستقاة من لغات النوبة والبجة. فمن هذا التراكيب، التي هي أعقد من مجرد الإستلاف اللغوي وأدل، لفظ "قرباب" (وهو الثوب يلف به خصر النساء) الذي تكون من "قرب" العربية الفصحي التي تعني "الخاصرة" و"آب" وهو مقطع بجاوي يعني "الذي يخص." وقد أخنا ب المقطع البجاوي في سائد النسبة عندنا فنحن نقول "عبداللابي" ولا نقول "عبداللوي" كما في صحيح النسبة العربية في الفصحي. وقد أضعف من قوة هذا الشاهد المعقد في خلطة الأجساد واللغات بقوله أننا قد اخذنا مقطعاً للنسبة من التركية وهو "جي" في قولنا "لعبنجي ولخمنجي". وأخذنا مقطع التصغير "آية" المجهول الأصل في مثل "غنماية ونملاية". ورجح عون أن يكون افريقياً. وقال عون أن دراسة ادق في تراكيب العامية السودانية ونطقها ربما قادنا الي علم أكثر بتأثرها بلغة النوبة والبجة. فقد قال أن من الباحثين الأقدمين من نبه الي أن عبارة "قاعد" في "القطر قاعد يمشي" ربما جاءت من الدنقلاوية التي تقف فيها قاعد دلالة علي الإنشغال. وتحفظ عون بقوله أن اللغة العربية لم تخل من مثل هذا الإستعمال. ونبه مثلاً الي أن كسر أواخر الكلمات عند الشايقية في قولهم "كسري" ل "كسرة" ربما تأثروا فيه باللغة النوبية التي أحاطت بهم كما لم تحط بالوسط السوداني الثقافة كعلم تاريخي ولعل أقتل عطب ناشب بمناهج دراسة الثقافة العربية الإسلامية هو غض الدارسين النظر عن حقيقة أن اللغة العربية هي حقاً لغة عرب مسلمي السودان. وهي حقيقة تذكر كنتيجة عابرة لتعريب واسلمة بعض السودانيين غير أنها لا تستصحب في تحليل ثقافتهم. بل أن تركيز بعض الباحثين علي ما استلفته عربية السودان من قاموس وتراكيب اللغة النوبية اوحي للبعض أننا لم نفعل سوي "تهجين" العربية. وهذا غير ما يقوله علم العاميات العربية الذي يدرس عربية السودان كعضو كامل الحقوق في نادي العاميات العربية. ومن آيات بؤس استصحاب حقيقة لسان عرب ومسلمي السودان في دراسة ثقافتهم تراخي الدارسين عن الانشغال العميق بنصوص تلك الثقافة. فقد اصطنع النحاة الأول من الإنجليز جملاً بالعربية في كتبهم التي هي دليل لتعليم اللغة بمثابة نكات نحوية بدلاً من قطف هذه الجمل من أفواه أهل اللغة. ولا غرابة أن جاءت نصوص هؤلاء النحاة، في قول فبرغسون، "تعكس الثقافة البريطانية بأكثر وأدق مما تعكس الثقافة السودانية." ولقد توسع المرحوم عبدالله الطيب في ذم "كتاب الأطفال" الذي اصطنعه المستر سكوت بكلية غردون وسربه الي بخت الرضا والي سائر المدارس يتعلم به من لسان أمهم العربية لغتهم من بين دفتيه. وقال عبدالله الطيب أنه ما شك أن إثم هذا الكتاب أكبر من نفعه. ولم يفصل عبدالله الطيب هذه المسالة العمدة تفصيلاً تربوياً مقعداً وظل يلوح بها في نثار الخاطرات. وقد منعت هالة القداسة والنوستالجيا (التشوق الكاذب أو المغرض) التي "زربنا" بها مؤسسة بخت الرضا أن تنفذ أجيال التربيوبيين الحدث الي مآخذ عبدالله الطيب ولتستصحبها في العلم بمناهج تعليم العربية وتاريخها. وقد رأينا عناية مؤخراً عناية بنصوص ثثقتفة الجماعة العربية الإسلامية تفاوتت في حسن الحرفية وسداد النظر. ومع ذلك كان ما انشغل به الباحثون هو تطويع النصوص لدراسة التكوين الإثني لهذه الجماعة او أيدوجيتها. ولم تكن اللغة نفسها شاهداً علي مغازي تلك الثقافة. ويقف كتاب سيد حريز عن أحاجي الجعليين مثلاً ذكياً علي قصور هذه الدراسات عن بلوغ الترميز الصقيل لهذه الثقافة. فهو قد شرح نصوص الأحاجي لرد ما للعرب للعرب وما للأفارقة للأفارقة من مفردات ثقافة الجعليين. وقد جاء حريز بنظرات مقارنة قيمة علي ما تورط فيه من تعسف في المقارنة ما نبه أي ذلك أحمد عبدالرحيم نصر. وبرغم قيمة استخلاصات حريز في هذه الجهة فهو قد غض النظر عن ما تحمله هذه النصوص من دلالات لمجرد انها قد جاءت في لسان عربي مبين. ونجد النهج ذاته عند معتصم الذي بدت عنده الحجوة "وثيقة تاريخية لا وثيقة فنية". وقال أنه إذا جردنها من الزوائد الخرافية والخيالية عكست لنا صورة صادقة أي تاريخية لمجتمع عرب السودان المسلمين. وهذا قريب من القول أن الأحاجي بعد تجريدها من خيالها، قد اضحت وثيقة تاريخية عادية. وبهذا جعل الكاتب ألحاجي حقلاً لحفرياته عن عروبة وأفريقية العرب المسلمين وغض الطرف أنها، وبخيالها الذي لا تستقيم الإ به، نشاط يومي يرتب به الراوي والجمهور أجندة ذوقهم العربي الإسلامي عن طريق الفن. وليس من اعتنوا بعربية عرب ومسلمي السودانيين بأفضل مردوداً علي علمنا بثقافتهم. فقد إنتهوا أيضاً تجميدها كمصدر تأريخي لدراسة الثقافة العربية القديمة. فأنظر الي عنوان مقالة لهيللسون: "أقباس كلاسيكية في أدب (السودانيين) الشعبي". فهو يري أن من أنفع ما يقع لنا من دراسة عربية السودان هو القاؤها الضوء، مماثلة ومخافة ومقارنة، علي عوائد العرب في جاهليتهم. واستصرخنا هيللسون ان نهب لجمع ودراسة نصوص عرب السودان الثقافية لأنهم تعرضوا منذ حين الي مؤثرات افريقية عارمة من شأنها أن تطيح بمعظم مفردات هذه الثقافة التي تتهجن وظلت علي بدائيتها الكلاسيكية العربية. وقد اتيح لي دراسة سحر الرباطاب كنص شديد الخطر في الثقافة العربية الإسلامية. ولم انشغل فيه بإستثمار النص لرد الرباطاب الي أصل وفصل عرقي بحفريات الأوابد أو غيرها. خلافاً لذلك فقد سلكت منهجاً إثنوغرافياً مستحدثاً هو السياقية والأدائية. وهو منهج فرض علي أن اقبل قول الرباطاب بعروبتهم كأمانة إثنوغرافية. ومن ثم حللت نصوص السحر في سياقاتها وحيل أدائها واختلاف رأي الجماعة نفسها في أسر وشر هذه النصوص. ووجدت من ذلك أن الرباطاب إنما يدلون برأي يومي في هويتهم من حيث عروبتهم وإسلامهم بمجرد أن يقتحم مسار يومهم نص من نصوص السحر. من آفة البحث عن العروبة السودانية بواسطة الأجانب أنهم يصدرون في أحكامهم عن معرفة بالعربية لاتتعدي كونها "حيلة" للعمل الميداني لا كوناً من المعاني. الدكتور إبراهيم القرشي عثمان ، عادات سودانية اصولها عربية من وحي اللغة وطرائف التراث ونوادره (1999). وهو كتاب ظريف دسم مفعم يكشف عن إطلاع واسع في عموم ثقافة عرب السودان والتراث العربي. ولكنه من صنف المباحث التي جعلت من ثقافة هؤلاء العرب مصدراً تاريخياً علي عروبتهم يردون به علي افتراء من انكروا عروبة عرب السودان. وكأننا نبدي ونعيد ما كتبه عبدالله عبدالرحمن بل ؟ ؟. والخلاف بين السلف والخلف بشأن الأخذ بنصوص ثقافة عرب السودان كمحض دليل تاريخي خلاف فارق الزمن والخصوم. فقد اضطر السلف الي هذا المنهج فرط شكوك عرب الوسط العربي أو الكتاب الإستعماريين مثل ماكمايكل في عروبة عرب السودان. فقد قال المرحوم عبدالله عبدالرحمن في مقدمة كتابه أن مما حضه لكتابته أن يزيل من "ما قد علق ببعض الذهان التي قعد بها تقاعدها عن النظر في التاريخ وشط بها جهلها بالبحث والتنقيب من ان سكان هذا الإقليم (ويعني السودان الشمالي) ليسوا بعرب حيث ان السكان الأصليين بجة ونوبة وزنوج ببراهين عقلية وأدلة علمية". بينما يتجه الخلف بهذا الدليل لجماعة من ابناءالسودان جعلت من خلع هؤلاء العرب لعروبتهم الكاذبة في نظرهم شرطاً لسعادة للوطن السوداني حتي يقوم علي هويته الفريقية الصمدة. وقد قوت هذه العاطفة عند بعض عرب السودانيين انفسهم تظلمهم من عروبة "الكفيل" في مهاجرهم بالجزيرة والخليج لتي لم تحسن الي الي عزتهم بالعرب حين عدتهم صنفاً من السودان والرقيق. توافرت له قطوف من إطلاع طويل عالج بعضها "إصولاً عربية لعادات سودانية، وبعضها الأخر يدور حول الفصيح من عامية اهل السودان" (5). وهو من رأي عون في خلطة الأعراق والثقافات في اسودان "ولكن يبقي التيار العربي هو المهيمن يدعمه النزوع المستمر الي الصل، وترفده اللغة وهي وسيلة الاتصال الغالبة، ويقويه الدين والعقيدة." (8). فهو قد ياتي بمثل ويقول أنه "ترجمة" لمثل عربي ما. أو أن هذه العادة قد عرفتها العرب. ولم نحسم بعد نسبة عاميتنا العربية الي العربية وما نزال نفاجيء بذلك ونطرب : "وما افصح عامية السودان" أما كتابات الأستاذ الطيب محمد الطيب مثا "الإنداية" أو "الدوباي" أو "المسيد" فهي بمنجاة من منهج سوق الدليل من الفلكلور لإثبات عروبة السودان. فلا تخالط الطيب شبهة في عربية الإنداية كحانة للأنس أو عروض ضروب الشعر التي درسها في "دوباي" أو كتاب القرآن الذي فصله في "المسيد." وككل إثنوغرافي جيد لا يحاجج في أصول مادة درسه طالما قال أهلها انها عربية. فلما ادار الطيب ظهره للخصومة حول أصل النظم التي درسها انفتح أمامه باب العلم بها من جهة أدائها وسدنتها وجمهرتها ووظائفها. ولهذا راجت كتبه لحيوية مبحثها الثقافي ونذكر بالذات كتابه "الإنداية" الذي ما كتب مثله عندنا في عذوبة المعرفة بكون كامل يقصده غمار الناس نشداناً لسعادة ما. وقالت مجلة الهلال في تقريظ كتاب "العربية في السودان، 1922" أنه نظر في ادب العامة، الفلكلور، الذي هو "كنز للمؤرخ يستقصي منه تاريخ المة وأصل الشعوب التي تتألف منها." وقد وجدت في كتاب للشيخ ابراهيم عبدالرازق عن شيخ الإسلام الفكي الأمين الضرير (1815-1302 ) ما استوقفني. فقد قال ان شيخ الأمين، جد عبدالله عبدالرحمن، قد فاز في مسابقة علمية نظمتها مجلة "الجوائب" المصرية. وعلق أحمد فارس، صاحب المجلة، مستعجباً فوز أبن حام، الأمين الضرير، علي ابناء سام اي العرب. "ولما اطلع الشيخ الأمين الضرير علي هذا التعليق غير العادل، والذي به مساس ونيل بالأمة السودانية العربية المسلمة المتحضرة، أخذته الغيرة فحرر بحثاً تاريخياً ضافياً رداً علي صاحب المجلة وبعث به الي مجلة الجوائب"
هذه الدراسة من مكتبة الدكتور عبد الله علي إبراهيم الأكترونية :- http://www.sacdo.com/web/Categories/FeaturedArticles/Ab...ali_ibrahim/main.asp
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وهذا الموضوع كتبه الاستاذ تاج السر مكى عن الدكتور عبد الله علي إبراهيم ونشر بصحيفة الأيام :-
Quote: تعليق الخطايا على مشاجب (البورجوازية الصغيرة) لا يجدي نفعاً
اعتاد الدكتور عبد الله علي ابراهيم وهو يتحدث عن الحزب الشيوعي ان يتوارى خلف مقولات جاءت في مساهمات الأستاذ عبد الخالق محجوب قالها هنا وهناك بما في ذلك تلك الجلسة كما قال التي خصه بها واستبان منه حقائق انقلاب مايو في الحياة السياسية السودانية مما جعله يرحل من حزب احمد سليمان الى حزب عبد الخالق بينما قام آخرون بعكس ذلك ثم قال في اول ليلة للانقلاب اخرج عبد الخالق بياناً قال فيه ان هذا انقلاب البرجوازية الصغيرة.. وحذر في بيانه بأن هذه البرجوازية الصغيرة ستغرق البلاد في الدماء نتيجة شرهها وتهافتها على السلطة (جاء ذلك في حوار الصحافة مع عبد الله علي ابراهيم يوم 12 نوفمبر 2006م). لقد ابتذل عبد الله علي ابراهيم دور الشيوعيين وهو يشير اليهم (بالرديكاليين) في حديثه ويستند على رؤيتهم وهو يتحدث عن مواقفهم وما ينبغى ان تكون عليها من وجهة نظره وبوصهم مسيرتهم بالضلال الوطني مميزاً دوره وآخرين يذكر منهم دائماً عبد الخالق محجوب، ثم اضاف اليهم اخيراً الشفيع احمد الشيخ وقاسم أمين في معرض هجومه على البرجوازية الصغيرة التي ظهرت في تقديره كفئة اجتماعية صغيرة اصبح منهم سفراء ووزراء ومديرين (فطغى مزاجها على الحزب).. ونسأل كم عدد هؤلاء بل كم عدد الوزراء الذين تناوبوا على الوزارات والادارات والسفارات طوال فترة الحكم الوطني.. ان اختزال نضال الشيوعيين السودانيين في بضع افراد اصبحوا وزراء او مدريين او سفراء واستطاعوا ان يحولوا كل تلك التضحيات والجهد الى ضلال وطني فيه تجن عظيم على تاريخهم ودورهم في الحياة السياسية. الوثيقة الملعونة التي قال عنها عمر مصطفى لا تهمني كثيراً انها بيان كتب ويمكن نقاشه وتشريح التقديرات المختلفة في دقتها واستنتاجاتها ولكنها من زوايا عديدة هي وثيقة رغم انها داخلية لكن تحتمل التسرب او هي حقيقة كتبت لتتسرب فالحزب الشيوعي تنظيم سياسي ملك لب الجماهير المستنيرة ورغم قلة عضويته لكن تأثيره في مجرى الحياة السياسية السودانية كان عظيماً التف حول خطه السياسي مجموعة من المؤيدين والمتعاطفين والحلفاء فبرنامج الحزب الشيوعي هو مشروع سياسي مميز يدعو للتغيير ولا يمكن أن يترك لمغامرة كالانقلاب العسكري لتعصف بكل تلك الانجازات وتكفي تجربة (ايديت) في اندونيسيا التي قادت الى تلك المذبحة الخطيرة والتي راح ضحيتها اخيراً سوكارنو ذاته لتكتب نهاية تجربة ذات قيمة خاصة في شرق آسيا. اختار عبد الله علي ابراهيم احمد سليمان الذي انضم اخيراً لجماعات الاسلام السياسي وانتهى دوره فيما يبدو بعد وقوع انقلاب الانقاذ.. ولا اعرف لماذا ايضا فاروق ابوعيسى لعل بسبب دوره العظيم في معارضة الانقاذ اما عمر مصطفى المكي فهو من قليلين كتب منتقداً خط الحزب الشيوعي عند انقسامه ثم انتقد قيادته الجديدة في كتاب توفى قبل صدوره باسم تأملات ماركسية في نهج القيادة الحالية للحزب الشيوعي السوداني، وقد اجتهد فيه ويمكن انتقاده بموضوعية. في المؤتمر العالمي للاحزاب الشيوعية والعمالية في موسكو في 7 يونيو 1969م الذي انعقد بعد اقل من اسبوعين من وقوع انقلاب مايو في السودان وقد أمته الاحزاب الشيوعية والعمالية من كل انحاء العالم ولا اعتقد ان ذلك المؤتمر كان تمثيلية مقدمة ببراعة وبكل ذلك الترتيب لتظن حكومة مايو في السودان ان الحزب الشيوعي يؤيدها فذلك يمكن ان يتم مباشرة وقد عبر عن ذلك موكب 2 يونيو المؤيد لمايو... ولا أحسب ان خطاب عبد الخالق محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي كان المقصود به تقديم معلومات كاذبة ومضللة قصد بها خداع تلك الاحزاب والدول لتدعم نظاماً يعتقد مقدم الخطاب بانه سيغرق البلاد في الدماء نتيجة لشره البورجوازية الصغيرة وتهافتها على السلطة فخطابه ذلك ترتبت عليه مساعدات كبيرة قدمت لمايو. لنقرأ جزءً من الخطاب الذي قدمه عبد الخالق في ذلك المؤتمر والذي كان التمثيل فيه على مستوى سكرتيري الاحزاب وزعماء الحركة الشيوعية ومفكريها: تؤكد الخطوة الثورية التي تمت في بلادنا في 25 مايو، انه على الرغم من وجود ثورة مضادة والهجوم المتواصل من جانب الاستعمار الحديث في منتصف الستينات على حركة التحرر الوطني فان ميزان القوى العام لم يتبدل وانه من الممكن ان يخترق هذا البلد او ذاك سياج الثورة المضادة والاحاطة الاستعمارية. لقد انتصرت الثورة المضادة في بلادنا في صيف 1965م لكن الحركة الشعبية استطاعت ان تطبق تكتيكا مرناً يحمي تراجعها ويحافظ على مواقعها الاساسية في المنظمات الجماهيرية، واستطاعت بفضل هذا التكتيك ان تبدأ من جديد تجميع صفوفها خلال الدفاع عن مطالبها ومصالحها الاساسية وبصفة خاصة من اجل الحريات الديمقراطية وضد الأزمة الاقتصادية، وضد فرض دستور رجعي باسم الاسلام يتوج الانتصار الشامل للثورة المضادة، وضد افكار الاصلاح البرجوازي اليميني الهادف الى تجريد شعارات ثورة اكتوبر 1964م السودانية من محتواها الاجتماعي. ظلت الحركة الشعبية تناضل بثبات طيلة السنوات الخمس الماضية حتى الخامس والعشرين من مايو حينما قامت مجموعة من الضباط الوطنيين والتقدميين معبرة عن الاماني الشعبية، بانتزاع السلطة من يد الثورة المضادة ونقلها الى طبقة من قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية" انتهى. هل يمكن اعتبار ان تعبير مجموعة من الضباط الوطنيين والتقدميين كان يقصد بها تلك المجموعة التي ستغرق البلاد في الدماء.. فكيف يكونوا وطنيين وتقدميين؟ ويواصل خطابه. "في هذا الجو الملئ بالصراع المعقد والمتشعب تحت ظل سلطة الثورة المضادة، جاءت السلطة الجديدة في 25 مايو 1969م واعلنت انها امتداد لثورة اكتوبر 1964م ففتحت الطريق لتحولات كبرى امام قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية في بلادنا لتستكمل وحدتها وتنجز مهام الثورة الديمقراطية. وهذه سمة هامة لاحداث السودان الأخيرة. فالتغيير لم يتم بعد اكتمال تكوين الجبهة الديمقراطية او بناء القسم الاساسي منها، وانما جاء اثناء السير نحو هذا الهدف فتوفرت شروط ملائمة لاستكمال بناء الجبهة تحت سلطة احدى طبقاتها"انتهى وجاء فيما يعرف برسالة القاهرة التي بعث بها عبد الخالق محجوب وقد نفاه النظام الى القاهرة الآتي: "إن تصاعد الصراع السياسي والطبقي في بلادنا والذي اتخذ من مسرح الجزيرة ابا وود نوباوي مسرحاً له ليس امراً عابراً لأننا قد استقبلنا بالفعل نقطة تحول في تطور الحركة الثورية السودانية وفي أشكال الصراع السياسي وانه من المهم دراسة تلك الاحداث بدقة من قبل كل منا في حزبنا والحركة الديمقراطية والخروج باستنتاجات موضوعية ووضع التاكتيكات السليمة لحركة الثورة في بلادنا" الى أن يقول: "التنظيم المسلح في أقصى اليمين كان دائماً العقبة التي تحول دون تطوير الحركة الشعبية بصورة حاسمة.. ويكفي دليلاً على هذا تجربة شعبنا في ثورته الكبرى في اكتوبر 1964م ثم الهجوم العنيف على الحزب الشيوعي في نهاية 1965م ولهذا فان ضرب هذا التنظيم يزيل تلك العقبة ويهيئ ظروفاً افضل لنمو الحركة الثورية ولتعاظم دور الحزب الشيوعي في الحياة السياسية" انتهى. إن أمانة التوثيق للاحداث العامة وشفافية التعامل مع الشعب الذي بنى لنا المدارس والجامعات لنستمتع دون اخرين بالمعرفة والاستنارة تستدعي الصدق ورد الجميل له.. ولا اعتقد ان عبد الخالق محجوب كان سيكون سعيداً عندما يستمع الى شخص يستخف بانجازه التاريخي فقد ساهم بالدور الأعظم في بناء امجاد واخطاء الحزب الشيوعي السوداني واستشهد بشجاعة وهو يقول لقد منحت شعبي الوعي بقدر ما استطيع. الحديث عن الترسانة الرجعية وعن تأييد "انقلاب تقدمي" وعن دور ضباط تقدميين هي كانت لغة ذلك الزمان ولقد استخدمت في مكانها وأوانها... وقد رعي الحزب الشيوعي تنظيم الضباط الأحرار وساعده في طباعة مجلته السياسية (صوت القوات المسلحة)، قطعاً لم ينظم اولئك الضباط ليقدم بهم طابور شرف يستقبل به خصومه السياسيين ثم كانت هناك تجربة عبد الناصر التي اسقطت مليكاً فاسداً ماثلة في اذهان دعاة التحرر الوطني.. ولم يقل احد حتى الآن ان سقوط الملكية في مصر كان "فساداً" او ضلالاً وطنياً دعك من الحديث عن تجربة الحكم من بعد ذلك.. كان الراديكاليون يتحدثون عن "الديمقراطية الجديدة".. وكانت الدول النامية قد تعرضت لكم هائل من الانقلابات الفاشية والى حكم الديكتاتوريات المسنودة بانظمة تتمتع شعوبها بالحريات والديمقراطية.. ولغة اليوم ليست هي لغة الأمس ومعايير الحكم على الأنظمة تختلف مع اختلاف الأزمان. تلوث البيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض ومخاطر الحرب والأوبئة ومخزون الغذاء الشحيح وأسلحة الدمار الشامل والإرهاب والتمييز العنصري والمجاعات والتصحر تحاصرها الآن قيم العصر ومنظمات الشعوب وثورة الاتصالات والمعلومات.. والراديكالية تعبير نسبي، لقد انهارت التجربة السوفيتية التي قادها البلاشفة بمعارك اسطورية شكلت غيبيات القرن العشرين. كان دور لينين في الثورة البلشفية والحرب الأهلية كبيراً لكنه لم يخلق الاحداث بل كان يوجه مسارها بواسطة نباهته الشديدة وواقعيته وعناده والمطلوب عدم احاطة شخصه بصورة مثالية على عكس ما يقوم به كثيرون.. وسيصبح بالطبع أكثر اهمية بمجرد انتزاع هذه الهالة الصوفية عنه فهو رجل ذو طاقة عنيدة".. ان كل ما نستطيع ان نقوله او نقول جزءاً منه عن عبد الخالق هو انه قائد من طراز فريد ولم يكن عاجزاً عن الافصاح عن رأيه واقناع زملائه فقد كان اكثرهم قدرة على الكتابة والفصاحة والاقناع وقال عنه الكاتب انه في جلسة جعله يستبين حقائق كانت غائبة عليه فلماذا لا يستطيع ذلك تجاه آخرين وهو أكثر التصاقاً بهم، ولعل صديقنا الدكتور نسى انه ويصنف من ضمن تلك البرجوازية الصغيرة الدموية فلماذا لم ينج الآخرون كما نجا هو.. عبد الخالق محجوب ذلك الشخص النابه والعنيد ظلمته التجربة والتي ساهم في بناء مجدها وصيتها ليس لأنه فوق الخطأ منزهاً ولكن لأن الحزب لا يمكن ان يتفرد أكثر مما هو عليه.. هو حزب سوداني تؤثر عليه سلبيات المجتمع وعيوبه وحسناته فقد نشأ في مجتمع عشائري تغلب عليه الأمية ويحاصره التهميش والفقر... ان انجازات الشوعيين وتأثيرهم على مجري المسار السياسي ينسب لهم جميعاً من خلال خطأ وصواب الذين يعملون. الحديث عن البرجوازية الصغيرة وذمها كل حين يأتينا من واقع التجربة الأوروبية فقد نشأت البرجوازية الصغيرة مع نشوء نهضة البرجوازية والتحول الرأسمالي ومع ثوراته الكبرى واهمها بالطبع الثورة الفرنسية والثورة الصناعية في بريطانيا فكانت وظيفتها ان تقدم خدماتها لتلك الفئة الناهضة والممسكة بزمام الأمر والصانعة للتقدم وهكذا نشأت خادماً مطعياً تتطلع إلى اعلى مشرئبة وتخشى من السقوط الى اسفل القاع وتشكل فيها ذلك التذبذب لقد كانت تابعة ولاهثة وغير مستقبلة وبالرغم من ذلك فمن بين افرادها انجبت من قادة ثورات التحول الكبرى ثم تلك المنظمات الشعبية والتي بفضلها نشات حركة التحرر الوطني من الاستعمار وسجلت جل انتصاراتهم في مواثيق لحقوق الانسان الزمت بها فئة البرجوازية التي كونت تراكماتها الرأسمالية من عرق العمال والنساء والأطفال. في العالم الثالث وعندما احكم الاستعمار قبضته واستغل موارد تلك البلاد الطبيعية وخاماتها الأولية واسواقها وانسانها، كان لابد من ان تنشأ برجوازية محلية لكنها ولدت خديجاً خائراً وتابعاً فاكتسبت هشاشة.. لم تنهض لوحدها كتلك (الأوربية) ولم تكن افاقها تسمح بتفجيرثورة واحداث تحول كبير ولذلك فقد كان (لبرجوازيتنا الصغيرة) دوراً مختلفاً عن تلك المتذبذبة التابعة لقد تصدت لمقاومة الاستعمار وفجرت انتفاضة 1924م طارحة اعصى قضية (كم نعاني منها حتى الآن) فقد كان تكوينها دعوة لقومية سودانية ويكفي ان قائد تلك الانتفاضة كان على عبد اللطيف المنحدر من ام دينكاوية واب من جبال النوبة وسجل تنظيم اللواء الأبيض في عضويته الكثيرين من أبناء تلك الجهات ورغم تلك الدعاوى العنصرية التي نشأت هنا وهناك لكن (كريزما) ذلك القائد وشوامخ كعبيد حاج الأمين والمطبعجي وحسين شريف فقد تفجر ذلك الحدث الكبير الذي ارعب المستعمر البريطاني وادرك مبكراً ان ذلك التطور يمثل الخطر الرئيسي على حكمه وبقائه فاعدم بشراسة العسكريين ونفى قادة الانتفاضة وغيبهم في السجون فمات علي عبد اللطيف في مصر وعبيد حاج الأمين في جنوب السودان وها نحن اليوم نبحث عن وحدة جاذبة. وبعد وقفة لم تطل (في اعمار الشعوب) نشأت الجمعيات الأدبية وجميعات القراءة ثم تكون مؤتمر الخريجين وحاصر الاستعمار بحصافة الفكرة لكنها لم تتمدد إلاَّ في حدود مجموعات المتعلمين في الشمال وبالرغم من ذلك فقد نشأت الاحزاب السياسية وناهضت الاسعمار حتى حققت الاستقلال والجلاء.. خلال هذه الفترة قوى عود (البورجوازية الصغيرة) وهي تقود معارك الاستقلال وكونت نقاباتها المطلبية والمهنية.. لكن دائماً كان هناك من لا مصلحة لهم في هذا النهوض وظل الاستعمار متربصاً يلعق المرارة ويحلم بالعودة الى ممالكه القديمة التي تركها عنوة. كانت لخطط الاستعمار صور جديدة فالتبعية الاقتصادية وبقاء التخلف رهينان بمواصلة استنزافه لتلك الخيرات التي شكلت جزءاً هاماً من مصادر تنميته لنظامه الرأسمالي ثم هنالك تلك البرجوازية التابعة الهشة.. لقد عانت الحركة السياسية كثيراً في مواجهة قضايا ما بعد الاستقلال والنهوض الوطني فنشأت نخب حاكمة سيطرت على موارد الثروة والسلطة واستخدمت كافة الاساليب والوسائل دفاعاً عن امتيازاتها تلك استناداً على (الطائفية، والعشائرية والقلبية، والدين وترسيخ التخلف ما أمكن والامية والانقلاب العسكري) لتكسب بها اغلبية ميكانيكية وظفتها للدفاع عن مصالحها. في مواجهة الاغلبية الميكانيكية في الحكم الوطني نهضت قوة بارزة من المهنيين والموظفين والعمال والمزارعين لالغاء القوانين المقيدة للحريات ولفرض شرعية تنظيماتهم النقابية والمطلبية وتفجرت معارك عديدة ميزت كثيراً من افراد البرجوازية الصغيرة فعجمت عودهم ورسخت تقاليد عظيمة في مؤسساتهم النقابية منها تغليب تجويد المهنة وترقيتها لتنهض بمسؤوليتها تجاه الشعب وعضد كثيرون منهم الحزب الشيوعي كرائد للتغيير والتحديث دون حتى ان يكونوا اعضاء فيه. وكون الحزب الشيوعي لم ينجح احياناً في ان يبقيهم اعضاء او حلفاء له لتتفجر قدراتهم وطاقاتهم خدمة لجماهير الشعب وقضايا التغيير فهذا شأن يؤاخذ عليه لقد اعترف بذلك الحزب الشيوعي في لمحات من تاريخه حيث قدم عبد الخالق نقداً موضوعياً لحل الجبهة المعادية للاستعمار التي تحولت الى منبر للحزب الشيوعي دون مبرر سياسي وذلك لعجز الشيوعين في التعامل مع العناصر من غير الشيوعيين.. هذا بالطبع احد اخطاء الحزب الشيوعي.. فقد كان نفوذه السياسي طاغياً لكن عضويته قليلة ولم ينجح في تحقيق ذلك الشعار وفكرة الحزب الاشتراكي او الحزب الديمقراطي الواسع كانت اجتهاداً لتحقيق ذلك الشعار في اطار البرنامج الوطني للحزب الشيوعي. ان البراجوزاية الصغيرة حتى تلك الأوروبية واجهت استبداد النظام الرأسمالي وافقاره المتواصل للعمال والمنتجين فتصدت لذلك ولا اعتقد ان الكاتب ينكر ان منظمات المجتمع المدني الشعبية المنتشرة في اوروبا واحزاب الخضر المهتمة باصحاح البيئة وحقوق الانسان وتلك التظاهرات العديدة ضد الحروب والتعديات وأولئك المتطوعين لتكوين درع بشرى دفاعاً عن المدنيين في الحروب الجائرة ما كانت إلاَّ بريادة بعض من تلك (البرجوازية الصغيرة). أما إذا كانت هنالك نماذج في ذهن الكاتب ظلت تقلقه فهذا لا يمكن أن يتخذ قاعدة يؤسس عليها تحليلاً ومازلت احتفظ بقدر هائل من التقدير للدور التاريخي السياسي والثقافي للكاتب ومشاركته في التنوير ونشر الوعي في حركة الطلبة فهذا حق له رغم انه (برجوازي صغير) وحتى النخاع. يتبع .....
http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147505240&bk=1
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وهذا اعزتي هو الجزء المكمل للمقال السابق الذي كتبه الاستاذ تاج السر مكي
Quote: الدكتور عبد الله علي إبراهيم يحلل مسيرة الضلال الوطني ويدعو أخيراً لمخاصمة الانقاذ واليأس من خيرها. وصم الدكتور البراجوازية الصغيرة وعيرها بكل عباراته البليغة وحتى كاد ان يقول ان خطاياه واهتزازه وتذبذبه كان بسبب انه برجوازي صغير لكنه لم يستوزر ولم يصبح مديراً ولا سفيراً والا لكان لذلك شأن آخر.. انه فقط عبد الله (ابن الداخلة) الاديب والكاتب الاريب وصاحب الصولات والجولات في ساحات النشاط الطلابي والرائد المؤسس لتجمع الكتاب والفنانين التقدميين والذي عرف فيما بعد بتنظيم (ابادماك) الشهير الذي قاد قافلة ثقافية وفنية جابت قرى الجزيرة بحثاً عن الفنان الشعبي الذي طمره الفقر وبؤس الريف وغياب مؤسسات الوعي والمعرفة الرسمية إلاَّ تلك المؤسسة التي قال عنها هي التي تمثل (صفوة الغلابة) والتي استطاعت بجهدها الصبور والمثابر ان تقدم للمزارعين ما استطاعت من جرعات الوعي التي مكنتهم من انتزاع شرعية اتحادهم والحاكم العام الانجليزي مازال يقيم بيننا.. في تلك الرحلة الشهيرة وصلت قافلة (ابادماك) قرية (بورتبيل) لتقدم من خلالها مسرح الرجل الواحد الشعبي الذي لفت الانتباه الى زخائر الريف والثقافة الشعبية.. جاءت مايو وقبل ان ينتقل عبد الله من حزب احمد سليمان الى حزب عبد الخالق قدم مسرحيته الشهيرة في شارع القصر بالتضامن مع صديقه صلاح قوله (المصري الأصل) ناقلاً بذلك الثقافة الى رجل الشارع والطريق العام. اراد الدكتور عبد الله إلاَّ يضعه منصور خالد هو وعبد الخالق وآخرين (لم يفصح عنهم) في سلة واحدة مع بقية الصفوة المدمنة للفشل وليس غرضي تبني وجهة نظر دكتور منصور في الصفوة وادمانها للفشل فللرجل طريقته ومنهجه في التعامل مع استنتاجاته ولا أذكر حسب علمي انه ادعى انه ليس منهم في شيء، مع ملاحظة عابرة هي ان دكتور عبد الله قال في حواره مع جريدة الصحافة الحلقة الثانية بتاريخ 19 نوفمبر: أنا وعبد الخالق وآخرين وهذا التقديم (للأنا) لم أعهده فيه من قبل لكنه لم يفصح عن الآخرين ولعل هنالك قائمة سرية يعد بها البعض ليلهث اللاهثون كما يتصور علهم ينالون حظوة؟ بعد تعريفه للصفوة سأله المحرر من هم صفوة البرجوازية الصغيرة؟.. اندهشت لإجابته التي تقول: منصور خالد انا اعتبره صفوة البرجوازية الصغيرة (هو لوحده، الدهشة مني) لأنه يعطي وقتاً اكبر لمشروع تمكين هذه الفئة الاجتماعية بينما مدير البنك او الطبيب مثلاً لا يعطي وقتاً كبيراً للمشروع وانما يعيش مشروع البراجوازية الصغيرة.. لم ادرك مقصد الصديق (عبد الله) هل لأنه منصور خالد ام لأنه ليس مدير بنك او طبيب، وهل يمكن الحديث عن صفوة لفئة موسومة بكل ذلك القبح والقدرة على قيادة مسيرة الضلال لشعب في قدرات الشعب السوداني ان يكون صفوتها شخص واحد مهما كان مقامه ام انها محاولة متوارية لرد الصفعة؟ سأتناول قضيتين من تلك القضايا التي تناولها الدكتور في حواره او في الحقيقة قضية واحدة ذات شعبتين شكلتا فكرة المقاومة وداوفع التغيير وضمن ذلك دور المعارضة في درجاتها المختلفة انجازاتها واخفاقاتها.. لقد جاء في الحوار ما قررت الاهتمام به في هذه المداخلة وذلك في رد الدكتور على الصحيفة عندما سأله المحاور: لماذا ترجع الى تحليل المجتمع عبر المنظور الماركسي هذا؟ فقال: لأنني اعتقد انه حصلت خيانة كبرى لغمار الناس حتى في صفوتهم، فالحزب الشيوعي بعد حله عام 1965م ثم مغامرة 1971 واخيراً انقلاب الانقاذ اصيب بجنون الاسلاميين الظلاميين وصارت مسألة الحداثة متمكنة منه أكثر من انه خليفة للكادحين والطبقات العاملة صار الحزب يفضل ان يوصف بالحداثة وان يكون سادنها أكثر من تفضيله لدوره الأساسي في النضال من اجل الكادحين ويتجلى ذلك في هروبه من النفاذ الى مسألة الدين والمجتمع. فبدلاً من معالجة المسألة باعتبار الدين جزءاً من مكون الوعي في المجتمع ونقده انما هو نقد للمجتمع استبد به جنون الاسلاميين الظلاميين كما ذكرنا. لذا صارت الطبقات الكادحة بلا تفكير مستقبلي ولا يوجد من يتخيل لها مستقبلها وسعادتها وهذا دور الصفوة الأمر الذي الجأها لتأكتيكات النضال المسلح لقوى الهامش وحركات التحرير العنيفة والانقلابات العسكرية المضادة غير الناجحة. ناصح الدكتور الانقاذ (الانقلاب الناجح) وشارك في مؤتمراتها الأولى كما قال مراعاة لقومية الجيش ووحدته لعدم الاستهانة به لأنه يقف خلفها وقال انه تركها منذ بدأت توقع في اتفاقيات السلام وانتظر من يملأ الفراغ وفي رد على السؤال: هل ترى ان المخرج من حالة الضلال باشاعة وسائط التربية والتعليم فقط؟ اجاب: قطعاً ولكنه مصحوب ايضا بقنوط من اي خير يمكن أن تأتي به الانقاذ، بمعنى الاضراب عن نصحها، ولا يحبط منها احد ولا يتفاءل بها علينا فخاصمتها تماماً لأنه ليس لديها جديد تاتي به ولا شيء لتفيد به الناس ولن نسمع كلام احد، علينا الكف عن نبرة اصلاح النظام، لأنه لن ينصلح ولن يحل مشاكل دارفور ولا الجنوب ولا غيرهما فق اهليته وشرعيته لفعل ذلك. وعلى الجنوبيين ان يعوا اننا لن نستطيع ان نجعل خيار الوحدة جاذباً لهم طالما كانت الانقاذ موجودة وعليهم ان اراداوا الوحدة ان يقاوموا ايضا معنا" انتهى اتهم الدكتور الحزب الشيوعي بأنه اصابه جنون الاسلاميين فماذا اصاب الدكتور وبعد كل هذه الفترة المقدرة وهو يتحدث الآن عن قنوط من اي خير يمكن أن يأتي منهم ويدعو لمخاصمتهم ثم اعتبر حالات العنف في رفض سياسات الانقاذ ينبغي ان يدرج في سجل المقاومة الشعبية. لم نسمع عن الدكتور عبد الله انه كان يمثل تياراً داخل الحزب الشيوعي (والذي عاش في قلبه فترة تفرغ امتدت لبضع سنوات) يدعو بأن يمد الحزب الشيوعي يده للمهمشين، هو كان كآخرين يتحدث عن مناطق التخلف ويرى رأي من ينتظر تنمية اقتصادية تنجب قوى (حديثة) يمكنها بالتحالف مع نظيراتها في المدن والطقاع الحديث استكمالاً لبناء الجبهة الديمقراطية لتنجز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية.. لم يقل بغير ذلك ولم يكتب في مساهماته العديدة حتى عن (الصحة والتعليم والبيئة والضرائب) ولم نقرأ في كتاباته الغزيرة ما يشير الى ذلك، وقدر اطلاعنا على ما يكتب كنا نحسبه بعيداً عن هموم الناس الحياتية او عن الكادحين الذين من المفترض انه أحد قادة صفوتهم المنظمة. حركة الاسلام السياسي الحديثة لم يبدأها الاسلاميون السودانيون قد سبقهم الى ذلك مؤسس حركة الاخوان المسلمين الامام حسن البنا وشكلت الحركة في مصر قوة جماهيرية افزعت حزب الوفد (حزب الاغلبية الوطني) واثرت تأثيراً عميقاً على مجرى العمل السياسي، هناك كانت التجربة غنية بكل خطل الانكفاء على (الاصولية) انها حركة سياسية اتخذت من الدين غطاء لتدافع عن فهمها له. وتداخلت المصالح مع ذلك التفسير واختلط امر الدين بتفسيرهم الخاص له.. وعندما نشأت حركة الاسلاميين في السودان ادركت شريحة منها قضايا المجتمع واهمية الخوض فيها (بابكر كرار ومجموعته) فاختلفت مع الآخرين اختلافاً بيناً ادى الى تكوينها للحزب الاشتراكي الاسلامي الذي لم يحظ بجماهيرية واسعة تجعله يؤثر تأثيراً عميقاً في الحياة السياسية، بينما كوّن الآخرون تنظيم الاخوان المسلمين الذي تحول الى جبهة الميثاق الاسلامي ثم الجبهة القومية الاسلامية واخيراً المؤتمر الوطني والشعبي. ان الأمر لم يكن يحتاج الى كل ذلك الوقت والعناء ليدرك الدكتور انه لا خيريرجى منهم.. فعلى رأس الدكتور وجيله تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان ليس دفاعاً عن الدين قطعاً بل بسبب الخصومة السياسية والعجز عن المقارعة لكنهم اتخذوا من الدين ذريعة فلم يكن (شوقي) طالب معهد المعلمين الذي تزرعوا بمقولته في دعوتهم لحل الحزب الشيوعي كان أو أصبح رصيداً للشيوعيين ففي حديث له اخيراً قال انه كان سعيداً بذلك الحل.. ولا حتى تلك التجربة العميقة في التمثيل النسبي التي انتظمت الجامعات ومؤسسات التعليم في انتخابات اتحادات الطلاب والتي جوهرها هو الاعتراف بالآخر حدت من غلوائهم في التآمر على حزب يشاركهم اين ماحلوا منافساً ومشاركاً في ازكاء الحيوية في الساحة لقد قرر الاسلاميون ومن ذلك الزمان سحق الآخر ما امكن واختراق التنظيمات السياسية وتخريبها من الداخل ولم يتحلوا بالصدق ولا شرف المنافسة، وكما نعرف كلنا فالحزب الشيوعي لم ينتقد الدين وانما انتقد اصرار الاسلامين على تفسيرهم للدين وزجه في السياسة وجعله اساساً للحكم كما نشاهد الآن. قاوم الاسلاميون فكرة الديمقراطية باطروحة ضعيفة عن الشورى وهي في تقديرهم غير ملزمة وتتم مع اهل الحل والعقد وهؤلاء يمكن التحكم في اختيارهم كما نعايش ذلك اليوم.. ولما عادت حركة الاسلام السياسي متصالحة مع مايو قادته الى حالة الهوس الديني التي عاشها وتمخضت عنها قوانين سبتمبر الشائهة والتي كانت حربا على كل المجتمع، على عاداته وقيمه وتهاوى نظام مايو مثخناً بجراحات (المشروع الإسلامي) وفي اثناء ذلك تم اغتيال المفكر الإسلامي محمود محمد طه والذي كان للدكتور شرف تقديمه في محافل الجامعة.. وبعد الانتفاضة جمع الاسلاميون حولهم بقايا مايو من والذين كانوا يخشون محاسبة الشعب لهم لما ارتكبوه من خطايا. ما كان الاسلاميون يحتاجون الى مناصحة الدكتور لكنهم اتخذوه وآخرين ديكوراً وما كان الحزب الشيوعي يمكن أن يتحول الى حزب ديني ليعترف بدور الدين كمكون لوعي المجتمع.. ان المجتمع السوداني متنوع ومتعدد الاديان وحرية الاعتقاد فيه تمثل ركيزة للحريات.. قد يكون للحزب الشيوعي قصور في معالجته لكثير من القضايا (بما فيها الديمقراطية داخله) ولكن لم يكن مهوساً ومصاباً بجنون الاسلاميين الظلاميين، كان يعاملهم كخصوم سياسيين وجو الساحة السياسية كان يوحي بحدة الاستقطاب وبالخصومات ولم يكن الحزب الشيوعي استثناءاً بل هو أكثر من تحمل نتاج ذلك. اما دعوته للتحديث فمتى كان التحديث يتعارض مع الدفاع عن الكادحين..؟ يذكرني ذلك بكلمة كان يرددها المناضل المرحوم يوسف عبد المجيد (التكديح) ويقصد بها بالطبع تقمص مشاعر الكادح الساخنة والثورية ولكن لم يكن الكدح او التهميش في حد ذاته حالة يدعو المرء الى استمرارها او التمسح بها فهي بؤس وشقاء لكنها حالة يكون النضال من اجل محوها وازالتها قائم ويتم ذلك بنشر الوعي ومهما يتحدث الدكتور عن دور الصفوة وأهميته فهي لن تشكل بديلاً للنضال ولن تتحقق الديمقراطية بممارستها هي وحدها لها واستمتاعها بالقراءة والترجمات وكتابات كتلك التي يقدمها الدكتور خالية من تلك المباشرة الضرورية في علم السياسية.. لن نستطيع أن نستنتج من ان الكتابة في حلقات متعددة عن انتحار شيبون هي دعوة الى (صحة المواطن وتعليمه واصحاح البيئة).. وليس في ذلك بالطبع رفض لمختلف المناشط الانسانية من شعر وموسيقى ورقص وكتابة قصة ورواية ونقد ومسرح وسينما وتشكيل وغيرها، لكن لكل ابداع انساني لغته ودوره في تشكيل الانسان المعاصر، لكن عندما نتحدث بلغة الكادحين والتهميش فلا تصح إلاَّ المباشرة ونحن ندعي بأننا يمكن ان نمثل صفوتهم.. وللحزب الشيوعي اخطاءه وله انجازاته.. انه تاريخ لملحمة معقدة لكن لا يمكن محوها او اغفالها ولا يمكن الحديث عنها بذاك القدر من الاستخفاف مثل القول بأنه حزب للكادحين وليس للقوى الحديثة و(الحناكيش) فكيف ابتلع الدكتور فكره وصف بعض الشيوعيين (بالحناكيش) بعد انسلاله منهم كالشعرة من العجين كما اعتاد ان يقول. أليس في ذلك اقتراب من مقولة (التكديح)؟.. الدكتور لم يسمح لنا بأن نتحدث عن تأثير التجربة السوفيتية على الحركة الشيوعية ثم الستالينية وما خلفته من ادواء والتي لم ينج منها الدكتور وهو المتفرغ الثوري كما زعم انه نجا من تذبذب البرجوازية الصغيرة ودمويتها ويتمنى ان ينجو من سلة منصور خالد التي ادمنت الفشل. إذا سلمنا جدلاً ان تجربة الانقاذ كان يمكنها ان ترعوي وتستمع الى مناصحات الدكتور فكيف كان يري تلك الهجمة الشرسة والمباشرة التي طالت معظم البارعين والمبدعين في العمل العام والقيادات النقابية والسياسية فصلاً واعتقالاً دون ان يفلت من بينهم كل من اعتبروه غير مؤيد لمشروعهم او محتمل ان لا يؤيده.. ثم تلك الفترة التي اعلنت الانقاذ انها مرحلة التمكين فتمكنت بها من كل شيء، مفاصل السلطة على كل مستوياتها حتى الخدمة المدنية، ومصادر الثروة وفرص العمل العام والخاص ثم التهديد بالضرائب والاتاوات والجمارك مع ممارسة كل صنوف الارهاب. قال الدكتور انه ترك الانقاذ عندما بدأت في توقيع اتفاقيات السلام.. انا اندهش لهذه الجرأة التي قال بها ذلك.. فهل هو ناقم على الانقاذ وهي تتنازل عن بعض سلطاتها ام هو غاضب لأن اتفاقية السلام حققها من لم يكونوا في قائمته السرية تلك (وآخرين) ام هو غير راضٍ عن وقف الاقتتال الذي يوقف الموت وسحل الآلاف وتشريدهم.. صحيح انه لم تذهب الانقاذ بعد تلك الاتفاقيات بل نالت شرعية دولية بتلك التوقيعات فهل لذلك رفضتها (عبد الله) وهو الذي لم يرفضها كلها وهي تتعدى على الشرعية وتتميز بالصلف والاستبداد ومصادرة كل الحريات. لكن بالرغم من ذلك وبعد توقيع الاتفاقية واقرار الدستور الانتقالي اصبح من الممكن الحديث عن الحقوق والحريات.. إذا كان هنالك ما يعيب القوى المناهضة للنظام فهو انها لم تعبئ الجمهور في اتجاه ضرورة تفكيك النظام الشمولي وبناء بديل ديمقراطي، وصحيح من ناحية نظرية ما قاله عن ضعف المعارضة المنظمة وعزلتها، وانه خطل عظيم ان ترتفع اصوات المعارضين وهم يسعون وارء امتيازاتهم فالأمر يحتاج الى خطاب جديد لكنه ليس منقطع الصلة عن تاريخ تلك الدعوة القديمة للعدالة والمساواة وتغيير المجتمع والتي حمل الدكتور مع آخرين لواءها من قبل. في احاديث وكتابات عديدة تحدث الدكتور بكثير من عدم الارتياح عن النضال السياسي المسلح وكان يتوارى كعاداته خلف ما يتصوره دعوة للزنوجة المعادية للعربية وثقافتها وها هو يتحدث عن تاكتيكات النضال المسلح باعتبارها اعظم الشرور وكان ينبغي ان يرى ما تمخض عن هذا النضال المسلح فقد اثبتت التجربة انه ليس من الضروري الانتظار في (خطوات تنظيم) الى ان تحقق تنمية وتغدو هناك قوة حديثة لتقوم بالمساعدة في عملية التغيير. لقد تكون من اولئك المهمشين جيش سياسي اثر على مجريات الاحداث حتى تمخض عن تلك الاتفاقية التي جعلت الدكتور يخاصم الانقاذ والتي لم يقل حتى عتاة خصومها الحقيقيين انه لا قيمة لها فهم يتوقفون كثيراً عند وقف القتال الذي كان مستعراً وعن الحرب التي خمدت، والدكتور يتحدث عن النضال المسلح باعتباره حالة يقسر عليها المرء ولا يختارها لأنها تقود الى الموت والدمار هذا ما يفهم من حديثه ولكنه يرفض ما تحفق من سلام ويخاصم اخيراً عليه الانقاذ التي حولت الحرب الى حرب دينية دفاعاً عن العقيدة المستهدفة كما تدعي. للانقاذ اقسرت على توقيع اتفاقية السلام التي تحتوي على بنود رئيسية تؤسس لمجتمع ديمقراطي عادل فماذا يضير الدكتور في ذلك ... لقد نصح اخيراً الاخوة الجنوبيين وحذرهم من قبح الانقاذ التي لا يرجى منها وهو الذي ظل يناصحها في رفق ويشترك في محافلها فهل كان ذلك بسبب مشروعها الاحادي ورغبتها في بناء دولة دينية وهو يخاصمها الآن ويحرض عليها لأنها وعدت بتنازلات لأبناء الجنوب ودارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة؟ البرجوازية الصغيرة التي ظل الدكتور يذمها دون أن يراعي تلك الظروف التي نشأت خلالها ونتاج مشاركتها في العمل الوطني ودورها في المجتمع فيه تجن عظيم عليها وهذا ليس دفاعا مطلقاً عنها كفئة فمنها جاءت حركة الإسلام السياسي وانجبت كبار الوصوليين والذين نافحوا الانظمة العسكرية والدكتاتوريات المدنية والذين اعلنوا كذباً ورياءاً انهم يدافعون عن قضية البسطاء والغلابة ولكنهم اكتفوا بدور الصفوة المتأففة والمتعالية فهم في اسمارهم يقسمون المجتمع على اساس عرقي واثنى وينادون بالوحدة والمساواة في الظاهر. قال الكتور باهمية (الصفوات) ولكل الفئات وللبرجوازية الصغيرة بالطبع قدح معلى في تكوينها.. لكن تنظيمات المهنيين والموظفين وأساتذة الجامعات واتحادات المزارعين والحرفيين وسكان المدن في السودان والذين حظيوا بالاستنارة والحد الأدنى من التنظيم في نقابات او جمعيات او اتحادات صادموا الاستعمار والأنظمة الاستبدادية فاكتسبوا كثيراً من الصلابة فكانوا قادة للانتفاضات الشعبية. اما عن المعارضة عموماً فهي تلك الاحزاب، ولا ديمقراطية من دون احزاب وما نشاهده هو حال احزابنا وان رفضتها الجماهير فدون الدكتور و(الآخرين) تكوين بدائل متخلصة من مسيرة الضلال.. والاحزاب لا تشتري ولا تقوم نبتاً شياطنياً وانما تتكون بارادة اعضائها وليس هنالك احزاب فاعلة ومؤثرة تجلس قيادتها على كراسي المتفرجين لتصيد اخطاء الآخرين دون ان تمارس نشاطاً يحتمل الخطأ والصواب. ما قدمه الدكتور في لقائه يذكرني بما يقال شعبياً عن (علوق الشدة) والرواية البسيطة تقول ان مجموعة الرحل يحرصون على علف زواملهم في فترات الاستقرار استعداداً للرحيل الذي هو آت لا محال ولكن احدهم كان يؤجل ذلك دون اعتبار لعامل الزمن واهمية المشاركة وفي عشية الرحيل اراد ان يعد زاملته كالآخرين فوجدها هزيلة مهملة واراد ان يقدم لها علف ايام غفلته كله في جرعة واحدة.. لكن ذلك لا يفيد، بل قد يكون ضاراً وقاتلاً. http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147505333&bk=1
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
ايضاً الاستاذ تاج السر مكي عن دكتور عبد الله علي إبراهيم
Quote: عبدالله علي إبراهيم الباحث (الحفار)
تاجيج النعرات العنصرية ديدن من يتردون في القاع
الاولى: عندما زار السودان القس ديزمون توتو (الجنوب افريقي) والحائز على جائزة نوبل للسلام اجرى معه تلفزيون السودان مقابلة قصد منها المحاور ان يجره إلى ادانة الحركة الشعبية لتحرير السودان..فقال له لقد هزمتم نظام (الابرتايد) وحققتم نصراً عظيماً على التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا، فاحتفى كل العالم بذلك عندما غسل عاره من انتهاك كرامة الانسان ومن صلف أقلية بيضاء مارست كل انواع الاستعلاء العنصري... واسرائيل دولة عنصرية يتحدث قادتها عن (شعب الله المختار) ويرون في ذلك مبرراً للاستعلاء على الشعوب من حولهم والحركة الشعبية السودانية تستجلب سلاحاً من اسرائيل فماذا تقول في ذلك.؟.فأجاب القس ومن دون تردد : اقول ماذا تفعل بذلك السلاح، هل تستخدمه لغير اغراضها واهدافها التي اعلنتها..؟..ازعجت المحاور تلك الاجابة غير المتوقعة وهكذا اخفق في جر رجل دين عقلاني إلى مصيدة الاستعلاء المتخفي والمشروع السياسي المتهالك. الثانية: اسطورة ثلاثة ثيران احدها ابيض والثاني بني والثالث أسود هجم عليها اسد جائع فهربت إلى اقرب كهف وهمس الاسود للبني قائلاً أن الثور الابيض خطر علينا فقد يكتشفه الاسد لبياض لونه فأجدى بنا ان نتخلص منه ورموه فريسة للاسد الذي لم يكتف به وقفز الاسودعلى البني بحجة ان الاسد قد يراه فلم يكتف به واخيراً قفز الاسد على الاسود وبذلك افترس ثلاثتهم...اشار الدكتور منصورخالد إلى هذه الاسطورة وهو يحذر القوى السياسية من مغبة حل الحزب الشيوعي وكتب مقالاً دافع فيه عن الحق الديمقراطي لبقاء الحزب الشيوعي بعنوان أكلت يوم اكل الثور الابيض. الثالثة: وظف الدكتور عبدالله علي إبراهيم اسطورة فاطمة السمحة ليكتب ثلاثة مقالات من اجمل ماكتب في الادب السياسي تحذيراً لمن حلوا الحزب الشيوعي، وفاطمة هي البنت الجميلة التي تركها والدها وديعة عند اخيه وترك لها ثروة طائلة، فطمع العم في ثروة ابنة اخيه وقرر قتلها فهربت وطاردها وكلما ماكان يقترب منها تطلب من الارض ان تبتلعها فتختفي وتظهر مرة اخرى لتتواصل المطاردة إلى ان وصل والدها وطارد اخيه فلما اقترب منه طلب الاخ من الارض ان تبتلعه ولكنها لم تفعل فقضى الاب عليه وانقذ ابنته. تزامنت كتابة المقالين مع بعضهما فكانت مقالة منصور خالد على ما اذكر في احد المجلات المصرية ومقالات عبدالله علي إبراهيم في جريدة الميدان. لم احظ بمعرفة الدكتور منصور خالد على المستوى الشخصي واعرفه كما يعرفه كثيرون، وكما عرفه العمل العام كأحد النشطاء وعرفته الثقافة والفكر كواحد من فرسانها، غزير الانتاج مثير للجدل يقدم اطروحاته والقارئ الجاد لايستطيع عبورها دون ان يتوقف عندها كثيراً، كتاباته تتميز بكثافة المعلومات (التي اصبحت تهمة) وحسب علمي هو صاحب مركز للمعلومات في نيروبي ظل يستعين به معظم الباحثين عن معلومات دقيقة. سجل من التوثيق هو ماميز كل كتاباته وحواراته وفكره السياسي. كنا نقول في زمان مضى وضمن آخرين انه عميل للاستخبارات الامريكية والتعبير في اصله هو تعبير سياسي لايعني انه قد تم توظيفه في وكالة الاستخبارات الامريكية، ولكنا كنا نقول ذلك من مواقع الاختلاف في الرؤى ففي تقديرنا وقتها ان من يتحدث باعجاب عن الغرب والولايات المتحدة ولانستطيع استصحابه معنا في مشروعنا (عموماً) هو أحد المدافعين عن القيم الرأسمالية وبالتالي فافعاله وكتاباته يفيد منها النظام الرأسمالي وتلك كانت في تقديرنا من أهداف وكالة الاستخبارات الامريكية ومن كان يتعاون مع مجلة (حوار ) الثقافية أو يقرأ باهتمام مجلة En counter الانجليزية الثقافية ومن كان يتعامل مع مؤسسة فرانكلين للترجمة والطباعة فكنا نصنفهم بسهولة كعملاء للاستخبارات الامريكية.. وظل هكذا التعبير سياسياً يتعامل معه الجميع في هذه الحدود وفي تلك الأيام. لكن طالعتنا جريدة الانتباهة بعنوان بارز بأن منصور خالد عميل قديم للاستخبارات الامريكية منذ عام 1953م وهو طالب بكلية الخرطوم الجامعية في الصف الثاني من كلية الحقوق ونوهت إلى انها ستنشر وثيقة هامة في ذلك، وجاءت الوثيقة تقول: نقلاً عن سودانايل والتي ساهم (الطيب مصطفى) رئيس مجلس ادارة الانتباهة في حجبها وآخريات عشرات المرات وهو رئيس للهيئة العامة للاتصالات باعتبارها مصدراً لافساد الشباب والمواطنين السودانيين وامتداداً لحجبه بعض اجزاء من اجسام الممثلات بشاشته الالكترونية التي ابتدعها وهو مدير للتلفزيون خوف الفتنة كما قال.. وهاهو صديقه صديق محيسي يستعين بها لينقذه كما قال من ورطته القانونية فقد كان يبحث عن بعض مقالات كان قد كتبها الراحل صلاح أحمد إبراهيم يتهم فيها منصور خالد بالعمالة للمخبارات الامريكية وكتابات ايضاً للراحل السفير أبوسن وقال (صديقه محيسي) ان ما كتب لا يرقى أو يشكل دليلاً قانونياً حسب معرفته المتواضعة (للقانون) ..لكنه اكتشف وهو يوالي بحثه لانقاذ صديقه ان الباحث (الحفار) عبدالله علي إبراهيم اعد زلزالاً سياسياً سيزلزل بلا شك كيان منصور خالد الذي طالما انكر هذه التهمة وسفه الذين يروجونها عنه.. خطر ببالي تعبير جاء في احد المقالات المختارة للراحل الخاتم عدلان في الكتاب الذي صدر بعد رحيله (.فالمنفى وماهو الوطن) بين الدكتور عبدالله علي إبراهيم والاستاذ الشهيد عبدالخالق محجوب قال فيه: يريد عبدالله علي إبراهيم في مسيرته الهابطة ان يقنع الناس انه يسير في صحبة راقية (انتهى).. ويبدو انه عجز عن ذلك وتنكب الطريق فجل الذين يرون في عبدالخالق بطلاً اسطورياً انجبته معاناة حقيقية كانت مخاضاً لميلاد مؤسسة سياسية مهما كان رأي البعض فيها فقد قدمت لشعب السودان الوعي قدرما استطاعت. ان ما يكثر قوله عبدالله علي إبراهيم عن الشهيد واصراره المتواصل ان عبدالخالق شئ والحزب الشيوعي شئ آخر هي درجة من الاسفاف والابتزال..واراه مازال سادراً في غيه ويكابد ليصنع ايضاً خصومة راقية لكنها ساذجة.. الم يدرك بعد الدكتور (الحفار) ان وكالة المخابرات الامريكية هي احد مؤسسات الدولة الامريكية ومرتكزاً للادارات الامريكية التي يتداولها الجمهورين والديمقراطيون... وإن عميل المخابرات الذي تم اكتشافه وحوكم تصبح الحكومة الامريكية اكثر حرصاً على اعادته بأي ثمن لان هناك مالم يقله بعد ويمكن ان يضر بالوكالة التي هي بالطبع لم يتوقف نشاطها وحتى الآن..وخاصة مايمكن ان يقال عن صلة الوكالة بالزعماء ورؤساء الدول واصحاب المقامات الرفيعة حتى لايكتشف امرهم خاصة واذا كانوا ومازالوا في مواقع التاثير، وكذلك بسبب خشية آخرين من الارتباط بها وهي التي لاتحفظ سر علاقتهم بها.. ان كل مايقال عن الوثائق التي تكشف عنها الاستخبارات بعد كل عدد من السنوات لاتلغي بها نشاطها الاستخباري أو تبدأ بعدها من جديد لتؤسس مراكز للعمالة وافراد توظفهم لذلك وشخصيات كبرى لينفذوا مخططاتها في بلدانهم وآخرون تخادعهم بتثبيتهم في السلطة وبالدفاع عن استدامة حكمهم.. لكنهم بالتأكيد ومن دون سذاجة ورومانسيات غبية فهم لايقدمون معلومات تؤثر مباشرة على ادائهم في المستقبل خاصة اذا كان العميل المشار إليه أو الذي يمكن ان يعرضوا اسمه لكشف مازال يتمتع بمركز مؤثر يمكن الاستفادة منه في المستقبل ..فاذا باكتشاف الباحث (الحقار) ينسجم مع استنتاجاته لاسباب بالطبع غير رغبته في كشف شخص عميل.. فمنصور خالد كان عام 1953م طالباً في الصف الثاني في كلية الحقوق وزملاؤه من ابناء دفعته الآن محامون أو قضاة أو رجال قانون من اي درجة، لكنه اصبح وزيراً عدداً من المرات ومساعداً لرئيس جمهورية وتسنم مركزاً مرموقا في الأمم المتحدة وقدم للمكتبة الثقافية كتباً جعلته يعد من غلاة المثقفين والباحثين في الشأن السياسي والاجتماعي ومعروف عنه انه المستشار السياسي للراحل الدكتور جون قرنق وقد احتفظ بمكانه خاصة ووزن معتبر بين قادة الحركة الشعبية ورئيسها الحالي واصبح أحد مستشاري رئيس الجمهورية الشراكة وعضو في المكتب السياسي للحركة الشعبية والاحاديث تقول بأنه سيصبح وزيراً للخارجية قريباً وامامه الطريق سهلاً لتقلد أهم المناصب اذا اراد.. فكيف تغامر الاستخبارات الامريكية بكتابة اسمه ضمن أحد عشر لم يذكرهم الباحث ولعلهم مغمورين ..فكيف للاستخبارات ان تتطوع بالكشف عن عميل مازال في موقع يمكنها ان تفيد منه ثم تضع بسهولة اسمه في يد (حفار) صاحب غرض هو ان يستصحب خصومة راقية. لايهمني كثيراً موقف الطيب مصطفى من القضية فيكفي انه وفي مطلع الالفية الثالثة قد اختار موقف الاستعلاء العرقي والعالم قد شهد نظام ( الابرتايد) في الجنوب الافريقي ينهار على رؤوس المتطرفين البيض، وديكليرك يخرج من بينهم في شجاعة ليرتبط بتلك النقلة الشجاعة وينال جائزة نوبل للسلام مناصفة مع نيلسون مانديلا الرجل الاسطورة والحكيم الافريقي الذي قضى سبعة وعشرين عاماً في سجن منفرد وانتقل من السجن إلى الرئاسة وتخلى عنها بعد فترة واحدة لتتجدد دماء الحزب والدولة.. وفي نفس الوقت شهد العالم علو شأن حقوق الانسان والعهد الدولي التي شكلت منظماته الشعبية الطوعية مركزاً يهدد الاستبداد والاستعلاء والاستغلال...! واستقبل السودانيون زعيماً جاءهم من أحراش الجنوب ومن اسرة بسيطة فملأ ابناء السودان املاً في المستقبل والعدالة.. رغم كل ذلك فقد انجب الظلام والاستعلاء الزائف منبر السلام العادل احد فضائح من تصدوا باسم الرحمة والدين والقيم ليصبح اخطر دماميل (التقيح) التي تصيب المجمتع مؤججه للعصبيات القبلية والالفية الثالثة تتقدم والانسان يرقي إلى مرافئ الانسانية وهم يتردون إلى قاع اللانسانية. يهمني الباحث (الحفار) الذي ظل يتهاوى دون توقف ولنتعرف على اسباب مواصلة هجومه بداية هو مابثته وكالة الصحافة الفرنسية كما كتب (محيسي) (عاجل... عاجل وزير ومستشار سابق للنميري ينضم للمتمردين الجنوبيين) ..لقد كان الخبر في حجم شجاعة الرجل.. انهدش كثيرون لذلك وحسب البعض وعلى رأسهم (الحفار) انها الاستخبارات الامريكية تقدم رجلها لاختراق الحركة الجديدة في تناولها لقضايا السودان القطر الذي اكتسب اهميته من تقديرات صندوق النقد الدولي والذي اعتبره من اغنى الدول بالموارد الطبيعية..لكن الدكتور منصور لم يتوقف عند ذلك باعتباره صاحب المركز المرموق في النظام السوداني (مايو) وقد انضم إلى اهم واشرس خصوم النظام.. بل قدم د. جون قرنق إلى العالم بكتابه (قرنق يتحدث) ووالي كتاباته عن خطل الحركة السياسية وسياستها الخاطئة التي قادت إلى ذلك الحجم من التهميش وعند ذلك الاستعلاء الموروث الذي جعل ابناء الجنوب ومناطق التهميش الأخرى في درجة دنيا في السلم الاجتماعي وسخر منه كثير من المثقفين الذين شكلوا عقبة كأداء امام تطور السودان، قدم في كتبه العديدة سجالات وقراءة للحكم في السودان سجلت مادة غزيرة للمراجعة وقد يختلف أو يتفق معه وطنيون وناشطون ومهتمون بشأن القضية الوطنية ولكنهم لايستطيعون الاستخفاف بما كتب.. والاختلاف معه بالتأكيد لايشكل تهمة من اي نوع فقد كتب ليقارعه الآخرون بالعقل وليفيد من ذلك الوطن.. اذا فرضنا جدلاً ان منصور خالد كان منافحاً لفكرة التقدم وكان مقلداً ومعجباً مجرد اعجاب بالغرب بسبب عمالة أو مناكفة من اي نوع فما الذي يمنعه من ان يتغير فقد قال (لمحيسي صديق الطيب مصطفى) في لقاء صحفي تحدث فيه عن علاقته بجعفر نميري وكيف تركه وغادر السودان عندما اكتشف انه نظام استبدادي وقال عن محاولاته (الاصلاحية) التي لم تجد فتيلاً من ديكتاتور تحول إلى امام للمسلمين.. ورغم اختياره لهذه الاجزاء من اللقاء ففيها اعترف بالخطاء ومبرر للتحول، فما الذي جعل (الحفار) يتسامى من وجهة نظره ويتهاوى في نظرنا ويمنع منصور خالد ان يتهاوى في نظره ويتسامى في نظرنا..إنه يتحدث عن منصور خالد عام 1953م لكن كيف هو منصور خالد اليوم؟..وماهي اسباب ذلك (الحفر) الذي تواصل ولعل محاضرة الباحث (الحفار) التي قدمها في ابوظبي تشير إلى حماسة (كحفار) حتى وصل إلى مايريد... لخص الراحل الخاتم عدلان أهداف محاضرة عبدالله علي إبراهيم فيما يلي: *نحن في السودان الشمال ننتمى إلى الثقافة العربية الاسلامية وهي سوية يمتنع معها التمييز بين اي شمالي أو آخر، سواء كان يساريا أو يمينياً، حاكما أو معارضاً، غنياً أو فقيراً، مجاهداً من أجل المشروع الحضاري، أو مناضلا من أجل السلام، مشرداً عن الوطن أو ناهباً لثرواته، قاهراً لشعبه أو خارجاً من ذلك القهر، داعياً للدولة الدينية أو منادياً بالدولة العلمانية كلنا سواء، اخطاء قاتلة في حق الوطن فإننا نكون قد ارتكبنا تلك الخطايا حتى وإن كانت ضدنا، إذا شن عبود والصادق المهدي وعمر البشير الحرب ضد الجنوبيين فإننا نكون كلنا قد شننا تلك الحرب حتى وان عارضناها، ايادينا ملطخة بالدماء حتى وإن لم يطرأ لنا يوما ان نقتل احداً في الأحلام. وعقابنا جميعاً واحد لاننا مشتركون كلنا في الجريمة وبنفس المستوى، ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية مصلحة كل واحد منا هي الا يطالب بعقاب احد لانه ارتكب ذنباً في الجنوب لان العقاب سيطالنا جميعاً. * يقول عبدالله في تسويقه لفكرته السابقة (اصبحت السياسة تتكلم عن قطاع عريض، تتكلم الآن مش عن حزب كذا وحزب كذا ومن اخطأ في حق الجنوب وانما بتتكلم عن قطاع عن Raceعن عنصر ودامهم لانودي الوقت بداية دخول فكرة الـRace العنصر يعني تناولنا وفي نظرنا الثقافي والسياسي،يعني نحن كنا بنتكلم عن والله الخطة بتاعة الجمهوريين هي كانت افضل عن الجنوب وانو مثلاً اليسار كان احنى بالجنوب. اليسار الشمالي والجمهوريين الشماليين،لكن السيد الصادق، والنظر العام دي الوقت يقول نحن الشمال السوداني، تتعدد اللافتات والشمال السوداني واحد ، ودامهم لانو نحن دي الوقت بنتكم عن Race عن عنصر كمدخل لدراسة التعقيد الجاري في السودان ودا يزيل المزاعم الخاصة للجماعات السياسية الشمالية في اليمين إلى اليسار إلى الوسط على انها هي الفرقة الناجية في مسألة الجنوب: انا احسن من ديل، انا كنت قدمت الفكرة الفلانية والموقف الفلاني وكذا وكذا). * الفكرة الثانية المرتبطة بهذه هي ماقامت به الجبهة الإسلامية في الجنوب ليس أسوأ مما قامت به الاحزاب الاخرى وإن عذرها في ذلك الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعأً وحقيقة أن القومية العربية الاسلامية خلقت وطناً اكبر منها وحررته بطريقة خرقاء ومأذومة. * تبع من كون القومية العربية الاسلامية خلقت وطناً اكبر منها، وبصورة منطقية، ان تصغر وطنها ليتطابق مع ذاتها وان نترك ما ماعداه لمن لاينتمي إليها، وهي دعوة الانفصال، (يشارك عبدالله فيها عتاة العروبيين الاسلاميين وغلاتهم ويطابق مثل قتلت حمدي) . عبدالله من هنا ينطلق (حفره) فانضمام منصور خالد للحركة الشعبية لايتناسب مع دعوته تلك فلماذا لم يرتبك؟ كما يتصور هو ويتمنى ولايقول لا فرق بين كذا وكذا؟ ونحن لانقول ان موقفه ذاك عمالة لاي جهة يكون في مصلحتها اجزال العطاء..لكن هل في موقفه محاولة لتبرير واتساق مع حضوره لمؤتمر الانقاذ الأول؟... منصور خالد الذي يكتب العربية بجزالة ويطوع بلاغتها ليقول ان الثقافة العربية هي احد ثقافات التنوع لماذا لايصبح عروبياً متطرفاً ولماذا لايقترب من ذلك المثلث الذي صوره ذاك العقل الاستعلائي.. ما أدهشني حقيقة ان يرغب الدكتور منصور في ادانة قانونية لشخص كالطيب مصطفى رغم ان اي كلمة يقولها تدينه وأي فعل منه يشير إلى ضعف ايمانه بمساواة الناس (لافرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى)، وهو في كل صباح يؤجج العصبيات (فاعماله تدينه) وادانته في مواجهة من انتمى بشجاعة إلى قضية تعبر عن انسانية المجتمع وكرامة اهله وتمييز الناس بقدر عطائهم فذلك لايشكل اي إضافة للدكتور.. اما حديث (الحفار) عن سحب الشيوعيين لعميل المخابرات ان لا أقول نيابة عنهم لماذا؟ ولكني ذكرت انه كان تعبيراً سياسياً درجنا على قوله دون حذر ولما اصبح سفاهة كان لابد من ان نكون غير سفهاء فالشيوعيون والتقدميون والديمقرطيون والوطنيون مازالوا يحملون العربة الوية الوعي والدعوة الصادقة إلى العدالة والمساواة، اما من تخلى عنها ودون ان نبدد وقتاً في اتهامه فهذا شأنه..
http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147508448&bk=1
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الدتور الواثق كمير وحوار في حوار مع دكتور عبد الله علي إبراهيم
Quote: العدد رقم: الاربعاء 9170 2008-07-29 حلفاء وليسوا بخلعاء – حوار مع عبد الله علي إبراهيم (1)
ماذا يريد الشماليون: التفاعل مع السودان الجديد ام الانفعال به؟
حفزني لكتابة هذا المقال مجموعة كلمات رصينة للدكتور عبد الله على ابراهيم نشرت في كتاب له بعنوان (الثقافة والديمقراطية في السودان) صدر في عام 1996م وعلى وجه الخصوص تلك التي تناولت موضوعات (التعددية الثقافية) و(الغبن الثقافي) ومفهوم (الأفروعربية)، وتعرضت بالنقد الصارم لنهج نشر القومية العربية-الاسلامية عن طريق (الدعاة وليس الرعاة) وهو المنهج الذي يهدم وحدة السودان ونتجت بسببه حرب أهلية ضروس طال أمدها. ولا أهدف الى عرض مجموعة الكلمات هذه، ولكن ما يهمني هنا أمرين اولهما: أن الكاتب يؤرقه مستقبل السودان (ويظاهره في ذلك كثيرون) والذي في رأيه لن تشرق شمسه الا بالسهر على غرس الديمقراطية غرساً عميقاً في الوطن، كما لن تصان وحدته الا باعتراف بوجود قوامين ثقافيين على الأقل، او اكثر. بيد أنه يرهن هذه الوحدة بانصلاح حال (الجماعة العربية الاسلامية) وذلك بانفتاحها على الثقافات الاخرى ونشرها للدعوة بطريقة الرعاة وليس الدعاة، وبالأصالة عن نفسها وليس بالوكالة عن الغير انطلاقاً من موقع السودان (كثغر) أو (كرباط). وهو بذلك يحسب ان احتجاج الجماعات (الأفريقية) على واقع الهيمنة الثقافية والأشكال الاخرى من الهيمنة، وان جنح للعنف، ومن موقف مستقل عن اصلاح (الجماعة العربية الاسلامية) لنفسها، يضر بقضية التساكن القومي. ثانيهما: يجسد مثل هذا التناول سلوك نمط آخر من المثقفين الشماليين يتأرجح بين السلبية والتشكك نحو تجاه وحدة السودان ويوفر له الغطاء النظري والمفهومي، في وقت باتت فيه الدعوة للوحدة – ولو على أسس جديدة – تطرح بشدة من حركة شعبية مسلحة أخذت من جنوب السودان قاعدة لها منذ عام 1983م وبعكس ما كان يتم في الماضي، وما صاحب هذا التطور من ملابسات وتعقيدات. ويؤلف بين هذين النمطين من الشماليين (المثقفين) انهما يقفان عند حد (الانفعال) بهذه الوحدة دون (التفاعل الايجابي معها) وما اتقدم به من افتراض في هذه الكلمة وأسعى للتحقق منه، بإقامة الشواهد والبيانات، هو أن متطلبات التساكن أو (التعايش) القومي – على حد قول عبد الله علي ابراهيم – وإنجاز الديمقراطية تستدعي تجاوز محض (الانفعال) بالوحدة ويقتضي النزوع نحو (تفاعل) إيجابي بين كل جماعات السودان المتباينة أثنياً واجتماعياً وثقافياً والى نبذ الاستعلاء القومي والحط من حقوق الغير ومقدراتهم كشرطين أساسييين لأي حوار نافع بين هذه الجماعات. أصاب د. عبد الله وسد في نقده لمفهوم (الأفروعربية) الذي بشر الداعون له كتعريف لـ(ذاتية) و(هوية) سودانية جامعة تنصهر فيها كل المكونات الثقافية العربية – الإسلامية والأفريقية، فهو ينظر في تفحصه النقدي هذا، الى (الأفروعربية) كوجه آخر من وجوه الخطاب الإسلامي الغالب (إذ تتفق مع أكثر قسمات ذلك الخطاب محافظة وتبشيرية وهو نظرية السودان البوتقة التي تنصهر فيها كل المفردات الثقافية في ثقافية جامعة ما) ويصدق أيضا حين يرى ان خطابي غلاه الإسلاميين والأفروعربيين لا يختلفان – بصورة قاطعة – إلا في منتوج التمازج. فالتمازج القومي في نظر الغلاة سينتهي بشكل مؤكد لتبني (الجماعة الجنوبية) الإسلام والعربية لأنهما مميزان علويان مقابلة بملل الوثنية ورطانات العجم. فالتمازج في أفق الغلاة هو معسكر دعوة كبير لتغيير الملل واللسان، بينما يحتج (الأفروعربيون) بانه لسداد الأمتزاج يحتاج أهل الجنوب الى تقوية تأثراتهم بالعربية. وعليه يكون ناتج الامتزاج بين الجنوب والشمال إعادة لإنسان سنار، الذي هو أساس التركيبة الهجينة للسودانيين الشماليين. فمحصلة الامتزاج بين الجنوب والشمال في نظر الأفروعربيين ستكون بمثابة (طبعة لاحقة للسوداني الشمالي الذي لا عيب فيه حالياً سوى تجاهله لتراثه الافريقي). ورغماً عن سحر بيان الأفروعربيين وبلاغة خطابهم، نثراً وشعرا، فقد عجزوا عن استمالة (القوميين الجنوبيين) او غيرهم من (قوميات) الهامش للأخذ بهذه النسبة العربية المقترحة من مثل هذا البيان بجانب نسبتهم الأفريقية المؤكدة، حتى وأن ألزمتهم ضرورات التعايش القومي الى اكتساب اللغة العربية والإسلام أو بعض العادات العربية – الإسلامية. لذا تجدني اهتز طرباً لما خلص اليه د. عبد الله في اكتشافه أن أهدى السبل الى السلام والنهضة الثقافية في السودان هو الإقرار بقوامين، (او اكثر الثقافة السودانية، وقد تمتزج هذه القوميات وقد تتبادل التأثير والتأثر، مع احتفاظ كل منهما باستقلال الدينامية من حيث المصادر والترميز والتفوق. وازداد طربا وتغمرني نشوة عارمة من دقة تحليل د. عبد الله وصرامة كلمته حول العربية والاسلام في السودان بين الدعاة والرعاة، اذ يقول ان الدعوة للعربية والإسلام، كما رسمها منهج الدعوة القومية والإسلامية تعاملت وتتعامل، معه الجماعات الأفريقية المساكنة لنا في الوطن كرجرجة بلا ثقافة ولا دين، كما اتصلت باجراءات الدولة الوطنية لتحطيم المقومات اللغوية والدينية لهذه الجماعات لتستبدل لغته باللغة الصواب (العربية) والدين بالدين الصحيح (الإسلام) وعلى حدة تعبيره (ترتب على هذا الموقف ان نشأ سوء تفاهم أصيل بين الجماعة العربية الإسلامية والجماعات الأفريقية في السودان، وهو سوء التفاهم الذي تفجر في حرب أهلية متصلة ومنقطعة طول الثلاثين سنة الأخيرة منذ نيل السودان للحكم الذاتي في 1954). ويستطرد د. عبد الله في هذا المنطق العقلاني والتناول الموضوعي فيشير الى انه اصبح من الصعب عند الكثيرين ممن تشربوا وظيفة الدعوة القومية العربية والاسلامية ان يوازنوا بين مهمتهم كرجال دولة مسئولين عن جماعات وطنية متباينة الثقافات وبين مهمتهم كدعاة دعوة مخصوصة وكثيراً ما تغلب الداعية على رجل الدولة، وهذا يفسر التوتر بل الاخفاق الذي لازم بناء الدولة السودانية لعقود ثلاثة ويستشهد في ذلك بحديث لدكتور جون قرنق (بالرغم من ايراده لهذا الحديث كزعم مما يحمل مضامين استعلائية) قال فيه: ( ان رجال المجلس العسكري الذين حكموا البلاد بعد سقوط نميري بفضل ثورة ابريل 1985 أرادوا استرداد مدينتين كان جيشه قد سبق واستولى عليهما وقد اراد المجلس في زعم قرنق، ان يسترد المدينتين قبل بدء مفاوضات (كوكا دام) الشهيرة ولغاية هذا الاسترداد زعم قرنق ان رجال المجلس العسكري توجهوا الى اقطار عربية مجاورة ليقولوا ان العروبة والاسلام في خطر من جراء نشاط حركته واضاف قرنق (انتبهوا فليس السودان هو الذي في خطر، ان الذي في خطر هو الاسلام والعروبة). أراد قرنق ان يقول: ان العروبة والاسلام هما بعض فعاليات السودان لا الفعالية الوحيدة (او الفعاليتين الوحيدتين) في السودان. وهذا بالضبط ما توصل اليه د. عبد الله نفسه من نقده لأطروحة (الافروعربيين) اذ يقول بالنص (ان اهدى السبل الى السلام والنهضة الثقافية بالسودان هو الإقرار بقوامين أو اكثر للثقافة السودانية) كما فصلنا آنفاً. والافتقار للرؤية التي تشيد علي، وتتمسك بهذا التنوع المضاعف ومتعدد المكونات من طرف النخب الشمالية خصوصاً تلك التي توالت على مقاليد الحكم، أفضت الى مأساة تسببت في حربين أهليتين استنفذتا 30 عاماً من عمر استقلالنا. وتشكل هذه الرؤية الأساس لمفهوم (السودان الجديد) الذي يبشر به السيد قرنق زعيم ما يسمى بجيش تحرير السودان كما يفضل ان يخاطبه د. عبد الله على ابراهيم. فأين موضع الخلاف بين الاثنين أذن؟ بينما يتفق د. عبد الله على حد قوله مع قرنق في مظالمه فهو يختلف معه في جملة تكتيكاته. هذا اختلاف مشروع ولكنه لا يفصح عن ما هية هذه التكتيكات. هل هي اللجوء الى خيار العمل الشعبي المسلح لدفع هذه المظالم؟ ام ان مصدر الخلاف هو أن سيد قرنق توصل لنفس النتائج وسبق د. عبد الله في الاسنتساخ قبل ان يكتب الأخير كلمته هذه؟ أم هل ان الرأي الذي يأتي من (الغير) أي من (الجماعة الأفريقية) بلغة د. عبد الله – مهماً كان سديداً – لا يستساغ كما يصعب هضمه ويصبح غصة عالقة في الحلق؟ يبدو أن د. عبد الله يريد من قرنق ان يكتفي بعرض حال المظلوم دون ان يتبعه بتكتيكات – لا تحوز رضاء الدكتور – لدرء الظلم وتثبيت قواعد العدل في سياق بناء (السودان الجديد)، بل يأمل في ان يرجئ قرنق تكتيكاته حتى تتهذب الجماعة العربية – الإسلامية كشرط لتحقيق التساكن القومي. وتقوم خطة د. عبد الله على حض هذه الجماعة (للتعرف على اشكالات وجماليات وسياسات هذا التبيان القومي الثقافي) وذلك بدلاً من الاكتفاء بملاحقة الجماعة الافريقية لتبديل جلدتها الثقافية او ليقبلوا صاغرين درجة ثانية من المواطنة في بلدهم. فهو بذلك يترك أمر معالجة تعدد القوامات الثقافية والتنوع القومي لهذه الجماعة (العربية – الاسلامية؟) التي يتوخى فيها، بعد ان تعدل من حالها، ان تتبع منهجاً تستقي به خبرة الإسلام والعروبة لتبني، بفراسة وفطرة، الوطن (العربي – الافريقي) المتباين الشائك في السودان. وهذه خطة سلبية ومنحازة لا تنفذ الى، ولا تصل لمعالجة واقع الهيمنة الذي تعيشه الجماعات غير العربية – الاسلامية بفعالية وفاعلية. حقا ان من البيان السحر!!! فدكتور عبد الله يدرك جيداً انه لو ترك القطا ليلا لنام (يضرب مثلا لمن حمل على مكروه الى غير ارادته ولمن يستشار للظلم فيظلم). ويعيب د. عبد الله تكتيكات قرنق لميلها في كشف المستور في قماشة علائقنا الاثنية العرقية الاجتماعية والثقافية. وقد أصاب د. فرانسيس دينق حين قال: (تكمن مشكلة السودان في ما لا يجاهر به اكثر مما في ما يفصح عنه). فمن جهة ينتقد د. عبد الله الجماعة العربية – الإسلامية في تعاملها مع الدعوة بالوكالة لحاجات الجهاد والتبشير الخارجية بدلاً من الانطلاق من وجودها في السودان بالأصالة، ومن جهة اخرى يوكل لذات الجماعة (من موقع الاصالة) مهمة القيام بحل مشكل التساكن القومي بالإنابة عن الجماعة الأفريقية. وينطق هذا الموقف عن استعلاء علي، وعداء بينين لهذه الجماعة (الجماعات) وينم عن إغفال لحقوقها المتساوية مع الآخرين في المساهمة الفاعلة لإعادة صياغة وبناء وطن يتعايش فيه الجميع طواعية وبدون قسر او إكراه. ومن جانب آخر يغيب عن د. عبد الله أو يتجاهل متعمداً أن مسألة التساكن القومي والحوار حول أفلح السبل لحلها في جوهر قضية سياسية تخضع للجدل والصراع حولها ديمقراطياً بما يجنب وطننا حرباً ضروس طال أمدها. وبإغفال الطبيعة السياسية للاصطراع الثقافي بين الهويات (العربية – الإسلامية والافريقية) يتحول د. عبد الله إلى داعية لإصلاح منهج الجماعة العربية – الإسلامية في التعامل مع الجماعة الافريقية. فهو يفزع ويصيبه جزع من تحالف سياسي يقيمه من يسميهم باليساريين والليبراليين مع الجماعة الأفريقية (وهو يشير الى الحركة الشعبية لتحرير السودان) مطلقاً عليهم تعبير ( الخلعاء) متضامناً مع وصم السلطة السياسية لهم ب(الطابور الخامس) أو (العملاء) وهو يصف هذه الفرق بـ(الخلعاء) لأنها – في ظنه – تحمل على الثقافة العربية، بحق وبغير حق (وأنهم) لوثوا بيئة التفاعل السياسي في تحالفات غير مدروسة مما حوله الى ضغينة لا براء منها. ولا تغيب على فطنة القارئ أن د. عبد الله يقيم استنتاجه هذا على قراءة غير صحيحة لموقف هؤلاء (الخلعاء) أو بلغة السلطة (أو الغلاة من الجماعة العربية – الإسلامية) الطابور الخامس. فهو يجزم – خاطئاً – ويتبع الدلو بالرشا ان هذه الفرق الخلعاء تعتقد (ان لا سبل الى صلح ثقافي في السودان الا بأن يخلع العرب المسلمون في السودان مداراتهم الثقافية التاريخية التي تنزع فطرياً للغلبة والسيادة ولا ترضى بدونهما ويكون بذلك قد خالف الحقيقة واضحى اسيرا للظنون. فلا الحركة الشعبية ولا من ناصرها يدعون الانتماء الى جماعة افريقية بل هم سودانيون يأملون في التعايش مع سودانيين آخرين يشاركونهم في المواطنة ويختلفون عنهم في الثقافة، ويحلمون بهوية (سوداناوية) تتعدد وتتنوع قواماتها يفخرون بها ويدافعون عنها أمام الآخرين عرباً كانوا أم أفارقة. فهؤلاء ليسا (بخلعاء) إنما (حلفاء) اختاروا بالفحص والدراسة ان يتفاعلوا بصدق ولا يكتفوا بـ(الانفعال) مع خطاب الحركة الشعبية حول (السودان الجديد) وهو المفهوم الذي صادف صدى طيباً لدى هذه (الفرق) وخاطب وجدانهم ونفذ الى عقولهم لامتيازه وتميزه على كل ما هو مطروح من كلتا الجماعتين العربية – الاسلامية والافريقية، في تشخيصه ورؤيته (للمشكل السوداني) برمته، كما انه يتفوق على كل ما خبرناه من مناهج ومسالك (السودان القديم). ولا يعني، بأي حال من الاحوال، ان هذه المجموعات في تحالفها مع الحركة الشعبية قد خلعت رداء ثقافتها العربية الاسلامية المستمدة من وجودها الاصيل بالسودان او بدلوا هويتهم بل قصدوا مناصرة الدعوة الى بناء (سودان جديد) يقوم على تعدد وتنوع ثقافي يتجاوز واقع الهيمنة الثقافية السائد وينبذ كل ما يلازمه من أشكال اخرى للهيمنة لمجموعة بعينها تمثل ثقافتها احدى، وليس كافة مفردات النسيج الثقافي السوداني بكل تعقيداته. ولا تقوم هذه المناصرة على نزعة انتهازية غايتها المكسب السياسي انما هي مشايعة على مبدأ رفض كل اجناس الهيمنة والسطوة والاستعلاء الشوفيني، كما لا يطعن هذا التحالف في الثقافة العربية الإسلامية او ينتقص من مكانتها وثراء مكوناتها إنما يفضح خطة جماعة بعينها تبشر بها وتروج لها وهي في فعلها هذا تخلط خلطاً شائها بين مهمة (الداعية) ودور (رجل الدولة) في وطن تتعدد القوميات وتتنوع فيه الثقافات. وان كان د. عبد الله حقيقة – كما يزعم (يحتضن في عرضه عناصر المستقبل والخير في العلاقات التي يتحراها حتى يقدم صورة للمستقبل الرازح في عنت الماضي والحاضر لكان خليقاً به ان يحتفي ويحتفل بهذا التحالف الذي يرمي الى تأسيس بيئة ديموقراطية تتفاعل في سياقها كل القوميات والثقافات المتساكنة في الوطن ولكن ليس بخلع ثقافة فريق لمصلحة فريق آخر بعرض تحقيق مآرب سياسية آنية كما أنه ليس بتحالف هاربين – وهي عبارة خلعها د. عبد الله على الأفروعربيين – وأقول له وان يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر (فان ظلمك قومك لا يظلمك القمر فانظر يتبين لك الأمر والحق). ونزوع د. عبد الله في وصف المتحالفين مع الحركة الشعبية بـ(الخلعاء) لا يستقيم ولا يسوغه الحس السليم الا بانتزاع هذا التحالف من مناخه وسياقه السياسيين، اذ انه من المفارقة ان ينشأ بعد استيلاء الجبهة الاسلامية على الحكم، تحالف في شكل التجمع الوطني الديموقطراي، بين القوى السياسية التي تستمد شرعيتها تاريخياً من الثقافة العربية والإسلامية، من جهة، والحركة الشعبية، من جهة اخرى، نبذ الهيمنة بكافة اصنافها وأقر التعددية القومية والتنوع الثقافي. هل تستوي كل هذه القوى مع(الطابور الخامس) وهل يحمل د. عبد الله نفسه الى تسمية كياني الختمية والأنصار وحزبيهما السياسيين: الاتحادي الديموقراطي والأمة بـ(الخلعاء)؟ وأين العيب وما وجه الضغينة في ان يجتمع ابناء وبنات الوطن الواحد في جبهة او تحالف سياسي واحد يكفل تفاعل الثقافات ويصنع مستقبلاً دأبه التفاؤل بالتعدد والتنوع؟ وماذا عن الجبهة الاسلامية التي ما فتئت تتباهى وتفتخر بان عضويتها تضم عبد الله دينق وكبشور كوكو وتتحالف مع رياك مشار وكاربينو كوانين بول؟ فكيف يبرر د. عبد الله موقف هؤلاء جميعاً مع هذا التحالف (الخلع) ولو كان عارضاً؟ وهو الذي يستشهد بأقوال الغلاة من الدعاة الإسلاميين وعلى راسهم الشيخ الترابي والذين ينظرون لمثل هذا التحالف كـ(مجرد حيلة في علم الحيل)؟ اذن، نحن جميعنا ولو اختلفنا في الدرجات إما أن نكون خلعاء أو حلفاء!!
http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147507270&bk=1
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الجزء الثاني والاخير من حوار دكتور الواثق كمير مع دكتور عبد الله علي إبراهيم :-
Quote: حلفاء وليسوا بخلعاء – حوار مع عبد الله علي إبراهيم (2)
ماذا يريد الشماليون: التفاعل مع السودان الجديد ام الانفعال به؟
يغمط د. عبد الله الحركة الشعبية لتحرير السودان حقها في قلة اعتداده بتحالف (العربو- إسلاميين) معها في التطلع الى قامة سودان تتعدد فيه القوامات الثقافية مع احتفاظ كل منها باستقلاله ويدنمايمته، بينما يقصر هذا الحق على (الجماعة العربية – الإسلامية) بدعوتها للانفتاح على الثقافات المتباينة في السودان، اذ يوحي باستعلاء بائن بأنها الجماعة الوحيدة المؤهلة للمبادرة والقيادة. ومن شب عن طوق هذه الجماعة (المنصلحة) وتحالف سياسياً مع (الجماعة الإفريفية) - أي الحركة الشعبية – فهو مارق وخالع لردائه الثقافي. فهو أولاً: يفرغ كل دعوات تشكيل تكوينات سياسية قومية القوام والوجود والانتشار – بغض النظر عن أشكالها – من محتواها. وثانياً. ان كانت هذه خطة يائسة تهدف الى دس العلمانيين (ذوي الاصول العربية – الإسلامية) مشروعهم بالتستر وراء الحركات الأفريقية كما يزعم د. عبد الله (مظاهرا في ذلك الشيخ الترابي)، فهو يقنع بالوقوف (لفظياً) مع تظلمات هذه الحركات دون يهدينا الى بديل لتفاعل مرغوب ومطلوب بين الثقافات المتباينة. ثالثاً: يعتبر د. عبد الله، خلافاً لما يدعي ويرمي به الآخرين، ان هذا التحالف او التفاعل يمثل تهديداً للهوية العربية الاسلامية في نزوعها (الفطري) للسيادة والغلبة والتي لا ترضى بدونهما. وبهذا المنحى المثير الخطر يوفر د. عبد الله الغطاء النظري والمفهومي والمنهجي لقطاع عريض من الشماليين (مثقفي القوى الحديثة) ممن يشهرون حماساً وانفعالاً ملحوظين بمفهوم (السودان الجديد) الذي تطرحه الحركة الشعبية بينما يفشلون في مد الجسور معها، بيد أنهم ظلوا عاجزين تاريخياً عن بناء تنظيمات سياسية تتمتع بنفوذ شعبي مستقل. ومع انفعال التنظيمات السياسية المنتسبة لهذه (القوى الحديثة)، والتي تنشب من حين لآخر هنا وهناك وتتخذ أشكالاً متعددة، بهذا المفهوم، إلا أنها تتفاعل سلباً مع الحركة الشعبية وتنظر الى ما تطرحه بشك وريبة، كما أنها تتوجس من نوايها ودوافعها وتحط من شانها ومقدرتها على المبادرة – ولو ضمنياً – ولا يتقبلون مجرد احتمال قياداتها. وكما قال د. جون قرنق أن الحركة الشعبية لو قدر لها ان تنطلق من جهة ما في شمال السودان وبنفس برنامجها وتوجهها القومي (المشكوك فيه) لو جدت ترحيباً منقطع النظير ولسقط النظام في الخرطوم منذ وقت طويل. وكما أشار د. منصور خالد لو كان (قرنق يدعي حامد ابو قناية (او حتى حسن بطري) لما تساءل الشماليون: من هو؟ ولما اختلفوا حوا ماذا يريد؟). ضعف القدرة على التفاعل: فهذا الموقف الذي يتخذه الشماليون (مثقفو القوى الحديثة) وتنظيماتهم حيال الحركة الشعبية يصيب المرء بدهشة وخيبة ظن. وان لم يكن هذا الأمر محيراً فيبدو أنهم (أنفسهم) في حيرة من أمرهم وفي ماذا يريدون؟ هل محض (الانفعال) بالسودان الجديد كما تؤكد أقوالهم أم (الفعل القاصد) والذي يفتقر إليه سلوكهم؟ وربما يكمن تفسير هذه الحيرة وهذا التردد في انكفاءهم الملحوظ على ذواتهم في تنظيمات صغيرة صفوية ومغلقة، تهاب الانفتاح وتشعر بخطر يهدد وجودها ان تفاعلت مع المبادرات التي يقدمها (الغير). وسأسوق في ما يلي عددا من الشواهد التي تقوم على بينات تكشف عن هذه الحيرة وضعف القدرة على التفاعل. أولاً: بدأت الحركة الشعبية لتحرير السودان عملياتها العسكرية في (1983) في وقت تزامن مع فرض قوانين سبتمبر الشوهاء وبداية تصاعد متعاظم للحركة الجماهيرية في شمال السودان وخصوصاً وسط قطاعات القوى الحديثة (النقابية). كانت يومها الأبصار شاخصة الى ميدان تلك العمليات العسكرية والآذان صاغية الى إذاعة الحركة وكانت القلوب تخفق والألسنة تردد ان الجنوب هو مقرة الأنظمة العسكرية والشمولية، ولم يمض وقت طويل حتى تبين ان تلك الأبصار لم تبصر شيئاً وان الآذان لم تصغ جيداً، إذ كان ( كل في فلك يسبحون). فبينما لقيت دعوة الحركة الى سودان موحد – ولو على أسس جديدة – استجابة وصادفت هوى في نفوس مثقفي القوى الحديثة في الشمال، اقتصر اهتمامهم على ما يحققه الجيش الشعبي من انتصارات والتي نظر إليها كمجرد عامل مساعد (او الحافز الذي ينتهي دوره عن حد التأثير على الأحداث دون ان يكون محركاً او صانعاً لها). لذا لم تتمعن هذه القوى جيداً في مضمون هذا الخطاب الجديد ولم تلتفت الى اهمية وضرورة التنسيق مع، او اشراك الحركة في صياغة برنامج ووضع منهاج وطة عمل لتحقيق هذا (السودان الموحد الجديد) في أعقاب سقوط نظام نميري، بل اكتفت بكتابة ميثاق والتوقيع عليه بتعجل مع الأحزاب السياسية في الشمال جاءت اجندته محدودة الأفق وبنوده فضفاضة تحمل أكثر من معنى وتخضع لأكثر من تفسير. وظنت هذه القوى لما اعترتها من نشوة عارضة انها امتلكت زمام الامور الى ان فوجئت بان السلطة الفعلية قد انتقلت عن طريق الانقلاب العسكري لرجال الصف الثاني من العسكريين لنظام مايو ومن ثم الى ذات القوى التي دفعتهم لاطلاق صفة (الحداثة) على أنفسهم بقصد التميز عن هذه القوى والنكاية بها. وبدلا عن مراجعة مواقفهم وتقويم خطأهم في التكتيك وتقييم مقدراتهم الموضوعية والذاتية في موازين القوى السياسية، وعوضاً عن تقديم اجابات مقنعة، راحوا يطرحون أسئلة ليتهم لو وجهوها الى أنفسهم عشماً في ان تزيح عنهم عجز فاضح في القوة والتنظيم. أولا:ً لماذا لم يعهد قرنق الى الخرطوم؟ (ومن منظورهم أن ذلك كان من شانه أن يحدث تغييراً في موازين القوى)، ثم ماذا يريد قرنق ان يحررنا منه؟ وطوال فترة ترقبتهم ومتابعتهم لأخبار العمليات العسكرية لم تروادهم أو تخطر على بالهم فكرة الاتصال بهذا (القارن) (الذي معه السيف والنبل) لمعرفة ما يبتغيه بالضبط، دعك عن التنسيق معه في الشان السياسي، وان فعلوا ذلك لأصبح السؤال نافلاً وبغير ذي معنى او موضوع. فالإجابات على مثل هذا الضرب من الأسئلة لا تقوم الا على استماع وحوار جيدين وبدون ذلك تصير مثل هذه الاسئلة مماحكة لا طائل فيها ولا منفعة. فقد سكب فيها حبر ممدود ودارت حولها أحاديث مطولة لا مكان لاجترارها في هذا المكان. وما يهمني هنا هو التنبيه الى ان هذا المنهج، وهو ياتي من قوى الحداثة يعد مثالاً في عدم المصداقية وينطق عن استهانة بقدرات الآخرين وانتقاص من مكانتهم وهو في نهاية التحليل لا ينفع قضية الوحدة الوطنية وبناء السودان الجديد بل يلحق بها ضرراً بالغاً. ثانيا:ً دعاة قادة انشقاق الناصر الذي وقع في صفوف الحركة الشعبية سبتمبر 1991م الى فصل الجنوب، ضمن مطالب أخرى داخلية تتصل بالحركة بدعوى عدم واقعية السعي لإقامة سودان موحد والحركة تخوض حرباً طال أجلها ويقدم فيها الجنوبيون الضحايا والتضحيات بينما يقوم الشماليون بدور (الفراجة). وفي أعقاب ذلك مباشرة خرج اجتماع لقيادة الحركة بما سمى وقتها بـ(مقررات توريت) والتي هدفت الى ترتيب اوضاع الحركة ومعالجة ما ترتب على الانشقاق والتي أثارت ولأول مرة قضية حق تقرير المصير، وحينها قامت الدنيا ولم تعقد من طرف القوى السياسية الشمالية وانزعجت بعض دوائر المثقفين الشماليين (المحسوبين على القوى الحديثة) وساد جو من الإحباط إذ قرأ البعض القرارات كتراجع في موقع الحركة من السودان الموحد واعتبرها مجموعة من الاجراءات التي تمهد تدريجيا لتكريس واقع الانفصال. وقد كتبت حينها كلمة (الوفد، 9 اكتوبر 1991) قلت فيها (أولاً)، ان ما جاء في مقررات توريت لا يفصح عن تديل في موقف الحركة انما الجديد هو الدعوة للانفصال داخل صفوفها وفي ظل متغيرات إقليمية ودولية مما يستدعي وبالضرورة الاستجابة الموضوعية لهذا الواقع وتفصيل تكتكات تصون التوجه الوحدوي للحركة، ثانيا:ً ان الدعوة للانفصال تعتبر اختباراً حقيقاً لمصداقية كل القوى الوطنية (الشمالية) من قضية وحدة السودان القائمة على العدل والمساواة وعلى طواعية الاختيار، ثالثاً: عمل هذا التطور على نقل قضية الانفصال الى شمال البلاد، فالسؤال الذي يطل برأسه الآن لا يدور حول إمكانية فصل الجنوب فحسب إنما عن دور الشمال وقواه السياسية في التصدي لمثل هذا الاحتمال وفي مساندة قيادة الحركة لإضعاف هذا التيار ومن ثم خلق حركة سياسية عريضة تؤمن بالوحدة القائمة على الديمقراطية والعدالة. اوحى الاستهجان الذي قابل به نفر كثير من المنفعلين بالسودان الجديد، مقررات توريت بان مسألة وحدة السودان أمر يخص الجنوبين وحدهم وكأنما الدعوة للانفصال لم تجد لها قوة دافعة في ممارسات الشماليين ونخبهم. فهؤلاء المستهجين لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء التساؤل عن لماذا تنامي تيار الانفصال ابتداءاً؟ واستطرداً، قلت وقتها أيضا ان الموقف السياسي النظري الذي يقف عند حد الاسنتكار وإصدار بيانات الشجب والإدانة لا يتناسب مع ضخامة الحدث المتفجر حول وحدة السودان القومية، إنما علينا نا نتخذ مواقف أكثر عملية على صعيد العمل السياسي بكل أشكاله التنظيمية والتعبوية. رابعاً: وان كان ذلك في عام 1991م فقد صدق حدسي اذ لم تتنكب الحركة الشعبية – بالرغم من مقررات توريت التي أثارت الشكوك وأيقظت كوامن الثقة المفقودة (المتبادلة) – عن طريق السودان الجديد او الوحدة القائمة على أسس جديدة وفي سياق أوضاع تعاظم فيها التيار الانفصالي. وأطمأنت القلوب ولو قليلا، وبدأ كثيرون يتفهمون بموضوعية ممارسة حق تقرير المصير كآلية تحقق التساكن القوي ديموقراطرياً وعن اختيار طوعي وليس وحدة قسرية تفرض بالقوة كدأب السودان القديم. وخليق هنا ان نحيي التجمع الوطني الديمقراطي وقواه الوطنية القمين (خصوصاً الامة والاتحادي) على إعادة قراءة التاريخ بصدقية وجرأة شديدتين إذ تضم قواعدهما من يحسب الانفصال كفراً وخروجاً على الملة. أيقنت هذه القوى أن في ممارسة حق تقرير المصير، مع تقديم خيار الوحدة، ودعم كل فصائل التجمع له بما في ذلك الحركة الشعبية، الصيغة الديموقراطية الوحيدة التي تضمن وقف الحرب وإحلال سلام دائم وعادل. وتشكل مقررات اسمرا برنامجا قومياً يجمع كل هذه القوى للعمل على تهيئة مرحلة انتقالية تتسم ملامحها الرئيسية بتوفير اكبر قدر من الديموقراطية التي تقوم على التعددية واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون وتمهد للانتقال من السودان القديم الى السودان الجديد. غير ان بعض شرائح القوى الحديثة – او من ينطق باسمها – ما زال يعيب على الحركة الشعبية تحالفها مع باقي القوى الوطنية في اطار (التجمع الوطني) ظنا بان لكل منهما اجندته الخاصة التي يسعى لتمريرها، ولذا يرتابون في أمر هذا التحالف (الغير مقدس) في نظرهم. وحتى وان صح توجسهم، فان انفعالهم بالسودان الجديد لا يخلو من اجندة خفية. فهؤلاء يعتقدون بشدة بانهم – وهم مخطئون ويستندون على تقييمات ذاتية – الورثة الشرعيين للقوى التقليدية الشمالية وياملون ان يعملون على نفيها وعزلها عن جماهيرها بعد ازاحتها عن السلطة في السودان الجديد والذي لم يفلحوا بعد في تعريفه وتحديد هويته. وفات عليهم ان هذه القوى التي يطمحون في وراثتها – وهي ما زالت على قيد الحياة – تستند على قاعدة اجتماعية عريضة وصلبة لا ينكرها الا غافل أو مكابر وستظل باقية حتى بعد زوال نظام الجبهة الاسلامية. فان كانت هذه الشرائح تتمثل – حقيقة – لقواعد المماسة الديموقراطية والتعددية فلتلتقي مع باقي (قوى السودان الجديد) في منبر مشترك وليس في تنظيم سياسي مواز للتجمع الوطني او مناهض له او تحت ستارة ولتهيئ نفسها للمنافسة الديموقراطية في التبشير ببرنامجها لـ(السودان الجديد) والترويج وكسب السند والتأييد الشعبيين له. مصداقية الحركة الشعبية:
رابعاً: يعضد اعتقادي في ارتياب بعض اقسام القوى الحديثة من الشماليين في مصداقية الحركة الشعبية وجديتها في التعامل مع هذه القوى، موقف هذه الاقسام من مبادرة الحركة التي اطلقت عليها اسم لواء السودان الجديد (فبراير 1995). لا يجرؤ احد على القول بان المبادرة تخلو من العيوب سواء في محتواها او اسلوب اخراجها او الطريقة التي اعلنت بها أول الامر. الا ان الدفوع التي تقدمت بها هذه الاقسام، حتى بعد تعديل وثيقتها الأساسية والتطو الذي طرأ عليها نتيجة لإَضافات نفر من اصحاب الرؤى، وبالرغم من موضوعية بعض هذه الدفوع، الا انها في نهاية الامر، تركت جوهر المبادرة المطروحة جانباً، واخذت من الشكل موضوعا.ً وما استشفيته من حوارات متعددة حول المبادرة، مع مجموعات وافراد، وما خرجت به من استنساخ قوي فكرت فيها ملياً، اما ما يقف مانعا لاستيعاب المبادرة او قبولها – وفهما في سياقها الصحيح – لا يكمن في ان الحركة الشعبية ليس بالمثال الديمقراطي، او انها حركة قومية، جنوبية دينكاوية او انها تسعى لابتلاع قوى السودان الجديد في الشمال، كما زعم الكثيرون في هذه اللقاءات (وانا هنا لا أهدف الى مناقشة هذه الحجج او تقنينها، فهذا موضوع انوي التطرق له في كلمة اخرى) انما يتملكني يقين قوي بان عقول المثقفين الشماليين لم تزل جبيسة لمفهومي (الحداثة) و(التقليدية) في سياق تطور الحركة السياسية في شمال السودان، كما أنها لا تقبل بان يكون مصدر التغيير وقيادته من الجنوب او من مكان آخر بالسودان لم تألفه القلوب. وتأبى هذه العقلية بصلف ان تراجع مثل هذه المفاهيم او ان تتراجع عنها، بينما في نفس الوقت تهتف بـ(السودان الجديد) وتنادي به. وما لم تدركه هذه العقول ان مفهوم (السودان الجديد) والقوى المكونة له لا يتطاق او يتماثل مع مفهوم (السودان الحديث) وقواه. وان كان أمر القيادة هو ما يؤرق القوى الحديثة فقد كان من الممكن وفي أكثر من لحظة في تاريخ السودان ان تتصدر هذه القوى حركة التحول عن جدارة. ولكن لضعف في النظرية وخطأ في المنهج والتكتيك لم تعد هذه القوى تمتلك القدرة على التغيير- إلا بقدر حجمها ونفوذها الحاليين – ولكنها في ذات الوقت ما فتأت تلفظ وبعنت وغرور شديدين مبادرات الآخرين من السودانيين والتي، في نظرها، لا تتعدى ان تكون عرقية، قبلية، غير ديمقواطرية ومعادية للعروبة والإسلام. قصدت بهذه الكلمة عرض وفضح موقف نوعين من المثقفين الشمالين، يجمع بينمهما الاعتراف بتعدد القوامات الثقافية والقومية والتوق الى سودان موحد. كما يؤلف بينهما ان ميلهما لهذه الوحدة، من واقع سلوكهما تجاهها وفهمهما للواقع السياسي، لا يعدو ان يكون انفعالاً لا يرمي الى التفاعل ولا يرقى الى الفعل القاصد واللذان بدونهما لن نفلح في تخطي السودان القديم والا الشروع في بناء السودان الجديد، بل في نهاية التحليل سينتهي بنا الامر الى سودانات متعددة. كما لن يتسنى لنا الانتقال من حالة الانفعال الى جنس الفعل القاصد الا بالتفاعل الحقيقي من خلال الممارسة والعمل المشترك بين قوى السودان الجديد في شمال الوطن وقوميات السودان المتباينة في الجنوب ومناطق الهامش الاخرى. ولن يتأتى ذلك إلا بإقرار مسئولية السياسات الخرقاء التي خطتها حكومات الخرطوم المتعاقبة وسلوك بعض الشماليين في تعاظم المد الانفصالي، من جهة، وضرورة مشاركتهم في تحجيمه ولجمه، وذلك بمد الجسور الى الحركة الشعبية والحركات القومية في مناطق السودان الاخرى، من جهة اخرى. وانها لخطة بائرة وطريقة يائسة ان نظل نردد ما ملته الاسماع منذ عقود: ان هناك عوامل تاريخية لها طابع عرقي – اثني وثقافي واجتماعي – ظلت تحول دون التقاء الشمال والجنوب، وتشيع جوا من فقدان الثقة والشك والارتياب في نوايا واهداف بعضنا البعض. لا شك في ان هنالك بعض حواجز موضوعية لا يجوز القفز فوقها، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن معالجتها او تصحيح ما خلفته من مرارات باجترارها، بمناسبة وغير مناسبة، بل لابد من مقاربتها بالحوار والتفاعل بين كل من انفعل بالدعوة الى (السودان الجديد) وليكف الشماليون عن المماحكة والإدعاء بان توجهاتهم اكثر قومية ووطنية وانهم اكثر تفوقاً وإنفذ بصيرة وحكمة، وبالتالي اكثر تأهيلاً للريادة او القيادة، وأن ما يأتي من غيرهم لا يعدو ان يكون (جنوبياً) او (دينكاوياً) او (بيجاوياً) او (غرباوياً) دون ان يكون سودانيا في المقام الاول. فهذا نهج أعوج العود وقصير النظر، ولنقيم احكامنا على متانة المنهج وصلابته، واستقامة المنطق وعمق الرؤية وعلى وحدة الهدف والمقصد. فان انطبقت هذه المعايير على مجموعة من الرباطاب او الحمر او الزغاوة او النوير، فلنترك المزايدة في شان (سودانيتنا) جانباً فكلنا (اولاد قبائل وابناء أصول)..
http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147507364&bk=1
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
التاريخ: الأربعاء 7 يناير 2009م، 11 محرم 1430هـ د. عبد الله علي ابراهيم .. المثقف الرئاسي اجراه : المحرر ? الدكتور عبد الله علي ابراهيم مفكر وباحث اكاديمي له جهود كبيرة على الساحتين السياسية والثقافية منذ بداياته الأولى العام 7591م وهذا هو مولد أول قصة ادبية يكتبها وينشرها وهو في الخامسة عشرة. ولكن أهم من هذا انه كتب في السياق الادبي السياسي الاجتماعي ومن هنا كانت ارتباطاته الأولى ما بين الثقافة والسياسة. قصته الأولى بعنوان «الاصابع» وهي عن عامل انقطعت اصابعه بورشة عطبرة، وكانت الحسابات تجرى من حوله عن قيمة هذه الاصابع من جهة التعويض عليها حسب لوائح السكة الحديد. ومن السياق يتضح الاطار العام الذي اتخذته كتابات الدكتور عبد الله وكان قد اسماه في مذكرته الانتخابية الاخيرة بـ «انسانية النقابة». وقد كانت النقابة انسانية، انتشرت على الافق السياسي والوطني والثقافي والادبي، وهذا ما دفع الدكتور لتأسيس حملته الانتخابية على قواعد هذه الانسانية. -------
? لماذا اتخذت هذا القرار الكبير؟ أنا منذ ان أنهيت خدمتي المتفرغة الأولى للوطن، «تفرغي للعمل الشيوعي 0791/8791». وأنا اتحرى كيف ومتى تكون خدمتي الثانية للوطن بصورة متفرغة. واستغرقني هذا البحث ثلاثين عاماً. وفي هذا إبطاء وسببه انني أردت بالفعل ان اتعلم من عثرات تجربتي الماضية. ثانياً أردت أيضاً تدبير معاشي. وهذا التدبير يطول في الأطار الأكاديمي الجامعي الذي انتسبت إليه وثالثاً كانت هناك اعباء عائلتي ولكن طوال هذه المدة كان يلح على شوق إلى خدمة وطنية ثانية ناجحة. وأملت قراري الأخير للترشيح إلى الرئاسة ملابسات يمر بها البلاد، أولاً أننا فرغنا من تبويب مواثيق وطنية سياسية للخروج من الوطن المنقسم إلى الوطن المتآخي «نيفاشا/ ابوجا والقاهرة».. فاستبشرت بهذه العهود الصانعة للوطن واستبشرت خاصة بالامكانات الديمقراطية التي سنتوسل بها لبناء هذا الوطن وعلى رأس هذه الامكانيات انتخابات الرئاسة، وبنفس القدر مسألة الاستفتاء حول مصير الجنوب، وهذه بشريات كبيرة أكدت موهبتنا في التفاوض الدقيق الطويل لتأسيس السودان المستقل حقاً، ثانياً ازعجني دائماً سيناريو الثبور وعظائم الأمور الذائع بين قادة الرأي والحكم «النادي السياسي» الذي كاد يفرغ من أن السودان آيل ليتفرق أيدي سبأ. وهذا استسلام بائخ لمحنة الوطن. وفي رأيي ان هذه الصفوة ربما لا تحتاج للوطن فمعظمها طيور لها وكنات أخرى ولكن من الفقراء والمساكين وغمار الناس؟ فمن لا بديل لهم غير السودان? فغمار الناس يحتاجون للوطن وأذكر في هذا المقام قولة الاقتصادي الامريكي الكبير قالبيرث فمن رأيه ان الفقراء هم الذين يحتاجون للحكومة.في حين ان الأغنياء قد لا يحتاجون إليها. فالحكومة هي التي تأخذ بيد الغلابة وترتب حياتهم وخدماتهم، وتوطن علاجهم، بينما في وسع الصفوة ان تغشى العالم كله لتحل مشكلة أو أخرى من مشاكلها. هذه العوامل المجتمعة: عامل البشريات وعامل عظائم الأمور الصفوى هي التي حفزتني لأتخاذ هذه الخطة. وعليه فهي ليست مرتجلة ولا بنت لحظتها. فقد وقعت في السياق الذي شرحته وهو شوقي لخدمة جديدة متفرغة للوطن. ? بوصفك مثقفاً عاملاً سيطمع أهل الثقافة في السودان ان يروا العملية الانتخابية للرئاسة منطبعة للمرة الأولى برفع سقف الطرح السياسي الانتخابي لمستوى الفكرة الكبيرة. هل هذا من بين نواياك؟ ? اعتقد ان هذا سؤالاً في غاية من الأهمية لانه يؤطر لما سبق لي قوله عن البشريات وسيناريو عظائم الأمور، فقد عشت محنة الوطن لا باللهج السياسي بل كانت حافزاً لي لوصل الازمة بالفكر فقد. نضبت آبار فكرنا السياسي الذي تشكل بصورة رئيسية في ثلاثينات القرن «الفكرة الوطنية» واربعينياته «الفكر اليساري الاسلامي». وقد فصلت في هذه المسألة في كتابي «بئر معطلة، وقصر مشيد» افلاس الفكر السياسي السوداني». فمن رأيي ان الافكار التي نعالج بها الازمة هي نفس الافكار التي ورطتنا فيها. ومن حكمة الامريكيين انك لا تحل مشكلة بالفكر الذي ورطك فيها، وقولي بالبئر المعطلة والقصر المشيد هو مستلهم من القرآن. فأبنتينا السياسية غاص ماء الفكر منها. وبقيت مفلسة وشرسة. كيف يمكن تثقيف العمل الثقافي العام؟ وعليه فتثقيف العملية والسياسية بعامة كان شاغلي وساقني إلى مباحث اكاديمية وكتابات راتبة في الصحف -يومية وغير يومية- قاصداً بها ان اجدد ابنية الفكر وان نسترد الماء لبئرنا السياسي واستغرقني هذا ثلاثين عاماً ولم أبلغ فيه ما اشتهيت ولكنه جهد نتمنى ان يكتمل بالممارسة وجوهرتها هي انتخابات رئاسة الجمهورية، وساحرص خلال حملتي للاستماع للناس في ندوات مسقطاً الليلة السياسية من أعتباري، فأنا من المؤمنين بأن المسكين «جضل» وعروقه الفكرية ذكية ونيرة. وقد فرطنا في هذا الذكاء بزعم انهم أميون وجاهليون وفرضنا عليهم المنابر التي من علٍ، وسيكون وجهه من وجوه تثقيفي للعملية الانتخابية والسياسية ان أتصنت للعادلين من الناس واستلهم شوقهم وحكمتهم وأنا مدرب في ذلك فأنا فولكلوري وانثروبولوجي غشيت فرقان الكبابيش وحلال الرباطاب أطلب حكمتهم وتعلمت ان التزم الصمت لا اتحرق للقول في حضرة هذا الفكر المستنير الحكم. ? ما الذي أزعجك حول ردود الفعل الأولى لترشيحك بالنظر لما دار من لغط حول الأمر؟ - أزعجتني عادة مستبدة وهي استنكار بعض النفر لترشيحي بصورة مبدئية وكأن لهم من يستحق هذا الترشيح بغير منافسة فمثل هذا الاستنكار يصادر حقي كمواطن في الترشيح متى ما بلغت العمر القانوني وأستوفيت الشروط اللازمة. وهذه فكرة الانتخابات اصلاً لا مجال فيها لاستكثار الترشيح على أي فرد اكتملت شروط تأهيله. ولكن يبدو ان البعض يريدها أنتخابية واستبدادية في وقت معاً. وهذا مطلب مستحيل وشاطح. ازعجتني ايضاً قراءة ترشيحي كوسيلة لغير الانتخابات لرئاسة الجمهورية. فهو في نظرهم مجرد مخلب قط أريد به التقاط منفعة من منافع الزائلة غير رئاسة الجمهورية، وليعلموا انني جربت ان اركل منافع هذه الدنيا وأنا في شرخ الصبا لكي اتفرغ للخدمة الوطنية الأولى بشروطها الفقيرة. كما ترفعت على مناصب عرضت لي هى أعلي مما يعتقد الشانئون انني اطلبها الآن. فمثل هذه القراءة تصلح «للقعدات» وفتح الفايلات ولا اعتقد انها تدخل في باب التحليل السياسي النافع للقارئ. ? بعض الرافضين للفكرة يرى ان دخولك الانتخابات هو رفعك لقيمتها المنخفضة؟ ? الحق.. ان هذا جوهر مهمتي ومنطقها. ولا أعرف عاقلاً يبخس من قدر هذه الانتخابات التي عليها مدار الحل لمحنة البلد الطويلة. استغرب لدعاة التحول الديمقراطي ان يبلغ بهم الاستخفاف بانتخابات ديمقراطية كما نصت «نيفاشا»، بمثل هذا الهزر غير المسئول. انا اعتقد بان هذا الاستخفاف بالديمقراطية هو جزء من سيناريو «الثبور وعظائم الأمور» الذي يحدق بالوطن حالياً. انه القفزة الطويلة في الظلام. ولذا كان ترشيحي للانتخابات هو حماية للبلاد من شرور هؤلاء المغامرين الذين علقوا حل ازمة الوطن بإرادات لا تملك زمامها مهما حسنت نياتها. وتنصلوا عن الارادة الوطنية التي هي كسبنا من الاستقلال. فالانتخابات كما قلت هي طريقنا لاستخدام الارادة الوطنية بكفاءة حتى نخرج من النفق المظلم بعد ان لاحت لنا اضواء في نهاية النفق. ? أما البعض الأخر فيرى ان هناك تشابهاً ما بين مجئ أوباما لسدة الحكم واحتمال مجيئك باعتبار انها المرة الأولى التي تجذب السياسة إليها مثقفاً؟ «في الحاليين». ? أنا لا أرى شبهاً بيني وبين أوباما. ولكنني لا أمانع متى كانت سبباً للتفاؤل بي، أما من الجهة الموضوعية فهو سياسي وناشط ميداني، أما انا فمثقف ملتزم بغمار الناس فلا أعتقد انه عالج الكتابة الراتبة والاكاديمية الطويلة النفس لفض مغاليق محنة البلد. ثانياً هو يتبرأ من النادي السياسي الذي لم يكن جزءاً منه حسب قوله، وأنا مكين في النادي السياسي السوداني وأنا «القرباب ود الصلب» واعرف هذا النادي عن كثب ونشأت ميولي الثقافية في معرض نقده بشكل أصيل. وأقول هذا تفادياً ان ينطبق على النقد الذي وجه إلى أوباما وهو أنه جديد فطير على الساحة السياسية. فأنا مخضرم وقديم في هذه الساحة واستطيع ان اعرض ملكات في الادارة والقيادة تتضاءل امامها كفاءات المنافسين. ? كيف يمكن ان تلحم الثقافي والسياسي؟ سأسترد للرؤية الوطنية وممارستها العامل الثقافي، فأنا خريج معهد هو «معهد الدراسات الاسيوية والافريقية» الذي رتب أبحاثاً ومؤتمرات وتجميعاً للتراث بقصد توفير إطار للنظر السياسي المؤسسي على علم بالمجتمع السوداني. وقد حزنت لأن هذه المساعي العميقة والموثقة مهملة وتضاءلت ميزانيات المعهد حتى انقطعت مباحثه ونشأت في الاثناء معاهد مجهولة الهوية بنفس العنوان لا تسمن ولا تغني من جوع. خبرتي هذه ستكون زادي في العناية بالبحث العلمي والاجتماعي حتى تقوم برامجنا للنهضة الوطنية على بينة. فقد سادت بيننا ارتجالات وحزازات بأسم خطط للتنمية أو الاصلاح فانظر كيف حل الرئيس نميري مصلحة السكة الحديد «0891» ثم كون لجنة من مثقفين ليجهزوا علي السكة الحديد، فالقرار البغيض سبق البحث وهكذا دواليك. لهذه الغاية. ما هي الخطوات العملية لتجسير العمل الثقافي والسياسي؟ تجسير العملية السياسية والثقافية سأركز على جامعة الخرطوم لسابق خبرتها ولأنها مستودع الاحسان الاكاديمي لكي انهض بها من عثرتها التي هي فعل النظام الحالي وتقاعس قيادتها عن تدبير المخارج برغم كل شئ. سأجلعها جامعة بحثية اكثر منها تعليمية أي ان تكون جامعة للدراسات العليا ينخفض فيها طلاب الصفوف الدنيا وسأهيئ لهم مواعين البحث بتجديد المكتبة نستعيض بها الكتب والمراجع التي توقفنا طويلاً من أغتنائها وسأدعم مكتبة الانترنت واشرك المكتبة في مراكز المعلومات السخية مثل «جي أستور» وغيرها وسأوفر لهم دعماً لعقد المؤتمرات ولقاء الباحثين من أطراف الدنيا والعالم العربي والأفريقي خاصة. وقد عدت قبل أيام من مؤتمر بالسنغال ورأيت أهمية ان يكون الأكاديمي السوداني حاضراً في مثل هذه المنابر. فقد كان المؤتمر عن العرق وايديولوجية العرق في افريقيا. ووجدت في مباحث زملائي نفعاً كبيراً فيما تعلق بمسائل الاسلام والرق والاسلام والهوية. والابحاث بالذات التي قدمها علماء من موريتانيا الذين كثيرا ما عقدت المقارنات بين اوضاعهم واوضاعنا من جهة العلاقات العرقية. وكانت هناك ابحاث عن البربر الامازيق صبت في نفسي هذه المعاني. فكيف لنا ان ننهض ببلدنا ونحن غياب عن هذه المنابر؟ التي تفتح نتائجها وخلاصاتها الرأس بالاستنارة. هذا بعض ما عنّ لي عن البحث والنهضة والمثقف والمساهمة الثقافية في وطني. فقد آثر جمع من المثقفين ان تكون مساهمتهم سياسية محضة لا رأوا قلة شأنهم الاكاديمية والفكرية وتشردهم مثل ما حدث لعلماء الابحاث الزراعية او قضية سن المعاش لاساتذة جامعة الخرطوم.
الراى العام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وهنا رايان الاول للهندى عز الدين يؤيد بالطبع وينتقد من يطلق عليهم اليساريين واخر ناصح امين... من الاستاذ الفاضل عباس ..وهو صديق قديم للدكتور عبد الله على ابراهيم ..
الجاتك في ترشيحك..! الهندى عز الدين 05/01/2009 أثار إعلان الدكتور «عبد الله علي إبراهيم» الكاتب والمفكر المعروف والأستاذ بالجامعات الأمريكية ترشيحه لنفسه لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات القادمة، أثار موجهة من الاستياء والانتقادات اللاذعة، خاصة في أوساط اليسار «البنفسجي». ولا أرى هل انتفض هؤلاء «الديمقراطيون» غاضبين في وجه الرجل بسبب استغلاله لمنصة ندوة نظمتها «طيبة برس» بإدارة الزميل الأستاذ «فيصل محمد صالح» كان موضوعها يتعلق باستقلال السودان، فباغت بروف «عبد الله» الحضور ، وانتهز الفرصة، واختطف المنبر لتدشين حملته الانتخابية وسط جمع من المثقفين مرتادي الندوات النوعية؟ هل هذه الانتفاضة «المضرية» سببها ما اعتبره الدكتور «حيدر إبراهيم» صاحب مركز الدراسات السودانية «غشاً» و«تدليساً» على الحاضرين، ومن بينهم الدكتور حيدر ..!! أم أن المسألة تتجاوز حالة الشعور «بالاستغفال» و«الاستحمار» إلى موقف مبدئي ، وأساسي يناهض عملية «تسخين» الانتخابات الرئاسية، باعتبار أنها - حسب ظنون البعض - لن تكون نزيهة، ولا محايدة... وبالتالي فإن خطوة «بروف عبد الله» تدفع خطاوى «المؤتمر الوطني» المهرولة باتجاه محطة الانتخابات وسط تخوفات ، وتشكيكات، واحتجاجات على الإجراءات تحتشد بها دوائر الأحزاب والقوى السياسية وفي مقدمتها شريك السلطة والثروة «الحركة الشعبية لتحرير السودان». أما إذا كان الإعتراض ينطلق من منصة الأخلاقيات والمبدئيات التي لا تقبل «الانتهازية» بكل أشكالها، وألوانها ، ومظاهرها ، بما فيها «انتهازية المنابر» واستغفال روادها، حتى وإن كانوا دكاترة وعلماء، وباحثين يشار إليهم بالبنان، فإن الاعتراض يبدو غير متسق ، ولا متوائم مع طبيعة وتاريخ وسلوك المعترضين «البنفسجيين» الذين تلوّنوا ، وتبدلوا، وتقلبوا بين الأفكار ، والأحزاب، والأجنحة، والجبهات وترحلوا بين العواصم الأجنبية يبيعون الشعارات على «فترينات» المخابرات العربية والدولية بأبخس الأثمان، وأتفه العروض. وإذا كان «بروف عبد الله» قد باغت الحضور ، واستغل المنبر، فإنه - لا شك - يستفيد من إرث سياسي وتجارب ثرة قديمة تربى عليها أيام إنتمائه التالد والتليد للحزب الشيوعي السوداني الذي ترقى في درجاته حتى بلغ مقام «اللجنة المركزية» قبل أن يغادره منشقاً ، ثم زاهداً، وتائباً عن أفكاره ليخلد إلى سنوات التأمل العميق في «الدنيا الجديدة».. أمريكا . وما أدراك ما أمريكا!!.. إذن «الانتهازية» لا تعرف لوناً مميزاً، تتماهى بين «الأحمر» ، و«الأصفر» و«البنفسجي» و«الأسود» و «الأخضر» ، ولكن تختلف الأضرار، والآثار، والأعراض الجانبية عند التعاطي مع كل «لون»...! ولا أظن أن ضرراً بالغاً قد أصاب الدكتور «حيدر إبراهيم» ومشايعيه جراء انتهازية البروفيسور عبد الله علي إبراهيم المتمثلة في استغلاله «البريء» لمنبر الزميلين «محمد لطيف» و«فيصل محمد صالح». وقد كنت أحد المدعوين لهذه الندوة ، وكنت حريصاً على حضورها، ولكن حالت ظروف العمل دون ذلك، وبالتالي حالت دون تعرضي للاستغفال والاستحمار، غير أنني ما كنت سأغضب إلى حد الهجوم والإساءة للبروف «العالم» فقط لأنه أعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية. فليترشح «بروف عبد الله» للرئاسة في السودان، فهذا حق كفله له الدستور واتفاقية السلام الشامل، ما دام قد تجاوز سن الأربعين ، ولم يدن في جريمة متعلقة بالشرف والأمانة. لقد ترشح للرئاسة من قبله في الدورات السابقة السباح «سلطان كيجاب» وما زال يدعي في المجالس أنه «فاز» لكن المؤتمر الوطني زوّر تلك الانتخابات، والرئيس «البشير» سمع هذه الإدعاءات من «كيجاب» نفسه ، وقد سمعت رئيس الجمهورية وهو يداعب السباح الكبير في إحدى المناسبات الخاصة «يا كيجاب .. بطّل الكضب». أنا لا أعتقد أن «بروف عبدالله»- الذي احترمه وأقدره- لديه فرصة للفوز في كل الاحتمالات، فالناس في كردفان ، ودارفور والشرق، والجزيرة ، والجنوب ، لا يعرفون شيئاً عن المرشح الجديد، ويحتاجون إلى سنوات طويلة لمعرفة الكثير عنه..! لا أعتقد أنه سيفوز، بل ربما يعجز عن تجاوز إجراءات الترشح الأولية والحصول على عدد المزكين من «15» ولاية مختلفة، ولكنني - في ذات الوقت - لم استظرف الهجوم القاسي الذي واجهه به بقايا «الملونين» في ساحتنا السياسية والإعلامية. لا بأس عليك يا «بروف» والجاتك في ترشيحك سامحتك.
--------------------------------
عبدالله على ابراهيم الرئيس القادم للسودان! الفاضل عباس محمد على [email protected] بسم الله الرحمن الرحيم
الذين يفلتون من قبضة الفكر الشمولي والآيدلوجيات الرومانسيّة كالماركسية اللينينية يصيبهم الدوار لبعض حين، و يتصرّفون كالأرقاء الذين استطعموا الحرية، أو الأطفال الذين جبلوا على الشقق المحكمة الرتاج و النابي و التحكّم و السيطرة و الأبوية، و فجأة وجدوا أنفسهم أحرارا طلقاء في قارعة الطريق؛ و هكذا صديقي البروفيسور عبدالله علي ابراهيم الذي أعلن عن ترشيحه لرئاسة السودان في الانتخابات المزمعة خلال سنة، كأنه يأخذ قيامها في موعدها الذي حددته اتفاقية نيفاشا مأخذ الجد رغم الظروف العجيبة المدلهمّة التي يمر بها الوطن، و كأنه يتجاوز المحن الراهنة و يلقى بثقله في المعركة الانتخابية بوقت مبكر يسبق المنافسين الآخرين، لعله متأثر في ذلك (بنجاضة) الرباطاب الذين عايشهم و درس تراثهم و كتب فيه كثيرا، أو بمقولة الشيخ العبيد ود بدر مخاطباً ابنتهقومى بدري و ازرعي بدري و حشّي بدري شوفي كان تنقدري)....مهما يكن فان صديقي البروف قد أصدر فرقعة يحسبها ستشغل الناس و تستوعب قدراته و امكانياته التي جلبها من اغتراب دام لعقدين من الزمان بالولايات المتحدة و تأتي أكلها في الوقت المناسب، و لكنه بكل أسف سيفتح أبواب جهنم على نفسه و سيحرق أصابعه كلها و يهدر بيضة العش nest egg التي ربما ادخرها لسنين التقاعد و مستقبل فلذة الكبد، و يكلم عرضه و يعرض نفسه لكل ما سكت عنه القادحون المتربصّون حتى الآن... فماذا حدث لصديقي الذى كان مثلي الأعلى في يوم من الأيام؟ هل هو بكامل عقله و موفور جنانه كما ظل طوال عمره؟ ماذا دهى قامة سامقة كهذه لتتكالب على السلطة كما يفعل أنصاف المتعلمين و السوقة و خريجو الكليات دون الجامعيّة؟ أين وقار العلماء، و أين دروس عبد الخالق الذي كان دائم الاستدلال بقول عنترة مع بعض التحوير: (نحن الشيوعيين الملتزمين بالماركسية اللينينية.. نغشى الوغى و نعفّ عند المغنم.) أم لعل البروف الحريف أراد أن يرعى الخريفين، خريف مجتمع الوفرة الأمريكي affluent society على حد و صف الاقتصادي العملاق الراحل جون كينيث قالبريث، حتى الثمالة، أي حتى استحقاقه لمرتب التقاعد الذى سيتناهى الى حسابه المصرفي بأي ركن في العالم ، كما صرح بذلك في بيانه آنف الذكر ، وتلك براءة وسذاجة سياسية naïveté par excellence أوقعته في شر أعماله قبل أن يشرع فى مسعاه البائس ؛ والخريف الثانى هو رئاسة الجمهورية بخدمها وحشمها وقصورها ويختها وبختها وطبّاليها وخصيانها eunuchs... و ليس التقاعد بأطراف الخرطوم أو الداخلة أو جلاس و تربية النحل وكتابة المذكرات و المسرحيّات.
و لقد ذكرتني حركة البروفيسور هذه بموقف شبيه لحدّ ما لصديق آخر هو الدكتور سيد أحمد الحسن عمر الذي ترشح هو و كيجاب و آخرون ضد عمر البشير في آخر انتخابات تمت، لعلها عام 1996، رغم أن موقف الآخيرين كان يحسب لجهة النضال ضد النظام الأخونجي القابض حينذاك بخناق الشعب و المنفرد بالأمر؛ فلقد كان الدكتور سيد احمد على سبيل المثال يدرك أنه بلا نصير يذكر سوى أهله بساقية حقّارة غرب الضياباب بقرية تنقاسي من أعمال مروي، و بضع أصدقاء هنا و هناك كالعبد لله، و لكنه أراد أن يثبت للآخرين أن منازلة الانقاذيين ممكنة، و يجب أن يهتبل المعارضون أي سانحة تطرح نفسها لشرح البرنامج الاقتصادي الاجتماعي البديل و لتثقيف الجماهير و فضح النظام الشمولي الماثل و الاستفادة من كل المنابر المتاحة لتوسيع مساحات المبادرات الجماهيرية و حرية التعبير.و لقد سكتت حكومة الانقاذ على تلك الشنشنةالعابرة علّها توهم الرأي العام العربي و العالمي بحيدة و جودة الانتخابات و بأنها تستسيغ الرأي المعارض و تفسح له المجال، و هي تعلم جيدا أن البشير الأقل تعليما و خبرة و فهما وسجلاً نضالياً و ثقافة من دكتور سيد احمد سيفوز بأغلبية تسعين بالمائة لأنه يستند على الدولة بحكومتها و جيشها و عسسها و بصّاصيها، و على تنظيم الأخونجية الذي كان قد أحكم سيطرته على الاعلام و الحركة النقابية و منظمات النفع العام و كل الأصول الثابتة و المتحركة للاقتصاد السوداني، بعد أن همّش الطبقة الوسطى بكاملها و نظف جهاز الدولة و الجامعات من المعارضين و شبه المعارضين، و مكّن عضويته ماليا و اقتصاديا و سياسيا.
و اليوم،بعد أكثر من عشر سنوات على الانتخابات السابقة، فان تنظيم الأخونجية الذي أصبح يسمى (المؤتمر الوطني) أقوى شوكة و تمكينا و أرضية مالية اقتصادية و سياسية، و لقد رفدته اتفاقيات نيفاشا و القاهرة و أبوجا بأجنحة جديدة من القوى التي تم لجمها وادخالها في زمرة الموافقين على دستوره الذي كتبه الشيخ حسن الترابي عام 1998 عندما كان عرّاب النظام، و من الواضح جدا أن مفاتيح السلطة في جيب المؤتمر الوطني و أن قوانين اللعبة الانتخابية هي التي سيضعها المؤتمر الوطني مهما تظاهر بالانفتاح و قبول وجهات النظر المعارضة، و أن المهدّدات الحقيقيّة هي فى الواقع ثلاث عوامل قد تظل متفرقة، و قد تجتمع و تعصف به من جذوره:-
الأول هو محكمة الجنايات الدولية و المدعي العام موريس اوكامبو.
و الثاني الحركات الدارفورية الحاملة للسلاح و التي جاءت احداها الى قلب ام درمان في مايو الماضي و كادت أن تضع حدا لحكومة الانقاذ، و ربما تستعد الآن لتكرار المحاولة.
و الثالث الحركة الشعبية لتحرير السودان (الجنوبية) و ما قد تدخل فيه من تحالفات(مع الشيوعيين و الاتحادي الديمقراطي و المعارضة الدارفورية مثلا) ،أي اذا نفخت روح جديدة فى التجمع الوطنى الديمقراطى، خاصة اذا استمرت حالة الاستقطاب الراهنة بينها و بين المؤتمر الوطني و اذا تفاقمت شكواها من عدم التطبيق الناجز لبنود نيفاشا و من الممارسات الدكتاتورية لرئيس المجلس الوطني، و اذا أرادت الحركة الشعبية أن تلتئم مع القوى الحقيقية الممثلة للسودان الجديد الديمقراطي التعددي العلماني، و أرادت أن تتحرر من زواج المتعة الراهن الذي يربطها بقرين منفّر strange bed fellow هو بالشرق و هي بالغرب فيما يختص بالايدولوجية و فلسفة الحكم و مسألة الهوية و الموقف من الديمقراطية التعددية الحقيقية.
و بينما يقلّب الناس في الخيارات المتاحة و السيناريوهات المرتقبة للمشهد السوداني بناءًا على تفاعلات الظروف المحيطة بالسودان حالياً، يقفز البروفيسور عبدالله ع ابراهيم قفزة هائلة في الظلام يحسب أنها ستنتهي به في مسرح نظيف و مرتب و معد لاستقبال عرض جديد اسمه الانتخايات الرئاسية. و يبدو أن البروفيسور(أو أوباما السودان كما أسماه أحد الخبثاء)متأثر بالمشهد الأمريكي المستند على ثلاثمائة سنة من اليمقراطية و المؤسسية الراكزة، رغم أنه لم ينتبه لدرس أساسي يبشّر به النظام الامريكي و هو الأرضية القوية للحزبين السائدين على الدوام:الديمقراطي و الجمهوري، و الفشل الدائم لأي مرشح مستقل للرئاسة أو لعضوية الشيوخ أو مجلس النواب أو حكام الولايات، من نوعية روس بيرو في الانتخابات قبل الأخيرة، الذين يسمونهم mavericks أي الخوارج؛ و روس بيرو كان مليونيراً ضخماً في مجال الحاسوب و تقنية المعلومات أكسبته ثرواته الطائلة غروراً كاذباً و حسب أنه سيغيّر مجرى التاريخ الأمريكي بلا مؤهل سوى عضلاته الدولارية، و لعل البروفيسور أكثر تأثرا به و ليس بأوباما، أي لعله يمتلك (شوية دولارات محرّقاتنّه) سرعان ما ستتبخر في أول منعطف بمجرّد دوران العجلة الانتخابيّة التى هي أصلاً بين الشك والظن .
بيد أن البروفيسر عبد الله بعكس بيرو صاحب الأذنين الضخمتين كأم سي سي، عالم نحرير و أديب فذ و كاتب لا يبلغ هامته الا القلائل على مستوى كل الوطن العربي، و لكن يبدو أن القلم لا يزيل بلم كما كانت أمي تقول عني، عليها رحمات الله. و لقد طبزت طبزة مثل التي أقدم عليها عبد الله في أعقاب انتفاضة أبريل 1985 بعد ست سنوات قضيتها ببريطانيا، و كنت قد تقدمت باستقالتي من الحزب الشيوعي قبل ذلك ببضع شهور و انضممت لحزب الأمة، و لم تكن الطبزة هي الخروج من زمرة البلاشفة و لكنها الدخول في جحر ضبع اسمه حزب الأمة، ربما بسبب الدوار الذي بدأت به حديثي أعلاه، و بعد هنيهة اكتشفت انني في الزمرة الخطأ و أصبحت ابحث عن مخرج انسلّ عبره مثل ود ضحوية الذي قال:
(يا نفسي ذليتني الله يذلك... وديتيني للمابعرفو كترك و قلّك.. دحين كوسيلك طريقة تحلك).
و قد كان، اذ تحالف الصادق مع صهره الترابي و جبهته الاسلامية و ادخلهم معه في الحكومة عام 1988 فكتبت له استقالة من أربع و أربعين صفحة نشرتها جريدة الوطن في حلقتين و أعاد نشر شذرات منها الاستاذ شوقي بدري عدة مرات مؤخراً خدّر الله ذراعه. فأرجو أن يستفيد الأخ عبدالله من تجارب الآخرين و لا يحاول أن يعيد اختراع العجلة من جديد. و محاولاته لمغازلة اليمين الأصولي السوداني(كلامه عن القضاء الشرعي و تضمينه للزكاة في برنامجه الانتخابي) هي بمثابة دخول في جحر الثعالب، و من يفعل ذلك عليه أن يلتزم بقوانين اللعبة التي يضعها الثعالب، و لأني أكاد أعرف الكتب و المعارف و الآداب و التجارب التي تشرّبها عبدالله طوال الستين سنة الماضية، فاني أجزم الآن و أشهد التاريخ على أنه(لو قطّعوه في حلة واحدة مع الكيزان ما حتنجض).. و أنه بالشرق و هؤلاء القوم بالغرب..
و يبدو أن الأخ عبدالله قد ابتعد قليلاً عن نبض الشارع السوداني، و الا لأدرك أن أهلنا لا يرغبون في ترميم هذا النظام من الداخل، انما بازالته من الجذور، و اذا كان لا بد من الانتخابات للقيام بذلك، فان الوسيلة الوحيدة للتخلص من الأخطبوط الجبهجي الحاكم هي وحدة القوى الثورية.. و هذه القوى تمثلها في اللحظة الراهنة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة سلفاكير بخيرها و شرها و قوى اليسار شرحه و الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغنى... أما أن يترشح عبدالله لوحده مستندا على مخاطبة غرائز المعاشيين ومفصولي الصالح العام من أمثالي و النقابيين القدامى، فهو كمن يعيش في دوامة من النوستالجيا، أو في حالة متقدمة من القرانديوزيتي.... أو مرحلة مبكرة من السينيليتي... و يا صديقي عبدالله... اسمع كلام الببكيك..مش كلام البضحكك، فاليد الواحدة لا تصفّق، ورحم الله امرئاً عرف قدر نفسه.
و السلام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الاخ صلاح عووضة وبطريقته فى الكتابة الخفيفة تناول الترشيح من زاوية تهكمية لعلها تخفف على القارىء هنا قليل من الجدية الصارمة التى طبعت هذا البوست ومن ثم نعود للمواضيع الاخرى ذات الصلة ..
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1071 -------------------------------------------------------------------------------- الكاتب : admino || بتاريخ : السبت 03-01-2009 عنوان النص : ناس قريعتي..!!!! صلاح عووضة
: ظريف هذا القادم من أمريكا الدكتور عبد الله علي إبراهيم.. نادوه لكي يقدم محاضرة عن الاستقلال فنادى في الناس أن رشحوني رئيساً لكم.. هكذا من الباب للطاق.. أو بالأحرى: أول ما شطح نطح.. والنطحة أصابت أول ما أصابت مقدم الندوة زميلنا فيصل محمد صالح.. فقد ارتبك فيصل وسارع إلى الإعتذار عن هذا الذي هببّه الدكتور عبد الله خشية أن يُظنّ أن الأمر مطبوخ ومخطط له.. فزميلنا فيصل ما ناقص..وتمادى القادم من أمريكا في ظُرفه فمدّ قرعته للحاضرين طالباً البدء في دعم حملته الانتخابية.. مدّ قرعة حقيقية وضعها أمامه على منضدة المنصة.. وجاراه في الظُرف أحد الحاضرين هؤلاء فوضع عملة نقدية في القرعة.. وضاع الحديث عن الاستقلال في خضم التدشين لحملة عبد الله علي إبراهيم الانتخابية.. وما غاب عن الحاضرين ليلتذاك أن الدكتور القادم من أمريكا ما زال تحت تأثير المفاجأة التي أحدثها أوباما هناك.. هو أراد ـ ربما ـ أن يُحدث مفاجأة مماثلة هنا.. وبما ان أوباما أشتهر بالظُرف وخفَّة الدم فليتظارف عبد الله إبراهيم ويجعل دمه شربات.. المهم أن يصير رئيساً بمثلما أن أوباما فعلها.. فإذا كان أوباما (العادي!!) في طريقه إلى أن يحكم أقوى دولة في العالم فلما لا يحكم هو (الفاهم!!) دولة متخلفة مثل السودان.. ومن قبل كتبنا عن دكتور آخر ظريف ـ قادم ايضاً من الخارج ـ اشتكى لطوب الأرض من عدم عثوره على فرصة (كدّة).. والكدّة التي كان يبحث عنها ظريفنا القادم من الدوحة هي منصب وزير الخارجية مشيراً إلى أن الكادّين الكُثر هذه الأيام ليسوا بأحسن منه.. ولما تقلصت الكدّة ـ بفعل دجاج البيت ـ إلى كُديدة ممثلة في منصب ملحق إعلامي لم يحردها ظريفنا بل باس أيدو وش وضهر.. وكذلك فعل ظريف آخر قادم من كندا.. وظريف ثالث قادم من لندن.. فجميعهم أتى من الخارج يكِدّ بحثاً عن الكدّات.. وجميعهم الان ملحقون إعلاميون قانعون بالكُديدات.. ولكن ظريفنا القادم من أمريكا فات الكبار والقدرو.. هو يريد أن يصبح رئيساً حتة واحدة.. والطريق إلى كرسي الرئاسة لابد أن يبدأ بخطوة أولى تتمثل في إعلان الترشيح.. وإعلان الترشيح لابد له من لمّة جماهيرية.. واللّمة الجماهيرية لابد لها من جهة تتبنى ندوة سياسية.. والجهة هذه كانت المركز الإعلامي الذي يديره زميلنا فيصل محمد صالح.. وفيصل محمد صال قنطّر الكرة لدكتورنا الظريف حين جعله المتحدث الأوحد عن الاستقلال.. والاستقلال تحول إلى استغلال ظريف من تلقاء عبد الله إبراهيم لإعلان ترشحه للرئاسة.. ومدّ قرعته.. وعاد بقرعته فارغة إلا من عملة معدنية واحدة.. بل قرعتان!!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
حوار مع مرشح رئاسة الجمهورية : الدكتور عبد الله علي إبراهيم نقلاً عن مدونة سودانايل التي نقلته عن " الأحداث "
وفي اللقاء يوضح وجه نظره ، للتوثيق :Quote: مرشح الرئاسة في حوار الأحلام مع "الأحداث"(1-2)
أنا لست مخلّصاً ولكن !! حوار :حمزة بلول ...عمار عوض
لم تكن تلك المفاجأة التي فرقعها د. عبد الله علي ابراهيم في ندوة "طيبة برس" بإعلان ترشيحه للرئاسة ، الأولى من نوعها في تحويرات عبد الله لموضوعات المنابر، فقد تنادى بعض المثقفين قبل سنوات قليلة إلى إحدى المنتديات ليستمعوا إلى نقد من عبد الله نفسه لرواية "وليمة لأعشاب البحر" بقلم الكاتب حيدر حيدر التي هزت الدنيا في أيامها الأولى إلا أن الدكتور ألقمهم حجراً عندما قال إنه لم يطلع على الرواية وإنه بصدد موضوع آخر مهم ولم يجد غير هكذا حيلة لجذب الجمهور ! برغم علمنا بهذه السابقة في دراماتيكية عبد الله في طرح القضايا إلا أننا صقعنا كغيرنا من مفاجأته ولم يكن يخطر ببالنا ونحن نتحرك صوب منزله بالحاج يوسف (المايقوما) أنه جاد لدرجة أنه بدأ يستعد رسمياً ويعقد اللجان لابتدار حملته الانتخابية التي يطمح أن تضع أقدامه داخل أسوار القصر الجمهوري رئيساً منتخباً ليكون أول رئيس غير قادم أو (مسنود) من البيوتات الكبيرة ولا مدفوعاً من المؤسسة العسكرية ذات الباع الطويل في سنم قيادة البلاد منذ بزوغ فجر الاستقلال .... تعاملنا معه بذات الجدية وطلبنا أن نأخذ صورة من منزله قبل الانتخابات حتى إذا حدث الذي في باله وتربع على كرسي الرئاسة يكون الشعب على علم بما يمتلكه إبراءً مقدماً لذمته.
نبدأ بترشحك لرئاسة الجمهورية الذي أتى مفاجئاً خاصة وأننا (الأحداث) في حوارنا الأخير معك قبل أشهر قليلة سألناك لماذا لم تكوّن حزباً بعد خروجك من الحزب الشيوعي في السبعينيات قلت بالنص "الأحزاب فكرة فطيرة وانا أحب الناس الفطيرين ولا أتعامل معهم" ماذا تغير في الشهور الماضية هذه لتقم بترشيح نفسك لرئاسة الجمهورية "حتة واحدة"؟
أنا لست بصدد تكوين حزب، ولكن ما أنتويه بحق هو عمل استثارة لحركة اجتماعية راسخة عبر خلق البيئة الملائمة لها لتنمو في ظل طريق واضح تعطي عبره الأمل لتستعيد ثقتها بنفسها ، فأنا لا أتصور أن هذه المقدمات تقودنا إلى تكوين حزب سياسي ، بل هي حركة اجتماعية كما أسميتها انا في البيان الاول ، طبيعتها أنها تتكون من كتل ذات استقلال ذاتي ويتوفر فيها مستوى عالي من العناية بالأشياء عبر العمل في أطرها المختلفة ، مثلاً إذا اجتمع مجموعة من الشباب حول موسيقى معينة أو اتفقت بعض النسوة في الحي على تكوين جمعية خاصة بالاواني المنزلية نجد أنهن كلهن يتحركن في إطار الاستفادة من الطاقات المتاحة واستنهاضها ونجد أن كل القوى تعمل من خلال مركز غامض ويوفر لها المواعين، نحن مثلاً نحن كمركز للحركة الاجتماعية هذه نرى أن الشباب المهتم مثلاً بجمع الطوابع في العالم ونعرفهم بنظرائهم من منظمات وأفراد مع توفير نشرات توضح خصائص هذا النوع من النشاط.
لكن هناك مركز موجود بأي حال ولا يمكن لشخص ان يصل للسلطة إلا عبر الوسائل المعلومة"الحزب أو الدبابة؟
هنالك فروع لأنه إذا لم تعكف بنفسك حول نشاط معين ، لن يكون لك وجود ، لذا فأنا لا يمكن أن أطلق على تحركي مشروع حزب مستقبلي ، وبمعنى أوضح أنك كحزب أو نقابة يمكن أن تكون جزء منا ، وممكن تكون أي شيء آخر وتكون معنا أيضاً، وفعلاً أنا قلت لكم سابقاً لست بصدد تكوين حزب ، لان الحزب في بنائه يحتاج لأن تتوخى فيه أشياء كثيرة ، وترشيحي الآن لنفسي عبر بوابة الانتخابات يمكن أن أقول لكم انني باستمرار كنت مشغول بالطريقة التي يمكن أن أجدد عبرها خدمتي لهذا البلد وبشكل متفرغ.
مأزق السودان لم يبدأ بأوكامبو أو غيره
الناس لا يقرأون كتاباتي بعين "نجيضة"
اختيار التوقيت ألم يكن غير مناسب، خاصة وأن كثيرين كانوا يأملون في مثقف بقامة عبد الله علي إبراهيم أن يطرح آراء وأفكار تساعد في خروج البلاد من أزماتها الراهنة والقادمة وليس أن تخرج عليهم وتطرح نفسك كمرشح لرئاسة الجمهورية؟
ترشحي بني خبرة طويلة ، ومن تنامي هذه الخبرة في البحث عن طريق ثالث(سكة غير اللاعب)، أنا التحقت بآخر حزب كنت أنتمي إليه واخترته عن قناعة في آخر المطاف، ولم أختار الانضمام إلى الختمية أو الأنصار ، واخترت حركة يسارية معينة ومعروفة هي الحزب الشيوعي، وعندما خرجت منها في السبعينات ظللت طيلة هذه الفترة وأنا أفكر فقط، وما كتبته خلال هذه السنوات لم يأت من فراغ وظللت أكتب وبشكل متصل حول المأزق السوداني، وإطلاقاً لم أشعر أن مأزق السودان يبدأ بأوكامبو أو غيره، وإنما أنظر للمأزق السوداني بعمق منذ أن قررت فيه الخروج من الحزب الذي أعطيته نفسي بالكلية ، وهو حزب يحتاج إلى كثير من الأشياء وكثير من هذه الأشياء المطلوبة لا تحدث بداخله الآن، لذا رأيت أنه لا بد من ان أكسر هذه(الصَدَفة)، وأنا منذ أن خرجت من الحزب الشيوعي عام 1978 ظللت أفكر وأكتب بصورة مستمرة ، ومن الممكن أن يكون الناس لا يرون الأفكار التي أطرحها هذه بعين (نجيضة) لكن أنا أقول لك لا توجد كتابة كتبتها ولم تكن مرتبطة بفكرة وبالضرورة لا توجد قراءة غير مرتبطة بقراءة أخرى ، ولذلك انا أجابه هذه المقاومة التي ترونها ، لأن دعاة الصنمية للأشياء ، ودعاة (العادة القديمة) الذين أجد منهم مقاومة كبيرة أقول بكل صراحة إنهم يتحركون بهذا الشكل العدائي لأنهم يدرون تماماً أن عبد الله يكسر في تقليد أصبحوا هم من سدنته ومن أربابه.
بوعي ام بغير وعي منهم؟
بغير وعي لأنهم يظنون انفسهم في الموقع الصحيح ، ويظنون أن القضية الحقيقية هي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اجتمعت ! أو النقابة اجتمعت ! ...إلخ . إذن أنت في الإطار الصحيح ، وأنا أفتكر أن هذا تبديد للطاقات ، وأقول لهم انتم أشخاص جيدين ، لكنكم لم تعيدوا التفكير مرة أخرى وبعمق في الأشياء التي تقومون بعملها، لذا أنا أقول إن هذا تبديد للطاقات ، وهو بهذا الشكل يقود إلى طائفية جديدة ، فأنا أود أن يعود الناس لما كتبت مثل "الإرهاق الخلاق"، أو نقد الذهن المعارض في كتابي"عبير الأمكنة" أو عرض الكتب في "أنس الكتب"، أيضاً "الشريعة والحداثة ، وهذه الكتب جميعها تمثل عندي منظومة واحدة وليست كتاباً يعقب كتاب ، وإنما الفكرة هي كيف تهيئ على الأقل مادة فكر او جسد فكري يقرأه من يرغب في التجديد . مثلاً أنا عرفت التنوع الثقافي على غير ما يعرفه الناس ، عندما درج الآخرون على تعريفه عندنا رقصة الكمبلا أو يقول آخرون انظروا إلى الكجور أو الطمبور وهي جميعها تعبر عن الفرح بالمفردات المتعددة وليس تنوع ثقافي لذا فأنا أقول التنوع الثقافي في واقع الحال هو ليس مفردات عديدة هو مفردات"مطمسة"، لأنه لو كانت كل هذه الأشياء معترف بها في المسرح والتلفزيون وغيره ممكن هنا يحصل الفرح بأن هذه الفعاليات معترف بها، لكن هناك مفردات تدل على فعاليات معطلة وغير معترف بها وبالتالي هذا يقودنا إلى تعريف للتنوع الثقافي بأنه "غبن سياسي" عندما لا يرى الكثيرون أنفسهم في الشاشة.
السودان ليس رجل أفريقيا المريض
نعود إلى سؤالنا بصورة أخرى ، هل ترى أن السودان يحتاج إلى مخلّص أم إلى أفكار؟
الأفكار لا "تكمل" وأنا أفتكر أنني بنيت جسداً مناسباً طوّق حاجات رئيسية مثل علاقة الدين بالدولة وعلاقة الثقافة بالديمقراطية ، وهي مباحث لا تستكمل وإذا قضيت جل حياتي القادمة متفرغاً في برج عاجي ، هذا غير كافي لذا فانت يجب ان تتحين الفرص تنظر كيف الجسد والطوق الذي أنتجه يمكن أن تعبر به إلى مناطق أوسع أي إلى مناطق الممارسة لأنه في رؤيتي أن الممارسة مسألة مهمة جداً مثلاً لو نظرت إلى الوقائع الماثلة أمامنا في السودان الآن نجد أننا اختططنا لأنفسنا طريقاً ، وصحيح أن البلد الآن يمكن أن تعدد كثير من مثالبها، لكن لن تمنع نفسك من القول أن هناك ضوءاً في آخر النفق. وانا متفائل جداً بتراكم الاتفاقات هذه (نيفاشا والقاهرة وأبوجا) وغيرها لأنها تعطي الإحساس بأن السودان بلغة البناء هو في مرحلة "التشطيب". ونحن نريد قيادة للسودان تعبر به إلى السودان المتآخي والمتحاب مع مكوناته لان قواعد البناء موجودة كما قلنا ( نيفاشا ، الشرق، أبوجا ، القاهرة) . وتفاؤلي هذا يمكن ان تلحظه إذا قارنت حالة السودان بدول أخرى في الجوار لم تظهر عليها موهبة المناقشة والحوار للوصول إلى اتفاقات، وهناك كسل واضح لما أقول نجده في دولة كينيا التي تفاجأ الكثيرون بقربها من الانهيار أيام انتخاباتها الأخيرة، وكل الناس كانت تنظر إلى كينيا بأنها بلد آمن وديمقراطي أيام ما كانت نيفاشا رائجة، وهذا الإحساس نجد انه ناتج من قبضة طغمة أو جماعة كاتمة الأنفاس لذا أننا نجد مع ظهور أول شق في هذا البناء ، اقتربت الدولة من الإنهيار ، ونحن في السودان نجد أنه لم تستطع جهة أن تقمع التعبير الجنوبي ولم يقم أحد بقمع تعبير جبهة نهضة دارفور بل إنها مستمرة واستمرت للتحول إلى تعبيرات مستقلة.
وكثير من الناس ينظر إلى السودان بأنه رجل إفريقيا المريض من كثرة مشاكله لكن أن توجد مشاكل في ظل القدرة على التفاوض عليها وتصل إلى اتفاقات أيضاً وتنقض اتفاقات ويلعب ميزان القوى أشياء كثيرة جداً وهو ما يجعلني أقول أننا في السودان (قدام جداً) مقارنة بأفريقيا والشرق الأوسط ، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أننا في السودان مشاكلنا أحصيناها عددا . العالم في بعض الأحيان يتدخل ويعالج معنا ، لذا فإنني بدت لي مسألة الانتخابات القادمة التي هي رهينة بالتحول الديمقراطي ، والاستفتاء ، أضف لذلك أنها نقطة تحول في مسار السودان ومنعطف حرج ، في الوقت الذي أجد فيه كثيراً من زملائي يائسين نهائياً، ولا ينظرون للأمر على أنه زاوية حرجة في مسار البلد لكي تتدخل وتمسك ب"رسنها" وتقودها، ولكن ينظرون لها باعتبارها لحظة النهاية ويعجزون عن الحركة باتجاه الحلول.
يعني أنت مخلّص؟
لا ليس كذلك ، بعبارة أوضح أنك تعطي أملاً وتقلب المعادلات الموجودة التي تقود إلى السلطة.
نحن في السودان من الاستقلال وحتى الآن نعلم تماماً طريق الوصول للسلطة يمر بأي محطة ، فالأزهري بنى نفسه عبر مجهود كبير منذ مؤتمر الخريجين حتى وصل القصر الجمهوري ، في الوقت الذي نجد فيه عبد الله علي ابراهيم لا يستند على قبيلة أو حزب يحققان له فيما يرغب ، كيف ستحدث الاختراق وأنت تأتي من بوابة المثقفين ... هل ستعتمد على أصوات بعض نوراب الكبابيش والرباطاب؟
(طيب ما أزهري كان ممكن يقال له هذا الكلام في 1932) لكن نجد أزهري لم يعر هذا التساؤل اهتماماً ، خاصة إذا لحظنا انه أتى عبر بوابة الختمية بعد حين، ولم يحاول في المبتدأ أن يدخل عبر بوابة الطريقة الاسماعيلية معقل أسرته، وهو كان إنسان خرج في إطار حركة الخريجين التي كان يقدر أعضاؤها وقتها بحوالي مائة وعشرون إلى مائة وثلاثين شخص لكن كانت في موضع القيادة وعندما احتاج أزهري للجمهور الأكبر نجد انه تحرك نحو الختمية وهو ما أرى انه قاد في النهاية إلى تلاشي حركة الخريجين عندما دخلت في المساومة وهو ما جعل أناساً مثل محمود محمد طه عندما وجدوا ان حركة الخريجين دخلت في عباءة الطائفية انقسموا عنها وانفصلوا عنها واتهموها بالمذهبية وكونوا حركاتهم الأخرى ، ومن الجانب الآخر أيضاً نشأت الحركة اليسارية والشيوعية في نفس معنى النقد لحركة الخريجين.
إذا سلمنا جدلاً بهذا التحليل فإننا أيضاً يمكن ان نرى ان الساحة وقتها كانت خالية وليست كالآن حيث توجد احزاب راكزة وذات جماهير عريضة مثل الحركة الشعبية وغيرها؟
لا ليس بهذه الصورة المبتسرة لأنك عندما تتحدث عن الحياة السياسية في الأربعينات ، ستجد ان الختمية مؤسسة راكزة أيضاً وزعيمها السيد علي الميرغني يحوز لقب (السير) والسيد عبد الرحمن (سير) وعندهم مشاريع ولديهم دوائر اقتصادية وعلاقات مع مصر وبريطانيا.
طيب مع من ستتحالف للوصول إلى غايتك؟
أنا لست مجرد ولكني أنتمي إلى كتلة تاريخية، وهي المكونة من الحركات النقابية والعمالية والزراعية واتحادات الطلاب تكونت في الأربعينات وتكونت اطراف منها في داخل الحركة الاتحادية وحركة الأشقاء والخريجين التي تحالفت مع مصر وأضحت حزباً من الدرجة الأولى ، والحزب الشيوعي كان (خميرتها). وهذه الكتلة موجودة الآن لكن أصابها التفرق وحلت بها نكسات عديدة بدءاً من عبود ثم تلى ذلك حل الحزب الشيوعي مروراً بإنقلاب 69 ، ومعارك النقابات وفي بعض الاحيان زُج بهذه الكتلة في مغامرات لم تتحسب لها جيداً وكذلك الانشقاقات والانقسامات ، أنا بفترض ان هذه هي كتلتي وهناك ملاحظة مهمة حول عمل هذه الكتلة تتمثل في أنها أخطأت وسمت بنفسها بالقوى الحديثة ليس لتنشر الديمقراطية في الريف وتجدده ، أضحت خصماً على الريف ومعادية له بمعنى أنه في الوقت الذي يتحدث فيه الناس عن انتخابات على مر التاريخ ستجد هذه القوى التي سمت نفسها حديثة تطالب بدوائر للعمال والمزارعين والمثقفين والخريجين وهو ما يعني عندي الخوف من الريف وليس الحرص عليه، لان الريف بحسب رأيهم مملوك للسيد الميرغني والمهدي وهو ما سيأتي لنا بنواب من دوائر مقفولة ،وهو ما يجعل القوى الحديثة في مقام الهارب من الريف بدلاً من اقتحامه وتنشر الديمقراطية فيه وتهز الساكن فيه وتدخل في تحالفات معه اصبحت تنظر إلى قوى الريف هذه بعين خائفة ، والتي نجد أنها تحركت في الآخر وأنشأت حركات هامش أصبحت تنظر إليها كخصم وتسميها (عنف البادي) في الكتاب الذي خرج مؤخراً ، وأقول إن هذا الحلف التاريخي الذي حدثتكم عنه ما زال موجوداً ولكنه فشل في بناء جسور للتحالفات مع قوى الريف حتى يستكمل نفسه كحلف تاريخي يقود البلد إلى بر الأمان.
ما هو طرحك الحالي لبناء هذه الجسور المفقودة؟
أنتم إقرأوا كتبي لأن ما أقوله لك الىن ليس محض تأليف من هذه اللحظة ، بل هو موجود في كتب وأوراق علمية خاصة بي ومنشورة وانا عندي رؤية الآن وهي ظاهرة لكل المتابعين لما أنتج والآن أيضاً سيقرأها آخرون بعد خطوتي الأخيرة بالترشح للرئاسة.
إذا صوبنا النظر مرة أخرى لأمر ترشحك هذا ، نجد ان هناك سؤال منطقي من هم الذين سيعطون أصواتهم لعبد الله علي إبراهيم ، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا ان أغلب الذين يقرأون لعبد الله علي ابراهيم ويتابعون نشاطه الفكري هم من المسيّسين والملتزمين في أحزاب؟
ستصوّت لي الكتلة التاريخية التي ذكرتها لكم مع العلم أن التصويت لي او لآخر هو بيد هذه الكتلة ، وأنا سأخاطبها سواء كانت أفراد أو جماعات، وأنا خارج كداعية لأجدد لها تبعاتها التاريخية (وأقعد ليها) وأحملها حملاً لان تنظر لنفسها بشكل جديد وتعرف أن موقعها ما زال خالياً ، وأنا أيضاً أعلم أنها لم تعد نظيفة من الأفكار الأخرى كما أنها ليست "قاعدة ومنتظراني" ، لكني من جهة أخرى أعلم إلى أي درجة تتوق هذه الكتلة لتجديد حقيقي في مسار الوطن، وغنها لسنين عديدة لم تعط فرصة التفكير لصالح الوطن الذي منذ مجيء مايو نجد انه أصبح خاضعاً لطغم عسكرية سواء في المعارضة أو الحكومة ، وبمعنى أوضح (رأيك على قدر بندقيتك) والسياسة طبعاً ليست هكذا ، فلذلك أنت تجد ان هذه القوى التي كانت في اتحادات المزارعين والنقابات انسحبت وما تبقى منها مجرد "لغاويس" تبع المؤتمر الوطني أو "مزاعم" تحت راية التجمع الوطني الديمقراطي ، ولكي أوضح أكثر تجد ان التجمع الوطني لديه منظمة في لندن ( واجهة تسمى اتحادات النقابات الشرعية) وهذه الواجهة لها أكثر من عشرين سنة لم تخض تجربة حقيقية وتجد أن هناك آخرين يبغون من خلاله حفظ توازن القوى داخل التجمع عندما يعطي صوته في الاجتماعات لحزب معين في مقابل القوى الأخرى المكونة للتجمع ، هذه القوى الحية.....
حية أم ساكنة؟
الكتلة التاريخية هذه ما زالت حية بمعنى انها مستودع شفرة السودان القادم ، ومن هنا تنبع حيويتها وكون أنها أقصيت في مرحلة ما من تاريخ السودان هذا لا يجرح في حيويتها.
بالعودة إلى موضوع ترشحك نجد أن القانون ينص على أن الترشح لرئاسة الجمهورية يحتاج إلى تثنية من حوالي عشرين ألف مواطن موزعين على الأقل في تسع عشر ولاية ، فهل عبد الله على إبراهيم محتسب لهذا الأمر وكيف سيكمل الخطوات الإجرائية الخاصة بالترشح؟
أنا الآن ليس لدي أي تصور لهذا الموضوع ، وأنا أفتكر أن عشرين ألف شخص ليس عدداً كبيراً إذا أتيحت لي الفرصة وأوصلت صوتي للجماهير ، ليس من الصعب أن يثني عشرين ألف على ترشيحي ، لأن هناك سؤال مهم يجب أن نضع إجابته في الإعتبار هل التسع عشرة ولاية هذه بها مواطنون راغبون في التجديد أم لا؟( يعني في أي ولاية ما في عشرين ألف زهجانين وعايزين يغيروا "البتاع ده") .... هؤلاء الناس موجودين وعندهم رؤية حول مستقبل بلدهم ، وهم ليسوا مجموع غاضبين فقط ، لكن لم يقم شخص بمحاولة جمعهم كتفاصيل ، ولو مافي عشرين ألف مواطن يرغبون في التغيير يبقى على الدنيا السلام ومن الأفضل أن تقوموا بإغلاق صحفكم ، لأنو لا يمكن أن أتخيل مثلاً المديرية الشمالية أو الوسطى طوال هذه العشرين عاماً لم يولد فيها من يرغب في التغيير.
مرشح الرئاسة في حوار الأحلام مع الأحداث(2-2)
لا أخشى من عروبتي أو شيوعيتي
لا زلت تتلبسك روح جيلكم السابق وعقيلته "التوصوية" لأن الخطوة الطبيعية التي كان عليك عملها هي طرح أفكارك حول حركة التغيير المطلوبة ، وبعد أن تستكمل بناء هياكلها يتم الاختيار بشكل ديمقراطي لإسمها وبرنامجها ، وكذلك رئيس الحركة ومرشحيها لمستويات الحكم المختلفة ، بما في ذلك رئاسة الجمهورية .. لكنك فرضت نفسك مرشحاً رئاسياً ووضعت الإسم وما استبقيت شيئاً لغيرك؟
الطرق كثيرة إلى روما. أنت تعرض نفسك وتعمل ما أعطاك إياه الرب من الخبرة والعمر ، والمصداقية عند بعض الناس وبعدها التوفيق من عند الله.
هناك حديث منقول عن عبد الله علي إبراهيم لو انفصل الجنوب لأهدى لنا دولة جوار نادرة المثال .... ماصحة هذه المقولة؟
أنا لم أقل مثل هذا الحديث ، لكن هناك بعض الناس ينقلون عني بشكل غير صحيح . انا مقتنع أن الجنوب أصلاً لن ينفصل، والحركة التاريخية في طريق الوحدة... وأنا قبلت الجنوب كآخر بمعنى الكلمة، ولذلك قاومت جماعة الغابة والصحراء الذين يعتقدون أن السودان سيتشكل إلى ان يكون "حاجة واحدة" ليخرج لنا "إنسان سنار" ... ومعنى هذا ان الجنوب سيخضع لعملية تعريب وأسلمة ليكون إنسان سنار.وافتكر إنها صورة قبيحة واستعلائية، وأنا ناقشت هذه الفكرة باستفاضة في مقالي "تحالف الهاربين" لكنه لم يُفهم ... هناك أناس روجوا لعكس ما أردت لكن الفكرة الواضحة أنني أتعامل مع الجنوب بألا أخضعه لأي عمليات مسبقة في ذهني.. أو عمليات أنا أحتفي بها وهي أخرجتني، وأفتكر أنها ستطلع سودانيين آخرين..أفتكر أن الجنوب خضع لتفسيرات من ناس عاطلي موهبة وعاطلي نشاط علمي وممارسة، وحاولوا يقولوا إن هناك عرب "أولاد كلب" متربصين بكم منهم عبد الله علي إبراهيم والشوش ..في ناس قرأوا مقال تحالف الهاربين ولكن هم "ما بفهموا" ... التنوع الثقافي غبن وليس فرحاً .. بمعنى أن الناس في الجنوب والشمال والشرق والغرب يشكلون شخصاً واحداً، بهذا لسانك لن يظهر كلسان للدولة وكذلك شكلك ... ملابسك ... التعريف الصحيح أن يسترد لهؤلاء الناس غير العرب منزلتهم في الدولة والسياسة الثقافية والسياسة وغيره.. وانا أفتكر أنني أكثر شخص أعطيت هؤلاء الأقوام الآخرين مساحات للحركة ، قائمة على خياراتهم هم ، ولا على خياراتي وتصوراتي، وهو أن يأتوا إلى ساحة الوطن أحرار يقيمون علاقاتهم الثقافية مع الناس .. أنا أول شخص تكلم عن أن حتى فرض اللغة العربية كلغة رسمية على هؤلاء أمر غير صحيح .. لأنه في الآخر ينشأ في أذهان الناس صورة السودان هي أنك إذا لم تنطق بالعربية فمعنى هذا أنك لست سودانياً!.. وضربت مثلاً بحركة المرتزقة 1976م الحكم عليهم كان كيف؟ أي شخص لا يتحدث اللغة العربية أو ينطقها بشكل مكسر فهو مدان ! .. والسبب في هذه المسألة أن الدستور كان يقول أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية .. وما أفتكر في 1976 في شخص وقف ليدافع عن عجمة السودانيين غير العرب مثلما دافعت عنهم أنا . لهذا كل ما يقال عني في هذا الإطار نتاج جهالة .. مثلاً هناك شخص يترصدني بسبب أن الطيب صالح مرة علق في ندوة قائلاً :" إن عبد الله علي إبراهيم مخطئ في هذه المسألة ". وأصبح كل من يكتب يقول الطيب صالح قال إنك مخطئ. انا شخصياً افتكر أن واحدة من أزماتنا الكثيرة أننا "سمّيعين" ولا نقرأ، ولا توجد لدينا الثقافة التي تستطيع أن تربط الأفكار ببعضها وهذه هي أم المشاكل .. مثلاً د.حيدر إبراهيم كان صديقي و"يشيلني في رأسه"، لكن لم أستطع أن أقبل تصوره هذا، ودائماً يستفز في النقد وافتكر أنهم عطلوا أنفسهم عن اللحاق بحركة العالم والنظر والمصادر وأنا ربنا وفقني ... وعندما أناقشهم في أفكاري هذه وغيرها يأتيهم نوع من الغرور أن عبد الله عايز ....! لهذا أنا اضطرت للتضحية بهم رغم أننا نشأنا مع بعض وتربينا مع بعض ... وهم أصلاً عن بكرة أبيهم كان عندهم (محبة شديدة في عبد الله).. لكن أنا لا أستطيع أن أجامل ... نحن لم نخرج لكي يكون عندنا حلف على الجمهور على أساس أننا أولاد دفعة.
ألا تخشى هذا العداء من أندادك؟
أنا لا اخشى من هذه النقطة وكذلك لا أخشى من مسألة عروبتي وشيوعيتي .. وفي الآخر أقول لأي شخص المسألة في النهاية انتخابات إذا عندك شكوك حولي "ما تصوت لي" .."إذا إنت بتقراني
أقراني" وإذا أردت أن تفهم مني ، وإذا أردت أن تسأل عني ، يمكنك أن تسأل الناس عني .. وفي الآخر لو اقتنعت صوّت لي .. أو صوّت ضدي .. لكن لا يكون الأمر اتهامات دون معلومة.
الأميون سيفهمون حديثي أكثر من أساتذة الجامعات
ألا ترى أنك تواجه أزمة ، فأنت تعاني من عدم فهم ما تكتبه وسط المثقفين ، ما بالك بدخول انتخابات العامل الحاسم فيها الأميون؟
عندما نقول أميين لا نعني جاهلين ،أميين (ما بفكوا الخط) فأنا أثق في هؤلاء لو جلست وتحدثت معهم دقيقة واحدة أعتقد أنهم سيفهمون حديثي أكثر من أساتذة الجامعات ... ليس لأنهم سذج ، لكن الجبهة التي اختارها جبهة واقعية ليس لها"وغش في رأسها" وتعلم مصلحتها ومتى ما وجدت شخص يعبر عن كل هذه المعاني ستقتنع ... عندما يقول المثقفون أن لديهم المعرفة لأن يستطيعون القراءة وهؤلاء لا يفهموننا ، هذه محاولة تجنب لمواجهة الذات ومواجهة المشكلة التي صنعتها الصفوة المستنيرة التي ترمي جلدها في البادية ... وأفتكر أن البادية هي أكثر خبرة في العمل الذكي الذي يعمل في ظروف شحيحة وتنتج لنا ثروة حيوانية متميزة، كيف نوزع الاتهامات جزافاً! وإذا أردنا أن نعالج الأزمة من المفترض أن نعالج ما أسميته أنا بالعقل البرجوازي الصغير ، الصفوة هي التي كانت تخطط وتنفذ وقوم بالانقلابات وتذهب للحرب وهكذا ... أنا أصر أن جمهوري محتمل يكون أمي وهي مسألة ليست ذات صعوبة عندي .. لأني أفتكر أن المسألة مجرد (فك خط) ونحن أمة نبيها أمّي ... بغض النظر عن تفسير الكلمة ... النبي كان أمّي ... ولا يصح بعد ذلك أن نقول الأمية ميزة سلبية.
هل تتوقع قيام الانتخابات في مواعيدها ويمكنك خوضها والفوز بها؟
أنا ألقي بحجر في هذه البركة لأنني لو تركتها لن تكون هناك انتخابات ، والسبب أنني لحظت أن منهج التفكير المسيطر هو عدم قيامها ، وإذا قامت فعلاً فإنها ستزوّر ...و...و.. أنا أفتكر أن تحركي هذا من شأنه أن يضع الانتخابات كحقيقة من الحقائق التي لا مهرب منها لأنه ليس لدينا سكة غيرها ... ليس لدينا سكة كاملة ذات إرادة وطنية غير الانتخابات ... أي سكة ستكون ماذا يريد أن يفعل أوكامبو .. أيضاً ستحمل معها الانفصال بشكل مؤكد وستضيع البلاد في انتظار المصريين وقطر وغيرهم مما يجعلنا معلّقين بإرادات أخرى .مثلاً اليوم مبادرة قطر معطلة للوضع العربي .. لا يمكن أن تنتظر الناس أعطوك أو منعوك.أنا سأخوض الانتخابات لأقول هذه حقيقة ، وهذا هو المفتاح الوحيد الذي نملكه كإرادة وطنية وكقوة حية مستعادة في الساحة .أنا وأنت لن يكون لدينا سلاح نجند به وندخل به الساحة الخضراء وتقدم لنا "المساوات والتشغيلات"..! نحن الطاقات المعطلة لعشرين سنة أو ثلاثين .. القوة الصامتة والأغلبية الصامتة ، ليس لدينا سكة غير الانتخابات.والقصة ليسس أنني أتكهن أو أنا أتفاءل أو أتشاءم أو ... في النهاية الانتخابات لا بد لها أن تحدث فعلاً وهي المطلب الأول. ليس لأن عبد الله يريد أن يترشح ولكن كما قلت هي الإرادة الوحيدة في يد القوة المستعادة للساحة السياسية بعد زحزحة (الطغم)... وبغير ذلك تستعيد هذه الطغم إراداتها. ويبقى أوكامبو هو البطل والمخلص لنا ...!
الانتخابات ليست سهلة ، ولعلك تدري أن تكلفة الترشيح فقط ملايين، هذا غير المنصرفات الأخرى، ما هي خطتك لمجابهة هذه الصعوبات المالية؟
إذا لم يكن المبلغ متاحاً لكل سوداني يريد أن يترشح فأنا سأخوض معركة لكي يسقط هذا المبلغ لكي لا يكون حاجزاً، وإذا وجدنا أنه بإمكاننا أن ندفعه سندفعه، فقط يجب أن يكون منصفاً لأشخاص مثلي فقراء وأتوا من مواقع فقيرة ، وأنا لن أستطيع أن أدخل الانتخابات إذا لم أوفر المبلغ .. حتى لو في الدستور يمكن أن يعدل "مافي دستور لا يعدل"...أنا أتحدث عن إرادة ضاغطة .. أنا أعمل على أساس أن أضغط لتتخلق بيئة أستطيع أن أعبّر عن نفسي من خلالها .. إذا حددوها مثلاً 300 مليون أو 500مليون معنى هذا أنهم لا يريدوننا أن ندخل ..أنا أحتج على ذلك "يا أيها الشعب السوداني أنا لا أستطيع أن أدخل الانتخابات" هذه الأشياء مهمة .. لن أسكت وسأحتج وأحرك الأمر بقدر ما وسعني ..لا أقبل أن تُقصر الانتخابات على الأغنياء .. وهي في الآخر حربي القادمة .. ولو كنت أريد سكة الأغنياء كنت بقيت في المؤتمر الوطني منذ أن تحالفت معهم لفترة قليلة في عام 1989 وقد أكون مرشحهم للرئاسة الآن ، لكنني اخترت طريق الشعب والفقراء.
أنت قادم من أمريكا وتتحدث عن أمل وتغيير ، هل تظن أنك أوباما السودان؟
لا لا أنا لست أوباما ..أنا أخطر من أوباما وخبرتي السياسية والفكرية تماثل عمره "أنا أعمل بالسياسة قبل مولده" لكن ليس لدي مانع إذا في شخص بفتكر إني في أمل أكون مثل أوباما.
أيضاً قدومك من أمريكا جعل البعض يقول عنك كرزاي السودان؟
أنا أتحدث عن فرص "فاضية" أنا اتحدث عن قوى أنا منتمي لها واشتغلت فيها ، أنا ابن التحالف التاريخي للطبقة العاملة والمزارعين ..أنا عضو فيه. ولما قلت في بياني أنني كنت في ذيل الموكب ثم أصبحت في وسطه وساهمت بأدوار مختلفة فيه لم أكن منتهزاً ، أنا دائماً لاعب أدوار وعندما تفرغت سنة 1970 للحزب الشيوعي كان عندي دور ، حقيقة أنا عملت بعمر أوباما.
التفكير العام يقول إن الطموح سمة شبابية ولا يكون عادة لدى الشيوخ أمثال عبد الله علي إبراهيم متحدث الجبهة الديمقراطية في ندوة أكتوبر 1964 ويأتي ليحقق طموحه القيادي بعد قرابة النصف قرن من نشاطه السياسي؟
أنا لم أشيب في جزئي الأعلى "مشيراً إلى دماغه". أنا في حالة قفزات مستمرة.. لو واصت في الحزب الشيوعي برغم آرائي فيه لكنت أصبحت زعيمه مثلاً ...أنا إنسان أعتني بالطابق الأعلى "وأشار لرأسه"وباستمرار أفكر ، ويمكن أن أقول إنني شخص صاحب "رؤى" أعرف كيف اشتغل ذهنياً شغلاً شاقاً ... وعندما تقرأ من ألف إلى عشرين ألف جريدة وتعمل قصاصات و...و..ماذا تكون؟ في صناعة اسمها صناعة الرؤية مثل صناعة الاقتصاد...وإذا الشخص "مشى في هذا الطريق ما عندو عُمر".
لكن هذا الطريق يقود صاحبه لأن يصبح مفكراً وليس رئيساً؟
في ناس مفكرين قادوا دولهم ، مثلاً في تشيكوسلوفاكيا في مفكر جاء في وقت منعطف قاد الدولة وأعطاها رؤى وحزب مستقبلي ...وهكذا... في وقت من الأوقات يأتي المثقف ..ثم أنا ليس المثقف الذي لا يعرف العمل السياسي ، أنا عضو سكرتارية الجبهة الديمقراطية ..وعضو روابط الطلاب الشيوعيين ... وعضو وقائد حركة أباداماك ..جمعت بين الإثنين.الفكر يكون مستقبل وما بين النشاط العملي ...ولم أكن في وقت من الأوقات مثقفاً فقط أو ممارساً فقط ..أنا لست شخصاً أكاديمياً اقتادوه من مكتبه وقالوا له هيا إلى العمل السياسي والعام...دخلت في الأكاديميات وخرجت لأشتغل نشاط عملي ثم مرة أخرى رجعت عندما وجدت أني احتاج لفترة بيات طويلة ، اخلص إلى أنني لا ينطبق علي موضوع إنك مثقف فقط.
بعض من نظن أن لهم قدرات ذهنية تمكنهم من قراءة الواقع بشكل متقدم يأتوا ليفاجئونا بتحركات لا تتناسب وقدراتهم ، مثلاً المرحوم محمد أبو القاسم حاج حمد عمل حركة"حسم" وراهن على التغيير عبرها رغم أنه مفكر استراتيجي لكن كانت قراءته خاطئة، وفعلاً فشلت الحركة لعدم صلاحية التوقيت الذي اختاره... واليوم يأتي عبد الله علي إبراهيم برغم تاريخه السياسي الطويل بسيناريو مقارب ، مراهناً على حدوث تغيير وقيام انتخابات ، ويبدو أنه لم يتعظ من تجربة سلفه حاج حمد؟
حاج حمد اشتغل في صياغ "أحزاب الفكة" أو ما يسمى أفكار التوالي.ما افتكر انه عمل تعريف لنفسه وعلى خلفية كالتي أتحدث عنها.انا جزء من الحلف التاريخي لكي يقوم بدوره ويكون رقيباً ويكون كذا وكذا ."أنا عارف ماشي وين"... انا لم أناقش أياً من المثقفين ولا أصحاب الرأي ..ولا أرغب في هذا الآن ..أنا عاوز أعمل رمز للبلد ..."ما تجيني قاطع تعال من ركاز معين ، تعال من التزام" لأنه هذه معاني لقيتها في حياتي بين الناس والأهل واستمرت معي طوال هذه السنين. وكل خطتي ستقوم على فكرة هذا التحالف التاريخي ...أين مكامن قوته وأين متاعبه وكذا. ولن أبحث عن أشخاص لمجرد أن لديهم أموالاً يمدونني بها، أو لديهم عمود في جريدة لكي يكتبوا عني .."أنا ما عايز أبقى رئيس جمهورية وبس" ..عايز أبقى رئيس جمهورية من حوله حركة جديدة للتغيير. ولما أكون فيها فعلاً يكون لدي ما أعمله بها وعنها ... ولن أكون معتقلاً بامتنان لجماعات معينة أجاملهم أو غيره.. أنا اتجه للتغيير بطريقة جذرية وتفكر في تغيير وضع البلد بطريقة مختلفة جداً والتي سعينا لها منذ خروج الاستعمار الذي لم نفعل شيئاً لمحو آثاره بشيء جديد ، لم نكن نشتغل فيه من قبل.
هل تتوقع أن تقوم قوى سياسية بالتحالف معك أو دعم ترشيحك مثلاً؟
والله أتمنى ذلك ..لكن "ما في زول حيجيك بأخوي وأخوك" ..لا يمكن أن يأتي لك ليقول نحن معك ...ولكن عندما تعمل تأثيرك سيحصل هذا الأمر ...مثلاً في مدينة عطبرة كان في محجوب ومحمد نور الدين كانت هناك حركة حقيقية ، والزعماء كانوا مضطرين أن يذهبوا إلى عطبرة لأجل أن "يكونوا هم هم" ...لهذا عندما نصير حركة ضاغطة من المحتمل أن تأتي إلينا التحالفات على مستوى رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الجمهورية بمعنى يفاوضوك حول منصب نائب رئيس الجمهورية ..." أنا نازل عشان أفوز" لكن ممكن أفاوض على نائب في حالة تحالفات لكن لن اتنازل عن رئاسة الجمهورية.
هناك اتهام يواجهك وهو أن الظرف التاريخي الذي يمر به السودان ووضعه الحالي في هذا التوقيت يخرج عبد الله على إبراهيم ويقول أريد أن اترشح لرئاسة الجمهورية ... البعض يقول إنها ملهاة بطلها عبد الله علي إبراهيم ووصلوا إلى درجة القول بأنها فرقعة من المؤتمر الوطني لكي يشغل الجماهير بشيء آخر ويتناسوا هموم الوطن وأوكامبو وغيره؟
أنا ما عايز أعطي البلاد لأوكامبو .. وهناك بعض الناس يرون أن حل البلد أن يتهم البشير بما يتهم به والعالم يلاحق السودان وكذا وكذا إلى أن من يسقط البشير ... هل هذا هو الحل ؟ ولو انتهى البشير يأتوا ليقودوا الدولة ... ما أفتكر إنها طريقة رصينة أو شجاعة ، إنت كأنك وكلت اعالم ليحل مشاكلك ...وما هو الضمان ألا يأتي الأمر عبر شراء آخرين ...أنا أفتكر أن مثل هذه التكهنات تصادر حقي في أن أترشح لانتخابات متفق عليها.
نحن لا نصادر حقك ... لكن الآن القضية الشاغلة الساحة السياسية موقف الرئيس المتهم .. وأنت رؤيتك المختلفة ؟
أنا أولاً مهمتي أبشر بأن المفاتيح عندنا وما قلت سابقاً .. بدلاً أن تجلس على قارعة الطريق.
لنفرض أن عبد الله علي إبراهيم فاز؟
هذا ليس همي الآن ..أنا في هذه المدة سأستمر ..وسأطلب مقابلة البشير ... وناس دارفور والحديث إلى الناس وتلقي المعلومات.
يعني ليس لديك خطة مسبقة..فقط ستبني على حسب تفاعلات الواقع ؟
الخطة عندي..إنه المفاتيح عندنا .. هي خطة بديلة ومهم أن تفهمها أنها نقيض لما يتحدث عنه الناس ... أوكامبو سيلعب أدوار ... وقد يلعبها في داخل البلاد ، لكن يجب أن نسترد الإرادة الوطنية ... والحمد لله عندنا المفاتيح لذلك ...انتخابات ، استفتاء، وتكوين اتفاقيات ... انا أرى انها منجزات لا يستهان بها هناك ناس ماتوا من أجلها ، كم ماتوا من الحركة الشعبية والجيش وأهل دارفور ؟ وذات المبدأ ينطبق على الاستقلال ، لا ألعب به أبداً ..لهذا ترشيحي كي أشدد على أن هذا هو الطريق .
عبد الله علي إبراهيم يساند قيام الانتخابات بغض النظر عن الرئيس مستقبله السياسي ما هو ؟
قلت لك إنها سياسة في داخل السياسة الأساسية ، جائز أن تتفق عليها أو لا تتفق عليها هي ليست عقيدة.
ما هو رأيك في الجنائية الدولية ؟
"يا سيدي عندي حاجة عايز ألح عليها" ... وهي المفاتيح بيدنا ، مفاتيح المخرج عندنا ...إذا توحدت الإرادة لدينا وإذا ارتفعنا عن الكيد ..إذا وضعنا البشير نفسه في سياقه التاريخي "إذا قلنا نكسة سياسية في الاستقلال هو مش أولهم او آخرهم".
لكنك لم تجبنا على سؤالنا بشكل واضح؟
أي محاولة لشخصنة أزمتنا إلى شخص مصابين الآن منه بالإحباط أو البغضاء أو المرارة وافعل بنا كذا أو كذا هذه سياسة من الدرك الأسفل ، أبعدنا نميري بإرادة وطنية ماذا فعلنا ذهبنا إلى قاعة الصداقة شطبنا اسمه من افتتاحية البرلمان ولاحقنا مصر بأن تعيده لنا لنحاكمه إلى أن توترت علاقتنا معها مما جعلها تؤيد أو انقلاب ضد حكومتنا الديمقراطية قبل أن تعلم بهوية منفذيه، يعني نحن"ما عارفين نميري والبشير في معيار السياسة ومعيار بناء الوطن"هم جناح بعوضة فلنترك ما فعلوه ، نحنا جيلنا كان عندما تتكلم معاه عن عبود يصطك . وجاء الجيل الآخر وهكذا، أنا شخص عشت هذه التجارب أقول ليك يا أخي هذه الحكاية يبدو أنها لم تفهم من قبل الناس لأنها صيغ وتراكمات وبنى سياسية واجتماعية ستخرج هؤلاء الناس يجب أن أشتغل فيها هي لأني الآن أنا متأكد أن البشير لو "شالو أوكامبو" الناس لم تفكر في البديل للبلاد.
يعني أحسن "يجيبوا" عبد الله علي إبراهيم؟
(ضاحكاً) بس جيبوني ...أنا فكرت في الموضوع وما حاولت أحمل الأشخاص والقضايا الفرعية أكثر مما تحتمل.
هل ستعقد ليالي سياسية كما هي عادة المرشحين أم لديك أفكار أخرى للدعاية؟
انقل عني أي إنسان يرغب في أن عبد الله علي إبراهيم يأتيه ويخاطبه في كل مناطق السودان قرى أو أقاليم أنا جاهز ، ولن أعقد ليالي سياسية"نقعد زي القعدة دي" واستمع لأنه من الجانب الآخر نحن ما بنستمع للناس ، الأعمدة الصحفية كلها "ما في زول استمع لي زول" كلها تخريس ، كذا وكذا وننظر في الفنجان.
بمعنى أنك ستكون رئيس قادم من الصوالين؟
أنا أصلاً بستمع للناس لأن عملي في التراث إني استمع للناس وأنا مدرب على الاستماع للناس ، أذهب إلى الكبابيش مثلاً أستمع إليهم وأنقل عنهم . أنا ما عندي شيء أقوله لهم وكذلك أذهب للرباطاب استمع للناس وأشواقهم ومتاعبهم مع تراثهم ومتاعبهم مع الدولة الحديثة ، وهناك قصص كثيرة جداً علمتني أن هناك حكمة أخرى غائبة واسمهم أميين أو ريفيين نحن نطردهم من دائرة المعرفة.
التجمع والأمة عاطلون وتبّع
إنت كنت تحلم بالرئاسة... أو بصيغة أخرى متى فكرت (بالضبط) إنك تترشح للرئاسة؟
أنا كنت بفكر دائماً ما هي الخدمة الأخرى التي سأقدمها للوطن.
منذ متى؟
لا دائماً أفكر وأنا منذ خرجت من الحزب الشيوعي اعتبرت إنها (الخدمة الاولى) بمعنى إنك والله يعني تخلص نهائياً للوطن ، لأنه أساساً أعمل أستاذ جامعي وكاتب وغيره ، والخدمة مستمرة"نفكر ونكتب ونناقش" لكن دائماً هاجسي متى أنا أتفرغ للخدمة الثانية والأخيرة ، وأنا عندما خرجت من التفرغ الأساسي الأول كنت احتاج زمناً لكي استكمل نفسي (ماجستير ودكتوراة) من أجل ان أعيش لأنه أصبحت تواجهني مشكلة المعيشة عندي أنا في السابق كنت أعتمد على الحزب الشيوعي لكن الوضع اختلف وفرضت احتياجاتي العائلية ومشاكل أسرة تحتاج أن تسهم في حلحلتها ، فأخذت وقتاً طويلاً نسبياً لكن أيضاً اعطتني الفرصة أن أجلس في البرج العاجي وأفكر في الأمر كلياً ، وكانت تراودني فكرة ما هي الخدمة الأخيرة.
ألم تكن لرئيس جمهورية بالتحديد ؟
أنا قلت لك إنها أتت من مسألة الاتفاق على الانتخابات.
لم تجب إلى الآن على سؤالي متى فكرت بالضبط في مسألة رئاسة الجمهورية؟
أقول لك مثلاً قبل عدة سنوات تحديداً بعد توقيت الانتخابات ، فكرت في أن الانتخابات مهمة ، ليس أن أترشح كرئيس ، أنا لم أفكر في قيام الانتخابات أنا عملت من أجل أن تكون هناك انتخابات . مثلاً أيام مفاوضات نيفاشا عندما" يقوموا ناس التجمع العواطلية ديل وحزب الأمة" يقولوا لم يشركونا أقول لهم فعلاً لا يجب أن يشركوكم "انتو أصلكم تبع ساكت "، والحقيقة أن المناقشات كانت متجهة إنها "تدفق الناس العندهم سلاح"، وبعدها الاتفاقات الاخرى كلها ساهلة يعني أنا كنت ملح على أن أي درجة من درجات السلام هي مهمة لماذا؟ لأننا نريد أن نسترد لدائرة العمل السيباسي القوى المستبعدة لأن لو الناس بيحملوا السلاح ما في نقابة تحمل سلاح وبالتالي يمكن أن ينسحب الأمر على اتحاد طلبة بالمعنى الحقيقي واتحاد كتاب ....إلخ، لهذا دائماً كان عندي هذا الاعتبار ، كلها أفكار تتناسق وتنتظم مع بعضها.
إلى الآن لم تقطع لنا متى فكرت أن عبد الله علي إبراهيم يجب أن يكون رئيساً للجمهورية؟
صعب جداً بالتحديد أن تقول متى فكرت في هذا الأمر.
أنا أكثر شخص مستعد لانتخابات رئاسة الجمهورية
ببساطة تكرارنا السؤال مبني على أنك لو فكرت منذ فترة طويلة وشرعت فعلياً في تنفيذ فكرتك كان يمكن أن يكون لديك زمن أوسع من هذا الذي اخترته والانتخابات على الأبواب؟
"يا أخوانا مالو هسي منو المستعد غيري" ؟! ضاحكاً ...الرئيس لم يعلن وكذلك الختمية بدأوا اجتماعاتهم قبل أيام في الغريبة ، الصادق المهدي لا يدري ماذا يفعل ، سلفاً يقولون إنه سيدخل المنافسة ومرة أخرى ينفون الأمر برمته ، جدياً ليس هناك شخص مستعد غيري.
هل أعددت خطاب الرئاسة...على طريقة احد رؤساء البرلمان السابقين عندما قال لمن انتخبوه رئيساً لقد فاجأتموني .... ومن ثم فاجأنا نحن بإخراج خطاب جاهز من جيبه وشرع في قراءته؟
يضحك طويلاً .... لا لا الخطاب سيعده الناس ، لانه من غير المنطقي أن أذهب للناس وأقول لهم أريد رأيكم وانا خطابي جاهز "ما معقولة"! ... لازم استمع بشكل جيد للناس وسيكون لدي مستشارين وناس لديهم خبرات واتمنى من هذه الحركة أن تخرج جماعات معرفية وثقافية ويقوموا ببحوث لكي يساعدوا في إعداد الحملة من أولها إلى آخرها.
هل ستحاول ان تجمع كتاباتك في سفر واحد "أعمال كاملة".. لكي يتمكن الناس من الغطلاع عليك بشكل كامل؟
أنا اتوقع أن يأتي شخص ليقول لي سنجمع كتاباتك وننشرها في موقع على الانترنت ، كذلك اتخيل إن ذهبت الأمور كما نبتغي أن نجد أشخاص يوثقون لنا بل أطمح في أن نمتلك مطبعة كاملة ، وكذلك أتمنى أن أجد من يقول لي أنت مظلوم في فهم أفكارك لأن البعض يقول إنك عروبي وأنت ليس كذلك ، بل أنت من أعطاهم حريات وأعطاهم كذا لهذا سأترجم لك كتابك المعني إلى لغة الدينكا مثلاً ... لا توجد حدود للناس الذين يرغبون في التغيير في كيفية استقطاب مادتهم وهي كثيرة جداً ويمكنهم استخدامها كتابة وصورة وتوثيقاً ، على سبيل المثال أتوقع ان تخرج في هذه الفترة وثائق عن الحركة النقابية وكيف نشأت وإضرابها ونشاطها.
هل يمكن أن نقول إنك شرعت عملياً في محيطك الصغير على أقل تقدير "أنذر أهلك الأقربين"؟
أنا أرتب لزيارة عطبرة يوم الإثنين ، وحقيقة هناك شباب متجمعين ومستعدين "حسب كلامهم".
هل نعتبر ان هذه دعوة للصحفيين لمرافقتك؟
ليه لأ ... لكننا سنذهب بالبص وعندما نمتلك طيارة صغيرة سنحملكم بها.
لم أحمل جوازاً أمريكياً تحوطاً لمثل هذا اليوم
وماذا إذا فشلت في جمع الناس من حولك ، إلى أين ستتجه؟
إذا لم أستطع سأذهب ولن أكون حزيناً ، ولن أعود لأمريكا لأدرس في الجامعة مرة اخرى "انا بقدر أعيش لأنو هذا منزلي" ولو جلست وكتبت كتب فقط سأعيش بمبيعاتها ويمكن ان اتجه للتدريس أو أكتب بالصحف.
يعني أمريكا تاني مافي؟
لا لا أن أذهب لكي أحافظ على Green Card... وأنا حرصت على ألا أحمل جنسية فقط Green Card لكي تكفي غرض العمل، وأتت مواقف تستحق التفكير في الجنسية الأمريكية مثل عدم قدوم زوجتي التي كانت تنتظر أربع سنوات من أجل أن تلحق بي ونائب الدائرة قال لي بصراحة ليس هناك طريقة غير أن تكون أمريكياً لكن هذا لم يغريني لكي أسعى لإمتلاك الجواز الامريكي، ولأنني لدي استعداد لمثل هذا اليوم " لو جيتك قلت ليك عندي جنسية أمريكية سأكون قد انتهيت تماماً "، وأي شخص ممكن ينتهي مني.
شكلك جاهز من زمان لمسألة الرئاسة؟
ضحك ثم أجاب .....ااي |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
الأخ الكيك سلام أولأ لا أرى أن الدكتور يسعى لتفادى محكمة ميسورى لأنها قضية لن يكسبها دكتور منصور هذا لأسباب فنية لا علاقة لها بما ذكره الأخ هاشم لأن د.كتور عبدالله فعلا أساء لسمعة منصورصراحة واتهمه بالعمالة لجهة محددة دون دليل. لا أود الاسترسال هنا ..
ثانيا أريد أن أعلق على الحوار والذى أتى به مشكورا الأستاذ الشقلينى فدكتور عبدالله لايمكن أن يكتب أويقول شيئا دون يدلس..
حسنا أن الرجل أكد عدم حصوله على الجنسية الأمريكية .. ولكنه يدعى بأن السبب هو مابصدده الان، ومن رواية الدكتور لابد أن أن قراره هذا أتخذه منذ عشرات السنين .ألا يتعارض هذا مع ماذكره الدكتور عن توقيت التفكير فى ترشيح نفسه الان. كان على الدكتور ذكر الأسباب الحقيقية لعدم سعيه للحصول على الجنسية بدل إيهامنا بمقدرته الخارقة لقراة المستقبل. لعدم تقتنا في مصداقية الدكتور سنتاكد بأنفسنا من صحة إدعاءه بعدم حصوله على الجنسية وأسبابه…..
Quote: ولأنني لدي استعداد لمثل هذا اليوم " لو جيتك قلت ليك عندي جنسية أمريكية سأكون قد انتهيت تماماً "، وأي شخص ممكن ينتهي مني. |
صدق الدكتور هنا: فعلا كنا حاننتهى منه....ولكن لايعتقد الدكتور بأنه من الطلقاء.. على العكس أصبح من السهل أن ننتهى منه إذا فكر فى مواصلة سخفه هنا- يعنى بالسودانى كدة مايمشى يسقط ويجينا حانف وشيهو ...ثنك تانك وكدا مافى..
Quote: ولن أعود لأمريكا لأدرس في الجامعة مرة اخرى "انا بقدر أعيش لأنو هذا منزلي" ولو جلست وكتبت كتب فقط سأعيش بمبيعاتها ويمكن ان اتجه للتدريس أو أكتب بالصحف. |
هنا يمثل الدكتور دور المتقاعد الفقير الذى ينوى قضاء ماتبقى من عمر مسترزقا من الكتابة والتدريس... الدكتور هنا يخفى دخله المتوقع من الSocial Security Benefits ونسبة لخدمة الدكتور الطويلة ووظيفته المحترمة يمكن أن تبلغ أستحقاقاته ألاف الدولارات لابد أن الدكتور رتب أو سيرتب طريقة تحويلها له شهريا....ولكن الدكتور وبقدرة قادر لايذكر هذا ويذكر مصادر دخله التى فى علم الغيب... هل أصبحت أمريكا سبة تمنعه ذكر حقا كسبه بعرق جبينه...وأذا كانت أمريكا كذلك لماذا بقى الدكتور بها طيلة هذه المدة.... إنها الأنتهازية والتى يعقبها الجحود ... لأشك أن الدكتور سيواصل تدليسه مفترضا وبكل بؤس جهل الاخرين..
لكم الود سيف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: SAIF MUstafa)
|
شكرا للاخوين الشقلينى على المتابعة وارفاد البوست بالحوار التاريخى والذى اوضح الكثير من الحقائق وايضا للاخ سيف مصطفى واشكره على رايه وممكن يتواصل معنا والراى مفتوح للطرفين المؤيد والرافض لهذا التصرف من انسان مثقف فى كيفية التعامل مع زملائه الاخرين خاصة فى المحاضرة والتى نتحدث بصددها والتى لم تقم لان المحاضر استغفل الجميع وحول مسار الموضوع الى شخصه بالترشيح فجاة دون ترتيب او استعداد لهذا الموقف الذى اخل فيه بالاتفاق بينهما .. ولعل الاخ فيصل يتداخل ويكشف المزيد هنا وقد وعدنى بالمشاركة وانا فى انتظاره
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1019 -------------------------------------------------------------------------------- الكاتب : admino || بتاريخ : الخميس 01-01-2009 عنوان النص : تعقيب على د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم : الشريعة والحداثة (1) د.عمر القراي
ليس في المعاني الانسانية ما هو أرفع من الدين ، فلقد نشأت المجتمعات على الأعراف الدينية ، فحفظتها ، بما ارست فيها من قواعد الأخلاق والسلوك .. فالدين أول ماعرف الانسان ، وسيكون آخر ما يعرف .. فقد تصور الانسان البدائي قوى الطبيعة المختلفة ، آلهة جبارة ، تتحكم في حياته ، ولا تأبه بمصيره ، فتزلف اليها ، وقرب لها القرابين ..وكان يرى اقرباءه الذين ماتوا في احلامه ، وهم يتحركون وكأنهم في حياتهم العادية ، ومن هنا نشأت فكرة الحياة الأخرى ، ومختلف التصورات عنها..وزاد الخوف من بطش الآلهه ، اذ تعدى الأذى في الدنيا الى العذاب في الحياة الدائمة !! ولكن ذلك الخوف هو الذي حفز الانسان في مراقي التطور ، فخوفه من عناصر الطبيعة ، ومن الحيوانات المفترسة ، ومن اعدائه ممن هم مثله ، مدد خياله ، ووسع حيلته في التخفي ، والمناجزة ، وشحذ ذكاءه ، فاكتشف قوانين الطبيعة واستغلاها في تصنيع سلاحه وتطويره من السلاح الحجري حتى القنبلة الهايدروجينية !! أما الخوف من عقاب الآلهه في الحياة الأخرى ، فقد اعانه على كبت رغائبه وشهواته، والخضوع لعرف الجماعة ، حتى في غياب الرقيب ، وضمان الأمن من بطشها ، ومن هنا نشأ الضمير الانساني في سحيق الآماد ..
فلم يرسل الله الرسل ليخبروا الناس بان لهم الهاً ، لأن ذلك سبقتهم اليه رسل العقول . فقد ادرك العقل البدائي الساذج بالتجربة المعاشة ، ان ليس هناك شئ صنع نفسه بنفسه .. فقام في خلده ان هذه الأرض الواسعة ، والجبال الهائلة ، والبحار والانهار والاشجار السامقة والسماء والشمس والقمر والنجوم ، لا يمكن الا ان تكون قد صنعت بيد صانع قدير ، أقوى وأحكم من الانسان !! وهكذا نشأ الدين في الأرض ، ثم ألمت به أسباب السماء ، على مكث ، وتلبث ، فهذبته ، وسيرته وفق أرادة هادية من ظلام الوثنيات الى نور التوحيد .. فعرفت أديان التوحيد الله للناس ، ووصفته لهم على قدر طاقتهم ، ومهدت طريق الرجعى له بمناهج العبادة وحسن الخلق ، والطقوس المختلفة ، مما نشرته الأديان على مر الأزمان ..
(2)
في تلك المراحل البدائية من مسيرة الدين ، كان هناك مشرفون على القرابين وحراس للنار ، وامكنة العبادة ، فأخذ هؤلاء يفسرون للعوام رغبة الآلهه ، ويستلمون الهدايا باسمها ، ويحافظون على مكانتهم بتلاوة التعاويز والرقي ، التي لا يفهمها عامة الناس !! فاذا ارتفع الدين في النفوس ، قام سدنة النار ، وحراس المعابد ، والكهنة بواجبهم تجاه الآلهه ، وتجاه المواطنين ، ومثلوا صوت العقل ، بينهم وبين الأقوياء ، الذين كانوا يغتصبون حقوق الجماعة ، ويبنون على آلامها امجادهم الشخصية .. وحين ينحط الدين في النفوس يخاف رجال الدين من الزعماء الأقوياء ، ويطمعون في عطاياهم ، فيهرعون لمساعدتهم في بسط نفوذهم على الفقراء ، والمساكين ، ويستعملون الحجج الدينية التي تدعو العامة للتسليم للزعماء ، والخضوع لهم ، والا غضبت عليهم الآلهه ، واستحقوا بطش الزعماء !! وهكذا يختل ميزان العدل ، ويسود الظلم والفساد ، ويجمع الطغاة الى السلطة الزمنية ، الني اغتصبوها بالقوة ، سلطة دينية تلحقهم برضا الآلهه يحققها لهم الكهان ورجال الدين .. وبسبب جهل العامة بالدين، لاحتكار رجال الدين لاسراره ، وبسبب ضعف علماء الدين ، وطمعهم ، جاء الحكام الأقوياء الذين ادعوا الآلوهية نفسها !! ومن هؤلاء الفراعنة الذين حكموا مصر ، وغيرهم ممن عاصرهم ، وسبقهم ، أو لحقهم من الملوك ..
(3)
وحين تأذن الله تعالى أن يسوق الوثنيات الى غايتها ، بعد ان استنفدت غرضها ، جاءت أديان التوحيد مواجهة لعقائدالشرك ، وللملوك الذين نصبوا أنفسهم آلهه على البشر ..فكانت ثورة أبراهيم الخليل ، عليه السلام ، على آلهة قومه ، وحواره المشهود مع الملك الذي ادعى الالوهية .. ثم جاء موسى عليه السلام ينازع فرعون الوهيته المزعومة ، ويخرج بني اسرائيل من بطشه وقهره ، ويهلكه وسدنته من رجال الديانة المصرية القديمة .. ولما كانت سطوة الملوك لا تزال قوية في النفوس ، والاتباع بعيدين عن الوعي الذي يؤهلهم لحكم انفسهم ، فقد ارسل الله الانبياء الملوك فجاء داؤد وسليمان عليهما السلام .. ولعل هذا ما جعل اليهود ينتظرون نبياً ملكاً ، فلما جاء عيسى عليه السلام فقيراً زاهداً ، رفضوه واغروا به حكامهم من الرومان .. ولقد كان فقهاء اليهود الذين يسمون الكتبة أو الفريسيين يحاولون بشتى الطرق ان يعزلوا المسيح عليه السلام عن الناس ، ويوقعوا بينه وبين الحاكم ، حين عجزوا من مناظرته ، وحواره .. ولقد كانو كمن سبقهم من الكهنة يتمسكون بقشور الشريعة ، ويفرطون في جوهر الدين !! ولقد وصفهم المسيح عليه السلام وأحسن وصفهم حين قال :
لكن الويل لكم أيها الكتبة و الفريسيّون المراءوون ! فانكم تغلقون ملكوت السموات في وجوه الناس ، فلا انتم تدخلون ولا تدعون الداخلون يدخلون ! الويل لكم ايها الكتبة والفريسيّون المراءوون فانكم تلتهمون بيوت الارامل ، وتتذرعون باطالة صلواتكم لذلك ستنزل بكم دينونة أقسى ! الويل لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراءوون ! فانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا متهوداً واحداً فاذا تهود جعلتموه أهلاً لجهنم ضعف ما انتم عليه .. الويل لكم أيها القادة العميان ! الويل لكم ايها الكتبة والفريسيّون المراءوون فانكم تؤدون حتى عشور النعنع والشبث والكمون وقد أهملتم أهم ما في الشريعة : العدل والرحمة والأمانة ... ايها القادة العميان ! انكم تصّفون الماء من البعوضة ولكنكم تبلعون الجمل ! الويل لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراءوون فانكم كالقبور المطلية بالكلس تبدو جميلة من الخارج ولكنها من الداخل ممتلئة بعظام الموتى وكل نجاسة ! كذلك انتم أيضاً تبدون للناس ابراراً ولكنكم من الداخل ممتلؤن بالرياء والنفاق ( انجيل متى 23) !
ولقذ تآمر الفريسيّون على عيسى عليه السلام ، وسلموه لقتلته ، وذلك أقصى ما بلغ رجال الدين من السوء ومن تزلف الحكام .. على ان المسيحية نفسها وقعت في شرك رجال الدين وتبريرهم لصلف الحكام !! فبعد بضع سنوات من عهد المسيح عليه السلام كتب القديس بولس " ومن يقاوم السلطان فانما يعاند ترتيب الله " !! (روجيه غارودي (1996) : نحو حرب دينية . ترجمة صياح الجهيم. بيروت : دار عطية للطباعة والنشر. ص 15). وبعد فترة ظهر رجال الدين المسيحي الذين يستغلون أقدس المقدسات لمصلحتهم الشخصية .. وكانوا يبيعون صكوك الغفران للمذنبين ، ويرفلون في الحرير الى جانب الحكام ، ثم يثبطون من همم الثوار من الفقراء والمحرومين ، ويعدونهم بالجنة اذا هم خضعوا للملوك وأدوا عطاياهم للكنيسة !! وحتى يحكموا قبضتهم على رقاب الناس ، عقّد رجال الدين المسيحية ، وصبغوها بالكهنوت والاسرار ، وجعلوها طلاسم تصعب على العامة ، واخضعوا المكانة عند الله، الى الدراسة والتخصص، في علوم الكهنوت ، واصبحوا يشرعون لأتباعهم ، ما يناقض جوهر الدين المسيحي ويجوزونه باسمه !!
(4)
لقد كانت ثورة مارتن لوثر ( 1483-1546) تستهدف تخليص الدين المسيحي من عقابيل الكهنوت والغنوصية ، التي أزرت بهيبته في نفوس الأذكياء ، وكان اعتراضه على الكنيسة يتجه الى تعميم المعرفة التي كانت تحتكرها، وتوجيه النظر الى غاية الدين بدلاً عن مظاهره التي أغرقه فيها رجاله .. ومع ان المذهب البروتستانتي سار خطوات في طريق الاصلاح الا انه أيضاً أوجد رجال دينه بعد فترة ، مما ساق الى الاعتراض من جديد ، باساليب جديدة ..
على ان الاعتراض هذه المرة ، جاء متأثراً بزخم الثورة الفرنسية وعنفوانها ، فلم يقف عند رجال الدين وانما تعداهم الى الدين نفسه !! ومن ابرز الفلسفات التي ثارت على المؤسسة الدينية ورفضت الدين من ثم ، فلسفة كارل ماركس (1818 – 1883 ) فقد رأى الدين كوسيلة في يد رجال يستغلون به البسطاء ، ويخدمون به مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة .. ورأى اتباع الدين عاجزون عن الادراك السليم لمأساتهم ، وكأنهم قد خدروا بواسطة الوعود والخطب الدينية ، فوصف الدين بانه " افيون الشعوب" !! وكل الافكار التي تلت الماركسية تأثرت بها بصورة من الصور ، وسعت بمختلف الوسائل والعلوم لتثبت صحة الزعم بان الدين ما هو الا تصور الانسان البدائي للطبيعة ، وهو تصور لا بد من تجاوزه كشرط من شروط تطور الواقع الجديد .. وهكذا تبنت مرحلة الحداثة التصور العلماني ، ونجحت أوربا في فصل الدين عن الدولة ، وعزلته عن دوره التشريعي والأخلاقي ، واقامت مفاهيمها ،على أديم الفكر المادي، بشقيه الشيوعي والرأسمالي ..
(5)
وحين جاء الاسلام ، وضع نفسه من أول وهلة ضد ظاهرة رجال الدين .. وسحب البساط من تحت أرجلهم ، حين جعل منهاج المعرفة الاساسي التقوى بدلاً عن الدرس والاطلاع ، فكان رسوله أمّي وامته امّية !! قال تعالى " هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين " .. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم الناس ما لا تصح العبادة الا به عن طريق الهيئة ، فلم يتحدث عن فرائض الوضوء أو مستحباته ، وانما كان يتوضأ امام الأعرابي فيعلمه الوضوء ، وهكذا علمه جبريل عليه السلام .. ولقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ان العلم الحقيقي لا يتأتى بكثرة الاطلاع ، واحتراف الحفظ والاستذكار ، وانما هو ثمرة التقوى ، وبلغهم قوله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم" وقال في شرح ذلك " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم " !! .. ولهذا انشغل الأصحاب رضوان الله عليه بالعمل ، وكان أحدهم لا يحفظ الآيات التي تنزل حديثاً ، ما لم يكن قد طبق الآيات السابقة ، خشية النفاق !! وهم في ذلك ينظرون لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون " !!
وفي اتجاه المحاربة العملية لظاهرة رجال الدين ، لم يتميز النبي صلي الله عليه وسلم على اتباعه بلبس معين ، أو مكانة معينة ، حتى ان الأعرابي اذا قدم الى مجلسه سأل : أيكم محمد؟! ولقد تنبأ النبي صلي الله عليه وسلم للمسلمين بالانحدار، والمفارقة ، واتباع نفس انحرافات الامم السابقة فقال " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه !! قالوا : أأليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟! " !! ولقذ رأينا كيف ان الأمم السابقة ، ابتدعت ظاهرة رجال الدين ، الذين يتميزون بزي خاص ، ومكانة خاصة ، وكيف ان المتأخرين من علماء المسلمين وفقهائهم كانوا يلبسون ثياباً خاصة ، مميزة ، تشبه الى حد كبير لبس حاخامات اليهود وقساوسة النصارى !!
ولعل اول اشارة في النعي على رجال الدين ما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها فقد رأت بعض الرجال يغطون روؤسهم ، ويمشون ببطء ، ويتظاهرون بالمسكنة ، ويخفضون أصواتهم ، فقالت : من هؤلاء ؟! قالوا : هؤلاء القراء !! قالت : أخبروهم لا يميتوا علينا ديننا !! فقد كان عمر أقرأ الناس ، وكان اذا تكلم أسمع ، واذا مشى أسرع ، واذا ضرب أوجع !!
(6)
على ان الفقهاء والوعاظ ورجال الدين لم يظهروا في شكل مؤسسة بالغة الأثر في حياة المسلمين الا بعد الفتنة الكبرى ، حين انتصر معاوية بن ابي سفيان على عليّ بن ابي طالب رضي الله عنه فتحولت الخلافة الى ملك عضوض !! ولما كان الملك وتوارث الحكم ، بدعة جديدة ، تفتقر الى السند الديني ، والتأييد الشعبي ، فقد اعتمد ملوك بني أميّة على الفقهاء ووعاظ السلاطين ليوطدوا سلطانهم ويبرروا ظلمهم ، وفسادهم !! ولم يحدث ذلك الانحراف في يوم وليلة ، وانما كان أوائل الفقهاء أقرب الى روح الدين ، فأعترض قلة منهم على بعض ملوك بني أميّة فنكلوا بهم ، وارهبوا بهم غيرهم ، حتى خضع سائر الفقهاء ، وعلماء الشريعة الى الحكام ، واصبح ذلك الخضوع المنكر ، ديدنهم منذ ذلك الوقت ..
وبينما احتضنت دولة بني أميّة الفقهاء وعلماء الشريعة ، قتلت آل البيت ، وشردتهم ، ففروا بدينهم الى الفلوات ، وقضوا أوقاتهم في اللجأ الى الله ، والذكر والفكر ، بعيد عن بطش السلطة ، ومن هؤلاء نشأ التصوف الاسلامي ، كفكر واسلوب مغاير تماماً للفقهاء ومذاهبهم !! فحين شغل الفقهاء وقتهم بمداهنة الحكام ، وترقب عطاياهم ، والخوف من بطشهم ، والاجتهاد في تفصيل الفتاوى حسب مصالحهم وأهوائهم ، انشغل السادة الصوفية بتجويد العبادة والتوسل اليها بالزهد في الدنيا ، ثم حسن معاملة الناس ، بكف الأذى عنهم ، وتحمل أذاهم وتوصيل الخير لهم !!
ومن حسن التوفيق الالهي ان السودان ، لم يفتح بالسيف كغيره من البلاد ، وانما توغل الدين في ربوعه عن طريق التصوف .. فلو كان الاسلام قد قدم الينا تحت ظلال السيوف ، لكان للفقهاء الذين يسيرون في ركاب الملوك ، الاثر البالغ على حياة الناس ، واخلاقهم ، وانشغالهم بمظهر الدين بدلاً من مخبره !! ومع ذلك فان السلطة التي وجدها الفقهاء في السودان ، انما كانت بسبب من اثر النفوذ المصري علينا ، فقد درس كثير من السودانيين في الأزهر ، وعادوا لينشؤا المعاهد الدينية التي يروجون من خلالها لآراء الفقهاء القدامى ، دون فهم لجوهر الدين ، أو اعتبار لتطور الحياة !! (7)
كتب د. عبد الله علي ابراهيم ، الباحث والمؤرخ المعروف عدة مقالات نشرت في شهر ابريل 2003م بجريدة الرأي العام ، ولقد أوضح غرضه من كتابة هذه المقالات بقوله:
أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان ارد الشريعة الى مطلبها الحق ان تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين . ولست أرى في مطلبها هذا بأساً أو ظلماً لغير المسلمين . فهي عندي مما يسع التشريع الوطني العام ويهش له متى خلا دعاتها من نازعة "الوطنية الاسلامية " وبذلوا سماحتها للوطن لا يفقرقون بين أهله متوسلين الى ذلك بحرفة القانون عارضين اجتهادهم من خلال مؤسسات التشريع بالدولة . ولست ادعي علماُ فيما يجد غير انني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وما تلاه في ترتيب قوانين ألتزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها . وهي ما اسميه التقليد الشرعي السوداني 1898 -1983 . (الرأي العام 29/4/2003م)
ومع ان مقالات الكاتب قد جاءت طويلة ومفصلة ، الا انه لم يخبرنا كيف ان الشريعة ، لوكانت هي مصدر القوانين ، لن يكون في ذلك ظلم لغير المسلمين ، أو ظلم للمرأة ، بل لم يعط القارئ أي نصوص مما تقوم عليه الشريعة ليدلل بها على ما يمكن ان تحققه من مساواة وعدالة .. كما انه لم يقف عند محاولات تطبيق الشريعة في السودان أو ايران أو باكستان ليحدثنا عن السبب في فشل تلك التجارب ، وضمان عدم فشل التجربة الجديدة لو أردنا تطبيق الشريعة مرة أخرى !!
لقد اتجهت مقالات د. عبد الله علي ابراهيم لتؤكد ان محافظتنا على ديننا وثقافتنا ، تقتضي ان نجعل الشريعة مصدر كافة قوانينا ، بما في ذلك قوانين الأحوال الشخصية ، وينتج عن ذلك رد اعتبار الفقهاء وعلماء الشريعة ، الذين قلل الاستعمار من مكانتهم ، بسبب انهم كانوا رمز للوطنية لدفاعهم عن قوانين الشريعة ، في وجه القانون الانجليزي الوضعي !!
ان محاولتي في هذه المقالات ، تتجه لأن توضح ان تمسكنا بالدين ، يقتضي الفهم الذي يميز بين الدين والشريعة ، فيدعو الى تطوير الشريعة حتى ترتفع الى جوهر الدين ، والى قامة العصر من تحقيق الحرية والديمقراطية ، وان غياب هذا الفهم هو الذي أدى الى فشل تطبيق الشريعة !! كما ان الفقه قد قصّر قصوراً مزرياً ، أخرجه عن جادة الشريعة دع عنك جوهر الدين .. ومن هنا جاء ظلم الفقهاء وعلماء الشريعة للمرأة ، ولغير المسلمين ، بصورة لا يمكن تعميتها ، بمثل محاولات د. عبدالله !! ولم يكن القضاة الشرعيين والفقهاء وطنيين ، وانما كانوا يخدمون غرض الاستعمار ، ويتسقطون رضاه !! ثم انهم ساروا من بعد الاستقلال في ركاب الطائفية ، واستغلوا بواسطة الجماعات الاسلامية ، لرفع شعار الدولة الدينية ، الذي تحول الى تصعيد للحرب الأهلية باسم الجهاد !! وهم بذلك كانوا يشوهون الدين بمساندتهم للسلطة ، وبرفضهم ، وتآمرهم على الصورة المتقدمة ، التي طرح بها في السودان منذ مطلع الخمسينات ، فيما عرف بالفكر الجمهوري ، ومن هنا كان لا بد من كشفهم ، ومواجهتهم حتى لا ينفر الاذكياء عن الدين ، بسبب سوء ممارسة رجال الدين ، ويرد شعبنا المعين الصافي بعد ان تطهر من اوضار الجهلات !!
ان مقالات د. عبد الله علي ابراهيم ، قد جاءت في وقت مناسب ، يتحاور فيه السودانيون بالداخل والخارج ، حول مستقبل بلادهم ، ويسعون الى تحقيق السلام ، وتوسيع قاعدة المشاركة ، وهي بذلك تعطينا فرصة لنوضح ربما للكثيرين من ابنائنا وبناتنا ، جانب من تاريخنا ، وقع عليه كثير من التزييف لمصلحة قوى التخلف ، مما جعل قضية الدين والدولة ، أهم القضايا التي يجب ان نثيرها ، دون ان نمل الحديث فيهاً !!
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1260 -------------------------------------------------------------------------------- الكاتب : admino || بتاريخ : الخميس 08-01-2009 عنوان النص : الشريعة والحداثة (2).. نزعت الرقابة أجزاء كبيرة منه
: تعقيب على د. عبد الله علي ابراهيم في دفاعه عن الفقهاء وقوانينهم
ان الافتراض الاساسي، في مقالات د. عبد الله علي ابراهيم ، لجعل الشريعة مصدر القوانين في السودان ، وتحسره على عدم الأخذ بها منذ ان جلا الاستعمار عن هذه البلاد، هو ان الشريعة ليس بها " بأساً أو ظلماً لغير المسلمين " كما انها " انتصفت للمرأة ما وسعها"(راجع مقالات د. عبد الله علي ابراهيم أو كتابه في نفس المعنى) !! ولعل ما ساق لهذا الخطأ هو الخلط بين الدين وبين الشريعة، وهو خلط قد جاز طويلاً على علماء المسلمين وعامتهم.. فالدين هو التوحيد ، وهو في بدايته الاقرار لله بالوحدانية ، وفي قمته التسليم التام له سبحانه وتعالى . وحين قال تعالى " ان الدين عند الله الاسلام " عنى التسليم للارادة الالهيه ، ولم يعن الاسلام بمعنى الشريعة التي اتى بها محمد صلى الله عليه وسلم !! وذلك لأن الاسلام سابق لهذه الشريعة.. وعن ذلك يقول تعالى " انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء "، فانبياء بني اسرائيل قد كانوا مسلمين ، وابراهيم الخليل عليه السلام قد كان مسلماً ، قال تعالى " ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين * اذ قال له ربه أسلم قال اسلمت لرب العالمين " !! والدين بهذا المعني واحد ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا اله الا الله " ..
ومع ان الدين واحد الا ان الشرائع قد اختلفت باختلاف الامم ، بسبب تطور الحياة ، ومن ثم تغيير المجتمعات .. ذلك ان الشريعة انما هي القوانين والاحكام ، التي تنزلت من الدين ، لتدرج المجتمات نحو غايات الدين العليا ، وهي لملامستها لواقع المجتمع تتأثر به ، وتراعي امكانات وطاقات افراده .. ولتوضيح هذا الأمر يضرب الاستاذ محمود محمد طه ، المثل باختلاف شريعة الزواج بين آدم عليه السلام ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فبينما كان زواج الأخ من أخته شريعة دينية في عهد آدم ، اصبح حراماً في شريعة محمد ، بل شمل التحريم ما هو أبعد من الأخت كالخالة و العمة وغيرها ، يقول الاستاذ محمود : فاذا كان هذ الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم ،وهو من غير أدنى ريب كذلك ، فان من الخطأ الشنيع ان يظن انسان ان الشريعة الاسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها ، للتطبيق في القرن العشرين . ذلك بان اختلاف مجتمع القرن السابع ، عن مستوى القرن العشرين ، أمر لا يقبل المقارنة ، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلاً ، وانما هو يتحدث عن نفسه . فيصبح الأمر عندنا أمام أحدى خصلتين: أما ان يكون الاسلام كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف ، قادراً على استيعاب طاقات القرن العشرين ، فيتولى توجيهه في مضمار التشريع ، وفي مضمار الأخلاق ، واما ان تكون قدرته قد نفدت ، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع الفرن السابع ، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله . فيكون على بشرية القرن العشرين ان تخرج عنه ، وتلتمس حل مشاكلها في فلسفات اخريات ، وهذا ما لا يقول به مسلم .. ومع ذلك فان المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة .. وهم يظنون ان مشاكل القرن العشرين يمكن ان يستوعبها وينهض بحلها ، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل مشاكل القرن السابع ، وذلك جهل مفضوح ..( محمود محمد طه : الرسالة الثانية من الاسلام ص 8)
ولما كان القرآن قد حوي كل شئ ، فان التطور الذي حدث لا يحتاج الى رسالة جديدة ، وان احتاج الى تشريع جديد !! ولقد حوى القرآن المكي الذي كان منسوخاً ، بسبب قصور المجتمع عن شأوه ، التشريع المناسب للبشرية في عصرنا الحاضر ، وانما بعث هذا التشريع لتفصل منه القوانين هو ما اسماه الاستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع ، وزعم انه السبيل الوحيد لعودة الاسلام في حياة المسلمين .. هذه الفكرة التي فصلها الاستاذ محمود في حوالي الاربعين كتاباً، وكتب حولها تلاميذه ما يربو على المائة وخمسين كتاباً، وقاوم بسببها تطبيق قوانين سبتمبر التي زعمت كافة الجماعات الاسلامية بانها الشريعة، حتى بذل حياته ثمناً لذلك ، لم تحظ من د. عبد الله علي ابراهيم بأي اشارة على الرغم من ان بحثه المطول قد كان حول الخلاف المحتدم حول القوانين الشرعية في السودان ، ولم ينس ان يذكر فيه حتى معارضة أو موافقة الاتحاد النسائي !! (9) أول ما تجدر الاشارة اليه في أمر الشريعة ، هو انها لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات لانها تقوم على العقيدة التي تفضل المسلم على غيره !! قال تعالى في ذلك " ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين " .. ولقد اتجه التطبيق العملي لهذا المفهوم الى قتال المشركين حتى يسلموا ، وقتال أهل الكتاب_ اليهود والنصارى_ حتى يسلموا أو يعطوا الجزية !! قال تعالى " فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم " .. ولقد حددت هذه الآية ، وهي من آخر ما نزل في شأن التعامل مع المشركين ، زمان قتالهم بانقضاء الاشهر الحرم ، وحددت مكان قتالهم بانه حيث وجدوا ، وحددت سبب قتالهم بانه كفرهم وعدم اقامتهم شعائر الاسلام ، وحددت وقف القتال معهم ، بدخولهم في الاسلام واقامتهم الشعائر !! واعتماداً على هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم وأمرهم الى الله "..
أما أهل الكتاب فقد قال تعالى عنهم " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " !! ونزولاً عند هذا التوجيه ارسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائله المشهودة لملوك الفرس والروم " أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فان ابيتم فادوا الجزية والا فاستعدوا للقتال" !! هذه هي خيارات الشريعة لليهود والنصارى : اما الاسلام ، أو الجزية ، أو القتال ..أما بالنسبة للمشركين فهما خياران لا ثالث لهما : الاسلام أو القتال !!
والجزية ليست ضريبة دفاع ، يدفعها أهل الذمّة ، من يهود ونصارى ، للمسلمين الذين غزوا بلادهم وبسطوا سلطانهم عليها، لأنهم يقومون بحمايتهم فحسب ، لكنها الى جانب ذلك اقرار بالخضوع ، واظهار للطاعة ، واشعار بالمهانة والذل ، هدفه ان يسوق الذمي الى الاسلام .. جاء في تفسير قوله تعالى " عن يد وهم صاغرون " " أي عن قهر وغلبة .. وصاغرون أي ذليلون حقيرون مهانون ولذلك لا يجوز اعزاز أهل الذمّة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه"( تفسير ابن كثير: الجزء الثاني ص 132)
ومعلوم ان غير المسلم لا يصح له ان يكون رئيساً للدولة المسلمة ، ولا ان يتولى قيادة الجيش لأن الجيش جيش جهاد !! وليس له الحق في تولي القضاء الذي يقوم على قوانين الشريعة الاسلامية !! ومن الناحية الاجتماعية لا يجوز له ان يتزوج المرأة المسلمة ، ولما كان دفعة للجزية الغرض منه اشعاره بالصغار ، فانه لنفس الغرض لا يتولى المناصب الرفيعة ولا يؤتمن على اسرار المسلمين .. فقد روي ان ابو موسى الاشعري اتخذ كاتباً نصرانياً ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الا اتخذت حنيفياً ؟ قال: يا امير المؤمنين لي كتابته وله دينه !! قال عمر : لا اعزهم اذ اذلهم الله ولا ادنيهم اذ ابعدهم الله !! ثم قرأ قوله تعالى " يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين " !!( المصدر السابق) فهل يمكن لمثقف أمين ان يقول بان غير المسلم لا يتضرر بتطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ؟!
(10) ومما يترتب على الجهاد اتخاذ الاسرى رقيقاً ، ومع ان الاسلام وجد الرق سائداً في الجاهلية ، الا انه لم يلغه ، كما ألغى الزنا ، والربا ، والميسر ، وغيرها ، وذلك لانه فرض الجهاد ، فاضطر الى مجاراة عرف الحرب والاسر .. ولقد اقرت الشريعة الرق كنظام اجتماعي ، وتعايش المسلمون االأوائل مع عبيدهم يبيعونهم ، ويشترونهم ، ويعتقونهم احياناً اذا لزمت احدهم الكفارة .. ورغم ان الشريعة دعت الى حسن معاملة العبيد ، من الناحية الاخلاقية ، الا ان الوضع القانوني للعبد ، يجعله أقل في القيمة الانسانية من الحر ، فمع انه انسان الا ان اعتبر مثل المتاع الذي يملكه سيده .. وقد اسرف الفقهاء في بيان ذلك بمستوى ينفر منه الذوق السليم .. فالسيد اذا قتل العبد لا يقتل ، واذا اصابه دون القتل يقدر المصاب بالقيمة الماليه للعبد !! فقد ورد ان العبد " ان كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من اصابه شئ فان اصاب كسره ذلك نقص أو عثل ( جبر على غير استواء) كان على من اصابه قدر ما نقص من ثمنه " !! ( راجع : موطأ الامام مالك : باب الرق)
وحين يتخذ الاسرى من الرجال عبيداً ، يتخذ الاسيرات من النساء اماء ، ويعتبرن مما ملكت يمين اسيادهن .. وقد اجازت الشريعة للمسلمين ان يعاشروا ما ملكت ايمانهم بغير زواج ، فاصبح للمسلم الحق في معاشرة عدد غير محدود من النساء .. قال تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين " .. ويجوز للمسلم ان يبيع جاريته لغيره ، وان يشتري غيرها من الجواري ، يعاشرهن ثم يبيعهن مرة أخرى !! وهكذا نشأ سوق للجواري بجانب سوق العبيد ، واصبح نظام الاماء مثل نظام العبيد ، نظاماً اجتماعياُ راسخاً مرتبطاً أيضاً بالجهاد !!
وقد يقول قائل ان نظام الرق والاماء قد كان سائداً في الماضي لكنه لا يعنينا الآن !! وفي الحق ان الدعوة لجعل الشريعة مصدراً للقوانين انما تسوق كنتيجة طبيعية الى اقامة الدولة الاسلامية .. ومتى ما قامت الدولة الاسلامية ، ولو بمجرد الادعاء ، فان حربها مع خصومها أو مع الاقليات غير المسلمة تعتبر جهاداً ، مما يعيد كل هذه الصور من جديد !!
(11) عندما تعالت صيحات منظمات حقوق الانسان عن اعادة الرق في السودان في منتصف التسعينات ، قامت بعثة من المنظمة السودانية لحقوق الانسان بالسفر لجنوب السودان وكتبت في تقريرها الذي كان له اثراً بالغاً : خلال الفترة ما بين 17 و22 مايو عام 1999 قامت المنظمة السودانية لحقوق الانسان فرع القاهرة ، ممثلة في نائب رئيسها والامين العام بزيارة الى أقليم بحر الغزال في جنوب السودان ، بغرض الوقوف على أوضاع حقوق الانسان في المنطقة وللتحري في اتهامات بممارسة الرق. وقد اجرت المنطمة خلال الزيارة – التي شارك فيها ممثلون لمنظمة التضامن المسيحي ومجموعة تمثل التلفزيون والصحافة الكندية _ تحقيقات ميدانية ومقابلات مباشرة مع كافة الاطراف ذات الصلة بقضية الرق من مواطنين تمت اعادتهم من الاسترقاق ، وتجار شاركوا في عمليات استعادة الرقيق ، وسلاطين وزعماء ، ومسؤولين عن الادارة الأهلية ، واهالي وذوي العائدين من الاسترقاق الى جانب مواطنون عرب يعيشون في المنطقة وتجار قادمين من الشمال. وابدت المنظمة اهتماماً خاصاً بافادات الاطفال وعملت على توثيق لقاءاتها المباشرة بالمعنيين عبر عدة وسائل للتوثيق وخلصت الى ما يلي :
• ظاهرة الرق ليست مستحدثة بل قديمة وهي قد ارتبطت بداية بالصراعات القبلية في المنطقة غير انها اتسعت بشكل يدعو للقلق في ظل النظام الحالي الذي تقوم سلطاته بالتشجيع على ممارسة الرق وتنظيمها والاشراف عليها . وتقوم السلطات بتجنيد أعداد من ابناء المسيرية والرزيقات ضمن قوات الدفاع الشعبي وتوفر للمجند منهم حصاناً وبندقية كلاشنكوف ومبلغ 50 الف جنيه للقيام بغارات على القرى التي تشتبه السلطات في انها تدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ويحتفظ المغيرون من هؤلاء المجندين بما يحصلون عليه من رقيق وأبقار وممتلكات باعتبارها مغانم الحرب الجهادية . • يشارك في الغارات على القرى والبلدات المراحيل – وهو الاسم الذي يطلقه الأهالي المحليون على مجموعات المجندين – وافراد الدفاع الشعبي أو القوات المسلحة. وسواء تمت الغارات بمشاركة الاطراف الثلاثة أو عن طريق مجموعة واحدة منها يتم نقل حصيلة الغارات من رقيق وابقاروخلافه الى مناطق تقع تحت سمع وبصر السلطات السودانية. • يتم تجميع الرقيق والغنائم الاخرى في حظائر معدة لهذا الغرض تقوم بحراستها قوات نظامية ( قوات مسلحة و قوات دفاع شعبي ) وتقع هذه الحظائر على مسافة تتراوح بين 5 الى 7 ساعات سيراً على الأقدام من المناطق التي استهدفتها الغارات . • في مرحلة لاحقة ينقل الرقيق الى مدن المجلد والميرم عبر رحلات تستغرق من 6 الى 9 أيام ويتم أثناء هذه الرحلات إعدام أعداد كبيرة من الرجال بضربهم ، وهم مقيدي الايدي والأرجل ، بهراوات على الرأس ، كما يتم الاحتفاظ باعداد من الشباب كمجندين ، وتتعرض النساء الى عمليات أغتصاب متكرر بواسطة الحراس والعاملين على نقلهم ، ويتم أثناء الرحلة ربط كل 9 أو 10 من الرقيق بواسطة حبل طويل الى بعضهم البعض . • يتم بيع الرقيق الى اسياد جدد حيث تستخدم النساء في أعمال الزراعة والرعي وجلب الماء وطحن الذرة ( بلا مقابل ) بالاضافة لتقديم خدمات جنسية نزولاُ على رغبات اسيادهن ، ولا تتبدل معاملة الرقيق بعد انجابهن من سادتهن كما لا يعامل اطفالهن بذات المعاملة التي يحظى بها الاطفال الطبيعيون للسادة ويطلق على الرقيق اسماء جديدة تكون في الغالب اسماء عربية. (راجع دورية المنظمة السودانية لحقوق الانسان . فبراير 2000) ولعل من أهم ما جاء في هذا التقرير، الافادات العديدة المسجلة ، لأشخاص عانوا من تجربة الاسترقاق المريرة . ورغم قسوة هذه الافادات ومرارتها حتى لمن يقرأها الا انني ارى ان نورد واحدة منها كنموذج بالغ الدلالة على ما وصل اليه الحال تحت الحكومة التي تدعي تطبيق الشريعة . جاء في الافادة : من " كوروك" غرب "أويل" تم اختطافها قبل 14 شهراً ومعها حوالي 300 شخص من الدينكا تم اختطافهم بواسطة اعداد كبيرة من المهاجمين الذين كانوا خليطاً من الجنود النظاميين وقوات الدفاع الشعبي والمدنيين : ثم اخذنا الى " ابو مطارق " وفي الطريق تم إغتصابي بواسطة عدة اشخاص ، وقد تعرضت للضرب الشديد –زوجي "بول يول داو" قتل قبل عامين من اختطافي – تم اخذي من " ابو مطارق" بواسطة شخص اسمه علي وكان يعاملني بقسوة شديدة ، يضربني ويقذف بالأكل على الأرض ويطلب مني أكله وكان علي مرتبط بالزراعة في مكان بعيد من المنزل ، وكان يناديني " بنت الجانقي" وكان يطلب مني الصلاة وحين اذكر له اني لا اعرف كان يضربني ب "القنا" .... اصرّ سيدها على ان يقوم بطهارتها حتى يتزوجها ، وقد تم ذلك بعد ان تم تثبيتها على " العنقريب" بحضور زوجة سيدها وعدد آخر من النساء ، وقد تمت الطهارة دون بنج ، وكان الجرح ينزف لمدة أربعة أيام دون توقف ، وبالرغم من الألم والإرهاق بسبب النزيف ، فقد اجبرت على العمل في اليوم التالي مباشرة ، وقد ضاجعها سيدها بعد ثلاثة أشهر من "الطهارة".(المصدر السابق)
د. عمر القراي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
عبد الله علي إبراهيم ... متاهة السلطان عز العرب حمد النيل [email protected] اعتادت منابر الخرطوم ومنتدياتها الثقافية وكذلك بعض المنابر التي تُعلي من مناقشة الشأن السياسي علي الشؤون الأخري,اعتادت علي أن يرتادها الدكتور عبد الله علي إبراهيم كل عام مرة أو كل عامين ارتيادا فوق العادي بما يحمله الرجل من أفكار وأطروحات تتسم بالجدة تكون بمثابة البحث عن مخارج أو حلول حول مشاكل الراهن السياسي وفي كل هذه المرات يخرج الدكتور علي ملأ السياسيين بصكوك جديدة في الأدب السياسي تشكل إضافة حقيقية للقاموس السياسي في بلادنا.
ويحمل وصف الدكتور عبد الله بالكاتب و الصحافي تقليلا من الشأن فما كتبه الرجل ونشره عبر المنابر يجعله علي الأقل مشروعا لمفكر عجمت عوده بالإضافة لما ذكرت تجربته السياسية فوق الارض وتحتها .
ولكن الدكتور كان مثار جدل بين كل المتابعين لما يكتب ويقول حين أعلنت الإنقاذ في عامها الأول عن نيتها في عقد مؤتمر عرف في الأدب السياسي الإنقاذوي بمؤتمر الحوار الوطني, فبينما كانت المعارضة حينها تهتف ضد المؤتمر بشعارات من شاكلة "لا حوار بلا حرية" ,"إشاعة.. إشاعة .. مؤتمر القاعة" وكان قادتها عامذاك أمثال محمد الأمين خليفة وإبراهيم نايل إيدام يتناوبون علي منابر الجامعات للتبشير بأن الأرض ستملأ عدلا – كان الدكتور أحد الذين وافقوا علي المشاركة في المؤتمر في وقت أحجم فيه بعض المدعويين من الذين لا تمتلئ صحائفهم بسيرةِ انتماءٍ لحزب أو جماعة ثقافية تنشد التأثير والتغيير مثلما تاريخ الدكتور عبد الله. وفي كل هذه الحيوية والنشاط الدافق كانت كثير من السهام تتناوش الرجل بعضها يتسم بالموضوعية وآخر يدخل في باب الغيرة السياسية , والأكاديمية.
لم يقتصر الجدل المصاحب للدكتور حين حلوله السودان بفتحه لمنافذ الحوار في المنابر بل فجر هذه المرة المفاجأة في منبر طيبة برس حيث أربك المنظمين لندوة بمناسبة الذكري 53 لاستقلال السودان ليقدم نفسه مرشحا لرئاسة الجمهورية في سابقة لا تشبه الدكتور عبد الله من حيث إنه أكاديمي يحترم المنابر والحضور أيا كان تصنيفه " أي الحضور" من حيث إنه نوعي أو غير ذلك وينسحب ذلك علي الموضوع المطروح للمحاضرة والحوار مما يعتبر قدحا في الأمانة " العلمية " من حيث التحضير لها من قبل طيبة برس ويدخل في ذلك الجانب النفسي والإطلاع أو " المذاكرة" من جانب الحضور.
ثبت من خلال ما طرحه الدكتور في المحاضرة "المفروضة" وأتبعه بتفاصيل حول مشروعه الانتخابي لرئاسة الجمهورية في الحوار الذي أجرته معه صحيفة الأحداث أنه أعد للأمر عدته من حيث قابليته للنشر علي الملأ وليست الحكاية" حركة في شكل وردة "كما قال الدكتور محمد جلال هاشم حين استُطلع في صحيفة أجراس الحرية مما يفجر كثيرا من الأسئلة ذات الصلة .
شهدت الساحة السياسية السودانية قبل 3 أعوام مولد ما عرف بمنبر السودان عبر دعوة تبناها الكاتب الصحافي المهندس عثمان ميرغني وكانت الدعوة لمنبر مفتوح لا ينظر للانتماء السياسي للعضو ويبحث عن مخرج للسودان من الأنفاق المظلمة التي أدخلته فيها سلطة الإنقاذ بتبني المشروع من قبل كل المجتمع بمبدعيه وفنانيه وساسته في خطوة وصفها البعض آنذاك بمشابهتها لحركة "كفاية" المصرية والتي أعقبتها تلك الدعوة بقليل. بل صنّف البعض الخطوة بمحاولة لدخول الإنقاذ عبر النافذة مُعدّلة بمسوح تزعم الليبرالية باعتبار أن مُطلِق الدعوة عرف بانتمائه للحركة الإسلامية ثم ماتت الحركة في المهد.
وبتبني الدكتور عبد الله عبر ترشحه لرئاسة الجمهورية لمشروع نهضوي كبير يستهدف القوي الحية من المجتمع السوداني من الذين طحنتهم آلات السلطة القابضة لن يفصل السياسي المتابع هذه الدعوة عن انتماءاته وإن خرج عن النهر اليساري الكبير ولن تشفع له تلك " الدعومات" للإنقاذ حين مَهدِها ثم نقده لها وكان الأجدي والأنفع طرح الدعوة في مرحلة السرية قبل الخروج إلي العلن عبر الوسيلة المباغتة التي التزمها الدكتور وأن يكون مجال طرحها الواقفين علي السياج من الذين ضاقت عليهم الأحزاب بما رحبت من الحزبيين البارزين في أحزابنا المختلفة مما يعطي الدعوة بريقا يخرجها من الشبهات ومن ثم فليرَ الوعاء الجديد مَن المناسب للترشح لرئاسة الجمهورية وليتفرغ أمثال الدكتور لصناعة وصياغة المترشحين ولا يُعد ذلك سلبا لحق الدكتور في حق الترشيح بل إن ذاك ما يناسبه.
ذكر الدكتور في ثنايا مشروعه أنه سيبدأ دعوته من مسقط رأسه في حي الداخلة في عطبرة مما يمثل أكبر تقديم للعون للإنقاذ في" نسختها الثانية " القائمة علي العودة بالسودان إلي كونه قبائل وبطونا والارتداد به إلي ما قبل 1938 وبالتالي لا ضرورة إذن من منازلة البشير في انتخابات الرئاسة – هذا من ناحية- ومن ناحية أخري فإن مثل هذه الأفكار تهزم المشروعات " الوطنية والنهضوية" التي يتبناها الدكتور ونظائره ولا تعدو كونها عودة بالسودان إلي عوامله الأولية ,والأنفع حتما البحث أولا عن الوسط أو الأوساط التي ينبغي أن تكون مجالا لبعث الدعوة ولابد آنذاك من البعد القومي في الطرح لكيلا تتقزم الفكرة أو "تتأقلم" وبالتالي ربما تتطور إلي "حركة" ولكن ليست في" شكل وردة" في هذه الحالة بل مزيدا من الانفجارات الإقليمية ونذر التفتت .
يصبح غريبا جدا أن يقرأ السياسيون مفاجأة الدكتور عبد الله هذي قراءة بريئة و بمعزل عن الساحة السياسية في وضعها الراهن – ملفات ملتهبة وأخري قابلة للالتهاب ,وانتخابات باتت وشيكة دون أي ملامح تثبت هذا مما يجعل كثيرا من المراقبين يتوقعون احتمال التأجيل أو المواجهة لحديث عن شبهات يمكن أن تحوم حول الانتخابات وأبرزها شبهة التزوير التي طالت أختا لها من قبل فقد صرح الدكتور حسن الترابي ومحمد الأمين خليفة غير مرة بأنهم زوروا الانتخابات عندما كان حزب المؤتمر واحدا.
كما لا يتسق مع مجريات الأحداث ومع مكانة الدكتور عبد الله الأكاديمية والعلمية والفكرية أن تحمله سفائن المؤتمر الوطني إلي سيناريو "انتخابات رئاسية " جديد يضعه في مصفوفة السلطان كيجاب والدكتور أبوضفيرة وغيرهما ينتظرون انتصارا رئاسيا علي الرئيس ويصبح الدكتور عبد الله من المنتظرين.
حين أذاعت الإذاعة السودانية عقب انقلاب عبود 1958 التشكيل الوزاري الذي حمل اسم الأستاذ أحمد خير المحامي وزيرا للخارجية – وهو صاحب كفاح جيل الذي يمثل إنجيل الاتحاديين وسند فكرة الديمقراطية الليبرالية سئل محمد أحمد المرضي عن رأيه فقال : " الله يكفينا شر بهدلة الكبر"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
لماذا أزعجهم عبد الله علي ابراهيم.. أو عن الامتعاض الليبرالي مجدي الجزولي [email protected] الفكرة الأولى التي أود أن أشحنها في ذهن القارئ هي التي تقول أني متعاطف مع ترشيح عبد الله علي ابراهيم نفسه لرئاسة الجمهورية، وأكتب فيما يلي دفاعا عن المرشح وفعلته، وبذلك يكون الاتهام مبذولا دون أن يجهد البعض أنفسهم بابتذال المكتوب بحثا عن معنى مندس. فقط بهذه الطريقة يمكن أن ننتقل إلى صلب الموضوع.
الاحتجاج على عبد الله هو في الواقع الظاهرة التي تستحق الاهتمام وليس الترشح، فهو عندي فعل سياسي قام به مواطن تحقق بأشراط الترشح كما وصفها الدستور ظاهرا للناس، وهنا مقام الفعلة، فالدستور مهلك من تبع نصه حرفا بحرف. هذه فضيحة كل وثيقة ليبرالية تعلن مساواة الناس واستحقاقهم المواطنة والمشاركة السياسية، كانت تلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو عهود الأمم المتحدة المتعددة أو الدساتير الوطنية، إذ تتحقق كونيتها ساعة تستبعد غمار الناس من ظلها الفعال وتؤسس المساواة والشيوع، ليس للكافة، وإنما للجماعة الطبقية والسياسية ذات الشوكة لا غير، أي تكتفي بديموقراطية البرجوازية لا تتعداها. بل يمكن الجزم أن هكذا ديموقراطية لا تستوى إلا باستبعاد الغمار.
من هنا يمكن النظر في الحجج التي ساقتها الطوائف المثقفة في وجه عبد الله، فهي دون استثناء تقريبا استهدفت الجوهر الديموقراطي لحق الترشح في اتساق كامل مع الوجه الباطن للعقيدة الليبرالية كما سبق شرحه. أولا بالقول أن عبد الله قفز على المراحل بترشيح نفسه قبل أن يدير حوارا موسعا ويؤسس حركة سياسية ذات قامة تقدمه للناس وفق الأعراف "الديموقراطية" منتخبا عنها، وأنه يجافي الواقع بأن يظن ظنا القدرة على منافسة البالغين في سياسة اليوم، مؤتمر وطني وحركة شعبية، ومن بعدهم الأحزاب الطائفية، وأنه ما أراد سوى الفرقعة والدراما خاتمة لمشوار حياته، وأنه يتوهم شبها بباراك أوباما ويزعم أنه مخلص ومهدي .. وما إلى ذلك.
كان أكثر سوية وشجاعة لو نطق هؤلاء بظنهم (المكتوم) في عبد الله التواطؤ مع علي عثمان ومع المؤتمر الوطني، أو لو طعنوا مباشرة في أهلية وكفاءة عبد الله للرئاسة بنص الدستور الذي وفقه يساقون إلى الانتخابات المنتظرة، أو لو أتوا بعبارة ناقدة لكلمته المعلنه. هكذا لأحتفظنا على الأقل بظاهر تواضعنا على الحقوق الديموقراطية كما ترد بالحرف الليبرالي. لكن الفضيحة الممتعة أن المقال المثقف ضد عبد الله مختصر في عبارة: "رصيدك لا يكفي لإجراء هذا الاتصال"، فقد كشف عن قناعة فعالة بأن السودان سياسته الحرب وسلطته كأس بين ضباط الجيوش وأمراءها، ولا يمكن حتى قبول الاحتمال بأن ينافس أهل الشوكة هؤلاء مواطن لا جيش له، هكذا يستقيم عالم "اليسار الجزافي". زاد المقال المثقف ضد عبد الله بأن كشف عن الحق الليبرالي في واقعيته، أي أن إجازة الترشح لمنصب عام لكل مواطن وقاية آيديلوجية حقيقتها اقتصار هذا الحق على مستحقين، هم في تركيب النادي السياسي السوداني أحد ثلاثة أطراف إما جيش أو طائفة أو قبيلة، وجامع الثلاثة المندس رأس المال، وغير ذلك دراما أوجنون أو مهدية!
السياسة التي تستحق الاسم ليست التي تطرح الممكنات وتقدم إحداها خيارا، لكن التي تسعى في إعادة ترتيب الواقع وبذا تخلق ممكنا جديدا يتجاوز الخريطة المنظورة. هذا كان سهم الحزب الشيوعي السوداني ودرسه أيام صباه بأن جند للصراع الاجتماعي والسياسي قوى كانت بلا إسم، الطبقة العاملة والفلاحين والطلاب، فأعانها على اكتشاف وعيها بذاتها حتى بانت شوكتها وزاحمت النادي السياسي المناكب بمحددات ليس من بينها الدين والقبيلة وإنما بشارة المستقبل والحداثة، مواطنة بجدها. إن كان من نقاش يدار مع عبد الله فهو الذي يخص توجهه لهذه الكتلة السياسية ونجاعة أسلوبه طلب قيادتها ليس بحرفة التنظيم السياسي وإنما مرشحا فردا يريد أن تتبلور حول دعواه "حركة اجتماعية".
أما التبخيس لحق الترشح إن سعى إليه مواطن، أي مواطن، فهو شمولية الليبرالية المبطنة والتي كشفت عنها طائفة مثقفة ما فتئت حلوقها تنشق شقا بالزعيق الديموقراطي وطلب التغيير، لكن ما إن أخذه أحدهم بجده الظاهر، مهما كانت نقائصه، حتى تنادوا إلى "الأمر الواقع" لا يريدون له رجا. عندهم، لو أردنا القراءة بالتخريب، المستقبل محدود ببوابات تحرسها البنادق ولا درب يفضي إليه إلا خلف ضابط مقدام أو زعيم مهيب الطائفة، أما ديموقراطية الناس و"العمل بين الجماهير" فترهات وأوهام "تقدمية" لا قوام لها غير الحبر. بحسب هذا الزعم بلادنا مؤبدة عليها أنثربولوجيا الاستعمار، محض قبائل وطوائف مصطرعة محبوسة وراء الحداثة بل وراء التاريخ، وإن صرخ اقتصادها السياسي ببأس رأس المال وعنف الموارد.
دعونا نقلب الآية، ماذا لو أعلن أحد قادة الحركات المسلحة في دارفور طلبه الترشيح للرئاسة، حينها لوقفت ذات الطائفة المثقفة تنادي باحترام الديموقراطية والتعدد والتنوع محتفلة ومبتهجة، ظني بعد اختبار عبد الله أن هذا ظاهر من الأمر وحقه رعشة أمام البندقية وسلطتها، وشغف بوثبة الجيوش وعنفوانها "الثوري"، كما هي العادة البرجوازية الصغيرة، إذ تحقق السلطة بآلة الحرب، غمار الناس بين يديها شهداء على الدرب يرث تاجهم الأصفياء المثقفون.
إذن فلنتفحص طلبنا الديموقراطية، أنريدها مبذولة للناس على السواء أم نريدها على العقيدة الليبرالية، 500 مليون شرط للمرشح؛ ولنتفحص طلبنا التغيير، هل أمر جد نسعى وعيه بين الناس حتى يتحقق كل فرد بالمواطنة وممارستها بحيث نفتح لبلادنا مستقبل يتجاوز شر دائرة مغلقة بين عصبة عسكرية وطائفية وقبلية، أم هو أمر أشبه بالوزارة الدوارة. هذا معاد هذه الأسئلة، فالقادم إما فتح نستعيد به المواطنة والمساواة، أو ردة مزدوجة إلى ديموقراطية أبطالها ضباط الجيوش ومواطنة حقيقتها هويات منقسمة كما الدارج المجاني دينية وعرقية وثقافية..إلخ.
10/01/09
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وهذه مداخلة الاستاذ كال عباس فى هذا الموضوع وهى عبارة عن رد الدكتور عبد الله على ابراهيم على المناقشات التى دارت فى موقع المرحوم الخاتم وقتها نقلا عن سودانييز اون لاين ..
رد دكتور عبد الله علي أبراهيم علي حوارت سودانيز أون لائن حول قضية الأستاذ عبد الخالق والدستور الأسلامي ... نقلا عن سودانائل عبدالخالق محجوب: الإسلام وغربة الماركسية د. عبد الله علي إبراهيم [email protected]
تدور حول المقال المنشور أدناه مناقشات علي منبر سودانيزأونلاين استفدت منها أن أكثر المعقبين ربما لم يطلعوا علي النص. وكنت كتبته كمقدمة لكتاب استاذنا عبدالخالق محجوب "أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين" الذي صدرت طبعته الثانية عن دار عزة في مطلع هذا القرن. وقد شاب الإصدارة أخطاء كثيرة حتي نصحت الناشر بان يتعوض الله ويوقف توزيع الكتاب. ويبدو ان بعض نسخه قد تسربت ووقع بعضهم عليها ورغبوا في مناقشة محتوي مقدمتي. ولا تثريب. وقد عدت الي مسودتي لأطبع منها النص الذي بين أيديكم كما كان ينبغي له أن يظهر في الكتاب. وقد رأيت مع ذلك ضرورة تغيير بعض العبارات وقد أشرت الي هذه المواضع بعلامة (؟) لمن أراد مقارنة النص في أصله بالنص في الكتاب المنشور علي الناس. وسيجد القاريء أنني لم أوفق في كتابة خاتمة مناسبة للبحث. وسافعل ذلك متي نشرته لاحقاً.
وقد سعدت بهذه السانحة التي وفرها نقدة هذه المقدمة لإذاعتها علي نطاق واسع ليتعرف الجيل الحدث علي فكر استاذنا عبدالخالق محجوب عليه الرحمة.
عبدالخالق محجوب: الإسلام وغربة الماركسية
عبدالله علي إبراهيم
صدر كتاب "أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين" (لأستاذنا عبدالخالق محجوب في آخر الستينات؟) في ذيول المحنة السياسية والفكرية التي أخذت بخناق الحزب الشيوعي السوداني مباشرة بعد انتصار ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بالنظام العسكري للفريق إبراهيم عبود. وكان الحزب أحد ابرز مهندسي هذه الثورة وقد بوأته منزلة من القوة والنفوذ في الدولة والمجتمع أثارت غيرة خصومه السياسيين. ونجح هؤلاء الخصوم في حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في آخر عام 1965. وكان إلحاد الحزب الشيوعي هو ما شدد عليه هؤلاء الخصوم في حملتهم عليه حتى تحقق لهم إزالة الوجود القانوني للحزب. وكانت القاصمة هي الحادثة التي يشار إليها ب "ندوة معهد المعلمين العالي". ففي تلك الندوة المخصصة لمناقشة البغاء والمجتمع (وكان البغاء منذ عهد الاستعمار ممارسة مشروعة) (في شتاء 1965؟) وقف طالب نسب نفسه للحزب الشيوعي وقال، في المروي عنه، أنه شيوعي وملحد و"أفخر أنني تحررت من خرافة الله . . . أما الدعارة فهي فطرة غريزية في الإنسان وفي بيت الرسول كانت تمارس الدعارة مشيراً إلي حديث الإفك." (1)
وقد استثمر خصوم الحزب مقالة الطالب للتشديد علي إلحاد الشيوعيين بقصد تأليب جمهرة المسلمين عليهم. وقد نجحوا بالفعل في استثارة حملة كبري قضي بها البرلمان علي شرعية الحزب الشيوعي.
انصرف أكثر الشيوعيين وطوائف اليسار، والعهد بهم ما يزال، إلي اعتبار هذه الحادثة داخلة في عداد "استغلال الدين" لتحقيق مآرب سياسية. ولم يغب هذا الاعتبار السياسي بالطبع عن مؤلف هذا الكتاب: الاستاذ المرحوم عبد الخالق محجوب (1926-1971)، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني منذ 1950. فقد شرح عبد الخالق هذا المعنى بغير هوادة. فقد نظر في كتابات عديدة له الي مطلب خصومه في تطبيق الدستور الإسلامي مما راج آنذاك قبيل حل الحزب الشيوعي. ودرس غلوهم في هذا المطلب بعد حل الحزب الشيوعي (2). وكان رأيه أنه من مفارقة الحكمة أن ينظر المرء الي شعار الدستور الإسلامي وصلاحيته للحكم من زاوية تكوين السودان الإسلامي الثقافي كما يزعم دعاة ذلك الدستور. ورد عبد الخالق هذه الدعوة إلي إسلامية الدولة إلي منابت في السياسة السودانية بخاصة في وقائع ومستجدات نجمت عن ثورة إكتوبر 1964. تساءل عبد الخالق: لماذا احتاج النادي السياسي الحاكم إلي الدعوة إلي الدستور الإسلامي بعد تلك الثورة في حين اكتفي قبلاً بدساتير ليبرالية غير دينية مثل دستور الحكم الذاتي 1954 ومسودة دستور السودان 1958؟ وأجاب عن سؤاله بقوله أن الذي أزعج هذا النادي الحاكم عن الليبرالية إلي الإسلامية هو ما كشفت عنه ثورة إكتوبر عن إمكانية نشوء حركة سياسية مستقلة من نقابات العمال والمهنيين واتحادات المزارعين والحزب الشيوعي. وهي حركة تدير ظهرها نهائياً لهذا النادي وتنزع إلي نهج وأفق اجتماعيين جذريين جديدين. وروع هذا التطور، في قول عبد الخالق، النادي السياسي الذي رأي عياناً بياناً كيف انفصل جهاز الدولة بفضل قوي العاملين وإضرابهم السياسي العام عن السلطة الحاكمة وتركها تامة العري الاجتماعي والسياسي. ولذا سارع النادي الحاكم إلي الدعوة إلي أمرين. الأمر الأول هو تبني الجمهورية الرئاسية بعد أن كان يعتقد في الرئاسة البرلمانية. وأراد بالجمهورية الرئاسية أن يضع في يد رجل زعيم منهم سلطات جامعة مانعة يسيطر بها علي جهاز الدولة. فقد جعلوا الرئيس قيماً نهائياً علي الخدمة المدنية كما يعين القضاة والقيادات العسكرية. أما الأمر الثاني فقد تنادي أهل النادي السياسي إلي الدستور الإسلامي كغطاء إيدلوجي يغطون به إفلاس مناهجهم والتي رأي كيف مجتها طلائع الشعب واستقبلت قبلة أخري.
تساءل عبد الخالق في سياق عرض فكرته عن استغلال النادي الحاكم للدين عن منشأ النبع الإسلامي في الحركة السياسية آنذاك. وتساءل (؟) هل أصابت النادي الحاكم شحنة فكرية مفاجئة حولته عن قناعته الأولي بالدستور الليبرالي إلي الدستور الإسلامي. وفي تقدير عبد الخالق أنه لم ينشأ بين جوانح هذا النادي شوق فكري مرصود معلوم ينتفض للإسلام في جهاد إحيائي فكري مستنير. وغاية الأمر، في قول عبدالخالق، ان الإسلام وقع للحاكمين المأزومين "من باب التجريب والمواتاة السياسية".
ولم يكتف عبد الخالق بهذا البيان عن "استغلال الدين" في سياسة أهل الحكم السودانيين فيما بعد إكتوبر 1964. فقد راجع نفسه حتى لا تكون مقالته عن "استغلال الدين" مما يلقي علي عواهنه. فقد استدرك عبد الخالق قائلاً: وما الخطأ في لجوء النادي الحاكم إلي الدستور الإسلامي في الوقت الذي اختاره؟ وجاء بثلاثة (؟) أسباب في تخطئة هذا اللجوء:
فقد قال أن العيب الذي يراه في هذا النادي السياسي ليس في لجوئه إلي الدين بل في مفهومه للدين. وعاد هنا إلي شرح اعتراضه من أن الدين لم يقع لهذه الفئة السياسية في ميدان ثورة فكرية رشيدة. فهي لم تستنبط إسلامها المرشح للحكم من حركة إصلاح هزت بها قاع العقائد السودانية التقليدية التي كانت الحركة المهدية (1881-189 نفسها مجرد امتداد لها لا ثورة عليها.
وتنويعاً علي ما سبق قال عبد الخالق أن مفهوم هذا النادي للدين لم يكن ثمرة جهاد ضد الاستعمار كما هو حال الإسلام في الجزائر الذي طبعه حرب المستعمرين بنظرات متأملة ناقدة في سياسات فرنسا التذويبية لشخصية المستعمر (بفتح الميم) (؟)، والربط بين التحرير السياسي والروحي والاجتماعي. فإسلام النادي الحاكم السوداني غير ممتحن في دقائق السياسة العامة ومشاغلها وخبراتها في النضال وأشواق العدل الاجتماعي.
ومما زاد الطين بلة أن النادي السياسي السوداني جاء إلي الشعار الإسلامي تابعاً لا رائداً لأنه استقي مدده الفكري والروحي والمالي من القوي الرجعية في العالم العربي والإسلامي التي قبلت العمل في نطاق الأحلاف الاستعمارية ووطنت نفسها علي أفكار التقدم والاشتراكية.
ويذكر الشيء بالشيء. فأريحية عبدالخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد، الدعوة إلي الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوة بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان (الميدان) عام 1957 (3) والدعوة إلي مثل هذا الدستور في طفولتها بعد. فقد بادرت بعض الهيئات الإسلامية، ومنها حركة الإخوان المسلمين التي هي في القلة السياسية آنذاك، إلي الضغط علي أحزاب الكثرة لتتبنى الدستور الإسلامي قبيل انتخابات 1958. وكان من رأي عبد الخالق أن هذه الانتخابات إنما تدور حول سيادة السودان التي تتهددها قوي الاستعمار التي لا تريد أن يكون "في قلب أفريقيا، وفي الحدود الجنوبية للقومية العربية، أثر لجمهورية سودانية مستقلة حقاً تساند دعوة الحرية في الوطن العربي وتحمل شعلتها في أفريقيا، آخر قلعة للمستعمرين".
لم يعب عبد الخالق علي الهيئات الإسلامية دعوتها للدستور الإسلامي. بل عاب عليها غفلتها عن أن المعركة المقدسة حقاً هي المعركة ضد الاستعمار. فقد استغرب لوقوف هذه الهيئات خلف مرشحي حزب الأمة في الانتخابات وهو الحزب، في تحليل الشيوعيين آنذاك، ركيزة المستعمرين ووكيلهم القديم والحديث في السودان (4). استعان عبد الخالق بلغة القرآن لكي يبين كساد خطة هذه الهيئات في اختيارها الانحياز لحزب الأمة قائلاً:" والله أنتم في واد والشعب في واد آخر غير أن واديكم غير ذي زرع."
وبرغم وصف عبد الخالق لدعوة الدستور الإسلامي بالغموض ومفارقتها لواقع البلاد إلا أنه لم ير وجهاً لجعل الصراع حول صورة الدستور سبباً لانقسام الصف الوطني في وجه الهجمة الاستعمارية. فالمعركة في نظره ليست بين الدستور الإسلامي والدساتير الأخرى. ففي اعتقاد عبد الخالق أن أياً من هذه الدساتير لا يمكن لأنصاره تحقيقه إلا في ظل سودان مستقل الجانب موفور الكرامة. فالدعوة للدستور الإسلامي، في قوله، لا تعفى صاحبها من تحديد موقعه من الاستعمار. وذكر أن باكستان المعلن أنها جمهورية إسلامية هي سند مؤكد للاستعمار وعدو لدود للمسلمين.
وعليه لم يكن عبد الخالق في 1957، كما لم يكن في 1965، ممن استثقل أو استفظع أو "استرجع" (جعلها رجعية بإطلاق) الدعوة إلي الدستور الإسلامي. بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن انشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالاستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة لتأمين السيادة الوطنية علي أساس من العدل الاجتماعي. والدليل علي رحابة عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلي أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة إكتوبر "ولدت في الناس وعياً بين الناس لا سبيل إلي إنكاره ولفتت الانتباه لأول مرة في بلدنا للنظر إلي الدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين."
ولذا لم ينشغل عبد الخالق بعد واقعة حل الحزب الشيوعي بالإلحاح علي مسالة استغلال خصومه للدين قطعاً لطريق التقدم، وهي واحدة من عباراته المفضلة آنذاك. خلافاً لذلك، رأي عبد الخالق أن تكون محنة الحزب الفكرية مع الإسلام مناسبة يأخذ الحزب نفسه بالشدة النظرية يتأمل قامته الثقافية في مجتمع إسلامي. فقد كتب في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع (196 يقول أن المؤتمر الرابع للحزب (1967) (5) لم يثر مسألة الدين من الزاوية السياسية وحسب. وبعبارة أخري، فالمؤتمر لم يقتصر في خلاصاته فقط علي استنكار استخدام الدين بواسطة النادي الحاكم ستاراً لمصادرة الحقوق الأساسية في مثل حله الحزب الشيوعي. وقال أنه لو كان هذا المغزى السياسي هو كل ما انطوي عليه حل الحزب من مغاز لكان الأمر يسيراً. فالحزب، في نظره، ذو تجربة ثاقبة في العمل بين جماهيره في حين تكتنفه الحملات الناعمة والكثيفة الموجهة إلي إلحاده ومفارقته الجماعة. فهو قد تمرس في النضال الحازم بين العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين وعامة الناس المسلمين للدعوة إلي فصل الدين عن السياسة ولم يعان حرجاً أو عزلة بل أصاب سداداً كثيراً. والحزب، من الجهة الأخرى، في قول عبد الخالق، قد تشرب حساسية الناس الدينية وتوسل إلي إقناع الناس بتوقيره ما يوقرون بالمسلك العملي المتأدب في حضرة الإرث الثقافي والعقدي للمسلمين. وبالفعل نجح الحزب في عام 1965 من حماية ظهره سياسياً في وجه حملة العداء التي انتهت بحله وعاد في انتخابات 1968 ليرسل نائبين من دوائر جغرافية لم يجد الناس حرجاً في الانتصار له فيهما. ولم يدر في خلد دهاقنة حملة 1965 أن يستقوي الحزب بالناس هكذا في اقل من ثلاثة ( ؟) أعوام.
لم يرد عبد الخالق أن يتذرع باستغلال خصومه للدين لكي يتفادى الحرج الثقافي الأصيل للفكرة الشيوعية في بلد مسلم. وقد رأي أن يلقي هذه المسالة وجهاً لوجه. فقد دعا في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (196 ( 6 ) أن يتأمل الشيوعيون غربتهم و"غربة الفكر الماركسي" التي ارتسمت بغير خفاء من جراء حادثة معهد المعلمين وذيولها. تساءل عبد الخالق: كيف تسنى للرجعية السودانية، بغض النظر عن دوافعها السياسية التي اتخذت الدين أداة ومخلباً، وبغض النظر عن نفوذها في الدولة والتشريع، أن تحرك بسهولة نسبية قطاعاً من الجماهير ضد الحقوق الديمقراطية والدستورية في البلاد حين قبل بحزب الحزب الشيوعي؟ وأضاف قائلاً: كيف تسني لهذه القوي الرجعية أن تنفذ إلي غرضها هذا من خلال استغلال حادث مفتعل لا يعرف أحد حتى ذلك الوقت أبعاده؟
ومن شأن هذه الأسئلة، التي تنأى عن تحميل الخصم كل اللوم علي ما يقع علي الذات من أذى، أن تفضي بهذه الذات إلي مكاشفة ذاتها مما هو في باب النفس اللوامة. وقد ساقت هذه الأسئلة عبد الخالق إلي اجتهادين مرموقين في منهج الحزب الشيوعي تجاه مسالة الثورة والإسلام:
فقد خرج عبد الخالق من تبكيت النفس إلي دعوة الحزب ان يخوض في أمر الدين لا من موقع الدفاع عن نفسه كمتهم في دينه، بل من مواقع الهجوم. وسبيل الحزب إلي ذلك تبسيط الماركسية وجعلها لصيقة بحياة الناس. فتطوير نظرة الحزب للدين، في رأيه، هي في تقريب الماركسية لجماهير الشعب بجعلها جزءاً من تفكيره وتراثه الثوري بإدخالها بين مصادر حضارة الشعب العربية والإسلامية والأفريقية. وهو يري أن هذا التقريب للماركسية هي تبعة علي مثقفي الحزب تلزمهم باكتشاف مصادر هذه الحضارة وعناصر القوة والخير والثورة فيها. فالماركسية، في قول عبد الخالق، ليست مناسبة يخلع (؟) بها الشيوعي هويته الحضارية كمسلم وعرب وأفريقي. خلافاً لذلك، فالماركسية هي "تجديد للمعرفة وسط شعبنا، تجديد لمصادر حضارته وثقافته." وهي مع ذلك (الماركسية؟)لا تقف مكتوفة اليد مبهورة حيال ماضي هذه الحضارة كمثال جامع مانع. وإنما تنفذ إليه بالنقد الدقيق المحيط تتغذى بخير هذه الحضارة وتلفظ ما عداه وتتغلغل يوماً بعد يوم إلي ثري الوطن وثقافته.
فالحزب الشيوعي، في نظر عبد الخالق ، يكسب بالهجوم الذكي المستنير المتفقه في علوم الدين وغير علومه. فلا مخرج للحزب من غربته الفكرية بالاستخذاء وإدارة العقل إلي الجهة الأخرى في وجه ما يلقيه الدين عليه من مسائل وتحديات وفقه. وقال:
"هذه الغربة (الماركسية) التي أشرت إليها لا تحل علي أساس سياسي كما ان مراكز الدفاع مراكز ضعيفة ويمكن أن توصف بالنفاق السياسي ولا توصف بالحالة الجادة لاكتشاف مصادر الثقافة في بلادنا ولاتخاذ موقف تقدمي منها: ما كان مفيداً يدخل في ميدان التطور، وما كان منها يعوق التطور يجب ان يتكلم عنه الشيوعيون بجراة وأن يقفوا بثبات دفاعاً عن مراكزهم"
أما الخاطرة الاجتهادية الثانية (7) التي عنت لعبد الخالق حيال غربة الماركسية في مجتمع إسلامي فهي تفرقته بين الدين كأيدلوجيا، مما يؤدي إلي استغلاله بواسطة الصفوات النافذة لتأمين حكمها بين الناس، (وبين) الدين كيوتوبيا، أي الدين كجغرافيا راسخة لعالم مثالي من العدل والإخاء والمساواة. فدين عامة الناس، اليتوبيا، قد فطر عليه المسلمون، واستمدوا منه أبداً عالماً بديلاً لعنت واقعهم السياسي الأليم، وشغفوا فيه بصور العدالة والإيثار والمساواة، التي هي صفة مجتمع أبكار المسلمين. واسترسل عبد الخالق في وصف الإسلام اليوتوبيا في خيال وفكر عامة المسلمين قائلاً:
"الناس يتصورون هيئة عمر ابن الخطاب حاكم الدولة الإسلامية التي امتدت شرقاً وغرباً وجنوباً وانتشرت تهز أركان العالم حولها وهو مجرد من زيف السلطان وغربته عن الشعب وقد استلقي تحت ظل شجرة مثل عامة الناس لأنه حكم وعدل وأمن شعبه . . . يذكرون مصعب ابن عمير يحف به بذخ الإرستقراطية وهو شهيد في واقعة أحد بعد أن أبلي وهو يحمل لواء الرسول بلاء (؟) لا يدانيه بلاء، وقد خر علي وجهه، ويهم المسلمون بدفنه فلا يجدون له كفناً، إنما هو ثوب رث قصير إن أخفى رأسه أظهر رجليه، وإن اخفي رجليه أظهر رأسه، والنبي (ص) يري فيتلو قول عز وجل: "من المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه."
ويستطرد عبد الخالق قائلاً أن هذا العالم المثالي هو الذي يشد أفئدة الناس في واقع يحدق بهم: الفساد فيه وحل، والمحسوبية عاهة، تغلب فيه الاثرة والتفاوت الطبقي اللئيم والفردية القاتلة. وعامة المسلمين أسيرة تناقض بين عالم المثال هذا الذي الإسلام فيه مستودع العدالة والإيثار والمساواة وبين ارتباطهم بقوي النادي السياسي التي تفسد في الأرض، تناقض بين المثال الذي يجعلها ترفض الواقع الفاسد وبين قلة حيلتها وهي أسيرة النادي السياسي وخطته السياسية. ولا مخرج لها من هذا التناقض سوي بنظرية اجتماعية للسلطة تنتقل بها من رهن إرادتها بانتظار فيض القلب الرحيم والمدد المثالي إلي اكتشاف القوة الاجتماعية للتغيير لتحرير نفسها من لعنة وعبودية المال. وويواصل عبد الخالق قائلاً:
"إن الجماهير التي يثير فيها شعار الدستور الإسلامي ما ذهبت إليه من صور إنسانية مدعوة للبحث والتفكير عن ردود شافية لأسئلة تطرح نفسها وتلح بإصرار: هل يمكن تحقيق تلك الصور والمعاني بواسطة سلطة أصحاب المال والمترفين الذين يعملون عن طريق مسودة دستورهم لعام 1968 لدفع البلاد بخطوات سريعة علي طريق الرأسمالية."
من المؤسف إن نظرات عبد الخالق حول غربة الماركسية والدين لم تجد من الخلف الشيوعي لا تجريحاً ولا تطويراً. فلم يتسن للحزب أن يتخطى أطروحة "استغلال الدين" في العمل السياسي" الي الرحاب التي افترعها عبد الخالق. فلم يكن بوسع الشيوعيين انتهاج فقه ماركسي غير فقه "التهويس الديني للسياسة" بالنظر إلي الشروط السياسية والفكرية التي اكتنفتهم لعقود أربعة (؟) منذ آخر الستينات. فقد توالت علي الخلف الشيوعي واليساري عامة النكسات بعد محنة حل الحزب الشيوعي في 1965. وكان الدين ،بصورة أو أخرى،من الملهمات الرئيسية للذين أوقعوا بالشيوعيين الأذى. وصح هذا التقدير أو لم يصح، فالذي استقر في خاطر الشيوعيين هو أن خصومهم كادوا لهم بالدين وما زالوا يكيدون. والمعروف أن الدين قد اصبح أيدلوجيا الرئيس نميري البديلة لليسارية الثورية بعد فراقه الدامي مع الشيوعيين بعد انقلاب 19 يوليو 1971 . وقد تدرج نميري بالشعار الديني حتى أقام دولته الإسلامية في 1983. ثم جاء انقلاب 1989 الإسلامي الذي شتت شمل اليساريين في أطراف الأرض والغرب المسيحي بالذات. وليس من المستغرب إذاً أن ينشغل الشيوعيون بمحض غريزة الدفاع (عن النفس؟) بأطروحة استغلال الدين وتنويعاتها مثل إرث الإسلام في مجافاة حقوق الإنسان واضطهاد المرأة وغيرها مما اتفق للغرب من صور نمطية عن الإسلام. وهي صور يعاد إنتاجها وترويجها في ملابسات عالم ما بعد الحرب الباردة الذي جري تصنيف الإسلام فيه ك "خطر" دولي بواسطة دهاقنة الفكر الأمريكي. وهكذا تناصر واقع محلي سوداني وواقع عالمي لكي يبعدا الشيوعيين عن افتراع معني للإسلام في السياسة غير معني استغلاله في هذه السياسة.
ولم يتسن للشيوعيين وهم بهذا الانشغال ب "تهويس" الدين أن ينموا فكرة عبد الخالق عن يوتوبيا الإسلام التي تعبئ المسلمين حول المثال الباكر لمجتمع النبي (ص) والصحابة الذي اتسم ببساطة الحكم وكرامة الرعية. وقد رأينا كيف حاكم المسلمون حكومتي نميري والإنقاذ الإسلاميتين بقواعد هذه اليوتوبيا الناقدة النافذة حين اشتطتا في البوليسية أو الفساد أو المحسوبية. وقد اخرج هذا النقد النميري من طوره فقال ببجاحة وكفرانية أنه يعلم أن للبيوت في الإسلام حرمة غير أن إسلامه هو إسلام "النط" في البيوت وتفتيشها. وقال الدكتور الترابي أن هذه اليوتوبيا قد قعدت بالحركات الإسلامية دون استحداث برنامج متدرج عملي تأخذ به مجتمعاتها من واقعها إلي مثال الإسلام. فهذه الحركات، في نظر الترابي، تعلقت بمثل تشخص نحوها بالأماني. فحالة الكمال الإسلامي لن تقاربها الدولة الإسلامية وقد لا تبلغها. فهذه الدولة لن تنشأ تامة وهي تولد من واقع إسلامي منحط، بل ستبدأ من بعض الطريق ثم تتقدم نحو مثل الإسلام. وأضاف الترابي أن الحركات الإسلامية المعاصرة اعتزلت المجتمع وتجافت عنه لإخفاقها في تحقيق المثال الإسلامي. وانطوت علي هذه اليوتوبيا تنتظر حدوث معجزة تحقيق أمانيها. وهكذا يري هذا الناشط الإسلامي الكبير كيف أن اليوتوبيا الإسلامية قد تصبح قيداً علي(؟) الحركة الإسلامية المعاصرة وسبباً للنكوص والخيبة (.
وكان بوسع الخلف الشيوعي أيضاً أن يصوب بعض خاطرات عبد الخالق. فكلمة عبد الخالق في أن الدعوة للدستور الإسلامي لم تنشأ عن تنوير إسلامي سوداني هي عين الصواب إذا انصرف بها إلي الأحزاب التقليدية الطائفية. ولكننا، وبآخرة، قد نميل إلي تخطئتها إذا عنت الحركة الإسلامية الحديثة الناشئة آنذاك والتي تحالفت مع تلك القوي الطائفية علي المستوي السياسي وآذت الحزب الشيوعي. غير أن تحالفها السياسي لم يمنعها من احتضان جذوة ما تروم التجديد الديني والتحديثي وبخاصة تحت قيادة الدكتور حسن الترابي منذ نصره علي خصومه التربويين في الحركة في عام 1969. والمعلوم إن الشيوعيين لم يحتاطوا فكرياً لدرس هذه الحركة التي عدوها اجتماعياً فريقاً من أتقياء الريف "الكيزان" وعدوها سياسياً امتداداً فاشستياً للحركة المصرية التي اشتهر إرهابها بين شيوعي السودان نقلاً عن خبرة لهم بها في مصر (9) وفي مقاومتها للناصرية التي عقد الشيوعيون معها أحلافاً متأرجحة. ولم يقرأ الشيوعيون الحركة الإسلامية في نصها وتجلياتها السودانية وبخاصة خلال صراعها المرموق للاستقلال عن قبضة "الشيخ" المصري المتمثل في التنظيم العالمي لحركة الأخوان المسلمين الذي أراد للتنظيم السوداني أن يكون فرعاً تابعاً. وقد شددت حركة الترابي طوال هذا الصراع علي أصولها في الديمقراطية السودانية في طيات الحركة الطلابية والشعبية (10). وقد استحسنت دائماً خاطرة للأستاذ محمد إبراهيم نقد، السكرتير العام للحزب الشيوعي، قال فيها أننا حاكمنا الأخوان المسلمين في السودان بما نعرفه عن الإخوان المسلمين المصريين. وهذه خطة عاجزة.
مصادر وهوامش البحث:
حسن مكي محمد احمد، حركة الإخوان المسلمين في السودان، 11944-1969، الخرطوم 1982، صفحة 83.
نشر بعض هذه الكتابات في جريدة "أخبار الأسبوع" في أعداد صدرت في 12-3-1969 و10-4-1969. والأفكار الواردة بعد هذه الإشارة ماخوذة من هذين المقالين ما لم أشر بغير ذلك.
نشر الكلمة الولي في "الميدان" بتاريخ 12-10-1957 والأخرى في نوفمبر من نفس السنة وفات علي حصر اليوم مع كثير الأسف.
راجع الحزب الشيوعي هذه الفكرة المركزية ونفض يده عنها في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" التي صدرت في 1968. غير أن الفكرة ظلت تراوح في مكانها ولم تتسرب إلي الوعي الجمعي للحركة.
في الوثيقة المسماة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" وصدرت منها طبعتان، أول إنشائها في 1967 وجاءت الأخرى في 1986. وقد نسبت الوثيقة الدعوة للدستور الإسلامي بواسطة "القوى الرجعية" إلي الإفلاس السياسي تاركة الحياة السياسية العلمانية ناشرة جواً من "الدجل الديني مس كل أوجه الحياة في البلاد، ويهدف في النهاية إلي قيام سلطة باسم الدين." غير أن الوثيقة نبهت بعدم كفاية الدفاع عن الحياة السياسية العلمانية وشعار فصل الدين عن السياسة كموقف وحيد للحزب وطالبت (؟) الحزب بتنمية خطة فكرية تربط بين قضية الدين الإسلامي وعلاقته بحركة التقدم الاجتماعي. أنظر الصفحات 168-170 من الطبعة الثانية.
الوثيقة هي نص التقرير المقدم من المكتب السياسي إلي البلجنة المركزية للحزب في دورة إستثنائية في منتصف يونيو 1968 . وكل الفكار الواردة بعد منها إلا حين نستثنى.
وردت هذه الخاطرة الثانية في مقاله بأخبار الأسبوع بتاريخ 17-4-1969.
وجدت معني الترابي في مسودة له عنوانها "نظرات في الفقه الإسلامي". وفي المقال الموسوم "في أصول الفقه الإسلامي السياسي."
أنظر كتاب للأستاذ الرشيد نائل في هذا المعني صدر في آخر الستينات.
أنظر كلمة لي عن لاهوت الدكتور حسن الترابي نشرتها في مجلة "أفريقيا اليوم" في آخر عام 1999 (تصدر عن دار جامعة إنديانا للنشر وتجدها معربة في كتابي "الشريعة والحداثة" ؟)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
وعودة للوراء قليلا كنت انزلت مقالا جميلا للدكتور حيدر ابراهيم هنا فى نوفمبر 2003 رايت ان اعيده لكم هنا للتوثيق لان له علاقة مباشرة بهذا البوست ..اقرا
محنة الثقافة مع اهل السياسة ....حيدر ابراهيم
د.حيدر ابراهيم علي
شاركت في الاسبوع الفائت في لقاء عن الوضع السياسي في السودان اقامه مركز القاهرة لحقوق الانسان. وكان من بين المدعوين سياسي ووزير سابق وقيادي حزبي متعدد الولاءات داخل حزبه نفسه. وترك السياسي المخضرم كل مشكلات السودان الراهنة وتوقعات السلام وامكانات البناء والاستقرار، ليشن هجوما على المثقفين السودانيين، لانهم سبب كل مصائب السودان. واستغربت للطريقة التي يحلل بها بعض السياسيين الواقع والتاريخ السودانيين. وسألته بعد حديثه: هل هي دعوة للجهل ولابلسة العقول النيرة في بلد صعدت فيه نسبة الامية الفعلية الى ما يزيد عن 70%. ولكن هذا الموقف تجاه المثقفين ليس غريباً لدى كثير من السياسيين والحكام في السودان. وللمفارقة يغذي بعض المثقفين أنفسهم مثل هذا الموقف من خلال خلافاتهم ومعاركهم الذاتية التي تقلل من شأن زملائهم بسبب الغيرة والحسد والتنافس غير الايجابي. وتساءلت عن مصدر هذه الظاهرة العدائية تجاه المثقفين. ووجدت أنها تكمن في الماضي السوداني. ففي فترة دولة الفونج وكما يخبرنا كتاب الطبقات لود ضيف الله، كان التنافس بسبب سلطة رجال الدين «الفقرا» المعنوية وهيمنتهم على قلوب وعقول الناس. وتوصل بعد الحكام الى معادلة سلمية من خلال قبول شفاعة «الفقرا». وان كان بعض «الفقرا» رفض الشفاعة. وقد كانوا ـ وهم مثقفو ذلك الزمن ـ حماية للعامة من جور السلاطين. ويروى ان الشيخ ادريس ود الارباب، حين جمع الملك بادي بن رباط كبار رجال الدولة وقال لهم: ادريس شيخي وابوي داري من العسل الى البصل بقسمها له النصف. كان رد الشيخ: «هذا الدار دار النوبة وانتم غصبتوها منهم انا ما بقبلها، الرسول قال: من سرق شبرا من الارض طوقه الله يوم القيامة به من سبع ارضين» ورغم خشية بركاتهم او لعناتهم فقد خضع بعض العلماء للاضطهاد فهاجر بعضهم الى مكة «الفقيه عبد اللطيف بن الخطيب عمار» وقتل الفقيه حجازي بن ابي زيد عطشا وقتل الفقيه النجدي خنقا. ونفس الشيء في سلطنة دارفور، تقول الروايات ان السلطان عبد الرحمن كان يحب العلماء ويكثر الجلوس معهم في ليله ونهاره. وقلما يجلس مجلسا الا ومعه عالم اواثنان. فاغتاظ الوزراء منه وقالوا: كيف يتركنا ويجلس مع هؤلاء؟ لكن ان مات هذا السلطان لا نولي علينا بعد رجلا يقرأ أبدا! «تشحيذ الاذهان: ص 191». وفي الدولة الدينية المجددة: المهدية تعرض العلماء المعارضون للاضطهاد وحرقت كتبهم مثل الكردفاني. وتعرض الشيخ حسن الزهراء للسجن وغيره من الفقهاء والقضاة.
ورغم ان الادارة البريطانية حاولت خلق فئة جديدة تقابل بها احتمالات هبات المشعوذين الدينية او تمردات القبائل، الا ان هذه السياسة انقلبت بعد ثورة 1924 الى عداء تجاه المتعلمين. ثم جاء مؤتمر الخريجين ليقود النضال الوطني بعد ذلك ويدخل في صراعات مستمرة مع الاستعمار. وقبل الاستقلال بقليل كان المثقفون قد هزموا انفسهم حين دخلوا في عباءة الطائفية عدا اصوات قليلة مثل احمد خير واليساريين من بين الاتحاديين. ورغم الاحترام الشكلي للمثقفين، الا ان واقع صراع القوى جعل منهم قوة تابعة او مضطهدة اي تمنح مواقع ووظائف بسبب الولاء والطاعة او تتعرض للقمع والتهميش.. وكانت فترة النميري اقسى فترات التاريخ على المثقفين السودانيين، فقد كان صاحب استراتيجية تقوم على اذلال المثقفين. وهي فترة يمكن ان تسمى حقبة الكَسْرَة رجوعا الى انكسار جيش المهدية الوطني امام جيوش الاحتلال. فقد هزم النميري المثقفين في مجموعهم بادخال روح الهزيمة والتهافت على غنائم مايو ما عدا قلة هي التي مثلت طليعة الانتفاضة ضده. ولكنه استطاع ان يلوث ـ احصائيا ـ اعدادا كثيرة وبعض هؤلاء عناصر جيدة ولكنها اساءت التقدير والنتيجة واحدة.
ويعتبر ما تقدم من العوامل الخارجية في محنة المثقفين السودانيين. وهي لم تنتصر الا بسبب العامل الذاتي اي عيوب المثقفين انفسهم. فهل كان المثقف السوداني قادرا على لعب دوره المتوقع في الحياة العامة؟ فلنبدأ برؤية غريبة تسود بين السودانيين. وهي الازدراء الخفي لما يسمى التنظير والتفكير بالذات في السياسة. اذ يرى الكثيرون ان السياسة فعل اولا ثم تبحث بعد ذلك للمبررات وعقلنة هذا الفعل بعد ان يحدث. وبالتالي على السياسي ان يكون قادرا على الانجاز وتسود نظرية «امسك لي واقطع ليك». وما عدا ذلك يقوم به المنظراتية والمثقفاتية. وهذه صفات معيبة في نظرهم. واثناء اللقاء سباق الذكر، كان المتحدث يردد ان المثقفاتية عايشين في ابراج عاجية! وكانت صورة كاريكاتورية وليست رمزية: اين هذه الابراج العاجية في بلد مثل السودان لا تملك فيه اية خصوصية؟ وهذا مجتمع مفتوح ومقتحم ولا يسمح بالعزلة والانعزال. ولكن اغلب السياسيين الذين تربوا على الديماغوغية وتهييج الجماهير والاصوات العالية والاثارة وعقلية: احرق يا دينمو! التي لم تنقرض، هؤلاء يخلطون بين الالتحام الحقيقي مع الجماهير ومعرفة احتياجاتها. وبين حلقات الزار السياسي التي دأبوا على اقامتها منذ الاستقلال. وظنوا ان حشد الجماهير في الميادين الكبيرة ونثر الوعود وتحقير الخصوم يمكن ان يكون بديلا للدراسات والتحليل والفهم العلمي، اي عوض عن النظريات الملعونة.
وحاول المثقفون مجاراة التهريج السياسي، لذلك قصروا في المهمة الاساسية التي تجعل المثقف يحمل صفة: مثقف، اي ان يعمل على انتاج المعرفة ونشرها بين الناس اي صناعة المعرفة ـ حسب غرامشي. وفي هذه الحالة لا بد ان يكون المثقف نقدياً ويرى في الواقع ما لا يراه الآخرون، خاصة الذين يرددون: ليس في الامكان احسن مما كان. فالمثقف اقرب الى الهدم دائما وهذه ـ للمفارقة ـ ايجابيته، اذ يسعى باستمرار الى التجاوز او الى ان يكون معارضا دائما. ليس حبا في المعارضة لذاتها، او خالف تذكر. ولكن حساسيته لحركة التاريخ عالية. لذلك سرعان ما يتحول الحاضر لديه الى ماضٍ وتقليد وتراث. ولا بد ان يعيش المثقف في خطر ويقبل هذه المغامرة، فقد يتعرض الى اغتيال الشخصية او الى السجن او القتل. وفي هذه الحالة يتسق مع نفسه حتى في مصيره. وامامنا الامثلة العليا محمود محمد طه وغاليليو والحلاج وسيلفادور اليندي والقائمة طويلة. ومن هنا نجد ان الجانب الذاتي في المحنة، يكمن في استعداد كثير من المثقفين للتنازل والتراجع بالذات في ازمنة الهبوط والانحطاط.
فالمثقف السوداني خاضع لابتزاز متزايد. وعليه ان يكسب رضاء الكثيرين، رغم معرفته بالمأثور: ماذا يكسب الانسان لو كسب العالم وخسر نفسه! والمشكلة هي ان الانسان السوداني والمثقف ضمنه، يميل الى عقلية القطيع والى الاجتماعية التي تنبذ الاختلاف وتدينه وتعتبره خروجا عن الجماعة التي لا تجتمع على ضلالة في اغلب الاحيان.
وهناك تقصير من جانب المثقفين السودانيين. وهو الانتاج المعرفي الغزير والعميق. وسبق ان كتبت مقالا في صحيفة «الحرية» تحت عنوان «الغابة والصحراء». ولكن لم اقصد المدرسة الابداعية المعروفة. بل تعرضت لعلاقات المثقفين المتبادلة وانتاج المعرفة ونشرها، لان علاقات المثقفين أقرب الى علاقات الغابة المنفلتة غير المحكومة بقيم ومثل، بل قانونها: قاتل او مقتول! ويصعب ان تجد مثقفا سودانيا يذكر زملاءه بالخير. وفي احسن الاحوال المدح بما يشبه الذم. وتحول انتاجهم المعرفي الى انتاج الشائعات والاقاويل ونشرها، بينما تخلو المكتبات من انتاجهم المعرفي الذي يماثل الدعاية والتمجيد الذاتي. ولذلك يمكن للسياسيين ألا يحترموا المثقفين، رغم انهم ليسوا احسن حالا منهم ما عدا قدرتهم على تسلق السلطة، كما ان ادواتهم في الترويج لانفسهم مجرد مايكروفون وصيوان والافكار الجديدة ليست ضرورية.
زار المفكر اللبناني علي حرب السودان وقدم محاضرات جيدة غاب عنها المثقفون السودانيون. وقد طرح آراء مهمة، منها ان المثقف العربي لم يقم بمهمات المفكرين بل المبشرين، لانه ناضل من اجل تغيير الواقع دون تغيير مفاهيمنا للسلطة والواقع او للحقيقة والمعرفة. ولا يعني ذلك التخلي عن معركة التغيير. ولكن اولوية المثقف هي البدء من فهم الواقع ثم تغييره. وهذا هو الخلاف بين السياسي والمثقف. ولذلك كثرت اخطاء السياسيين واوصلوا البلاد الى هذه الحالة، لانهم الحاكمون الحقيقيون طوال تاريخنا الحديث، بينما المثقفون ملحقون وليسوا اصلاء في الوصول الى السلطة «الجيش او الطائفة الحزبية» او الحفاظ عليها. ولا بد من تقارب دور السياسي والمثقف عوضاً عن الاستقطاب، فالمواجهة غير مجدية. والتطور لا يحدث الا من خلال سياسة مثقفة تستخدم العقل والذوق في تناول الواقع وادارة شؤون الناس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
مقال الدكتور حيدر ابراهيم الذى اتزلته هنا فى الاعلى لعله يقرب المسافة بينى والاخ هاشم الحسن فى شان علاقة المثقف بالسياسى وعلاقة المثقفين انفسهم مع الاخر ..وايضا علاقة المثقف بالمجتمع والوسط الذى يعيش فيه ...وهذا هو المهم لان انغصال المثقف عن قضايا مجتمعه بحجة انه اعلى من ذلك هى عين الفشل لان قضايا الجماهير هى ما يقصدها السياسيون فى قربهم من الوسط الذى يعيشون فيه والارتفاع بمستواهم بالتدريج .. نتواصل فى هذا البوست المهم واشكر الاخوان الذين ارسلوا الرسائل عبر الايميل يطالبون ببقاء هذا البوست اكبر فترة زمنية ...بكم ولكم يبقى البوست يحمل هموم كل الناس من اجل وطن معافى من كل اثر سالب فى تقدمه .. مع تحياتى لكم جميعا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
تحية طيبة أستاذ الكيك، أولاً، شكراً جزيلاً لك و للأخوين الشقليني و نابري على هذا التوثيق ـ دونما شك هو عمل مثقفين ذوي همّة ـ من النوع الذي يدحض (كلامات) الشفاهة التي طالما انتقدها دكتور حيدر إبراهيم الذي أشكرك على توثيق مقاله من العام 2003 بأعلاه و هو مما سأتخذه مثلاً على التناقض الذي انتقده تفادياً لما قد يورثنا من مزيد الحرج و الهرج ... أو قل: (التهريج) كما أظنه ورد في مقال الدكتور حيدر المشار إليه. و لكن، فلننظر موقف د. حيدر الأخير و آخرين غيره من المثقفين، من ترشيح د. عبد الله، ثم نقارنه بما كتبه د. حيدر في 2003Quote: فلنبدأ برؤية غريبة تسود بين السودانيين. وهي الازدراء الخفي لما يسمى التنظير والتفكير بالذات في السياسة. اذ يرى الكثيرون ان السياسة فعل اولا ثم تبحث بعد ذلك للمبررات وعقلنة هذا الفعل بعد ان يحدث. وبالتالي على السياسي ان يكون قادرا على الانجاز وتسود نظرية «امسك لي واقطع ليك». وما عدا ذلك يقوم به المنظراتية والمثقفاتية. وهذه صفات معيبة في نظرهم. واثناء اللقاء سباق الذكر، كان المتحدث يردد ان المثقفاتية عايشين في ابراج عاجية! وكانت صورة كاريكاتورية وليست رمزية: اين هذه الابراج العاجية في بلد مثل السودان لا تملك فيه اية خصوصية؟ وهذا مجتمع مفتوح ومقتحم ولا يسمح بالعزلة والانعزال. ولكن اغلب السياسيين الذين تربوا على الديماغوغية وتهييج الجماهير والاصوات العالية والاثارة وعقلية: احرق يا دينمو! التي لم تنقرض، هؤلاء يخلطون بين الالتحام الحقيقي مع الجماهير ومعرفة احتياجاتها. وبين حلقات الزار السياسي التي دأبوا على اقامتها منذ الاستقلال. وظنوا ان حشد الجماهير في الميادين الكبيرة ونثر الوعود وتحقير الخصوم يمكن ان يكون بديلا للدراسات والتحليل والفهم العلمي، اي عوض عن النظريات الملعونة. |
Quote: وحاول المثقفون مجاراة التهريج السياسي، لذلك قصروا في المهمة الاساسية التي تجعل المثقف يحمل صفة: مثقف، اي ان يعمل على انتاج المعرفة ونشرها بين الناس اي صناعة المعرفة ـ حسب غرامشي. وفي هذه الحالة لا بد ان يكون المثقف نقدياً ويرى في الواقع ما لا يراه الآخرون، خاصة الذين يرددون: ليس في الامكان احسن مما كان |
Quote: فالمثقف السوداني خاضع لابتزاز متزايد. وعليه ان يكسب رضاء الكثيرين، رغم معرفته بالمأثور: ماذا يكسب الانسان لو كسب العالم وخسر نفسه! والمشكلة هي ان الانسان السوداني والمثقف ضمنه، يميل الى عقلية القطيع والى الاجتماعية التي تنبذ الاختلاف وتدينه وتعتبره خروجا عن الجماعة التي لا تجتمع على ضلالة في اغلب الاحيان. |
فبالله ماذا يمكن أم نسمي هذا القول من ذاك الفعل غير إنه تناقض، و كيف لنا أن نتقبل الأخير من رجل نحترمه و نقتدي برأيه و نتثقف بمساهمته ثم لا ينالنا بآخرتها، من تناقض فعله مع قوله، سوى الحرج لا نكاد نداريه إلا بتخريجات لا تستقيم مع واقع الحال و التصريح. إن نقد دواعي و نفي دواهي الحرج واجب يا الكيك أخوي، لأن الحال كما تعلم، حرِج للغاية.
ثانياً، ذكرتني مشكوراً بتعقيب جمعت فيه تعليقين على بعض ما وثقه باكراً الأخ شقليني و ما كتبه سيف مصطفى. كنت قد كتبت ذلك بكيبورد إنجليزي متضمناً لبعض الروابط و قد حاولت رفعه هنا لمرات و فشلت إذ يبدو أن خاصية تأمين ما في الروابط المعنية لم تسمح بذلك. سأعيد كتابته بالعربية و ربما تعديل الإشارات قبل أن أحاول رفعه قريباً لو رأيته لا يزال مفيداً.
ثالثاً، يا عزيزي لم أكن ابداً لأتصور أن المسافة بيننا بعيدة و أعلم إنها ليست كذلك رغم أن الدرب الواصل أعتمته التناقضات و متروز بأشواك الحرج. فأنا أيضاً، إن لم أكن من صريح غزية، فمن مواليها، و كنت أحسب أنّ غزية راشدة أو هي قد بلغت من الرشد جلّه، ثم إذ بها قد غوت. كل ما في الأمر إنه إستوجبني الواجب و اتساق المنطق أن أجهر بصدمتي من غواية هذا التناقض أن تستشرى منذ أول اختبار في الواقع يواجه مثقفينا أن تتسق أفعالهم مع أقوالهم، و هو الأمر الذي لم يحدث، كما شهدت بأم عين قراءتي في الصحف و المنابر. و لأنني لا أجد حتى الآن منطقاً أقبله عن تلك الغواية إلى التناقض، فلزم و وجب أن أنظر في كنه تجلياته و أحاول السبر عن دوافعه في وعينا عسى أن نهتدي من أمرنا إلى سواء السبيل المنطقي و الديمقراطي. بالطبع انت متابع و تعرف، بل وثقت ذلك، لست وحدي من يعاني هذه (الدهشة) جراء ما حدث و يحدث!
مع تقديري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: هاشم الحسن)
|
شكرا الاخ هاشم الحسن... على الراى المهم الذى اوردته هنا حول التناقض الذى ابرزته فى راى اخونا الدكتور جيدر واتمنى ان يكون متابعا معنا هذا السجال حول دور المثقف ورؤيته وراى الناس فيه ومن هو المثقف وكيف يكون المثقف عندما يمارس السياسة فى السودان ورؤية المثقفين للسياسيين والسياسة نفسها واحوال المثقفين عموما فى وطننا؟ انها اسئلة كبيرة وكثيرة تحتاج لبحث ورؤى مختلفة واجابات ثرة تثرى الساحة الثقافية والسياسية فى السودان .. واذكر ان شيئا من هذا تم فى صحيفة الخرطوم فى التسعينات بين الدكتور حيدر ابراهيم على والاستاذ عبد الله بولا على صفحات صحيفة الخرطوم استثمرها الدكتور وطبعها فى كتاب انيق تعد مرجعا مهما لنا اليوم وللقراء تناولا فيها واجابا على العديد من الاسئلة التى استفاضا فيها بادب المثقفين المطلوب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
غربا باتجاه الشرق
كُتّاب نوعيون وكاتبات نوعيات! مصطفي عبدالعزيز البطل [email protected] مثلما ( يبعث الله من يجدد أمرهذا الدين على رأس كل مائة عام )، كذلك فأن الصحافة السودانية تبعث من محرريها وكتابها من يجدد أمر هذه ( اللغة ) على رأس كل عشرة أعوام! وقد أخذت ألحظ مؤخرا بشريات التجديد فى أمر لغة الصحافة، بإدخال كلمات متفردة، أو إنفاذ إستخدامات جديدة متجددة لكليمات وعبارت جرى إستيرادها من حيازات معرفية مغايرة الى حيز التوظيف الصحافى اليومى. ومن الكلمات التى تنبهت الى كثافة إستخدامها حتى أصبح من المتعذر تماما خلو مقال أو مادة صحفية منها كلمة : ( نوعى ) و ( نوعية ). وأظن، والله تعالى أعلم، أن هذا اللفظ - مذكرا ومؤنثا - جرى إستيراده خصّيصا من حقل ذلك العلم ثقيل الدم المعروف بإسم: علم الإحصاء. وقد لفتت إنتباهى حقا، كما لا بد أن تكون قد لفتت إنتباه آخرين، تلك النقلة (النوعية) المباغتة للفظة ( نوعى) من بيئتها الأصلية الى عالم التحرير والكتابة الصحفية. وكنت فى زمن مضى أسمع وأرى فى نطاق التداول اللغوى العام كلمة ( نوع ) ورديفها ( كيف )، و مقابلهما الذى لا رديف له، ألا وهو: ( كم ). وقد كانت إستخدامات الكلمة ومقابلها من المحدودية بمكان، فى النطاق و المعنى، بحيث انهما كانتا تعبران تعبيرا دقيقا عن حقائق راسخة ومحسوسة وشديدة الوضوح. وذلك بطبيعة الحال قبيل الإنفتاح الليبرالى فى زمننا الأخير الذى أجاز التوسع فى توظيف الكلمة توظيفا حرا بحيث أصبح من المتاح وصف فول أبوالعباس والسبعة الكرام بأنه: ( فول نوعى )!
قبل أسابيع قليلة، وضمن تداعيات ندوة مؤسسة طيبة برس الشهيرة، وهى الندوة التى أعلن من فوق منبرها الدكتور عبدالله على إبراهيم ترشيح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية، أبدى البعض إستهجانهم لقيام الدكتور بما حسبوه إستغلالا غير مشروع لمنبر المؤسسة لخدمة أغراضه السياسية الدعائية، بينما كان الحضور قد توافدوا الى مكان الندوة بناء على دعوة ذات شكل مغاير ومضمون مختلف. وعند متابعتى للتداعيات المشار اليها، كما تواردت على صفحات الصحف السودانية، لاحظت كثرة استخدام عبارة ( ندوة نوعية ) فى وصف الفعالية التى كانت المؤسسة المذكورة قد تبنتها. كما لاحظت بذات القدر الاستفاضة فى إستخدام عبارة ( حضور نوعى ). وقد وردت تلك الكلمات والصفات بأقلام عديد من المحررين والكتاب الصحفيين على حد سواء. وقد بلغ من ثبات بعض محررى الصحف فى استخدام اللفظ والصفة درجة أنهما فى أحوال كثيرة وردتا فى صياغات خبرية قطعية، مثل قولهم: ( فاجأ د. عبدالله الحضور فى الندوة النوعية التى نظمتها مؤسسة ....). أو: ( وقد كان من ضمن الحضور النوعى للندوة الدكتور حيدر إبراهيم على الذى أبدى أعتراضه على ..... ). وقد إستتنتجت مما تقدم أن الندوات العامة إنقسمت، خلال فترة غيابى المتطاول فى الولايات المتحدة، الى نوعين: نوع نوعى ونوع غير نوعى. تماما كما إنقسم عباد الله ممن يؤمون هذه الندوات العامة الى نوعين: عباد نوعيين وعباد غير نوعيين. وقد بدا لى – بعد إنعام النظر وإجالة الفكر - أن الإتصاف بصفة النوعية فى هذا السياق يقترن ضمنا بمعانى الصفوية والنخبوية والمتانة الثقافية والعلمية إجمالا. بينما تترافق اللانوعية بالضرورة مع المعانى المضادة التى تمتد من ( العامية ) شمالا الى ( غثاء السيل ) جنوبا، ومن ( الرجرجة ) شرقا الى ( قريعتى راحت ) غربا!
وفى ذات الوقت لفت إنتباهى تنامى إستخدام ذات اللفظة والصفة فى مقام التعريف والإشارة الى الكتاب والمقالات والأعمدة الصحفية، مثل قولهم: ( كتابات نوعية ) و ( كاتب نوعى ). ولأنى أعلم عنك – أيها العزيز الأكرم – النباهة وحدة الذكاء، وأنك "تفهمها طائرة"، فإننى اُرجّح الظن بأن تكون قد " نقشت " أصل الموضوع وزبدته، وأدركت أن ندوة عبدالله وحضورها ليسا، فى حقيقة الأمر، من أغراضى. وأن همى أنما ينحصر ويدور، جُلا أو كلا، حول الكُتاب الصحفيين والكتابات الصحفية. فبرغم حرصى على المتابعة فإننى لم أتنبه إلا مؤخرا لمسألة تقسيم الكتاب الى نوعيين وغير نوعيين، والكتابات الصحفية الى نوعية و ( كمية )! وقد أدخلنى هذا الاكتشاف المفاجئ، من حيث لا أحتسب، فى دوامة من التفكير المكثف الذى ربما أنتهى بى عند عتبة عيادة الطبيب النفسى. والتساؤل الذى أخذ من نفسى أقطارها ومن عقلى كل مساحته وطاقته، لكأنه الوسواس القهرى، هو: هل أنا يا ترى كاتب نوعى ام غير نوعى؟ صحيح أن بعض الناس قالوا عنى أننى كاتب متميز. ولكن أحدا لم يسبغ علىّ تحديدا صفة ( كاتب نوعى )، مع أن هذه الصفة أطلقت فعلا – من فوق صفحات الجرائد الورقية والمساطب الإلكترونية - على كتاب بعينهم وكاتبات بعينهن فى الصحافة السودانية الحاضرة. وهنا مصدر القلق ومكمن التوجس! وعلى غرار عبارة وليام شكسبير الخالدة، التى ذاعت على لسان هاملت قبل اربعمائة عام و نيف، تحول التساؤل الإستعلامى فى ذهنى المرهق المكدود الى أطروحة فلسفية كاملة: (أن أكون كاتبا نوعيا أو لا أكون، تلك هى المسألة)!
سألت الكاتب الصديق الدكتور عبداللطيف البونى ذات يوم عن تلك الإضافات الرقمية فى موقع صحيفة (الرأى العام) الإلكترونى، حيث يقدم الموقع إحصائية بعدد النقرات وعدد القراء الذين أطلعوا على المادة المعينة. قلت: ( كيف يا بونى يقول الموقع أن نحوا من ألفى شخص قرأوا عمودك وأن نصف ذلك العدد فقط قرأوا عمود الأستاذ الكبير محمد المكى إبراهيم، وهو من هو وأنت – يا بونى – من أنت؟ ) فرد البونى: ( ولكن ود المكى كاتب نوعى ). كيف هذا وماذا تقصد؟ وجاء رد الكاتب الواسع الإنتشار: ( أقصد أننى مثل سجائر البرنجى وأستاذنا ودالمكى مثل السيغار الكوبى. ونصف الشعب يشرب البرنجى، ولكن قليلون جدا يدخنون السيغار الكوبى )! كانت تلك الإفادة من أخينا البونى بداية طريقى للتقصى والتحرى فى مسألة الكاتب النوعى والكتابة النوعية، وهى إفادة ربما أضاءت الطريق بعض الشئ فى مسار البحث العام، ولكنها لا تقدم إجابة شافية على السؤال المحورى المتعلق بنوعيتى او عدم نوعيتى أنا شخصيا.
وقد هدانى التفكير، بعد إعياء، الى أن مسألة النوعية هذه ربما كانت هبة من الله سبحانه وتعالى، فالله يخلق الكتاب والكاتبات من طين، ثم يجعل من بعضهم كتابا نوعيين، ومن بعضهن كاتبات نوعيات، ويجرد البعض الآخر من هذه النعمة. والله لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. وإعتمادا على الحكمة الإسلامية السائرة ( ألسنة الخلق أقلام الحق ) فقد قررت أن أتمهل حتى يقيض الله لى من خلقه من يصفنى بأننى (كاتب نوعى ) فيرتاح بالى ويهدأ بلبالى، وأستعيد ثقتى بنفسى. فإذا لم يكتب الله لى ذلك فهو الغالب على أمره وهو المستعان على ما تصفون. وبينما أنا على هذا الحال، فتحت حاسوبى ذات يوم فاذا ببعض الرسائل الالكترونية، من أصدقاء وصديقات من السودان، لا تجتمع رسائلهم ورسائلهن فى وقت واحد إلا أذا كان وراء أكمة الحاسوب ما وراءها. و شرعت أفتح الرسائل واحدة فواحدة، فوجدت أنها مكتوبة بلغة " مدهشة " ذات مغازى ومعانى، وجميعها مزودة بصور من تلك الوجوه المبتسمة والغامزة مما تسمح البرامج الالكترونية بتصويرها ولصقها فى الرسائل، وقد إجتمعت الرسائل على خبر، وجده هؤلاء مثيرا للإهتمام، مؤداه أن الكاتبة الساطعة منى أبوزيد وصفتنى فى عمودها الأشهر بصحيفة (الرأى العام) – ضمن كتاب آخرين – بأننى كاتب ( فذ ). قرأت عمود الاستاذة منى بعناية، وسرنى ما قرأت بطبيعة الحال. وعلى الرغم من أننى كنت أتلمظ الى صفة كاتب ( نوعى) وأترجاها، عوضا عن ( فذ )، إلا أن صديقى الاستاذ فتحى الضو أقنعنى بأن ( الفذاذة ) عند بعض الفقهاء ربما كانت موازية، إن لم تكن مقدمة على (النوعية). وقد أدهشنى أن إسم الاستاذ عادل الباز لم يرد فى قائمة الكاتبة منى أبوزيد، مع أن عادل هو الذى كان قد نبهنى الى عمودها الرشيق الأنيق ووصفه بأبدع الأوصاف، فى أطار مسعاه لإقناعى بأن حواء الصحافة السودانية والدة، وذلك بعد أن رأى كثرة تدهيشى وتدحيشى فى كتابات منى الأخرى ( على وزن مريم الأخرى ). وكنت قد دعوت الله فى سرى أن يُعز زاويتى الأسبوعية بإحدى المُنيَيْن، منى أبوزيد أو منى عبد الفتاح، وأن أنال وسام النوعية على يدى إحداهن. وبقدر ما كانت البشائر طيبة فى حالة منى الأولى، التى وشحت صدرى بوسام " الفذاذة "، الا أنها جاءت أقل طيبة فى حالة منى الأخرى. وآية ذلك أن الاستاذة منى عبدالفتاح تناوشتنى من طرف خفى إذ تناولت مادة كتبتها عن المستشار الرئاسى غازى صلاح الدين، فعبّرت عن ضيقها من " أولئك الذين أخفقوا فى أن يبصروا ( الأنسان ) فى شخصية الدكتور غازى، فلم يروا فيه الا ( السياسى )". وقد بلغ من عدم رضائها عن هذا التقصير الفادح أنها آثرت أن تتجاهل إسمى تماما، وأن تحرمنى من شرف الإشارة اليه فى نص مادتها الصحفية، عقابا لى على غفلتى وضعف بصيرتى. وقد كان من مؤدى تفاعلات هذا الموقف وتداعياته النفسية إهتزاز دواخلى وتضعضع روحى المعنوية إذ تملكنى الندم واستغرقنى الحزن، فقررت تداركا للموقف، والتماسا لرضا الكاتبة النوعية الاستاذة منى عبدالفتاح، أن أسطر مقالا جديدا کاملا بعنوان: ( غازى صلاح الدين الإنسان الأصيل الشامل )، أقوّم فيه خطئى وأتوب عن خطيئتى، وأضمّنه لوحات موشاة عن الملامح الإنسانية النبيلة فى شخصية الدكتور، وأوبخ من خلاله أعضاء الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل، بعد أن ضلت جائزتهم طريقها الى " الأم تريزا " من حيث أرادت " الإنسان غازى ". غير أن عقبة كأداء وقفت حائلا دون إنجازى لذلك المقال، وهو أنه ينبغى لمن يشرع فى عمل كهذا أن يكون على صلة وثقى بشخص الممدوح، غير أننى – من أسف - لا أعرف الدكتور غازى معرفة كافية أو حتى غير كافية. وقد التقيته مرة واحدة فى نوفمبر الماضى خلال حفل إستقبال أقامته مؤسسة مو إبراهيم فى الإسكندرية، فمددت يدى لمصافحته وذكرت له أسمى، فلم يذكر لى إسمه بطبيعة الحال، ولكنه تفضل علىّ فصافحنى متعجلا ومسحنى بنظرة سريعة، وكأنه ينظر الى كوز طلِس فى بيت بكاء بقرية المسعودية!
غير أننى فى مسعاى العنيد القاصد لاستكناه مجهول ( النوعية )، والرغبة العارمة التى تملكت خويصة ذاتى تستحثها على إستكشاف موقعى فى فضائها، قررت أن أرتقى مرتقى صعبا عله يكون عونا لى فى إجلاء الحقيقة من أمر نوعيتى، وجودا وعدما. فقمت بعد التوكل على الحميد المجيد بنشر مقال الاسبوع الماضى، والذى حال الأخ الرقيب لإعتبارات قدّرها دون وصوله الى قراء النسخة الورقية، وعنوانه: ( هراء كالكلام بلا معانى )، وهو كما ترى عنوان ينضح عمقا وغموضا وفلسفة، فى موقع على الشبكة الدولية يرتاده عتاة المثقفين، ويدور فيه الكلام، سحابة النهار وهزيع الليل، حول قضايا مثل فلسفة ما قبل الحداثة وهرطقة ما بعد العواسة، وتتردد فيه أسماء مثل فوكو و دريدا و سارتر وغرامشى وليوتار وبلزاك، ومن سار بسيرهم ومشى على عجينهم دون أن يلخبطه. ولأن الأمر كذلك فقد أوعزَتْ الىّ نفسى، الأمارة بالنوعية، بإعادة صياغة صدر المقال بحيث اخترعت له مقدمة تبدأ بعبارة: ( قال الفيلسوف الفرنسى جاك بيرك). وكنت أرجو وقد لبست لبوس المثاقفة وأعتمرت عمامتهم، أن أحظى من بعضهم بما قد يقوم مقام شهادة موثقة تفتح أمامى آفاقا (نوعية)، وتعتمد شخصى الضعيف ككاتب ( نوعى ). ولكن، وكما يقول إخوتنا فى شمال الوادى: ( جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح)، إذ ماهى الا سويعات حتى برز لى واحد من المشايخ فزجرنى زجرة أزهقت أحلامى وبددت أوهامى، اذ قال لى بصوت مرتفع، أصاخ له كل من فى المكان، أنه يشك فى أن فيلسوفا مدققا من سنخ جاك بيرك يقول مثل هذه الخزعبلات التى نسبتها له، ثم شكك فى إستدلالاتى وإستنتاجاتى ومسح بها الأرض مسحا، حتى أصبحت الأرض التى مسحها بها تحتاج الى مسح!
حاولت أن أتجاوز الأمر فخلدت الى النسيان لبعض الوقت، ولبثت على ذلك الحال حتى قرأت فى الصفحة الأولى من صحيفة ( الأحداث ) ذات صباح تنويها يعلن الترحيب بالمرشح الرئاسى الدكتور عبدالله على إبراهيم وينهى الى القراء خبر إنضمامه الى ( كوكبة ) كتاب الصحيفة. فسألت أحد المحررين عن سر هجران الدكتور عبدالله لصحيفة ( الرأى العام ) بعد كل هذه السنوات، خاصة وأننى كنت أطلب منه بإلحاح خلال السنوات الماضية أن ينتقل بكتاباته الى ( الأحداث ) فكان عبد الله يرد علىّ بعبارة واحدة، يعيدها ولا يزيدها: ( أنا عبد الإحسان، وناس الرأى العام أحسنوا الىّ، وأنا لا أرد الإحسان بالجحود ). فأجاب المحرر على سؤالى بالقول أن الدكتور فى واقع الأمر ولوف مثل أدروب، ولذلك فإنه رفض أن يترك (الرأى العام)، وأنه سيكتب للصحيفتين فى آن واحد، ثم باغتنى بالقول: ( نحن متوقعين دكتور عبدالله يدى كتاباتو النوعية للأحداث ). وذلك ما يعنى ضمنيا أن للدكتور كتابات أخرى غير نوعية، هى التى ستجد طريقها بإذن الله الى قراء الصحيفة المنافسة! وقد كان من شأن هذه المهاتفة مع المحرر أن أعادتنى الى مربع النوعية الأول. ولكن روحى المعنوية شهدت إرتفاعا ملحوظا هذه المرة، اذ خطرت لى خاطرة أعادت الطمأنينة الى نفسى المضطربة، والسكينة الى قلبى الوجل. فقد تذكرت أن الدكتور عبد الله على إبراهيم مرشح لرئاسة الجمهورية، وأن إحتمالات ظفره بالموقع الرفيع واردة، بل هى أقرب من حبل الوريد. وبما أننى من خاصة أصدقاء الدكتور ونصراء مشروعه الثقافى والسياسى، الذى تلتئم بنيته على محبة الترابى وعبدالخالق محجوب فى آنٍ معا، فقد فكرت ووجدت أن الأزمة، التى أقضت مضجعى وأذهبت النوم عن عينى ردحا من الزمن، ليست أصلا بهذا التعقيد. إذ أن فى وسعى بمجرد أن يؤدى الدكتور القسم رئيسا للجمهورية أن أقنعه بإصدار مرسوم جمهورى يُسبغ عليّ لقب ( الكاتب النوعى الأوحد ) فيزول همى ويتحقق حلمى.
اللهم يا أعظم من سُئل، إجعلنى سيغارا كوبيا تدخننى الصفوة من الأنام، ولا تجعلنى برنجيا تشربنى الرجرجة والعوام. و أحينى اللهم نوعيا، وأمتنى نوعيا، وأحشرنى يوم القيامة فى زمرة النوعيين!
عن صحيفة ( الأحداث )
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
سلام يا كيك و شكرأً.. مساعدة في التوثيق لكتابات حديثة في هذا الشأن. كتبت الأستاذة منى عبد الفتاح http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4935&PN=1
Quote: الأنثروبولجي المشاكس :عبد الله علي إبراهيم آخر الرادكاليين وأول المحدثين "هل له بجرعة من جنون (سانكرا) العذب القتيل" بالرغم من سهولة رؤية الخط الفارق بين المفكر والسياسي, إلا أن عبد الله علي إبراهيم ، بحركته الدؤوبة في دروب الفكر والسياسة والأدب ، استطاع أن يجمع بين الحضورين ، فحضوره الفكري وفعاليته السياسية أثارت جدلاً مستمراً بلغ ذروته عندما أعلن ترشحه لرئاسة جمهورية السودان خلال ندوة سياسية حول معاني الاحتفال بذكرى استقلال السودان بمركز"طيبة برس" بجامعة الخرطوم ،نهاية العام الفائت 2008م وقد كان موضوع الندوة هو دحض فكرة "السودان رجل أفريقيا المريض " المنقولة عن مقولة الرئيس الغاني الأسبق أحمد سيكوتوري . وبالرغم من اسهاماته الحيوية وتاريخه العملي الطويل إلا أنه كثيراً ما تجرع مرارات سوء الفهم من مجايليه بتحوير أفكاره الناقدة لبعض مثقفي عصره"جيل الستينات"، حتى أنه قرر أخيراً أن الأميين الذين فرطت السياسة في ذكائهم وخاطبهم المثقفون من علٍ ، جاء الزمن للتوجه إليهم ببرنامجه الإنتخابي وأكد أنهم سيفهمونه أكثر من المثقفين.وهو بهذا لم يخرج عن النهج ولكن انفعاله بقضايا بلده وبحثه عن دور يخدم به البلد فعلياً لا نظرياً مثلما يفعل أنداده من داخل"الصوالين" كان المحرك الأساسي لترشحه. ولم يكن اختلاف العصر العامل الوحيد وراء توجهه هذا ولكن كانت ضرورة الالتفات إلى الالتحام بقوى الريف التي أسماها ب(القوى الحية) من محفزات تحركه الجاد نحو هذا التوجه، فثقافته أتت أؤكلها عندما انقسم أسلوبه ، وهو السوداني الذي حصّل الثقافة الأمريكية وزاوج بينها وبين الثقافة العربية وثقافة الفلكلوري الأنثروبولوجي العارف بأحياء وثقافة المدينة كما مضارب بوادي (الكبابيش) و(الرباطاب) اللتين تدارس طبيعة حياتهما وسلوكهما الاجتماعي. ولكن ما رسخ في ذهنه من الصور والمعاني المأخوذة عن حي "الداخلة" بمدينته "عطبرة" المدينة العمالية الأولى ، فما زال يتذكر مشاركته في مظاهرة هيئة شئون العمال ضد الاستعمار عام 1948م وهو فتى يافع وحين نادى منادي من أقصى المدينة بخبر توقيع إتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان عام 1953م . عبد الله علي إبراهيم - هكذا يُنطق إسمه كاملاً لكل من أراد التحدث عنه – كاتبٌ ومفكرٌ أكاديميٌ وصحفيٌ ومسرحيٌ ولد سنة 1942م في القلعة ،مركز مروي في شمال السودان. درس الأولية في أبو حمد وعطبرة ، ثم عطبرة الأميرية، ثم الثانوية بعطبرة . ونال البكالريوس والماجستير من جامعة الخرطوم، والدكتوراه من جامعة انديانا. عمل أستاذاً في جامعة الخرطوم، ثم زميلاً في جامعة نورث ويستيرن الأميركية، والتحق بعدها بالعمل بجامعة ميسوري بولاية كولومبيا. أفكاره التي ظل ينادي بها موثقة في مجموعة من كتبه مثل : "النهضة والمقاومة في ممارسة الحزب الشيوعي" ، "الحركة الإسلامية واليسار والديمقراطية الليبرالية :بئر معطلة وقصر مشيد ، صدأ الفكر السوداني"،"الشريعة والحداثة" ،"الديمقراطية والثقافة في السودان" وله أيضاً: "العين الحارة للرباطاب" و"صراع المهدي والعلماء" و "فرسان كنجرت: تاريخ بادية الكبابيش" .أما كتابه الصادر أخيراً "هذيان مانوي: التجديد الإسلامي والقضائية الثنائية الاستعمارية في السودان."فقد اعتبره اعترافاً بهزيمته على أيدي الإسلامويين بعد قتالهم طويلاً منذ أن كان نقابياً نشطاً وناشراً وأكاديمياً منذ دخوله جامعة الخرطوم في الستينات. ولجلاء ملامح علاقة د. عبد الله بمن حوله، لا بد من إيضاح علاقته بأسرته فوالده أثر فيه كثيراً حيث كانت له تجربته السياسية الخاصة رغم قصرها ومراراتها ،فقد كان من ممثلي حركة العمال "نقابة السكة الحديد في عطبرة عام 1947م". لكن تجربته لم تكن سعيدة على أية حال حيث أصيب بخيبة أمل من مؤامرات النقابيين والسياسيين، "حتى الشيوعيين." ولهذا نصح ابنه وهو يعاني الإحباط من تجربته تلك أن يبتعد عن هؤلاء ، وأن يقدم نصائحه "من على منبر المسجد ". وكأنها نبوءة تتحقق بعد كل هذه السنوات، فيجيء الابن الآن ويرشح نفسه مراهناً على هؤلاء الناس الذين وصاه أباه بتوجيه رسالته لهم. تفرغ عبد الله للحزب وأودع السجون واختفى تحت الأرض وتآنس بكتبه "أنس الكتب " وعبير الأمكنة" وللدكتور لغة آسرة وحسن بيان ساحر وسخرية لاذعة في غير تقليل من شأن الآخر.وكل هذه الإمكانيات فعلت فعلها فيه فوسعت آماله ، وشحذت عقله فأضحت معاني النضال أكثر دقة وأقل حماسة فافتتن بعرض تصوره الجديد عن ماهية النضال بالعمل وليس داخل صوالين "المثقفاتية" . ظهرت آثار ذلك كله في كتاباته الصحفية، وأشارت إليه كتبه الأخيرة فتحدث النقاد وفجرَوا في النقد وكانت بعض أفكار هو مثيرها مثل "الإرهاق الخلاق" أحد مسائل الجدل النقدي المثار في كتاباته شبه اليومية في الصحف السودانية وندواته ومشاركته في المؤتمرات العالمية التي كان آخرها بالسنغال شهر ديسمبر الماضي. والحديث عن هذا الشكل من التجديد في الفكر قصره بعض نقاده على الفترة التي قضاها بأمريكا أستاذاً للتاريخ الأفريقي بجامعة ميسوري. ربما كان في الأمر شيءٌ من هذا، غير أن عبد الله ينفي تشبهه بأوباما وذلك لخبرته السياسية والفكرية التي تماثل عمر أوباما ، فالدكتور يعمل بالسياسة قبل مولد الرئيس الأمريكي المنتخب .لا يتردد إبراهيم في تزيين تصريحاته للصحفيين بمثل عباراته البسيطة في عمق مثل "أنا أخطر من أوباما" وأخطر هذه في العامية السودانية تعني التفرد والتميز في قوة.ولعله من الذكاء أن يجعل الباب موارباً في قبوله التحاور مع القوى السياسية الأخرى ودعم الأطراف المختلفة بذهن منفتح سالكاً الطريق إلى (غمار الناس) وعامتهم بتنظيمه السياسي الإجتماعي الجديد (القائمة الوطنية للنهضة "قون"). "لا أخشى من شيوعيتي ولا من عروبتي" ، قالها في حواره مع صحيفة "الأحداث". وفي عدم الخشية هذه شيءٌ من شوق قديم حين كان ينادى كثيراً مبدياً اهتمامه اللازم بالثقافات واللغات غير العربية بالسودان تحقيقاً للتعايش السلمي والوحدة الوطنية ، وحين زاوج بينه وبين برنامجه الانتخابي الحالي الذي أعلن فيه كفالة حرية اللغات السودانية في المحاكم ومفوضيات الأراضي، بالإضافة إلى اهتمامه بذوي الحاجات الخاصة وضحايا إضطراب الحكم وسفهه وضحايا العنف والعنف المضاد ، وأفراد المعاشيين والمفصولين تعسفياً وقدامى المحاربين من القوات المسلحة والمهمشين الذين رفعوا السلاح في وجه الدولة وقدامى المحاربين من قادة العمل النقابي. كاشفاً بذلك عن أساسيات برنامجه الرئاسي فيما أسماه بإستئناف تحرير الدولة من نموذج المستعمر(بيروقراطية الدولة ووزاراتها المطلة على شارع النيل)، بإستتباب دوران الحكم بالإنتخاب وتنزيله إلى أدنى فأدنى ومسآلة أولى الأمر وأصحاب الوظائف العامة، خضوع السلطان العسكري والشرطي والنظامي للإرادة المدنية للشعب ممثلاً في ممثليه المنتخبين، إعادة فتح التحقيقات في حوادث الضعين وسوبا وبورتسودان والمناصير وكجبار ومراجعة الخصخصة وسياستها وقراراتها وتقارير عن أصول الدولة وشركاتها العامة والخاصة. عبد الله علي إبراهيم ، آخر الشيوعيين، مجازاً يمثّل حقيقة خروجه من الحزب الشيوعي عام 1978م قبل غروب نجم الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي 1990م وكان قد بدأ استلام مهامه في الحزب الشيوعي عام 1970م. ترشحه للرئاسة هو مهمته الوطنية الثانية كما يقول ، بعد أن أنهى مهامه في الحزب الشيوعي، معالجاً في كتاباته ما أسماه بصدأ الفكر في الأحزاب السياسية السودانية المعروفة بالعقائدية مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان، اليسار الشمولي غير الشيوعي أو كما أسماه باليسار الجزافي ،الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي السوداني. وعبد الله علي إبراهيم، أول المحدثين المبادرين لمعالجة قضية المعاصرة والحداثة التي كانت للعرض فقط . فبينما يرى الآخرون الحداثة هي الانطلاق من مفهوم جديد للفكر يغاير المفهوم القديم يراه هو اتصال غير منقطع بتراث أمته ، يعبر عن وجدانها وتطلعاتها حتى لا يفقد هويته المميزة. اتخذ قناعة سياسية محددة، ظل ينافح عنها طويلاً فهو يذهب إلى دحض فكرة أن السودان رجل أفريقيا المريض كما قال سيكوتوري ولا يؤمن بأن السودان دولة فاشلة ولكنه دولة في إتجاه ترتيب البيت الداخلي وليس كالدول المجاورة الأخرى التي إنهارت كالصومال والكنغو وما حدث في الحدود بين إريتريا وإثيوبيا ولبنان.وجه سهام نقده لجماعة "الآفروعربية" لتثبيتها للصورة الخاطئة للأفريقي الجنوبي كما رسمها الاستعمار ، فردوا السهام بأحدّ منها وناصبوه الترصد لما ينطلق عنه من أفكار.استغرب لدعاة التحول الديمقراطي أن يبلغ بهم الاستخفاف بانتخابات ديمقراطية كما نصت اتفاقية السلام "نيفاشا" الموقعة عام 2005م. هذه الاتفاقية التي نصت على كل الجوانب المطلوبة في الحكم الديمقراطي اللامركزي وعلى سيادة حكم القانون والمساءلة والعدالة، وأن يتضمن الدستور وثيقة الحقوق والحريات الأساسية التي التزمت باحترام حقوق الإنسان وكفالة الحريات الأساسية والمساواة أمام القانون إضافة لمنع التعذيب والمعاملة القاسية وحق المتهم في محاكمة عادلة. كما كفلت حرية التعبير والإعلام، وأكدت حق التجمع السلمي وحرية الانتماء للأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات. كذلك نص الدستور على قيام الانتخابات العامة برقابة دولية في عام 2009م. وهي الاتفاقية التي بفضلها أصبح الإطار الدستوري موجوداً لحسم قضية التحول الديمقراطي. والدكتور المعاصر للتحولين السياسين عام 1964، ثم عام 1985 الذين تما بعد ثورة شعبية أسقطت النظام الشمولي ثم تراضت القوى السياسية وقوى المجتمع المدني على دستور انتقالي وحكومة انتقالية وقانون انتخابات أجريت على أساسه انتخابات عامة أفضت لجمعية تأسيسية،يراهن الآن على أن التحول هذه المرة يختلف عن التحول السياسي الذي عرفه السودان، حيث أنه يتم من خلال هذه الإتفاقية "نيفاشا" عبر اتفاق سياسي يوافق النظام القائم على التحول طواعية. وقبل أن يبعث برسالة إلى مخدمه (جامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأميركية) يعلمه فيها بقراره البقاء نهائياً بأرض الوطن بعد وصوله إلى المعاش الذي بلغ سنواته الإختيارية. وبعد أن زار قبري والديه في كل من الخرطوم بحري وضاحية الحاج يوسف وأهداهما هذا القرار ، ثم بعد ذهابه إلى مدينته عطبرة"حي الداخلة" وملاقاة جيرانه وأصدقائه وأهله ، لا يزال"منطق الجرأة" والشجاعة طابعاً لحملته الانتخابية، وفي كل هذه الخطوات لا يفارق خياله طيف كلمة "توماس سانكرا"رئيس دولة بوركينا فاسو القتيل آخر الثمانينات ، التي دعا فيها الأفارقة إلى التحلي بدرجة مناسبة من الجنون ليقووا على تغيير أفريقيا...فهل لعبد الله "بجرعة من جنون سانكرا العذب القتيل"؟. عن صحيفة "الأحداث"
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
السبت 7 فبراير 2009م، 12 صفر 1430هـ العدد 5608 ملاحظات د.عبد الله علي ابراهيم : (مُبدعاً وطنياً لصناعة المثقف الخلاق) د.بركات موسى الحواتي «1» تابعت كل ما كتب عن استاذي وشيخي عبد الله علي ابراهيم إثر مفاجأته الخلاقة لرواد (طيبة برس) بترشيح نفسه (لانتخابات رئاسة الجمهورية)، وقد رأيت ان تكون (مشاركتي) بعد (هضم) ما نشر من حيث معرفة (الدوافع) ومدى الالتزام بالموضوعية فأى خروج عن ذلك امر لا يستدعى (المشاركة) اوإن شئت المداخلة واذا كنت ومازلت «حواراً» اتطلع للمزيد من بركات عِلْم عبد الله فإنني اضيف ايضا لا ارضى فيه الا ما رضي وهذه الاخيرة بحذر وتحفظ شديدين ولكن ذلك على اجماله لا يمنعني فيما علمني ان ارى الحق يتجاوز البصر الى البصيرة ويتجاوز النقل الى العقل باعمال الفكر ابتعادا عن «التنطع» او رذيلة «الخصومة» من هنا أبدأ. «2» كيف ينشأ ناشئ «الفتيان» منا بينما حفظنا من اناشيد «الكتاب» ففي جينات عبد الله من المؤكد «عرق» الباحث عن «الحقيقة» وهو بحث مضن وبالاصح قاتل، وتقوم خطورة تلك الجينة على من يعلق الجرس في عنق القط، وللقط بالضرورة موقف تاريخي من اى «فأر» يحاول التطاول على مجرد اثبات حسن النية، وعلى الرغم من كل ذلك فقد قام الاستاذ عبد الله ليس بمجرد المحاولة ولكن بالموقف القائم على «الحجا» ولا الحجة، واذا كان للبعض من اهل الفكر تحفظات على ما رأى فذلك من حقهم تماما ومن حقه على «عقله» ان ينفي كل محطة لم تقم له فيها «القناعة». عبد الله «ود الداخلة»- تطور ذهنه على نحو طبيعي باتجاه الكد رهقاً الى جديد وهو كبد ناله الغزالي وعاناه لا الحلاج وقتل «نيتشه» واستمرأه «سارتر» ومارسه رجاء اورجيه جارودي ومازال ديكارت يربط الوجود وهو يقين مؤكد بالشك .. وشيخي عبد الله سافر الى كل تلك الجهات ومضى يطرق ابواب فك طلسم استقرار السودان وزهوه التاريخي فنادى ماركس واستنطق باداماك ونَدَه التجاني الماحي واستجارني كل ذلك بشيوخ الطبقات وبفرسان الجعليين والكبابيش وفطن الى مداولات الصراع واسراره في مجالس المهدية حيت كدت اناديه «فكي عبد الله»، ولأن شيخي قد امتزجت فيه خلايا الرعي مع خلايا الزروع فانه مضى بعيدا كبعض اسلافه بحثا عن «الكلأ العقلي» فكانت الولايات المتحدة الامريكية ولم يكن لمثله ان يبتدع عن دار امه وابيه فكان في جامعاتها على «استذته» بها رهينا بالدخلة وتاريخ «عمله السري» وبعض حكاياته اللذيذة كان في ردهات الجامعات الامريكية بمنطق« لا بريدك ولا بحمل براك». «3» ظل في بحثه المضني (يشاغل) رهطه الاول من أهل الحزب الشيوعي «ويرك» على اغصان الشريعة الاسلامية «ويهفو» بين المحطتين الى «المعادلة» التي غلبت «النصارى» والرجل في كل ذلك يكاد لا يعطب جيبا او يبدي غضبا بل انه يوالي الابتسام: في الشيخ سر مانع دلني اليه عمر الحويج في بداية ستينات القرن العشرين فكان في نفس كل منا قلق البحث النبيل عن وطن رائع وفارس ومقدام ومازالت حتى في نفس الشيخ. «4» «عمر الحويج» من عطبرة يذكرك في كلماته بهسيس النخيل على شط «العطبراوي» يحدثك في حرقة هادئة عن الثورة المستقبل ويكتب في ذلك في القصة القصيرة يحرق حشا ما يقرأ له عُمر انسان رائع كشيخه عبد الله، وقد حدثني عمر عنه «عبد الله» في احترام وتقدير ولاولاد عطبرة ولعله مازال مزاج ان يأتي للسودان «منقذ» يُحسُ جمر الفاقة ومعنى ان تكون بلا فانلة سقط وهي مقولة اكدها لي الصديق العزيز د. يس عمر يوسف ، عمر بعيوناته تعني النضارة في اللغة الشامية وهي سميكة نظر الى مليا وكأنه كان يفكر في شئ ما بكرة حتلاقي الاستاذ وكان ذلك «البكرة» في نفسي تاريخاً جاداً .. استمر لليوم .. ولغد انشاء الله. عمر الحويج ذلك الانسان الرقيق - أتمنى له أن يعود وعبد الله علي ابراهيم أتمنى له ان يفوز ليس فوز من يعتلي كرسي الرئاسة.. ولكن فوز رسالة لقياس نوعية ممن وافقوه على ان يقدم ليكون رئيساً.. ونموذج أوباما مازال يلقى بتداعياته على انقلاب الفكر المؤسسي في الولايات المتحدة الامريكية مع ملاحظة البون الشاسع بين «الداخلة وميسوري» ثم انه «مالو.. ما يجرب حظه». -4- تورد المادة 53 من الدستور الانتقالي لسنة 2005 ما يلي: يجب ان تتوفر في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية الشروط التالية: (أ) أن يكون سودانياً بالميلاد. (ب) أن يكون سليم العقل. (ج) ألا يقل عمره عن اربعين عاماً. (د) أن يكون ملماً بالقراءة والكتابة. (هـ) ألا يكون قد ادين في جريمة تتعلق بالامانة أو الفساد الاخلاقي. (الدستور) يمنح عبد الله ذلك الحق وباسم المواطنة حسبما نصت المادة 1/7 من ذات الدستور: تكون (المواطنة) اساس الحقوق المتساوية والواجبات لكل السودانيين. وهو أي عبد الله يحترم اتفاقية السلام الشامل ويلتزم بتنفيذها فيما أوردت المادة 2/8 من ذات الدستور. ولا اعتقد ان (عبد الله) في ترشيحه.. يريد ان يكون مرشحاً سابقاً.. لرئاسة الجمهورية ذلك ليس في فكرة (الباطن) أو (الظاهر). -5- بعدمنتصف الستينيات بقليل 1968 كتب الاستاذ (ابن خلدون) جمال عبد الملك - المفكر السوداني المعروف مقالاً بعدد الرأي العام الاسبوعي رقم 135 مقالاً بعنوان (المنطق السائد والمنطق المطلوب) فتصدى له الاستاذ (ع.ع. ابراهيم) من موقعه في جريدة اخبار الاسبوع وكانت عائدة لتوها من حبس اداري وكالعادة كان عنوان المقال الرد جاذباً (اهتف ببطء امامك معبد لبرالي) وقد استهل ذلك المقال باحساس الثائر: «يحدث حفلاً ان يخدش الغاز المسيل للدموع الرئة «ويقال الهتاف في سقف الحق ويتأجج الغيظ في الجوانح ويتميز الانسان رغبة في اعلان سخطه على «الدنيا»... وكانت الاشارة لواقعة (مظاهرة) وصف ابن خلدون طالباً انه «سجوح الصوت» امطرته ظروف (الظاهرة) ان يلوذ بمكاتب جريدة الرأي العام ويجد في ذلك المساء من محرريها وزوارها الاساتذة (حسن سيد احمد المحامي، علي شمو، احمد سعيد محمد الحسن، توفيق صاغ، وتداول الاساتذة آنذاك سؤالاً مشروعاً ماذا يريد الطلبة... كيف يريدون (كفاية فوضى).. وكان ذلك الكاتب رأى هو ضرورة عدم الخلط بين (منطق الثورة) ومنطق (الفوضى) وكتب الاستاذ ابن خلدون آنذاك مقاله الذي تصدى له الشيخ عبد الله علي ابراهيم وكان منطق الاستاذ (الانتصار للطلبة.. من الثوار) في مواجهة حزب السوط الذي مارسه آنذاك الاستاذ ابن خلدون. -6- عبد الله علي ابراهيم (معادلة مجتمع) منطقية - عطبرة/ وداخله، استاذ/ وشيخ - ديمقراطي/ وشورى - واردت له ان يكون /مريخياً فقط/ راعٍ/ ومزارع، صوفي/ وعلماني، وهو بعد كل ذلك مزيج من شيخه عبد الخالق محجوب ومن (مراغنة مساوي) و(اطنابرة الشايقية) و(جسارة) خيولهم، ويصلح جداً ليكون (رأس مية) وهو في (ذاته) يتقسم الى (شظايا) من (فكر خلاق) تدفع كل فكرة فيه الى (نقيضها).. ولن يتسنى له ان يرتاح فالبداية كانت بحثاً عن استقرار فكري يحقق للوطن قيمة الازدهار حواراً.. وحواراً.. وحواراً.. وهو أمر أو مسألة بلا نهاية (نهايتها) معجزة.. أترى قد فاتت الفرصة!! الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
.عبد الله علي إبراهيم يؤكد تمسكه بالترشح للرئاسة الكاتب/ الخرطوم:آدم محمد أحمد Wednesday, 18 February 2009 مشكلة دارفور لن تحل إلا بتغيير النظام
أكد د.عبد الله علي إبراهيم أنه ماض قدماً في تنفيذ فكرة ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية .ودعا د. عبد الله إلى قيام الانتخابات في موعدها لجهة أنها الطريق الأمثل لتداول السلطة .
وقال في ندوة برلمان الأخبار أمس إن العملية الانتخابية القادمة تبدو كالحرب في الظلام مبدياً عدم خشيته أو توجسه مما يثار حول الانتخابات وطبيعتها وطريقة إدارتها والإشراف عليها واصفاً ذلك بـ(تشكّي العجائز) وأضاف أن ما يثار حول العملية الانتخابية يندرج تحت باب الاستنكاف وكلما يكون هناك برنامج للعمل ومناسبة للتعبير عن أنفسنا يتحول الأمر إلى شكوى تنتهي في نهاية الليل لتبدأ في اليوم الآخر .
وقال د. عبد الله إنه مهتم جداً بما يخلقه إعلان الترشيح من دعوة ضاغطة لإقامة الانتخابات بوصفها الحل المثالي وأضاف" لدينا قدرة على وضع الأجندة والصبر وتجيش القوى من أجل الأفكار التي نومن بها مشيراً إلى أن ربط قيام الانتخابات بحل مشكلة دارفور يعني أن يستمر النظام القائم سنين عددا في الحكم لأن مشكلة دارفور لا يعلم أحد متى يتم حلها. و استدرك قائلاً" مشكلة دارفور لن تحل إلا بتغيير هذا النظام لأنها تحتاج إلى دفع فاتورة وهذا غير ممكن إلا بإجراء انتخابات حرة تأتي بجهات أخرى .
وقال عبد الله إن التحول الديمقراطي لا يكتمل بإصدار القوانين وإنما بالممارسة وأضاف أن المشكلة في السودان تكمن في أن معظم القادة السياسيين هم قانونيين والشخصية القانونية لا تطمئن إلا بوجود النص القانوني داعياً الى تجاوز "طق الحنك القانوني والعبارات السطحية" قائلاً إن الانتخابات حالة تفاوضية تتحقق نزاهتها بقدر تجييش القوى لحمايتها ورفع الوعي الانتخابي بين الجماهير وأضاف "لن أثق في أي ميثاق حتى لو كتبه المؤتمر وقال فيه إنه سيجري انتخابات نزيهة".
الاخبار
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=2424 -------------------------------------------------------------------------------- الكاتب : admino || بتاريخ : السبت 14-03-2009
: الدكتور عبد الله علي إبراهيم(1)ـــ
الديمقراطية تحتاج الي صراع من أجلها وأن تحرسها بالجمهرة. : ــ واحدة من أكبر متاعب النظام تتصل بانعدام ثقة الناس في القضاء. المختلفة أهل دارفور والشرق نهضت لأنها تريد أن تكون بعض هذا الوطن. ـــ لا يجب أن نكون علي نموذج من قال طه حسين بلسانه :"أنت شكاء بكاء كأختك الصغيرة". ـــ يجب أن نخلق الوعي حول الانتخابات وأنها هي المخرج الوحيد والذي بين أيدينا
حاوره : مؤيد شريف سراج النور
ربما تعرفنا علي د.عبد الله علي ابراهيم من خلال كتاباته السياسية والادبية والثقافية وهي كتابات كثيفة وذات طبيعة "شعبية" في اتجاهاتها وحتى في لونية اللغة المستخدمة ، فالرجل يجنح لاستخدام لغة بسيطة أقرب الي الوجدان الشعبي وإن كانت معقدة في بنائيتها كما يصفها البعض. هذه البساطة ليست قصرا علي الألفاظ إنما هي نمط وأسلوب حياة عنده ، فقد تجده منبسطا يرتشف الشاي في قارعة الشارع يبادل الناس الحديث وتحسه واحد منهم لا يقطعه عنهم قاطع ، يبادلهم الهم ويسمع منهم في عفوية تامة .وجاءت مباغتته للأوساط الثقافية باعلانه المفاجئ لعزمه الترشح لرئاسة الجمهورية ما فجر نقاشات وجدالات اختلفت في حساب جدوى وفعالية الخطوة. دار بيننا هذا الحوار وقلبنا سوية في أوضاع السودان وامتد بنا الحوار لساعات عدة لم نحسبها وهو ما أطال الحوار لاكثر من حلقة . وأتأمل أن نوفق في ذلك
إذا كان الناس يجمعون علي حراجة الإنحشار الذي يعيشه النظام ، وما ينسحب من هذا الوضع علي الوطن ، وأنت تقول وتصفه بأنه "منعطف ولود!!" ، فما هو باعثكم لهذا التفاؤل ؟
حاصل ترتيب في البين ، ترتيب داخلي سنين عددا ، ترتيب داخلي ، وأنا دائما ما أشير لنجاحنا عبر التاريخ وفي السنين الأخيرة بوجه خاص لأن نصل الي مجموعة مواثيق في قسمة السلطة وقسمة الثروة . والحق أني لا أنظر اليها كتقسيم للسلطة والثروة بل أعتبرها خطوات باتجاه شر المواطنة علي مواقع ومناطق واقاليم كانت مستبعدة من المواطنة وتشتكي من انعدام أثرها في السلطة وتقول يأنها ليست مواطنة وهي مظلومة وليست لها حقوق في المال والمواطنة . أفتكر نحن الان نسير في طريق المواطنة "السابغة" وتم هذا عن طريق صراع عنيف . وأنا أثمن وأقيم الجهادات المختلفة لأهل الأقاليم في دارفور والشرق وكلها نهضت لأنها تريد أن تكون بعض هذا الوطن كمواطنين . وأختلف معهم في التكتيكات وأرى أنه كان بامكاننا، وبديمقراطية 1986م، كان بوسعنا أن نصل الي هذه الغايات بشكل برلماني، بشكل ليبرالي، بشكل سلمي ، لكن حطت بهذا الموضوع متاعب وتفرقت السبل ، وما لم نبلغه بالسلم وبالنظام البرلماني بلغناه بالحرب والاقتتال ، وهذا ثمن باهظ ، ولكن هو الثمن الذي ينبغي أن يدفعه كل من يريد أن يبني أمة فيها خليط من الناس . وأنا افتكر أن هذا سببي للتفاؤل : أننا نحن المعاني بتاعت المواطنة السودانية اكتملت ، المواثيق المؤدية الي ذلك تحت تصرفنا ، بعضها لم تكتمل في دارفور . وكما يسموها في البناء ، مرحلة التشطيب . ومرحلة التشطيب تدخل فيها الانتخابات ، وهي تمثل فرصة للسودانيين أن يختاروا مشطبين جيدين . لانو اذا استمرت الانقاذ ، عند كثير من الناس هي غير مؤتمنة علي المواثيق ، وهي مورطة في تواريخ الناس يذكروها هنا وهناك ، اذا نحتاج لفتح صفحة جديدة للانتخابات ، وبهذه الصفحة تأتي طواقم سياسية سواء علي مستوى رئاسة الجمهورية أو البرلمانات تكون في حل من التواريخ القديمة والحزازات القديمة والثارات القديمة والثوابت القديمة ، وتتصف هذه الطواقم بخلق الوفاء بالمواثيق وعندها اعتبار لبناء الوطن بشكل .....، ومن الجانب الاخر عندنا طريق الانفصال أو الاتحاد والذي يتحقق من خلال الاستفتاء وهو أيضا طريق يحتاج الي قدر كبير من الأمانة والخلق السياسي ورجال في قامة بناء وطن وليس رجال في قامة الحرب من أجل وطن ناقص او مشوه او غير مكتمل وهنا مبعث تفاؤلي من أن الاشياء التي تنتظرنا ولود . ولكن كل شيء حامل لجينات الخصوبة والوعد وأيضا هو يحمل الجينات السلبية وجينات الاجهاض ، طريقان شتى مستقيم وأعوج ونحن نريد الطريق المستقيم ونفس المعطيات هذه يمكن أن تسوقك الي طريق أعوج .
هناك رأي آخر قد لا يري في الاتفاقات - والتي تراها بناءاً كاملاً وأساساً صالحاً وما ينقصه فقط هو التشطيب - قد لا يري فيها هذا المعنى ويعتبرها ثنائيات جزئت المُشكل وعمقت النزاعات الطرفية ويستشهدون بأبوجا ؟
أفتكر أن هذه ثوابت بعض الناس وظلوا يكرروا ويعيدوا هذه المسائل من أن هذه ثنائية وتلك ثلاثية وهذه قدها رباعي ، وهذه الثوابت التي أرفضها وأطالب بالتخلص منها ، فلا شيء في هذه الاتفاقات يمنع من أن تجدد ، تمدد عمرها وتراجع ،والسؤال هو كيف توجد قيادة تسوق الناس في طريق المعقولية ...
قيادة أم مؤسسية واليات للدولة ؟
البرلمان هو مؤسسة وفيه قيادات ، رئاسة الجمهورية هي مؤسسة ، القضاء مؤسسة والجهاز التنفيذي والتشريعي ، ونحن نريد أن نجدد هذه المؤسسات ، فعلي سبيل المثال فصل القضاء واستقلاليته . ويتضح الان ان واحدة من أكبر متاعب النظام تتصل بانعدام ثقة الناس في القضاء واذا صح هذا الاعتقاد أو لم يصح فلا يوجد انسان عاقل يأخذ قضيته ويتجه بها الي القضاء ، لانه يعتقد أنه سيرد ردا وسيسمع صوت الحكومة مرة ثانية .هذا يؤكد علي أهمية تامين مسألة استقلال القضاء وفصل السلطات التشريعية ليكون عندها عقل وخيال ومسؤولية وكذلك الجهاز التنفيذي ،وأرى أنه لا يجب أن نكون علي نموذج من قال طه حسين بلسانه :"أنت شكاء بكاء كأختك الصغيرة" ، وبامكانك أن تشكو من الثنائية ، الا أن الطريق الان قد شق ، طريق مشقوق بالوعد ده ، ولا احد بامكانه أن يعطيك الضمانة للديمقراطية ويحملك اليها حملا أنيقا . فالديمقراطية تحتاج الي صراع من أجلها وأن تحرسها بالجمهرة . وهذه علاقة غير موجودة ، فهذه الكعارضة والتي أكثرت من التشكي من هذه الاتفاقات كان عليها أن تصطصحبها بانتفاضة جماهيرية ويكون الناس ذهنهم مصوب نحو هذا الطريق وبالتالي سيكون هذا الطريق محميا فمثلا ابوجا ناقصه وليس لأنها تعكس نقصا عندنا ولكن لأن العالم كان في حوجه لأبوجا واصطنعت اصطناعا وفرضت فرضا علي الاطراف واصبحت ناقصة وهذه يوضح لنا فساد فكرة أن العالم لديه حلولا لأزماتنا وهذه مدعاة لنا لنجتمع علي الوطنية وعلي أن الاتفاقات الاخري والقادمة يجب ان نسبغها بارادتنا وأن نمتلك القدرة علي حساب الاشياء . وفي أبوجا كانوا يريدون أن يتخلصوا من السلاح والقوة الوحيدة في ذاك الوقت ، لماذا ؟ صونا لاتفاق نيفاشا . ولا يمكن لك أن تعالج مشكلة ما من السودان ليس لانها مهمة في حد ذاتها ولكن لانها تفسد اتفاقا اخرا . وأعتقد أنه لا يجب علينا أن نعطل الابداعية السياسية وصناعة السياسة عندنا كمواثيق وكقدرة علي التفاوض وككسوب للغايات كأجهزة كل يختص بمسألة ، ولا يجب أن نعطل كل هذا بتشكي العجائز هذا ( ده ما بقدرو وده ما بحملو والتوب ده ما جبتو...) وهذا ليس حديث سياسيين ، هذا حديث قانونيين . ودائما يجب أن يوجد القانون بين ضفتي كتاب ، وهذه طريقة القانونيين في حياتهم وممارستهم ، الا أن السياسي وبالرغم من انه يطلب أن يأخذ القانون بيده فعمله أن يخلق البيئة التي تأتي بالقانون ، وطبعا هناك غلبة للقانونيين في حياة السياسيين في كل الاحزاب من أولها الي آخرها ، وهذا عقلهم السائد في العملية السياسية : التشكي ، النظر الي القوانيين وانتظار صدور القوانين وتجميد الأوضاع لحين حضور القوانين .....
بالنظر لدولة الحزب الواحد والدولة الامنية القابضة ، أليس من الاجحاف تعليق كل اللوم العنيف علي الاحزاب وتشكيها ونترك حزب الدولة القابض بقوة القمع والسلاح ؟
دي الشكوى ذاته .. ده تشكي برضو .. الحكومة كعبه يعني حنقول الكلام ده كم مره .. نقوله منذ 89 .. وفي كل صباح جديد نقوم بالشغلانية الروتينية دي بتاعت انو الحكومة رديئة؟! ده كلام ما يصح ...
اذا ما هو المخرج من "حالة التشكي" في رأيك ؟
كما قلت لك . مادامت هذه الحكومة "بطالة" فيجب علينا التفكير في استبدالها . ربنا قال بالانتخابات .
وهل يمكن أن تقوم انتخابات في أجواء من الكبت والاستفراد؟ وهل الاجواء اليوم مناسبة لانعقادها حرة وشفافة ونزيهة ؟
لا يوجد جو مناسب أصلا لأي حاجة . يجب عليك أن تخلق الجو .
وكيف نخلق الجو ؟
يجب أن تقول للناس أن الانتخابات هذه طريق كذا وكذا كما قدمت لك . ويجب أن نخلق الوعي حول الانتخابات وأنها هي المخرج الوحيد والذي بين أيدينا . أما بقية المخارج فهي كالاتي : أوكامبو ، أوباما . وكلها أوب أوب ... واذا كنت تمتلك هذه المخارج في يدك فاذهب وأعمل بها . أو أن تطيح بهذه الحكومة بالعنف . وهذا مخرج ؟ ألم يجرب ؟ وماذا تحقق منه ؟ أنا أعتقد أن الانتخابات هي المخرج لأنني من الناس العايز يسترد قوى الشعب الحية للساحة السياسية من العمال والمزارعين والرأسمالية الوطنية الجمهرة العامة هذه وبعد عشرين عاما من الغياب ترجع من جديد ليكون لها صوت ورأي ووجهة نظر ونقابات وتصرفات ، وخلال العشرين سنة الفائتة سادت الطغم العسكرية ، وأصبح اذا لم يكن لديك سلاحا فلا أحد يستمع لحديثك .
هذا يحيلنا الي مسألة أساسية جدا ، وانت تتحدث عن انعدام الفعل لقوى الشعب ، أليست هي نفسها مكبلة بترسانات من القوانين الاستثنائية والاجراءات الاستثنائية أيضا ؟
يا مؤيد أنا كل ما اخرج بك تعود بي ؟ كيف يختلف هذا السؤال عن السؤال الذي سبقه ؟
هذه دليل علي انها حالة مستمرة ؟ألا تؤخذ في الاعتبار ؟ الأصل أجواء طبيعية و...
الأصل أن تنتزع هذه النقابات من الناس ، وأنا أوريك انو نقابة المحامين هذه المعارضة غلبه تنتزعه . وهناك حيل كثيرة جدا لكن منذ أن تنتهي الانتخابات القوى المعارضة للنظام تنسحب كلية .
تنسحب اعتراضا علي أجواء معينة.
مش تنسحب من العمل العادي ده العمل النقابي القانوني . ودعنا نعتبر انك مش خدعته ، نعتبر انو انك سقطه العمل ان تستعد للمرحلة الجايه ، والجوله الجايه أن تستمر في النظر الي المهام القانونية المواد الظلم الحاصل التركيبة بتاعت القضية الدستورية . والان لدي مبحث يهتم بعدم وجود الحاح يعرف بماهية الاصلاح القانوني . وانا لا أريد منك أن تنصرف ، بل أطالبك بتكوين هيئات وتكون سلاسل للنشر . ويجب أن تسائل نفسك عن ما أنجزته للناس حتى ينتبهوا لأنو القيادة الانية قيادة خائبة . والناس تعاني ظلما شديدا الان وأنا قابلت الكثير من هذه النماذج ومثال ذلك مسألة النيابة هذه : فالنيابات الان انتزعت مهام التحري من القضاة وأصبحت النيابات لانها اصبحت جزءا من وزارة العدل تتصرف في القضايا كما شائت ، خاصة قضية عرضتها علي صحيفة (الاحداث) . الناس الان لا تشعر بان هناك قوة اخرى بديلة تتحدث بلسانهم وتعبر عن متاعبهم وقادرة لتكتشف مهنيا أين تقع مظالمهم وأين الاصلاح .
أين ترى جذر النزاعات والصراعات في السودان؟
أفتكر أنها صراعات مشروعة . وجذرها هو أننا في القومية الشمالية السودانية والتي ابتدرت الحركة الوطنية نجحت في مسألة التحرر الوطني واطاحة بالانجليز لكنها فشلت في انجاز الخدمة التالية والمتمثلة في عمل إلفة في هذا البلد ، لأنها كانت تدور في مساحة ضيقة تلتزم بالسودان النيلي فقط والسودان النيلي يظل مشبعا بتراثه العربي الاسلامي والذي مثل صوت الحركة الوطنية وغاياتها: (أمة أصلها للعرب) ، وعلاقات مع مصر تعتبر أزلية تحركات في فلسطين .. وهذه الجماعة عندما قدمت الي الحكم لم تنتبه لوجود لغات اخرى وقوميات أخرى وعلاقات أزلية أخرى .. ودائما ما كنا نقصر العلاقات الازلية بعلاقات السودان بمصر فقط ولكن اتضحت لنا مؤخرا علاقات أزلية بين تشاد ودارفور وكينيا والجنوب وبين أرتريا والشرق. بالأمس كنا نقع في حالة من التعميم ولم نكن نرى بغير نحن في السودان ومصر وهذا هو كان تصورنا للسودان .. والقصة في أن هذه الجماعات استبعدت وهي نفسها كانت في فترة طويلة في ملهى وفي منهى عن هذه الأشياء، وتدريجيا وبسبب السياسات الخاطئة اقتحمت هذه القومية الشمالية حياتهم وافقرتهم ودفعتهم الي النزوح والجوء الي المدن .. وحتى قيام نظام 17 نوفمبر كان الانجليز يقفون حائلا دون دخول اي استثمارات رأسمالية الي مناطق جبال النوبة بالذات في القطاع التقليدي . وبدخول نظام 17 نوفمبر بدأ الناس هنا يشعرون بالرغبة في الثراء ففتحت مناطق جبال النوبة للزراعة الألية في هبيلة وغيرها ليدخلوها قدامى الضباط وضباط بالمعاش وبدأوا يقترضوا من البنك الزراعي تمويلات زراعية والبنك الدولي نفسه كان مشاركا في هذه العملية من خلال اعتقاده بعدم ترك هذه المساحات الخصيبة لكسالى واعراب وزنج . وهذا ما خلق الاشكال مكرر .. ويمكن أن تجد هذه الصورة في القضارف ورفاعة وكل منطقة .. وبعد أن كان هؤلاء القرويون أمنين لاقتصادياتهم المعيشية الطبيعية أزعجناهم عنها ودفعناهم باتجاه المدن لتتشكل لهم فهوم جديدة ووعي جديد وبداوا يشعروا بحقوقهم .. ولذلك فبالامكان أن نعزي ما تسمى بحروب السودان للادارة الغلط ، مية في المية غلط .. وليس بامكان أي شخص أن يعترض علي مشروعية هذا الغضب .. وقد أختلف في التكتيكات وكنت دائما اعتقد أن هذه المكاسب المتحققة عبر الحروب كان يمكن أن تتحقق عبر السلم وعبر طرق واعية ومتدرجة ، وفي بعض الحالات في شكل قفزات لذلك فكنت أنقد الحركة الشعبية في أنها لم تعطي الديمقراطية ولم تعطي البرلمان فرصة ورفضت أن تكون طرفا في برلمان 1986م وكان بامكانها ان تكون القوة الوحيدة في البرلمان . وافتكر اليوم وحتى يوم القيامة اذا لم تنقد الحركة الشعبية نفسها في انها لم تكن طرف في تلك العلاقة البرلكانية وانها وبسبب عدم وجودها فيه أضطرت لحرب ، والبرلمانات علي هذه الشاكلة لا تقوى علي الحروب بسبب ضعف الميزانيات والتي يطلب منها بالايفاء بمطلوبات الحرب والشعب والعمال والمدرسين في آن (طوالي حيجيك الجيش ويقول ليك بلا مدرسين بلا كلام فاضي) وهذا الذي حدث بالضبط في 1989م وأي طحنية كانت بتطلع كانوا بودوها الجيش والناس يقولوا ليك الطحنية معدومة. الطحنية كانت في لكن ومان الحكومة كانت بتدي حبه للجيش وحبه للناس والان اختلف الامر بعد استلام الجيش للامر اصبح يوزع هذه الاشياء .. ووضعوا الديمقراطية في وضع حرج . وأسوأ من ذلك الشيوعيين والذين يدعون الديمقراطية ، جاءوا وساندوا الدعوة لمحاربة الرلمان واصبحوا يدعون للاطاحة بالبرلمان بالقوة . وحدث ذلك في أثناء ثورة السكر في عهد الصادق وفي دعمهم لحركة قرنق وتحركهم معها بحملهم للسلاح . قد أكون توسعت في مسألة انزعاجي من التكتيكات . ويمكن القول بان هذه النزاعات هي صادرة من مظالم تاريخية نتيجة أن الحركة الوطنية حصرت خيالها في الشريط النيلي ولم توفق أصلا في أن تفيق علي نحو مسؤول في خطاباتها . وهي تفيق فقط عند المتاعب والحروب وبعد التفجر تبدأ في السعي نحو الاتفاقات ، ولا يوجد لديها الخيال الذي يقول بان هذه بلادنا وهؤلاء هم مواطنينا ويبادر من ثم باتفاقات تأتي علي نحو دقيق من أجل تأمين البلد . للأسف الطريق الذي نبني بها الوطن هي طريقة أشغال شاقة ووددنا دائما أن لا تكون كذلك .
هل تتحدث عن قومية شمالية أم ...(مقاطعاً)..
أنا أسميها بالبرجوازية الصغيرة أو الأحزاب الاقطاعية وشبه الاقطاعية أو الصفوة الشمالية . وفي الجانب الاخر ايضا يمكن ان نصف الحركة العمالية بالفشل ويمكن أن نصف مرحلة السودنة بأنها مثلت مرحلة تهافت وجشع هؤلاء الذين ورثوا النظام وهم من ولدوا الأزمة . فمثلا الجنوبيون كانوا قد حصلوا علي ثلاثة مواقع فقط من مجموع 300 موقع وظيفي بعيد السودنة . وأنظر في الجانب الىخر ما كان يقوله العمال للحكومة : "الأجر المتساوي والعمل المتساوي" وكانوا يريدون حل مشكلة الجنوب وانهاء حالة التمييز الوظيفي وفي الدخول أيضا . والانجليز هم من ميزوا بين الشمال والجنوب في الاجور بسبب سوء ظنهم في الجنوبيين وأن "القروش" لا تصلح معهم في الأصل وبامكانهم أن يواصلوا حياتهم بوسائل أخرى . اذا ، الحركة العمالية كانت واعية أن المسألة ليست في ان "تكبر كومك" ، بل في أن تتنازل عن كومك أو أن تقتسم كومك . وفي حال لم تقم بذلك سيكون الاستقلال مفخخا بهذه المظالم والتي صنعها الانجليز وستنتقل هذه لمظالم لتكون أنت صاحبها . وهذه ما حدث . وأصبحنا ورثة الاستعمار وهم اليوم يوصفوك بالمستعمر عديل .
كيف يمكن أن نفسر الاستعدادية العالية من العنف والمتصف بها النظام الحالي ؟
يجب أن نقول بان العنف هذا كيف يقاس ؟ وقياسا علي ماذا ؟ لذلك أنا دائما أفضل أن يقاس العنف بنظام عبود ونظام النميري وهذا النظام ، وجميعها نظم متصلة . فقط حدثت لها تقطعات ، ووصفتهم من قبل بأنهم جمعا خرجوا من "نقتيف" واحدة ، والصورة هي في هذه القومية الشمالية وصفوتها التي لن تستطع أن تبني الوطن بشكل عادل ومنصف ، وما أن ينقلب الهامش عليها حتى يتدخل الجيش وينقلب عليها لحماية بيضة الوطن . ومن بعد يستمر حكمه لست سنوات أو 17 عاما أو 20 عاما . في رأي لا بد من الربط بين هذه الأنظمة الثلاث حتى نقيم سياساتها علي نحو بعيد المدى للفئات الاجتماعية الحظية في الشمال . وجميعها نظم عنيفة . وللأسف بدات المعارضة الضريرة لهذه النظم في التمييز بينها ، فتقول حينا بان نظام عبود كان "حلو" ، نميري كان محتمل ، لكن النظام ده ابن كلب جدا . هم دائما بيعملوا للنظام والذي يواجهوه مباشرة أسوء من الفائت ، وهذا غير صحيح . وليس المهم أن "تعزل" بين الناس الآذوك حتى وان كان هناك نظام اخف ضررا من الاخر أن تقبل بالأخف ضررا ، وما الذي يجبرنا علي تقبل من يعنف علينا بشكل أخف ، ده كلام معارضة ساكت .. ويريدون أن يجعلوا كراهية هذا النظام بشروطهم هم .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
نظرة نقدية لطرح الدكتور، عبد الله علي إبراهيم: التقـليـد الشـرعي والحـداثة النور حمد
واضح أن الصديق، الدكتور، عبد الله علي إبراهيم، يطور، وبدأب شديد، طروحة في شأن علاقة الدين بالدولة، في السودان. وقد تبدو طروحته هذه، جديدة للبعض، بحكم المسعى النقدي الذي ينتظمها، وهو مسعى يستلهم تيارات ما بعد الحداثة. يحاول مسعى الدكتور عبدالله، النقدي، في مبحثه هذا، تلمس السمات الحداثية، في ممارسات مؤسسة تقليدية، هي مؤسسة القضاء الشرعي السودانية. وغاية المسعى فيما يبدو، هو شق طريق وسط بين مقاربات التيار الإسلاموي السوداني، الداعي إلى دولة دينية، والذي وصل إلى السلطة بالفعل، تحت هذه الراية، وبين تيارات العلمانيين التي تدعو للفصل القاسي بين الدين والدولة. وأول ما أبدأ به هو أن المنحى النقدي، للطروحة، ليس منحى جديدا، وإن استلهم نقد ما بعد الحداثة، الموجه ضد أفكار حقبة الحداثة. فطرح، الدكتور، مسبوق في الفضاء السوداني، بطرح، أكثر عمقا، وأكثر تماسكا، ورد في المقاربات المتعددة التي ضمتها أعمال الأستاذ محمود محمد طه، التي دعت للجمع المبصر، بين خير ما جاء في الفكر الوضعي، وخير ما جاء في الفكر الديني، وفق منظور ديني أصيل، خال من أية سمة، من سمات التوفيقية التعسفية، كما أسماها صادق جلال العظم. ومقاربات الأستاذ محمود، عمرها الآن، أكثر من نصف قرن! جاء في كتيب (السفر الأول) الذي أصدره الجزب الجمهوري، بزعامة الأستاذ محمود محمد طه، عام 1945، مايلي:
((إن الحزب الجمهوري لا يسعى إلى الإستقلال كغاية في ذاته، و إنما يطلبه لأنه وسيلة إلى الحرية.. وهي التي ستكفل للفرد الجو الحر الذي يساعده عل إظهار المواهب الكمينة في صدره و راسه. ويؤمن الحزب الجمهوري، إيماناً لا حد له، بالسودان.. و يعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح، وغذاء الفكر، إذا آمن به أبناؤه، فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة، و مقوماته، بالإهطاع نحو الغرب، ونحو المدنية الغربية، في غير روية، ولا تفكير.. ورأي هذا الحزب في المدنية الغربية، هو أنها محاولة إنسانية نحو الكمال.. وهي ككل عمل إنساني خطير، مزاج بين الهدى و الضلال.. وهي لهذا، جمة الخير، جمة الشر.. وشرها أكبر من خيرها.. وهي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها، و بريقها، و زيفها، عن مجال الخير فيها، ومظان الرشد منها.. ويرى هذا الحزب: أننا ما ينبغي أن نتقي هذه المدنية، بكل سبيل، كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق .. ولا ينبغي أن نروج لها، بكل سبيل، و نعتنقها، كما يريد بعض المفتونين، المتطرفين، من أبناء الشرق.. وإنما ينبغي أن نتدبرها، وأن ندرسها، وأن نتمثل الصالح منها.. هذه المدنية تضل و تخطئ، من حيث تنعدم فيها معايير القيم، وتنحط فيها إعتبارات الأفكار المجردة.. فليس شئ لديها ببالغ فتيلاً إذا لم يكن ذا نفع مادي، يخضع لنظام العدد، والرصد.. فهي مدنية مادية، صناعية، آلية، وقد أعلنت إفلاسها، وعجزها، عن إسعاد الإنسان، لأنها كفرت بالله، وبالإنسان.. ويعتقد الحزب الجمهوري أن الشرق، عامة، والسودان، خاصة، يمكنهما أن يضيفا عنصراً إلى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة إليه، و ذلك هو العنصر الروحي)).. انتهى.
الشاهد أن الدعوة للجمع بين منجزات الحداثة، وجوهر دعوة الدين، أمر افترعه الأستاذ محمود، منذ ذلك الزمان المبكر. وليس أكبر همي هنا، أن أثبت للأستاذ محمود فضل السبق، في هذا المضمار الهام. فذلك أمر تثبته كتاباته المنشورة على الناس، منذ ذلك الزمان المبكر. ولكن أكبر همي هو، أن أنبه إلى الخلل الأكاديمي المتمثل في تجاهل الباحثين، لفكر الأستاذ محمود. وهو ما لمحته بالفعل في الخطوط العريضة لميحث الدكتور الفاضل، عبد الله علي إبراهيم، مما نشره على الناس مؤخرا. والنص الذي أثبته أعلاه، من كتيب (السفر الأول) للأستاذ محمود محمد طه، يمثل بعضا من كتابات الأستاذ محمود محمد طه، الباكرة. وقد حرصت على تثبيته لأدلل فقط، على سبق الأستاذ محمود غيره من المفكرين، في هذا المنحى. وإلا، فإن عمقا أكبر، وتأسيسا معرفيا، ودينيا، أعمق قد جاء لاحقا في كتاباته التي تلت، ومنها،(قل هذه سبيلي1952)، ثم كتابه (الإسلام، 1960)، ثم كتاب (رسالة الصلاة، 1966)، ثم كتاب، (الرسالة الثانية من الإسلام من الإسلام، 1967)، وما تلاهما في مطلع عقد السبعينات، مثل كتاب (تطوير شريعة الأحوال الشخصية، 1972)، و(الثورة الثقافية، 1972). وحقيقة الأمر، أن الأستاذ محمود، قد سبق تيار ما بعد الحداثة الغربي في توجيه نقد مبصر لأفكار حقبة الحداثة التي توزعت بين الفضاءين الغربيين: الليبرالي، والماركسي. ولي تحت الإعداد دراسة مقارنة، توثق لهذا السبق. وأرجو ان ترى النور قريبا.
القفز على نقاط الخلاف الجوهرية:
بدا لي أن طروحة الدكتور عبد الله، مشوبة بشيء من الغموض. وأنها، لا تفصح كثيرا، عن مقاصدها النهائية، بالقدر الذي ينتظره منها المهتمون. وقد شاركني هذا الرأي، اصدقاء آخرون، ممن يتابعون كل ما يصدر من قلم الدكتور. ورغم أنني من مشجعي المقاربات التي تحفر في مناطق المركب، من الجذور المشتركة، والتوجهات المشتركة، بين أهل البلد الواحد، من أجل تقريب وجهات النظر، وردم الهوات، غير الضرورية، غير أنني لا أستسيغ المقاربات التي، تقفز حول الخلافات الجوهرية، دون أن تمسح أرضيتها، مسحا وافيا، شافيا. وهذا هو ما قادني، إلى مناقشة طروحة الدكتور الفاضل عبد الله علي إبراهيم، وامتحانها، وفق هذا المنظور. أعني، منظور المسح الوافي لأرضية الخلاف، حول مسألة التجديد في الفكر الإسلامي، والقانون الإسلامي. وأظنني لمحت في طروحة الدكتور، تغافلا عن بعض الحقائق المهمة. فالدكتور، يستخدم شواهد التاريخ، القريب، وما تشير به إليه حركة الواقع المتحول، وما تسمح به هذه الحركة، من استنباط للدلالات. وأعنى هنا، تحديدا، منشورات القضاء الشرعي، التي ربما رآها الدكتور الفاضل، متجهة نحو التوسيع لحريات النساء. غير أن تلك الشواهد، ليست من الجوهرية، بحيث يمكننا أن نقول، أنها كانت سائرة لبلوغ غايتها، في تمام التحرير. وفي تقديري، أن المساحات التي أتاحها للنساء، هنا، وهناك، ما أسماه الدكتور بـ ((التقليد الشرعي)) قد جاءت عرضا. ولا أعتقد أنها جاءت نتيجة لبنية مفهومية، متماسكة، وخطة، ومنهجية واضحة. وهذا هو ما عرضها للإنتكاس، كما لاحظ الدكتور نفسه. وسوف أقف عند ذلك لاحقا.
إرتكز فكر الحداثة، بشكل رئيس، على فيزياء نيوتن، وعلى الفلسفة الوضعية لإيمانويل كانط، وما تفرع من كل أولئك، لاحقا من تيارات دعمت التوجهات العلمانية، البراغماتية. غير أن فكر الحداثة، الذي ظل يحرك السياسة الدولية، منذ فجر الثورة الصناعية، قد انشطر على نفسه، في القرن التاسع عشر، بظهور الدارونية، وصنوها المصاقب لها، الفكر الماركسي، اللينيني. وما لبث أن انقسم العالم، جراء ذلك، إلى معسكرين، إثنين. ثم، ما أن جنحت شمس القرن الماضي، نحو الغروب، حتى انهارت التجربة الشيوعية، برمتها، وعادت الأمور، مرة ثانية، إلى أصولها التي انطلقت منها أبتداء. ولكن في ثوب جديد، جعل أكثرية أهل الكوكب، يقفون، إزاء الصورة الجديدة، الأكثر تركيبا، وتعقيدا، موقفا سمته الرئيسة، الحيرة.
تيارات الفكر الحداثي، وذراعها القوية المتمثلة في المد الرأسمالي، أعطت ثقافة أوربا، عبر القرون الأربعة المنصرمة، موضع المركز، في ثقافة العالم. وموضع المركز، هذا، أخذته أوروبا، من بقية العالم، عنوة، وبحد السلاح. ولكن لابد أن نشير هنا، إلى أن الثقافات الأخرى، قد إزورت بدورها، هي الأخرى، حين أصابها الإنبهار بانجازات الغرب، الباهرة، مما جعلها، تقبل، ولو مؤقتا، مكانة الدونية، والهامشية.
وصمت المركزية الأوربية، المزهوة بانجازات النهضة العلمية، والتقنية، ثقافات القارات الأخرى بالتخلف، دافعة إياها، صوب الهامش، وصوب رفوف المتحفيات الإثنوغرافية. ومن تلك المركزية الأوربية، انطلقت، في البدء، ألة الرأسمال، لتملك معظم أجزاء العالم، بقوة السلاح الناري. وقد حدث ذلك، في فترة وجيزة جدا. ومن ثم بدأ الغرب عمله في إلحاق الثقافات المحلية، بالمركزية الأوربية. وقد أحدثت الهجمة الإستعمارية في القرن التاسع عشر، تحولات سريعة. تغيرت بها أنماط الإقتصاد، في بقاع كثيرة من الكوكب. وحدثت، أيضا، الكثير من التحولات الإجتماعية. كما شاعت أنماط التعليم الغربية في كل مجتمعات العالم تقريبا. وأنتشرت لغات المركز، الأوربي، في بقاع العالم المختلفة. ومعلوم أن اللغة حين تنتقل، تنقل معها أيضا الكثير من السمات الذهنية، لموطنها الأم، الذي وفدت منه. وبناء عليه، حدث رواج كبير، من الناحيتين النظرية، والعملية، للنظرة الغربية للكون، وللحياة. وكانت النتيجة أن اهتزت كثير من المورثات، وأنتج ذلك علاقات جيوسياسية، جديدة، شديدة التركيب، شديدة التعقيد. والحالة السودانية الراهنة، التي يعمل فيها الدكتور مبضع نقده، الآن، واحدة من حالات متعددة. ولكن الدكتور عبدالله، لم يعط مقاربات الأستاذ محمود وهي تعالج، كل ما تقدم، ما تستحقه، من نظر، ومن نقد. فهو قد أكتفى في شأنها، بقليل من الإشارات السالبة المبتسرة. وهذه سمة اتسم بها الأكادميون العرب، حين يعالجون الأفكار الدينية المثيرة للجدل.
التجاهل الأكاديمي لفكر الأستاذ محمود محمد طه!
في المقدمة التي تشرفت بكتابتها، مع الأستاذة أسماء محمود محمد طه، لكتاب (نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد، محمود محمد طه) والتي صدرت طبعته الأولى، العام الماضي عن المركز الثقافي العربي ببيروت، ودار قرطاس بالكويت، نعينا على الأكاديميا العربية، تجاهلها لفكر الأستاذ محمود محمد طه، وهو فكر منشور منذ أكثر من نصف قرن. وأشرنا إلى أنها أكاديميا، مدجنة، ومسيسة دينيا، وليست مطلقة الصراح، فيما يتعلق بحرية البحث العلمي، خاصة ما يتعلق بمسألة التجديد الديني. والأكاديميا التي لا تلزم نفسها بالحياد العلمي الصارم، والأمانة العلمية، أكاديميا لا تستحق إسمها. أقول هذا، وفي ذهني الإشارات المبتسرة التي وردت عن الدكتور، لفكر الأستاذ محمود في مبحثه هذا. وهي إشارات لم تخل، على ابتسارها الشديد، من نغمة سلبية. كتب الدكتور في عرض طروحته، هذه الفقرة.
((إن زمان القبول «الفطري» بالثنائية المتباغضة للحداثة والتقليد قد شارف نهايته. فهذه الثنائية الآن قيد النظر الدقيق والمراجعة. فقد تأسف نقاد حديثون كيف لم يطل النقد والتمحيص إنتاج هذين المفهومين واستثمارنا المعرفي فيهما. فأنت تجد مثلاً من يبرر تجاهل الشريعة في بلورة القوانين الاستعمارية، الموصوفة بالحداثة، بأنها «متخلفة» من حيث سُلم العصرنة. ويتغاضى مثل هذا التبرير الحداثي عن حزازات المستعمرين وشوكتهم اللتين كانتا لهما القدح المعلى في تبخيس الشريعة وازدرائها كمصدر محتمل للقانون الاستعماري الحداثي)).. انتهى.
فما أسماه الدكتور عبد الله، ((الثنائية المتباغضة للحداثة والتقليد)) واقع حقيقي، وسببها لا ينصب حصريا، في موقف العلمانيين، حين تمسكوا بفكر الحداثة الأوروبية، وتنصلوا عن تراثهم المعرفي، والثقافي. وإنما سببه أيضا، ضيق تلك الشريعة، نفسها، عن استيعاب طاقة الواقع الحداثي. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يقف جمود المؤسسة الدينية الإسلامية السلفية، وتخندقها في خندق القديم، والإصرار عليه، رغم مجافاته لمنطق العقل الحديث. فـالقول بأن الشريعة الموروثة، منذ القرن السابع، ((متخلفة)) بإزاء المشكلات المستجدة، ليس قولا منكرا، كما يشتم من رأي الدكتور. فهو قول لا يقال، حين يقال، خاصة من جانب الجمهوريين، بغرض إزدرائها والزراية بها. وإنما لتقرير حقيقة بسيطة، غاية البساطة! وهي أن كثيرا من صور الشريعة السلفية لم تعد صالحة، فعلا. والجمهوريون حين قالوا بذلك القول، قالوه من منطلق فهمهم أن في القرآن مستوى آخر، أكبر من الشريعة، وهو ما أشار إليه الأستاذ محمود بضرورة التفريق، بين ((الأصول))، و((الفروع))، وبين، ((الشريعة))، و((الدين))، وبين ((الشريعة)) و((السنة)).
وبالطبع، فإن هذا لا ينفي أن بعض العلمانيين حين قالوا بـ ((تخلف)) الشريعة، إنما قالوه، للزراية بها. وهي زراية تفرعت من الزراية بالدين، من حيث هو. غير أنني أحب، أن أقرر، ما قرره الأستاذ محمود محمد طه، من قبل، ومن دون أدنى مورابة، أن كثيرا من صور الشريعة الإسلامية التي بين أيدينا، مما جرى تشريعها لمجتمعات القرن السابع الميلادي، وما تلاها، لاتصلح للتطبيق اليوم. وأخص بالذكر، شريعة الأحوال الشخصية، التي بين أيدينا الآن. ولسوف لن ينفتح لنا طريق إلى نهضة حقيقية، إلا إذا امتلكنا الشجاعة الكافية، لنقرر ما أثبته الواقع العملي، من قصور بعض صور الشريعة الإسلامية. ومثل هذا التقرير، مهم، غاية الأهمية. فبغيره، لا يمكن لنا، أن نمضي في سبيلنا إلى أصول القرآن، لنشرع منها، لمجتمعاتنا المعاصرة، وفق ما يناسب طاقتها، ويناسب حاجتها.
الشاهد أن الشريعة القائمة على فروع القرآن ـ كما يسميها الأستاذ محمود محمد طه ـ لايجدي معها الترقيع الذي يدعو له الدكتور عبد الله، في معنى ما أشار إليه من أن له ثقة في ((تدريب))، و((ذوق)) القضاة الشرعيين. والسبب هو أن تلك الشريعة قد قامت على نصوص محكمة، لا مجال للإجتهاد معها. وهي نصوص لم تكفل الحقوق الدستورية، كما نفهمها اليوم، وهو أمر اقتضته ضرورات الواقع، وقتها. وقد شمل عدم كفلها للحقوق الدستورية، كلا من الرجال والنساء. وإن كان عدم كفالتها للحقوق الدستورية، لجنس النساء، قد كان أكبر، من عدم كفلها للرجال، وذلك بسبب حكم الوقت الماضي. وقد وردت الإشارات، والعبارات باستفاضة، فيما كتبه الأستاذ محمود، في تبيين أن ما حصل عليه الرجال، والنساء، من شريعة القرن السابع الميلادي، قد كان كبيرا، وبما لايقاس، مقارنا بما كان عليه حالهم، في حقبة ما قبل الإسلام .
ولكي نضع الموضوع في إطاره التشريعي، لابد أن نشير إلى أن نصوص الشريعة الموروثة، تقول بجهاد الكافر، حتى يسلم: يقول تعالى: ((فإذا انسخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، وأحصروهم، وأقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا، واقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم)). ومن ذلك جاء حديث النبي الكريم الذي يقول فيه: ((أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا ألا لا إله إلا الله، وان محمد رسول الله)). ومن تلك جاء حكم الردة: ((من بدل دينه فأقتلوه)). ومنها جاء قتل تارك الصلاة أيضا. كما أن نصوص الشريعة المحكمة تقول بقتال أهل الذمة، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون. قال تعالى: ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية، عن يد، وهم صاغرون)). وقد فسر ابن كثير لفظة ((صاغرون)) بـ ((ذليلون حقيرون)). وجاء في الحديث النبوي: ((إذا لقيتم اليهود والنصارى، فلا تبدأوهم بالسلام، وأضطروهم إلى أضيق الطريق)). وليراجع الدكتور الفاضل عهد سيدنا عمر بن الخطاب لآل إيليا، عقب فتح بيت المقدس، وما جاء فيه من شروط مهينة، بلغت حد إلزامهم بجز النواصي. الشاهد أن الشريعة الموروثة، منذ القرن السابع غير قابلة للترقيع. وهذا هو ما أنفق الأستاذ محمود محمد طه، عمره كله في توضيحه.
أما في جانب حقوق المرأة، فلا أدري ماذا كان في وسع ((التقليد الشرعي)) الذي يتحدث عنه الدكتور أن يفعل. وإلى أي مدى سوف يصل ((التقليد الشرعي)) في محاولاته تلك للترقيع؟ فالنص المحكم يقول: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان، ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى))؟ فعلى أي شيء أستند الفقهاء، الذين جعلوا المرأة قاضية، في حين أن الشريعة الموروثة منذ القرن السابع الميلادي، لا تعطيها حتى حق الشهادة بمفردها. وأنا لا اعتراض لدي أن تعطى المرأة حق أن تكون قاضية، ولكن إعطاءها ذلك الحق بالخروج على نص محكم، يجعل ذلك الحق عرضة للنقض في أي وقت. لأن تأسيسه تجاهل سلطة النص، منذ البداية. ولقد تفضل الدكتور الفاضل نفسه، بأن قال، إن الإنقاذ رجعت بحقوق المرأة إلى الوراء. والسبب هو أن منحها حق القضاء لم يتم على تأسيس ديني، واضح، وإنما تم بخروج، غير منهجي، على سلطة النص. والذين جاءوا، من أهل الإنقاذ، ورجعوا بمكتسبات المرأة السودانية، الوراء، في مسار أشبه بمسار طالبان، إنما فعلوا ذلك مسنودين بسلطة النصوص القواطع، وبتجربة التطبيق الإسلامي، في الماضي!
ولابد من الشارة هنا، إلى أن الفضاء الإسلامي، فضاء واسع. فحين رأى فقهاء الشرع في السودان، جعل المرأة قاضية، رفض فقهاء دول الجوار، حتى إعطاءها حق التقدم لنيل رخصة قيادة سيارة! كما منعوا اختلاطها بالرجال في الحياة العامة، والأماكن العامة، ومنعوه حتى في مدرجات الجامعات. كما رفضوا لها السفر بمفردها، وضربوا عليها العباءة والبرقع. وحصروا عملها في أضيق نطاق ممكن، وفي مهن محددة جدا. وما من شك أن من يرفضون الإفساح للمرأة في بساط الحياة الحديثة، ليسوا قوما يتجنون بغير حق، وإنما هم فقهاء يستندون على النصوص القاطعة، وهم أيضا، تسندهم معرفة راسخة بأحكام الشرع، كما كان عليه الحال، في صدر الإسلام، وما تلا من قرون. ولذلك فمثل هؤلاء، لن يروا فيما قام به القضاء الشرعي السوداني، حين أجاز قضاء المرأة، إلا خروجا على نصوص الشرع. وسيكون عملهم، من ثم، مراجعة أهل السودان، حتى يفيئوا إلى أمر الله، وينزلوا عند أحكام شرعه!
مأزق قيد النص من محمد عبده إلى الدكتور الترابي:
نعود إلى أصل الحداثة الإسلامية، الذي تكرم الدكتور عبدالله، بنسبته إلى الشيخ، محمد عبده، لنقارنه بمنهج الأستاذ محمود محمد طه، للبعث الإسلامي. فمحمد عبده شأنه شأن غيره، من رواد النهضة الدينية الحديثة، مثل جمال الدين الأفغاني، ورشيد رضا، وسيد أحمد خان، وغيرهم. والسمة الأساسية التي تجمع بين كل هؤلاء، هي الإلتفاف حول سلطة النصوص الصريحة. فهم لم يروا الرؤية التي رآها الأستاذ محمود، وهي الإنتقال من نص فرعي خدم غرضه، حتى استنفده، إلى نص أصلي، ظل مدخرا، حتى يحين وقته، وقد حان وقته. وقد سلك الدكتور الترابي مسلك رواد النهضة، هذا، في التوفيق بين ما طرحه الواقع الحداثي، وبين أحكام الإسلام، دون الإشارة، إلى الكيفية المنهجية، لتخطي، عقبة النص المحكم. وهذا هو عين ما جعل الدكتور الترابي، عرضة للتكفير، من جانب بعض غلاة النصوصيين. والدكتور عبد الله، لا يفعل الآن شيئا مغايرا لما قام به الدكتور حسن الترابي. فهو الآخر، يتحاشى مواجهة النصوص. وأحب أن ألفت نظر الدكتور الفاضل، وهو كثيرا ما جنح للتشنيع بالعلمانيين، أنه، نفسه، ينحو منحى علمانيا، حين يتجنب كليا، إيراد النصوص. وهذا ما أشتهر به الدكتور حسن الترابي، في مقارباته الكتابية، وأحاديثه الخطابية.
قيد الإجتهاد في إطار الشريعة:
مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أن الفقه الذي تبع تشريع الرسالة الأولى ((رسالة الفروع)) قد قام أساسا على أن الإجتهاد لا يكون، إلا فيما ليس فيه نص. وفكرة الإجتهاد نفسها، يحكمها نص الحديث النبوي، لسيدنا معاذ بن جبل، حين سأله النبي صلى الله عليه وسلم، بم يحكم الناس، وقد كان معاذ في طريقه، لولاية المسلمين في اليمن. فقال معاذ: (( أحكم بكتاب الله)). فقال له النبي الكريم: ((فإن لم تجد؟)). فقال معاذ: ((فبسنة رسول الله)). فقال له النبي الكريم: ((فإن لم تجد؟)). فقال معاذ: ((أعمل رأيي ولا آلو)). فقال النبي الكريم: ((الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله، إلى ما يرضي الله، ورسوله)). ولذلك فكل الفقه الإسلامي، إنما قام على هذا الحديث، وهو أن الإجتهاد مسموح به فقط، حين لا يكون هناك نص من الكتاب، أو السنة. ولاحق لأحد، أبدا، في الإجتهاد حين يكون هناك نص قطعي الدلالة. وهذا هو ما جعل دولا أسلامية، بعينها، لا تعطي المرأة حقوقها، إستنادا على نصوص الشريعة، القطعية الدلالة. ولذلك فإن أفكار طالبان، على مجافاتها الشنيعة لقيم الحداثة، تجد أصداء واسعة، عند ملايين المسلمين، في أرجاء المعمورة. وحين همت جماعة طالبان بتحطيم تمثال بوذا، فعلوا ذلك، وهم مستندين على نصوص شرعية، معروفة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صور صورة يعذبه الله حتى ينفخ فيها الروح، وما هو بنافخ فيها أبدا)). وكقوله لعائشة: ((يا عائشة، أتدرين من أشد الناس عذابا يوم القيامة؟)) قالت: ((الله ورسوله أعلم)). قال: ((المصورون)). وقد أرسلت كل من السعودية، وقطر، ودول خليجية أخرى، فيما أوردته أجهزة الإعلام، وفودا من العلماء، بناء على طلب تقدمت به جهات أجنبية كانت مشفقة على مصير التماثيل. وطلبوا من تلك الوفود مناقشة جماعة طالبان، لإثنائهم عما انتووا فعله بالتماثيل. ولكن فقهاء طالبان النصوصيين، حجوهم بنصوص، الشريعة، القواطع، وبالتطبيق العملي مما قام به النبي الكريم، من تكسير للأصنام. وعاد العلماء المبعوثون، يجرجرون أذيال الخيبة، وتم تدمير التماثيل.
الشاهد هو: حين يوجد النص، لا يستمع أحد لفقيه، مهما كان شأنه، دع عنك أي فرد آخر. والمخرج الذكي، والأكثر عملية، وفعالية، من هذا المأزق التاريخي، هو ما جاء به الأستاذ محمود، حين دعا إلى الإنتقال من نصوص القرآن المدني، إلى نصوص القرآن المكي. فالحقوق الأساسية لا وجود لها في أحكام الشريعة، وإنما هي موجودة فقط، في أصول القرآن. وحين نبعث أصول القرآن نكون قد بنينا النقلة على سند نصي، يباعد بين الحقوق الأساسية، وكفالة الحريات العامة، وبين التشكك في دينيتها، وإلهيتها، ووصمها بالعلمانية. وهذه نقطة جوهرية يتغافل عنها المترددون في الأخذ بمنهج الأستاذ محمود محمد طه.
بين مرجعية النص ومرجعية رأي الفرد:
عُرف عن الدكتور حسن الترابي أنه يجتهد، لكي يجعل الشريعة قادرة على استيعاب طاقات الحياة الحديثة، ومستجيبة لحاجاتها. وهو يفعل ذلك لكي يُكسب ما يقوم به على الصعيد السياسي، صفة (الدينية). فهي الصفة التي راهن عليها منذ أن بدأ العمل السياسي. وكذلك، حتى لا يُتهم بالتنكر للشعارات التي جمع الناس حولها، منذ الستينات. غير أن الدكتور الترابي، يفعل ذلك بتغافل تام، لنصوص الشريعة. وهو يفعل ذلك، مثله مثل كثيرين غيره، ممن ينتهجون منهج التجديد، المتجاهل لسلطة النص. وهذا المنهج، يُظهر الدكتور الترابي، أراد أم أبى، كمن يقول للناس: أنا مرجعية، دينية، ومن حقي أن آتي من الأحكام، بما يخالف نصوص الشريعة، وأن على الناس أن يأخذوا ما أقول به، حتى وإن خالف ظاهر النص، ما دام ما أقول به، يحل إشكالية تناقض نصوص الشريعة مع بنية الواقع المعاصر. ولذلك فقد كتب الترابي في تشجيع ممارسة الفنون، من رسم، وتلوين، وتصوير، ونحت، ورقص، وغيرها، مما لم تشجع عليه الشريعة، أصلا. وتجاهل في ذلك، سلطة النصوص، كما تجاهل، في نفس الوقت، منهج الأستاذ محمود محمد طه، الذي سبقه إلى مسالة التجديد، بسنوات عديدة. تجاهل الترابي طرح الأستاذ محمود، ومنهجه، وكأنهما لم يكونا أصلا! ولكن أنظر إلى أين انتهى الأمر بالترابي. فها هو قد أُخرج من الساحة كليا! أعني، ساحة التجديد الديني، وساحة الفعل السياسي الذي يستمد شرعيته من مرتكزات دينية. وكما هو واضح، فإن الذين أخرجوا الترابي، من اللعبة، لم يكونوا خصومه، وما أكثرهم. وإنما أخرجه من اللعبة، أقرب تلاميذه إليه!! ورجعت كل اجتهادات الترابي، إلى نقطة الصفر، مرة أخرى. والسبب هو تجاهل سلطة النص. بل ذهب تلاميذ الترابي في شأن شيخهم، مذهبا بعيدا، فقالوا، بأنه سوف يتسبب في فتنة، إن هم أطلقوا سراحه!! الشاهد هنا، أن أي اجتهاد يتغافل مواجهة النصوص، ويتجاهل ضرورة تأسيس قيم الحداثة، على سلطة النص المقدس، اجتهاد مقضي عليه بالردة، وبالسقوط كرة أخرى، في بئر السلف العميقة.
أنا لآ أريد أن أقول أنه لا يمكن أبدا الإجتهاد إلا على الدرب الذي طرقه الأستاذ محمود ـ رغم أن ذلك قول صحيح، في تقديري الشخصي ـ ولكن دعني أقول، إن مخرج الأستاذ محمود يمثل أكثر المخارج تماسكا، من سلطة النص المحكم منذ القرن السابع. فمخرجه بالخروج من النص الفرعي، لتحكيم النص الأصلي يتيح ، دون غيره، لمن يريد الإجتهاد، أن ينتقل من سلطة نص مقدس، إلى سلطة نص مقدس آخر، لا إلى سلطة فرد. وقد عالج سمات التماسك في منهج الأستاذ محمود، في مسألة تطوير التشريع، الكاتب عبد الله بولا، معالجة، اتسمت بالإدراك العميق، وبالرصانة المنهجية، وذلك في العدد الرابع من مجلة "رواق عربي"، فليراجع في موضعه.
ما يفعله الرافضون لمنهج الأستاذ محمود، هو أنهم ينقلون السلطة، النابعة من النص المقدس، إلى مرجعية، هي ليست أكثر من أرائهم الشخصية، كمجتهدين أعطوا أنفسهم حق الإجتهاد ضد سلطة النص المقدس. غير أن الواقع يقول، إن سلطة النص المقدس، على سواد الناس، أكبر من أي سلطة أخرى. وفي تقديري الشخصي، أن المسلمين سوف يشرقون، ويغربون، ولكنهم لن يجدوا، في نهاية المطاف، مخرجا، أسلس، وأضبط، وأشمل، وأكثر حبلا بالوعود الإنسانية، من المخرج الذي رسمه الأستاذ محمود محمد طه. وما أكثر ما سمعت الأستاذ محمود يتمثل أبيات إبن الفارض، حين تبلغه أنباء الاعتراضات على فكره، فيردد قائلا:
وعن مذهبي، لما استحبوا العمى على الهدي، حسـدا من عند أنفسهم، ضـلُّوا فهم في السـُّرى، لم يبرحوا من مكانهم، وما ظعنوا في السـير عنه، وقد كَلُّوا
ودعونا، على ضوء ما شرحنا أعلاه، نقرأ ما كتبه الدكتور عبد الله، في تقدمة طروحته:
((أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان أرد الشريعة الي مطلبها الحق أن تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين. ولست أرى في مطلبها هذا بأساً او ظلماً لغير المسلمين. فهي عندي مما يسع التشريع الوطني العام ويهش له متى خلا دعاتها من نازعة "الوطنية الاسلامية" وبذلوا سماحتها للوطن لايفرقون بين أهله متوسلين الى ذلك بحرفة القانون عارضين اجتهادهم من خلال مؤسسات التشريع بالدولة. ولست ادعي علماً فيما يجد غير انني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وماتلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. وهي ما اسميه "التقليد الشرعي السوداني، (1898-1983).)) ..انتهى.
فالجمهوريون لا اعتراض لديهم في أن تكون قيم الدين، ملهما للقوانين، ما دامت تلك القوانين دستورية، ولا تفرق بين الناس على اساس الدين، أو اللون، أو الأصل العرقي، أو الجنس (رجل وإمرأة) وهو ما يسمى هذه الأيام، بـ (الجندر). غير أن الدكتور عبد الله، بحاجة إلى أن يفصح عما يعني حين يقول: ((أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان أرد الشريعة الي مطلبها الحق أن تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين)). فقد قال نفس هذا الحديث أناس كثيرون قبله، ولم يجئينا من ذلك في السابق، غير التكفير، والقتل، والإستتابة، والجلد، وقطع أطراف المعوزين، من البسطاء الذين قذف بهم الهامش المهمل، إلى قلب مدينة أخطبوطية لا رحمة فيها! فما الجديد، فيما يقول به الدكتور، وماهي تفاصيله، وما هي أسانيده؟
أما قوله الدكتور: ((... أنني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وماتلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. وهي ما أسميه "التقليد الشرعي السوداني"))، يظل قولا لا يخلو من تفكير بالرغبات، ومن شيء من الرومانسية الدينية. فما هو سند الدكتور على ((ذوق)) القضاة الشرعيين، و((حسن تدريبهم)) مما رأيناه في تاريخنا القريب على أرض الواقع؟ ؟ فهل سمع الدكتور عبد الله، أن القضاة الشرعيين، قد وقفوا، مثلا، ضد قوانين سبتمبر؟ وهل سمع أنهم وقفوا، ضد الحكم على الأستاذ محمود محمد طه بالردة، والذي أصدرته ـ وللمفارقة ـ المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم عام 1968؟ فعن أي ((حسن تدريب))، وعن أي ((ذوق)) يتحدث الدكتور؟ ثم هل سمع الدكتور استنكارا، منسوبا للقضاة الشرعيين، لمأساة إعدام الأستاذ محمود محمد طه، عام 1985. وهل في وسع الدكتور أن يرينا موقفا واحدا، بارزا، للقضاة الشرعيين، ضد سلطة الإنقاذ الحالية، وكل صور التخبط، وطل التجاوزات التي روعت بها أهل السودان.
لم يشر الدكتور عبد الله، في طروحته، إلى الفكر الجمهوري ـ صاحب أكبر اسهام في قضية تطوير التشريع، ورسم صورة الدولة الإسلامية المستقبلية ـ إلا بصورة مبتسرة. وهو حين أشار إليه، إنما أشار لكي ينحي عليه باللائمة، فيما نشب من صراع بين الجمهوريين، وبين القضاة الشرعيين، وسائر الجهات السلفية، عبر عقود، الستينات، والسبعينات، والثمانينات، من القرن الماضي. ولنأتي فيما يلي، لنفحص هذه التهمة، ونرى إن كان هناك ما يؤيدها فعلا، من الوقائع التاريخية، لتاريخ لا يزال من عايشوا أحداثه المؤسفة، أحياء يرزقون.
كتب الدكتور الفاضل:
((ومن جهة أخرى تحاشى الفكر الجمهوري هذا التقليد الشرعي مع أن أصلهما واحد وهو الحداثة الاسلامية التي ركنها وحجتها الامام محمد عبده. وزاد الفكر الجمهوري في جفائه لهذا التقليد الشرعي بجعله هدفاً لحملات نقد وتنقيص. وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة و الوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو اساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية. فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن. ويكفي أن تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبدالرحمن المهدي لكي تتشكك في صواب هذه الذائعة عن أولئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه، عليه الرحمة، في 1968 إسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة وأطوارها وبمنطويات النفوس.)) .. انتهى.
النص أعلاه، مما قاله الدكتور عبدالله، لا يخلو من نبرة تحامل على الأستاذ محمود والجمهوريين. ورغم أن الدكتور قد قال: (وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة والوعاظ في المساجد من أذى وترويع)، إلا أنه، رغم ذلك، مال أكثر إلى الإنحاء باللائمة، جهة الجمهوريين. وأرجع الدكتور جذور تلك الخصومة، إلى أيام الحركة الوطنية، قائلا: ((فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والأعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن)). وعبارة، ((من ظنوا في أنفسهم مجاهدة الإستعمار من أمثال المرحوم محمود)) عبارة مشحونة. ومن يقرأها، يشتم فيها غمزا، من طرف خفي. فالأستاذ محمود لم يظن بنفسه، مجرد ظن، وإنما كان بالفعل، مجاهدا حقيقيا من أجل الإستقلال. بل، هو أول سجين سياسي، في حقبة مناهضة الإستعمار الإنجليزي. ولا يغير في ذلك شيئا، كون أن كتب التاريخ السودانية، التي بين أيدينا، الآن، لم تشر إلى ذلك، إلا لواذا. فالتاريخ، على كل حال، سجل تتم مراجعته، وإعادة كتابته، كل يوم. جاء في صحيفة (الرأي العام) عدد يوم 3/6/ 1946، ما يلي:
مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس امس امام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام، لايشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات. أو يودع السجن لمدة سنة اذا رفض ذلك..
والذي حدث فعلا، ان الأستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن. وقد اقتيد من مكانه ذاك الى سجن كوبر. ولا اعتراض لدي، أن يقوم بخلد الدكتور، عبدالله، أن النضال عن طريق تبادل المنشورات مع الإنجليز، ربما كان السبيل الأفضل للسودانيين، لنيل استقلالهم. وهذه نقطة يمكن أن تكون محل جدل، وتظل المقاربات فيها، متجددة، ومتغيرة، كل يوم. وعموما فإن رجحان أي من الإتجاهين، لا يكون بغير النظر، في النتائج العملية، التي تمخض عنها إستقلالنا. وهي نتائج بلغت بنا حد المآسي الكبرى. فقد انتهى بنا استقلالنا إلى فقر منقطع النظير، وإلى ريف خاو على عروشه، هجره أهلوه، وإلى عاصمة تضخمت حتى صارت كابوسا مزعجا. ثم إلى هجرة مأساوية، إلأى خارج البلاد، قوامها العلماء، والمهنيون، استهدفت كل أركان الأرض. ثم ها هو قطرنا، لا يميزه، ولا يصفه وصف، مثل كونه يسقط كل يوم في مستنقعات العزلة المعرفية، والوجدانية، عن بقية العالم، حتى غدا لا يمت إلى البنية الكوكبية المتشكلة الآن، إلا بأوهى الصلات.
في تقديري، أن المتعلمين الأوائل، لم يكونوا بالوعي السياسي الكافي، لإدارة شأن خطير، كشأن الإستقلال. كما لم يكونو، أيضا،ا بالقامة الأخلاقية التي تمكنهم من رؤية المخاطر، حين تهافتهوا على الولاء لزعماء الطوائف. فهم قد عجزوا عن مغالبة بريق المناصب، ودعة الكراسي الإنجليزية التي كانت على وشك أن تشغر، وقتها. ودعنا فقط، نقارن استقلالنا باستقلال الهند، وتطورنا الديمقراطي، بتطور وثبات ديمقراطية الهند. وهي قد سبقتنا إلى الإستقلال، بسنوات قليلة جدا. ويقيني، لو أن مثقفينا الأوائل، كانوا على شاكلة الأستاذ محمود، وما قدمه طيلة حياته، من نموذج خلقي نادر للقيادة، الفكرية، والسياسية، لربما أخذ مسار الأحداث لحقبة ما بعد الإستقلال منحى أفضل! قال الأستاذ محمود، في التنبيه إلى ضرورة التركيز على معنى الإستقلال آنذاك: ((فقد يخرج الانجليز غدا، ثم لانجد أنفسنا أحرارا، ولا مستقلين، وانما متخبطين في فوضى مالها من قرار)). وكان يقول إن الاستقلال ليس: ((استبدال الانجليز بانجليز في أسلاخ سودانيين))..
فحين اتجه الأستاذ محمود، إلى مواجهة الإنجليز، عن طريق تحريك الشارع، فعل ذلك لأنه لم يستسغ ما شرع فيه المؤتمر من تبادل للمذكرات، مع الإدارة الإنجليزية. وهناك أدب كثير، مثبت، في هذه المسألة. ومن ذلك الأدب، ما جاء في كتيب السفر الأول الذي أخرجه الجمهوريون، عام1945 ، حين كتب الأستاذ محمود:
((وإنعدام الذهن المفكر تفكيراً حراً دقيقاً هو الذي طوع للمؤتمر يوم ولدت فيه الحركة السياسية ـ وهي قد ولدت ميته ـ أن يعتقد أن كتابة مذكرة للحكومة تكفي لكسب الحرية، حتى لكأن الحرية بضاعة تطلب من الخارج، ويُعلن بها الزبائن بعد وصولها، حتى تكون مفاجأة، ودهشة.. ولو أن جميع الأحزاب القائمة الآن إستطاعت أن تفكر تفكيراً دقيقاً لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية التي جعلت الجهاد في سبيل الحرية ضرباً من العبث المزري))..انتهى.
كما تحدث الأستاذ محمود عن إهمال المؤتمر توعية الشعب، في نفس الكتيب قائلا:
((لماذا، عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر، إتجهت إلى الحكومة تقدم لها المذكرات تلو المذكرات ولم تتجه إلى الشعب، تجمعه، و تنيره، وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولا، ثم جاءت مبادؤها أخيرا ؟؟)) .. إنتهى
وتحدث الأستاذ عن مسألة التعليم، ونبه إلى خطورة عدم الأخذ، منذ البداية، بسياسة تعليمية تنموية راشدة، فقال:
((ولسائل أن يسأل لماذا لم يسر المؤتمر في التعليم الأهلي على هدى سياسة تعليمية موضوعية، منظور فيها إلى حاجة البلاد كلها، في المستقبل القريب، والبعيد؟ .... فلو كان المؤتمر موجهاً توجيهاً فاهماً لعلم أن ترك العناية بنوع التعليم خطأ موبق، لا يدانيه إلا ترك العناية بالتعليم نفسه.. ولأيقن أن سياسة (سر كما تشاء) هذه المتبعة في التعليم الأهلي سيكون لها سود العواقب في مستقبل هذه البلاد. فإن نوع التعليم الذي نراه اليوم لن يفلح إلا في خلق البطالة، و تنفير النشئ من الأرياف، و تحقير العمل الشاق في نفوسهم.)) .. انتهى.
وتحدث الأستاذ محمود عن معاناة الشعب الإقتصادية، فقال في (السفر الأول) أيضا:
((من ألزم واجباتنا أن نهيئ لأخلافنا حياة ترتفع عن حياة السوائم والأنعام. فإن هذه الحياة التي نحياها نحن اليوم ـ هذه الحياة التي تستغرق مطالب المعدات والأجساد كل جهادها، و كل كدها، لهي حياة لا يغبط عليها حي حيا .. فإن نحن رضيناها لإخلافنا من بعدنا إنا إذن لخاسرون)) .. انتهى.
والطريف أن هذه الصورة التي رسمها الأستاذ لعيش السودانيين، آنذاك، قد تفاقمت، وبشكل غريب، بدل أن تتناقص. كان من الممكن للحركة الوطنية أن تعمل منذ حقبة الإستعمار، على وضع البلاد في الطريق الصحيح، في السياسة، والإقتصاد، والصحة، والتعليم، إلخ. الشاهد فيما تقدم، أن الأستاذ محمود قد كان صاحب رؤية واضحة، منذ البداية. ورؤيته هذه هي التي قادته لمواجهة الإنجليز، حين فضل الإتجاه إلى تحريك الشعب على الإرتماء تحت عباءة الطائفية، التي تقصي وتقرب، من يلتصق بها، بمقدار ما يظهر من ولاء، وطاعة، وانصياع. الشاهد، أن الأستاذ محمود كان يستحق إشارات، أفضل من الإشارات السالبة التي خصه بها الدكتور عبد الله في مبحثه، هذا. خاصة وأن الأستاذ محمود، قد ضرب نموذجا للمثقف الملتزم جانب الشعب، لا يضاهيه نموذج آخر. أما أفكاره، فلا مجال لتجنبها بحثيا. اللهم إلا إن تخلينا عن أسس، وقواعد، وأخلاقيات البحث العلمي. خاصة في مبحث يعنى بمسألة التقليد والحداثة، كالذي يبحث فيه الدكتور عبد الله، الآن.
حقيقة الصراع مع القضاة الشرعيين:
أما الإتهام الموجه، للقضاة الشرعيين، على وجه الخصوص، بعوانة الإستعمار، فلم يكن محض تجنٍ. فقد أغدق الإنجليز على القضاة الشرعيين، بما أسموه وقتها (كساوي الشرف). وقد كانوا يستميلونهم ويخطبون كامل ولائهم، مثلما فعلوا مع زعماء الطوائف الذين أغدقوا عليهم من أراضي الشعب، وحولوهم، في رمشة عين، من سلالة لصوفية فقراء، إلى إقطاعيين عظام. وقد كان القضاة الشرعيون في حل، تماما، عن التعاون مع الإنجليز الذين حصروا عملهم، في جانب الأحوال الشخصية، وحدها، وهمشوا دورهم، وجعلوهم تحت سلطة القضاة المدنيين. غير أن القضاة الشرعيين، شأنهم شأن كثير من الأفندية، في حقبة الحركة الوطنية، عجزوا عن مقاومة بريق المناصب، والإمتيازات الوظيفية، والوجاهة التي يمنحها القرب من الإدارة الإنجليزية. وعموما فإن التصاق من يسمون بـ (رجال الدين) المسلمين بالحكام شأن قديم. فقد عرف التاريخ الإسلامي، نماذج مستفيضة، لممالأة من يسمون بعلماء الدين، وقضاة الشريعة، لأهل السلطان. وقد كان هناك الكثير، والكثير جدا، من الفتاوى التي أصدرها من يسمون بـ (رجال الدين) لخدمة الحكام، عبر التاريخ الإسلامي. أما في تاريخ السودان القريب، فالدكتور نفسه، هو الذي كتب، (الصراع بين المهدي، والعلماء). ورغم أنني ممن يتحفظون كثيرا، على الثورة المهدية، ومفاهيمها، وما لحق بها من ادب اتسم بالتمجيد، والإبتعاد عن النقد، إلا أنني أتحفظ أيضا على نزاهة، و(شرعية) دوافع (العلماء)، الذين أفتوا للحكومة التركية، ضد المهدي. وعضدوا موقف حاكم الخرطوم، وقتها، غردون باشا، مفندين دعاوي المهدية. وعموما، فقد أثبت الجمهوريون بالوثائق، ما يرمون به رجال الدين المسلمين، في كتاب أسموه، (الدين ورجال الدين، عبر السنين). وخلاصة القول، إن الجمهوريين، لم يرموا القضاة الشرعيين، ومن يسمون عندنا، برجال الدين، رجما بالغيب، وإنما بالوثائق، وتحليل الوثائق. وقبل أن أختم حديثي حول رأي الجمهوريين في القضاة الشرعيين، أحب أن أذكر الدكتور عبد الله، أن القضاة الشرعيين قد رفعوا في منتصف السبعينات قضية قذف ضد الأستاذ محمود وبعض الجمهوريين. تولاها عنهم القاضي الشرعي، إبراهيم جاد الله. وقد استمرت جلسات تلك المحاكمة لفترة من الزمن. وقد نقل الجمهوريون وقائعها على الشعب السوداني، في حينه، في كتيبات أصدروا تباعا. وحين إتضح للقضاة الشرعيين، من مجريات المحاكمة، أن تهمة القذف التي تقدموا بها، قد تم تفنيدها، عن طريق إثبات كل ما قاله الجمهوريون عنهم، أمام المحكمة، بالوثائق، والوقائع التاريخية، لم يجدوا غير أن ينسحبوا من القضية، ويتنازلوا عن المضي فيها.
لقد وقف الأستاذ محمود منذ البداية ضد ثنائيتين، وهما: ثنائية القضاء: (مدني) و(شرعي)، وثنائية التعليم: (ديني)، و(مدني). وهذا في حد ذاته مبحث كبير، يمكن من خلاله النفاذ إلى عمق رؤية الأستاذ محمود لمستقبل الفضاء الإسلامي. وقف الأستاذ محمود محمد طه، ضد التخصص في الدين. وقال إن ظاهرة رجال الدين، التي نراهاالآن، واحدة من علامات انحطاط المسلمين. وهي ظاهرة وافدة على الإسلام، من التقاليد الدينية الكهنوتية، اليهيودية، والمسيحية. وقال إن صدر الإسلام لم يعرف ظاهرة (رجال الدين). وعلى كل مسلم، ومسلمة أن يكونا (رجل، وإمرأة دين) ـ إن صح التعبير ـ. ولا مجال هنا لشرح هذه الرؤية الثورية، ولكنها رؤية جديرة بالتأمل، المتروي.
جاء في (السفر الأول)، 1945، ما يلي:
((لا يرى الحزب الجمهوري أن يكون هناك تعليم ديني و تعليم مدني كل في منطقة منعزلة عن الأخرى .. ولا يرى أن يكون للرجل أخلاق في المصلى وأخرى غيرها في الحانوت أو الشوارع ، وإنما يرى أن يتعلم كل الناس أمور دينهم وأمور معاشهم، ثم يضطربون في ميدان الحياة بأجسام خفيفة وأرواح قوية، وقلوب ترجو لله وقاراً)) .. انتهى.
وكذلك الشأن مع القضاء الشرعي. فالأستاذ محمود قد كان ضد أن يكون هناك قضاء شرعي، في جهة، وآخر مدني، في جهة أخرى. وقبول القضاة الشرعيين، تولي ذلك الدور الذي رسمه لهم الإنجليز، يدل على كونهم لم يروا في تلك الوضعية الهامشية، بأسا، من الأساس. ومسألة الشوكة، وسلطة المستعمر، التي أشار إليها الدكتور، عبد الله، ليعطي القضاة الشرعيين، عذرا، لا تعطيهم عذرا كافيا، في حقيقة الأمر. وما أظن أن الإدارة البريطانية كانت سوف تجبر أحدا على وظيفة لا يريدها.
وزر الخصومة:
السياق اللغوي، الذي أورد فيه الدكتور إشارته إلى الجمهوريين، ونقدهم للقضاة الشرعيين، ربما أوحى للقراء بأن الجمهوريين شركاء، في وزر تلك الخصومة. وربما يشتم القارئ، من إشارة الدكتور، أن وزر الجمهوريين، ربما كان الأكبر! والمعروف أن أميز ما ميز حركة الأستاذ محمود، وتلاميذه الجمهوريين، هو أسلوب اللاعنف الذي اتسمت به حركتهم، دون سواها من الحركات. والدكتور الفاضل، يعرف، أن الأستاذ محمود قد ظل يدعو لفكرته، في الفترة ما بين 1950، وحتى بداية الستينات، بهدوء شديد، وسط مجاميع المثقفين. كما أن الأستاذ محمود، قد كان، أيضا، جم النشاط، في مجال الكتابة إلى الصحف. غير أن حادثة فصل أربعة من الطلاب الجمهوريين، من معهد أم درمان العلمي، في أوائل الستينات، بحجة إعتناقهم لأفكار الأستاذ محمود، هي التي أطلقت شرارة المواجهة، بين الأستاذ محمود، وبين جموع السلفيين، من قضاة شرعيين، وأئمة مساجد، ووعاظ، ومعلمين لمادة التربية الإسلامية. ثم تصعدت المواجهة بعد ذلك حين أصبح القضاة الشرعيون جزءا من الجسم الإسلاموي العريض الذي تمثل في مظلة جبهة الميثاق الإسلامي، التي وسع سوحها، الدكتور، حسن الترابي، في حقبة الستينات.
وبعد أن تعرض الطلاب الجمهوريين، بمعهد أمردمان العلمي، للسخرية، والهزء المسرف، من قبل شيخ المعهد، طلب الأستاذ محمود من شيخ المعهد، آنذاك، الشيخ، محمد المبارك عبد الله، أن يناظره في أي مكان، وزمان يشاء، ووسط أي جمهور يختار. والذي دفع بالأستاذ محمود لطلب المناظرة، هو إسراف شيخ المعهد، في مضايقة أولئك الطلبة، والهزء بهم، والسخرية منهم. وقد ذكر الأستاذ محمود، للشيخ محمد المبارك، إنه هو ـ أي الأستاذ محمود ـ صاحب تلك الأفكار، التي أخذ الشيخ بسببها، يهزأ من طلبته، ويسخر منهم على الملأ. قال الأستاذ محمود لشيخ المعهد، إن تلك الأفكار هي أفكاره، وأنه هو الأقدر على الدفاع عنها، وليس الطلبة. ولذلك، فمن الأولى، أن يناظر صاحبها، حولها، بدل أن يعرض الطلاب، لكل تلك الضغوط. قبل الشيخ، بادئ الأمر، بالمناظرة، ولكنه سرعان ما عاد ورفضها. ثم بدأ، بعد ذلك، التشويش المنظم، على أفكار الأستاذ محمود، في الصحف، وفي المساجد، وسارت تلك الحملة شوطها، سنينا، حتى بلغ الأمر، حد محاكمة الأستاذ محمود بالردة، في سنة 1968. وقد جرت محاكمة الأستاذ محمود بالردة، في قضية حسبة، تقدم بها الشيخان، الأمين داؤود محمد، وحسين محمد زكي، وقد شهد فيها، ضد الأستاذ محمود، بالرأي، كل من الشيخ على طالب الله، وعطية محمد سعيد، والزبير عبد المحمود، وشوقي الأسد. والشاهد هنا، أن القضاء الشرعي، اختار أن يتوج حملة التشويش التي بدأت منذ بداية الستينات، بالقيام بالنيابة عن كل السلفيين، بمهمة إسكات صوت الأستاذ محمود محمد طه. وهذا باختصار شديد، هو القضاء الشرعي، الذي يريد الدكتور إنصافه في طروحته، التي نحن بصددها. وكوننا اليوم نراجع مفهوم المركزية الثقافية الأوربية، على ضوء فكر ما بعد الحداثة، لا يعني أن نرتد إلى الوراء، مدافعين عن قضاء عمل في أعلى سلطاته على نقض أهم مكتسباتنا الدستورية، وهما حرية الإعتقاد، وحرية التعبير عنه. وخلاصة القول، في هذا الجانب، أن القضاة الشرعيين، هم الذين فجروا في خصومتهم للفكرة الجمهورية، مدفوعين، كشأنهم دائما، ببعض السياسيين الذين كانوا يتسترون من خلفهم.
السلفيون قبيلة واحدة:
فيما أعلم، أن الدكتور عبدااله، أحد معاصري حادثة طالب معهد المعلمين العالي، ومن شهود ما تمخض منها ككيد مدبر بلغ درجة حل الجزب الشيوعي السوداني، وطرد نوابه المنتخبين، من البرلمان. ثم ما كان من أمر الهجوم المسلح على دار الحزب الشيوعي السوداني، آنذاك. ولا بد أنه قد شهد، دور الأستاذ محمود المشهود، في إخماد تلك الفتنة. ومواجهة مؤامرة تعديل الدستور، لإخراج نواب الحزب الشيوعي المنتخبين من البرلمان. ولابد من الإشارة هنا، إلى أن بعض قادة ما كان يسمى في الماضي، بـ (جبهة الميثاق الإسلامي) قد اعترفوا مؤخرا، بالإستغلال المتعمد، لحادثة طالب معهد المعلمين، ومن على صفحات الصحف السيارة. فالدكتور أحد شهود كل ذلك التهريج السياسي، وكل تلك العجلة المريبة لتمرير، ما سمي وقتها، بالدستور الإسلامي، الذي بلغ أن أجازته الجمعية التأسيسية، في مرحلة القراءة الأولى. أفلا يدل كل ذلك، على أن نسخة الفهم الديني التي كانت تتقدم حثيثا، وقتها، لجمع السلطتين الدينية، والزمنية، في يد واحدة، لا تمت بصلة للصورة التي يحاول الدكتور رسمها لها الآن، في هذه الطروحة؟ لقد أطلق القضاة الشرعيون ضربة البداية لتداعيات التردي، في جحور المفاهيم القروسطية، والتي لا نزال نعاني من تداعياتها أشد المعاناة، وحتى يومنا هذا. ونرجو من القراء مراجعة ما كتبه الأستاذ محمود عن تلكم الأيام في كتبه: (الدستور الإسلامي، نعم، ولا)، و(زعيم جبهة الميثاق، في ميزان: ـ(1)الثقافة الغربية، (2)الإسلام)، و(بيننا وبين محكمة الردة). وذلك على العنوان التالي، في شبكة المعلومات الدولية: www.alfikra.org.
القضاء الشرعي، قضاء مسيس، سلفيا، بحكم التعليم الذي يتلقاه القضاة الشرعيون. ولكي يكون المرء حداثيا، يلزمه، قدر من التعليم المدني، ومن دراسة متعمقة لتاريخ الحضارات، ومن الفلسفات الإنسانية في العصور المختلفة، ومن الجغرافيا الإقتصادية، وغيرها من العلوم الإنسانية، مما يحرص على توفيره أي نظام تعليمي، عصري، متوازن. غير أن ما توفر لرجال الدين، والقضاة الشرعيين، لم يكن، حتى لوقت قريب جدا، تعليما متوازنا. ونسخة من ذلك التعليم، غير المتوازن، تقوم به الآن، ما تسمى بـ (المدرسة) ـ وهي مؤسسة أشبه بالخلوة ـ في باكستان، وأفغانستان. هذا النوع من التعليم، هو الوالد الشرعي، للجمود العقيدي، وللعنف السياسي. وخلاصة القول، أنه لا فكاك للتقليد الذي يتحدث عنه الدكتور، من قبضة الجمود. أما الشذرات التاريخية، التي يجمعها الدكتور عبد الله، هنا وهناك، من سجلات القضاء الشرعي، في السودان، كالسماح بوجود قاضيات شرعيات، وبعض المنشورات التي أجرت بعض الإصلاحات، التي ألحقت بقانون الأحوال الشخصية، في النصف الأول من القرن العشرين، والعقود الثلاثة التي تلته، لا تكفي لخلق مسار، عتيد، لتقليد شرعي يستهدف الحداثة. وحتى حين واجه القضاة الشرعيون، مسألة (بيت الطاعة)،وهو حكم مبني على أية القوامة، التي تقول: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، وأهحجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا)). حين حاول القضاة التصدي للشكاوى العديدة التي تسبب فيها حكم (بيت الطاعة)، لم يواجهوا أصل المشكلة، وإنما فقط، أوقفوا تنفيذ إعادة المرأة إلى بيت زوجها (بيت الطاعة) قسرا، عن طريق الشرطة، وقد كان ذلك هو أسلوب تنفيذ ذلك الحكم. لكن رغم أن المرأة قد أصبحت لا تساق مخفورة بواسطة الشرطة، إلى بيت رجل لا تود العيش معه، فهي تظل، والحالة تلك، تحت رحمة الحاجة الإقتصادية التي قد تجبرها للعودة، راغمة. فالزوجة التي لا تنصاع لحكم (بيت الطاعة)، تفقد نفقتها. هذا إضافة إلى أنها سوف تبقى معلقة، لأنها لن تستطيع الحصول على الطلاق، لتتزوج بآخر! في حين أنه من حق زوجها الإقتران بأخرى! فلمصلحة من يريد الدكتور عبد الله، إطالة عمر هذه (المرمطة) التاريخية لجنس النساء، حين يحرص على إعادة تلميع مثل هذه العقليات القروسطية؟ ما نحن بحاجة، إلى عمله الآن هو مواجهة المفاهيم، التي يحملها القضاة الشرعيون، مما لا يزال مسلطا على رقابنا، حتى يوم الناس هذا. ومنها قانون الردة الذي لا يزال جالسا (بسلامته) وسط قوانين السودان، دون غيره من أقطار الأرض.
تقرأ المادة (26)، من القانون، كالآتي:
1- يعد مرتكباً جريمة الردّة كل مسلم يروج للخروج على ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة. 2- يستتاب من يرتكب جريمة الردّة ويمهل مدّة تقررها المحكمة فإذأ أصر على ردته يعاقب بالإعدام.
وبناء على هذه المادة، تمت مؤخرا استتابة القاضي السابق، النيل عبد القادر أبو قرون.
خاتمة:
ما أريد أن ألفت إليه نظر الدكتور الفاضل، أن القضاة الشرعيين، ربما حلا لهم، أحيانا، أن يتخففوا قليلا، من قيود الشريعة الصارمة. غير أنهم، لا يفعلون ذلك، إلا حين تكون الرياح مواتية، والظرف مهيأ، كأن يكونوا تحت ظل حكم كالحكم الإنجليزي، أو تحت العهود الوطنية الديمقراطية. ففي مثل تلك الظروف، تخبو حدة الخطاب الديني، ويصبح مجاراة الحداثة مطلوبا. ولكن حين تعلو حدة الخطاب الديني، ويحمومي سوقه، فسرعان ما يرجعون إلى قماقمهم (القروسطية). وقد تكرم الدكتور بنفسه، بالإشارة، إلى ما فعلته الإنقاذ من نقض أنكاث، لمكتسبات المرأة السودانية، فهل يا ترى، رأى القضاة الشرعيين، يهبون لنجدتها؟
هذه مساهمة نقدية متواضعة، مني، اقدمها للدكتور، الفاضل، عبد الله علي إبراهيم، ليستصحب منها، ما يراه مناسبا، وهو يطور طروحته. وأحب أن أنبهه، إلى أن إغفال إسهام الأستاذ محمود، أو الإكتفاء بالإشارات المبتسرة لفكره، في هذا الباب، سوف تضران كثيرا، بمصداقية طرحه، وأمانته العلمية، خاصة وهو يفحص السياق التاريخي السوداني (1898 - 1983). فالطروحة، سوف لن تخلو، والحالة تلك، من عرج علمي، سوف يلم بها، لامحالة، نتيجة للتجاهل المتعمد لطرح الأستاذ محمود. أما فيما يخص شكل الدولة الذي نريده، ونحن نتطلع إلى أن تضع الحرب أوزارها في السودان، في القريب العاجل، ويعود السلام، مرة أخرى، فهو، على أقل تقدير، خرطوم علمانية. وسوف نظل متمسكين بـ (علمانية الخرطوم)، حتى يصبح البديل الديني، الذي لا يظلم أحدا، ولا يتغول على حرية أحد، واقعا متحققا في أفقنا المعرفي، والسياسي. وسوف لن نجازف، قبل ذلك، أبدا، بتسليم رقابنا، وحرياتنا، للقضاة الشرعيين، و((تقليدهم)) الذي عرفناه، وعركناه، وخبرناه، جيدا.
وختاما، فهذه نظرة نقدية إبتدائية، أملتها الملاحظات التي خص بها الدكتور الجمهوريين، في معرض تعريفه بالخطوط العامة لطروحته. وأتطلع لكي أقرأ طروحة الدكتور في شكلها النهائي، المكتمل، قريبا. هذا، وللدكتور الفاضل، وافر المحبة، وكثير التجلة، والتقدير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
شارك الاستاذ عبد الله على ابراهيم فى محاضرة عن الهوية الاثنين الماضى بالنادى السودانى بابوظبى وقدم محاضرة اول امس قبل ان يغادر الى امريكا .. ولن تسعفنى الظروف بحضور المحاضرة الثانية وان كنت احد الحضور عندما تداخل فى المنتدى الفكرى .. الا ان الاخ والزميل الشقلينى يستطيع تلخيص المحاضرة الاخيرة وتقديمها للقارىء .. واعتقد ان هنالك اسئلة مهمة طرحت لم يجاوب عليها مباشرة او تهرب عن الاجابة عليها .. واترك الاخوان والزملاء للتعليق على ذلك .. نتواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=2699 الكاتب : admino || بتاريخ : الخميس 26-03-2009 عنوان النص : تعقيب على د. عبد الله علي ابراهيم في دفاعه عن الفقهاء وقوانينهم : الشريعة والحداثة (14)
(37) وعن كون محكمة الردّة كانت تعمل خارج اختصاصها ورد في قضية بورتسودان الحوار التالي بين الاستاذ محمود وبين الشاكي الشيخ ابراهيم جاد الله : الاستاذ : عاوزين نسألك عن رأيك في محكمة الردّة شنو؟ هل حكمت في اختصاصها وللأ خارج اختصاصها؟ الشاكي : حكمت في اختصاصها. الاستاذ : هي محكمة شرعية اختصاصها الشريعة يعني اذا هي نفذت حكمها دا هل هو حكم الشريعة ؟القاضي : بيقول المحكمة ادانتو لكن ما اصدرت عقوبة . الاستاذ : لكن دا ما حكم الشريعة .. هل دا حكم الشريعة؟ اذا المحكمة حكمت وما نفذت هل دا حكم وللأ تقرير ساكت ؟ الشاكي : كأنها الشريعة .. نظرت هل اتيتو أو قلتو أو فعلتو ... الاستاذ : طيب يا شيخ ابراهيم نحن نذكرك : قال المدعيين نفسهم طالبوا باعلان ردّة محمود محمد طه عن الاسلام بما يثبت عليه من الأدلة (2) حل حزبه لخطورته على المجتمع الاسلامي (3) مصادرة كتبه واغلاق دار حزبه – دي المطالبة للمحكمة – بعدين اصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعى عليه بعدين تطليق زوجته المسلمة منه ... لا يسمح له أو لاي من اتباعه التحدث باسم الدين او تفسير آيات القرآن بعدين مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد ذلك وفصله ان كان موظفاً ومطاردته وتطليق زوجته المسلمة منه .. دي كانت البنود الطلبها المدعيان من المحكمة ، لشنو المحكمة قالت " لذلك حكمنا غيابياً للمدعيين حسبة الاستاذين الامين داؤد محمد هذا وحسين محمد زكي هذا على المدعى عليه الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري الغائب عن هذا المجلس بانه مرتد عن الاسلام وامرناه بالتوبة عن جميع الاقوال والافعال التي ادت الى ردته كما قررنا صرف النظر عن البنود من نمرة 2 الى نمرة 6" ليه قرروا صرف النظر عنهن ؟ الشاكي : ما عندهم انو بقية البنود بترتبوا على البند الحكموا بيه الاستاذ : ليه قالوا صرفنا النظر عن بقية البنود ؟ الشاكي : أي صرف النظر عنها لانها بتترتب تلقائياً على البند الأول . الاستاذ : جميل .. لكن ليه ما يقرروا انو المطالب دي تكون الحكم وانو تكون المطالبة بالتنفيذ ؟ الشاكي : ما هي مترتبة ..لما انا احكم كدا معناها هو ما يتحدث باسم الاسلام ، ما يطبع كتب .. وما يعاشر المسلمة كزوجة ...الخ الاستاذ : الحصل شنو في التنفيذ ؟ الشاكي : لا أدري ما حصل . الاستاذ : ما هو انا واقف قدامك . الشاكي : العقوبة ما نفذت. الاستاذ : لكن العقوبة ما طرف من القانون؟ اذا كان هم بيعملموا في اختصاصهم يبقى التنفيذ يتبع . انا سألتك قلت ليك: هل المحكمة بتعمل في اختصاصها؟ قلت : نعم . قلت ليك وجد انها ما بتعمل في اختصاصها... الشاكي : اذا كان حصل أنو دا ما اختصاصها ، لمن يكون الاختصاص ؟ من الذي يقرر أنو الانسان دا داخل الدين او خارجه؟ الاستاذ : ماحدش يقرر .. الوصاية انتهت ما حدش يقرر . الشاكي : نعم ؟! الاستاذ : ماحدش يقرر لو انت داخل الدين أو لا ..وإلا كان كل واحد نازع التاني : انت مافي الدين . وعهد الاستعمار كلو حكمت بجانب من الكتاب وعطلت جانب ، وجيت في العهد الوطني وجدت نفسك إنك برضو بتعمل بنفس القانون وانك ماك شرعي ، وانو تكوينك ما بديك الحق ، بدليل انك حكمت وماقدرت تنفذ ، وما حاجة بتسمى قانون إلا اذا كان التنفيذ طرف منها ، يبقى دا دليل على انك بتعمل خارج اختصاصك .. توافق على كدا ؟ الشاكي : انت الاختصاص تدي لي منو ؟ " القاضي يشرح صلة التنفيذ بالحكم " الشاكي : والله انا موضوع التنفيذ دا أنا ما بعتبرو ذنب المحكمة .. اذا كان ما عندها اختصاص تنفذ دا ما ذنب المحكمة . الاستاذ : هل الحاكم المسلم الماعندو اختصاص في التنفيذ عندو اختصاص في الحكم ؟ الشاكي : دا لا ينفي انها مختصة بمحاكمة الموضوع _الحكم_ او نظر الدعوى . الاستاذ : طيب نحن نقول رأي الاستاذ محمد ابراهيم خليل في عدم اختصاص المحكمة وافتكر قرئ عليك طرف منو " لعله من المعلوم لدى الناس جميعاً ان المحاكم الشرعية في السودان اسست على قانون المحاكم الشرعية السودانية 1902 وان إختصاص هذه المحاكم قد حددته المادة السادسة التي تنص على ان للمحاكم الشرعية الصلاحية في الفصل في : أ- أي مسألة تتعلق بالطلاق و الزواج والولاية والعلاقات العائلية بشرط ان يكون الزوج قد عقد على الشريعة الاسلامية ، او ان يكون الخصوم من المسلمين . ب- أي مسألة تتعلق بالوقف أو الهبة أو الميراث او الوصية ..الخ ت- أي مسألة سوى ما ذكر في الفقرتين السابقتين على شرط ان تتقدم الاطراف المتنازعة بطلب كتابي ممهور بتوقيعاتهم يلتمسون فيه من المحكمة ان تقضي بينهم مؤكدين انهم عازمون على الالتزام بحكم الشريعة في الامر المتنازع عليه . لذلك ترى ياسيدي انه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان ان تحكم بكفر احد او زندقته او ردته " .. محمد ابراهيم خليل هو هسع محامي وكان وزير العدل وعميد كلية الحقوق بجامعة الخرطوم ونايب النايب العام سابقاً وهو قال بعدم الاختصاص . الشاكي : طيب دا راي محمد ابراهيم خليل .. هل انت طعنت بعدم الاختصاص؟ الاستاذ : جميل انا جاي للموضوع ..هل انت بتوافق على أنو القانون اللي اتكونت بيهو المحاكم الشرعية عام 1902وذكره هذا القانوني وبقول فيهو انو هذه المحكمة عملت خارج اختصاصها .. هل بتوافق على القول دا؟ الشاكي : لا أوافق .. لانو ليهو ارتباط بالاختصاص يعني أنا لما أقول دا ما مسلم بترتب عليهو أحكام كثيرة جداً جداً هي من اختصاص المحاكم .. ولذلك هي هنا بتعمل في نفس الغرض . الاستاذ : تبين للمحكمة .. المحكمة ما كان عندها إختصاص في نظر القانونيين وجابو المادة .. الشاكي : انا واحد من القانونيين ، دا رأيك انت بتقول انو الاختصاص المنصوص عليهو في المادة ما بشمل الحكاية دي ، دا رٍايو كدا .. الاستاذ : الأمر دا يا شيخ ابراهيم ما أمر رأي دا تحديد . الشاكي : معنى كلامو دا أنو ليس للمحكمة ان تنظر في حكم من هو مسلم ومن ليس مسلم . الاستاذ : طيب ... الشاكي : فأنا بقول يعني ليس ضرورياً أن يشمل أن يكون في تفصيل فألامر دا ليهو تعلق بما هو من إختصاص المحكمة . الاستاذ : هل المحكمة ما قبلت ان تعمل تحت القانون بتاع 1902 ؟ الشاكي : تأسست بذلك القانون. الاستاذ : هل بتتقيد بيهو؟ الشاكي : بتتقيد بيهو طبعاً الاستاذ : هل فيهو انها من اختصاصها ان تحكم بالكفر على انسان ؟ الشاكي : ما منصوص عليها صراحة. الاستاذ : هل دا أمر يترك للتفكير ؟ هل الأمور الأقل منو ما منصوصة؟ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الاستاذ : طيب الحكاية الأنت قلتها .. انت سألتني برضو سؤال أنا أحب ان أرد فيهو .. أنا ليه ما أستأنفت ، بل أنا ليه ما مثلت أمام المحكمة .. سؤالي حيكون : ما بتعتقد انو عجز المحكمة من ان تحضر الانسان المتهم أمامها في مسألة ردّة وبتجب فيها الاستتابة وتوجيه الكلام ليهو.. عجزها من ان تحضره أمامها يجعلها عاجزه من أن تحكم عليهو أيضاً ؟ الشاكي : والله أنا ما بعتقد انها عجزت ان تحضرك أمامها . الاستاذ : كيف بقى ؟ الشاكي : لم تعجز المحكمة .. انما لم ترد .. او لم تر ان هناك حاجة . الاستاذ : طيب يا شيخ ابراهيم اذا انت هسع ارسلت اعلان لمتهم ورفض ان يوقع حتى عليهو ، وانت حاكم محترم ، ما بتعتقد أنو دا فيهو إهانة للمحكمة؟ الشاكي : أبداً .. اعتبر ترك حقو .. ترك الدفاع عن نفسو وبمضي في قضيتي وبحكم عليهو غيابياً وليهو الحق بعدين يجئ يستأنف الحكم دا ويطعن فيهو . الاستاذ : سؤالي يا شيخ ابراهيم ياهو دا : اذا حتى رفض .. جاهو المعلن رفض ان يوقع ؟ الشاكي : ما القانون موجود يا سيدي العزيز .. قانون الاجراءات المدنية ، هسع نحن بنشتغل بيهو ، والمحاكم بتشتغل بيهو ، اذا حد رفض التوقيع أنا بمشي في القضية غيابياً _بعتبرو معلن_ لكن اذا شتم المعلن أو شتم المحضر ، او قال حاجة تانية دا البعتبرو إهانة للمحكمة. القاضي : هو اجاب قبل كدا قال : اذا كانت الدعوى تتعلق بحق شخصي أما اذا كانت الدعوى متعلقة بحقوق الله يجبر الطرف التاني على الحضور . الاستاذ : هل حق الردّة ما بتعلق بالله ؟ الشاكي : ردّة الانسان عن الاسلام ؟ آي طبعاً ليهو تعلق .. لكن في واقع الأمر أنو دا برجع ليهو كفرو . الاستاذ : هل غيرت الاجابة القبيل ؟ الشاكي : نعم ؟ الاستاذ : الاجابة القبيل اتغيرت واللأ هي نفسها؟ الشاكي : لا دا تفصيل الاجابة . الاستاذ : لكن دا نفي ليها. الشاكي : ما نفي انا بقول هناك تفصيل يعني .. في حق الله . القاضي : اجابتك ؟ الشاكي : انا بقول هناك تفصيل في حق الله يعني ... القاضي : كل الدعاوي البتتعلق بحق الله لا يجبر؟ الشاكي : لو كان القاضي يرى انو يمثل أمامو أو لا يمثل متروكة للقاضي باختصار يعني .. الاستاذ :الاجابة القديمة كانت : اذا كان الامر دا بتعلق بحق الله يبقى القاضي يحضر المتهم .. بعدين اتبنى عليها: هل الردّة فيها حق لله ؟ الاجابة دي هل اتغيرت؟ القاضي : هو قال الردّة فيها حق الله .. وقال ان في الفصل التاني في سلطة تقديرية للمحكمة ، ليها الحق ان تجيب الزول او لا تجيبو .. . الشاكي : أو ما تجيبو لانو في حاجة اسمها اصدار حكم غيابي .. كل المحاكم .. كل الاحكام . الاستاذ : يا شيخ ابراهيم الحكمة في حكم الردّة شنو؟ الشاكي : لا تحتاج لتعليل . الاستاذ : الحكمة فيهو شنو؟ الشاكي : منع الناس ما يرتدوا عن الاسلام ، ويفكروا قبل ما يرتدوا .. الحكمة يمكن تكون واسعة جداً يعني .. الا يحدث فساد ، الا يشجع غيرو على الخروج من الاسلام . الاستاذ : في تحديد للمسألة دي يحسن ان نقولوا : هل حكم الردّة المقصود منو إصلاح الانسان المرتد واصلاح المجتمع ، وحفظ حق الله ؟ الشاكي : آي نعم . الاستاذ : هل الحاكم العاجز عن التنفيذ بقدر يصل الى الحكمة دي ؟ الشاكي : والله انا برى ان لم يصل الى كل الحكمة يكون وصل بعضها ، العاجز عنها ما بحققها كلها .. العاجز عن التنفيذ ما بحقق كل الحكمة .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الاستاذ : المسألة النحن جينا ليها يا شيخ ابراهيم – ظهر في الكلام اننا قي بداية أمرنا في مواقفنا مع القضاة الشرعيين كنا بنتكلم بالاسلوب الهادئ الانت شفتو ووافقت عليهو- بعدين لمن مشينا لقدام .... الشاكي : ما وافقت عليهو .. ماوريتني الاسلوب الوافقت عليهو . الاستاذ : أمس كانت قرئت عليك " مفتينا ومفتيهم " وقلت انت بتوافق على انها معتدلة . الشاكي : آي فعلاً . الاستاذ : طيب .. المخاطبة كانت بالصورة دي لغاية ما جينا في مرحلة ظهر لينا بوضوح كبير أنو في زي استعلاء .. عدم قبول لأي رأي يقال فيهم .. حتى الاستعلاء دا ظهر في مسألة هنا برضو وردت الاسئلة عليها ووافقت كمان .. قيل ليك أنو القاضي قال محمود محمد طه يوجه الاهانة لأكبر هيئة قضائية في السودان ، نحن قلنا منذ متى أصبح القضاء الشرعي أكبر هيئة قضائية في السودان؟ أحين كان خاضعاً للسكرتير القضائي منذ نشأته والى ان ازال الله بالافندية عهد الاستعمار ؟ أم حين ظل خاضعاً لاشراف رئيس القضاء السوداني منذ فجر الاستقلال ؟ وانت بتعرف في العهد الحاضر كانت في محاولة لتجعل القضاء الشرعي والقضاء المدني في مستوى واحد .. فإذا كان القضاء الشرعي في طول وقتو كان خاضع للقضاء المدني ثم وجد الفرصة ليكون ند ليهو هل من الدقة في التعبير ومن الامانة ان يقال اكبر هيئة قضائية في السودان عن القضاء الشرعي ؟ الشاكي : القال كدي منو ؟ قاضي القضاة ؟ الاستاذ : قال قاضي القضاة دا منشور _ أنا سؤالي حيكون قائم " يعيد السؤال" د. عمر القراي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ...عبد الله على ابراهيم ..هل يهرب للامام لتفادى محكمة ؟؟ (Re: الكيك)
|
تفاءلوا بالوطن تجدوه: يوميات مرشح رئاسي ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم الأحد, 29 مارس 2009 20:53
1-بس كلامي أنا الما عرفتوهو حرصت خلال لقاءاتي بمدينتي القضارف ومدني أن أخرج من أدب المحاضرة بتوجيه الحاضرين أن تقتصر مناقشتهم على أسئلة وتصويبات وملاحظات لا تستغرق أكثر من ثلاث دقائق. وبررت تطفلي هذا على إدارة الندوة بأنني أريد أن أسمع من أكثرهم في الوقت المضروب للقاء. وقد استجاب الحضور بأريحية. فأحصيت نحو 20 سائلاً ومعلقاً في الندوة التي خصصتها لعرض مفهومي لطلب الرئاسة. ولا يعني هذا أن الندوة خلت من جماعة "الامتياز الشخصي" الذين يظنون الإطالة في التعليق امتيازاً مستحقاً بالمنصب أو الجاه أو العمر. وكنت أخشى ما أخشاه هؤلاء. فهم متى انفتح باب النقاش اجتذبوا الفرصة بالوجاهة وأسرفوا في الحديث جداً. فتجدهم وهم الفئة القليلة استأثروا بفرص النقاش كلها. وخرج الحضور الآخر وخشمهم ملح ملح مستنكرين حظوة أهل الجاه بالتعبير عن آرائهم دونهم. وهكذا دواليك حتى باتت الندوات عبارة عن محاضرة وملاحق لها. أما النقاش فلا يكون. ولم تتكاثر الأسئلة نتيجة لتطفلي على ضبط الندوة فحسب بل رأيت شغف الحضور (فوق السبعين) بمتابعة النقاش والتزام أغلبيتهم كراسيهم بالندوة حتى انتهت قبل منتصف الليل. وأوسعوني اسئلة حتى بعد نهاية الندوة رسمياً. لقد كان لهم فيها "عود" أو "نفقة" فأمنوا لها لم يسقمهم متفاصح أو يزعجهم دعي. الأصل في مسعاي كمرشح لرئاسة الجمهورية أن استرد صفوة الرأي والسياسة إلى الإصغاء إلى غمارالناس والتماس رأيهم واستصحاب خبرتهم في نهضة الوطن. فقد تباعد ما بين هذه الصفوة والناس بفعل نظم الحكم الشمولية التي طال مداها. وبدا لي أن الصفوة استحلت هذا "التطهر من الجماهير"، في لغة أستاذنا عبد الخالق محجوب، واستلذت مضغ عقائدها حافة واجترارها بمعزل عن الناس. وزاد من تغاضي الصفوة لرأي العامة عادات فكرية متمكنة من الخاصة. فالأصل في تعليمها (لا تربيتها) أنها طليعة أٌعطيت العلم الحداثي وفصل الخطاب لتخرج أهلها البدائيين من الظلمات إلى النور. فالعامة في هذا المنظور موضوع للتمدين. أما ماانطوا العامة عليه من فكر أو شوق أو دبارة فحديث خرافة على الطليعة أن تستاصل شأفته وتشفيهم منه. أما عادات الصفوة الأخرى العازلة لهم من العامة فمصدرها المهن التي يأتي أفرادها منها إلى السياسة. خذ المحامين مثلاً. فهم كما قال الدكتور حسن مكي قد تربوا في خلق "المرافعة" التي قد لا يكون فيها من الحق إلا قليلا. كما أنها تٌلقي على جمهور مأسورCAPTIVE AUDIENCE هم حضور المحكمة. كما تربى القانونيون لدى السؤال على نزع المصداقية عن الشهود بالحق أو الباطل وإلباسها شهود الدفاع وإن شذوا. ولذا شاع عنهم "السؤال التجريمي" أو "الموحي" وكله في معنى أن تسأل بنية غير سليمة. واندلقت حيل مهنة القانون وتقاليدها إلى ساحتنا السياسية والفكرية. فاصبح المحاضر متهماً لا تثبت له براءة أو يٌكتب له برءا من بعد إذلاله وتبخيسه. وقد قال لي خدن الروح كمال الجزولي حين ألحفت عليه أن يخرج عن إضرابه عن التكلم في الندوات ليخص بالحديث برنامجاً لصديق عزيز: "أنا تاني ما بتكلم. أنا بكتب وبس. وما برد على زول. كفاية ياخي ابتذال". ولما كان أكثر حكامنا في أكثر سنوات استقلالنا هم من الجيش فقد أخذ النادي السياسي منه عاداته في الخطاب. فلست أعرف مؤسسة يكون فيها الكلام بمثابة عقاب. فبعض الجزاء عندهم أن يقف مرتكب الذنب انتباه ليسمع ولساعات كلام الطير في الباقير من الرتبة العليا. ويسمون هذا "اصرفلو عربي". ومن أراد أن يعرف خطر هذا الجزاء فليستمع مطولاً لمصاب نفسي ممن تنحل رابطة اللغة عنده فيتكلم كلام طير في باقير. أما الوجه الآخر من خطاب اللغة في الجيش فهو الحديث من عل إلى من هم في الرتبة الدنيا وبصورة وصائية كمثل شرح ما لايحتاج إلى شرح. والحكمة في الجيش عادة تراتبية هرمية فهي تتدلى كالعنقود من عل ولا تتصاعد كالنيل من أسفل. وقد قرأت مرة لضابط نابه عن تجربته في استخدام المثل لرتبة عليا ذاق منها الأمرين. قال الضابط إنه كان وقتها بالكلية الحربية يؤدي طابوراً شاقاً في يوم قائظ. فمر بهم رتبة عليا وشخط في أحدهم بأن يشد حيله لسوء أدائه. فقال ضابطنا الطالب الحربي: "الفي البر عوام". وسمعته الرتبة العليا. وهاك يا مكتب وتبكيت وتنكيد. أما أنا فقد نشأت في صنف خطاب من الأصغاء المسئول لسواد الناس أريد له أن يشيع بين أنصار حملتي الانتخابية. فقد نشأت على الأصغاء لتدريبي في علم الفلكلور والإثنوغرافيا. ففي العمل الميداني لجمع المأثورات فالراوي عن القوم هو سيد الموقف تريد له أن يهمي كالسيل. ولا تسأله إحراجاً بل لاستدراره وحفزه ليخرج كل ما عنده. وحتى حين التحقت بالحزب الشيوعي درسونا كتاب "كيف تعقد اجتماعاً ناجحا؟" منعاً للتطويل وليوازن المرء بين القول والصمت. وتعرفت على عهدي باتحاد طلاب جامعة الخرطوم على كتاب "الطريق إلى البرلمان" للزعيم إسماعيل الأزهري الذي أراد به تنوير جيل الحركة الوطنية بضوابط الاجتماع التي لا تنظم فرص التدوال وأشراطه في الاجتماع بل تحمل المجتمعين إلى غاية من اجتماعهم. الأصغاء عادة ديمقراطية لأن الحكمة مبثوثة لا يكتنزها اصحاب الامتياز الخاص. فالإصغاء يستقطر الحكمة من حقولها القصوى. وكل الصيد في جوف الفرا. 2-سين أنجلو بيدا:بين العزة بالثقافة العربية وبين الاستعلاء بها لن يخلو منبر أكون فيه ممن يؤأخذني على عزتي بانتمائي للثقافة العربية الإسلامية في بلد متعدد الثقافات. ووجدت بندوتي بالقضارف من أثار هذا المسألة ولوح بأن من ينتمون إلى ثقافات أخرى لن يقبلوا بي رئيساً على البلاد. وأنا فاهم لمخاوف من يري أن مثل هذه العزة بثقافتي مفسدة للتعدد الثقافي الذي يميز وطننا.فقد تعاورت علينا نظم مستبدة جعلت من مثل هذه العزة (التي هي ذوق ووجد وإنسانية) سياسة للدولة يكون بها حملة الثقافة غير العربية الإسلامية موضوعاً للتبشير أو الإرغام على هجر تقاليدهم. ولكني فاهم أيضاً أن مبدأ التنوع الثقافي يعني طلاقة انتماء المرء لثقافته وتحييد الدولة بالكلية في الشأن الثقافي. فهي جهاز لا دين له ولا ثقافة. ولا يعني ذلك أن تتطهر الدولة من نازع الثقافة فتصبح بلا طعم ولا رائحة. فالدولة تتثقف حين تكفل لحملة الثقافات قاطبة وبغير فرز أن يعتزوا بها ويروجوا للمعاني الخيرة فيها. استصحبت في عزتي بالثقافة العربية الإسلامية وعي يقظ بحقوق الثقافات الأخرى من لدن كتابي "الماركسية ومسالة اللغة في السودان" (1976) و"الثقافة والديمقراطية في السودان" (1996). فحذرت في ندوة بمؤتمر الإعلام والثقافة انعقد بمبادرة من دولة الإنقاذ في 1990 أو نحوه من الاستخفاف بالثقافات غير العربية. وووصفت هذا الاستخفاف بأنه ثمرة من ثمرات نظرية "الخلاء لثقافي". ومعنى ذلك أن الذي يريد فرض ثقافة ما لابد أنه انتهي إلى رأي سلبي في ثقافة القوم. أو هو نفى الثقافة عنهم فأصبحوا مجرد خلاء ثقافي يغري بتبشيرهم بالثقافة الغالبة وجذبم لصفها. وبلغ بي الأمر في كتاب الثقافة والديمقراطية أن عرفت التنوع الثقافي بأنه غبن. وقصدت بذلك أن حملة الثقافات غير العربية لا يحسون بأن ثقافتهم لاعبة دور كبير في حياتهم. فهي ليست مفردة معتبرة في التنوع ينعم بها أهلها بل مفردة مطرودة من موكب ذلك التنوع. فإذا كان ثمة تنوع ثقافي فهم لا يشعرون به إلا كغبن مصدره أن حياتهم مفرغة من ثقافتهم. ونبهت من أخذوا عليّ عزتي بثقافتي العربية إلى أنها عزة بشرها. وشرها هو ولاء منقطع النظير إلى حقوق الثقافات السودانية قاطبة في أن يعتز بها أهلها فرحي بثقافتي العربية. وسهرت في أعمدتي على الصحف على هذا المعني أميز بين عزة الإنسان بثقافته القائمة على قدم المساواة مع الثقافات الأخري وبين الاستعلاء بها. وأنقل أدناه كلمة كتبتها في 5 فبراير 1989 بعمودي "ومع ذلك" بجريدة الخرطوم احتج على فيها على مشهد من مشاهد الاستعلاء باللغة العربية بين سياسينا "في الزمن الجميل". كما سيجد القاريء سبباً وجيهاً لعزتي بثقافتي العربية الإسلامية حين يرى حديثاً مروياً عن أفضل البشر سيدي رسول الله مشرقاً بالإنسانية داعياً للتسامح وعبور الفروق العابرة في الثقافات إلى بر الإلفة والاتحاد الطوعي للبشر. فإلي تلك الكلمة القديمة: سيذكر دعاة التسامح اللغوي السيد الصادق المهدي تعميمه السياسي القوي لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل: "إن سين بلال عند الله شين". وكان الحديث هو رد المصطفى على جماعة طلبت منه ألا يسمح لبلال بالآذان لأنه كان لا يحسن نطق الشين العربية فتصدر منه سيناً. وقد كنت سمعت هذا الحديث أول مرة من جار لي عامل دنقلاوي بمربع 5 بحي جبرة في آخر السبعينات. وكان الرجل ورعاً ذا رجولة يأمنا في الصلاة. وسرعان ما احتجت لهذا الحديث ليطمئنني على سماحة إسلامي وعروبتي حين قرأت تعليقاً فظاً لأحد غلاة العروبيين المتشنجين في الصحافة (24-1-1980). فقد احتج الكاتب على أداء بعض المؤذنين الذين ينادون في قوله "للصلاة بقولهم هيا إلى السلاة، هيا إلى الفلاة بدلاً عن حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح. والفلاة لغوياً معناها الصحراء". وناشد العروبي المسدود أن لا ينهض بالآذان إلا اصحاب اللسان العربي المبين. وحديث أفضل البشر العذب حجة على مثل هذا التزمت والتضييق. ولكن مما يزعج في حديث السيد الصادق أنه وصف كلمة السيد أنجلوا بيدا في الجمعية التأسيسية في عربيتها "البسيطة" بأنها قبيحة المظهر جميلة المخبر بالمقارنة مع كلمة للشريف زين العابدين ذات المظهر البلاغي الجميل والمحتوى القبيح. وسألت نفسي: إلى أي المقاييس اللغوية والبلاغية احتكم السيد الصادق ليصف كلمة بيدا بقبح المظهر؟ تقتضي السماحة اللغوية والسياسية أن نحس بالدين تجاه من يتطوع بالحديث بالعربية من غير الناطقين بها من السودانيين تقديراً منهم للعربية كوسيط للتفاهم الوطني العام. "للعتو" بالعربية مصادر عديدية. ومن ذلك تبخيس عطاء الذين يخرجون من فصاحة لغتهم إلى الحديث بعربية "بسيطة". لقد ارتضى هؤلاء الخارجون لأنفسهم النقص ليكتمل عقد الحديث. وفي باب أدب اللغة والتسامح أخذت يوماً على المرحوم الشريف حسين الهندي (وكان وزيراً للمالية في آخر الستينات) تعييره للسيد دريج، زعيم المعارضة، لأنه نطق "القروض" فخرجت منه وكأنها "القرود". واعتبرت ذلك عنفاً من شريف عرفت عنه العبارة الناصعة والذوق العربي المميز. أعطانا السيد الصادق حديثاً عذباً لأفضل البشر يحتاج له دعاة التسامح لكسر الاستعلاء اللغوي. والناس على دين ملوكهم. ولذا ما كنت أريد للسيد الصادق أن تحمله خصومة الشريف لعقد مقارنة بينه وبين بيدا ظلم فيها الأخير من حيث أراد تزكيته. وقد نظرت مؤخراً في أرنيك لوزارة التربية والتعليم وجدت فيه فيه سؤالاً عما إذا كان الطالب من "الأعاجم". فكلمة "عجمي" مشحونة بالإساءة واستخدامها في دولة متعددة اللغات فيه سوء أدب صريح. فأفصح العرب قاطبة عجمي متى استخدم لغة أخرى. 3-تصريح لمزارع من القضارف: رثاء زهرة الشمس بلغ من هول فساد موسم زراعة زهرة عباد الشمس بالقضارف هذا العام أن صاغ السيد التهامي عبد الله سليمان مأساته شعراً. وللتعريف الأفضل بالتهامي نقول إنه رئيس لجنة الإعلام باتحاد المزارعين بالقضارف. فقد تدافع المزارعون لزراعة الزهرة في مساحة مائتي ألف فدان. وخسر المزارعون من جراء فساد الموسم "عشرون ملياراً (جنيه) فهل نتعقل؟" أو هكذا قال الشاعر. فلم يحصد المزارع سوى شوال أو شوال ونصف هذا العام في حين حصل على سبعة شوالات في العام الماضي. ورد الشاعر هذه الخسارة إلى التقاوي المضروبة التي استوردها البنك الزراعي بواسطة شركة صافولا: والبنك مسؤول عليه رقابة ومن رام حقاً دون حقه يعزل والزهر مضروب وأمره واضح وشركات أرباح تحيد تضلل كنت قد بدأت الاهتمام بمسألة عباد الشمس منذ بدأت اخبارها الخاسرة تغزو الصحف. وكان النزاع بين المزارعين من جهة وشركة التأمين من جهة والبنك الزراعي من جهة ثالثة. فالبنك الزراعي متمسك بأن تقاويه عال العال. أما الشركة المؤمنة للمزارعين وهي شيكان (التي كانت ستدفع 70% من قيمة الخسارة) فتملصت من التبعة. وتذرعت بنص في عقد التأمين عن الإذعان الذي يعفيها من تعويض الخسارة. وهو نص غالباً ما لم ينتبه له المزارع في عقده معها. وقفت في تتبعي لمسألة زهرة عباد الشمس عند إعلان نتيجة منتظرة عن صلاح التقاوي أم فسادها. وجاءت النتيجة لغير صالح المزارعين. واسم هذه اللجنة بين المزارعين هي لجنة الإعيسر كما علمت من السيد هارون الصافي نائب أمين اتحاد مزارعي جنوب القضارف. وسبقتها لجنتان. الأولى حكمت بصلاح التقاوي. وحكت الثانية بفسادها. ثم جاءت لجنة الإعيسر وجددت حكم اللجنة الأولى. واستدعت الأطراف لجنة محايدة من جنوب أفريقيا (لا أدري إن كانت هي مصدر التقاوي اصلاً) لم تخرج على الناس بنتيجة بعد. وجدت في حديث هارون عقلاً كبيراً لم يتوقف عند المأزق الراهن للتقاوي بل وسع مستقبل الزراعة في القضارف. فهو مزارع منذ 1968 وعاش أيامها الطيبة. قال إننا جميعاً، مزارعين وبنك، بلا مصداقية. فقد اختلطت الأشياء. وهو يريد لهما أن يرجعا للعادة الأولى. كان فيها البنك شريكاً للمزارع. فهما توأمان في المبادرة الرأسمالية. فالبنك لا يرهن عقار المزارع بل مشروعه الزراعي. وكان يشرف على الزرع خطوة خطوة عن طريق خبرائه الزراعيين ويسند ذلك بالإرشاد الزراعي. ويجدول الصرفيات على ضوء تقارير مفتشيه بعد زيارات مرتبة للغيط. وكانت هناك خدمات وقاية النباتات. حتى التقاوي كانت تأتي من البحوث الزراعية التي لم تبق منها سوى خرائب في المدينة يستخدمها من أراد لخزن العلف. من رأي هارون أن الزراعة حساسة. وقال إن البركة انقطعت عن مال البنك الزراعي. فالمال مثل ماعون الروب إذا نزل فيه شيء يتقطع. وتقطع مال البنك عليه وعلى المزارع بالإعسار لأنه يستخدم ودائع البنوك الأخرى. وفيه مال سحت ملوث كثير. ومن جهة أخرى فهو لا يعفي المزارعين من الذنب بمطالبته أن لا يسلف البنك مزارعاً إلا على ضوء سيرة ذاتية في كونه مزارعاً مداوماً ملتزماً بالسداد. وهو يطلب أن يخرج الموردون للالآت الزراعية من حقول الزراعة لأنهم يستأثرون بالإعفاءات الجمركية عليها ولا يقع للمزارع منها شيء. ولكي ينتفع المزارع من هذه الإعفاءات فعلى البنك الزراعي تولي استيراد هذه الالآت وبيعها بالأقساط للمزارعين. من حق المزارعين على الدولة والمعارضة معاً أن يستمعوا لفكرتهم الكاملة عن محنتهم ولا يكتفوا بالإثارات السنوية حول موضوع الإعسار. فهم يريدون البنك الزراعي خالصاً لهم مزوداً بقدرات كانت تؤمن الإنتاج الزراعي من المفاجآت. فهم زاهدون بحسب قول هارون من هؤلاء الوسطاء في سوق استيراد الالآت الزراعية والتأمين الزراعي. فهم زوائد اثقلت على المزارعين. وهارون زاهد فيما يبدو في الموضات الطالعة مثل هيئة المواصفات قائلاً: كيف فاتت عليها التقاوي المضروبة؟ وأين هي من نزاع فسادها وصلاحها؟ وتحسر على كوننا قد أصبحنا كوشة العالم. وهذا ما قال به الشاعر التهامي صراحة: والداء أصبح ولا من آفة فإسرائيل تصنع والمصائب ترسل. فكرت طوال استماعي لهارون ما بوسع حركتي، القائمة الوطنية للنهضة -قون (التي أريد أن استنهاضها خلال مسعاي لفوز برئاسة الجمهورية)، أن تعمل لمزارعين في مثل هذه المحنة. وأطلعت من حضروا ندوتي في مدينة القضارف على فكرتي. فبوسع علماء تربة وبذور من أنصار الحركة أن يضعوا خبرتهم بصورة مؤسسية تحت تصرف اتحاد المزارعين (لهم أو عليهم) بما يسمى شهادة خبرة. وبوسعهم، متى كانت لصالحهم، أن يعرضوها على المحاكم. ومن شأن هذا العمل الخدمي لقون (مقابل رسوم) أن يخرق حجب السرية التي تحيط بأداء الدولة والكيانات المالية التي لا ينفذ أحد إلى حقائقها ولا دقائقها. يكفي أن ثلاث لجان فحصت التقاوي ولا يعرف أحد بالتحديد ما يطمئن إليه سوى النتيجة. أما إجراءات البحث نفسه فهي طيلسان كما قلت بندوتي في القضارف. وتبعة خبراء قون أن يزيلوا الحجاب عن الدولة وإنهاء طيلسانها لتشرق شمس الحقيقة والسياسة على المواطنين. 4-مركز مالك عقار الثقافي وحامد المطري وابو الجعافر إلخ رغبت قبل ترشيحي لرئاسة الجمهورية وبعد الترشيح في زيارة "ضريحين" أو رمزين للثقافة والكتاب. أما الضريح الأول فمقامه في المطمر في دار جعل المحروسة. وعنَّ هاتف روحي لي أن أسير إليه لأعزي آل المرحوم حامد المطري صاحب مكتبة المحطة الوسطى بالخرطوم في الستينات. وحامد ثالث ثلاثة من غمار الناس خلدوا في ذاكرة جيلنا الجامعي. فمنهم المرحوم حمودة العركي حلاق جامعة الخرطوم. كنت أغشى صالونه بالخرطوم بحري رغم أن صلعتي الناشئة او الناشبة كانت تذكره بغير كلل أن يحكي لي (وأنا تحت رحمة موس الحلاقة ومقصها) حكاية الأصلع النزهي الذي اختفى عن الرجل بأمر زوجته حين وجدهما في حالة خلوة. فزنقه الزوج زنقة كلب لحس الخمارة. وظننت أنه سيكف عن إعادتها عليّ ولكن هيهات. ثم كان هناك عم السر صاحب بوفيه قهوة النشاط بجامعة الخرطوم وليمونه الزلال وإشاراته الغزلة للجكس البعيدة القريبة. ثم حامد المطري الذي أسعفنا بالكتاب على ظمأ للمعرفة التي اشتبكت بمشاغل سياسية عاجلة. وكنا نريد لهذه المشاغل أن تنحل ب" فتح" الكتاب الصحيح. واذكره ربعة مائلاً للامتلاء سمح الوجه عليه شرط ودماثة. وحببني في زيارة قبره وعزاء أهله كلمة رثاء مسوؤلة كتبها رفيقنا محمد على جادين عنه. وفيها نعى مؤسسة نهلنا (وهي الشربة الأولى) منها وعللنا (وهس الشربة الثانية). وسبقه إلى تذكر عهد مكتبة المطري البسَّام الصديق محمد ابو القاسم حاج حمد ممتناً لخدمتها له وهو يعالج التأليف لم يكد يتخرج من المدرسة الثانوية بعطبرة حيث جمعنا الزمان. وكشفت عن خطتي لزيارة مطمر المطري لجادين وتواعدنا ولم نوفق. وما أزال أمني النفس أن البي هذا النازع الروحي للوقوف عند قبر هذا الوراق النبيه. أما الرحلة الثانية فقد قصدت أن تكون للدمازين أزور مركز مالك عقار الثقافي. فمنذ قرأت عنه بقلم يوسف عبد المنان (آخر لحظة 26-10-2008 وأنا أمني النفس بزيارته. ولما بدا لي أن طريقي الانتخابي سيأخذني لنواحي الصعيد اتفقت مع أبننا أحمد عبد الرحمن ممن نشأ في الدمازين أن نترافق في الرحلة. ولم يتيسر الأمر لظروف سفري للولايات المتحدة. ولكنها رحلة ستأتي وإن تأخرت وخاصة وقد علمت أن الصديق الأستاذ وجدي الكردي واقف على رأس إدارة المعهد.. علمت من كلمة آخر لحظة ما حبب إليَّ عقاراً في القراءة. فلم تحل شهادة الثانوية التي دخل بها الغابة ضمن كادر الحركة الشعبية، ولا شواغل القتال، من العناية الدقيقة بالإطلاع. فقد عاد من ميادينه بخمسة ألف كتاب وأثني ألف أسطوانة جعلها نواة للمكتبة. ولا أعتقد أن هناك من دخل الغابة دكتوراً مختصاً عاد بمثل هذا الحصاد الجميل من الثقافة. فقد خرج دكاترة الغابة ضيقاً بالثقافة: "بيض الصحائف (وهي السيوف) لا سود الصحائف (الكتب) في متونهن جلاء الشك والريب" او كما قال الشاعر. ثم وظف عقار وجاهته في الولاية ليبني هذا المركز على مساحة 3 ألف متر وكلف أرضاً ومبنى نحو نصف مليون جنيه سوداني. وقال عقار إنه بنى هذا المركز لأن الثقافة لأهله عبَّارة للمستقبل وللآخرين. وهذه عقيدة نادرة من بين متعاطي السياسة فينا. أسعدني هذا من عقار الحركة الشعبية التي حال استغراقها في الكفاح المسلخ دون أن تتحول إلى مدرسة علم ونظرية بغير سبب وجيه. ولم أر تعبيراً منها في قوة مركز عقار إلا خلال مدرسة الكادر التي دعاني معهد التدريب السياسي وإعداد القادة التابع لسكرتارية الشئون السياسية والتعبئة بالحركة الشعبية للحديث إليها في يناير الماضي عن موضوع الهوية. فقد أسعدني أن زميلي الدكتور أبكر آدم إسماعيل قد حط على هذا العش الثقافي ليعطيه جهده المتفرغ. كما غمرني عرفان جم بحضور الرفيق الكوماندر عبد العزيز آدم الحلو، سكرتير الشئون السياسية والتعبئة، محاضرتي وغير محاضرتي بمزاج تربوي رائق يذكر له لأنه مما يلهم قادة المستقبل في الحركة ويؤدبهم في احترام المعرفة وفن الاصتنات. لمركز عقار مهمة دعوت لها طويلاً. فقد استرعي انتباهي منه أنه سيعني بلغات الفونج وغيرهم من سكان ولاية النيل الأزرق وتاريخهم ودورهم في بناء الوطن. وكنت دعوت دائماً في معرض اهتمامي بحفظ ونشر الثقافات غير العربية ولغاتها أن يتكامل الجهد الأهلي مع الجهد الحكومي لتلك الغاية. فقد صدمني أن حولت صفوة هذه الثقافات واللغات مسألة بعثها إلى شعار سياسي لإحراج حكومة غير مكترثة حتى بنشر ثقافتها العربية بوجوها الكريمة الإنسانية. وتراخت هذه الصفوة عن تلمس طاقة هذه الثقافات عند أهلها لتفجير كامن عزتهم بها لتصب في مؤسسات من شاكلة مركز عقار. وقد ظللت أتحدث إلى صفوة النوبيين دائماً عن أرقي هذا. فقد أكثروا من التعبير عن ترويع اللغة العربية وثقافتها لهم. وفي هذا حق كبير. ولكن ساءني أن اكتفوا من هذا الشاغل الملح بشجب الحكومة الإسلاموعربية مرة بعد مرة بعد مرة. ولم يحركوا ساكن الجهد الأهلي صابراً مصابرا فاعلاً لنشر ما انطوى من ثقافة اهلهم. فكأنهم جعلوا تلك الثقافة مادة للتباكي عليها لا مادة للعبرة بها. كنت قد كتبت في الثمانينات عن "للكتاب أحزان في أم درمان" بعد إغلاق المجلس البريطاني والمكتبة المركزية فيها. واستبشرت بالطبع بمكتبة البشير التي حلت محل المجلس البريطاني بعد حذفه. ثم أرقني تشميع مركز القبة الخضراء الثقافي منذ عامين أو نحوه. ويسعدني أن أقول إنه ربما نحن على مطالع أفراح للكتاب بالسودان. فعلاوة على مركز عقار أسعدني خوض فرقة عقد الجلاد بكل جمالها تشارك منظمة "عافية سودان" لإنقاذ الكتاب بدعمه في مكتبات الجامعات والمكتبات العامة. فثمن تذكرة حفلات الفرقة التي ستقيمها لهذا الغرض ستكون كتباً لا نقوداً. وهذا فكر مبتكر. كما سبقني صديقي كمال الجزولي في روزنامته بالتنويه بجهود أبو الجعافر (جعفر عباس) في دعم المكتبة المدرسية والجامعية. وهذه أفراح متزاحمة منبئة أن البلد الطيب يحرج نباته طيباً. تفاءلوا بالوطن تجدوه. والله أكبر. 5-جريدة الميدان: يا عمال العالم بلاش دوشة لا أعرف إضراباً يتيماً مثل إضراب مستخدمي هيئة البريد والبرق البالغ عددهم فوق الألف المعلن منذ آخر فبراير لنيل استحقاهم كاملاً بعد خصخصة الهيئة. فكتاب الرأى عندنا في الصحف في شغل عنه بأكامبو وما أدريك. وانعقد مؤتمران حزبيان قبله وفي أثنائه (الشيوعي والأمة) لم يصدر عنهما حسب متابعتي ما يفيد أنهما اخذا علماً بالإضراب وانهما يسندانه. فقضية مستخدمي البريد هي شاغل معلوم للمعارضة التي عدت الخصخصة من جرائر الحكومة . ولكن المعارضة بسلبيتها حيال إضراب مستخدمي البريد والبرق بدت مهتمة بترويج الخصخصة كمفسدة محض للإنقاذ ومأكلة لا قضية تستنهض الهمم لمكافحتها أو التوقي دون شرورها. فلو كان ذلك الاستنهاض هدفاً للمعارضة لوقفت مع مستخدمي البريد وقفة رجل واحد. وليت الأمر اقتصر على تغاضي المعارضة عن الإضراب. فقد لمست في بعض أدب المعارضة كيداً للإضراب عجيباً. فقد كتبت "الميدان" في 10 مارس عنه كلمة استغربت صدورها من صحيفة أصلها في التضامن مع الحركة النقابية وكسب النصير لها. ومعلوم أن هذا الإضراب بدأ في 28 فبراير الماضي لنيل الاستحقاقات المالية المعروفة المتبعة متى خصخصت الدولة مؤسسة من مؤسساتها مثل هيئة البريد والبرق. وصفت الميدان نقابة البريد والبرق بالفشل في تحقيق أية مكاسب للمستخدمين الذين أٌلغيت وظائفهم بعد خصخصة مؤسستهم. وقالت إن المستخدمين تساءلوا عن جدوى الإضراب بعد امتناع وزير المالية عن التصديق بأي من تلك المستحقات في اجتماعه بالنقابة. وعدت الجريدة هذا الاجتماع الخائب دليلاً على فشل النقابة. ولم تر الجريدة جدوى في تمديد النقابة للإضراب. وقالت إن العمال تساءلوا عن قيمة إضرابهم وحتاما يستمر. وجاءت الجريدة برأي لمستخدمة حجبت اسمها عن النشر قالت فيه "إلى متى يستمر هذا الإضراب وماهي المكاسب التي تتحدث النقابة عن تحقيقها خاصة وقد دخل الإضراب يومه التاسع." واضافت العاملة أن على النقابة أن تعي حقيقة فشلها في تحقيق مطالب المستخدمين وأنها تلعب في الوقت الضائع. وقالت إن العاملين ما زالوا معلقين بعد استلام خطابات الغاء الوظائف في 28 فبراير لا يدرون هل هم ما زالوا في الخدمة أم أن وظائفهم الغيت حقاً. ومن رأي الجريدة أن النقابة لم تباشر أية خطوات في المحاكم لمناهضة قرار الخصخصة بالغاء الوظائف الشيء الذي يعتبره القانونيون ضاراً بمصلحة العمال. لم أصدق أن اقرأ في جريدة الميدان مثل هذا التخذييل لإضراب نقابي ضد أضرار الخصخصة. و لا يقتصر سقمي من كلمة الجريدة (التي تدعو عمال العالم وشعوبه المضطهدة ليتحدوا) على خذلانها لعاملين في أمس الحاجة للتضامن بل هو أشمل من ذلك. فقد سقطت الجريدة من جهتين. سياسياً لما ذكرنا من أنها من المفروض ان تكون صحيفة للعاملين. وسقطت مهنياً في تعليق خلا من مقومات المهنة الصحفية في التبليغ والتعليق. فالجريدة لم تستمع إلا للناقدين للنقابة بما في ذلك جهات قانونية تخطئها لأنها لم تتخذ إجراءات معينة في وقت مناسب. ولم تسع الجريدة للنقابة لتعرف وجهة نظرها في أي من ذلك. فهي لم تحمل تساؤلات العاملة (التي فضلت حجب اسمها عن النشر) الواضحة إلى النقابة طلباً للإجابة. كما أنها لم تساءلها عن قصورها في مقاضاة الحكومة في الوقت المناسب حسب زعم جهات قانونية مبنية على المجهول. أرخت صحيفة الميدان أذنها لمستخدمين في البريد والبرق يائسين من الإضراب. وهذا كما قلت مستغرب من جريدة كان مؤسسوها من اشاعوا بين الناس أن سلاح الإضراب هو سلاح العمال المجرب لنيل الحقوق. وليس من فقه هذه العقيدة عن الإضراب أن يسأم الناس في جدوى هذا السلاح من بعد اجتماع فشلت النقابة في الحصول منه على حقوق للعاملين. ولم أر سبباً للميدان لتورد بغير تعليق قول العاملة حتاما هذا الإضراب الفاشل. فمن المفروض في فقه الإضراب أن يستمر حتى النصر متى تمت إدارته في شروطه الصحيحة. وعلى رأس تلك الشروط تضامن الميدان بالذات معه سياسياً ومهنياً. إضراب نقابة مستخدمي البريد والبرق ممارسة ديمقراطية لم تجد نصيراً من المعارضة. وسبب هذا الخذلان هو أن المعارضة لن تصدق وقوع مثل هذه الممارسة طالما لم تضع الإنقاذ تشريعات التحول الديمقراطي. وهذه من آفات سيادة الفكر القانوني على الذهن المعارض للنادي السياسي. فالإضراب في فهم هذا الفكر ليس تحولاً ديمقراطياً ولو طار واستطال. ولن يبدأ التحول الديمقراطي إلا بقانون. فقد وجدت حتى كاتب نابه في مقام السيد عبد العزيز حسن الصاوي ممن ينتظرون التحول الديمقراطي يخرج بقانون من الإنقاذ. فقال في مقال أخير إن التحول الديمقراطي (الذي وصفه بالعتيد) لا زال حبيس نصوص نيفاشا والدستور بفضل تلكؤ الإنقاذ وتهربها من استحقاقاته. و ما يطمع فيه الصاوي من قوانين للتحول الديمقراطي واجب التحقيق بالطبع شريطة أن نرى هذا التحول أيضاً حين يسعى بيننا في الأرض بدون إذن او تصريح من الإنقاذ. وهذا باب في فضل الممارسة ونفاذها. وكان إضراب مستخدمي البريد والبرق وما يزال هو ممارسة للتحول الديمقراطي من تلك التي تسبق القانون الذي ياذن بها. بل هو الممارسة التي تنزل مثل هذه القوانين إلى أرض الواقع. فما راح حق وراءه مطالب. فالحقوق تؤخذ غلابا.
| |
|
|
|
|
|
|
|