دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...توثيق.
|
كم كان الخبر على صاعقا ومفاجئا عندما نلقيته من الاخ والصديق كمال محمد الحسن برحيل قامة صحفية وسياسية كبيرة تمثل لنا القدوة الحسنة فى السلوك والاستقامة والاخلاص للمهنة واعنى هنا مهنة الصحافة التى امتهنها فقيدنا وكان مدخله اليها من باب السياسة واشتهر بافتتاحياته السياسية الرصينة والقوية التى تعلمنا منها الكثير.. فهو من اقدم رؤساء التحرير لم تنقطع صلته بصحيفته طوال حياته سواء منعت صحيفته او سمح لها طوال العهود السياسية السودانية المتقلبة وظل وفيا لمهنته والالتزام بها حتى اخر يوم فى حياته ..
عندما تقرا افتتاحية التجانى الطيب فى الميدان تدرك على الفور ان كاتبها شخصا متفردا ومبدعافريدا ومثقفا من طراز سياسى يفوق اقرانه حيث تجد غزارة المعلومات والرؤية الواضحة الملتزمة بالخط الذى كان يؤمن به حيث تختلط المفاهيم السياسية بالمهنية الصحفية بالقدرات الثقافية والتعليمية والخبرات المتراكمة على مر الايام والسنين التى مرت بالوطن .. لم التق من قبل بالاستاذ التجانى الطيب وكم كنت حريصا على مقابلته بالقاهرة عام 1996 عندما علمت بان الاخ والصديق صلاح ابوجبرة وهو من الاوفياء للاستاذ الراحل يسكن معه ولم تتم المقابلة لظروق خاصة علمت بها عندما التقيت مع الاخ صلاح ..ولكن منذ ان تفتحت عيناى على قراءة الصحف كنت من المداومين على قراءة الميدان وخاصة الافتتاحية منذ ايام الحكم العسكرى الاول والى الاخير فى فترات المنع والفسح ..والى اخر اقتتاحية قام بكتابتها قبل مرضه الاخير .. واتمنى ان اجدها لاوثقها هنا لشباب الصحفيين ليعرفوا ان العنوان بالاعلى ينطبق تماما على راحلنا الكبير ليكون قدوة لهم فى كل حياتهم المهنية .. العنوان بالاعلى اقتبسته من كلمة قوية كتبها الاخ ياسر عرمان وهو يصف فقيدنا بكل صدق عندما قل بانه مثال للاستقامة والاخلاص اردت انزالها هنا كعنوان ليقتدى بها كل صحفى سودانى مبتدىء .. نتواصل
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
الحركة الشعبية :
التجاني الطيب بابكر ..
صناعة الشجاعة والثبات في زمن الوجبات السريعة
خلسة رحل الاستاذ والمناضل الكبير التجاني الطيب بابكر أحد الاباء المؤسسين للحركة الديمقراطية التقدمية السودانية وأحد الكبار المنحازين للفقراء والمحرومين والمهمشين. والتجاني الطيب صنو للثبات والجلد ومضاء العزيمة انسان رفيع لايخطئ في معرفة القضايا العادلة أو معرفة خصومه . لم يتزحزح أو يتلجلج في صيف السياسة السودانية او خريفها منذ قاهرة المعز في منتصف الاربعينيات ولم يحفل بذهب المعز او سيفه . وهو من منظومة وعقد فريد من الرجال والنساء الذين شقوا عصا الطاعة عما هو سائد في أزمنة عصية على شق العصا.
يكفي تجاني فخرا أن رفقته الممتازة ضمت عبدالخالق محجوب وعبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة والجنيد على عمر وعزالدين على عامر والجيلي عبدالرحمن والانسان العصي على النسيان عبده دهب حسنين وبقية رفاقه . ومن شعب مصر ومناضليه رافق زكي مراد ومبارك عبده فضل ومحمود امين العالم ومحمد عباس سيد احمد واسماعيل صبري عبدالله.
وتمتع التجاني الطيب بصداقة واحترام قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان -جنوبين وشمالين - وعلى راسهم المفكر والزعيم جون قرنق دي مابيور اتيم. والتجاني الطيب مثل الطلقة المصوبة من قناص ماهر لا تخطئ هدفها مطلقا, وظل على الدوام مثالا للاستقامة والاخلاص في القضايا الوطنية ولا غرو في ذلك فوالده الطيب بابكر كان في معية الزعيمين على عبداللطيف وعبيد حاج الامين . والاستاذ التجاني الطيب مدرسة في العمل الصحفي والحزبي الملتزم وذو مقدرة فائقة على صياغة وكتابة المواقف السياسية الرصينة وهو أحد اساتذة جيلنا والاجيال التى تلت تاسيس الحركة الوطنية الحديثة ضد الاستعمار البريطاني. وأناسا مثل تجاني الطيب ومحمود محمد طه والحاج مضوي محمد احمد وجون قرنق دي مابيور ويوسف كوة مكي والحاج نقدالله (متعه الله بالصحة والعافية) وأمثالهم يقدمون نموذجا لاغنى عنه لاجيال المستقبل في الثبات والاقدام والالتزام السياسي والاخلاقي عالي الكعب والهمة في تضاد مع ثقافة الوجبات السياسية السريعة .
وتتوجه الحركة الشعبية في شمال السودان قادة وقواعد بالتعازي الحارة لاسرته وأصدقائه ومعارفه وحزبه الشيوعي ولكافة الوطنيين السودانيين الذين يعز عليهم رحيل الاستاذ التجاني الطيب .
وانا لله وانا اليه راجعون. ياسر عرمان الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان
---------------
في وداع المثقف النبيل ( التجاني الطيب بابكر)
عبد الله الشقلينى
هذا عام رحيل الأوطان ومن يحبونها ، فقد رحل الوطن منذ التاسع من يوليو الماضي ، وذهبت هوية لما تزل تجري جيناتها في دمائنا، والآن يسير في الموكب المهيب الأستاذ " التجاني الطيب ".
لبس النُبل جُبتهُ و ملامحه. كوجه ثقافي عفّ اليد و اللسان . يحمل الأوصاف التي انعدمت لدى كثير من معارضي فكرته وحزبه ، من الذين وصفوا أنفسهم بالرساليين ، من الذين لبسوا أثواب العقيدة وتحدثوا باسمها حتى صاروا يعتمرون حُلة القداسة ، فقرارهم وأفعالهم يصدقون أنها زاد التقوى والصلاح . ليس بينه وبين هؤلاء يصلُح مكيالاً للقياس .
هو مُثقلٌ بالكثير من المعارف . واسع الثقافة ، صبور على رزع الوعي وجني الثمار . صبور على خصوم فكرته . اختار قضيّته ونذر نفسه لها منذ وقت مُبكر من أربعينات القرن الماضي . وبإرشاد المثقف " عبده دهب " اختار الانتماء للفكرة مع رفاقه من مصر : زكي مراد ومبارك عبده فضل ومحمد خليل قاسم ، ومن السودانيين كان برفقة عبد الخالق محجوب ومحمد أمين حسين وعز الدين علي عامر " .
كان ولم يزل حتى رحيله وفياً للفكرة التي أراد أصحابها أن يكوّنوا حزباً يأخذ من تراث الإنسانية ومبادئ الاشتراكية منهاجاً ، ويقيمون مواءمة بين واقع وطنهم و المبادئ التي تنصر الضعفاء والفقراء وتقف ضد التطور الرأسمالي ، وبين النهوض ضد الذين يريدون جرّ الوطن إلى أيديولوجية الماضي وتأجيج صراع التخلُف . في العام 1945 تم الاتفاق على تسمية التنظيم السوداني الوليد باسم ( الحركة السودانية للتحرر الوطني ) ( حستو ) والذي تحول فيما بعد إلى ( الحزب الشيوعي السوداني ) وصار إلى تاريخه أحد قادته ، وكان ضمن من اختارتهم جماهير حزبهم ضمن فعاليات المؤتمر الخامس .
كتب في الصحافة منذ وقت مُبكر ، ففي صحيفة الصراحة لصاحبها الصحافي المخضرم الراحل " الأستاذ / عبد الله رجب " ، كان "التجاني الطيب بابكر " ضمن كوكبة من الكتاب ، منهم : حسن الطاهر زروق ومحمد سعيد معروف وعبد الماجد أبو حسبو وأحمد محمد خير والوسيلة وقاسم أمين وعبد الخالق محجوب .(اختار أبوحسبو لاحقاً الحزب الوطني الاتحادي)
كتب " التجاني " في صحافة حزبه التي أسسها ، وقد أسهمت المجلة غير الدورية " قضايا سودانية " التي كان يشرف عليها في المساهمة في التنوير الذي رغبه الحزب الشيوعي .ليس لدينا سعة لحصاد ما قدم ونحن في صدمة الرحيل ، أن نُحصي أيادي الخير التي أمدها هو ورفاقه ، كمؤسسين للحداثة منذ الأربعينات ، وكانت كتاباتهم من مصادرنا للقراءة النقدية المُبكرة ، وعدم الاستسلام لحكم العادة .قد نختلف مع رؤية حزبهم وقد نتفق ، ولكن للحق قول لا بد منه .فقدت الأمة برحيله سنداً في المُلمات ، وفقد حزبه قامة باسقة ، قدم ما لم يستطع غيره التقديم ، وهب كل سنين عمره لقضية حزبه ووطنه ورحل .
ملايين الورود تتفتح في ذكرى البطل النبيل الأستاذ "التجاني الطيب بابكر " . ألف رحمة عليه ونور يضيء طريقه وهو متسربل بحُلل الذين سلِم المُسلمون من لسانهم واليدُ ، وبإذن مولاه لمآل الذين يحبهم ويختار مثواهم نعيماً مقيماً.
* -------------------
التجاني الطيب بابكر: هل نشلتنا الأحزاب السياسية؟ صديق محمد عثمان
لم التقي الأستاذ التجاني الطيب بابكر في حياته إلا مرة واحدة بعيدا عن الوطن ، ولكن ثمة بروتوكول غير مكتوب يمشي أفقيا بين التنظيميين في الأحزاب السياسية ، يذخر هذا البروتوكول بسير ذاتية لرجال من معادن فريدة لا تملك وأنت تطالع سيرهم غير المنشورة أو المشهورة أن يتملكك غضب من نوع خاص . غضب من انتماؤنا الحزبي الذي يبدأ باعتناق الأفكار التي ستحرر الملايين من البشر وينتهي بنا في قيود من فولاذ الإنتماء الضيق . لا شك عندي أن فقد عم تجاني رزية للحزب الشيوعي ما بعدها من رزية ، وأصدق أكذب الشيوعيين لو أنه بكى عم تجاني بادمع ثخينة ، ولكن ... ليس أدل علىى ما أقول أن النائحين على العم التجاني الطيب جميعهم من شباب الحزب الذين ما كان يمكن أن يتوفر لهم لقاؤه إلا في إطر تنظيمية ضيقة أوسعها صحيفة الحزب ، هل رأيتم كيف نشلنا الشيوعيون؟!!!
سألني عم تجاني عن زملائي من الشيوعيين في الجامعة . وأنا كنت أدرك أنه يمارس تمحيصا بديلا للتمحيص الإجتماعي الذي تقوم به إذا تقدم شاب لخطبة ابنتك ، ولكن اللقاء لم بكن لمناسبة اجتماعية كما أن عم تجاني نشله الحزب الشيوعي منا منذ زمان بعيد ، ثم نظر في عينيه فقرأ فيهما مبدئية لا متناهية ومصابرة من نوع فريد ، وإنضابط يخزي عيون المناهج العسكرية ، وإلتزام بالقضية التي يؤمن بها يفت عزم مزالق الهوي والتغرير والإنكسار ، فعلم أنه قد وقع على صيد ثمين ، والحزب الشيوعي مشت الركبان بحديث بخله ، فكان من الطبيعي أن يكنكش في عم التجاني بكلتا يديه ، ولو علم الحزب الشيوعي أن أمثال عم التجاني ليسوا في حاجة إلى كنكشة حزبية تكبتهم ، بل هم في حاجة إلى كثير من العون على كسر إسار الإنتماء الضيق .
كثيرا ما امازح اصدقائي من الشيوعيين بان الحزب الشيوعي يتحمل دية الفنان الراحل مصطفي سيداحمد فعلى شهرته التي أطبقت على آفاق الغناء السوداني فقد أطبق الحزب كلتا يديه على رقبة مصطفى حتى يخيل اليك أن الحزب لو امتلك المقدرة على تلوين كلمات أغنيات الفنان العاطفية لفعل ، لا توجد رابطة كلية أو جمعية ثقافية في جامعة أو رابطة إقليمية في كلية لم يتغنى لها مصطفى حتى أطلقنا نكتة لأواخر ثمانينات القرن الماضي أن الحزب الشيوعي سيبدأ اقامة حفلات أعياد الميلاد على انفام مصطفى سيداحمد خرج الدكتور عمر نور الدائم والعم أحمد عبدالرحمن محمد من سجن ودمدني الذي دخلاه مع انقلاب الانقاذ لبضعة أشهر ، وبدلا من التوجه مباشرة إلى الخرطوم طلبا من الحاكم العسكري لمدينة ودمدني حينها اللواء عبدالوهاب عبدالروؤف أن يوفر لهما سيارة للتنقل بين قرى الشكابة ومارنجان وشلعوها والكريبة والبساتنة وغيرها من القرى المحيطة بمدينة ودمدني ، ولما استغرب الحاكم طلبهما قالا له أنه خلال فترة حبسهما حدثت وفيات عدة في هذه المناطق وقد كان عدد من معارفهما من هذه المناطق قد استطاعوا التحايل على الاجراءات الامنية وزيارتهما في المعتقل، ولا يمكنهما أن يغادرا المنطقة قبل أداء واجب العزاء ، لإاسقط في يد الحاكم وأضطر إلى الإستجابة لطلبهما على مضض ، الدكتور عمر نورالدائئم عليه الرحمة والعم أحمد عبدالرحمن نموذجان جيدان للنخبة التي كسرت قيود الإنتماءات : الإنتماء إلى طبقتها النخبوية الصرفة ، والإنتماء الفكري لحظيرة الحزب التي تنسج حولك غزلا من خيوط المسئوليات الحزبية والاجتماعات التي لا تنتهي إلا وقد انتهيت أنت نفسك إلى ملكية خاصة بالحزب.
رحم الله العم تجاني الطيب بابكر وغفر له والهم اهله وزملاؤه حسن العزاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
التجاني الطيب بابكر (1926- 1011 ) ارضا قطع ,وظهرا ابقى .. بقلم: د. عبدالسلام نورالدين السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2011 08:11 [email protected] -1- جبل مرة الحزب الشيوعي
لقد خر صريعا صباح الثالث والعشرين من نوفمبر 2011 "جبل مرة" الحزب الشيوعي السوداني التجاني الطيب بابكر وانفلق بذلك أخدود عظيم ذو نتواءات وشعب يفصل بين ثقافات وافكار وتوجهات اجيال كثير عديدها ظلت تتدافع و تصطف وتتلاطم وتتحد داخل هذه المؤسسة التى بلغ عمرها سن التقاعد الاجباري في بلد كالمملكة المتحدة (65 عاما) وظل الاستاذ التجاني الطيب عبر كل ذلك الزمان غير القصير وفي سياق سباق الاجيال وتنازعها وتلاحمها كجبل مرة يصل بين سلاسل بركانية عديدة ويوائم مناخات لفصول متباينة ويزن ويوازن بين حاجات اكثر من تربة وتواريب محسنه تلائم أكثر من بيئة لتنمية تقاليد قوميات وطبقات وفئات وقبائل وشخصيات فيؤلف ويزاوج بينها بنسج سديد ونظرحصيف فحافظت هذه المؤسسة بفضل ذلك على خضرتها واعشوشابها وتدفق ينابيعها وطيبات عطائها رغم البلايا والرزيا والاحن والافات التي اصابتها عبر مسيرتها المحفوفة بالمزالق والكبوات والترصد لها بالضرب والطعن والأغتيال وكادت أن تبيدها فاستقوتها بفضل التراث والاصالة التي مثلها وتمثلها التجاني الطيب الانسان والفكر والجيل الذي كان نقيضا في كل تفاصيله اليومية للمنبت الذي لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقي.
-2- التجاني الطيب يتسلق جبل ايفرست ويصل الى قمته ويعود الى قواعده سالما ما اشبة التجاني الطيب الذي تسلق جبل الحياة الشاهق بصواعقه الداوية وعواصفه العاوية أكثر من مرة ووصل الى قمته ثم عاد الى قواعده سالما والتي اختتمها بشرف كما قد عاشها بنبل ومات وعيناه الى النجوم وانفه مرفوع ما أشبة بمتسلقي ايفرست بسلسلة جبال الهملايا للوصول الى قمته . يكابد المتسلقون في سبيل ذلك المخاطر والاهوال ويعبرون قبل الوصول الى شماريخ القمة بما يسمي وادي الموت حيث"تغطي طبقات من الثلوج جوانب هذا الجبل، على الرغم من أن قممه وحوافه خالية من الثلوج بسبب شدة الرياح التي تهب عليها، الجدير بالذكر أن الظروف المناخية المحيطة بالجبل غير مواتية على الإطلاق للحياة النباتية والحيوانية"
" يقول الجولوجيون عن أعلى جبل في العالم "منذ حوالي 200 مليون سنة انفصلت شبه القارة الهندية عن قارةٍ جنوبيةٍ عظمى كبيرة جداً تدعى " غوندوانا ". واندفعت إلى الشمال الشرقي عبر البحر واصطدمت بالكتلة الأرضية الآسيوية. وكما يحدث عندما تصطدم سيارتان وجهاً لوجه، فتتهشمان وتتراصان ثم ترتفع كلٌ منهما باتجاه الأخرى، فإن هذا ما حصل مع هاتين الكتلتين الأرضيتين الهائلتين، عندما اصطدمت إحداهما بالأخرى، فتجعدتا وانطوتا ثم ارتفعتا لتشكلا أعلى الجبال في العالم، ومنها جبل إفرست الذي يبلغ ارتفاعه 8848 متراً
" اذا وجهت سؤالا للنساء والرجال الذين هجروا احبابهم في بلاد مجتمعات الوفرة وتخلوا عن طيب خاطر عن حياة مترعة بالمباهج وزهدوا في محافل مخملية لا تهب عليها الهبوات الجليدية فتنهار جلاميد الصخور التي تحطها التشققات والسيول من عل فتهبط وبها مئات الاطنان على رؤوسهم فلا يعثر لهم الى الابد على اثر اذا سألتهن وسألتهم ولم كل هذه المشاق وهذا العذاب في تضريب السيقان والرؤوس والاعناق في عرض جدار الموت الصخري بالهملايا لاجابك أحدهم هذا اذا كان على طرف من اخبار التجاني الطيب بابكر ولماذا اختار ابن العركيين من شندي درب الماركسية والاممية العسير منسلخا من بشرة القبيلة وحبلها المتين والتي لا تكلفه سوي أن ينعم بحمايتها وينال رضاها ولن يناله الضر انى سار واتجه ولماذا تخطى سليل الطريقة التجانية اسوار السيد أحمد التيجاني والسيد ابن عمر والسيد الحافظ ومن والاهم في "خرسي " وبربر والتي لا تكلفه سوي حفظ اورادها وحزبها ومولد سيد كمالها ليتلقى تباريكها وصونها وعونها وبدلا عن كل ذلك استغرق بجهد "هرقلي" في كتابات ماركس وانجلز ولينين وجرامشي وباليميرو تولياتي وموريس كورنفورث في وقت كانت فيه الامبراطورية البريطانية التي تهيمن على السودان تقف بكل جبروتها وطغيانها لقارئيها ومعتنقي تعاليمها بالمرصاد تفصلهم من مدارسهم وتطردهم من وظائفهم وتسد عليهم المنافذ فاذا لم يرعووا عن "غيهم" زجت بهم في سجن كوبر والرجاف ونواقشوط ؟ ولماذا فضل التيجاني بن الشاعر المرموق في الحركة الاتحادية الطيب بابكر الذي حقق ونشر ديوان بابكر التليب بعد عامين من ميلاد التجاني 1928 لماذا فضل أن ينزح بعد أن فكر وقدر من الطبقة الوسطي التي ولد فيها ومن الاحزاب الاتحادية التي كان ابوه شاعرها ومن مناضليها الشارقين ولماذ تباعد التجاني عن أجواء ومناخا ت "ابناء البلد" أحفاد الزبير باشا الذين آل اليهم الاستقلال في 1956كما أطلق عليهم عبدالخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة (1965 ) لماذا -تخلى وتباعد نازحا من كل ذلك لينضوي بمشئيته واختياره الحر الى حلقة ماركسية صغيرة لخدمة شئؤون العمال وظلت تسبح بحماس ضد تيار بحر زخار ملاحوه الاشاوس من الاشقاء والاتحاديين والاستقلاليين ؟ اذا تأتي لك أن تنقب خلف العلل والدواعي بعيدة الاغوار التي حدت بالتجاني الطيب بابكر ان يستجهل منازل اليسر والدعة ليركب منذ شبابه الاول حتى وفاته اليوم صهوة خيار الخطر لتكشف لك لماذا اولاء الطراز من البشر الهملايا لبلوغ قمة افرست.
-3- لا افتخار الا لمن لا يضام
يلخص لنا التجاني الطيب بتواضع مسيرة ذلك الخيار امام المحكمة العسكرية (محكمة امن الدولة) التي قضت بالحكم عليه بالسجن عشر سنوات في اكتوبر1982 ( ليست هذه اول مرة اواجه فيها القضاء، فانا مناضل منذ الصبا الباكر، اي قبل اكثر من اربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود الى ابي و معلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي و ظل وطنيا غيورا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود الى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل اعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة. و انني اعتز بانني كنت من المبادرين و المنظمين البارزين لاول مظاهرة بعد 24 و هي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، و اعتز بانني كطالب في مصر اديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار و حكومات السراي و الباشوات و نلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة و قطع دراستي، واعتز بانني شاركت مع رفاق اعزاء في كل معارك شعبنا من اجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطي، و قمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية و تنظيماتها و نقاباتها و الحركة الطلابية و اتحاداتها، و اعتز بانني في سبيل وطني و شعبي شردت و اعتقلت و سجنت و لوحقت و انني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما اعتز بانني ما زلت مستعدا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن و سيادته تحت رايات الديمقراطية و الاشتراكية. و لست اقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا اجد تمام قيمتي و ذاتي و هويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا و قواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم و تطلعات و اهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا و معاركه الشجاعة التى بذل و يبذل فيها المال و الجهد و النفس دون تردد في سبيل الحرية و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد و هذه القيم و التطلعات النبيلة. ان هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى و انما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله و التطلعات التى اعبر عنها.. و لكن هيهات. وشكرا على سعة صدركم) سيظل دفاع الاستاذ التجاني الطيب أمام المحكمة العسكرية في عام 1982 التى حوكم فيها بعشر سنوات سجنا غير مكتمل البيان والمغزى اذا لم يقترن بقراءة دفاع اخر توأم قد جرى قبله بثلاث وعشرين عاما 1959 قدمه عبدالخالق محجوب في المحكمة التي اقامها نظام 17 نوفمبر والتي عرفت في تاريخ المحاكمات السياسية في السودان بقضية الشيوعية الكبرى نيابة عن كل المتهمين ومنهم عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة وقد احضر كل من سمير جرجس والتجاني الطيب من معتقل نواقشوط بالجنوب واخرين كالزبير العوام (صحيفة الرأي العام الغراء بتاريخ الأحد 11/ 10/ 1959. .ولما لم يكن الاستاذ التجاني الطيب في عام 1982 في قاعة للمحاضرات العامة بل كان يواجهه محكمة أمن الدولة في نظام أحمق متوحش اغتال الاعز في اصدقائه ورفاقه وزج بالاف من زملائه في غياهب السجون لم يكن متاحا أو ميسورا له أو مناسبا التذكير بفحوى الدفاع التاريخي في قضية الشيوعية الكبري في 1959 ومع ذلك فقد حافظ التجاني علي لب الدفاع القديم ثم أضاف واربي. لقد أتاح النظام القضائي في 1959 الذي لم يفارق بعد التقاليد العريقه التي ارساها البريطانيون في التقيد بحرفية القانون اللبيرالي الاصول للاستاذ عبدالخالق محجوب ولرفاقه من هزيمة المحكمة في سياق الوقائع المقدمة وفضح التلفيق والتزوير وتهديد الشهود الذي زاوله أحمد ابارو مساعد الوكيل الدائم لشئوون الامن بوزارة الداخلية للوصول لنتائج لا علاقه لها بالقضية الكبرى المثارة . رمي الاستاذ عبدالخالق في دفاعه لفضح من يقف خلف الكواليس التي أتي منها نظام 17 فنوفمبر1958 وان العداء له سابق لعشية الانقلاب ثم توغل الاستاذ عبدالخالق في تبيان لماذا يمم عقله ووجهه شطر الشيوعية وماذا تعني في ذاتها وماذا تعني بالنسبة له ثم ختم الاستاذ عبدالخالق دفاعهم بابيات دلالتها التصدي والتحدي لطغمة الاستبداد وقد عناها معني ودلالة الاستاذ التيجاني في تصديه وتحدية لمحكمة أمن الدولة 1982
لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ
مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ
لَيسَ عَزْماً مَا مَرّضَ المَرْءُ فيهِ
لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عنهُ الظّلامُ
واحتِمالُ الأذَى ورُؤيَةُ جانِيـ
ـهِ غِذاءٌ تَضْوَى بهِ الأجسامُ
ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ
رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ
كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيرِ اقْتِدارٍ
حُجّةٌ لاجىءٌ إلَيها اللّئَامُ
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ
ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
4-مفتاح شخصية التجاني الطيب أبان الاستاذ التجاني الطيب في دفاعة أمام محمكة أمن الدولة 1982 بايجاز لا تسمح طبيعة تلك المحكمة باكثر منه- التالى 1-يعود الفضل لانضوائه في صفوف المناضلين للنهوض بالوطن لوطنية والده والى جيله من الشباب الذي حمل اعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة 2- انه لم يسع يوما الى مغنم ولم يتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم يتخلف عن التزاماته الوطنية كما يعتز بانه ما زال على استعداد تام لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التى كرست لها حياته (وقد برهن على ذلك لاخر يوم في حياته) 3- أنه يجد تمام قيمته و ذاته و هويته في خضم النضال الذي يقوده شعبه و قواه الثورية من اجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطية وبناء الاشتراكية حينما يبين لنا جبل مرة الحزب الشيوعي السوداني التجاني الطيب بابكر أنه يجد تمام قيمته وذاته وهويته في خضم نضال شعب السودان من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية وبناء الاشتراكية ويقرن ذلك بالحزم الصارم مع نفسه ومع تنظيمه وفي حياته الخاصة والعامة مستصحبا ابتسامة دائمة واحساسا شفيفا بالدعابة تنبع من اعماق روحه وانكارا للذات وبذلا للاخر وشعورا دافقا بالوفاء لمن غادروا من الاصدقاء ومن لا يزال على قيد الحياة ويجري كل ذلك في سياق ذكاء حاد وثقافة فلسفية ومعرفة بدقائق الحياة السياسية السودانية فانه يقدم لنا مفتاحا لمعرفة شخصيته التي لم تكن تبحث عن خلاصها الخاص أو تبرر وجودها ولكنها قد تكشف لها عبر سعيها الدؤوب ومسعاها لا نجاز مهامها المعني في الحياة التي ليست عبثا أو عدمية على الطريقة الوجودية أو الشعبية "اكل وشراب واخرتا كوم تراب" أو جشعا أو انغماسا في الحواس أو شعوذة فتسلقت تلك الشخصية جبل الحياة العظيم وركزت شعلها في اعلى قممه من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية وبناء الاشتراكية. العزاء لكل عرف الاستاذ التيجاني في حياته وعبر قلمه وفكره وانسانيته –العزاء لحزبه –والعزاء لاسرته والعزاء للشعب السوداني وغفر اللة له بقدر عمقه وبذله وسعة قلبه الذي خلى من الافات والاحقاد وبقدر عقله الذي خلا من الهلاويس والخزعبلات. د-عبدالسلام نوالدين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
التيجاني الطيب.. عندما تؤنسك الوحشة ..
بقلم: خالد فتحي السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2011 10:37
لعل حادثة الكاتب الصحفي فتحي الضو مع التيجاني الطيب بابكر تصلح لأن تكون مدخلاً منطقياً للتعرف على شخصية الراحل. فقد روى فتحي في جلسة ضمتنا اليه في أوبته الأخيرة من مهجره في الولايات المتحدة الأمريكية.. أنه التقى الراحل في القاهرة في ذات اليوم الذي وقعت حادثة الاعتداء على الدكتور حسن الترابي في مطار أوتاوا بكندا في 23 يونيو 1992م. يقول فتحي عن ذلك اللقاء الذي جمعه بالتجاني الطيب بعد حادثة الاعتداء على الترابي أن التجاني الطيب لم يستطع إخفاء غضبته مما حدث للترابي عند مصافحته التيجاني الذي ظنه يقاسمه ذات الإحساس الذي يشبه إشفاء الغليل. لكنه فوجئ بالتيجاني وقد تقطبت تقاطيع وجهه ورد عليه بلهجة حاسمة بأن هذا الأمر مؤسف وما كان يجب أن يقع. موقف التيجاني شكل صدمة لفتحي سيما وأن الترابي كان وقتها عراب الإنقاذ التي ناءت بكلكها على خصومها الذين ناصبتهم العداء وحاولت كسر شوكتهم وتمزيقهم شر ممزق.
الإمام الجنيد البغدادي رأى ذات يوم جثة لرجل مصلوب بسوق المدينة ولما سُئل عنه قيل إنه لص قطع يده فجعل يسرق بأصابع قدمه فقطعت حتى أعيت الحيلة والي المدينة فقتله وعلق جثته على أعواد فأطرق الجنيد قليلاً ثم مضى اليه وقبله بين عينيه فأثار فعله ذهول الحاضرين فسألوه لما فعلت هذا يا شيخنا فأجاب أمام المتصوفة "والله ما قبلته إلا لثباته على مبدئه"، موكب التشييع المهيب الذي شق شوارع المدينة القديمة من الثورة الحارة العاشرة صوب مقابر البكري والحضور الكثيف الذي غصت به ال########ة التي ضمت من قبله إسماعيل الأزهري والأميرلاي عبد الله خليل وصلاح أحمد إبراهيم وعلي المك وإبراهيم عوض وعمر الطيب الدوش وغيرهم أنبئت صراحة عن ذاك الأمر.. عبقرية أن تلتزم بما أمنت به.
الصحفية سامية إبراهيم التي لازمته لعام أو يزيد عندما عملت بجانبه مدير لتحرير صحيفة (الميدان) تحدث عن التيجاني ابتداءً باعترافها بأنها تهيبت واستهوت العمل بإمرته لما سمعته من حكاوٍ عن صرامته التي تبلغ حد القسوة. لكنها وجدت شخصاً مرناً ومتفاهماً للحد البعيد لم يحاول على الإطلاق أن يشعرها بأنها أصغر منه أو أقل بل كان شديد الحرص على الاستماع اليها والاستئناس برأيها فيما أوكل اليها، وكيف كان شديد الحرص على المؤسسية والتراتبية الوظيفية بدرجة انه لم يكن يسمح لنفسه أن يقرأ موضوعات الصحيفة قبل أن تمر عليها وتبدي رأيها فيها بوصفها مديراً للتحرير.
وعن دقته تشير سامية الى أن التيجاني كان دقيقاً للغاية في الالتزام بمواعيده وكان يأتي الى الاجتماعات قبل خمس دقائق بضبط من الموعد المضروب للاجتماع وتؤكد أن التروي وعدم الانفعال كان مما أزجى لها من نصح وتقول "أنا انفعالية بطبعي وزادت حدة توتري في الأيام الأولى من معاودة صحيفة الميدان للصدور وفي الاجتماعات كنت أجلس بجانبه فكان كثيراً ما يضغط على يدي لأهدأ ولا أنفعل". وتمضي لتقول ذات يوم جلس الي وقال لي أنت يجب أن تتوقعي انك ستلاقين نقداً من كل الاتجاهات لأن هذه جريدة الميدان وهي مؤسسة غير عادية ولسان حال الحزب الشيوعي ونصحني أن أقوم وأستمع الى الجميع وأن أرد على كل واحد منهم بانفراد بل اكتفي بتدوين ملاحظات صغيرة عن انتقادات كل أحد تمهيداً للرد على ما أثاروه مجتمعين. وفي نهاية المطاف اكد لي ان هذا الأمر سيؤدي الى تقليل حدة توتري وانفعالاتي. محدثتنا تقول بدهشة لازالت تقطر من كلماتها أن التيجاني كان مختلفاً في كل شيء حتى في إلزام كتاب الأعمدة بعدد الكلمات التي يتفق عليها مسبقاً وتقول إن مجدي الجزولي أظهر دقة في الالتزام بتوجيهات الصحيفة على العكس تماماً من فيصل الباقر الذي كان كثيراً ما يجاوز عموده عدد الكلمات المتفق عليها ويكون من نصيبه أن يعيد الى الأستاذ العمود لإعادته الى فيصل مع تنبيهه بضرورة الالتزام بالتوجيه.
وعن طريقته في إبداء رأيه في العمل تشير سامية الى أن التيجاني من رواد المدرسة التي لا تصرف في الثناء لذا تجده شحيحاً للغاية في التعبير عن رضاه عن أي عمل ومن صفاته المائزة أنه قليل الكلام يكثر من الإنصات ولديه حساسية مفرطة تجاه الشخص الذي يقاطع الآخر أثناء حديثه، وبالرغم من بلوغه الثمانين لكنه كان متأنقا، وأن ارتداءه الجينز والأحذية الأسبورت غالباً ما كانت مدخلاً لمداعبتنا له. أما عن أوقات سخطه فتقول إن المرة النادرة التي رأيته فيها غاضباً كانت بسبب خبر التقطته الصحيفة نقلاً عن وكالات الأنباء وكان عبارة عن تصريح لأرملة الراحل الدكتور جون قرنق بعد مضي عامين على رحيله وألمحت فيه ربيكا لأول مرة عن اعتقادها أن زوجها مؤسس الحركة الشعبية قد اغتيل لكن ورود عبارة المتمرد سابقة لاسم قرنق أثارت غضبه بشدة وسألنا كيف فاتت علينا حذف تلك الكلمة من متن الخبر.
وتشير سكرتير تحرير (الميدان) إيمان عثمان لـ(الأحداث) أنها تعملت من الأستاذ الصبر وإن أول ما لفت انتباهها اليه عندما قدمت للتدريب أوان صدورها في فترة الديمقراطية الثالثة دفعه للنساء ليتبوأن مقاعد القيادة وقتها شعرت كما تقول أن هذا الشخص من يمكني التعلم منه. وعن كيفية تعامله مع الرقابة الأمنية التي كانت تعاني منها الميدان - قطعاً - بأكثر مما تعانيه رصيفاتها من الصحف الأخرى. تقول إيمان إن شعاره كان ألا نهادن وأن نهاجم لكن بانضباط دون إسفاف أو مهاترة، هذا ما تعلمناه منه. وسألتها هل لمست ثمة اختلاف بين التيجاني أوان صدور الصحيفة بالفترة الديمقراطية وبعد صدورها في ظل نظام الإنقاذ؟ تجيب لم يتغير شيء على الإطلاق، كان نفس الشخص لم يكد يتغير في أوقات النصر وفي أوقات المحنة في الساعات الحلوة وفي الساعات المرة. وتنهي لوعتها عليه أنهم يحسون بوطأة فقده ويشعرون أن المطاردات والمنافي والسجون لم تدع لهم سانحة ان يتعلموا منه شيئا.
-----------------
وداعا ايها المناضل الشامخ
لأستاذنا وأبونا الراحل التجاني الطيب، لنخلة أمدرمان وشمعة الخرطوم، دعائي بالرحمة والراحة الابدية وبالجنة مثوى ومأوى ومستقرا.
كان المشوار طويلا يا رفيقنا، كان مضنيا ومرا لكن السودان اكبر كما قلت أبدا: سافرت طويلا، سافرت بعيدا، سافرت قريبا، حلقت في كل فضاء، أبحرت واجتزت البحار ولم تغرق في ساقية يوما، قدمت لبلدك ما يقال به وما لا يقال من أجل عيون عزة ، من اجل أن يعيش شعبك معززا مكرما حرا أبيا بكبريائه وكرامته،
أيها الرفيق الراحل عرفناك منذ فجر الثورات، عرفناك في ساحاتها وخنادقها ولحظاتها العصيبة والدامية، عرفتك في (أدوارها العليا) قائدا مدافعا عن مشروع الثورة الديمقراطية وأحلامها ونقائها مسرى ومجرى ومرسى من كل فكرة غريبة، لقيطة، مشبوهة الاصل والمنشإ وعرفناك في (أدوارها الدنيا) مقاتلا شجاعا في صفوف الجماهير ، عرفناك نسرا يحط كل مساء في قواعد النسور على حواف الوطن مرشدا وموجها ومثقفا مستعينا بمنجم الامم العظيمة ومخزونها من تجارب وعظات ..الحرية ..عرفناك مناضلا عنيدا (يعزف) كلمات الحرية والديمقراطية : ما اكبر الفكرة ما أصغر الدولة !!! عرفناك مدافعا وباسم وحدة الوطن والمصير عن حق شعبك في المقاومة ضد الطغيان والديكتاتوريات ، عرفناك قنديلا ينير العتمة بالامل لحظة انتكاسة الاحلام.. صمدت ولم تدفعك الاهوال التي اجتاحتك لتذرف ولو دمعة ندم واحدة تعتذر معها عما فعلت وما فعلت كان كبيرا أيها الكبير... صمدت ولم تجفف العواصف والاتربة التي هبت ولو قطرة وفاء واحدة لوطنك!!.....
عرفناك يا رفيق الأيام بل العقود الحلوة والمرة حينا والمرة والمرة أحيانا، عرفناك وميضا يعبر كل بيت وشارع وضاحية وحقل مبشرا بالأمل والخير والنصر القادم... عرفناك طبعة أخرى نقاء وتواضعا وشجاعة واخلاصا لأرض اجدادك عرفتك أستاذا في بناء الملاعب الوطنية لدى اخوانك ورفاقك عرفتك ثائرا استعصى على الدكتاتوريات ...
ها أنت ترحل أيها الرفيق الكبير وبلدنا لا يزال يحكمه الطغاة ، ترحل وبلدنا أحوج ما يكون للفرسان والحراس والمخلصين في زمن الفقر و الخراب... في زمن السراب السياسي واليباب..ترحل رمزا تاريخيا لزمن كان جميلا واعدا، مثقل السنابل بأقدس الاحلام ، ترحل... تلتحق بالرفقاء من جيل مناضل وقد بات معظم أبطاله في ذمة الله. ترحل وذكرياتك لا ترحل... ترحل وطيفك يحلق شامخا بيننا ولا يرحل، ترحل وفي ذاكرتنا ما كنت دائما تردده في أحرج اللحظات (لا يموت حق وراءه مطالب).
وداعا يا رفيقنا الكبير ألتجاني، وداعا أيها المنغرس روحا بأرض الوطن... وداعا أيها المناضل الذي سيبقى طيفه محلقا بين نخيل بلادنا وطين بلادنا ومساجد بلادنا وروابي بلادنا و في نيل بلادنا، ووطنا كان وسيبقى السودان الذي لابد وان ينجلي ليله يوما وان طال الزمن...
أحر التعازي للوالدة فتحية والاخت عزة والاخ محمد خالد وكل الاسرة الكريمة ..
اخلاص -أدم محمد عبدالمولي
------------------------
التجاني الطيب .. يا لها من حياة .. ! جيله حقق مكاسب كبيرة رغم انه لم يحكم قط.. وخلق وعيا انتج بلدا كان من الممكن ان يكون من الرواد فى المنطقة الخرطوم : ماجد محمد علي: ..
« لقد كنا مجرد شباب بسيط من عائلات فقيرة، ولكن ليس أمامنا وأمام الحزب إلا أن ننظم الجماهير الحديثة من طلاب وعمال ومزارعين ومثقفين وطلائع النساء. وكان على الحزب الشيوعي أن يطرح إلى جانب القضايا الوطنية العامة أيضا قضايا هذه الفئات ولذلك فقد نظم هذه الفئات فى نقابات واتحادات مزارعين ونقابات عمال واتحادات طلابية وخلافه». كان هذا مجتزأ من مقال كتبه التجاني الطيب، فهل يلخص فيما افني هذا الرجل العظيم «حياته»؟. فلم يغيب الموت قط بالاربعاء رجلاً عادياً عاش كما الآخرين، لقد حمل طائر الموت النقاد «التجاني الطيب» ?لذي قدم كل ثانية من عمره المديد للانتصار لقضايا الشعب السوداني، فى رحلة طويلة وعمل دؤوب سخر فيه «الشيوعي الملتزم» من نواميس الدنيا غير العادلة وعاديات الحياة. فمنذ أن تفتحت عيناه في مدينة شندي في منتصف العشرينيات لم يتبع الرجل غير طريق النضال ضد المستعمر الذي كان يجثم على صدر البلاد ممسكاً بخناقها، حارب كما رفاقه حين ذاك الجهل السائد والتخلف والامية والاستغلال جنباً بجنب ضد الانجليز، لم يركن الى المسالك التي اتبعتها اسرته باتحاديتها المشهودة ؛ وللمفارقة كان احد اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الوقت ?لذي حظي فيه شقيقه احمد الطيب بابكر بعضوية المكتب السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل، وتشاء الاقدار ان يرحل الشقيق الاتحادي قبل اشهر معدودة من رحيل التجاني الطيب. يشير القيادي فى حزب البعث السوداني محمد وداعة الى التأثير البالغ لنشاط ذلك الجيل وفى قلبه التجاني، على المجتمع السوداني فى تلك الفترة حالكة الظلام، ويقول الرجل لـ» الصحافة» ان رواد الحزب الشيوعي هم اول من نادى بالاشتراكية والمساواة بين المرأة والرجل وصيانة حقوق العمال والضعفاء. وان دعوتهم التي سرت فى المجتمع السوداني لعقود علاوة على كفاحهم من?اجل تحقيق هذه الاهداف، اديا الى المكاسب التي تحققت لتلك الفئات، والى التنوير الذي سرى فى الشعب. واشار وداعة ان ذلك الجيل من الرواد ـــ جيل التجاني ــــ حقق وساهم فى مكاسب كبيرة،رغم انه لم يحكم قط، وخلق وعيا داخليا واقليميا انتج بلدا كان من الممكن ان يكون من الرواد فى المنطقة.
النضال النظيف عرّف التجاني معنى النضال النظيف، ومغزى ان يعيش السياسي مؤمناً بقيمة ما يحمل من افكار، حتى المنعطف الاخير، وبأن العالم صار في ظل العولمة وغياب قوة لجم يسارية للرأسمالية، كما ابرز هو فى «الميدان»، خراباً اجتماعياً وأخلاقياً وسياسياً. عالم بلا صراخ ضد الظلم والعدوانية واستغلال الإنسان. بلا أشباح تخيف الرأسمالية، وبلا قيمة أخلاقية إيجابية. وبين التجاني قدرات كامنة فى ذوات الناس على الصبر واحتمال اغراءات التنازل والسقوط من شرفة الضمير. معرياً بجدارة وبهدوء ما شاب به البعض ــــ من جماعة «سياسيين بلا عهود» ـــ ج?هر العمل السياسي، وقدم بذلك تجربة نادرة لجيل يتطلع لتجارب سياسية نظيفة يقتدى بها، وهو يهم بالانخراط فى مسار طويل وملهم اختطه شرفاء هذه البلاد من كافة الاحزاب والقوى الاجتماعية الحية.
ميت الداء كتب احد الشباب الذين جرعهم التجاني تجارب العمر وخبرة النضال النظيف ابان منفاهما الاثنين فى قاهرة المعز، خلال الاحتفال الاسفيري بثمانينية ـــ معلمه فى مدرسة الكادر،» شاكر»، كتب عن التجاني، فقال: انه مناضل نادر المثال .. ميت الداء .. سياسى لا يخون شعبه .. يعمل فى صمت وتجرد ونكران ذات .. لا تتنازعه الأهواء .. واضح الموقف وجليه فى سياسة ترزح تحت الشبهات .. ثابت الموطن، ثاقب البصيرة، حاضر الذهن فى أحلك اللحظات .. هكذا تحدثنا سيرته الماثلة بيننا فى العمل العام، ارتبط أسمه بطيب الذكر والنضال المجيد منذ نعومة أظفا? الحركة السياسية الوطنية فى السودان .. المناضل التجانى الطيب بابكر من جيل الرواد .. وأحد أبرز مؤسسي الحزب الشيوعي السوداني .. مناضلاً حق للحركة الوطنية أن تفخر به كرائد من روادها وابناً شرعياً لها يمثل نضوجها الواعي وسدرة منتهاها قدوة ومثالا للمناضل المبدع الملتزم تجاه قضايا أمته، متنزهاً طوال تاريخه الثر المستمر عن عرض المطمع .. ارتبط فى ريعان شبابه بالنضال الوطنى ضد المستعمر حتى تحقق الجلاء .. وساهم مع رفاقه عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وغيرهم من الرعيل الأول فى تأسيس الحزب الشيوعي السوداني .. وهو?منذ دراسته الجامعية فى جمهورية مصر العربية فى أواخر أربعينيات القرن الماضي وحتى الآن فى حراك دائب، وهمة لا تفتر، وهامة لا تنحني، انحيازاً كاملاً منه للطبقة العاملة وجمهور الكادحين فى الأرض، مناضلاً اممياً صلباً وغيوراً لا يخاف فيما يعتقد لومة لائم .. ولا تعرف عنه سقطة طوال مسيرته العطرة، قائد يعبر عن تكامل السلوك الشخصي وسمو المباديء التي ينادي لها. عرفته محاضر الحزب الشيوعي السوداني بالاسم الحركي شاكر، متصدياً وفي الصدارة لمهام وطنية جسيمة ومحفوفة بالمخاطر في القلب النابض لليسار السوداني وعميده الحزب الشي?عي .. عماداً وعميداً لكليهما دون منازع . ولازم هذا الشاب التجاني طيلة وجوده فى القاهرة ابان نشاط التجمع الوطني المعارض، ولكن شهاب الدين عبد الرازق عبد الله محمد وهو من سطر الكلمات الانفة ظل مقيماً بالقاهرة؛ بعد مغادرة التجاني اياها فى اول رحلة بعد توقيع اتفاق القاهرة بين الخرطوم ومعارضيها، وهو ما ظل يعلن عنه التجاني الطيب طيلة الفترة التي سبقت التوقيع، وهذا ربما يدلل على قراءة صائبة للرجل لمستقبل العمل المعارض بالخارج ـــ حينذاك ــــ فى ظل توقيع اتفاق نيفاشا. بقي شهاب وكثيرون قابعون فى منافي اخرى لان قناعتهم ظلت بأن الجبل تمخض فولد فأرا.
ونقل لنا صحافي سوداني عاصر عمل المعارضة السودانية بالخارج، ان التجاني ظل اثناء المفاوضات بين التجمع والخرطوم ساكناً كالريح فى يوم قائظ، ولم يخرج عن هذا السكون الا فى المؤتمر الصحفي الذي اعقب التوقيع على اتفاق القاهرة مباشرة برعاية المخابرات المصرية. فقد استحسن «شاكر» السؤال الاخير الذي قدمه احد الصحفيين السودانيين حول ميوعة صياغة احد بنود الاتفاق، وهو بند يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي طبقتها الانقاذ وافقرت الشعب السوداني، وفتقت النسيج الاجتماعي. ورغم ان صياغة السؤال تقدح فى التزام التجمع بمقرراته الرافضة?لسياسات التحرير الاقتصادي، وتماهيه فى هذا الاتفاق مع موقف الانقاذ منها، فان التجاني لم يجفل من التعبير عن سعادته بالسؤال، ولم يتردد فى اظهار عنايته بالاحاطة بمقدم السؤال، بعد الهجوم الشرس الذي تعرض له من وفد الخرطوم، وبعد المخاشنة اللفظية من رعاة الاتفاق. وقدم التجاني طيلة وجوده بالعاصمة المصرية دروسا ذات قيمة للشباب من كافة التنظيمات والالوان، عرفوه باختلافهم باسم «عم التجاني»، ولن ينسى هؤلاء بالطبع مواقف التجاني وتجلياته المدهشة فى اكثر من مكان. ومنها رفضه تلقي « الفاتحة» من سفير الخرطوم اثناء عزاء عام اقامته هيئة التجمع لرفيقه وعضو الهيئة الراحل محجوب سيد احمد، وايضاً رفضه فى مكان ومناسبة اخرى مصافحة زميل سابق مِن مَن انحازوا لمايو خلال احداث السبعينات الدامية، حيث لم يكتف التجاني بذلك بل صاح فى الرجل وسط الحضور: «نحن يا فلان بينا دم نسيتو .. دم».
وبعض هؤلاء مازال يتداول مشهداً نادراً لسياسي سوداني معارض ضمن منظومة دمغتها اليه الخرطوم الاعلامية بـ» معارضة الفنادق»، وهو يركض امام اعينهم بحيوية العشرينات ليلحق بترام غادر محطته بعد نشاط سياسي هام، هذا فيما لاذ غالبيتهم بالجدران ومداخل المتاجر اتقاء البرد، وطلباً لسيارات الاجرة!. ولم يصل التجاني الطيب قط الى احد مناشط المعارضة السودانية يمتطي تاكسياً، ولم يشاهد على الاطلاق وهو يغادرها بمعية من يمتلكون او يستأجرون سيارات، ظل الرجل غادياً ورائحاً صديقا وفيا للمركبات العامة على ازدحامها، وملتصقاً بالطبقة ?لكادحة من المصريين، حتى فى تحلقهم حول «عربيات الفول والطعمية».
عمل مع التجاني ابان فترة التجمع الوطني المعارض القيادي البعثي محمد وداعة، فقد كان وداعة عضوا مؤثرا فى سكرتارية التجمع فى الداخل، وارتبط بصلات واتصالات كثيرة مع الرجل من موقعه فى هيئة القيادة بالقاهرة، يقول وداعة عن تلك الفترة ان التجاني كان قلب العمل المنظم فى التجمع، مشيرا الى حرصه الشديد على تجويد الاداء ابتداء باللغة الاعلامية والسياسية المستخدمة، وانتهاء بتحديد المواقف بصورة دقيقة لا لبس فيها. ويشهد وداعة ان فترة قيادة التجاني للعمل لم يكن فيها ضبابية لان الرجل كلف بعناية بالغة بصياغة القرارات حتى امكن? فهم القرارات فى كل المناطق بطريقة واحدة. وكشف وداعة ان للراحل امنية لم تتحقق وهي ان يجلس التجمع الوطني لتقييم تجربته بالخارج والداخل، وان توقف نضاله. وقال ان التجاني ظل حتى اللحظات الاخيرة يؤكد اهمية توثيقها باعتبار ان التجربة المعارضة جزء من ارث الحركة الوطنية. وفضل وداعة ان يصف التجاني بـ» صاحب الموقف القوي» بدلا عن الصفة التي تداولها البعض عن التجاني وهى حدة الطبع، وان قوة مواقفه تأتي من قدرته المهولة على تقييم المواقف السياسية ودرجة تأثيرها وفهمها بشكل افضل من المحيطين. ويؤكد القيادي البعثي ان التجان? كان واسع الصدر حلو المعشر كريم الشمائل. وكشف وداعة ايضا عن ان التجاني الطيب ظل يقود حوارا مستمرا معهم بغرض توحيد اليسار السوداني، وقال ان الحوارات ما كانت تستهدف ان يتم ادماج تنظيمات اليسار بقدر ما شغلت بتوحيد الرؤى والمواقف حول القضايا الكثيرة المثارة، ليبدد القيادي البعثي بذلك الصورة النمطية الاخرى المتداولة للرجل باعتباره متصلبا فى الرؤى والمسار، لافتا الى ان الحوارات اثبتت ان الطرفين لما يكونا بعيدين فى مواقفهما ورؤاهما، ووعد وداعة ان يقدم اوراق الحوار للاطلاع العام خدمة للهدف الذي سعي اليه التجاني الطيب. سجون وشجون كتب كبلو في عيد ميلاده الثمانين تسجيلا لبعض ذكرياته مع التجاني، وان حفلت بما يعد نوعاً من التسجيل والتوثيق للتاريخ الحزبي والسياسي. يقول كبلو: التقيت المناضل التجاني الطيب أول مرة في منزل السيد علي أحمد حامد في مدينة الفاشر في عيد رمضان وكان قد أطلق سراحه من سجن «الخير خنقه» وكان سجن المديرية حينها قبل أن ينتقل سجن المديرية إلى سجن شالا. وكان ذلك إما في أواخر 1963 أو بدايات 1964 وكان في صحبته الأستاذ بدر علي الأستاذ بالفاشر الثانوية، والأستاذ صديق أحمد البشير صاحب ومؤسس مكتبة الجماهير، إحدى منارات الإستنا?ة والوعي في الفاشر في ذلك الوقت، وبصحبتهم مضيف التجاني الأستاذ حسن الخليفة عمر أحمد حامد، لاعب الكورة الموهوب والموظف بحسابات السجن حينها. ولما قدمت له سألني عن محمد عوض كبلو، شقيقي الأكبر، فقلت له أنه بسجن كوبر، ممتحن للشهادة السودانية وما كنت أعرف أن محمد سيحل محل الأستاذ التجاني بمجرد انتهائه للإمتحانات. كنت حينها في سنة أولى ثانوي وسنة أولى شيوعية. ثم كان اللقاء الثاني لي بالأستاذ التجاني في جريدة الميدان في يناير 1965، وكان حينها رئيس التحرير الفعلي بينما رئيس التحرير المسجل هو المناضل الكبير المرحوم ?سن الطاهر زروق.
آخر المختفين ويواصل كبلو :خلال هذه الفترة كانت مقالات الأستاذ التجاني الطيب في الميدان تشد جيلنا بتحليلها السياسي العميق ولغتها السلسلة الجميلة، ولعل مما علق بذاكرتي مقال رائع يرد فيه على مولانا عبد الرحمن وكان وزيراً للإعلام في حكومة المحجوب الأولى عندما قررت الحكومة الإحتفال بذكرى كرري. وكان حسب علمي المحرر لكتاب ثورة شعب ثم كتب كتاباً بعد حل الحزب الشيوعي، تمت مصادرته، عن الإستعمار الجديد في افريقيا لو لم تخني الذاكرة. ثم سافر لبراغ لتمثيل الحزب في مجلة قضايا السلم والإشتراكية. وعاد من براغ ليصبح مسؤولاً عن مديرية ا?خرطوم ويساهم في خوض معركة الإنقسام في 1970. وأذكر أنه تم إلحاق مكتب الجامعات بالمديرية في نهاية عام 1970، وبعد إعتقال الراحل الخاتم عدلان في 30 مايو 1971 حللت مكانه في مكتب الجامعات، وأذكر إجتماعاً في يونيو من ذلك العام للمكتب في حي الصحافة حضره الأستاذ تجاني، وبعد إنتهاء الإجتماع ركبت مع الأستاذ تجاني ليوصلني معه وفي الطريق سألني «ما الذي يكتبه محمد عوض كبلو في الجرائد هذه الأيام؟» وكان محمد قد نشر مقالاً في الصحافة او الرأي العام لا أذكر عن البنيوية، فقلت للأستاذ تجاني «هذا تيار فلسفي يبدو أنه الموضة هذه?الأيام في أوربا» فقال لي «يا بختكم الآن لديكم متخصصين في الفلسفة والاقتصاد والنقد وغيره، نحن عندما بدأنا كنا نكتب في كل شيء، كنا نقرأ ونبذل مجهوداً لدراسة الواقع وبناء التنظيم وتنظيم الجماهير في نفس الوقت.» ثم لم نلتق بعدها إلا أمسية 21 يوليو 1971 حيث ذهبنا للقائه طالبين أن تتخذ سلطة 19 يوليو موقفاً واضحاً من إستقلال الجامعة وقرارلت نميري التي أعلنها في حنتوب، وبالفعل أعلن هاشم العطا في خطابه في اليوم التالي إخضاع تلك القرارات للتشاور الديمقراطي بين الطلاب والأساتذة وإدارة الجامعات. وعاد نميري للسلطة في 22?يوليو وأختفى تجاني ونقد وسليمان والجزولي ويوسف حسين وغيرهم من الكادر السري، وكان الأستاذ التجاني آخر المختفين الذين أعتقلوا في عام 1981، وكان المناضل الجزولي سعيد قد اعتقل في عام 1972 الأستاذ سليمان حامد في عام 1974 والأستاذ يوسف حسين والدكتور محمد مراد في عام 1976. وقد قضى الأستاذ التجاني فترة إعتقاله بين زنازين سطوح جهاز الأمن وقسم الشرقيات بكوبر وقدم خلال تلك الفترة للمحاكمة التي قدم فيها دفاعاً سياسياً. وقد إلتقيته في هذه الفترة مرة واحدة في عام 1982 عندما كان هو بالشرقيات وأتيت أنا من سجن بورتسودان. ولم يتوان التجاني الطيب فى ان يقدم مرافعة شديدة الثراء والنصوع حينما قدمه جهاز الراحل نميري القمعي للمحاكمة فى العام 1982. ويبين نص الدفاع الذي قدمه امام المحكمة العسكرية، وضوح الاهداف ونصوع الرؤية لدى الرجل، فرغم ان المحكمة تلك قد قضت عليه بالحكم بالسجن عشر سنوات، فانه لم تنصرم الا بضعها لتذهب المحكمة وقضاتها ونظامها الباطش تحت اقدام الشعب فى ابريل 1985.
وكان ما خطه الرجل ادناه شهادة حياة على ايمانه بنبل القضايا التى كرس لها حياته، مثل حرية الوطن وسيادته تحت رايات الديمقراطية والاشتراكية. رافع التجاني الطيب فى تلك المحكمة ليس دفاعاً عن حياته، بل دفاعاً عن تلك القضايا فقال: وليست هذه اول مرة اواجه فيها القضاء، فانا مناضل منذ الصبا الباكر، اي قبل اكثر من اربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود الى ابي ومعلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي وظل وطنياً غيوراً حتى وفاته قبل شهور، كما يعود الى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل على اك######## القوية اعباء نهوض الحركة الو?نية والديمقراطية الحديثة. وانني اعتز بانني كنت من المبادرين والمنظمين البارزين لاول مظاهرة بعد 24 وهي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، واعتز بانني كطالب في مصر اديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار وحكومات السراي والباشوات ونلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة وقطع دراستي، واعتز بانني شاركت مع رفاق اعزاء في كل معارك شعبنا من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطي، وقمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية وتنظيماتها ونقاباتها والحركة الطلابية واتحا?اتها، واعتز بانني في سبيل وطني وشعبي شردت واعتقلت وسجنت ولوحقت وانني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكماً ولا ذا سلطة ولم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما اعتز بانني ما زلت مستعداً لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التي كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن وسيادته تحت رايات الديمقراطية والاشتراكية. ولست اقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا اجد تمام قيمتي وذاتي وهويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا وقواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم وتطلعات واهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا ومعاركه الشجاعة التى بذل ويبذل في?ا المال والجهد والنفس دون تردد في سبيل الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد وهذه القيم والتطلعات النبيلة. ان هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى وانما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله والتطلعات التى اعبر عنها .. ولكن هيهات.. وشكراً على سعة صدركم. مع الاخرين ولم تنته محاكمات التجاني الطيب عند ذلك؛ فقد ظل هو وحزبه يتعرضا لمئات المحاكمات جنباً الى جنب مع رصفائهم من الاحزاب السياسية السودانية التي قادت وتقود العمل المعارض، محاكمات من نوع اخر مسرحها ليس المحاكم، ففضائها المساحات التي تبقت بعد انفصال الجنوب، يقدم سجل اتهامها شعب فقد لسانه الاخر، وبعض امله في المستقبل. شعب لم يتوقف عن طرح التساؤلات عن كيف ولماذا حدث ومن هو المسؤول؟. ليس طرح الاسئلة بهين لأن امثال التجاني يملكون إجابات ولا يخلون من حلول؛ ففكر التجاني وحزبه كان أول من حاول علاج الداء قبل استفحاله، لكن? ظل مع الاخرين عاجزا عن عبور النهر واجتراح المعجزات .
ويقدم محمد وداعة مرافعة عن ما قدمه هذا الجيل من قيادات الاحزاب في السنوات الماضية ومدى تحملها مسئولية ماحدث للسودان فيقول ان مسئولية ما حدث للبلاد يقع على عاتق الانظمة المدنية والعسكرية التي حكمت لا على عاتق اليسار الذي لم يحظ بذلك. ويرى ان القيادي فى حزب البعث السوداني ان كل الخطايا التي ارتكبتها الانظمة المدنية والعسكرية من قبل، لا تساوي ما ارتكبته الانقاذ منذ اعتلائها السلطة. مشيرا ان الانقاذ افقرت الشعب وقسمت الوطن واشعلت الاطراف بنيران لن تتوقف. ونوه القيادي المعارض ان الفقر الذي يعنيه ليس ما يعيشه ال?اس الان فى البلاد من جوع وضائقة، وانما فقدانهم لمدخراتهم المتمثلة فى القطاع العام للدولة، والذي باعته الانقاذ بثمن بخس.
يعود كبلو ليقول عن اداء التجاني الطيب الحزبي: لقد أتاحت الإنتفاضة الشعبية في مارس أبريل 1985، لي لقاء الأستاذ تجاني بشكل منتظم في جبهات عمل كثيرة، فألتقيته وعملت معه وهو رئيس تحرير الميدان بصفتي المحرر الاقتصادي غير المتفرغ، وتحدثنا في ندوات مشتركة أثناء ترشيحه في دائرة أم درمان الغربية بعضها مفتوح «ميدان الربيع» وبعضها مقفول. والتقينا في الإجتماعات الموسعة للجنة المركزية التي كانت تضم إلى جانب أعضاء اللجنة المركزية أعضاء المكاتب المركزية وقيادات المناطق الحزبية. وكان الأستاذ تجاني في كل تلك اللقاءات على ا?مستوى الحزبي يمثل التجربة والفكر السياسي المتقد والحزم والصرامة الحزبية، والروح الرفاقية والصداقة التي إمتدت لعائلاتنا.
وجاء إنقلاب يونيو ليتم اعتقال التجاني ضمن قيادات العمل الوطني والديمقراطي والنقابي والطلابي والمهني، وعندما أطلق سراحه كلف بمهمة قيادة عمل الحزب بالخارج وتمثيل الحزب ضمن آخرين في عمل المعارضة، فكان أول أعماله إصداره لجريدة السودان بالقاهرة والتي قصد منها أن تكون صوتاً للمعارضة في الخارج، لكن بعض أطراف المعارضة عرقلت عملها وفضلت إصدار إصداراتها الخاصة بها. وكان الأستاذ التجاني وراء كثير من العمل التحضيري لمؤتمرات التجمع وإجتماع هيئاته وتقريب وجهات النظر بين فصائله. ورأس التجاني في مقتبل عمر التجمع المعارض ا?دى لجانه التحضيرية مقدماً لأعضاء اللجنة ولهيئة التجمع من بعد ذلك تجربةً تحتذى في كيفية إدارة العمل العام وإنتهاج الوضوح والشفافية في كافة التفاصيل الإدارية والمالية وعل تلك التجربة هي ما دفعت بالتجاني وربما بهم الى الابتعاد او الابعاد عن التصدي لمثلها رغم كثرتها.
*و نعود لنقرأ مجتزأ اخر من مقال التجاني الطيب انف الذكر، يقول الرجل : لقد لعب الحزب الشيوعي دوراً أساسياً في النهوض لانتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية، وأنا هنا كعضو مؤسس للحزب الشيوعي، أشعر بالاعتزاز الشديد لأن الحزب الشيوعي قام بذلك دون سند أو قبيلة أو طائفة وحتى بدون أن تكون لديه شخصيات ذات نفوذ اجتماعي أو مالي. ورغم تطاول السنوات عن تلك المناسبة التي كتب فيها التجاني تلك السطور فان قرأته الخاصة لما سيحدث فى السنوات الماضية، طابقت باندلاع الربيع العربي وتضعضع عرش العسكرية الشمولية، طابقت الواقع. قال ا?تجاني :غض النظر عن اختلاف الساحات، ستشهد السنوات الماضية تحولا ديمقراطيا وسلام!.
حسناً لا شك فى ان رجل مثل «عم التجاني» عاش سعيداً لأنه عاش كما احب، وذلك على مايقال منبع السعادة ومصدرها الذي لا ينضب. عاش التجاني، لاشك، لا كما عاش كثيرون مِن مَن عرفناهم من ذلك الجيل الذي ينسحب الان من المسرح، كخيوط الضوء امام جحافل الظلام، فقد كانت لكل منهم طريقته وطريقه لكنهم شكلوا معاً قبل انسحابهم لوحة تبدو كما نحن الان!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
شُـلت يد الكتابة ـ لن ننساك / التجاني الطيب بابكر خضر حسين
شُلت يد الكتابة
شُلت يد الكتابة قطفوا الزهرة
..قالت : من ورائي برعم سوف يثور
قطعوا البرعم قالت .. غيره ينبض في رحم الجذور
قلعوا الجذر من التربه .
قالت .
إنني من أجل هذا اليوم خبأت البذور . كامن ثأري بأعماق الثرى
... وغداً سوف يرى كل الورى ..
كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور
تبرد الشمس
ولا تبرد ثارات الزهور 23/نوفمبر2011 23/نوفمبر 1953 الثالث والعشرون من نوفمبر من كل عام هو يوم للإنتصار ـ إنتصار للقيم والمبادئ ـ نصر للتاريخ والزمان ـ أهيئ نفسي فيه للإحتفاء بشكل خاص بالذكري السنوية لتأسيس الجبهة الديمقراطية ـ إحتفال قوامه القراءة والكتابة وقضاء النصف الأخير من اليوم في التأمل في هذه السيرة العطرة .
في مثل هذا التاريخ قبل عشرات السنين نشط الطلاب الشيوعيين والديمقراطيين في تأسيس تحالفهم الإستراتيجي الراسخ لإنجاذ مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ـ وهو ما عرف لاحقاً ( ببرنامج مرحلة الثورة الوطنية ) وهي ثورة لها ما لها من اماني الشعب وأحلامه وتطلعاته . لا أدري كم كان عددهم في الثالث والعشرون من نوفمبر والعام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسون . غير أنني أعرف تمام العرفة كيف كانت أحلامهم ورؤاهم وأمانيهم وكم كان مقدار حبهم لهذا الوطن سفيح الأحلام . إنهم شيوعيه وديمقراطي هادي البلاد :
تتشقق الأرض ليخرج نبت الحكايا . الحكاية التي بدأت منذ عشرات السنين لتمنح الأرض آلاف الورود ـ يورقون تماماً كغصون الزرع ـ لتتفتح الأزاهير ... يتسلقون جداران الوطن وهمومه جداراً إثر جدار كما اللبلاب . . وليعطروا سماوات وطننا كورود الأقحوان والياسمين . ليخرج من كل سنبلة قمح ألف شيوعي نبيل وفكرة ومن سكك الحديد آلاف الصناديد ومن دروب الأرض ملايين النساء السامقات .
في الثالث والعشرون من نوفمبر شُلت يد الكتابة ... توقف الزمن فجأةً ليعلن الناعي عن رحيل رجل كان وسيظل واحداً من أجمل الذين أتو الوطن بقلب . قالت الخرطوم : مات التجاني الطيب بابكر أيها الناس سليم .
رحلت الرئة التي لطالما تنفس بها البسطاء والكادحين وأبناء السبيل ـ رحل العم التجاني الطيب بابكر والبلاد كأحوج ما تكون لفكره وثقافته ومبدئيته وعفته وإبتسامته ـ رحل العم الطيب التجاني الطيب والبلاد تستعد في الدخول لمعركة جديدة بين قوي الشر كله والخير كله . مضي الرجل بعد أن غرس في وجدان قرائه ورفاقه أجمل غرس يمكن لإنسان أن يغرسه . مضي دون أن يري الكادحين والفقراء يرفلون في رفاهيتهم التي نشدها لما يقارب الثمانون حولاً أو تزيد .
مضي الرجل الفكرة والإبتسامة الحرة مضي صاحب اليد النظيفة مضي بعد أن أضاء الطريق للملايين ـ مضي بجسد أنهكه الإعتقال والتشريد والمنفي بجسد لم يتركوا فيه قتلاً لقاتل ـ مضي بجسد ظل يهبه علي الدوام لمشروع وطني قوامه الحرية وخبزه العدالة الإجتماعية . مضي التجاني كأجمل عريس تزفه دموع الرفاق وأنات الموجوعيين وأماني الغلابة والكادحين . برحيله يفتقد الوطن لرجل نادر (إسمه الحركي شاكر) ـ ولتفتقد البلاد واحداً من أجمل العصي التي لطالما توكأت عليها .
كان العم التجاني رجلاً فذاً تحمل ما تحمل لأجل أن يمضي بفكرته الحرة ـ ظل متسقاً للدرجة التي كان من الصعب للغاية أن تفرز فيها بين التجاني كـ عم والتجاني كوالد والتجاني كرفيق درب يقاسمك الأماني قبل الأحلام .
حاملاً عصاته وإبتسامته الصادقة يرحل التجاني الطيب بابكر بهدوء ودون ضوضاء ـ يرحل الرجل الذي أفلت من الموت آلاف التجارب والمحكات بالثبات علي مبادئه كأجمل ما يكون الرحيل ـ يرحل معلناً رفضه لرحيل البلاد ، ومتمسكاً بمشروعه الوطني الذي لم يكن علي الإطلاق من شروطه تمزيق الوطن .
سيظل العم التجاني واحداً من ألطف العباد الذين مروا بهذا الوطن وواحداً من أنجب النجباء الذين لم يرهنوا قناعاتهم سوي لخدمة قضايا شعبهم . سيبقي التجاني الطيب بابكر كما بقي المحجوب وشكاك وهاشم والنور خالداً في الأولين خالداً في الآخرين ,
سيظل الأستاذ التجاني خالداً في كلمة الميدان وفي انتصارات رفاق الميدان ـ وفي صفوف الجماهير كأجمل مايكون النشيد ـ وسيظل واحداً من أجمل الذين أحبو هذا الوطن بصدق . وداعاُ العم التجاني الطيب بابكر وداعاً يازميل ياترس وداعاً أيتها الإبتسامة الساحرة وداعاً أيها القلب الكبير . .
لن ننساك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
رحلت الرئة التي لطالما تنفس بها البسطاء والكادحين وأبناء السبيل ـ رحل العم التجاني الطيب بابكر والبلاد كأحوج ما تكون لفكره وثقافته ومبدئيته وعفته وإبتسامته ـ رحل العم الطيب التجاني الطيب والبلاد تستعد في الدخول لمعركة جديدة بين قوي الشر كله والخير كله . مضي الرجل بعد أن غرس في وجدان قرائه ورفاقه أجمل غرس يمكن لإنسان أن يغرسه . مضي دون أن يري الكادحين والفقراء يرفلون في رفاهيتهم التي نشدها لما يقارب الثمانون حولاً أو تزيد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
center>
عم التجاني... قلب عامر بالإنسانية ونفس أبية على الانكسار
فيصل محمد صالح
رحل التجاني الطيب وفي حلقه غصة، أظن أن كلّ من هم من عمره وجيله يحملها معه للقبر، فبعد عقود قضوها في خدمة الوطن والمبادئ التي ظلوا يحملونها،ها هم يشاهدون وطنهم مقسما وممزقا، وهو شئ أكبر من تصورهم واحتمالهم. لم أزامل عم التجاني في حزب أو تنظيم أو صحيفة، لكني شاهدته واقتربت منه في العمل العام لعقدين من الزمان، تغيرت الدنيا والأشياء حوله، ولم يتغير هو، ظل الرجل نفس الرجل، كتلة من الالتزام والصبر والقدرة على العمل والنضال في أقسى الظروف. شاهدناه في جريدة الميدان بعد الانتفاضة، لكن لم نكن نملك القدرة على الاقتراب منه، كنا نملك عنه صورة واحدة، إنه "صعب" وصارم، ولم تكن لدينا القدرة على التعامل مع صرامته تلك. ثم دخلت سجن كوبر في أوائل التسعينات، وساقتني الظروف لأكون معه في قسم الشرقيات. وحرصت أيضا أن أكون بعيدا عنه، لكن أكثر من حدث جعلني اقترب منه واكتشف قدر الإنسانية والطيبة التي يحملها في قلبه، ويخفيها بذلك المظهر الصارم. جاء مندوب من مكتب المدير ذات صباح ليبلغني بوصول طلب من جهاز الأمن باستدعائي للتحقيق، كان الناس يتهامسون حولي، ولم أكن أعرف السبب، حتى استدعاني عم التجاني لغرفته. كان صاحب خبرة طويلة في أمور المعتقلات والتعامل مع الظروف المختلفة التي يمر بها الناس في السجون. وكانت أسباب الاستدعاء للمعتقلين من السجن لمكاتب الأمن مرة أخرى كثيرة، لكن كان السبب الأغلب هو إعادة التحقيق في أمر ما، وغالبا ما يتعرض المعتقلون، في تلك الفترة، لصنوف من أنواع التعذيب. كان الرجل يراعي صغر سني ويحاول أن يهيئني نفسيا ومعنويا لما قد ألاقيه. قدم لي حزمة من النصائح والتطمينات، كان حريصا خلالها على ضبط نبرات صوته حتى لا تكشف عن أي قلق او اضطراب، ثم ربت على كتفي وأنا أتهيأ للخروج، بحنية أحسستها في أعماقي، واستدار ومضى بعيدا. عدت بعد ساعات للسجن ، ولم أتعرض لحسن الحظ لما كان الناس يتخوفون منه، وكان ذلك من الاستثناءات النادرة في تلك الفترة، لكن ظلت نصائح عم التجاني في ذهني دائما. وجدت السجن فرصة لأرتاح من الحلاقة وأطلق لحيتي، سألني مرة: إنت أصلا بتخلي دقنك؟ أجبته: لا، فسارع بالرد: يعني بتفتكر السجن مكان البهدلة؟ أمشي أحلق دقنك. ثم روى لي انه حتى أيام الاختفاء كان يستيقظ مبكرا، يستحم ويحلق ويغير ملابسه، ويدخل لغرفة المكتب. وبعد الظهر يعود للغرفة الأخرى ليغير ملابسه ويمارس برنامجا منزليا عاديا. في السجن أيضا داعبته قائلا: يا أستاذ لقد وجدت دليلا ماديا على تورطكم بالتخطيط لانقلاب مايو، أخذ الموضوع بجدية كعادته، فأخذته لحائط قريب حفر عليه اسمه ، كما يفعل المعتقلون، وبجواره التاريخ 25 مايو 1959، فضحك وهو يقول: يعني معقول نكون مخططين قبل عشر سنوات؟. أخبرنا من كان وثيق الصلة به بيوم مولده، فقررنا أن نعد له مفاجأة نبتهج بها في ليل السجن، تكونت لجنة كنت في عضويتها مع محمد محمد خير وطارق فريجون وآخرين.أعددنا كل لوازم الاحتفال، وأرسلنا المساجين لشراء اللبن والحلويات والبسكويت من خارج السجن، وانهمك البعض في إعداد كارت تهنئة ضخم وقع عليه كل المعتقلين. قبل الحفل بساعات استدعانا، وقفنا أمامه كالتلاميذ، كان يتحدث بصرامة شديدة، قال إنه عرف بما نقوم به، شكرنا على ذلك لكنه قال إنه يرفضه.أضاف: ليست هناك تقاليد في السجون للاحتفال بأعياد الميلاد، ولا يريد أن يسجل سابقة كهذه. ثم أضاف بنفس الصرامة: أنا قبلت كارت التهنئة، لكن مافي احتفال ولاشاي ولا بسكويت، سلموا الحاجات للكميونة. ولمن لا يعرف تقاليد المعتقلات، فالكميونة هي المخزن الجماعي الذي يسلم إليه المعتقلون كل مايصلهم من هدايا أو مواد تموينية أو حتى سجائر، ليتم توزيعه على الجميع بالتساوي.
ثم التقينا في القاهرة في السنوات التسعينات، وفي أسمرا، أجريت معه عددا من الحوارات لصحيفة الخرطوم التي كانت تصدر من القاهرة، وكنت أتصل به في أوقات مختلفة نهارا وليلا، وسافرت معه مرات كثيرة بين القاهرة واسمرا. عبر لي عن رضائه عن بعض الحوارات بكلمات مقتضبة، وبنصف ابتسامة رضا أحيانا، لكن كانت هذه طريقته. غضب مني غضبا شديدا عندما أجريت حواراً مطولا مع المرحوم الخاتم عدلان والباقر العفيف أول ما أعلنا قيام حركتهما الجديدة التي أعقبت خروج الخاتم من الحزب الشيوعي. كان الحوار مطولاً استغرق أربع حلقات، طوفت مع الخاتم في قضايا فكرية وسياسية عديدة، كان من بينها أسباب فراقه للحزب الشيوعي والمنهج الماركسي عموما، وشكل الحوار قاعدة مهمة لمعرفة أفكار وبرامج التنظيم الجديد. أظن أن الأستاذ التجاني اعتبره عملا دعائياً للتنظيم الجديد وعدائياً للحزب الشيوعي. بعد فترة من الجفاء التقينا في إحدى المناسبات في دار الحزب الاتحادي في القاهرة، اقترب مني وقال لي: "إنت خاتي راسك مع الجماعة..موش كدة؟" ثم ابتسم، عرفت أنها دعوة للمصالحة، ولم أرد أن أفسدها بأي رد، فاكتفيت بالابتسام. بعدها بفترة قليلة اتصل بي يسأل: ألم تطلب مني حوارا قبل فترة، أنا جاهز. اتصلت به مرة منتصف ليلة القاهرة أسأل عن معلومة، فأجابني بحدة: إنتوا يا أولاد مابتنوموا، أنا جاهز لأي اتصال من خمسة صباحا لحدي الساعة 11ليلا، بعد كدة ما في زول يتصل بي.
حين عاد بعد اتفاق القاهرة للخرطوم وبدأ في الإعداد لصدور صحيفة "الميدان" اتصلت بي إحدى الزميلات تسأل إذا كنت على استعداد لتثنية طلب الأستاذ التجاني الطيب للحصول على القيد الصحفي، مضيفة إنه طلب أن أكون المزكي له، قلت لها إنه شرف لي. كان المثني الأول هو الأستاذ محجوب محمد صالح، وكنت فخوراً أن أقرن اسمي به. لكني كنت مندهشا من طلب المجلس لهذه الخطوة، فرجل في قامة التجاني الطيب وتاريخه، كان يكفي أن يوقع بعض مسؤولي المجلس على طلبه بتأكيد معرفته وتاريخه في الصحافة الحزبية وكفى. واتصلت بي الزميلة مديحة بعد ذلك لتتأكد من أنني قمت بالمطلوب، فقلت لها مازحا "نعم لقد أكدت معرفتي به وقلت أنه ولد كويس ويجي منه"، وكان هذا التعليق أيضاً سبباً لمداعبة منه عندما التقينا بعدها. التجاني الطيب بابكر نوع نادر من الرجال، أفنى عمرا طويلا في النضال من أجل ما يؤمن به، كان يتصرف بزهد عجيب، وكان سعيدا وراضيا عن حياته. في السجن سأله رجل أمن كان يجمع معلومات ليضمنها ملفات المعتقلين، كانت مجرد معلومات أولية عن الاسم والمهنة والوظيفة والانتماء السياسي، منذ متى وأنت شيوعي، فأجابه منذ عام 1948، فرد رجل الأمن مندهشا، لا حول الله، وأدوك شنو؟ فأجابه، هم بيدوا إيه يا ابني؟ أنا رئيس تحرير الميدان وعضو السكرتارية المركزية، تاني في شنو؟. رحم الله عم التجاني وأحسن إليه، فقد أحب هذا الوطن وقدم له عمره، والتزم طوال حياته بما يؤمن به، فلم يتلون ولم يحد عنه، ولم يعرف الانكسار.
الاخبار نشر بتاريخ 26-11-2011 --------------------
التيجاني الطيب.. إنطواء صفحة من النضال
كمال حسن بخيت
غيب الموت المناضل الأستاذ التيجاني الطيب بابكر احد أبرز قادة الحزب الشيوعي، ومن أصلب العناصر المناضلة في حركة اليسار السوداني عموماً، لقد كان التيجاني الطيب رجلاً جاداً ورجل مبادئ من الدرجة الأولى. كان مناضلاً لا يعرف المساومة ولا يعرف التنازل، كان صارم القسمات.. ولجديته الشديدة كنت أداعبه وأقول له إنت يا أستاذ آخر ستاليني في الحركة الشيوعية العالمية.. لتمسكه بالمواقف المبدئية في اجتماعات قيادة التجمع الوطني الديمقراطي.. الذي كان لوجوده في الاجتماعات دور أساسي في نجاح أي اجتماع يعقده التجمع. كان حاضر الذهن وكان مرتب الأفكار.. يأتي إلى الاجتماعات جاهزاً.. يحصر النقاط التي يريد التحدث فيها في مذكرة صغيرة يضعها أمامه.. ويتحدث بلسان ذرب وبلغة عربية وإلفة.. ويطرح دائماً أفكاراً جديدة ونيرة تكون مصباحاً للاجتماع. والأستاذ التيجاني.. رجل يمتاز بصفات عديدة.. أهمها الانضباط التام في هندامه وفي مواعيده.. وفي مواعيد أكله وشربه.. وهو إنسان بسيط للغاية ومتواضع للغاية.. يعيش حياة المناضلين الحقيقيين. ويمتاز الراحل العظيم بسلوك حياتي مدهش وبأخلاق عالية وبأدب جم.. كذلك ظل طوال عمره الذي بلغ الـ «85» عاماً متماسك القوى محافظاً على رشاقته.. ويحافظ على رياضة المشي والركض باستمرار ,وكنت أقابله دائماً في شوارع القاهرة مرتدياً ملابس الرياضة يتمشى على الكورنيش. وله تجربة عظيمة في الاختفاء في الأوكار الحزبية التي كان ينتقل فيها من وكر لآخر.. وبسرية تامة. وعندما سألته مرة عن تجربة الاختفاء.. قال لي في بدايتها صعبة للذين تعودوا أن يعيشوا في أجواء مليئة بالناس والمناسبات.. لكن بالنسبة لي كانت عادية.. وقال لي عندما كنت أعيش مختبئاً كنت أصحو مبكراً اجري بعض التمارين الرياضية وأخذ »دوش« بارد.. وارتدى ملابسي التي اعتدت أن اخرج بها »بنطال وقميص«. وأجلس على الطاولة أشرب الشاي وأقرأ ما ينشر في الصحف والكتب واكتب ما كلفني به الحزب، وعند الثانية والنصف تماماً أخلع الملابس وأرتدي ملابس البيت، إما جلباب أو عراقي وسروال طويل.. وأواصل حياتي العادية. رجل منضبط في حياته وسلوكه وهو داخل المخبأ الحزبي.. والذي كان يلتقي فيه بعدد قليل من رفاقه يأتون لمناقشة أمر من الأمور الحزبية. والراحل العزيز كان لا يعرف »الهظار« وقليلاً ما يبتسم ويضحك مثل الذين يطلقون الضحكات المجلجلة.. كان يكتفي بالابتسامة العادية. وكان التيجاني يحسب خطواته في الأرض.. ويعمل حسابا لكل شيء ولكل إنسان لا يعرفه.. ويتحدث مع الذين لا يعرفهم أو يشك فيهم بصرامة تخيف. إنه نموذج للمناضل الحقيقي. لقد فقد الحزب الشيوعي السوداني وحركة اليسار بشكل عام رجل مفكر ومناضل حقيقي وإنسان نادر. رحم الله أستاذنا التيجاني الطيب وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.. والبركة في بنيه وأشقائه وكل أسرته.
--------------------
ورحيل ابدى لرجل آخر من الرجال المحترمين فى السودان
هلال زاهر الساداتي [email protected]
ماعادت ايامنا تزورها الفرحة ، وماعادت ليالينا تغمرها البهجة ، واصبحت دوحة السودان يتساقط منها ثمارها اليانعة بعد ان استوت وطاب اكلها ، وطالت يد الردى البقية الباقية من خيرة رجالنا وهم قليل ، ولكن نرجع ونقول ان لكل اجل كتاب وان لكل بداية نهاية ، فلم اصدق ان جرحى اندمل بفقد الصديق النبيل والرجل الصنديد محجوب عثمان ، حتى نكأ الجرح ثانية بموت رجل صنديد آخر مناضل أبى وانسان شريف نقى هو التيجانى الطيب بابكر والذى وهب عمره المديد لخدمة وطنه وشعبه ، ولنصرة الكادحين مبتغيا اقامة مجتمع العدل والكفاية والكرامة ، وانفق جل عمره فى معتقلات وسجون الطغاة فى السودان ومصر وفى ملاحقته ومطاردته ، ومع كل ذلك لم ينثنى ولم يتغير ولم يتبدل فظل واقفا كالطود الاشم لاتهزه ولا تحركة الرياح. ترجع معرفتى بالفقيد الى اواخر الاربعينات من القرن العشرين الماضى عندما كنت صبيا فى المرحلة الثانوية وكان هوشابا غض الاهاب فى بداية تعليمه الجامعى بالمدارس العليا (جامعة الخرطوم لاحقا ) وكان ديوان منزلنا بالموردة ملتقى يؤمه الشباب المتحمس الواعى فقد كانت الحركة الوطنية فى اوج اشتعالها وكنا نحن الطلاب فى الثانويات والمدارس العليا نتاجج حماسة وتصميما فى مقاومة الاستعمار بالمظاهرات والاضرابات وكان ابى له اصدقاء ومعارف من جميع الاتجاهات السياسية يجتمعون عندنا فى صفاء ومودة فى ذلك الزمن الجميل وكان الوالد لا يبخل عليهم بما يودون من كتب فى مكتبته الكبيرة وكان الحضور يضم طلبة جامعيين شيوعيين ، واتحاديين ،ومن حزب الامة وصحفيين فى بداية اشتغالهم بالصحافة اذكر منهم طيب الذكر محمد احمد السلمابى والذى اصبح فيما بعد رئيسا لجريدة صوت السودان اليومية ثم رئيسا لمؤسسة السلمابى الخيرية ، ومن قادة الاتحاديين د.سيد احمد عبد الهادى ، ومن الاساتذة الاستاذ حسن الطاهر زروق ، ومن الطلبة عبد الخالق محجوب والتيجانى الطيب وعثمان محجوب الشقيق الاكبر لعبد الخالق والذى تزوج د. خالدة زاهر والتى زاملت كل الذين ذكرتهم فى الجامعة كأول فتاة تلتحق بالجامعة وكلية الطب . وكان الوالد نفسه فى حزب الاشقاء وعضوا فى اللجنة الستيينية لمؤتمر الخريجين وختميا مع ان والده انصارى حارب فى كررى وعطبرة واستشهد مع الخليفة عبدالله فى ام دبيكرات . وكرت السنون والتقيت التيجانى ثانية فى القاهرة وقد صرنا كهولا واشتعل شعر الراس باللون الرمادى والابيض . وكان التيجانى عضوا فى اللجنة العليا لقيادة المعارضة السودانية ممثلا للحزب الشيوعى وكان عضوا فى لجنتة المركزية ، وكنت اجد نفسى عندما ازوره دوما فى شقتة بمدينة نصر واكون مرتاحا فى معيته فهو بسيط وخفيف الظل والروح واضح وصريح فى ابداء رأيه وشجاع مع اتساع ثقافتة ، وللغرابة لم نكن نخوض فى السياسة كثيرا بل يجمع بيننا رحاب الوطنية وذكريات مدينة ام درمان فانا لم اتشيع لطائفة او التحق بحزب سياسى لقناعة خاصة بى منذ كنت طالبا ، ولقد خبرت فى التيجانى زهده وتجرده وايمانه المطلق بمبدأه واخلاصه لشعبه وبلده السودان ، فلم تغره الدنيا وزخرفها ولم يسع لمنصب ولم يجر وراء مغنم ، فقد رايته يركب المواصلات العامة فى القاهرة ، ويسكن فى شقتة ملك لاخيه المهندس احمد الطيب وكنت احسب ان الحزب يؤجرها له ، كما تذهب زوجته الفاضلة السيدة فتحية الى السوق لتشترى الخضار ومتطلبات البيت اليومية . ولقد خبرت هذا التجرد والعفة لمنسوبى الحزب الشيوعى فهم فقراء فى المال اغنياء فى النفوس واحسب انه الحزب الوحيد الذى يعتمد فى تمويله على اشتراكات وتبرعات اعضائه ، وان اعضاءه المحترفين المتفرغين يعيشون على حد الكفاف ، فقد كان المرحوم شقيقى الاكبر الحبيب انور زاهر وهو عضو منذ نشأة الحزب الشيوعى وصار عضوا فى اللجنة المركزية يتقاضى عشرين جنيها شهريا ، وكنت انا اوفر له الكساء . واما زعيم الحزب الفذ عبد الخالق محجوب فقد اشترى له الحزب عربة صغيرة سكند هاند ماركة مورس ماينر والتى كانت مخصصة لمفتشى الغيط فى مشروع الجزيرة لتحركاته فى شئون الحزب . احر العزاء للسودان وبخاصة للحزب الشيوعى السودانى ، واحر العزاء لاشقائه المهندس احمد والاخ زميل الدراسة مختار الطيب ورفيقة دربه المكلومة السيدة الفاضلة فتحية ولابنته الاستاذة عزة والاخ خالد ولكل الاسرة فى هذا الفقد العظيم وغفر الله للتيجانى ورحمه رحمة واسعة ،(وانا لله وانا اليه راجعون) نشر بتاريخ 27
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
التيجاني الطيب: مسؤول شيوعي وشيوعي مسؤول ..
بقلم: د. حيدر ابراهيم علي الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2011 06:36 Share
[email protected] (1)
حين يكتب صحفي في تصريح من التيجاني الطيب:صرح مسؤول في الحزب الشيوعي أو صرح مسؤول شيوعي؛يمتلكني الغضب الشديد. واسخط علي عدم جودة صياغته،لأنه في هذه الحالة عليه أن يكتب:صرح شيوعي مسؤول. فالتيجاني لا يعرّف باضافة المنصب أو الموقع في المؤسسة،فهذا إسم؛بينما امثال التيجاني يعرّف بالصفة والخصال علي رأسها المسؤولية والالتزام،وهي التي تميزه داخل الحزب،وليس موقعه أو مهامه الحزبية.فقد تحول الرجل الي قيمة ورمز يتجاوز الالقاب والاسماء المضافة.فهو علي مستوى الشخصية والكينونة يمثل الاتساق المطلق أو هارمونية الداخل والخارج أي تطابق البرانية والجوانية،المظهر والجوهر. هذا هو تجسيد الانسان الذي قيل عنه :أنه يفكر كما يريد،ويقول كما يفكر،ويفعل ما يقول.وقد جعل من الحياة معركة إنسانية كبرى من اجل الحق والعدل والحرية.هذه معركة نبيلة ادعي كثيرون خوضها.لذلك المهم،كيف خاض(التيجاني) معركته وماهي أدواته وكيف استخدمها طوال حياته العامرة؟ لم يكن يقسم سلوكه وافعاله الي تكتيك واستراتيجية، بل اكتفي بالاستراتيجة فقط.لذلك،لم"يتكتك" أو يناور أو يراوغ مع الناس، ولا في السياسة،ولا في الحزب،ولا في اليومي.والعجيب أن السرية التي لفت حياته كلها وحاصرته،خرج منها اكثر وضوحا وصراحة،وقاطعا في رأيه كالسيف،مبينا مثل الشمس.والسر في هذا الاتساق هو الصدق –كلمة سهلة وفعل كتجمير الذهب.يتحايل عليه البعض بتلوينه،لذلك سمعنا بالكذب الابيض.ولكن(التيجاني) لم يعرف الكذب مهما كان لونه،فالشيوعي الحق لا يكذب لأنه واثق من امتلاك المستقبل،ولأن الصدق مفتاح كل الفضائل الاخري.ومن مفارقات السودان الذي ضحك فيه القدر،حدوث أغرب عملية مقايضة في تاريخه.فقد أخذ( الاسلاميون)من الشيوعيون طريقة تنظيمهم الحديدي،واعطوهم اخلاق سلفهم الصالح من المسلمين.لذلك،نجد عند(التيجاني)ورفاقه،الصدق والعفة،ونظافة اليد،والاستعداد للتضحية والفداء،وايثار عمر بن الخطاب. أما(الاسلامويون)فهم يكذبون كما يتنفسون،ويدلسون،ويأكلون مال النبي(ليس مجازا بل حقيقية:هيئة الحج والعمرة). يصنفه البعض ومن بينهم رفاق له بخبث،كشيوعي اصولي.ولكنه في حقيقته شيوعي أصيل،والفرق كبير بين الجمود،وبين الإمساك بالجمرة.فقد وهب عقيدته عمرا كاملا ،أكثر من ستة عقود؛فلابد من حدوث التماهي بين الاثنين:الحياة والفكرة.ويخفف كثيرون تقييمهم للشخصية بخبث أنعم بالصاق صفة"زول صعب" للتقليل من مكارم الالتزام الصارم.وكلمة "صعب" من قاموس اللؤم والخبث السوداني.فقد يراد بها"-متزمت أو مغلق أو عدائي أو بخيل أو متعصب أو شرس أو محرج.وكل هذه الصفات ليست لها أدني صلة باخلاق وقيم،نجح لئام وخبثاء الافندية داخل وخارج الحزب،في الصاق صفة"صعب" بالتيجاني،رغم أنه هين تستخفه بسمة الطفل،لمن حرص علي معرفة دواخله.وقد عرفت تلك الصفة ليس في الندوات ومن الكتابة.ولكن من صداقته لمظفر وخالد وبشري،والذين لا يبدأ أي عيد عندهم قبل أن يباركوا لعم التيجاني العيد.طقس يتوقعه ولا يفرطون فيه،وكأنه تميمة لفرحهم بالعيد.فقد يكون صعبا كفولاذ تصعب أن تثنيه عن المبادئ والقيم التي لا تهاون ومساومة فيها مثل الصدق والحزب والاشتراكية؛وما عداها فيه نظر. يسهل (التيجاني)علي الباحث مهمته في اثبات وجود المثقف العضوي(غرامشي)والمثقف الكوني-التاوي،فالأول معروف لدينا وهو الذي يعبر ويندمج في طموحات شعبه وطبقاته الفقيرة،ويناضل من اجلها خلافا عن المثقف التقليدي الذي يعبر عن طبقات غير صاعدة.وهذا هو الرجل منذ نهاية اربعينيات القرن الماضي؛وامثال هذا موجود.ولمنه اكمل عظمته، وشموخه، وتميزه،بتحوله الي مثقف كوني أو تاوي/طاوي.فقد اراد أن يكمل جدارته الحزبية والسياسية باخري اخلاقية وانسانية.ويقدم(هادي العلوى) تعريفا رائعا للمثقف الكوني أو التاوي،بأنه ذلك الإنسان الذي يتخلي الخساسات الثلاث:الطمع في المال،والجنس،والشهرة مع السلطة.وقد صدق فهذه الخساسات هي سبب الرذائل كلها،لأن الطريق اليها يمر بالجبن،والكذب،وقبول الهوان.ولم تكبل (التيجاني)الخساسات الثلاث.فهو لم يسعي لامتلاك المال،لأنه يدرك أن المال هو الذي يملك المرء حين يحفظه ويحرسه،ويلهث خلفه.وهو مع زواجه الاسري،تزوج الشيوعية زواجا كاثوليكيا بلا فكاك،ولم يترك الحزب في قلبه مكانا لغرام أوعشق أخر.أما الخساسة الثالثة فلا تقرب من عاش تحت الأرض سنوات اكثر من التي عاشها علي ظهرها علنا.وقد كان حسن الحظ،إذ لم يكن له ملف أو فائل في أي مؤسسة حكومية أو خاصة للعلاوات والترقيات عدا ملف الأجهزة الأمنية.
( 2 ) تبدو هذه الشخصية أقرب الي المعجزة أو الملائكة،فهل يوجد ابن آدم واقعي بهذه الخصال؟وقد يدرج هذا الحديث ضمن:اذكروا محاسن موتاكم مع قدر من المبالغة أو أن يوم شكر(التيجاني)قد جاء،فيحق لنا أن نسرح ونمرح في المناحات والمدح بلا كابح أو رادع.لاتوجد أي مبالغة،وكل الذي يقال من صفات هي دون ذلك الرجل.ورغم أنني لم أكن صديقا شخصيا لصيقا له،ولكن هذا لا يمنع أن تدرك القيمة-الرمز التي تجبرك علي الاحترام والانصاف مهما كانت المسافة الفاصلة.وقد تكون في هذه الحالة اكثر موضوعية.فقد كانت تساؤلات تقلقني،مثل:كيف ظهرت مثل هذه الشخصيات في بلد مثل السودان يرزح تحت جبال من التخلف؟كيف كانت تنشئته وتكوينه؟من أين اكتسب هذه القدرة الاسطورية علي الصمود لرفع صخرة سيزيف التي تسمي السودان،وكلما ارتقي بها هو واصحابه درجات،جاء بكباشي أو عميد مهووس واسقطها في القاع مجددا؟وكيف لا تراوده ورفاقه وهم في شالا أو سواكن،لفحة يأس زغلولية:ما فيش فائدة؟ يمثل (التيجاني)جزءا من ظاهرة عامة هي:الشيوعيون السودانيون،وفي داخل الظاهرة حالة شديدة الخصوصية هي شخصه وشخصيته انتجتها شروط أن تكون شيوعيا عام1948 وفي السودان.شذوذ المكان والزمان ،هول التحدى وعظمة الاستجابة.كانت الجرأة الأقرب الي الجنون أن تخرج طليعة من الشباب تدعو للشيوعية،في بلد يرزح تحت الطائفية، وشبه الاقطاع،وذيول الرق،والفقر والمجاعات،والسخرة ونظام الشيل؛هذا علي المستوي السياسي والاقتصادي.أما اجتماعيا وثقافيا،مازال سائدا الختان الفرعوني،والشلوخ،ودق الشلوفة، والبطان.وتلبس النساء الرحط والقرقاب والكنفوس؛ويأكل الناس ملاح ام تكشو والجراد والفئران.ويتحدثون في مثل هذه المعطيات من الفقر والجهل والمرض أو الثالوث الذي يردده المثقفون؛عن الصراع الطبقي، وديكتاتورية البروليتاريا،والمرتد كاوتسكي،والمنشقة روزا لوكسمبورج.وهذا موقف شديد الالتباس،يراه البعض غير ماركسي لأنه غير عاكس للواقع.وهذا نقد غير دقيق،لأن الماركسية لا تقف عند تفسير العالم بل تغييره.بالتأكيد لا يحدث التغيير بالارادوية أي نتيجة ارادتنا الذاتية،ولكن هل من الممكن تسريع الثورة؟البعض يري أن الازمة الثورية في روسيا في اكتوبر عام1917،ناضجة تماما ولكن قدرات لينين والبلاشفة،كانت حاسمة.لم يقوموا ب" دفر" التاريخ الي الأمام،ولكنهم عظموا من دور الفكر والتنظيم في الثورة.هذا رأي ينفي عن الرواد الشيوعيين الاوائل الدونكيشوتية والتسرع،خاصة وأنهم لم يكونوا ينوون اقامة دولة شيوعية في هذا البلد المتخلف بل هم في حقيقة أمرهم ورغم تحرر وطني وتحديث.ولكن الطائفية والاخوان المسلمين ومعهم البريطانيون،في مرحلة تفاقم الحرب الباردة،تحالفوا في عملية خلق العدو:الخطر الشيوعي.وحولت القوى الرجعية والاستعمارية المعركة السياسية –الثقافية الي اخري دينية-عقدية لارهاب وعزل القوى الجديدة الصاعدة.وضمن هذا العداء والحصار تربي(التيجاني) ورفاقه وتم تعميدهم بالنار.ففي وسط هذا الجحيم كانوا يناضلون في قلب معركة الحداثة.تصور في مثل هذا المجتمع ركد طويلا وكأنه لم يغادر عام 1504حين اتفق عمارة دونقس مع عبدالله جماع.لقد اجترحوا مغامرة تأسيس المنظمات الحديثة:اتحاد نقابات السودان،الاتحاد النسائي،اتحاد الشباب،اتحادات المزارعين في الجزيرة وجبال النوبة نعم جبال النوبة.ومازلت حين أقرأ كتاب كامل محجوب:تلك الأيام،عن تأسيس اتحاد المزارعين في الجزيرة،شعرة جلدي ت######.خاصة حين يحكي قصة القميص الواحد الذي يغسله بالليل ليلبسه الصباح.وهو الذي كان يمكن أن يكون افنديا ببدلة وبرنيطة.هذه هي تضحيات السلف الصالح والكادح،وقد كان التيجاني في قلب المدرسة أو المصهر للأسف،السودانيون دائما يبخسون اشياءهم.
(3)
تصاعدت حملة الرجعية الصليبية،وكانت تنوي التبكير بمسرحية شوقي محمد علي في معهد المعلمين العالي عام1965.ففي3/10/1954،نشرت صحيفة"الايام" الخبر التالي:-" أن منشورات قد وزعت في العاصمة وأرسلت لبعض الناس بالبريد تهاجم الدين الإسلامي وتنادي بحياة الشيوعية".ونتيجة لذلك نظمت حملة في بعض المساجد،وطالب بعض الخطباء بهدر دم الشيوعيين.ولكن في ذلك الوقت بعض الحكماء في البلاد،قبل أن تغزو الانتهازية البلاد والاخلاق.فاسرع السيد عبدالرحمن المهدي بدرء الفتنة.وبعد أكثر من عشرين عاما تآمر اسماعيل الازهري،والصادق المهدي،وحسن الترابي،علي الديمقراطية وليس علي الحزب الشيوعي.فقد قاموا بطرد نواب انتخبهم مثلما انتخب من طردوهم.هنا كان اغتيال الديمقراطية الثاني،بعد التسليم والتسلم في 17 نوفمبر1958. وكانت سانحة لكي يرد عبدالخالق محجوب أصالة عن نفسه،ونيابة عن التيجاني الطيب وكل السلف المناضل.وكتب مقالا عنوانه:كيف أصبحت شيوعيا؟يقول فيه أنه بعد الحرب العالمية ومع صعود الوعى الوطني،انتطم مثل غيره من الطلبة المتحمسين في هذه الحركة علي أمل المساهمة في تخليص وطنه من النير الاستعماري.ويضيف:-"تحدوني حالة الفقر والبؤس التي كان ومازال يحس بها جميع المواطنين االمتطلعين الي مستقبل مشرق ملئ بالعزة والكرامة".وتعلقت آمالهم علي زعماء الاحزاب ولكن هذه الآمال تضاءلت،مما اجبر الشباب علي البحث عن بديل لأن الزعماء-حسب رأيه-لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الاستعمار.وهداه تفكيره الي النظرية الماركسية التي نشأت خلال تطور العلم.وعرج الي موقفهم من الدين قائلا:-"لم اتخذ الثقافة الماركسية لأنني كنت باحثا في الاديان،ولكن لأنني كنت ومازلت أتمني لبلادي التحرر من النفوذ الاجنبي(...)اتمني واسعي لإسعاد مواطني حتي تصبح الحياة في السودان جديرة بأن تحيا-ولأنني اسعي لثقافة نقية غير مضطربة تمتع العقل وتقدم البشرية إلي الأمام في مدارج الحضارة والمدنية."ولهذه الغايات النبيلة وهب عبدالخالق والتيجاني ورفاقهم الآخرون،كل بطريقته، حيواتهم راضين.ليس في فكرهم صراع مع الدين والإيمان،بل ببساطة:جعل الحياة في السودان جديرة بأن تحيا!هذا هو المطلب والأمل حتي اليوم.
(4)
تبلورت الفكرة،ليبدأ (التيجاني)والكثيرون من رفاقه ملاحم الجهاد الأكبر،بعد أن أنجزوا الجهاد الأصغر:وضوح الفكرة والرؤية.وكانت البداية في مصر:نضال وغربة لشباب غض واخضر ولكن حديد الإرادة لا يرتضي بغير المستحيل بديلا.وكانت التجربة في مصر خصبة ورائعة،ومفعمة بالتحدي،معلمة ومثقفة(بكسر اللام في الأولي،وكسر القاف في الثانية).فمصر بلد أكثر تقدما وخبرة،فتعلم (التيجاني)ورفاقه من المصريين مع الشيوعية حب الحياة(العمل مصر كان في الأصل حلواني)،والصبر والمثابرة،واللعب بالبيضة والحجر مع الطائفية والرجعية والابتلاء الاخواني(كم قد قتلت وكم قد مت عندهم ثم انتفضت فزال القيد والكفن)،والانفتاح علي العالم والدنيا(هنري كورييل،الاغاريق،الأرمن،اليهود،الشوام).آمنوا بشعار وحدة النيل،فكانت مدرسة اخري في التضامن،والتضحية،والرفاقية؛يكتب(التيجاني) في شهادة عن الشيوعي المصري احمد رفاعي:-" إن الإيمان بمبدأ الكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني والإخلاص له،والعمل وفق مقتضياته من سمات الوطني الأصيل.تغيرت الظروف،ولكن ذلك المبدأ،وبدون أي تقليل من الالتزامات المستجدة،يبقي الحاجة الموضوعية لتحقيق أهدافهما ومصالحهما الثابتة".(احمد رفاعي:يساري متميز، القاهرة، دار الثقافة الجديدة،2000:115).
كانت علاقات كفاح مشترك وليست مزارع مشتركة واستثمارات مفردة.وبالمناسبة(احمد الرفاعي)هو الذي رافق جثمان المناضل السوداني صلاح بشري من القاهرة الي عطبرة.ويحكي (رفاعي) عن رفيق الزنزانة،حين جاءه خبر وفاته:-" احسست بالمأساة،صلاح كان زميلي في مدة السجن..صلاح بشري ابن السودان،طالب الهندسة .. المريض بالسل..الممنوع عنه الدواء حتي يركع..صلاح المرح الذي يعيش في مصر كما كان في السودان.كل من رفاقه يناديه يازول.يضحك يرقص.يغني الالحان السودانية في بساطة ومرح..صلاح ابن عطبرة".ويتذكر اكثر:-" ..ياللفظاعة لقد كان صلاح معي في السجن منذ مدة قصيرة. رأيته..وهو ينزف دائما من صدره..سمعته وهو يكح حتي يوشك صدره أن يتمزق.تذكرت معاركنا في السجن من أجل الوصول الي تركيب زجاج لمنع البرد في شهر يناير.اعتصامات في السجن من أجل السماح له بكوب من الحليب.وتذكرت..ادارة السجن وهي ترفض بحجة أن ذلك ليس مدرجا في اللائحة". (ص130) وصلاح امتداد وصورة اخري للتيجاني وعبدالخالق،وصل بها الدهر الي مداه.وكان من الممكن أن يكون أيّ منهم صلاحا.فقد تعرض(التيجاني)في ذلك الوقت للسجن نفسه.ويقول(مبارك عبده فضل):-"...إنما كانت هناك ظاهرة ملفتة للنظر،هي انفراد تنظيم حدتو بوجود عناصر سودانية ضمن معتقليها في الهايكستب أذكر منهم:التيجاني الطيب،عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة،عبده دهب،سوداني جنوبي كان اسمه:تيدي لاركث جيمس(؟)".(كتاب: الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني-حدتو.القاهرة،دار الثقافة الجديدة،2000:20)وكان يتعرض لنفس المعاملة التي اودت بحياة(صلاح بشرى)ولكنه عاش من قل الموت-كما يقول الفلسطينيون.لم يكن موتهم سهلا،فهم الذين ينشدون قصائد كمال حليم في صلاح بشرى،مغرب كل يوم عند التمام:- بين صخر وحديد واعاصير وسل وقيود وسدود قتلوا منّا بطل هذه هي مدارس(التيجاني)ويخطئ من يظن أنه تعلم الشيوعية في مدرسة الكادر فقط.هذه هي المعارف والتجارب الذي جعلت منه المثقف الكوني الذي ركل كل خساسات الدنيا وينافس اعظم الصوفيين دون أن يكون ممسكا بمسبحة أو مرتديا رقعة.فهو من فصيلة إنسان المستقبل:الشيوعي المسؤول، والسلف الصالح،والتاريخ اليقظ،وحلم البشرية الممكن منذ افلاطون:العدالة والحرية!
-------------------------
الزعيم التجاني الطيب بابكر(1) ..
بقلم: شوقي بدري الأحد, 27 تشرين2/نوفمبر 2011 19:39 Share
قال الشهيد عبد الخالق محجوب في رثاء صديقه عمر ، و لهذا يحمل ابناء عبد الخالق اسماء عمر و المعز ، و هذا ما حفظناه قديماً : ( ان الحياة تمنح مرة واحدة . و ما اسعد الذي يستطيع ان يقول في نهايتها ، لقد قضيتها في خدمة اعدل قضية ، قضية الاشتراكية ). و لهذا نقول اننا جد فخورون بالزعيم التجاني الطيب . و انا لم اكن ابداً شيوعياً و لي خلافات مع الشيوعيين . و لكن الانسان لا يختلف مع النقاء و الوطنية و الشجاعة و الصمود ، التي كان الزعيم التجاني الطيب عنواناً لها . قبل بضع سنوات اردت أن اطبع المجموعة القصصية المشبك ، و الأهداء كان إلى الشهداء جوزيف قرنق ، الشفيع و عبد الخالق محجوب . و لقد قدم للكتاب الزعيم التجاني الطيب رحمة الله عليه . و البعض كان يقول لي انه لن يسمح بنشر هذا الكتاب إلّا اذا تغير الأهداء و التقديم . إلّا انني اصريت على الأهداء , لأنه الى خيرة الشهداء . و كنت أصر على التقديم قائلاً ، أنه لشرف لي لأن الزعيم التجاني من انظف السودانيين و أكثرهم صلابة ، لقد قدم للكتاب . و منع الكتاب في السودان و تأخر طبعه سنتين . في سنة 1995 كنت اريد ان اكتب توكيلاً للزعيم التجاني الطيب في القاهرة . و عرفت ان التوكيل يتطلب ساعات من العمل و الانتظار و التلتلة في الشهر العقاري . و لكن اذا كان معي محامي فقد يتسهل الأمر . فعرفني الأخي صلاح عبد الفتاح بمحامي مصري بتمتع بالوسامة و الأناقة . و كان منتسباً للقضاء العسكري ، و هذا قد يسهل المهمة . و أذكر ان المحامي كان من اصهار العم محمد الشاذلي مدير البوليس السابق في الخرطوم . عندما قدمنا الطلب في الشهر العقاري ، قال لي الموظف و هو قانوني كذلك ، ما معناه انني اكتب توكيل عام لشخص ، و أعطية الحق لتوكيل آخرين . و هذا يعني أن لحامل التوكيل الحق في أن يتصرف في حسابي البنكي و ان يبيع مسكني أو ان يدخلني في ديون و التزامات . و أن عملية توكيل عام خطأ . فقلت له إذا تعرضت لأي شئ مما ذكرت من حامل التوكيل ، فسأسير مختالاً وسط الناس ، و سأكون فخوراً بكل ما يحدث لي . فواصل الموظف موجهاً كلامه للمحامي المصري ، لأنه قد فشل في اقناعي . وطلب من المحامي ان يفهمني ان لحامل التوكيل الحق في ان يطلقني من زوجتي . فقلت له : ( دا حا يكون شرف بالنسبة لي ) . و واصلت قائلاً : ( اننا سلمنا مصيرنا و مصير البلد للمناضلين امثال الزعيم التجاني الطيب بابكر ، و أننا نثق بهم أكثر مما نثق بأنفسنا ) . فقال المصري : ( هو لسة في ناس بالشكل دا ) . فقل له : ( و أزيد من كدا ، و هذا احدهم ) . رحمة الله على التجاني الطيب بابكر . فلقد كان رجلاً فريداً . و أذكر انني كتبت عدة مواضيع عن الزعيم التجاني الطيب بابكر ، و انا الذي اطلقت عليه اسم الزعيم التجاني ، رغم انه يكره الألقاب . و لسوء الحظ لم اجد هذا الموضوع بين مواضيعي . و أرجوا ممن عنده هذا الموضوع ان يزودني به .
قديماً عندما يكون الأنسان في حيّ العرب ، و هو حيّ الزعيم التجاني و أهله ، كان الانسان يشاهد جبال المرخيات ، و خاصة جبل سرقام . و كل ما افكر في الزعيم التجاني الطيب ، افكر في هذا الجبل . لقد كان الزعيم التجاني في ثبات ذلك الجبل . كان يتعرض دائماً للأعتقال و السجون . و كان من اصبر المناضلين ، حتى في قسوة السجون المصرية ، و لم يكن يهتز أو يشتكي ابداً . و ليس هذا بغريب ، فوالده الشيخ الطيب بابكر عرف بالشيخ المظوهري . لأنه اول من قاد المظاهرات في 1924 في شندي . و لقد حدد الانجليز اقامته في شندي ، و منعوا خروجه منها . و كان شقيقه المهندس رحمة الله عليه ، احمد الطيب من أول طلاب مدرسة الأحفاد عندما انشأت في امدرمان ، كما كان من أميز طلبة كلية غردون ، و من أكثر الطلبة علماً و ادباً . و اشتهر بكرمه و اهتمامه بأصدقائه و وفائه النادر . كما اشتهر بمستواه العالي في التعليم و التحصيل و وعيه السياسي . و سبب هذا في طرده من الجامعة في السنة النهائية ، و أكمل دراسته في القاهرة .
كما ذكر لي الأخ الدكتور سيد المقبول ، فأنه كان يشاهد الزعيم التجاني الطيب و اشقائه أحمد و بشرى و عصام و الرشيد . منهم الطبيب و المهندس و المعتمد ، و الكل يقعي امام والدهم بعد أن ضعف سمعه ، و يتنافسون في خدمته ، و الكتابة على راحة يده حتى يشارك في الحديث . رحم الله التجاني . و عوضنا عن الزمن الجميل ، الذي كان الزعيم التجاني رحمة الله عليه ممن تأثرنا بهم و تعلمنا منهم الكثير . لقد اسعدني الحظ بأن قابلت التجاني و عشت معه في براغ ، في ايام الدراسة . و تعرفت بزوجته السيدة الفاضلة فتحية و أبنته عازة المناضلة عندما كانت طفلة صغيرة .
بالرغم من صلابة و قوة الزعيم التجاني ، كان في نفس الوقت انساناً عطوفاً ودوداً محباً للآخرين . سمعته يقول لانسان كان على خلاف مع زوجته : ( ياخي زوجتك دي مفروض أول زول تصاحبه . علاقتك معاها بعد العشرة الطويلة دي مفروض تكون صداقة ). و في القاهرة كنت اشاهد أهتمام الزعيم التجاني بحفيده . و كان يعني له كل الدنيا . كما كنت احس بعلاقته الجميلة مع صهره الاستاذ محمد خالد . الزعيم التجاني الطيب كان يبدو كأحد الشخصيات التي خرجت من الاساطير الاغريقية القديمة . كان رمزاً للشجاعة و الصمود والتجرد . لم يكن يريد اي شئ لنفسه . كان يحاسب نفسه قبل الآخرين . و في الفترة الأخيرة في القاهرة كانت تواجهه آلآف المشاكل و هو صابر و متحمل . و أضيف هنا ما كتبه اخي و استاذي أحمد بدري .
التحية ع. س. شوقي بدري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
اعلانات قوقل
أجمل من رائحة النضال لم يشمّم رائحة.. وداعا المناضل التيجاني
تاج السر عثمان بابو [email protected]
أجمل من رائحة النضال لم يشمّ رائحة... وداعا المناضل التيجاني الطيب بابكر
فارق دنيانا المناضل التيجاني الطيب بابكر عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني ورئيس تحرير صحيفة الميدان، بعد صراع طويل مع المرض، وعن عمر ناهز 85 عاما. كانت حياته مفعمة بالنضال ونشر الوعي والمعرفة، والتضحيات الجسام من أجل رفعة وتقدم البلاد وترسيخ الديمقراطية، وساهم في مقاومة الاستعمار وديكتاتوريتي عبود والنميري وديكتاتورية نظام الانقاذ وتعرض للاعتقال والتعذيب والنفي الي "ناقيشوط" بجنوب السودان أيام عبود، وضحي من أجل بقاء وثبات ووحدة الحزب ووجوده فعّالا ومؤثرا في المجتمع ، حتي وجد قيمته وذاته "في خضم النضال الذي يقوده شعبنا وقواه الثورية" كما جاء في دفاعه أمام محكمة نظام مايو الديكتاتوري.
التيجاني من مواليد العام 1927م، والده الطيب بابكر من قادة ثوار 1924م، تلقي تعليمه الأولي بمدينة شندي والاوسط والثانوي بام درمان، وشد الرحال الي مصر طلبا للتعليم الجامعي مع رفاق دربه عبد الخالق محجوب والجنيد علي عمر وعبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة..الخ. ولايمكن الحديث عن التيجاني بمعزل عن تاريخ الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي انفجرت بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن خمدت جذوتها بهزيمة ثورة 1924م، وشارك التيجاني في مظاهرات الطلاب التي اندلعت عام 1946م بعد أحداث كبري عباس وهتافاتها الداوية ضد الاستعمار ومن أجل استقلال البلاد، ومقاومة الجمعية التشريعية 1948م وتأسيس الأحزاب السياسية ونقابات واتحادات العمال والطلاب والمعلمين والمزارعين واتحادات الشباب والنساء ومنظمات أنصار السلام، حتي تمّ تتويج نضال شعب السودان بتوقيع اتفاقية فبراير 1952م التي فتحت الطريق للحكم الذاتي بعد قيام الانتخابات العامة عام 1954م، وقيام الجبهة المتحدة لتحرير السودان التي توحدت من أجل استقلال البلاد حتي تم اعلانه من داخل البرلمان واعلانه رسميا في مطلع يناير 1956م.
كما لايمكن الحديث عن التيجاني بمعزل عن تاريخ الحزب الشيوعي السوداني الذي تأسس في أغسطس 1946م باسم " الحركة السودانية للتحرر الوطني" ، ساهم التيجاني في تأسيس الحلقات الأولي للحزب وفي تأسيس اتحاد الطلاب السودانيين بمصر، وبسبب نشاطه السياسي تعرض للاعتقال والتعذيب في السجون المصرية، والابعاد من مصر قبل أن يكمل دراسته. وبعد عودته للسودان عمل لفترة معلما في مدرسة الأحفاد الوسطي، وساهم في تأسيس اتحاد معلمي المدارس الأهلية، وبعد ذلك تفرغ للحزب في اوائل خمسينيات القرن الماضي. وساهم بنشاط في المؤتمر التداولي لكادر الحزب الذي عقد عام 1949م والذي صحح مسار الحزب وارسي الديمقراطية فيه ، ومهد الطريق لعقد المؤتمر الأول للحزب في اكتوبر 1950م، والذي قدم فيه لأول مرة تقارير سياسية وتنظيمية واجيز دستور الحزب الذي تطور فيما بعد، وتم انتخاب لجنة مركزية. ووقف التجاني مع وحدة الحزب في الصراع الداخلي والذي حسمه المؤتمر الثاني في اكتوبر 1951م لمصلحة وجود الحزب المستقل بدلا أن يكون جناحا يساريا في الأحزاب الاتحادية، وتأكيد طبيعته الطبقية ومنهجه الماركسي المستند الي واقع السودان، حيث النظرية ترشد الممارسة، والممارسة تخصّب وتظور النظرية.
وبعد المؤتمر الثاني نشب الانقسام وكان التيجاني من الذين دافعوا عن وحدة الحزب، وظل التيجاني مدافعا عن وحدة الحزب في كل الصراعات الداخلية والانقسامات التي نشبت في الحزب في أغسطس 1964م، وفي سبتمبر 1970م، وفي مايو 1994م، وساهم في هزيمة الأفكار التي طالبت بتصفية وحل الحزب الشيوعي والتخلي عن طبيعته الطبقية ومنهجه الماركسي، وظل قابضا علي جمر مبادئ الحزب حتي الرمق الأخير. وظل التيجاني عضوا منتخبا في اللجنة المركزية حوالي 60 عاما منذ المؤتمر الأول: اكتوبر 1950م، والمؤتمر الثاني: اكتوبر 1951م، والمؤتمر الثالث: فبراير 1956م، والمؤتمر الرابع: اكتوبر 1967م، والمؤتمر الخامس: يناير 2009م ، وبعد أن نال ثقة الأعضاء بفضل تفانيه واخلاصه وتضحياته الجسام وجهده القيادي في مختلف المسؤوليات التي تسنمها.
وفي نشاطه الحزبي شغل التيجاني عدة مسؤوليات قيادية في المكتب السياسي وسكرتارية الللجنة المركزية، وفي مناطق عطبرة ومديرية الخرطوم، وفي مكتب العلاقات الخارجية ، ومكتب التعليم الحزبي، ولجنة الانتخابات المركزية، ومندوبا للحزب في التجمع الوطني الديمقراطي في القاهرة بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، ومندوبا للحزب في مجلة " قضايا السلم والاشتراكية" التي كانت تصدر من براغ في ستينيات القرن الماضي، وفي صحافة الحزب السرية والعلنية: "اللواء الأحمر" والتي تغير اسمها الي " الميدان" عام 1954م، وبعد جريمة حل الحزب الشيوعي عام 1965م وطرد نوابه من البرلمان أسس التيجاني صحيفة "الضياء" عام 1968م وراس تحريرها، كما أسهم في تأسيس مجلة " قضايا سودانية" التي كانت تصدر في القاهرة في تسعينيات القرن الماضي.
وكانت له مساهمات اثرت حياة الحزب وخطه الثوري من أهمها مساهمته التي صدرت في مجلة الشيوعي العدد (150) بعنوان " تطور الخط الثوري للحزب"، وهي دراسة قيّمة فيها ملاحظات ناقدة لتطور الحزب ومعالم هامة في تاريخه ، كما ساهم التيجاني في صياغة موقف الحزب من قضية الجنوب، وشارك في أول لجنة كونها الحزب لدراسة مشكلة الجنوب في اوائل خمسينيات القرن الماضي، مع د. عز الدين علي عامر والشهيد جوزيف قرنق، وتم تقديم دراسة ميدانية للمشكلة ساعدت الحزب في دراسة المشكلة بذهن مفتوح، وتوصل الحزب الي " شعار الحكم الذاتي في اطار السودان الموحد" ، وضرورة التنمية المتوازنة، والاعتراف بالتنوع الثقافي ، واحترام ثقافات ومعتقدات شعوب وقبائل الجنوب وحقها في استخدام لغاتها الخاصة في التعليم. كما اسهم التيجاني في توثيق مواقف الحزب حول قضية الجنوب، واصدر عدة وثائق وكتابات من صحيفة الميدان والتي صدرت في كتاب بعنوان " البحث عن السلام".
كما اهتم التيجاني بالتوثيق لتاريخ الحزب، ولم يبخل في تقديم المساعدات للباحثين في تاريخ الحزب من خلال مدهم بالوثائق أو قراءة ابحاثهم وتقديم الملاحظات عليها وتصويب بعض الوقائع. كما ساهم التيجاني في اصدار كتاب " ثورة شعب" مع المرحوم عمر مصطفي المكي الذي وثّق توثيقا جيّدا لأحداث ووقائع ثورة اكتوبر1964م ونضال مختلف الفئات والاحزاب حتي اندلاع الثورة، وهو من المصادر المهمة لثورة اكتوبر 1964م، كما ساهم التيجاني في تنظيم وحفظ ارشيف الحزب في الخارج حتي يكون متاحا للباحثين والدارسين، وظل متابعا لذلك في " لجنة التوثيق" رغم مرضه حتي وفاته.وساهم التيجاني في لجنة العيد الأربعين للحزب التي كونها مركز الحزب بعد انتفاضة مارس- ابريل 1985م، والتي كان ثمرة نشاطها بعد جهد مقدر من الكتاب والمؤرخين والمبدعين انجاز "كتاب معرض العيد الأربعين" والذي وثق لتاريخ الحزب في الفترة ( 1946م – 1985م)، والذي يحتاج الي استكمال.
وساهم التيجاني بنشاط في المناقشة العامة التي فتحها الحزب الشيوعي حول متغيرات العصر بعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا ، ودافع في مقالاته عن المنهج الماركسي، وأشار الي أن سقوط التجارب الاشتراكية لايعني خطأ الماركسية والتخلي عنها، وأن تجديد الحزب لايعني تصفيتة وحله. كما ساهم التيجاني في اللجان التحضيرية للمؤتمر الخامس مثل : لجنة الدستور في الفترة ( 1988م- 1989م) حتي تم انجاز مشروع الدستور ورفعه للجنة المركزية، كما ساهم في لجنة اعداد التقرير السياسي، وفي لجنة اعداد التقرير التنظيمي، وقدم رغم مرضه عصارة فكره وتجربته في تلك التقارير من خلال المناقشات والملاحظات التي قدمها، وساهم في التحضير وفي هيئة رئاسة المؤتمر ، حتي تكللت أعماله بالنجاح. وأخيرا الحديث عن مناقب التيجاني وانجازاته يطول، ويكفي أنه كان مناضلا صلبا وانسانا متواضعا يحترم الرأي الآخر، وضحي بكل حياته من أجل انتصار الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي، والتي تستهدف سعادة ورفاهية الانسان السوداني. وستظل ذكراه والمبادئ التي ناضل من أجلها عطرة وباقية، والعزاء لرفاق دربه وكل الديمقراطيين والوطنيين السودانيين، ولاسرته وعارفي فضله.
نشر بتاريخ 29-11-2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
في وداع آخر الأنبياء السياسيين! منذ 2 ساعة 22 دقيقة التيجاني الطيب بابكر فتحي الضَّـو
[email protected] غيّب الموت الأسبوع الماضي الأستاذ التيجاني الطيب بابكر، وذلك عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاماً. سخَّر منها أكثر من ستين عاماً لحياة حافلة بالعطاء والتجرد ونكران الذات. وهي القيَم النبيلة التي لازمته حتى آخر لحظة قبيل أن تصعد روحه لبارئها. كان التيجاني قد نال نصيبه من الاعتقالات في سجون الأنظمة الديكتاتورية الثلاث التي تسلطت على رقاب الشعب السوداني. والذي قد لا يُدهش الذين يعرفونه عن كثب، أن السنوات التي قضاها في المعتقلات والاختفاء القسري، إلى جانب المنفى الاختياري في القاهرة التي جاءها هارباً في العام 1991م على ظهر جمل، قبل أن يعود للسودان مجدداً في العام 2005م قد غطت أكثر من نصف عمره السياسي. والمفارقة أن القاهرة تلك قد شهدت أول اعتقال له في سجن (الهايكتسيب) في مايو من العام 1948م وكان حينذاك يشغل موقع سكرتير اتحاد الطلبة السودانيين. ورافقه في السجن كلاً من عبده دهب، عبد الرحمن الوسيلة، محمد أحمد الرشيد، تيدي جيمس لاركن، والأخير هذا من جنوب السودان وكان يعمل موظفاً مع الإدارة البريطانية في قنال السويس، إلى جانب آخرين بدأوا الارتقاء في مدارج الشيوعية تحت مسماها المعروف بـ "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو) قبل أن تصبح "الحركة السودانية للتحرر الوطني" (حستو) ومن ثمَّ الحزب الشيوعي السوداني. والمفارقة أيضاً أنهم سُجنوا بسبب انحيازهم للقضية الفلسطينية، إذ تزامن ذلك مع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. والمثير في الأمر أن اعتقالهم تخلله إضراب عن الطعام، استمر لأكثر من عشرين يوماً. والتيجاني نفسه كان عمره آنذاك بضعاً وعشرين عاماً!
بمجرد مواراته الثرى هرع الكتاب والصحافيون والسياسيون للتعبير عن مشاعرهم في فقد عظيم. طفقوا يعددون مآثره، ويسطرون تاريخاً حافل بالدروس والعبر والمواقف المتميزة. ومن ضمن ما قرأت هزَّني موقف صدَّر به صديقنا الأستاذ أمير بابكر مقاله التأبيني (الأحداث 24/11/2011م) عن التيجاني، ذاك الموقف والذي حدث في وقت مبكر من عمره، بل في مقتبل حياته، يمكن القول إنه يتسق تماماً وشخصية الراحل العظيم، بل جسَّد رؤاه وأفكاره ومواقفه السياسية، إلى جانب التزامه الصارم بقضيته وإيمانه الصمدي بوطنه وشعبه والإنسان بصورة عامة حيثما كان. فحياة التيجاني كانت أشبه بملحمة أسطورية، يحق للجيل الحالي والأجيال القادمة أن تلم بها وتتناقلها كأنقى ما تكون السير وقصص الرواد المخلصين. ولعل مرافعته التي قدمها في محاكمته الشهيرة في نظام نميري، أو ما اصطلحنا على تسميته بالديكتاتورية الثانية، بعد إلقاء القبض عليه في العام 1981م بعد عشر سنوات من الاختفاء الذي حدث عقب ما أسماه الحزب الشيوعي في أدبياته بـ (أسبوع الآلام) في إشارة لموجة الإعدامات التي طالت قادته وعلى رأسهم الشهداء: عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وهاشم العطا وبابكر النور وآخرون. تلك المرافعة تعد من أروع ما قيل في وجه جلاد أينما كان، ولذا لو أننا كنا نرفل في ظل نظام ديمقراطي، لطالبنا بأن تتضمن مناهج التعليم حتى يعلم الخلف كيف يمكن للمرء أن ينذر حياته لوطنه، ويكون على استعداد للتضحية من أجله وبينه وبين الموت بضع خطوات!
كتب أمير في مقاله المشار إليه: (كان والدي مكلفاً بالحفاظ على وترحيل الراحل عبد الخالق محجوب إلى أن يجتاز الحدود إلى مصر للحاق بمؤتمر للأحزاب الشيوعية في موسكو في النصف الأول من الستينيات، في وقت كانت تبحث عنه القوات الأمنية لمنعه من ذلك. تم الاتفاق على اجتيازه الحدود عن طريق البر وبواسطة عربة (لوري) والتنسيق هناك داخل الأراضي المصرية لاستقباله بواسطة آخرين. ظهر الأستاذ التيجاني فجأة في وادي حلفا وهو الرجل الثاني في الحزب الشيوعي السوداني، وكان في طريقه إلى مصر أيضاً في مهمة حزبية، ليجتمع مع عبد الخالق وصاحب العربة (اللوري) وهو عضو في الحزب الشيوعي ووالدي، الذي يعمل في وادي حلفا حينها، في المنزل حيث يختفي عبد الخالق. وكان الاجتماع حيث جلس الأربعة حول طاولة، لمتابعة الترتيبات النهائية لخطة السفر. شرح صاحب (اللوري) الموقف، وقال إن العربة لن تكون جاهزة في الموعد المحدد. كان ذلك يعني عدة أشياء فالذين سيستقبلون عبد الخالق في الجانب المصري لا يعرفون إلا هذا (اللوري) الذي يجب أن يصل في تاريخ ووقت محدد والوصول إلى نقطة محددة سلفاً. أي تغيير سيضطر الجميع إلى وضع ترتيبات جديدة في ظل تلك الظروف المعقدة.
ما أن سمع الراحل عبد الخالق هذا الأمر حتى نهض واقفاً وهو في حالة انفعال وهياج، بسبب الإخفاق في الترتيبات وأمسك بأوراق في الطاولة التي اجتمعوا حولها وقذف بها بشكل عبر عن فقدانه لأعصابه. حدث كل ذلك لمدة ثوانٍ، ليتحدث الأستاذ التيجاني في صرامة إلى عبد الخالق بقوله (إنك لا تصلح أن تكون سكرتيراً للحزب الشيوعي).. وأضاف: (إنني سأقدم تنويراً للجنة المركزية بما بدر منك وأطالبك باعتذار رسمي). فما كان من الزعيم عبد الخالق إلا أن وقف مرة أخرى قائلاً للتيجاني والآخرين: (إذا لم تفعل ذلك لن تكون شيوعياً، وأنا بدوري سأقدم اعتذاري الآن هنا وأمام اجتماع اللجنة المركزية وحتى في الجريدة الرسمية). انتهى الاقتباس في الرواية التي صاغها أمير في سياق مقاله المؤثر.
عرفت التيجاني في منتصف ثمانيات القرن الماضي، عندما زرت السودان للمرة الأولى بعد انتفاضة أبريل 1985م حينها قدمت من الكويت لإجراء حوارات صحافية مع عدد من قادة النشاط السياسي، وبالطبع كان من بينهم الأستاذ محمد إبراهيم نقد، ذلك للألق الذي صاحب اختفائه، ونظراً لتاريخ الحزب التليد في مقاومة ذلك النظام الديكتاتوري يومذاك. قصدت صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي مصحوباً برسالة شفهية من صديقي العزيز الدكتور مصطفى خوجلي. وكانت الصحيفة تقبع في دار متواضعة في شارع صغير متفرع من شارع الحرية. دخلتها حيث بدأت قصتي مع التيجاني، أو ذاك الشخص الصارم القسمات، والذي هالني بأنه يتحدث لزملائه بصوت جهور كأنه في خضم تظاهرة. سألته عن الأستاذ نقد بعد أن قدمت له نفسي، فلم يزحزح ذلك من الأمر شيئاً. جاوبني باختصار يبعث الضيق في النفس (أنتظره هنا يمكن يجي)!
كنت آنذاك طراً غريراً توهمت أن الحزب الشيوعي سيحتفي بي وسيفرش لي بساطاً أحمراً أتبختر فيه كيما أتفق، لكن تضاءلت أوهامي هذه عندما وجدت الحزب نفسه يبحث عن مغيث، صحيفة تقبع في دار متواضعة تتكون من غرفتين ربما ثلاثة بالكاد تسع شاغليها. وزاد من إحباطي أن الرجل الذي قالوا لي إنني سأجد عنه مقصدي، كان صارماً حد العجرفة كأنه يتأهب لمعركة محتملة. غادرت المكان وتوالى حضوري لأصطدم بذات الإجابة المختصرة مرة ومرتين وثلاث. خرجت في الأخيرة وأنا عازم بعدم العودة مرة أخرى. كانت المفاجأة أن التقي مصطفى خوجلي في بوابة الدار، وكان قد قدم للتو من الكويت أيضاً. أبديت له ضيقي وتبرمي فضحك ضحكته الودودة التي تمتص منك الغضب وإن تراكم جبالاً، ثمّ أمسك بيدي ودلفنا للدار مرة أخرى وقدمني للتيجاني، فلم أشعر بأن الأمر تغير في كبير شيء. اختصاراً لتفاصيل كثيرة ليست بذات أهمية، نلت مراميَّ، أما علاقتي بالتيجاني فقد بدأت تأخذ منحىً آخراً عند كل زيارة للوطن في ظل ديمقراطية وارفة أو هكذا نظن! لمست فيها ما خفي عني في شخصه، أو بالأحرى ما لا يمكن معرفته إلا بالاقتراب منه!
بيد أن علاقتي هذه اتّخذت مساراً آخر أكثر حميمة بعد وصوله القاهرة التي سبقتّه إليها بالدوافع نفسها. وفي مشهد لاحق سألته تفصيلاً عن رحلة هروبه تلك والتي وثقت لها وأشياء أخر في كتابي الأخير (سقوط الأقنعة) فلفت نظري بإجاباته المختصرة حول خواطره حولها، فقال لي: إنه لا يعرف عنها شيئاً غير جمال الصحراء، حيث الهدوء يعم المكان، والأرض منبسطة بلا نهاية، لا تسمع فيها سوى هسيس الرياح والأبل. ثمّ بعد وصوله قيضت لي الظروف أن نلتقي كثيراً، حيث سكنا متجاورين وبيننا صديقنا الودود محمد عبد الماجد وهو بحكم عضويته في الحزب كان المسؤول عن ترتيب أموره. بدأت يومها تتشكل لي سيرته على نحو آخر بحكم المعايشة، كانت فيها العلاقة بعدئذ أشبه بنبتة صغيرة حرص كلانا على رعايتها بحنو بالغ.. كمن يخشوا أن تذروها ري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
امثالك لا يرحلون ..عم التجانى الطيب ..
بقلم: نورالدين محمد عثمان نورالدين الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2011 18:59 Share منصات..حرة
لايرحلون من عالمنا مادام العالم موجود ..هنا ترتبك الأشياء وتتلعثم الألسن عندما نطرح جدلية الوجود والعدم وتناقضات الأشياء ولولبية التاريخ واحداثه وجدل المادة ..ومتغيرات العصر ..فجدلية الوجود والعدم لا تعترف بمادية الأشياء كمؤثرات مستمرة ولكن تعرف تماماً أن التاريخ لايصنعه شخص واحد وإنما يتم من خلال قوى كثيرة تؤثر فى بعضها وتتبادل الأفكار والنظريات التى ستبقى فى حالة جدل مع الواقع مستمر ..هكذا هو الديالكتيك لا يعترف بأحاسيسنا القلبية والروحية وعاطفتنا ..نحن فقدناك ..التجانى الطيب بابكر ..واعيننا لم تعد تراك ولكن من سيقنع هذا الديالكتيك الذى لن يعترف ابداً برحيلك فهو يراك تمشى على ملايين الأرجل ويراك تفكر بعشرات العقول ..ويرى نشاطك فى كل المحافل ..
الآن وغداً ..البشر دوما هكذا يرحلون ويدمعون لفراق بعضهم والقلب يظل يحزن والعين تظل تدمع ..ويهرولون لإقامة تأبين وتنظيم الرثاء ..ولكن رغم كل هذا الحزن ..وجودك طاغى ..وفكرك باقى ..وعقلك يمارس الحياة دون توقف ..أطفأت خمسة وثمانين شمعة ..لتضئ كل هذه الدروب ..التى ستظل فى حالة وعى وإدراك مدى الدهر ..فاليذهب جسدك ..فغيرك كثيرون ذهبوا ولكن بقيت اشياءهم تعلم الأشياء ..هكذا علمنا منهج الديالكتيك لتحليل الأشياء وها نحن الآن نستخدم نفس المنهج لمعرفة اشياءكم ..ايها المناضلين الأوفياء ..فأنت التجانى الطيب وامثالك تستحقون هذا اللقب (مناضل ..)..فلولا انتم لعم الظلام كل الكون ..فبوعيكم نهتدى كما اهتديتم انتم بوعى من سبقكم ..وظلوا فى ثبات على المبدأ ..رغم كثرة القيل والقال ورغم كثرة اللوثات التى لحقت بكم ..وستلحق ..بامثالكم ..
وفى حضرتكم تتهاوى المناصب وتتقزم التنظيمات ..وتنتفى الأحزاب ..انت ( التجانى الطيب )..وأمثالك لا حصرية عليكم ولا خصوصية فأنتم دوما على الشيوع ..فاليرقد ..جسدك الضعيف.. بسلام بجوار رفاق الدرب ..لتشكلوا لوحة البقاء ..وتشعلوا اضواء الحرية ..فالرحمة دوماً تاتى من علياء الملكوت ..وابدية الخالق ..ونور الله ..فاليرحمك الله بقدر صفاءك وابدية فكرك ..ونور وعيك ايها التجانى الطيب ..فكلما كنا نطالع فى كتاباتك كانت تغشانا هالات الإحترام وتضخ عروقنا إنزيمات الصمود وعناد البقاء ..ونشاكش الواقع حوارا ونقاشا وجدلا ..لن ننسى تلك الابتسامة التى كانت ترتسم على وجهك دوما ..وتلك التعليقات الطريفه التى كانت تلازمك اينما ذهبت ..كثيرة هى تلك الدروب التى حفرتها فكلها ستؤدى الى غاية الحرية التى كنت تنشد ..فكلكم هكذا تذهبون وأنتم فى حالة نضال ..وحالة ثبات ..دائماً انت وامثالك ترحلون بزاوية قائمة ..دون تردد ..اليوم سننعى ذلك الجسد الواهن الذى عانى من بعض المرض ..فقط ..لأن البشر ينعون الراحلون ..وانت رحلت جسداً ..وبقيت فكرا ووعيا ..
انت ستبقى فى دهاليز الاشياء وفى تلك الأزقة الخلفية فى الجامعة ..وفى اركان النقاش ..وتفاصيل الحياة اليومية .ستظل كابوسا للظلم والإستغلال ..ستظل ملهما لرفاق دربك ..فى حزبك الذى اخترت لتناضل من خلاله ..ستبقى نبراسا لكل صحفى وصاحب رأى وكاتب ..ستبقى بين العمال ..وبين الطلاب ..والمزارعين ..رفيقا ..وستبقى حرا تناضل من اجل الطبقة الكادحة ..ومعلما من معالم الطريق ... مع ودى..
[[email protected]]
---------------
التجاني الطيب – سيد المناضلين Updated On Nov 28th, 2011
* التجاني الطيب – سيد المناضلين ونصيرالغلابة (نم هانئاً) أيها الفارس النبيل
* ومضى ..راهب الفكر
* غابت شمس وأفل نجم ورحل نموذج من طراز فريد
* امثال هؤلاء ..لا يرحلون هكذا…
* أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا
الخرطوم :حسين سعد
قبل نحو 13شهرا تحديدا في أكتوبر2010 نشرنا في صحيفتنا(أجراس الحرية)التي تم الغاء ترخيصها قبل نحو خمسة اشهر حديثا مطولا لاستاذ الاجيال ورئيس تحرير صحيفة الميدان وعضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي التجاني الطيب الذي استضافه نادي القصة السوداني ضمن سلسلة شاهد على العصر أمسية الخميس الموافق30 سبتمبر 2010 بمقر النادي بالمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون وتحدث عما شهده وما شارك فيه وما أسهم فيه إسهاماً فاعلاً خلال سنوات عمره الحافله بالعطاءوالنضال والانحياز للغلابة والعمال والفقراء ، معلناً عن استعداده التام لتوضيح كل ما يسأل عنه وسرد ما شاء له السرد من تاريخ الحزب وما أنجزه وما ناله من مطاردات وملاحقات وما ناله أفراده من قتل وسجن وتشويه، وفي حفل تابينه الجمعة الماضية سردت قيادات القوي السياسية مواقف الرجل النضالية والمنحازة نحو الكادحين والغلابة والعمال والمراءة ،ما سجلته افادات القوي السياسية وتلاميذه في الزميلة الميدان التي جاء عنوانها الرئيسي امس الاحد (وداعا المناضل التجاني الطيب ).
يتسق تماما مع مواقف الراحل الذي شارك في المظاهرات التي قامت بعد ثورة 1924م واستمرت طيلة عام 1946م الى ان اغلقت الجامعة، وطلب من قادة المظاهرات وغيرهم من الطلبة أن يتعهدوا بعدم المشاركة في العمل السياسي، ورفض نحو ستين طالبا من هؤلاء الطلبة التوقيع حيث كان الاستاذ التجاني الطيب واحدا منهم.
محطات حياة المناضل التجاني الطيب عقب هجرته الي مصر بداها معلما لفترة بسيطه ، ولكن الإدارة البريطانية رأت ان لا يكون في السلك التعليمي، ورفضت منحه رخصة معلم، ولم يجد وظيفة في أي مكان آخر، فانخرط في سلك التفرغ للعمل الشيوعي منذ عام 1951م حيث تأسس الحزب باسم الحركة السودانية للتحرر الوطني في اغسطس 1946م، حيث كان عبارة عن حلقات بعضها في مصر وبعضها في السودان من خريجي المدارس الثانوية ووادي سيدنا وحنتوب، وقد كان ذلك نتيجة لجهد قام به بعض معلمي المدارس الثانوية وبعض الموظفين الشيوعيين من الانجليز الذين اتصلوا بأحمد زين العابدين «رحمة الله عليه» وآخرون، بدأوا حلقات ماركسية عام 1946م، وبعد ذلك تطورت هذه الحلقات لتلعب دورا أكبر، وتكون عام 1946م الحزب من عدد قليل لا يتجاوز العشرة اشخاص لكنهم كانوا مخلصين. وفي عام 1951م نظم اول مؤتمر للحزب الشيوعي السوداني، وشكل اول لجنة مركزية منتخبة. وفي عام 1952م عقد المؤتمر الثاني، وفي عام 6591 الثالث، وفي عام 1968م الرابع، ثم بعد اربعين سنة عقد المؤتمر الخامس.
انحياز الراحل للديمقراطية ورفضه للشمولية ، كان باكرا وهو ما نجده في وصفه الي انقلاب عبود بانه(اكبر ضربة وجهت للديمقراطية، فمنذ بدايته اعتقل وذبح الديمقراطية ذبحا كاملا، وآثاره موجودة حتى الآن، فقد جرد الناس من حرياتهم وحقوقهم، وضرره على الاقتصاد السوداني مازال موجودا).
وقال التيجاني ان الاستقلال كان ينبغي أن يحقق حياة افضل للمواطنين، وأن تشهد المناطق المهمشة اهتماما أكبر، لأن الاستقلال ليس علماً وأناشيد تردد. وكان لا بد أن يصاحبه تغيير في كل الاتجاهات. وأضاف أن أول ناس وقفوا أمام محكمة عسكرية بعد ثورة 1924م كانوا من العمال، الشفيع أحمد الشيخ وصحبه، واول من اعتقل اعتقالات غير محدودة المدى هم مجموعة عبود.. فهذه المرارات لا تنتهي اطلاقا، ولكن أكتوبر جاءت معبرة عن مشاعر الناس جميعا، وكانت أكبر حدث للسودانيين جميعا بعد الثورة المهدية والاستقلال، وكانت شرفا كبيرا للذين اشتركوا فيها، وقد اصدرنا كتابا ذكرنا فيه أي شكل من اشكال المقاومة لنظام عبود، والثورة قامت لاسباب كثيرة، وشارك فيها كل الشعب السوداني بجميع قطاعاته وأحزابه
وحول علاقة الحزب بالجمهوريين والاستاذ محمود محمد طه قال كانت علاقة جيدة، والأستاذ محمود أخذ موقفا واضحا من مسألة حظر نشاط الحزب الشيوعي، ومحاكمته كان لدينا موقف واضح منها، وقدمنا ما استطعنا من مساعدات، ونظمنا مظاهرة داخل السجن هتفنا خلالها ضد الإعدام سمعها كل من كان قرب منصة الاعدام،.
٭ أما الحديث عن علاقة الراحل بالعمل الصحفي عبر الصحف السودانية، فقد بدأ الكتابة في جريدة المؤتمر في الفترة ما بين 48 – 49م، ثم جريدة «الصراحة» وقال ان اول جريدة شيوعية كانت سرية هي جريدة «اللواء الأحمر» الى أن جاءت انتخابات الحكم الذاتي والتي قال انها منحتهم تصديقا لجريدة وبصعوبة شديدة، وتمت تسميتها «الميدان»، وصدرت في سبتمبر 1954م، وتوقفت مع أول خلاف مع عبود ثم عادت في 1985م، ثم في 2005م، وقد كان أول رئيس تحرير لها حسن الطاهر زروق، ثم بابكر محمد علي ثم عمر مصطفى المكي، ثم الراحل الاستاذ التجاني الطيب .الذي وصفته الحركة الشعبية بشمال السودان بانه (مثل الطلقة المصوبة من قناص ماهر لاتخطي هدفها مطلقا) وقال الامين العام للحركة الشعبية ياسرعرمان في بيان له خلسة رحل الاستاذ والمناضل الكبير التجاني الطيب بابكر أحد الاباء المؤسسين للحركة الديمقراطية التقدمية السودانية وأحد الكبار المنحازين للفقراء والمحرومين والمهمشين. والتجاني الطيب صنوا للثبات والجلد ومضاء العزيمة أنسان رفيع لايخطي في معرفة القضايا العادلة أو معرفة خصومه . لم يتزحزح أو يتلجلج في صيف السياسة السودانية او خريفها منذ قاهرة المعز في منتصف الاربعينيات لم يحفل بذهب المعز او سيفه .وهو من منظومة وعقد فريد من الرجال والنساء الذين شقوا عصا الطاعة عما هو سائد في أزمنة عصية على شق العصا.
يكفي تجاني فخرا أن رفقته الممتازة ضمت عبدالخالق محجوب وعبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة والجنيد على عمر وعزالدين على عامر والجيلي عبدالرحمن والانسان العصي على النسيان عبده دهب حسنين وبقية رفاقه .
وأضاف عرمان (الاستاذ التجاني الطيب مدرسة في العمل الصحفي والحزبي الملتزم وذو مقدرة فائقة على صياغة وكتابة المواقف السياسية الرصينة وهو أحد اساتذة جيلناوالاجيال التى تلت تاسيس الحركة الوطنية الحديثة ضد الاستعمار البريطاني).
وردد(أناسا مثل تجاني الطيب ومحمود محمد طه والحاج مضوي محمد احمد وجون قرنق دي مابيور ويوسف كوة مكي والحاج نقدالله (متعة اللة بالصحة والعافية) وأمثالهم يقدمون نموزجا لاغنى عنه لاجيال المستقبل في الثبات والاقدام والالتزام السياسي والاخلاقي عالي الكعب والهمة في تضاد مع ثقافة الوجبات السياسية السريعة) .
ونذر الفارس المغوار(التجاني الطيب )حياته لخدمة السودان مدافعاً عن الحرية والديمقراطية. ومناضلا ونصيرا للكادحين برحيله فقد الوطن فارساً نبيلاً ومناضلاً لا يشق له غبار ظل في الصفوف الأولي في حركة النضال الوطني منافحاً صلباً عن حقوق العمال والمزارعين وكادحي المدن، وقد واجه الراحل محاكم الأنظمة الشمولية بشجاعة المناضل النبيل ، ولم يساوم في قضايا الإنسان السوداني وفي حقوقه الأساسية، كما واجه أجهزة نظام الأنقاذ بحزم ونبل وشجاعة، وظل وفياً لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى آخر لحظة في حياتة المليئة بالتضحيات.
لقد رحل (عمي التجاني) في وقت يحتاجه شعبنا أشد الإحتياج وهو يخوض معركته الفاصلة ضد الفاشيون الجدد في الخرطوم.
لا نعزي اسرته العظيمة فحسب، ولا نعزي حزبه الذي نذر حياته كلها من أجل الدعوة اليه فحسب، لكنا ننعي فقده للامة كلها. قد كان هرماً من اهراماتها ورمزاً بارزاً من رموزها.
نسأل الله أن يتقبله أحسن قبول وأن يصبر الجميع علي فقده.
(انا لله وانا اليه راجعون)
ومضى ..راهب الفكر
آخر من تبقى من رواد حركة التحرر الوطني ، خمسة وستون عاما من العطاء ، أحد بناة الحزب ومؤسسيه، عاش لحظات المخاض والولادة ورعى وحنا على الجنين وهو يحبو ويمشي وتتعثر خطاه في النشأة الأولى عامر الوليد وهو لما يشب عن الطوق تتجاذبه عوامل الصراع أن يبقى فردا قويا بنفسه وبنائه دون أن يذوب في الآخرين شهد وخاض غمار الانقسام الأولى في تاريخ الحزب وأختار كدأبه الانحياز للحق والحقيقة والمنطق عاش كل صراعات الحزب الداخلية وعاش صراعاته مع قوى البطش والبغي والطغيان منذ عهد الاستعمار وحتى تلك السنوات الكالحة السواد والبشاعة التي حاولت جاهدة أن تغتال الضياء وأن تعلن مسارب الضوء الشمولية الأولى والثانية والثالثة التي لازالت جاهدة أن تحجب عن السودان أشعة الشمس.
خمس وستون عاما من الذل.والعطاء. والثقافي. والصبر. والجسارة. الجسارة. والتصدي. الصمود. التجرد. الكبرياء. العزة الإباء الشموخ. الحكمة. الرشد. العفة. الطهارة. النقاء.
خاض غماركل تلك السنين العجاف.. لهيبها. لهيبها .. سعيرها.. لظاها.. جالد..صادم..قاوم ..جاهد ..كان عصيا على أعدائه..ما داهن .. ما ساوم..ما هادن .. ما كلّ .. ما استكان ..ما خار .. ما ضعف .. ناهضَ ..خاصم .. ما انحنى .. ما ذُلَّ ..ما زاغ .. ما ضل .. ما غوى ..كان فارس كل المراحل ووقودها .
ما أقسى علينا أن نقول عنه كان وكان.. ولكن في الليلة الظلماء يفتقد البدر. عزاؤنا فيه أن تلك المثل والقيم والمبادئ التي غرسها وسقاها وتعهدها بالرعاية زهت..سمقت طالت أصبحت منارة ..أصبحت قلب الدنيا..ملح الأرض..ما مات التجاني أنه خالد فينا خالد إلى الأبد وستلهمنا ذكراه التي سنظل لها أوفياء.
ما مات من وهب الحياة حياته. ولا نعزي عزة ـ الثكلى ـ وليبقى لها العزاء إنها ابنة الكل ..أخت الكل، والكل منا أبناء التجاني وأخوانه.
الهم ارحمه يا الله لقد كان بنا رحيما ، وأغفر له أنه كان سمحا متسامحا عفوا غفورا (وقل رب أغفر وأرحم وأنت خير الراحمين).
عمر شرارة
غابت شمس وأفل نجم ورحل نموذج من طراز فريد
تاج السر مكى
نعي الناعون وهم حزانى المناضل العنيد الجسور التجاني الطيب بابكر وقد قدم في حياته أهازيج من النضال والتضحيات من أجل شعبه.
لا أعرف لماذا كلما أرى أستاذنا الراحل أو اقرأ كلمته أو اسمع صوته تأتيني تلك الصورة التي أتخيلها لقائد الثورة البلشفية وهو يخاطب رفيقه المريض بداء الصدر والذي يكح ويبصق دماً..وكان لينين يأتيه ليستشفي ويريح جسده الواهن الذي هده النضال ويقول له إن لم تستجب فسنقدمك إلى محكمة الشعب لأنك تبدد ملكية عامة للشعب السوفيتي..
هناك مناضلون كثر قدموا أعظم النضالات ووهبوا حياتهم لشعبهم رحل بعضهم وينتظر آخرون لم يصبهم اليأس ولم يتخاذلوا ولم يعرفوا الحسرة أو الندم على أرواحهم التي فدوا بها الآخرين إخوة في الوطن والانسانية لا يميزون اسماءهم ولا قبائلهم ولا جهاتهم ولا مراكزهم ولا مواقعهم استخدموا فقط شحذ ارادتهم دفاعاً عن حقهم الانساني في حياة كريمة..
مازلت أذكر ذلك اليوم الذي قرر فيه جعفر نميري العفو عن جميع السجناء في سجون الجمهورية وهو ينوي بناء دولة الاسلام كما قال وارتعدت الأجهزة الشرطية وهي تتصور حجم التحدي الذي سيلاقيها وهي تواجه كل مدارس الجريمة وأساليبها المتنوعة مرة واحدة تجوب طرقات المدن..كنا نتصور وقتها أنَّ العفو سيشمل سجين الوطنية المتهم بحبه لشعبه.. وتم اطلاق سجناء كوبر من عتاة البلطجية واللصوص بعد أن تم ترحيل سجين الضمير التجاني الطيب حتى لا يشمله العفو ليعود إلى السجن وحيداً بعد اطلاق سراح كل المعتقلين.. لقد رأى النظام وقتها أنَّ أخطر ما يواجهه هو ذلك الرابض الجسور الذي يعد العده لتجييش شعبه وتنظيمه ليسقط حكم الفرد والاستبداد.. في تلك اللحظات أدرك الشعب عظمة النضال والرعب الذي يسيطر على كل مستبد من كلمة حق تقال بصدق.
كانت صفات الراحل رائعة كانسان تتماذج بانسجام آخاذ مع مواهبه الخارقة كقائد شعبي أصيل اضفت على شخصيته طابع التكامل والعظمة.. كان عظيماً في انسانيته في نقائه الروحي وعاطفته الخيرة وحساسيته المفرطة إزاء الظلم، وتفانيه المطلق من أجل خير البسطاء لقد وهب حياته كلها لشعبه دون تردد كان عظيماً في تواضعه وبساطته في صدقه واخلاصه في اهتمامه بمعارفه ورفاقه في طيبة نفسه ولطف معشره إنه بسيط كالحقيقة ولم يكن في مظهره ما ينم عن الاستعلاء أو الترفع، لم يكن يوحي بأي عظمه كاذبة ولم يحط نفسه بأي هالة من الادعاء فانعدام البهرج الخارجي التظاهري كان صفة مميزة له.. وجه صاف وقامة سامقة بقدر صدق وفائه لمبادئه. جمعتني به لحظة كنت أروي له تجربة في مجالنا التربوي تداخلت فيها الفنون والآداب ومدارس التربية الحديثة وكنت أحسب أن ذلك لن يثير اهتمامه بأي درجة فقد عرف بصرامة مهيبه وصادقه لكنها حادة وقاطعة لكنه حدثني عن زيارة له ولأول مرة الى قاعة للموسيقى في موسكو قدم فيها عرض باسم عشرة أيام هزت العالم وهو عنوان لكتاب جون ريد الصحفي الامريكي الذي تابع وقائع الثورة البلشفية فسجلها كاروع أهزوجة صحفية.. حكى لي عن دهشته من أن تتحول تلك الوقائع الى موسيقى ورقص لكنه قال لي لا أعرف ماذا رأيت وماذا شاهدت لكني اقتنعت بأنَّ الانسان عانى وحلم عبر تاريخه المديد فوق هذه الأرض التي استنبتها وفجر عيونها لكنه نهض وانتزع حقوقه وانتصاراته في صراع مرير لكن احياناً في حالة نكوصه وعجزه ازاء بعض المظاهر القاسية كان يلتجئ – اضافة للعمل- للخيال والتصور لتخطي العقبات وتذليل الصعاب وهكذا كان الفن ملحاً كنشاط انساني تنكسر أمامه تلك الحواجز وتشحذ الهمم.. إنه صورة من صور العمل.. ومن وقتها كلما التقيه يسألني ألم يأت أوان تكسير تلك الحواجز؟ وهو قطعاً يعني بذلك الفن الخلاق الملهم..
ألا رحم الله الأستاذ التجاني فقد كان صورة لمتصوف زاهد عاش جل حياته وكانت متعته النضال المتصل والعطاء العظيم بلا مقابل.. كان يغضب ولكنه لايحقد كان ذا قلب كريم وعاطفة انسانية وقطعاً ذا اهتمام عظيم بهموم الآخرين كان يقبل على كل الناس بحساسية رائعة ويكتشف فيهم كل ماهو طيب وقيم يمكن وضعه في خدمة القضية العامة.. لم يختال على أحد ولم يلجأ للدبلوماسية فكان الناس يشعرون بصدقه واستقامته.. انعيه اليوم لشعب السودان قاطبة ليفسح له مقعداً استحقه مع الخالدين ذكراهم.. والعزاء لزوجته وابنته ورفاقه.
منصات..حرة
امثال هؤلاء ..لا يرحلون هكذا…
لايرحلون من عالمنا مادام العالم موجود ..هنا ترتبك الأشياء وتتلعثم الألسن عندما نطرح جدلية الوجود والعدم وتناقضات الأشياء ولولبية التاريخ واحداثه وجدل المادة ..ومتغيرات العصر ..فجدلية الوجود والعدم لا تعترف بمادية الأشياء كمؤثرات مستمرة ولكن تعرف تماماً أن التاريخ لايصنعه شخص واحد وإنما يتم من خلال قوى كثيرة تؤثر فى بعضها وتتبادل الأفكار والنظريات التى ستبقى فى حالة جدل مع الواقع مستمر ..هكذا هو الديالكتيك لا يعترف بأحاسيسنا القلبية والروحية وعاطفتنا ..نحن فقدناك ..التجانى الطيب بابكر ..واعيننا لم تعد تراك ولكن من سيقنع هذا الديالكتيك الذى لن يعترف ابداً برحيلك فهو يراك تمشى على ملايين الأرجل ويراك تفكر بعشرات العقول ..ويرى نشاطك فى كل المحافل ..الآن وغداً ..البشر دوما هكذا يرحلون ويدمعون لفراق بعضهم والقلب يظل يحزن والعين تظل تدمع ..ويهرولون لإقامة تأبين وتنظيم الرثاء ..ولكن رغم كل هذا الحزن ..وجودك طاغى ..وفكرك باقى ..وعقلك يمارس الحياة دون توقف ..أطفأت خمسة وثمانين شمعة ..لتضئ كل هذه الدروب ..التى ستظل فى حالة وعى وإدراك مدى الدهر ..فاليذهب جسدك ..فغيرك كثيرون ذهبوا ولكن بقيت اشياءهم تعلم الأشياء ..هكذا علمنا منهج الديالكتيك لتحليل الأشياء وها نحن الآن نستخدم نفس المنهج لمعرفة اشياءكم ..ايها المناضلين الأوفياء ..فأنت التجانى الطيب وامثالك تستحقون هذا اللقب (مناضل ..)..فلولا انتم لعم الظلام كل الكون ..فبوعيكم نهتدى كما اهتديتم انتم بوعى من سبقكم ..وظلوا فى ثبات على المبدأ ..رغم كثرة القيل والقال ورغم كثرة اللوثات التى لحقت بكم ..وستلحق ..بامثالكم ..
وفى حضرتكم تتهاوى المناصب وتتقزم التنظيمات ..وتنتفى الأحزاب ..انت ( التجانى الطيب )..وأمثالك لا حصرية عليكم ولا خصوصية فأنتم دوما على الشيوع ..فاليرقد ..جسدك الضعيف.. بسلام بجوار رفاق الدرب ..لتشكلوا لوحة البقاء ..وتشعلوا اضواء الحرية ..فالرحمة دوماً تاتى من علياء الملكوت ..وابدية الخالق ..ونور الله ..فاليرحمك الله بقدر صفاءك وابدية فكرك ..ونور وعيك ايها التجانى الطيب ..فكلما كنا نطالع فى كتاباتك كانت تغشانا هالات الإحترام وتضخ عروقنا إنزيمات الصمود وعناد البقاء ..ونشاكش الواقع حوارا ونقاشا وجدلا ..لن ننسى تلك الابتسامة التى كانت ترتسم على وجهك دوما ..وتلك التعليقات الطريفه التى كانت تلازمك اينما ذهبت ..كثيرة هى تلك الدروب التى حفرتها فكلها ستؤدى الى غاية الحرية التى كنت تنشد ..فكلكم هكذا تذهبون وأنتم فى حالة نضال ..وحالة ثبات ..دائماً انت وامثالك ترحلون بزاوية قائمة ..دون تردد ..اليوم سننعى ذلك الجسد الواهن الذى عانى من بعض المرض ..فقط ..لأن البشر ينعون الراحلون ..وانت رحلت جسداً ..وبقيت فكرا ووعيا ..انت ستبقى فى دهاليز الاشياء وفى تلك الأزقة الخلفية فى الجامعة ..وفى اركان النقاش ..وتفاصيل الحياة اليومية .ستظل كابوسا للظلم والإستغلال ..ستظل ملهما لرفاق دربك ..فى حزبك الذى اخترت لتناضل من خلاله ..ستبقى نبراسا لكل صحفى وصاحب رأى وكاتب ..ستبقى بين العمال ..وبين الطلاب ..والمزارعين ..رفيقا ..وستبقى حرا تناضل من اجل الطبقة الكادحة ..ومعلما من معالم الطريق …
مع ودى..
نورى بطة
أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا
شيخ المناضلين يترجّل
وداعاً .. رفيقنا الأستاذ / التيجاني الطيب
.. هاهو فارس آخر يترجّل عن صهوة جواده من (ميدان) النضال من أجل وحدة (عمال العالم وشعوبه المضطهدة).. آخر عنقود الصناديد الأوائل الذين أسسوا حزب الطبقة العاملة ، الحزب الشيوعي السوداني .. رحل عنّا ومازالت مراثينا تترى بفقدنا لكوكبة من رفاقه:- محمد الفاروق، القدال، كدودة، السنجك، محجوب عثمان.. لقد رحل عن دنيانا شيخ المناضلين الأستاذ/ التيجاني الطيب بابكر عضو سكرتارية اللجنة المركزية للحزب، ورئيس تحرير صحيفة الميدان الغرّاء..
.. إن أشجار النخيل تموت واقفة .. وها هو الأستاذ التيجاني لم يفت كبر السن ولا المرض من عضده، لم يشخ ولم تهن قواه.. قاوم الديكتاتوريات بكل الصمود والتحدي .. كما قاوم المرض.. دخل المعتقلات مع كثير من رفاقه.. عزل في زنازين انفرادية ونفى إلى منافي بعيدة.. كوبر.. ربك..نواقشوط.. وذاق الكثير من المرارات والآلام والتقى بالكثيرين من المعتقلين السياسيين من اتجاهات سياسية مختلفة وقد كان للكثيرين منهم البلسم الشافي والجليس الأنيس والقلب الرحيم حتى تعامله مع سجانيه الذين اعترفوا له بذلك الفضل.. لقد أزال الوحشة عن أولئك الذين لم يعتادوا على حياة الاعتقال أو المنفى بعيدين عن أسرهم وذويهم..
حاول جلادوه مراراً كسر شوكته وثنيه عن مبادئه ، فلم ينكسر ولم يرف له جفن فضرب مثلاً رائعاً في الثبات على المبادئ والنضال الجسور.. كان دائماً كما عهدناه مكافحاً من أجل قضايا الكادحين العادلة بسلاح فكره الوضاء وسلاح قلمه المضاء الذي اقلق مراقد الرجعيين والمتخاذلين والمرجفين.. كان يخرج من كل معترك منتصراً، ويخرج من كل معتقل أكثر صلابة واشد عزيمة ومواصلة السير إلى الأمام بصورة أذهلت الأعداء.
لقد دخل المعترك السياسي في ثلاثينيات القرن الماضي وهو مازال يافعاً في سن الدراسة الأكاديمية ، حيث بدأ من الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) حتى الانتقال لمرحلة متقدمة ألا وهي تأسيس الحزب الشيوعي السوداني مع نفركريم من المناضلين الأشاوس.. شهد كل الانقسامات اليمينية التي مر بها الحزب الشيوعي خلال تاريخه الطويل : مجموعة عوض عبد الرازق مروراً بمجموعة أحمد سليمان وزمرته في مطلع سبعينات القرن الماضي، وصولاً لما كان يحاك من مؤامرات إنسان رخيصة لإفشال مؤتمر الحزب الخامس لتغيير خطه وتمييع دوره النضالي الرائد عقب سقوط منظمة الدول الاشتراكية في شرق أوربا.. هكذا كان ديدن هذا المناضل الشيوعي العجوز الأستاذ التيجاني الطيب، ليس في وجه أعتى وأشرس الديكتاتوريات بل في صد كل التيارات اليمينية الانهزامية طوال تاريخ الحزب الشيوعي السوداني لأكثر من نصف قرن من الزمان.
رحل عنا بجسده ولكنه ترك لنا إرثاً ثقافياً نضالياً، يتزود به شبابنا الثائر ، وترك لنا بذرة صالحة تنمو وتزدهر في كل بقعة من بقاع هذا الوطن تبذر فيها.. عزاؤنا أنه ترك لنا كل هذا الزاد لمقبل أيامنا ونحن نواجه أعتى الديكتاتوريات التي تترجل برداء الدين زوراً وبهتاناً والدين منها براء.
لقد ذاع صيته محلياً وإقليميا ودولياً كمفكر مثقف لا يشق له غبار ، وقلم كاتب وصحفي رصين.
ألا رحم الله أستاذنا الجليل، أبو الأجيال التيجاني الطيب بابكر بقدر ما قدم للوطن السوداني ولحزبه الشيوعي ولكل الكادحين..
حزننا عليك عميق .. لكنها سنة الحياة..
رفاق دربك بالحزب الشيوعي منطقة كسلا
23 نوفمبر 2011 -------------------------
الاخيرةاستاذنا التيجانى ……المولود شيوعى Monday, November 28th, 2011 مديحة عبد الله
فى مثلنا الشعبى يقال لشخص عزيز ( يوم شكرك ما يجى ) لاننا تعودنا ان نقول كل ماهو جميل فى حق الموتى ’ فى حالة استاذنا التيجانى لايمكن اسقاط المثل على حالته دون تمحيص ’ لان كل ما قيل فى حقه من كلمات طيبة من شعب السودان وغيره هو امر مستحق لانسان عاش ومات لاجل قضية شعبه وحزبه ’ شخصيا ارى ان الاستاذ تيجانى ولد وهو شيوعى ’ ايمانه بالفكر الماركسى ومساهمته فى تأسيس الحزب وصموده حتى الممات امر لايمكن ان يتوفر الا لانسان تتشرب دواخله بالعدالة والانسانية والمساواة بين البشر ’ وذلك فى حالة استاذنا التيجانى لم يكن رهينا ( بتجنيد ) ’ لان مكانه الطبيعى والحقيقى هو الحزب الشيوعى تلك هى البيئة الاصلية لتيجانى الطيب فأندمج فيها وتصالح معها خبر تعارجاتها ومسارها السلس دون ادنى احساس بالهزيمة او الزهو ’ وهو فى ذلك نموذج لما يؤمن به الحزب الشيوعى ( سياسة النفس الطويل ) وذلك مبدأ من المهم التمسك به فى بلد مناخها السياسى لايعرف الهدوء وتمسك بمقاليده قوى اجتماعية غنية بالمال وفقيرة الوطنية .
اذكر ذات مرة حكى لى كيف شق الحزب الشيوعى طريقه لجبال النوبة وكيف بنى تحالفاته مع ووسط ابناء وبنات تلك المنطقة وكيف ان القوى المناهضة للتغيير عملت على تخريب بنيان الحزب وضرب تحالفاته ’ وقال ضاحكا : لو سارت الامور كما سعى لها الحزب لما شعرت تلك المنطقة بالتهميش ولما كانت فى دائرة الحروب ’ اليمين فى هذا البلد لايعمل ولا يريد للحزب ان يعمل ’ وتلك معركة طويلة ستجد اجيال من الشيوعيين نفسها فى مواجهتها .
لقد خبرنا استاذنا التيجابى كصحفى رأس تحرير صحيفة الميدان ’ اعتقد انه قدم نموذجا مغايرا لظن الناس عن الصحافة الحزبية ’ لانه عمد على وضع اسس مهنية واسلوب للصحيفة لاتحيد عنه ’ واذكر هنا كيف انه غضب اشد الغضب عن نشر كاركاتور ابان الديمقراطية الثالثة يفهم منه الاساءة لزعيم سياسيى كان الحزب فى قمة خلافه السياسى معه ’ وقال لنا نحن الذين لم نر فى النشر ما يضر : كيف يمكن للحزب ان ينادى بممارسة سياسية نزيهة وصحيفته تنشر الاساءات للناس حتى لو كانوا خصوم ’ وصدرت الميدان فى اليوم التالى وهى تحمل الاعتذار لذلك الزعيم ’ استاذنا التيجانى شيوعى حقيقى لذلك ستبقى اقواله وافعاله دروس تنتقل فوائدها من جيل لجيل .
الميدان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
هذا هو "التجاني الطيب"...وهذا هو "حزبه"!! (1)
صديق عبد الهادي [email protected]
أوردت صحيفة "جريدة الحرية" التي اسسها كل من "جون روسوورم" و"صمويل كورنيش"، كأول جريدة تُعنى وتنطق بحال الأمريكان من اصول أفريقية في الولايات المتحدة الامريكية، الأمريكان السود، أوردت في إفتتاحية عددها الاول والذي صدر في مدينة نيو يورك في يوم 16 ماس 1827م، مقطعاً بسيطاً ولكنه كان ذا دلالة عميقة، إذ يقول، " إننا نتطلع للتبشير والتصدي لقضيتنا بأنفسنا، فلقد تحدث الآخرون نيابة عنا طويلاً". هذا الموقف، ومنذ اللحظة الاولى، هو ما تبناه الراحل "التجاني الطيب"، رئيس تحرير جريدة الميدان الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، بالرغم من انه لم يكلف الآخرين ولو قليلاً من عناء الدفاع عن مشروع العدالة "الجديد" الذي تبناه حزبه. وما في ذلك من تجاوزٍ للحقيقة، إذا ما نظرنا إلى تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي في 1946م وتأسيس جريدة الميدان في 1954م.
إطلع "التجاني الطيب"، كاحد مؤسسي الحزب وجريدة الميدان، بمهمة التبشير والتصدي، بشكلٍ يكاد ان يصل مصاف الإطلاق، وقد سما في ذلك سمواً باهراً، للحد الذي أضحى فيه رمزاً من رموز القضايا الكبرى، تلك القضايا التي إرتبطتْ وترتبطُ في إنجازها بالمؤسسات التي حملت على عاتقها مهام التغيير الجذري. إنني لا ازعم، وكثيرون غيري، معرفة الراحل "التجاني الطيب"، ولكن يمكنني القول، وبزعمٍ أكيد، أنه واحدٌ من "القلائل" الذين يخيبون، وفي سبيل معرفتهم، ظن التطابق بين التوقع والحقيقة!!!. فنحن الذين وفدنا إلى رحاب الحركة الديمقراطية السودانية، والتي في قلبها الحزب الشيوعي، في السني العاصفة التي أعقبت يوليو 1971م، كانت لنا، وقتها، تصوراتنا الخاصة وتخيلاتنا عن ذلك النفر من الشيوعيين السواطع، اولئك الذين عََبَروا بالحزب من فوق جسور الدم ليعودوا به في ثبات مبين، وليودعوه حضن الشعب. شعبنا الذي لا تُطال ودائعه، ولا تُضار!. كان "التجاني الطيب" واحداً ممنْ اسدوا تلك المهمة النبيلة، وواحداً ممن أحكمتْ سياجها حوله تخيلاتنا الخاصة!!!.
ففي يوليو عام 83م، وفي صباح العيد وفي قسم المديرية بسجن كوبر العمومي، جاء وفي خطوٍ خفيفٍ ورشيق لا ينبئ عن عمره، ولا يمتُ إليه. وكانت تسبقه وترفُّ على وجهه إبتسامةٌ ودودة. كان ذلك هو "التجاني الطيب"، جاء من الزنازيين الشرقية، والتي كانت تُعرف بالشرقيات، ليبارك العيد على المعتقلين. وقد كانوا من احزابٍ مختلفة، بينهم نقابيين وطلاب وغيرهم. وكان بين المعتقليين عددٌ من قادة الحزب الشيوعي، المهندس صديق يوسف، سعودي دراج، الراحل علي حبيب الله، التوم النتيفة، الشفيع خضر، حسن عثمان، محمد بابكر، عباس السباعي وآخرون. كانت تلك هي المرة الاولى التي ارى فيها الراحل "التجاني الطيب". ومما كان يُحكى عن حزمه وصرامته كنت اتوقع شخصاً قاسي الوجه، قمطريري الملامح!!!. فلقد خاب توقعي وجافى الحقيقية!!!. ولا اشك في ان ذلك هو حال كل منْ سمع به ولم يقابله او يراه. قد يعتقد عددٌ ليس بقليل من اعضاء الحزب واصدقائه بأن تحديث برنامج الحزب الحالى مرتبطٌ بإنفتاح المناقشة العامة التي بدأت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، إلا ان الحقيقة قد تكون غير ذلك. وقد ترجع مسيرة التحديث إلى ما بعد المؤتمر الرابع، غير انه قد تكون من ارأس محطاتها تلك المساهمة في تطوير البرنامج التي أدارتها قيادة الحزب من داخل سجن كوبر في عام 83م وما تلاه حتى إنتفاضة الشعب في ماس/ ابريل 1985م. طلبت قيادة الحزب من الشيوعيين والديمقراطيين المعتقلين الكتابة في م
جالات تخصصهم، إن كانت الاكاديمية او المهنية، وكذلك عن تجاربهم وخبراتهم في الميادين الاخرى مثل النقابات وتنظيمات الشباب وغيرها، وذلك لاجل تطوير برنامج الحزب. أًنجزت تلك المساهمات وقُدِمتْ في شكل محاضرات داخل المعتقل وذلك قبل تسليمها لقيادة الحزب خارجه. كانت مساهمتي التي قدمتها في الاقتصاد السياسي لنشاط التأمين التجاري سبباً في إلتقائي وتعاملي مع الراحل "التجاني الطيب" إبان سني الديمقراطية الثالثة. وذلك حين دعاني الاستاذ محمد إبراهيم نقد لمناقشة تلك المساهمة معه، قبل أن يشير عليّ بالذهاب للقاء الراحل "التجاني الطيب" في جريدة الميدان، لإتفاقٍ مسبقٍ بينهما على ذلك. كانت مناقشة الاستاذ نقد مفيدة وكان نقده عميقاً. كانت إحدى نقاطه التي اثارها، هي، ما السبب في توسلي كتابات المفكرة اليسارية الاشهر "روزا لوكسمبيرج" عوضاً عن استفتاء واستنطاق نصوص "كارل ماركس" فيما يخص معالجة راس المال التجاري؟!!!. وكانت إجابتي بانني ، ليس وقتها وحسب بل وما زالت، اعتقد بأن مساهمات "روزا" في نقد الاقتصاد السياسي للراسمال التجاري والمالي المتعلق بالبنوك والمصارف وبحركة التامين التجاري كذلك كأنشطة راسمالية صميمة، لهي مساهمات عميقة لا تضاهى. ولذلك كان "لينين" محقاً حين قال،عند إستشهادها، "لقد هوى نسر الماركسية المُحلِّق"، وبالفعل كانت تحلق عالياً ليس بنضالها السياسي فحسب، وإنما بفضل فتوحاتها الحصيفة في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمال والذي يقف فيه كتابها "تغيير إجتماعي ام ثورة؟" كواحدٍ من المساهمات المتميزة. ولكنه، وبرغم الجهد الذي بذلته في تلخيص المساهمة فقد طلب مني "التجاني الطيب" إعادة صياغة الموضوع من أوله وإلى آخره وذلك لتنقيته من الروح الأكاديمية لكي يصبح صالحاً للنشر الصحفي في جريدة الميدان. كان درساً قاسياً ومفيداً، تابع تنفيذه معي الصديق صدقي كبلو المحرر الاقتصادي غير المتفرغ لجريدة الميدان حينها. ومن بعدها اصبحت مساهماتي للميدان تمر عن طريق مكتبه مباشرةً.
كان تربوياً منصفاً، لم يخف عني إعجابه بإستعراضي لكتاب الشاعر الشيلي العظيم "بابلو نيرودا"، ذلك الذي كان ينتقد فيه الرئيس الامريكي "ريتشارد نيكسون". "التجاني الطيب" رجلٌ حازم وعطوف، وقد يقول الكثير من الناس بذلك، إلا اني في هذا المقام اكتفي بشهادتين لا يطولهما الطعن باي حال من الاحوال. الأولى أنني وذات مرة ذكرت للاستاذة "فاطمة أحمد إبراهيم"، وذلك في عام 1994م، بان "عم التجاني الطيب" رجلٌ صارم، وقبل ان اكمل جملتي قالت لي "في العمل الرسمي ولكن قلبو كبير، ولا احد يعرف التجاني اكثر مننا". واما الشهادة الثانية فمن الاستاذة "خنساء سوار الدهب" التي التقيت بها، تلك المرة، في ولاية ميرلاند بالولايات المتحدة الامريكية وذلك في عام 2005م، فيما اعتقد، حيث حكت لي عن احدى تجاربها مع الراحل "التجاني الطيب". وكان ان تناقشتْ معه حول موضوعٍ يتعلق باحدى الانقلابات العسكرية، فإحتدَّ معها الراحل في المناقشة. ولم تقبل ذلك منه، وقد جرى ذلك في منزل الراحل. فما كان منه، وبعد ايامٍ قليلة، إلا ان زارها في منزلها بحي الملازمين معتذراً. إن مورد الإعتذار موردٌ صعب لا يرده إلا خيار الناس وأشجعهم. و"التجاني الطيب" رجلً خيِّر وشجاع، وليس في ذلك شك. نشر بتاريخ 0
---------------
قراءة في المشهد السياسي : ورحل زيت قناديلنا
د. الشفيع خضر سعيد
الزمان: آواخر سبعينات القرن الماضي. المكان: أرض الحجر في حي الديوم الشرقية بالخرطوم. كان يعيش بسيطا أنيقا ككل سكان الحي، في منزل بسيط، نظيف ومرتب دائما، تكاد لا تجد فيه ذبابة، رغم أن الذباب يعشق ذلك الحي، عشقا ممنوعا. سكان “المربوع” كانوا ينادونه الأستاذ طه أبوزيد. بعد إنتفاضة أبريل 1985، حدثني صديق من أبناء الحي، بأن السكان نادوه بالاستاذ لأنهم، ومنذ قدومه للسكن وسطهم، إكتشفوا فيه حصافة وعلم الأساتذة، وحكمة وقدرات المربين على حل المشاكل والتوفيق بين الخصماء، إضافة إلى نظافة وأناقة الملبس والمظهر. كانوا يستنجدون بالأستاذ طه للتدخل متوسطا في تلك المشكلة الأسرية أو ذاك الشجار بين الجيران. وكان الحل دائما بين يديه، يأتي بسيطا ومقنعا. ” لكنه أبدا لم يكن يتحدث معنا في السياسة إلا التعليقات العامة التي نشترك جميعنا في الإدلاء بها.”، هكذا حدثني ذاك الصديق.
في ذات مرة، حضرت إلى منزل الاستاذ طه، بعد حلول الظلام مباشرة. وبدأنا العمل في تنفيذ تكليف هام، مطلوب أن نسلمه في الغد. فجأة علت أصوات شجار من منزل الجيران. بدأ صوت شاب مخمور يكيل السباب ويهدد ويتوعد. قال لي الاستاذ طه “إن هذا الولد، والذي توفى والده قبل عدة سنوات، تعلم مؤخرا شرب الخمر، وظل يوميا يعذب أمه العجوز ويطالبها بالمال ليبدده في شرب الخمر، مع إنه في النهار، أو عندما لا يعاقر الخمر، يكون واعيا ومهذبا وودودا.”. وبعد أقل من نصف ساعة، ارتفع صوت الأم تنتحب وإبنها يواصل هذيانه. وفجأة انتفض الأستاذ طه واقفا، ولبس جلبابه الأبيض النظيف “المكوي” ووضع عمامته على رأسه وكأنه في طريقه إلى حضور عقد قران، وخرج بسرعة البرق من المنزل دون أن يعطيني فرصة حتى للتساؤل. سمعت صوته في منزل الجيران وهو يعنف الإبن ويذكره بضرورة البر بأمه ورعايتها وليس تعذيبها. وإستمر الحديث لفترة طويلة، ثم رويدا هدأت الأصوات، وبدأ كلام خافت تتخلله تخنجات الإبن وهو ينتحب متأسفا ومقسما ألا يكرر ذلك. عاد الاستاذ طه وبادرني قبل أن أنطق بكلمة: “طبعا حتقول هذا خرق لقواعد التأمين، ياخي فليذهب التأمين إلى الجحيم، إذ من المستحيل تحمل وتجاهل “مسخرة” هذا الولد التي تتكرر كل يوم، وبكاء أمه تحسرا على ضياع إبنها”. فيما بعد علمت أن ذاك الإبن أصبح صديقا حميما للأستاذ طه. وبالمناسبة لم نتمكن من إنجاز ذاك التكليف في تلك الليلة.
وفي إحدى صباحات الخريف المنعشة، والتي لا يخدشها سوي قصور أداء حكومات السودان المتعاقبة منذ الاستقلال في الإستعداد لدرء آثار الأمطار، ذهبت إلى منزل الأستاذ طه، بعد أن روت سماء البارحة الأرض مطرا مدرارا. كان واضحا أن المطر أطفأ ظمأ أرض الحجر وفاض، فكانت “الفسحة” وسط منازل الحي، عبارة عن بحيرة مغلقة المنافذ بدون أي تصريف للمياه مما يهدد المنازل وصحة البيئة. وفعلا، يبدو أن قصة مجاري تصريف المياه هذه في السودان لن يكتب لها الحل الناجع إلا يوم أن تحل الأزمة العامة في البلد. في ذلك الصباح، رأيت جمعا من سكان حي أرض الحجر في الشارع يحفرون الأرض مجاري لتصريف المياه. ومعهم كان الأستاذ طه أبوزيد، يرتدي بنطال جينز، ممسكا بطوريته يحفر مع الجميع، وهم يتبادلون الضحكات والقفشات و”التقريقات”. في تلك اللحظة، خطر على ذهني السؤال المتوقع: ألا يبالي هذا الرجل إن إنكشف أمره وتم إعتقاله؟ أعتقد أن الأستاذ طه أبوزيد كان مدركا تماما لكل العواقب والمخاطر، ولكنه كان يرى في الالتحام بالناس البسطاء ومشاركتهم همومهم اليومية، وتقاليد حياة التكافل السودانية السمحة، كان يرى في كل ذلك أولوية تفوق أي تعقيدات تفرضها المحاذير الأمنية. وفي مرة أخرى، حضرت إليه مساءا ووجدته يعد العدة للخروج، وعندما سألته قال لي “طفل (ع.ه) مريض وهم الآن في حوادث الاطفال وأنا قلقت جدا عليهم وكنت بصدد الحضور إليك في المنزل حتى تذهب إلى المستشفى ونطمئن”. لم تكن معه عربة، ولكنه إعتاد الحضور إلي في المنزل قاطعا المسافة من أرض الحجر إلى آخر إمتداد الدرجة الثالثة راجلا! فعل ذلك عشرات المرات ولأسباب مختلفة، من بينها مثلا، لمجرد المباركة لزوجتي بمولودتي الأولى “عزة”.
في ذلك المنزل البسيط النظيف كمنازل العمال، كان الأستاذ طه أبوزيد يطبخ أكله بنفسه. وللدقة كان “يسلقه” إذ كان يرى الأكل المسلوق أكثر صحة لمن هم في وضعه. وعندما يعلم أني سأزوره، كان يدخل بعض التحسينات على الأكل، رأفة بي. وكان يشتري الخبز كل أسبوع ويخزنه في فريزر الثلاجة، علما بأن حصته اليومية من الرغيف لم تكن تزيد على ثلاثة أنصاف رغيفة، يأكل نصف رغيفة فقط في كل وجبة. تعشيت معه ذات ليلة، فول بالجبنة، وكان “مظبطا” جدا. أكل هو نصف الرغيفة المعتادة، ولكني اكتشفت أنني قضيت على كل ما تبقى من مخزون الاسبوع من الرغيف! وكان لابد أن آتي له برغيف بديل في اليوم التالي.
ملحمة الجانب الإنساني من حياة الأستاذ طه أبوزيد وهو يعيش في التخفي آنذاك، كثيرة التفاصيل، ووحدها فقط يمكن أن تملأ كتابا كبير الحجم، ناهيك عن تفاصيل ملحمة حياته النضالية الصلبة الممتدة في خط مستقيم دون تعرجات منذ أربعينات القرن الماضي وحتى رحيله بالأمس القريب. والكثير يمكن أن يستشف من تلك التفاصيل، لكني هنا أركز على أثنتين فقط: الأولى: بالنسبة لسكان منطقة أرض الحجر، لم يكن يهمهم إن كان ذاك الرجل إسمه الأستاذ طه أبوزيد أو الأستاذ التجاني الطيب، فقد كان يهمهم ويكفيهم الرجل نفسه الذي مثل لهم الشهامة والنخوة ودفء الأبوة، وطيبة الجيرة، وحكمة المربي الجليل، وسائر سمات الانسان وجمال قيمه المذكورة في قصص الأنبياء والمتصوفة. والثانية: كان الأستاذ التجاني، أو طه أبوزيد إن شئت، يؤمن تماما أن خير حماية من عيون أجهزة الأمن هو السكن في حدقات عيون الناس، وهو سكن يصعب توفره أو إمتلاك ثمنه إلا لمن يجعلون قيم العدالة والحرية وتوفير الحياة الكريمة للناس وتحقيق طموحاتهم، همهم الأول وفوق همومهم الشخصية، والأستاذ التجاني الطيب إمتلك سكنا مريحا وفاخرا في تلك الحدقات.
في العام 1980 إعتقل الاستاذ التجاني الطيب، وكان جاره في الزنازين الكائنة في سطح سقف مبنى جهاز الأمن، الأستاذ الباقر أحمد عبدالله، رئيس تحرير صحيفة الخرطوم حاليا. وبعد فترة من ذلك الإعتقال قابلت الأستاذ الباقر، وما أن رآني حتى صاح منفعلا ” هل تدرك أن الاستاذ التجاني قد انقذ حياتي من موت محقق؟” ثم شرح لي كيف أنه مصاب بالربو “الأزما” وأنه أصيب بنوبة خطيرة أثناء تواجده في الزنزانة، حيث داهمه ضيق النفس الحاد، فكان يئن طالبا من الحرس إخراجه والذهاب به إلى المستشفى، ولكن لم يستجب الحرس. ثم سمع ساكن الزنزانة الملاصقة له يدق في الحائط ويعرفه بأنه التجاني الطيب، ويسأله “ما هي المشكلة؟”. يقول الأستاذ الباقر “أن الأستاذ التجاني عندما علم بتدهور حالتي الصحية، زأر بقوة وكأنه الأسد، وأخذ ينادي الحرس لينقلوني إلى المستشفى، وهو في نفس الوقت يصيح فيهم بغضب شديد ويحملهم مسؤولية أي مكروه يحدث لي، ويتوعدهم بعقاب الشعب” ويواصل الاستاذ الباقر حديثه لي “لم يتوقف الأستاذ التجاني لحظة واحدة عن الصراخ في وجه الحرس….، ولدهشتي جاء الحرس مرتعدا مرتجفا، وبدأ بعضهم يهدي الأستاذ التجاني ويتأسف له، والآخرون حملوني بالاسعاف إلى المستشفى….وقال لي الطبيب إذا تأخرت دقائق ربما كنت ستفارق الحياة”.
ما يقرب من الإثني عشر عاما، عشتها مع الأستاذ التجاني الطيب في القاهرة. كنا نلتقي كل يوم تقريبا، صباحا ومساء. وكل يوم كنت أكتشف جانبا مشرقا آخرا من الاستاذ التجاني الانسان، وجديدا علي، رغم أني كنت لصيقا بالرجل منذ السبعينات. وإذا أردت تناول الجوانب الإنسانية وحدها، ناهيك عن السياسية، في حياة الأستاذ تجاني خلال تلك الفترة التي عاشها الرجل في القاهرة وأسمرا والمعسكرات، لكان علي تدبيج المئات من المقالات كبيرة الحجم. يكفي أن أقول هنا، أن كل أطفال منطقة سكنه في حي رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة يعرفون “عمو تجاني” الذي لا تخلو جيوبه من الحلوى. أما الكبار، وأغلبهم من المهنيين وضباط الجيش من المصريين، فعندما يتحدث الاستاذ تيجاني يصمت الجميع ويصتنتوا في إحترام وتقدير لقيمة كلمة الرجل. والحديث هنا ليس يالضرورة في السياسة، أو في الغالب هو ليس في السياسة. فالأستاذ تجاني كان يعلم جيدا متى وأين يتحدث بالسياسة. يقول لي الدكتور منير، صاحب الصيدلية في العمارة التي كان يسكن بها الأستاذ تجاني، في دهشة وإعجاب، أن تجاني كان مهجسا جدا أن يعود إلى السودان في صندوق…كان يريد أن يرى تراب البلد قبل الرحيل.
كان الأستاذ التجاني الطيب بالنسبة لأوساط السودانيين في القاهرة، هو المفكر والكاتب والصحفي والزميل والسياسي الدوغري. ولكن بالنسبة لي، كان أيضا معلما وصديقا صدوقا ووالدا حانيا. هذا الرجل، وضىْ الابتسامة، علمنى كيف أن التعلق بقضايا الانسان الكبرى، ليس طيش شباب أو مجرد مزاج، أو تهرب من اعباء المسئولية الفردية الخاصة. كان همه اليومي، وهو الذى تشرب باكرا معانى العدل الذى يسع الجميع ولا يستثنى احدا، هو كيف نحقق للملايين من الكادحين فى كل ربوع السودان حلمهم بالعيش الكريم. وحياة الرجل اليومية تكشف عمق العلاقة بين الحلم والواقع، بين الفكر والممارسة العملية. اكثر انطباعاتى عن ايام إختفاء الاستاذ تجانى الطيب، هو النظام والترتيب المدهش لشكل حياة مؤقت وعبثى ومحزن، والصرامة المبنية على تقليص النفقات والمجهود والمشاوير. نظام شراء خبز الاسبوع والتنازل عن ذلك الحق البسيط (خبز طازج)، ترك فى داخلى اثرا قوىا. أما مظهر الافندى الذى احتفظ به فى كل اوقاته، فهو اشارة اخرى الى ان الاختفاء حياة كاملة الفروض ليس فيها الا ما يمنع عيون الطغاة عن ملاحقة العمل اليومى من أجل رفع الوعى بالحقوق وتثوير الاخرين. والتفرغ للعمل الحزبى لا يساوى عند التجاني إلا مزيدا من الضبط والصرامة فى التعامل مع الوقت والاحداث. عاش الأستاذ تجاني حياة لا تعرف الخنوع والاستسلام، ولا تركن للأجوبة المعلبة، ولا تعادى الفكر والرأى الجديد. كان وجوده، ورفاقه الشرفاء، في منصة النضال، هزيمة لمقولات التخذيل من اعداء الحزب، مثل “الشيوعية تعتزل بعد سن الاربعين”. فقد قدم التجانى نفسه وفكره وقلمه لنشر الوعى ومفاهيم الديمقراطية والاشتراكية فى كل مراحله العمرية بلا كلل ولا ملل. وحقا، إنطبق عليه وصف دزيرجنسكي، كمناضل بارد الرأس، دافء القلب ونظيف اليد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
* في ذكرى رحيل " التجاني الطيب بابكر" بقلم : يوسف إدريس * اليوم أذكر في ضُحى البصيرة ، والشمس تطلعُ في رونقها ، وإبل الرحيل تأخذ مسارها في رمل الطريق، تفتقد البلاد وهجاً من شموس الوعي برحيل الأستاذ " التجاني الطيب بابكر " (1) ( من ناحيتي أشير إلى جرائم نظامي ( مايو ) و ( الإنقاذ ) من تعذيب همجي ومحاكمات هزأت بالعدالة وتصفيات بدنية خارج النظام القضائي ، وليس القصد من كل ذلك هو الانتقام ، ولكن كيف يمكن أن نمضي إلى الديمقراطية والعدالة بهذا العبء الذي يُنقض الظهر ، مصطحبين معنا مبدأ " عفا الله عما سلف " ، الذي لم يكُن أبداً سوى جواز مرور للإفلات من جرائم بشعة في حق الشعب تتكرر مع كل مجرمٍ جديد ) التجاني الطيب بابكر (من تقديم مجلة " قضايا سودانية" -العدد السادس والعشرون – يونيو 2001 ) (2) عند مجيء المهندس " هاشم محمد أحمد " للخليج لاستطلاع الرأي حول تصالُحُ " التجمع الديمقراطي " في مطلع عام 2000 مع النظام الذي يحكم السودان ، قلت رأيي بوضوح : لماذا لم يتم التصالح منذ البداية ووفرنا دماء وأرواحاً ومالاً وجهداً كبيراً لنصل إلي وفاق بائس كهذا ؟؟ ! ولم تكن هناك من إجابة! (3) في يوم من أيام العُمر ، ومن بعد انقضاء تلك الزيارة ، حضر الأستاذ " التجاني الطيب بابكر " في زيارة للخليج ، إذ تأخر حضوره طويلاً بتعقيد الحياة وتعقيد من ينظرون لحزبه ومبادئه على أنها قطيعة مع التراث ووجدان الأمم . أخيراً تيسر له أن يكون بيننا . ضمنا اللقاء ومجموعة من المعارف ، وبعض المنتمين للحزب والمتعاطفين معه . كان الهدف استطلاع آراء مناصري حزبهم الشيوعي والتعرف على آراء أصدقاء الحزب والمتعاطفين مع قضاياه . روى الأستاذ "التجاني الطيب " شكل ومحتوى "التجمع الوطني " وقضاياه وصراعاته والعناصر التي دخلت الحلف فيه ، بين الانتماء لأحزابهم والتوافق على برنامج مُبسط يكون قاسماً مشتركاً بين الجميع . تطرق لعقبات إعادة النظر في اسم الحزب والموجهات النظرية وانتخاب اللجنة المركزية والأفرع في السودان إلى صعوبة إمكانية عقد المؤتمرات في ظل نظام أمني شرس ، نشر شبكاته لإفشال كل الخطى . وتحدث عن أن حزبه يعقد العزم على ممارسة ديمقراطية حقيقية وسط أعضائه ولو تأخرت نتائجها . فالأحزاب الأخرى لها من القواعد ما يسمح لها بحرية الحركة ، أما حزبه فليس له من معين سوى اشتراكات عضويته . وتم طرح خيارات" التجمع الوطني "مع أزمة الحكم في السودان في ظل الإنقاذ .... (4) من بعد اللقاء ، همست في أذنه : ما رأيك أستاذنا في برنامج صباحي ليس له علاقة بهموم السياسة ودروبها الوعرة، بل هي نزهة سياحية في"جنينة النزهة" بالمدينة التي أقيم فيها.وافق علي الفكرة ،فأخذته في الصباح إلي حديقة الحيوان بالعين، وكنا وقتها نقوم بتطوير الحديقة التي تعتبر من أكبر حدائق الحيوانات في المنطقة. تجولنا في أطراف الحديقة المختلفة بكل مكوناتها،وبعد الانتهاء من الجولة، ذهبنا لمكتب الموقع للراحة وتناول الشاي. فقلت له: ما رأيكَ أن تتعرف على مهندس الموقع ؟ فوافق، ثم عرفته علي المهندس(فارجيس) وهو من جنوب الهند،وتركتهما معا وخرجت لانجاز أشغال أخرى. خرج الأستاذ " التجاني الطيب " سعيداً باللقاء ، كما دُهش كثيراً المهندس " فارجيس " من الحوار بينه وبين الأستاذ " التجاني الطيب " ، وأبدى ملاحظة أنه ولأول مرة يقابل شخصاً بهذا المستوى من عمق الرؤيا السياسية التي لم يصادف مثيلها منذ أن قدم الخليج . ينحدر المهندس " فارجيس " من ولاية " كيرلا " بجنوب الهند ،التي يحكمها الحزب الشيوعي هناك منذ أكثر من 20 عاماً . وتلك التي جعلت من اللقاء مادة حوار ثرية ومقارنة يتعين الاسترشاد بها . ونذكر أن "القور" نائب الرئيس الأمريكي كلينتون قد دُهش كثيراً حين زار تلك الولاية ، وتحدث عنها في مؤتمر السكان عام 1995 بالقاهرة وذكر بأنه معجب بتجربة ولاية "كيرالا" الهندية ، رغم انه يحكمها حزب شيوعي.، لان المردود الاجتماعي والتعليم والوعي السياسي قدم إنجازاً لا تُخطئه العين المنصفة ، علما بأن ولاية" كيرلا" بها أعلى نسب المنتمين للإسلام عنها في بقية الولايات الهندية الأخرى .( راجع كتاب :فخ العولمة: الناشر دار المعرفة الكويتية). (5) أذكر كل ذلك ، وقد تم فتح حوار قبل أيام في السودان حول غياب العمل التوعوي لدى الأحزاب السياسية السودانية . وقد وافقني أحد أعضاء للحزب الشيوعي الرأي بغياب ما يعادل مثل ذلك العمل الذي قام به الحزب الشيوعي الهندي في ولاية " كيرالا" من إنجاز في التوعية وترجمته اجتماعياً وتعليمياً واقتصادياً، مما كان له أعظم الأثر في نفوس أبناء تلك الولاية الهندية .وكان إنجازاً من إنجازات حزب تمكن من إخراج الأحلام إلى الواقع . (6) والآن ، ها نحن تجبرنا المنية أن نودع رمزا راسخا من رموز الحركة السياسية السودانية منذ أربعينات القرن الماضي ، نشير بعظيم التقدير للأستاذ " التجاني الطيب بابكر " وقد كرّس حياته كلها لخدمة مبادئ حزبه منذ أربعينات القرن الماضي ،وظل حتى النهاية وفياً لتلك المبادئ ، وهي تتخطى الحواجز ، تُعيد دراسة وتطوير الحياة الثقافية والسياسية وفق الزمان والمكان ، وظل مدافعاً لا يكِلّ من خلال سكرتاريته للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني إلى نتائج مؤتمر حزبه الخامس وما بعدها . كان مكباً على قضايا حزبه ، ويتحين الفرص للدراسة وفتح الحوارات في كل الاتجاهات ليقدم آخر المطاف ثماراً في الملف الثقافي والرصيد المعرفي الذي لما يزل ينتظر التوثيق . ألف رحمة ونور عليه ، فقد طرح ضرورة تنمية حياة المجتمعات بالوعي وبالعمل .
يوسف إدريس
* في ذكرى رحيل " التجاني الطيب بابكر" / بقلم : يوسف إدريس
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
رحيل ابن الشعب البار التجاني الطيب
عبد القادر عباس
*رحل مقاتلاً في قلب «الميدان»... وهو الذي قضي عمره مقاتلاً من أجل «القضية»... الوطن والشعب والمبادئ السامية... وعندما يرحل عن دنيانا فارس من شاكلة ونوعية التجاني فاننا نحزن... نفتقده لأننا نحتاجه لمعاركنا الوطنية القادمة... فالسودان الوطن قادم عليها بأسبابها ومناهجها وأحكامها الصارمة..
والعزاء أن التجاني قد رحل بعد أن نصب لنا منارة من القيم النضالية السامقة.. الصبر والمثابرة والعض بالنواجذ على المبدأ كيفما كانت المعاناة والتضحية... فقد كانت آخر أيام التجاني صولات وجولات مرهقة في ساحات مغالبة التحديات العصي? في «الميدان»... وما يواجه الوطن السودان من عقبات كؤود للخلاص من قبضة الظلم والظلام والعبث بمقدراته المقدسة... كان التجاني مثالاً حياً للصمود في عرينه في جريدة «الميدان» التي توالت عليها مكائد الدكتاتوريه لكتم أنفاسها وحرمان الشعب من كلماتها الصادقة دفاعاً عن ثوابت الوطن وحقوق الإنسان السوداني المكلوم والموجوع بأفاعيل دكتاتورية الإنقاذ «الوطني»... وإذا كانت مثل هذه المعضلات تستوجب مستويات عالية من الوعي العميق بمكونات الواقع وخيوطه المتشابكة... ومنعرجات دروبه الوعرة ... فان المناضل التجاني قد حقق درجة الأ?تاذية بتفوق في اختباراتها المصيرية... بالصمود والمثابرة اليومية لبقاء صحيفة «الميدان» حية في مواجهة المصاعب والمصائب التي يحيكها النظام الشمولي لوأد الفكر الديموقراطي الوطني... بالترصد ونسج المعوقات الخبيثة في طريق مواصلة الصحيفة لدورها ووصولها بانتظام لجماهير الشعب الكادح في ارض السودان الواسعة... وقد ظل رصيد التجاني في هذا «الميدان» راكزاً وملهماً ومبشراً بطفرات ضرورية وحتمية... والأمل معقود على مواصلة المسار بذات الخطو وفاءً للتجاني ولتاريخ «الميدان» الناصع البياض. *لقد رحل التجاني راضياً مرضياً... وزخرت كل الكلمات التي قيلت في تأبينه وما كتب في الصحف صادقة وأمينة بكل المعايير... فوثقت لسيرته العطرة في كافة مراحل حياته الزاخرة بمعاني الأصالة والنقاء وأخلاقيات الفرسان... والثبات عند الملمات وتحمل تبعات المهام الصعبة...
وقد جمعتني به وبالشفيع أحمد الشيخ ومحمد أحمد عمر وثلة من المناضلين مهمات بالغة الأهمية في سبيل تأمين الحزب والحركة الجماهيرية فكان نعم الرفيق والصديق المدخر للمهمات الصعبة.. إضافات متوهجة لصفحاته في تاريخ الوطن السودان والبر بشعبه وجماهيره الكادحة... عر?ناها من ملاحم الحركة الطلابية الديموقراطية في السودان ومصر... وفي الكفاح المشترك قتالاً شرساً ضد الاستعمار ودكتاتوريات الإقطاع وخياناتها لمصالح الشعبين الشقيقين... وعرفته السجون والمعتقلات هنا وهناك.. في معتقل الهاكستيب في الصحراء المصرية... وفي كوبر... وفيها جميعاً كان نجماً ساطعاً للجسارة والصمود الأسطوري.. فزرع في قلوب كل من عاصروه وزاملوه فيضاً من تلك المواصفات النضالية الملهمة... فقد كان التجاني الطيب منارة مضيئة في سماء السودان وأينما حل في عوالم النضال الثوري... وأوفى بكل مالزم لخدمة الشعب والحزب وص?يفة الميدان.. الرائد الذي لايكذب أهله...وكل ذلك فيض متواضع من صفحات متناثرة... لان كتابه كامل يعني موسوعة متعددة الأبواب عن تراث الشعب السوداني وبطولاته التي جسدها التجاني الطيب ابن السودان البار... فله الرحمة وحسن الثواب في جنات الخلد ولاحول ولاقوة إلا بالله العظيم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
كلمات في تأبين الراحل المقيم التيجانى الطيب بمركز نبته بالقاهرة . . متابعة: أحمد مالك الأحد, 04 كانون1/ديسمبر 2011 06:34
القاهرة: متابعة: أحمد مالك
كشف الدكتور رفعت السعيد، المفكر المعروف، تفاصيل عميقة تتعلق بتاريخ الفترة وعلاقات النضال مع الحركة المصرية للتحرر الوطني، التي ربطت الحزب الشيوعي المصري بالراحل المقيم التيجانى الطيب بابكر، عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، ورئيس تحرير صحيفة الميدان. وذكر أن التيجانى كان من أوائل الذين أتوا إلى مصر في أربعينات القرن الماضي، و استقر بحي الفواله، حيث التقى بالعديد من الرفاق المصريين، مثل عبده دهب وذكى مراد ..الخ، الذين كونوا القسم النوبي الأفريقي بحركة التحرر الوطني، (حدتو)، ثم أسهم في إصدار مجلة الكفاح المشترك (أمدرمان)، كما أنه أسهم في بذر منظومة فكرية حول العلاقة بين المناضلين المصريين والمناضلين السودانيين ، وطرح فكرة أن الحركة المصرية للتحرر الوطني ( حدتو)، والحركة السودانية (حستو) تناضلان ذات النضال، وبالتالي يتم عقد اتفاق على أن من يذهب من أي من الحركتين للدولة الأخرى، يشغل ذات منصبه بالحركة الأم في الحركة الأخرى.
وقال السعيد، أن علاقته الشخصية بالمناضل الراحل المقيم تعود إلى فترة انتقاله لجيرته في حي الهايكتسب، بالقاهرة، والتي تزامنت مع تواجد عبد الخالق محجوب، للعلاج بنفس المنطقة. ولفت السعيد ، إلى شجاعة المناضل السوداني الراحل الذي احتمل فترات السجن في مصر كما هو الحال في السودان، وعلق قائلا: كأنما كتب على التيجانى أن يسجن أينما حل. كما ذكر العديد من المواقف التي عايشاها معا أثناء فترة تواجدهما بالمجلس العالمي للسلام، بموسكو، ومحاولة طرد السودان منه، وكيف تصدى التيجانى للأمر، دون خوف من العواقب حتى ولو كانت السجن بموسكو أيضا. وعرج السعيد، على عودة التيجانى، مرة أخرى لمصر في الفترة الأخيرة ، وقال بأنه قد قدم له كل ما يستطاع في مصر، وأضاف: أنه مهما تم فعله من اجل المناضل الراحل فانه اقل مما يستحق، كما ذكر أنه في عودة التيجانى، الأخيرة للعلاج بمصر قال له: انه لم يأت إلى مصر للعلاج فقط بل لوداعهم.
جاء ذلك خلال حفل التأبين الذي أقامه الشيوعيون السودانيين بمصر، أمسية 1ديسمبر2011 بمركز نبته الثقافي بالقاهرة، وقد قدم كلمة عنهم الأستاذ والشاعر على الكامل، عدد فيها نضالات الفقيد، ووصفه بأنه أحد آباء الحزب الشيوعي السوداني، عرفته السجون والمعتقلات وساحات المحاكم التي وقف فيها شجاعا واستطاع أن يحول قضاته لمتهمين. وحافظ على صرامته في الحزب من أجل أن يواصل مسيرته من اجل الحرية والتقدم، وان الذين عرفوه قد وجدوا فيه قلب الأب العامر بالحب والحنان.
ورفضت الأستاذة أمينة النقاش، فكرة التحدث عن التيجانى الطيب، بصيغة الفعل الماضي، وقالت:أنه شخص متسق في سلوكه العام والشخصي، وهى المرة الأولى التي أرى فيها شيوعي عربي لديه كل هذا الاتساق فيما يفعله ويعيشه ويقوله وهذه الاستقامة في السلوك الشخصي.
وقالت بان معرفتها بالتيجانى، تعود لعام 1985، عقب الانتفاضة في السودان، وإنها تعرفت عليه في القاهرة عندما جاء إليها شبه منفى من السودان، حيث لعب دورا كبيرا في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي، وحل خلافاته شبه اليومية بقدرته على اكتشاف المشترك، وقناعته بأهمية توحيد الصف. كما وصفته بالأناقة في الملبس والبساطة والتواضع مع الاعتزاز بالنفس، وقالت بان تلك صفات تقدم شخصية الشيوعي النموذج. وعقبت على حديثها بمقولة لمحمد حسنين هيكل حول أن: "المحاربون القدامى لا يموتون إنما هم مسافرون في القلوب،ويتحولون إلى نقطة تتحول إلى نجم يضيء لكل من لهم شوق إلى الحرية والعدل".
وتخلل كلمة القيادي الاتحادي: على محمود حسنين، الذي شارك في تأبين الفقيد، قوله: بأن التيجانى الطيب من زمرة الذين عاشوا من أجل أفكارهم وأوطانهم، وهؤلاء هم الخالدون. وذكر أن علاقته بالفقيد تعود إلى عام 1960، بدأت على صعيد أسرى، كما أن شقيق الفقيد أحمد الطيب، أحد رموز الحزب الاتحادي، ووصف التيجانى بأنه مناضل واجه بالرفض كل الأنظمة العسكرية في السودان، حيث جمعتهما معا السجون والمعتقلات أثناء هذه المواجهات، وحمل الهم الوطني العام.
و نفى حسنين، تحكم صفة الصرامة التي عرف بها التيجانى الطيب، في مجمل حياته، وقال بأنه لم يكن رجلا جلفا بل كان رقيقا لا يجرح أحدا ولا يسيء لأحد ، وان كان صارما في موقفه الفكري الماركسي الذي لم يكن ليتنازل عنه قيد أنملة،وان كان يدرك حدود الخصومة السياسية، الأمر الذي لم يجعله عدوا لمن يختلفون معه بل يلتقي معهم في كثير من مواقفهم ضد الظلم وقهر الإنسان في كل زمان ومكان بصرامة ودون مجاملة. وتأسى على فقد هذا الرمز الوطني الذي وصفه بأنه من جيل جميل كرس كل جهده لمصلحة غيره والقضايا الوطنية ، وقال بأنه رمز يحتاج وجود نماذج أخرى مثله لسنوات طويلة مما يعمق الإحساس بفقده.
كما تحدثت الصحفية بجريدة الميدان، الأستاذة عفاف ابوكشوة، فقالت: أن الأستاذ التيجانى الطيب كان بمثابة أب ومعلم ومربي، تعلمت الأجيال منه الكثير، وقد أهتم فيما اهتم بالجانب المتعلق بنظرة المجتمع للمرأة العاملة ودورها في المجتمع، فترك بصمات واضحة على فكرنا ، وأعتبر نفسي إحدى تلميذاته.
وقال: الأستاذ عبد الفتاح محمود: بأن المناضل الراحل ، قد كان يذكر لهم أن الفكرة قد يقل إتباعها، ولكن المهم هو توصيلها والدفاع عنها، ووصف الفقيد بتميزه كشخصية سودانية صميمة وكأكثر الآخرين السودانيين بريقا .
وتحدث أيضا الأستاذ: عاطف إسماعيل، عن صفة متميزة في التيجانى المناضل، وهى اهتمامه بالإلمام بكل تفاصيل أوجه حياة الناس، من شاكلة تفاصيل العلاقات الشخصية وتفاصيل عمل الحزب والوضع السياسي ودور الحزب ..الخ، ومقدرة على المناقشة والتحلي برحابة الصدر.
اشتمل حفل التأبين أيضا على كتابات عن مسيرة حياة المناضل الراحل التيجانى الطيب بابكر، الذي ولد عام 1924 بمدينة شندى ،وتلقى تعليمه بأمد رمان وشندى ولوحة نصفية له، وفاصل أغنيات وطنية قدمه الفنان اباذر حامد .
Ahmed Malek [[email protected]] /////////////
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
حاتم السر طوبى لك أيها الطيب ..
كلمات حزينة فى وداع التجانى الطيب ..
بقلم: حاتم السر الإثنين, 05 كانون1/ديسمبر 2011 06:24 [email protected] التجانى الطيب، ما أطيبه وما أروعه، فقد كان طيباً وصادقاً وواضحاً يمقت الخبث ويكره الكذب، وكان تاجاً فى هامة العمل الوطنى السودانى، وما به من الطيب لا شك قد أدركه كل من اقترب اليه او تعامل معه رحمه الله رحمة واسعة.
التجانى الطيب، من الشخصيات التى أحببتها وأعجبت بها ونالت احترامى وتقديرى بمجرد معرفتى اللصيقة وتعاملى عن قرب معه إبان سنوات المعارضة ضد الانقاذ فى التسعينيات من القرن المنصرم، وكنت أقول باستمرار لابناء جيلى باننى فخور ومحظوظ أن عاصرت وعملت مع قيادات الحركة الوطنية السودانية ورعيلها الأول، أمثال عمنا التجانى الطيب والدكتور أحمد السيد حمد -رحمهما الله- وتعلمنا منهما الكثير، فبالرغم من تعدد وتنوع القيادات الوطنية السودانية التى عاصرناها؛ تبقى لرجالات الحركة الوطنية السودانية من جيل المخضرمين والكبار مكانة مرموقة ونكهة خاصة وطعم متفرد؛ فيكفى أنهم كانوا مستودعاً للعادات والتقاليد السودانية الأصيلة وكان سلاحهم الذى لا يفارقهم أبدا هو النخوة والشهامة والكرم والشجاعة واحترام العهود والمواثيق وتقديس الكلمة.
جاءنى خبر وفاته وأنا خارج السودان، بالقاهرة، والقاهرة محمل الذكريات وراحلة النضال، في جدرانها عُلقت صور تجربة الجمع الفريد، الذي تجمع لنصرة القضية السودانية، فجاءني مع خبره رائحة الذكريات وطعم النضال، على أرض القاهرة توثقت علاقتى مع عم التجانى، وازدادت بمرور السنين قوة ومتانة وقربا حيث تزاملنا فيها زمالة النضال، وما أجمل وأغلى الروابط النضالية، تحدثنا سوياً فى منابرها كل منا يكمل رأى الآخر، ندافع عن قضية مشتركة، ونحمل هماً واحداً، وقد تقاسمنا على أرض مصر الملح والملاح، وأكلنا من فولها وتومها وعدسها وبصلها، وذقنا فيها الفرح وتشاطرنا فيها الأحزان طيلة سنوات المنفى حيث إختلطت دموعنا عند وفاة محمد عثمان احمد عبدالله ورحيل الفريق فتحى أحمد على ووداع قيادات العمال محجوب سيداحمد وتوأم روحه محمد حاج الامين وفاجعة الرحيل المفاجىء للرفيق الاصيل عبدالرحمن عبدالله وبقية شهداء االحرية والديمقراطية. كنت أمنى النفس بوداعه ولكن خذلتنى الظروف وحرمتنى من رؤيته ووداعه ويشهد الله أننى وثلة من الاشقاء الاتحاديين ضمت اللواء محمد ميرغنى ادريس والامير احمد سعد عمر والاستاذ بابكر عبدالرحمن وشخصى الضعيف شددنا الرحال و توجهنا فى صباح جمعةٍ باكر صوب مستشفى سوبا لزيارته، عندما نقل لنا الرفيق الشيخ عووضة أنه طريح السرير الأبيض بالمستشفى، ولكننا وجدناه قد غادر المستشفى الى بيته بأم درمان، واتفقنا على معاودته بالمنزل ولكنى لارتباطات عاجلة غادرت إلى القاهرة، حيث نقل لى فيها خبر رحيله ونبأ وفاته فازددت حزنا بفراقه على حزنى بعدم مقابلته ووداعه، ولكنها ارادة الله التى لا راد لها. وما كان منى الا ان عزيت نفسى وأقمت له مأتما وعزاءا يستحقه على طريقتى الخاصة وذهبت الى مدينة نصر عزيت بواب العمارة التى كان يقطنها وزوجته الفاضلة الحاجة فتحية، وطفت معزيا الشارع الذى كان يسلكه ويسير عليه جيئة ورواحا، حاملا هم الوطن والمواطن منافحا ومناضلا عن حقوق الغبش والغلابة، وإجلالا واحتراما لهم؛ كان يصر على ركوب المواصلات العامة، رغم سنه المتقدمة ويرفض استخدام سيارة خاصة، فى الوقت الذى كان من هم دونه مقاما ومكانة يمتطون الفاره من سيارات الملاكى بغرض الوجاهة الاجتماعية ومسايرة العصر ولكنه كان كادحا فى سبيل شعبه كدحا جميلا، إلى أن مضى وهو لا يملك من الدنيا سوى حب كل المناضلين، وليس رصيده إلا ما زرعه في كل من يعرفه من حب للسودان وأخلاق أهله، وهو حب يهون في سبيله الكثير.
اشتهر عم التجانى وعرف بقدرته الفائقة على المزج بين الإخلاص والتفانى فى العمل وحب الوطن، ولذلك نجح فى الجمع بين العمل الحزبى والاعلامى فى ان واحد، وحقق نجاحات كثيرة فى تلك المجالات، مما جعل له بين جماعة الإعلام وأهل السياسة مكاناً غير مسبوق، لم يبلغه سواه ممن تصدوا للعمل الإعلامى والسياسى بالسودان، فقد كان بشهادة الكل، أحسنهم ترتيباً وأوفرهم تهذيبا وأكثرهم تواضعا، واسرعهم حسما، وأشدهم نضالا، وأصعبهم مراسا. ولا غرو ولا غرابة فى ذلك إذا عرفنا أن عم التجانى لم يكن دخيلا على السياسة ولا متطفلا فى ميدانها، فهو لمن لا يعرف، نشأ فى بيت سياسى كبير وعريق وكان والده الشيخ الطيب بابكر يرحمه الله شخصية قيادية بارزة فى مدينة شندى ومن أعيان المنطقة، وله شارع هام باسمه عرفناه وتسوقنا فيه قبل أن تجمعنا الأيام بابنه الراحل، بدأ "عم التجاني" حياته السياسية مبكرا، وكانت له على طول رحلته الوطنية عبر عمره المديد مواقفه وآراؤه القيّمة، لها وزنها واهميتها، وأشهد له وقد التقيت به خلال رحلته الوطنية الطويلة فى محطة التجمع الوطنى الديمقراطى من 1991 الى 2005 وهى الفترة التى شهدت أحداثا هامة كانت لعم التجانى بصماته المميزة فيها، و تفرد من بين أقرانه بانه كان يتسم بقدرة خاصة وفائقة على مواجهة المواقف واتخاذ القرارات الحاسمة وفقا لقناعاته، وهى صفة لازمته فى مشواره الطويل داخل حقل الغام السياسة السودانية كما كانت له مواقفه الخلافية الحادة التى يصر عليها غير عابىء بشىء ويدخل بسببها فى مواجهات سببت له الكثير من المواقف المضادة.
إنى مدين بالفضل لعم التجانى و بصفة خاصة لوصيتين إحداهما أنه نصحنى عند إصدار صحيفة الاتحادى بالمنفى بعمل إشتراك فى الشركة المزودة لخدمات الانترنت فى مصر وذهب معى الاستاذ محمد حسن داؤد مدير تحرير الصحيفة واشتركنا فى شركة(in touch) أول شركة إنترنت فى مصر ومن حينها عرفت عالم النت وتصفح المواقع وطرق التواصل الالكترونى.أما الوصية الاخرى الغالية التى خصنى بها عم التجانى، وقبل أن أسردها يجدر بى ان أحكى مناسبتها، فقد اتصف عم التجانى بالدقة فى تعبيراته، والمباشرة فى لغته، وبصفتى أمين الإعلام بالتجمع الوطني الديمقراطي، كنت اقوم بتلاوة مسودة البيان الختامى على هيئة القيادة لاجازته، وكان الفريق عبدالرحمن سعيد ينبهنى قبل بداية الجلسة هل انتم مستعدون لنقد التجانى الطيب وملاحظاته؟ فقد اعتاد يرحمه الله ان يكون دائما اول المتداخلين فى جلسة البيان الختامى مطالبا بحذف العبارات والجمل التى لا يرى مبررا لها، منبها للأخطاء ومقترحاً صياغات جديدة، لدرجة أنه كان يختصر فى جملتين ما كتبته لجنة الصياغة فى فقرتين كاملتين. وعندما شعر بان مراجعاته اصبحت تصيبنا بنوع من الضيق اختصنى بتقديم نصيحة غالية بخصوص الصياغة، وقال لى أريد أن أنصحك بما نصح به (سقراط )الذين يفكرون والذين يكتبون، وإذا عملت بموجبها والتزمتها، فإنك ستستفيد منها كثيرا، فعليك بتجنب العبارات الفضفاضة والكلمات الزائدة والمترادفات الانشائية والعمل بنصيحة (سقراط): تجنب نفخ الكلمات كما ينفخ البالون، وأعلم أن أقصر الطرق لبلوغ الحقيقة ورؤيتها هى استخدام الكلمات الدقيقة جداً والمحددة جداً والمرهفة كحد السيف.
تفرّد عم التجانى ببعض الصفات والميزات التى يكاد لا يجارى فيها؛ ومن بينها مثلا دقته وصرامته فى المواعيد، وحرصه الشديد على احترامها حيث كان دائما اول الحاضرين واخر المنصرفين من الاجتماعات وكان لا يخفى ضيقه وتبرمه من عدم احترام الاخرين للمواعيد، وأذكر مرة ان مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى قدم الدعوة لهيئة قيادة التجمع الوطنى الديمقراطى لاجتماع طارىء بفيلا طيبة بشارع الخرطوم بضاحية مصر الجديدة، وكالعادة كان اول الحاضرين عم التجانى بالضبط عند الوقت المحدد للاجتماع وكان مولانا مشغولا فى لقاء آخر بالصالون المجاور لقاعة الاجتماعات، وطلب ابلاغه عند اكتمال وصول أعضاء الهيئة، وكالعادة وصولوا متاخرين بيد أن التجانى لم يفوتها فقال مخاطبا مولانا ومداعبا: أنا يا مولانا لى اكثر من ساعة هنا منتظرك انت تجى عشان نعلن نهاية الاجتماع وننصرف، فضحك الجميع ورد عليه مولانا قائلا:يا استاذ تجانى أنت أكبرنا سناً وهذا بيتك قبل أن يكون بيتى، فتصرف كما تشاء بدون حرج، وكان مولانا يحرص على أن لا ينادي عم التجاني أو يقول اسمه إلا مسبوقا بلقب (أستاذ) اعترافا باستاذيته وتقديرا لمجاهداته. مهما عدد الكتّاب، ومهما قال الخطباء،
ومهما كتب الاصدقاء والرفاق والمعارف، وسودوا الصحف بحبربهم، فإن بياض التجاني وصفاء سيرته سيبقى بحرًا يحتاج لجهود كثيرة، و تبقى مهمة حصر مآثر الفقيد العزيز ومناقبه بما يوفيه حقه مهمة صعبة وعسيرة، لأنه كان أفضل وأحسن وأصدق شاهد على العصر، فقد عاش أكثر من خمسين عاما قضاها متابعا لما يدور على الساحة مشاركا فيها بالكلمة والرأى. لا ادعى معرفتى الكاملة بكل تفاصيل حياته، ولكن أحمد الله أن الظروف قد أسعدتنى وهيأت لى فرصة الاقتراب من عم التجانى لفترة ليست بالقصيرة، وتشرفت بمعرفة جوانب من شخصيته لا يعرفها الكثيرون، اكتشفتها خلال مرافقتى له فى عدة سفريات، ووقفت عليها خلال سكنى معه فى عدة عواصم وفيافى وغابات، وتبقى محفورة فى الذاكرة رحلتنا لجنوب السودان عبر كينيا برا وجوا إلى أن وصلنا مقر الحركة الشعبية ورئاستها فى (نيو سايت )بكبويتا بجنوب السودان، وكم كابدنا وعانينا خلالها، فما كل ولا مل فقيدنا رغم انه أكبرنا سنا فكنا نستمد القوة والصمود من صبره وعزيمته. سكنت معه فى قطية واحدة وتجاورت سررنا(جمع سرير) على الهواء الطلق، وانتهزتها سانحة لا تتكرر وادرت معه حوارا بين استاذ وتلميذه بين اب وابنه، فكان حوارا استثنائيا استمتعت به واتسم بخصائص هامة حيث ناقش فى تلك الليلة القضايا وطرح وجهات النظر بصراحة وشجاعة ووضوح ومباشرة،
وكثيرا من آرائه كانت تتجاوز خطوط تماس المجاملة ليتوغل ويغوص فى مناطق أقل ما يقال عنها انها ملغومة خاصة ما جاء فى توصيفه للاحزاب السياسية السودانية ووجهة نظره فى القيادات الحزبية وتقييمه لعلاقتنا مع الحركة الشعبية ورؤيته لمستقبل عملية السلام وغيرها من قضايا فى تلك الليلة امتد بنا الحوار وتشعب فشرقنا وغربنا وانتهى بنا المطاف على ضفاف ذكريات مدينتنا المحببة شندى. واستطيع ان اقول بثبات ان عم التجانى كما رايته خلال تلك الجلسة الحوارية الطويلة الممتدة من غروب الشمس الى بزوغ الفجر فى جنوبنا الحبيب الذى ذهب بعيدا عنا بسبب سياسات الانقاذ الخاطئة، ان جعبته ممتلئة باتجاهات وايدلوجيات وافكار كلها تدور حول الوطن والمواطن وتجسد تجارب حياته السياسية العامرة.
هذا العقد الفريد من رجالات السودان، وهؤلاء الرجال من مختلف المرجعيات الفكرية، يحملون في جيناتهم سودانييتنا التي نحب، والسودان، بلد مترع بالمبدعين، ولكنهم مقتول بضعف التوثيق، فتضيع الملامح السمحة، والسير النظيفة، والمُثل الطيبة، هكذا، "شمار في مرقة"، ولا أدري متى نضع يضطلع السودانيون وحكومتهم، بمهمة توثيق هذا النور،أطالب هذه الحكومة بعيدًا عن ضيق الأيديولوجيات قريبًا من سودانية الشعب بتخليد ذكرى هذا الاستاذ العظيم باطلاق إسمه على إحدى مؤسساتها أو ساحاتها أو شوارعها فهو إن لم يكن أفضل مما تسمت بهم شوارع الخرطوم الرئيسية ومراكزها فليس أقل منهم. رحم الله فقيدنا المناضل الراحل الاستاذ التجانى الطيب بابكر وصادق التعازى و
المواساة لرفيقة دربه الصابرة المكلومة الحاجة فتحية ولكريمته عزة ولصهره الصديق محمد خالد وعزاء خاص للدكتور الشفيع خضر ولكل الرفاق ولاصدقاء الفقيد ومعارفه داخل وخارج الوطن سائلين الله تعالى ان يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته.
-----------------------
في حق عمي التيجاني ..
بقلم: محمد محمد خير الأحد, 04 كانون1/ديسمبر 2011 19:08 Share أقــــــــاصي الدنيا
[email protected] سألني ذات مرة الأستاذ محمد خالد زوج السيدة عزة التيجاني الطيب – الكنز الثر الذي خرج به التيجاني من الحياة الدنيا ، سألني : هل أنت كادر سري ؟ أجبته بتساؤل آخر لماذا ؟ قال لي لأن عمي التيجاني لا يضحك من قلبه كثيرا ولا يطيل الحديث عادة إلا مع أشخاص لا تستطيع فك طلاسمهم ، ومن جانبي لم أؤكد أو أنفي تساؤله. على خلفية هذا السؤال تتضح الصرامة المنهجية التي طبعت ووسمت حياة المناضل الكبير الأستاذ التيجاني الطيب الذي رحل الأسبوع الماضي مخلفا أجمل ريحة تتضوع. التيجاني من جيل الآمال الكبيرة ذلك الجيل الذي أرسى تقليدا عبقا في حياتنا السياسية ، تقليد ارتبط بلونية السماحة التي ميزت صراعاتنا السياسية بتجريدها عن العنف وفصلها بين الخلاف السياسي والروابط الاجتماعية ، هو من الماركسيين الذين سودنوا الشيوعية فألبسوا كارل ماكس ( مركوبا فاشريا ) وأظهروا لينين ( بالعمة والجلابية ) في الأندية الثقافية الاجتماعية التي كانت تضاء ( بالرتينة ) .
اجتهد التيجاني كثيرا في جعل فضاء الفكرة مرتبطا بمحيطها فهو المثقف الماركسي وهو في نفس الوقت ابن البلد الطيب السوداني ذو الطعم الشعبي والجذر الصوفي ذلك هو ما أكسبه وضوحا شفافا وقدرا عاليا من الصفاءين الفكري والسياسي وجنبَّه طوال عطائه الذي امتد منذ عام 46 من القرن الماضي حتى رحيله في مطلع الألفية الثالثة من الحذلقة والتنطع واللهوجة فقد تميز بالدقة وكان كثير العناية بسلامة اللغة واختط طريقا مميزا في الكتابة الصحفية جسدته العبارة القصيرة والمعنى العميق.
رغم الزلزال السياسي العنيف الذي خلخل الاتحاد السوفييتي وبددت قوته معالم دول المنظومة الاشتراكية إلا أنه ظل متمسكا بأن الماركسية هي النظرية الهادية لمسيرة الأحزاب الشيوعية لما بعد البرسترويكا ، فسر كثيرون هذا الموقف بأنه جمود وصمدية لكنني أفسره بأنه الوفاء العاطفي للتاريخ والإخلاص المطلق للنشأة والبدايات والإصرار على حصاد بذرة لم تثمر .! لقد رحل التيجاني الوفي للفكرة والهائم بحب الشعب في زمن تعرضت فيه ثوابته الملهمة للاهتزاز ومحالاوت التحديث والمناقشة العامة والتشكيك ، لم يقابل التيجاني هذه الهزة بالنفي بل اعترف بها لكنه تحول لفقيه ماركسي تخصص في قراءة مفردات ( المعجم الطبقي ) الذي يحيل ظواهر الحداثة لأصولها في الديالكتيك.!!!!
رحم الله عمي وحبيبي وصديق التيجاني فقد كان معجونا في الشعب وكان وطنيا مرجعيته التراب.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
التجانى الطيب : قلم مداده النضال
عبد الله محمد عبد الله ا
غيرك. .. راكب البنز القزازها يرارى نافخ ديمه .. من حوله الحشم متجارى وا نت الغافى جوة الحافلة ماك متوارى برضك فايتو تب، حت ان مشيت كدارى
ان يستقل الاستاذ تجانى الطيب سكرتير اللجنةالمركزية للحزب الشيوعى السودانى و ممثله فى قيادة التجمع المعارض ، وسائل المواصلات العامة بالقاهرة كان امرا مخلا بتأمين سلامته الشخصية وسلامة الحزب ، لكن ما جبل عليه ذلك المناضل هو ان يكون بين الناس ، لا بعيدا عنهم ، و كنا نجد ذلك غريبا وسط اجواء التوتر السياسى و الامنى و تصاعد تهديد سلطة الانقاذ و انتشار عملائها فى القاهرة باعتبارها مركز المعارضة بالخارج. ذات يوم راينا الاستاذ تجانى وقد غفا فى احد المقاعد الخلفية فى الميكروباص 35. وفى المساء هاتفته و قرأت ما سطرته اعلاه ..... ضحك ابو عزة ، ثم قال لى ساخرا ( ياخى هو نحن الحافلة ذاتها كنا لامين فيها )...
نعت الاستاذ التجانى الطيب بابكرالنواعى ، بعد عمر حافل قضاه متسقا مع مبادئه منافحا عن حزبه بشراسة يعجز الكثيرون عن فهمها ، كثيرا ما دفعت به نحو غلظة لا تتسق مع رقة طباعه و حلاوة معشره و اريحيته الاصيلة . و لاستيعاب هذا الجانب من شخصيته لا بد من فهم الصلة الحيوية بين تجانى وذلك الحزب الذى اسهم فى تأسيسه منذ مطلع شبابه والذى شارك فى بنائه و صونه حال صعوده و هبوطه، خاصة خلال اهوال مابعد يوليو 1971 و مقدماتها. حكى الجزولى سعيد ان التجانى افرد اصابع يديه على الطاولة بقوة فى اول لقاء لقيادة الحزب عقب يوليو، و قال فى تصمصيم ( نحن، حتى لو كنا عشرة و بس ، حنواصل نضالنا و نعيد بناء الحزب ولن نقبل انهزامه على الاطلاق).قال جزولى : والله افتكر لو لقينا الطربيزة دى جايز نلقى اصابع تجانى مطبوعه عليها !!!
كان من نتائج تلك المسيرة الطويلة ان اتحد تجانى و مؤسسات الحزب ، فما ينال منها ينال منه بالضرورة ، او كما قال هو لأحد الزملاء بمصر يوما : يا زميل اسحب كلامك ده ، اذا انت اهنت الحزب يتكون أهنتنى انا شخصيا . و لذا ، فان كنت عدوا للحزب فانت لا ريب عدو للتجانى و لا توجد فى هذا منطقة وسطى ، فهو لن يمد اليك يده بالتحية و لن يلقى اليك بالا فى فرح او كره لانه فى حله و ترحاله انما ينوب عن الحزب و يجسد مواقفه. لكن ذلك لم يكن يمنعه من الاعتراف بمزايا خصومه ان وجدت ، فكثيرا ما كان يبدى اعجابه بقدرة عمر مصطفى المكى على الكتابة قائلا: ( انا ما شفت زول بيكتب بسرعة و تركيز زى عمر مصطفى المكى ) يقول هذا رغم عدائه المستحكم لعمر والذى اتصل الى ان رحل عمر عن عالمنا هذا.
فى الثانى من مايو الذى اعقب الانتفاضة كان الاحتفال بعيد العمال و بخروج قيادة الحزب الشيوعى الى العلن ، فى تلك الليلة تولى الاستاذ ابوبكر الامين تقديم الاستاذ التجانى الطيب ليخاطب الحضور . قال ابوبكر ببلاغته المحكمة و اختصاره المشهود ، اقدم اليكم المتظاهر ابن المتظاهر، الاستاذ التجانى الطيب بابكر. . وعبارة ابى بكر القصيرة تختصر تاريخا طويلا يجدر تناوله فى غير هذا المقام. لكنها اثارت لدى اكابر القوم اشجانا و لدى اصاغرهم تساؤلات وجدوا قليلا من اجاباتها فى سنى الديمقراطية عبر جريدة الميدان و زخم الحملة الانتخابية مما لا يشفى غليلا ، و هيهات ، فقد كان تجانى ، كغيره من قادة الحزب كتوما منصرفا عن الحديث عن ذاته و حياته ، و قد فشلت محاولاتى و الزميل عبدالجبار عبدالله - ابان تولينا مهمة تحرير الصفحة الثقافية بالميدان - فى اقناعه بحوار صحفى معه عن تجربته و مشوارحياته!!
كان التجانى معلما فذا ومدربا ممتازا لمن هم حوله ، كان مثالا لصحفى يحذق مهنته ، يقضى وقتا طويلا فى التقصى و التفكير والتحليل و النقاش المتمهل العميق ، فاذا ما شرع فى الكتابة انثالت من قلمه بلا عناء . لكنه لم يكن يستنكف ان يسأل من هم حوله عن معلومة غابت عنه أو كلمة يشك فى ذيوعها بين الناس ( يا اخواننا ممكن ان نقول : انساء ؟ زى الهاء ... هل فى كلمة زى دى ؟ ) قال هذا وهو يجول بين المحررين ،كان ذلك فى اليوم الذى تولى فيه كتابة كلمة الميدان و التى جاءت بعنوان ( تطبيع شظف العيش ) و هى مما لاينسى من بين افتتاحيات الميدان . اعطى تجانى ، و محجوب عثمان و عبدالرحمن احمد ،بما امتلكوا من نواصى اللغة و دقائق الفن الصحفى الميدان طابعها المميز و طعمها الخاص و بذلوا فى تدريب محرريها جهودا افضت الى تقارب الرؤية و الاسلوب ، حتى ان كثيرا من القراء كان يظن ان كلمة الميدان هى على الدوام مما يخطه التجانى الطيب لما فيها من اختصار و نفاذ و احكام . لكنها - بالطبع - كانت مما يتناوب المحررون اعداده.
كان تجانى شديد التمسك بأخلاقيات المهنة ، حريصا على الا تنزلق الميدان الى درك الوان و مثيلاتها من صحافة( جاق ) - الاختصار من صياغة بشرى الفاضل - وكثيرا ما رفض مجرد الاشارة الى اخلاقيات الافراد من المعسكر الآخر و مثالبهم الشخصية حتى وان توفرت الادلة الدامغة و الصور و الوثائق . كل هذا اعطى الميدان مكانها المرموق و سمعتها الفريده ، فهى لم تكن تعبر عن رأى الحزب فحسب بل تنشر بين الناس ممارسة صحفية تضع الخط الفارق بين ما هوغث و ما هو ثمين . كان المثقف الكبيرالراحل يونس الدسوقى يقول عن التجانى : والله لو غربلوا السودان ده بى غربال ما يكون فيهو صحفى تانى قدر التجانى ، لا فى الكتابة و لا فى الادارة .. و الله تجانى لومسكوه الاهرام دى يمشيها احسن من هيكل و اللى بعده !!! لكن من الواضح ان الاعتبارات الحزبية بالنسبة لتجانى تأتى فوق كل الاعتبارات ، ولذا فقد اصر على نشر رده على مقال د. فاروق محمد ابراهيم فى نفس العدد من اصدارة الحزب بالخارج ( قضايا سودانية ) فى ابريل 1994 ، ضاربا بالتقاليد الصحفية عرض الحائط .
كان تجانى – كما عرفته – ميالا الى الاختصار ، حريصا على الايضاح و الدقة ، فلم يكن ممن يغلفون مواقفهم بغامض القول و اللولوة ، و هذا مما حببه لأناس و ابعده عن آخرين . و يبدو ان مقارعته الخطوب طوال حياته قد اكسبته من الشجاعة ما أعانه على خوض المعارك و المواجهات غير مبال بتكاليفها ، لكن تلك النزعة ذاتها ، اضافة الى ما يورثه الاختفاء من وثوق فى فئة قليلة من المقربين و سيطرة النزعات الادارية ، هى التى افضت به و الحزب الى معارك كان تفاديها ادعى الى الصواب ، لا مجال لتفصيلها هنا ، بل يكفى ان اشير الى ان الخلاف الذى نشب فى فرع الحزب بالقاهرة اواسط التسعينات ما كان لينتهى الى نتائجه المعروفة لو اتسعت رؤية القيادة لتدرك ان مناقشة أعضاء الفرع لوثيقة( آن أوان التغيير)- التى صاغها الخاتم عدلان- ليست بالضرورة مقدمة لانقسام لا مناص منه. و بالطبع فان نصيب الاستاذ التجاتى من المسئوليه هنا يظل مساويا لنصيب كل فرد من قيادة الخارج فى ذلك الوقت ، بل يرجح من الكفة الايجابية لتجانى انه - و ان أحال الخاتم شخصيا الى ملف العداوة الكاملة بفعل تراشق بينهما و شقاق بدأ قبل تلك الايام بكثير - لم يعاد احدا ممن غادروا فرع الحزب بمصر اثر ذلك الصراع ، فقد ظل هاشا كدأبه عند اللقاء سائلا عند الغياب، قال لى ما معناه أن التلفون هزم الجغرافيا ولم يعد هناك من عذر امام من يود التواصل . ظل التجانى على وده حين قلب البعض ظهر المجن ، و لعل التجانى هو الوحيد من قيادييى الحزب الذى رأى ان ( حق ) لم تكن انقساما ، على أن ذلك لم يحل دون ان يسعى الى انفاذ قرار الحزب بحرمانها من الانتماء الى التجمع الوطنى الديمقراطى !!!
مما يثير الدهشة فى شخصيته قدرته الفائقة على البقاء داخل ما يفرضه على نفسه من اطر و طرائق . حين كنا نجتمع لتناول الغداء فى الميدان، لاحظنا انه يتناول رغيفا يقسمه الى نصفين يمسك احدهما بيده ويضع الآخر جانبا ، و متى ما انتهى النصف الذى بيده كان ذلك ختام وجبته . سألناه عن السر فقال : اعتدت ان اكتفى بنصف رغيف، منذ ان كانت العيشة كبيرة ... واليوم اجد نصفها كافيا لى حتى بعد ان تضاءلت الى حجمها الحالى !! قال احد قدامى الشيوعيين ، كان لتجانى فى وقت من اوقات الضيق بنطال و احد و قميص فريد ، هما زى العمل ، لكنهما كانا مغسولين مكويين كل يوم ، فلم يجد فى رقة الحال سببا لبؤس المظهر .
ذلك هو نفس الرجل الذى خبرناه فى ( الميدان ) قوى البنية بادى الاناقة ، مستقيم الخطة ، تسعده محاورات شبيبة الحزب و تضجره اجراءات الحماية. نفس الرجل الذى كان يحمل هموم الجريدة مجتمعة ، يتابع صفحاتها و يتنسم أحبارها، يسأل عن احوال محرريها و اسرهم ، يزيل الشوائب عن ممراتها و يشذب شجيراتها فى تؤدة ومتعة ، بينما ينشغل ذهنه بقراءة ما بين سطور الحياة السياسية المتشابكة المتداخلة و هموم الحزب . نفس الرجل الذى وقف عارضا و هو يردد فى نبرة يعضدها نضاله الطويل و نكران ذاته و تضحياته المشهودة : ( أبدا .. ابدا ..أبدا) مؤكدا لمحمد وردى الذى افرد صوته صادحا : ( ابد ما هنت يا سوداننا يوما علينا ) . هو التجانى الطيب بابكر ،عاش عملاقا فى السياسة والصحافة و مثالا رفيعا فى الزهد و التضحية و النبل ، كان محط عظيم تقديرنا و مثار اعتزازنا، ما زال و سيظل .
-----------------------
الصادق المهدي ينعي الراحل التجاني الطيب
-----
نعي أليم
التجاني الطيب زميل نضال مع جيل الرواد لاستقلال السودان، وزميل نضال لي ضد الدكتاتوريات الثلاث التي شقى بها السودان. عرفته في السجون وخارجها قوي الإرادة صبورا على مشقة النضال. ومهما اختلفنا في الرأي فقد اتصلت المودة بيننا، يجمع بيننا الحرص على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكان مع حزمه في التمسك بالمبدأ ودودا حافظا لبروتوكول السودان غير المكتوب الذي يفرض الوصال الاجتماعي على كافة الاعتبارات.
ألا رحم الله المناضل الراحل التجاني الطيب واحسن عزاء زوجه فتحية، وبنته عزة، وسائر أصهاره وزملائه: الأخ محمد إبراهيم نقد وسائر الرفاق. ألا رحمه الله فإن رحمته كما جاء في الحديث القدسي وسعت كل شيء.
الصادق المهدي
حركة العدل والمساواة السودانية..نعي الاستاذ التجاني الطيبكُتب يوم 25.11.2011 بواسطة jem بسم الله الرحمن الرحيم
حركة العدل والمساواة السودانية
Justice & Equality Movement Sudan (JEM) www.sudanjem.com [email protected]
{(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157]. بمزيد من الحزن والأسى ينعى رئيس حركة العدل والمساواة والقيادة التنفيذية للحركة للأمة السودانية جمعا المناضل من اجل الحرية والديمقراطية والكلمة الإعلامي القدير والاستاذ الكبير/ التجاني الطيب، الذي وافته المنية لتذهب روحه إلى بارئها العزيز الرحيم.حركة العدل والمساواة إذ تعزي في فقد الوطن، إنما تنعي رجلاً في قامة المناضلين الذين قدموا حياتهم خدمةً لاوطانهم، وتنعي لكل قطاعات الشعب السوداني بصفة عامة والحزب الشيوعي السوداني بصفة خاصة هذا الفقد الجلل، سائلة الله العزيز أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وان يسكنه فسيح جناته ويدخله في معيته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقا، ولآله وزويه الصبر وحسن العزاء.وإنا لله وإنا إليه راجعون
جبريل أدم بلال
أمين الإعلام الناطق الرسمي
الاتحاد العام للصحفيين السودانيين يحتسب الأستاذ التجاني الطيب 2011-11-24 02:44:49 يحتسب الاتحاد العام للصحفيين السودانيين بمزيد من الحزن والأسى الأستاذ التجاني الطيب بابكر أحد أركان الصحافة السودانية والذي وافته المنية امس بعد رحلة طويلة مع المرض. ويعتبر الفقيد من قدامى الصحفيين السودانيين الذين أفنوا جل عمرهم في مهنة الصحافة وقدم لها الكثير من جهد وفكر. وقد ساهم الفقيد في العمل الوطني والسياسي وعرف بحسن الخلق وطيب المعشر. تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ التجاني الطيب كان يرأس مجلس إدارة وتحرير جريدة الميدان وعضو بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني وعضو باللجنة المركزية للحزب.
الجبهة الوطنية العريضة وداعاً الأستاذ التجاني الطيب
تنعي الجبهة الوطنية العريضة الأستاذ التجاني الطيب الفارس المغوار الذي نذر حياته لخدمة السودان مدافعاً عن الحرية والديمقراطية. لقد كان قائداً في الحزب الشيوعي السوداني ورئيساً لتحرير جريدة الميدان منذ تأسيسها وحتي وفاته. وظل عبر حزبه وعبر خبرته الصحفية الفذة يُقاتل كل الانظمة الشمولية في بلادنا، وقد زاملناه اكثر من مرة في معتقلات القهر فكان دوماً المناضل الثابت القوي. اننا لا نعزي اسرته العظيمة فحسب، ولا نعزي حزبه الذي نذر حياته كلها من أجل الدعوة اليه فحسب، لكنا ننعي فقده للامة كلها. قد كان هرماً من اهراماتها ورمزاً بارزاً من رموزها. نسأل الله أن يتقبله أحسن قبول وأن يصبر الجميع علي فقده. انا لله وانا اليه راجعون.
علي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة 23/11/2011
الحزب القومي السوداني بالخارج …ينعي الأستاذ /التجاني الطيبكُتب يوم 27.11.2011 بواسطة jem باسم الله الرحمن الرحيم باسم الله وباسم الوطن ينعي الحزب القومي السوداني ببالغ الحزن رحيل أحد رموز الحركه الوطنيه الديمقراطيه الذين أفنوا حياتهم والبقيه ما تزال تعمل من أجل سودان حر ،ديمقراطي ،يسع الجميع اثنيا ،فكريا وعقائديا .
رحل عنا الأستاذ التجاني الطيب ونفقد برحيله عمودا شجاعا ثابتا لم تلن له قناه في قول الحق …لقد كان الفقيد مثالا للابوه والاخوه والصداقه . ألا رحم الله التجاني الطيب بقدر ما قدم لوطنه والهمنا واهله جميعا الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون .
----------
كلمتان ، لأقولها للتجاني الطيب ! ------------------------------- جابر حسين
لم يكن ليسوءه أن أفضح أسمه في الشعر لم يكن يتوقع أن يخذله البطين ! فظل يعب الهواء حتي تضاءل الأوكسجين في قلبه ... وحين ضاق الطريق علي منكبيه ، أنتعشت الموسيقي في ردهات الحزب ! الآن يارفيقي : الجراح في العائلة وعلينا توزيع الواجبات حسب العمر والرصيد الحزبي : أنت ترعي مسيرة الحزب ، محاذرا العسس ووعورة العمل السري والمهمات ! وأنا أحضر إليك " عزة " التي أحزنها أن تؤشر من البعيد كي تضع علي وسادتك مجسما لحلم السنوات وتلاحظ التذبذب في مسيرة الدم محافظة علي نعومة الحنجرة ! وأنا اترك لك أعترافاتي الصغيرة كي تنجز بها رؤية المستقبل ! أما الولد الذي أوصيتنا به ، فقد أزهر النبيذ في فمه وصاح في حشود المؤبنين : ما كل هذا الدم الزفافي في عروق الحزب ؟ هو الآن يقرأ في كتاب " الميدان " ويستعين بتنوع الثورات علي أكتشاف الصلة بين الشعب والوطن ونفسه ! وأنت غائص في دفاتر السلالات ، تقيس بالشبر المسافة بين البلاد ، والأحلام القادمة ولمعة الرؤيا التي توهجت في المدن الكبيرة الحالمة عاكفا علي سودنة الأيدلوجيا حتي نستبين لون الريشة التي حطت في شعيرات جسدك حين كنت تنثر أسم البلاد في سيرة الوجع كنوع مستحدث في العشق فتخضر أرض ، وتزهر نوارة الفكرة ! *** *** *** الحياة شرفات ... ، شرفات ، لكنها عالية ! بعيدة في غور الأفق لكنها دانية ! صفحات من كتاب البحر غمامة في فم الطفل ، سيدة عابرة ! في المنتصف من حياتنا ، نبدأ من جديد ... نبدأ من الشفق ، حيث باتت السماء ثملة بالضياء وثمة نداء كلمات تقولها : لمحمد وعزة ، والصغيرات البنات لفتحية وللرفاق في الحزب إذ تريهم ، كيف تكون الصحافة وكيف يكون الثبات ! كانت أيامك وهجا يا حبيبي ... مشهدا محفوفا بالممكنات ! كنت " السنديانة الحمراء " ، وشاحا في المهرجان وفي مؤتمرات الحزب ، ضياء الكهرمان وميضا نادرا يستولد الصباحات . آآآآه ، أعجوبة كنت ، لكنها في العصر الخاطئ واللون الخاطئ والتسديد الخاطئ والسياسة الخاطئة والأحزاب الخاطئة والديكتاتوريات الخاطئة والأسلام الخاطئ ! عشت مزدحما بالرجاءات : جعلت السماء ملونة واطئة وبساتين البلاد مزهرة أحلت كتل الظلام الكابيات ورودا يانعات للصبايا الجميلات جعلت الضوء يشرق من خلل الصخرة والبراعم في الفكرة زهرة ... زهرة ميسرة ... ميسرة ! منحت الأمهات البهار ، في الجذوة تدخل مطابخهن ، وقادرات علي الأحساس بحقبتك تتسلل إلي الأولاد والبنات ورميت العتمة إلي الهاوية والذاكرة ، إلي خاصرة الوطن منحت الوعي يزهر من يديك فجنبت البلاد المحن أنت – الآن – هناك ، أيها المجيد الفطن حيث السماء تتوق إلي البياض ، وإلي أبد مديد ورأي سديد فكن ياتجاني ، كن ... ، في الخالدين النشيد !
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
حضرة التجاني الطيب .... دمعتان ووردة ..
بقلم: حسن احمد الحسن /واشنطون الأربعاء, 07 كانون1/ديسمبر 2011 07:19 Share
استلهمت هذا العنوان من كتاب للأستاذة والكاتبة الصحفية والناشطة السياسية اليسارية فريدة النقاش أهدته لي في منتصف التسعينات بمكتبها في مقر حزب التجمع وسط القاهرة " السجن دمعتان ووردة " وتسجل النقاش في ذلك الكتاب معاناة وتضحيات الشيوعيين واليساريين في سجون مصر وسراديب امن الدولة ذلك الجدار الذي انهار على رؤوس بناته في ثورة الخامس والعشرين من يناير الشعبية في مصر. أما الحديث في حضرة التجاني الطيب بابكر تدفعه دمعتان على فراقه وتحمله وردة على قبره الأمدرماني الذي احتفى بجسده النبيل . فهو حديث عن جيل نادر من أهل السودان وطليعته الواعية المثقفة والزاهدة ليس في الحزب الشيوعي السوداني فقط بل في كل الأحزاب السودانية العريقة ، ذلك الجيل الذي لم يعرف الثراء الحرام والاختلاس من المال العام وبناء الفلل والضيعات وانتزاع الأراضي والبنايات وتوريثها لأبناء رجال السلطة وبناتها . ذلك الجيل الذي لم يسجن خصما ولم يعتقل معارضا ولم يقتل بريئا ولم ياخذ الناس بالشبهات . ذلك الجيل هو جيل التجاني الطيب الذي فقدناه في ظروف حرجة .
كتب كثيرون عن التجاني الطيب عن زهده وكياسته وتواضعه وتصميمه على مايراه حقا محضا ومقته للمساومة حول المبادئ ،لكنني عرفت التجاني في حقبة زاهرة بين منتصف الثمانينات ونهاية التسعينات قبل ان ينفض سامر التجمع الوطني . كانت البداية في سجن كوبر في عام ثلاثة وثمانين وحتى قبيل الانتفاضة بأيام حيث كان المعتقل يضم كوكبة من العقد الفريد في السياسة السودانية ، منهم " الصادق المهدي –عمر نورالدائم –عبدالرحمن النور –سعيد الشايب- طه ابراهيم –عثمان جاد الله – ادريس البنا – عوض صالح – عبداللطيف صالح –صلاح عبد السلام –وشباب من طيف من السياسيين والناشطين من أحزاب الأمة والشيوعي واللجان الثورية والجمهوريين والبعثيين و شتى الأحزاب والمنظمات . وتعرفت عليه عن قرب فوجدت فيه سودانيا بكل ما تحمله الشخصية السودانية من سمات وخصوصية تجمع بين موجبات الأصالة وتواضع العالم وحصافة السياسي ورصانة الكاتب المجيد . وتكامل تواصلنا خلال حقبة الديمقراطية الثالثة حتى أطاح بها بانقلاب الإنقاذ ليتصل من جديد ذلك التواصل في قاهرة المعز تحت مظلة التجمع الوطني بكل ما حملته تلك الفترة من تطورات. وكما أسلفت فإن التجاني يعتبر رمزا من ذلك الجيل من الساسة الذين واجهوا الديكتاتوريات العسكرية والشمولية، لم تهزهم السجون والمعتقلات ولم تبهرهم السلطة حتى في فترات الديمقراطية الشحيحة التي مرت على السودان وكانوا زهادا يعيشون على الكفاف غير انهم أثرياء بحب الناس واحترامهم لهم دون ترهيب او ترغيب .
ولعل من أصدق العبارات التي قيلت في تأبين التجاني ماقالته الأستاذة أمينة النقاش " حين رفضت ، فكرة التحدث عن التيجانى الطيب، بصيغة الفعل الماضي، وقالت:أنه شخص متسق في سلوكه العام والشخصي، وهى المرة الأولى التي ترى فيها شيوعيا عربيا لديه كل هذا الاتساق فيما يفعله ويعيشه ويقوله وهذه الاستقامة في السلوك الشخصي.
والحديث عن التجاني الطيب وزملاءه من الثقاة في كافة الأحزاب الوطنية التي فشلت جميع الديكتاتوريات في استئصالها أو إعدامها بدعاوى الحداثة والتطور يفتح ملفا مهما لابد ان يعكف على إجراء مقارنة هامة وأساسية بين ساسة المدرسة الديمقراطية المناضلة من أجل الحرية وساسة أحزاب السلطة الشمولية سيما من طويلي اللسان الذين استباحوا المال العام وبددوا موارد البلاد وتركوا سيادة البلاد نهبا للقوى الخارجية بكل مسمياتها وألوانها .
لقد عبّر الإمام الصادق المهدي في ندوة في واشنطن ردا على تساؤل تنقصه الكياسة من سائل حول ما زعمه بـ " ديكتاتورية " الصادق المهدي .فرد عليه المهدي بقوله يا أخي يكفي إننا على قصر الفترات التي حكمنا فيها إننا : " لم نأتي الحكم إلا منتخبين بإرادة الجماهير لم نعتقل مواطنا لرأي لم نحجر على حرية أحد لم نقتل أحد لم نشنق أحد لم ننهب مالا عاما لم نستغل موارد الدولة بل كنا نعيد مرتباتنا ومخصصاتنا إلى خزينة الدولة "
تجاني الطيب كان من هذا الجيل الذي شرب العفة والنزاهة ممن سبقوه وعاصروه من ساسة الديمقراطية وروادها بكل طيف أحزابها السياسي. هذه الخصوصية التي اتسم بها جيل الديمقراطية لا يقوى على الوقوف أمامها ساسة أحزاب السلطة إلا من عصم ربي وما المشهد الماثل اليوم إلا دليلا على تلك المفارقة . يكفي فقط أن نلقي الضوء على سيرتهم المشرقة حتى يتبين هذا الجيل الجديد المأخوذ بالشعارات الفرق بين هؤلاء وأؤلئك فبضدها تتبين الأشياء . رحم الله التجاني الطيب بابكر وكل الراحلين من الوطنيين الشرفاء الذين أعطوا ولم يأخذوا إلا أكفانهم ومن هذه الأرض الممتدة إلا شبرا من تراب .
-------------------
التيجاني الطيب بابكر : رجل من ذاك الزمان ..
بقلم: محمد عبد الخالق بكري الثلاثاء, 06 كانون1/ديسمبر 2011 19:41 S رجل طاغي الوسامة والرجولة في آن . كتلة من الشجاعة المتوهجة ترى ان حدقت في عينيه لتفهم ، تري سلالة قديمة من الفرسان خاضوا الف حرب وحرب ولامس الموت هاماتهم مراراً وتكراراً ، ولا يزالون على صهوات جياد الابد . كان فارساً ، التيجاني الطيب بابكر . هذا الرجل مناقبه لا تعد ، وفي هذه العجالة لن اتحدث عنه الا من خلال تجربتى الشخصية . التقيته شخصياً وانا بعد يافع تخرجت قبل ايام من كلية الحقوق ، حيث تم ترشيحى من قبل مكتب الطلاب للعمل في صحيفة الميدان . كان ذلك اللقاء الذى اخذنى اليه المرحوم عابدين صديق بداية معرفتى الشخصية بالتيجاني ، سألنى قبل ان اتخذ مقعداًعن أناس من عطبرة ولحسن حظى كنت اعرفهم فقد كانوا اعمام وخالاتتربينا تحت كنفهم ، وقد كان بينى والتيجاني انس جميل جعلنى انسى اننى في معاينة . سألنى بعض الاسئلة عن رسالة كتبتها للميدان وانا طالب لاحظت انها كانت على مكتبه . واخيراً قال لى يا محمد انت ممكن تكون محامي كويس مالك اخترت تجى هنا ؟وهنا بالطبع تحدثت برومانسية الطالب عن الشعب الذى ربى وعلم . هز رأسه وقال لى "نحن حا نختك تحت التجربة وانت ذاتك ختنا تحت التجربة ، وما تردد في اي لحظة لو ما داير ما في زول بلومك" . وبدأت العمل في الميدان نفس اليوم ، فللميدان فتنة آسرة تشم رائحتها في الاروقة والغرف ، كانت بالنسبة لى رائحة الشعب . دربنى على بابكر وساهم في سبكي كصحافي محمد عبد الحميد وبيرق وطارق الشيخ ، وازعم انى تلقيت احسن تدريب ، لكن عندما انظر لنفسي ككاتب فانا مدين كلياً للتيجانى . في يوم دعانى التيجاني الى مكتبه بعد ان نشرت الميدان قطعة قصيرة لى في يوميات الميدان . وقال لى بطريقته القاطعة "يا زول انت كاتب ، يا تجتهد وتقعد في الواطة وتجود يا المسألة دى بتروح ." وكان القعاد في الواطة . التيجاني يرعاك كأب قاسي الحنو . بدأت اتلمس طريقتى في الكتابة وبدأت نشر مقالي الاسبوعى تحت صفحة تعليقات في السياسة الداخلية . والتيجاني لا يزال يقعدنى في الواطة ويراجع حتى المادة التى تم نشرها . وكان يغيظه الخطأ والجمل غير الضرورية ، وكان ينبسط السريرة عندما افلح . كان اباً بمعنى الكلمة . وكان الوحيد الذى يستعمل تعبير اقتصاد اللغة الذى صادفنى بعد سنين في دراسات علم تفسير النصوص وعلى وجة الدقة عند امبرتو ايكو . في خضم عملى في الميدان تشرفت مع بقية المحررين بكتابة كلمة الميدان ، وكان شرف عظيم نتهيبه لولا مبادرته وقوة شكيمته ، حتى اعتدتنا عليه . كان الزميل المكلف بكتابة الكلمة يناقش الجميع في اجتماع التحرير ويدير الاجتماع ، وكان التيجاني يجلس من ضمن الناس يدلى برأي تجرد تماماً من سلطة رئيس التحرير . وكنا نختلف ، نختلف كمهنيين تلاحقت كتوفهم ، وكان يسمع ويدلى برأيه ، وكنا ندرك ان كتفه عالياً عالياً وان تلاحقت الكتوف . في عيد ميلادى الرابع والعشرين والذى احتفل به زملائى في الميدان ، اهدانى التيجانى جزمة ورجانى ان اجربها امامه . جربتها وكانت مقاسى فسعد بها كأب وقال لى تانى ما اشوفك بالشبط دا . الغريب في الامر اهدانى زميل آخر في نفس الليلة جزمة اخرى هو بخيت الكامل . وعرض عليّ فيصل الباقر جزمة قبل يومين في بيته . ادركت ان صندلى كان يؤرقهم كمنسوبين الى الميدان وروح الطالب فيّ كانت تفضل الصندل . والى اليوم يؤرق صندلى اصدقائى حتى في في صيف مينسوتا الخاطف فقد اهدانى صديقي مصطفي البطل حذاء لا حاجة لى به قبلته على مضض . ولمصطفي علاقة خاصة بالتيجاني اتمنى ان يكتب حولها . بدأت في ذاك العام استوى ككاتب وهاص في رأسي ان اكتب عن الاعدامات لاسباب سياسية بعد ان اهداني التجيانى طبعة نادرة من كتاب نعوم شقير "تاريخ السودان" ، هالنى ما قرأته عن الاعدام بقذيفة المدفع وحدثته عن ذلك وعن رغبتى في الكتابة حول ذلك . كنت افتش حواداث الاعدام واجمعها في نوتة صغيرة واحدثه عنها ، كان يستمع لى كفردة حميم كل صباح وكانت اسئلته تفتح آفاق البحث امامي . كان معلماً وصديقاً وعضداً .
صرنا اصدقاء والله ، ولى معه شكلات وجوطات ، كما يختلف الاصدقاء ، لا ، في الحقيقة كما يختلف الاب والابن . في يوم كان على تقوييم الميدان مقارنة بالصحف الاخرى ، وكان علىّ ان اقرأ اي صحيفة صدرت في السودان خلال الاسبوع واقارن اداءها بالميدان . لاحظت ان صفحاتنا اهملت خبر هزيمة ملاكم شديد الاهمية اظنه تايسون وربما يكون ملاكم آخر ، تكمن اهميته على ما اظن في انه الملاكم الذى هزم محمد على كلاى ، لا اذكر اهميته بالضبط ، لكن لاحظت ان كل الصحف اوردت الخبر عدا الميدان ، وجاء الخبر في الصفحة الاولي لصحيفة الايام او الخرطوم . قلت في الاجتماع ان هذا الاسبوع سجلنا اهمال فظيع باهمال هذا الخبر فضحك التيجانى ضحكة عالية وزعلت انا وصحت في وجهه عن "بدائية العمل والتخلف في الاداء" . استحملنى الرجل واعتذر لى عن ضحكته وقال انها قطعاً لا تعنى التقليل من جهدى ، اعتذر بصدق اخرس غضبتى اليافعة . رغم ذلك قاطعته لايام رافضاً الحديث معه ، لكن كما في البيت ، ومثلما يحدث بين الاباء والابناء رجعت المياه الى مجاريها دون حوجة لتوضيح . كان صديقاً حميماً ، تحكي له مشاكل الحب والغرام ، وكان يسمع وينصح . كان ودوداً وحقانياً ، يغلّطك في وجهك ويورثك بعض استقامته ، فهو لا يدرك في خلقه . وكان عاشقاً لفتحية ، وهى امرأة جميلة طيبة اكرمها الله بزينة الرجال وامد الله في عمره حظاً لها . كان وفياً لقاسم امين وصلاح بشري ، ولو سمعته يتحدث عنهم لادركت ثقل الاصدقاء على القلب عندما يموتون .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
تأبين الراحل المقيم التيجاني الطيب بمركز نبتة بالقاهرة Updated On Dec 5th, 2011
جموع من المفكرين والسياسيين المصرين والسودانيين تودع الفارس
رفعت السعيد: التيجاني أسهم في تأسيس منظومة فكرية للمناضلين
أمينة النقاش: الراحل شخص متسق فكراً وسلوكاً
حسنين: تيجاني كرس حياته لمصلحة الوطن وقضاياه
أحمد خير: فقدناه ولكن فكره لا يزال يضئ للآخرين
القاهرة: عفاف أبو كشوة
ملف خاص: تأبين الراحل المقيم الاستاذ التيجاني الطيب بابكر بالقاهرة – مركز نبتة الثقافي
وسط حضور نوعي وبمشاركة كوكبة من المفكرين والسياسيين المصريين والسودانيين والصحفيين والشباب والطلاب السودانيين المقيمين بالقاهرة أقام الشيوعيون السودانيون بمصر حفل تأبين بمركز نبتة الثقافي للفقيد الراحل المقيم الأستاذ التيجاني الطيب بابكر في أمسية الخميس مطلع ديسمبر 2011م .. وأكد القادة السياسيون أن الراحل المناضل تيجاني الطيب من السياسيين والمفكرين البارزين والمؤثرين بالوطن العربي، ومشهود له بالصدق والأمانة وعفة اللسان والالتزام الصارم تجاه مبادئه الفكرية والسياسية التي نذر حياته من أجلها ، وساهم في الحراك السياسي والاجتماعي ضمن منظومة المفكرين الاشتراكيين على الصعيد العربي والإفريقي والعالمي. و له بصمات واضحة المعالم في الحركة الوطنية السودانية، وأثرى الحياة الثقافية والصحفية بالمواقف القوية والصارمة في مناهضة الأنظمة الشمولية والعسكرية ، ويمثل الراحل أحد الناشطين والمدافعين عن الحريات العامة وحرية التعبير وحرية العمل الصحفي.
وشهدت له المحافل الدولية والإقليمية بدوره الفاعل ضمن منظومة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض بالخارج.
صاحب .. فكرة التآخي
يقول الأستاذ رفعت السعيد القيادي بحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي – المصري أن الراحل الأستاذ التيجاني الطيب صديق عمري ، وكان من الموجة الأولى من السودانيين الذين أتوا إلى مصر في أربعينيات القرن الماضي ، واستقر بحي الفوالة.. والتقى بالعديد من المناضلين المصريين ، وانضم إلى الحركة الوطنية للتحرر الوطني (حدتو) مع مجموعة من السودانيين مثل عبده دهب ، وزكي مراد، وعبد الخالق محجوب والجنيد علي عمر وعبد القيوم محمد سعد الذين كانوا يديرون القسم السوداني من الحركة .. وعندما تم تأسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) كان التيجاني صاحب فكرة التآخي بين الحركتين وقال تيجاني :” نحن رفاق وفي موكب واحد وننتمي إلى منظومة فكرية وأيديولوجية واحدة ، وأن الحركة المصرية للتحرر الوطني والحركة السودانية للتحرر الوطني (حدتو) و (حستو) تناضلان في إطار مشترك وبالتالي لا بد من عقد اتفاق على أن من يذهب من قادة الحركتين للدولة الأخرى ، أن يشغل نفس الموقع السياسي والتنظيمي بالدولة الأم في الدولة الأخرى، ولقيت الفكرة ترحيباً وقبولاً كبيراً من الحركتين ، وهذا الموقف خلق مناخاً رفاقياً حميماً بين الحزبين، ثم أسهم في إصدار مجلة الكفاح المشترك (أم درمان).
أم درمان .. أم موسكو
ويوضح السعيد قائلاً : وأذكر أن الرفيق عبده دهب اتصل بأحد أقاربه النوبيين الذي كان يعمل طباخاً في منازل أحد أثرياء مصر وهو محمد محمود خليل ليتوسط له للباشا للحصول على ترخيص لإصدار (مجلة أم درمان) ، وقال له الباشا لماذا تريد إصدار مجلة فقال لتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين شعبي وادي النيل. وتم التصديق لهم بإصدار المجلة وانضم التيجاني إلى أسرة التحرير عبده دهب ومحمد خليل بمجلة الكفاح المشترك رافعين الهتاف عالياً .. في إطار التنوير والتثقيف بالفكر الاشتراكي، واستدعاهم الباشا محمد خليل وقال لهم :” هذه ليست أم درمان .. بل هي موسكو” والتحق بهم بقية الركب، عبد الرحمن الوسيلة وصلاح بشرى وشاكر مرسال . واستمر التواصل بيننا ، ويضيف رفعت السعيد والتقيت بالفارس الفارع الطول بالسجون المصرية وأنا طفل دون الثامنة عشر ، وأصبحنا أصدقاء واستمر العمل النضالي المشترك بيننا.
وفي ذات يوم كان تيجاني يعمل بمجلة قضايا السلم والاشتراكية في تشيكوسلوفاكيا .. وفي إحدى الجلسات كنا نتسامر ، وأتى عدد من (عُتل) أنصار نظام النميري وقالوا للتيجاني ماذا كنت تعمل في مصر؟.. كنت تتسكع في أنديتها ومقاهيها ، فتصدى لهم بشجاعة وبسالة.
مضيفاً وتيجاني مناضل شجاع احتمل السجون المصرية وكان مستمتعاً بالسجون السودانية التي عرفته طويلاً ، كأنما كتب عليه أن يسجن أينما حل .
ويستطرد السعيد ، وكذلك كنا في موسكو واتى أحد أنصار نميري وقال نريد أن نستبدل إبراهيم زكريا بشخص من مؤيدي نميري ، وهنا علا صوت التجاني وتصدى له بقوة ، فقلت له (أنت سجنت في مصر والسودان وتريد أن تسجن في الاتحاد السوفيتي وموسكو).
ويواصل السعيد ، وعاد التيجاني إلى السودان ليصدر جريدة (الميدان) بعد انتفاضة أبريل 1985 واستمر التواصل بيننا بالسودان ومصر.
وعندما تأزم الوضع السياسي بالسودان إبان فترة سلطة الإنقاذ ،أتى التيجاني إلى القاهرة عقب تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي – المعارض ، وكنا له عوناً وأصدقاء ورحبنا به ، كان قريباً منا جداً ، وقدمنا له كل ما يستطاع في مصر ، وقال إننا مهما فعلنا من أجل المناضل الراحل تجاني الطيب فإنه أقل مما يستحق.
وعرج السعيد إلى الأيام الأخيرة للراحل وقال اتصل بي تيجاني وقال لي أنه مريض ويريد أن نحدد له موعداً مع الدكتور محمد غنيم وهو زميل لنا ومؤسس مركز المنصورة للكلى ، وبالفعل رتبنا له موعداً ، وعندما قابل الطبيب واخذ العلاج ، قال لي التيجاني إنني لم آت إلى مصر للعلاج فقط وإنما لأودعكم ،وقلت له حتماً سنلتقي يا صديق العمر..
علاقتي به منذ الستينات
يقول الأستاذ علي محمود حسنين القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي – ورئيس الجبهة السودانية العريضة للتغيير، مخاطباً حفل التأبين : (إنني أعرف الأخ التيجاني الطيب منذ الستينات معرفة مباشرة بحكم العلاقات الأسرية التي تجمعنا بجانب النشاط السياسي، وان شقيقه المرحوم الباشمهندس أحمد الطيب ، كان من قيادات الحركة الاتحادية .. وكذلك زاملت ابن عمه وشقيقه زوجة الدكتور دفع الله بدوي بالدراسات العليا بأمريكا وقد توثقت علاقتنا الشخصية في إطار العلاقات الأسرية.
وعلى الصعيد السياسي زاملته في زنازين الأمن وسجون عبود ونميري والإنقاذ، وظل موقفه ثابتاً على مر العهود مناهضاً ومقاوماً للأنظمة القهرية والعسكرية والشمولية .. خلال هذه المسيرة الطويلة
يتسق فكره مع سلوكه
وتقول الأستاذة أمينة النقاش مديرة تحرير صحيفة الأهالي المصرية والقيادية البارزة بحزب التجمع الوطني التقدمي ”إنني أرفض فكرة التحدث عن التيجاني الطيب بصيغة الفعل الماضي لأنه شخص تتسق أفكاره ومبادئه وقيمه مع سلوكه العام والشخصي .. ولأول مرة أرى شيوعي عربي لديه كل هذا الاتساق فيما يفعله ويعيشه ويقوله وهذه الاستقامة في السلوك الشخصي”.
وتستطرد أمينة قائلة بأن معرفتها بالتيجاني ترجع إلى العام 1985 عقب انتفاضة أبريل ، كما تعمقت علاقتهما في القاهرة عندما جاء إليها منفياً من السودان ، مضيفة ولعب التيجاني دوراً كبيراً في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي المعارض.
وساهم في حل الخلافات اليومية بين مكوناته السياسية المتباينة ، وكان دائماً يبحث عن المشترك لتوحيد صف المعارضة السودانية.
ووصفته أمينة النقاش بالأناقة في الملبس والبساطة والتواضع والاعتزاز بالنفس ، وأكدت أن هذه الصفات تقدم شخصية الشيوعي النموذجي.
ولم يدخل التيجاني في معارك من أجل أهداف شخصية.
وختمت أمينة حديثها بمقولة محمد حسنين هيكل “المحاربون القدامى لا يموتون .. وإنما هم مسافرون في القلوب ويتحولون إلى نقطة .. تتحول على نجم يضئ لكل من لهم شوق إلى الحرية والعدل.”
استطاع أن يحول قضاته لمتهمين
ويقول الأستاذ والشاعر علي الكامل ممثلاً للشيوعيين السودانيين بالقاهرة “إن التيجاني الطيب ناضل من أجل وطن صامد وصاعد وامتد نضاله لأكثر من نصف قرن فهو أحد أبناء الحزب الشيوعي السوداني ، فقد ناضل مع رفاقه في أربعينات القرن الماضي .. وعرفته سجون الطغيان وهو أحد قادة الحركة الوطنية السودانية وعرفته ساحات المحاكم التي وقف فيها شجاعاً واستطاع أن يحول قضاته إلى متهمين ، وحافظ على صرامته في الحزب ليواصل مسيرته من أجل الحرية والتقدم.
إن الذين عرفوه قد وجدوا فيه قلب الأب العامر بالحب والحنان والعطف.
كالاشجار .. تموت واقفة
ويقول الدكتور أحمد خير القيادي بالجبهة العريضة السودانية للتغيير ، أن الأخ المناضل الراحل المقيم التيجاني الطيب ، قد رحل في موعد الرحيل وهو الرجل الذي لا يخلف أهله ، فالساحة السودانية المتأزمة في الوقت الراهن غير مؤهلة ليكون فيها مناضل بمثل قامته .. فالشمس تتوارى وتعم الظلمة ، فعندما ذهب الضوء عن سوداننا وعم الظلام كان التيجاني قد أعد نفسه للرحيل فرحل ، فهو كالأشجار تموت واقفة ، ويستطرد .. لقد فقدناه ولكن فكره لا زال وسيظل يضئ للآخرين، وفي الفجر القريب ستفرح روحه بالفرح القادم للسودان ، ويضيف هنيئاً لك أستاذنا التيجاني حيث أنت الآن تراقب سودانك وهو في منعطف الطريق ، حيث أناخت القافلة أحمالها وتوقفت في منعطف تخلى فيه حزبان كبيران عن ساحة النضال انتكسوا وشاركوا النظام ، فكان لابد من رحيلك كي لا تشهد مأساة السودان .. وداعاً يا أبو النضال وإلى لقاء .
مثال للجدية والثبات
يقول الأستاذ تاج السر حسين كاتب صحفي وناشط سياسي ، أن تيجاني الطيب إنسان صوفي ويوصف بالصدق والبساطة كما هو موجود عند المتصوفة وهو مثال للجدية والتمسك بالمبادئ والثبات لآخر لحظة في حياته ، وأنه فقد كبير في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بالمنطقة.
الشخص .. الحلم
يقول الأستاذ شتا محمد شتا عضو حزب التجمع الوطني التقدمي أن العلاقة بيننا وبين السودان في أساس من الرضا والتأكيد لمن يمثلون الجزء الحقيقي والقادر على تحقيق آمال الشعبين السوداني والمصري ، ويشكل الفقيد التيجاني الطيب الركن الأساسي في بناء مجتمع إنساني تسود فيه العدالة والحرية ، حضرت للمشاركة برغم عدم معرفتي الشخصية بالفقيد .. لكننا فقدنا الشخص الذي يحمل “الحلم” ولذلك نشاطر الشعب السوداني أحزانه في فقده للمناضل الجسور التيجاني الطيب.
باقياً بفكره ومواقفه
الأستاذ رجب بدوي عضو حزب التجمع الوطني التقدمي يقول “نحن لم نتعامل معه بشكل شخصي لكن رأيته مرات عديدة في دار حزب التجمع ، وقرأت عنه وله كثيراً ، فهو جزء من اليسار المصري ويحمل قضايا وهموم الشعبين على السواء وأحد دعامات الفكر الاشتراكي الذي يجمع أبناء الشعبين فله الرحمة ونحن نشاطر أهله ورفاقه الأحزان ، لكن سيظل باقياً بفكره ومواقفه.
اهتمامه بالتفاصيل
تحدث الأستاذ عاطف إسماعيل من الشيوعيين المقيمين بالقاهرة قائلاً أن أبرز ما يميز الراحل الأستاذ عم التيجاني الطيب هو اهتمامه بالتفاصيل التي تخص الحزب ورفاقه في كل أوجه الحياة ومقدرته على المناقشة والحوار بسعة الصدر.
شخصية سودانية صميمة
يقول الأستاذ عبد الفتاح محمود أن المناضل الراحل كان يذكر دائماً “أن الفكرة قد يقل أتباعها ولكن المهم في الأمر هو توصيلها والدفاع عنها ” واصفاً التيجاني بأنه شخصية سودانية صميمة وله بريق يميزه .
واختتم حفل التأبين بفاصل أغنيات وطنية قدمها الفنان المبدع الشاب أبو ذر عبد الباقي واشتمل الحفل على ملصقات حائطية عن مسيرة المناضل الراحل وصور مختلفة، اكتظت القاعة بحضور نوعي مميز من المصريين والسودانيين من مختلف الأجيال ، وهذا ما يؤكد تواصله الاجتماعي والسياسي.
الميدان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
الزعيم التجانى الطيب 2 ( الرجل الجبل ) /شوقي بدري التجانى الطيب زعماء الحزب الشيوعي السودانى كانوا يوصفون بصوفية الاشتراكيه . فقبل ان ينشف مداد المؤتمرات ، كانوا يرجعون للسودان . والآخرون كانوا يطالبون باالذهاب الى منتجعات البحر الاسود . ويشترون الفراء الفاخر لزوجاتهم اللذين كن يرافقونهم . ويتحصلون على الهدايا من متاجر الدبلوماسيين . ويرجعون محملين بالكافيار الروسى الاسود الثمين . والزعيم التجانى الطيب الذى عايشناه فى براغ عندما كان يسكن هنالك مع اسرته الصغيره كان كالجبل لا يهزه شيء . ولهذا كان الشيوعيون السودانيون لا يرضخون لقرارات موسكو . ولقد قال العم ابارو مدير البوليس السودانى وعدو الحزب الشيوعى اللدود فى مذكراته . انهم قد تمحصوا وبحثوا فى مالية الشيوعيين ولم يجدوا اى فساد وكان كل دخلهم من اشتراكات الاعضاء وتبرعات الاصدقاء . اذكر اننى كنت اقراء فى جريده مصريه فى منزل الزعيم التجانى الطيب فى القاهره . وقلت له ، اى انسان يعتقل فى اى جريمه تنتهى النبذه ب ( واعترف المتهم ) . فقال الزعيم التجانى اذا الانسان وقع فى ايد البوليس المصرى حيخلوهوا يعترف حتى لو ما مذنب . انحنا عشنا السجون المصريه وشفنا عجائب . لقد عاش الزعيم التجانى الخيانات والتخاذل وانكسار البعض . بل عاش انتقال اقرب الزملاء الى المعسكر الآخر . وعاش موت وقتل اقرب اصدقائه وزملائه. وبقى مثل الجبل ثابتاً . ولم يحقد ولم يحاول الانتقام . فليس هذا من اخلاق الجبال . الموضوع المرفق كتبته قبل سنين عديده ، واعيد نشره بدون تغيير فقط لكى اعطى فكره عن ما مر به الزعيم التجانى وبعض قاده الحزب الشيوعى . وهؤلاء الرجال رضيوا ان يركبوا الريح . اختلفنا معهم سياسياً واجبرونا على احترامهم . ..................................
( اقتباس )
قادة الحزب الشيوعي السوداني كأغلب زعمائنا السابقين لم يكن لهم منزلا يأويهم و التجاني لم يكن ليمتلك شبرا من الارض لولا شقيقه احمد الطيب . و لقد قال الزعيم التجاني الطيب بابكر في سنة 1996 (المصريين رفعوا تذكرة البصات ) فقلت مستغربا ( انته يا زعيم بتركب بص ؟) و اكتشفت ان الجميع يركبون البص بدليل ان الخال محجوب عثمان ذكر لي عندما كنت اسكن معه في القاهره بأن سيدتين قد رفضتا ان تدفعا مبلغ 25 قرش لان الكمساري زعم ان البص سياحي ، و صارت شمطه و صريخ
عندما يكون الانسان بعيدا لا يحس بالمشاكل التي يواجهها هؤلاء .فالزعيم التجاني الذي يصفه البعض بأنه ناشف و صعب و يلقبونه بالمرشد لم يكن لينفذ اي شئ ان لم يكن حاسما .
في ظرف ساعه واحده و انا جالس في منزل الزعيم التجاني رن جرس التلفون ثلاث مرات و في كل مره كانت هنالك مشكله اخذت جهدا و صبر الانبياء لتفهيم الطرف الاخر . و سمعته يقول لشخص ( ياخ ما عندنا قروش عشان نوديك مستشفي خاص ، و المستشفيات العامه ما بالسوء ده ، انا زاتي بتعالج في المستشفيات العامه ) . و يمر الوقت و الزعيم يردد نفس الكلام .و الاخر لا يريد ان يقتنع .
و اخر يريد من الزعيم ان يساعده للتحصل علي اعانه او بعثه ، و الزعيم يقول له ( ياخ ما بنقدرنساعد ولدك ، المصريين غيروا سياستهم بعد محاولة اغتيال حسني مبارك، نحنه ما بنقدر نعمل حاجه، ياخ اتكلمنا مع المصريين كتير قلنا ليهم موضوع البعثات ده ماشي من ايام رئيس الوزراء سنهوري ، لكن وقفوهو نعمل شنو؟ ) . و ثالث اضطر الزعيم التجاني ان يخفض صوته ليقول شبه هامسا ( ياخ ده موضوع انا ما بقدر ادخل فيه ، ده موضوع خاص و الحاجات دي.....و الخ) .
في احد الليالي ا تصل شخص من مطار القاهره و طالب الخال محجوب عثمان ان يدبر له عملية دخوله . و واصل اتصالاته لما لا يقل عن ست او سبع مرات . و استمر الامر الي الفجر و الشخص غاضب. و الخال اجري بعض الاتصالات و حاول ان يعتذر بان المصريين بعد محاولة اغتيال رئيسهم منعوا السودانيين من دخول بلادهم . و الخال يستمع بطولة باله و صبره المشهور و يقول ( حاضر..حاضر ) و الصوت الاخر في التلفون يعلو و يحتد .
الخال محجوب قد غادر السودان بعد سنتين او اكثر في سجون الانقاذ . و سار علي قدميه و علي الجمال الي الحدود المصريه لكي يقضي سته اسابيع علي الحدود مع الجنود و بعدها طلبوا منه الرجوع الي السودان.و رجع ماشيا . و كان عندما يستيقظ في الصباح يجد اثر اقدام الضباع حوله . و عندما سقط ارضا حومت الصقور حوله و كان يدفعها بعكازة . ثم سقط مغشيا عليه من العطش حتي وجده شخص و ساعده علي بلوغ النيل الذي لم يكن بعيدا . و اخيرا عندما وصل حلفا كان مغطي بالقذاره و التراب حتي انه عندما طرق باب اهل الاستاذ محجوب محمد صالح لم يتعرفوا عليه.و رجع الخال محجوب لامدرمان لكي يعيد نفس الرحله مره اخري و هذا ليس بالسهل لشخص في العقد السابع من عمره . و كان يقول لي ان ركوب الجمل لشخص غير متعود يجعل سرواله يصطبغ بالدم . فاي قوه كانت تدفع هؤلاء الرجال. الزعيم التجاني كذلك و اخرون قد قاموا بهذه الرحله . و كانوا يشاهدون جماجم و عظام من لم يكتب لهم الحظ . و بلغ الالم بالزعيم التجاني انه عندما بدأت القافله تتحرك لم يستطع الركوب . فاضطروا الي لفه ببطانيه و حمله كرحل بجانب الجمل
في اول ساعات استلام السلطه بواسطة الانقاذ انطلق طبيب في السلاح الطبي موتور يدفعه الحقد و اعتقل الزعيم التجاني من منزله . و بدلا من اخذه الي المعتقل اخذه للمستشفي العسكري و من المؤكد انه كان ينوي الاسوأ . و لحسن الحظ نسي او لم يعرف الطبيب كلمة السر و عندما لم يفتحوا له الباب ثار في وجه الحراس و شتمهم فأرداه احدهم برصاصه و انتي الامر بالزعيم التجاني في المعتقل .
فعندما يختلف الانسان مع امثال هؤلاء من الصعب ان يكون علي حق. حتي اذا اخطأ هؤلاء فليس لانهم طالبي نعمه او ثروه فمن يعرض نفسه لهذه المخاطر و التلتله لا يمكن ان يكون انتهازيا او غير صادق في مبادئه.
كثير من الخلافات السودانيه ناتجه عن سوء الفهم لاشياء بسيطه قد تؤدي الي مرارات و صراعات عنيفه . و ابتعاد الرائع صلاح احمد ابراهيم خير مثال لذلك .
عندما اتي احمد الفكي الي السويد و سكن معي و قدم طلبا للجوء السياسي اتصلت بالزعيم التجاني لان احمد لم يجرؤ علي ذلك و طالبت الزعيم بان يرسل لنا نسخ من جريدة الميدان و المواضيع التي نشرها احمد الفكي و قد قال لي الزعيم ( الزول ده ليه سنين بعيد مننا ، يمكن في الوقت ده يكون اشتغل مع الامن او اي حاجه ) و كنت اصر علي انه حتي و لو ترك الحزب فان من حقه ان يتحصل علي تلك الجرائد ، و تكرم الزعيم بارسالها .
الغريبه ان احمد عندما حضر نظر الي مكتبتي و مجلدات لينين و الكتب الماركسيه و قال ( انتو لسه مع الحاجات دي ؟) و لقد كذب علي عندما زعم ان الدكتور ابوسبيب قريب زوجته لم يستقبله جيدا و قال له تمشي لشوقي مما جعلني اسئ الظن و اظلم اباسبيب .و بالسؤال عن احمد في السودان لم تكن الاجابه جميله الا اننا قضينا ما يقرب السنه و النصف و نحن تحت نفس السقف .
عند حضور الدكتور محمد محجوب عثمان اتصلت بالزعيم لمساعدتي ببعض الاوراق فغضب و احتد معي ، و له كل الحق فالدكتور محمد محجوب قد اخطأ خطئا فادحا بقبوله عضوية برلمان الجبهه حتي و ان كان لفتره قصيره و لتسهيل خروجه . و وقتها كتبت خطابا للزعيم من 17 صفحه اعتذر فيه و اقول انني لا اتفق مع محمد محجوب الا انه صديقي و يجب ان لا ننسي ما قدمه للحزب من قبل و لكل جواد كبوه . و اثناء نقاشي مع محمد محجوب كان يبدو ان هنالك صدامات قديمه بعضها بسيط الا انه تضخم . فمثلا في سجن كوبر عندما كان الزعيم التجاني يشارك محمد محجوب الزنزانه ان اتت قطه من الشباك و كسرت بعض الصحانه و الكبابي فايقظ محمد محجوب الزعيم التجاني بعفويه قائلا( يا التجاني الكديسه نطت من الشباك و كسرت العده .) فقال التجاني غاضبا ( و انا اعمل ليها شنو يعني و ليه تصحيني ؟) . و اشياء صغيره مثل هذه قد تكون بدايه لمشكله كبيره .
في السنه الماضيه اتاني صوت من السودان يقول ( خليك بكره جنس المواعيد في البيت ، عمك حيتكلم معاك ) و في اليوم التاني اتاني صوت محمد ابراهيم نقد و كان هذا شرف يكاد ان يرقي الي انني كنت جليسا للاستاذ محمد توفيق رحمة الله عليه. و عندما قلت للاستاذ نقد ( ياخ ده شئ كتير ، ما معقول تتلتل نفسك و تتعب ) فكان رده ( كان لازم اعزيك في اخوك شنقيطي لانو راجل عظيم. و برضو لمن مشيت للشنقيطي كان بقول لي كلام زي كلامك ده .ما في لزوم و كده.) و سألت صديقي مدبر الاتصال( الخلي نقد يمشي للشنقيطي شنو؟).
قديما كان منزلنا في امدرمان مسكنا و مكان لقاء للكثير من الشيوعيين لان الناس كتار و الرجل داخله و البيت حوشين ، بيتنا و بيت اختي و ناس الحله كلهم اهلنا و عشيرتنا ، بدري و رباطاب . و اخي اسعد بدري كان في الثانوي و يقوم بالخدمه و تقديم الشاي في الاجتماعات و الشنقيطي يقول له ( ده اجتماع بتاع موظفين الماليه .) و اسعد متضايق من الخدمه التي تقيده . و في احد المرات حضر الاستاذ نقد لحضور احد الاجتماعات . فقال اسعد ( و نقد ده برضو معاكم في الماليه؟ ) .
عرفت ان السبب لزيارة نقد للشنقيطي كانت بسبب ان الخاتم عدلان الذي كان يسكن مع الشنقيطي ان زارته فتاة . و انا لست هنا لاحكم علي اخلاقيات اي انسان و لكن قيل ان نقد احتد مع الخاتم و ذهب للاعتذار للشنقيطي و قد تكون هذه بداية او نهاية معركه . و الحقيقه ان الخاتم عدلان و وراق و صلاح العالم واخرين كانوا يعتبرون نوار الحزب . و قيل ان بعض الذين كانوا يتوقعون ان يورثوا زعامة الحزب الشيوعي قد قالوا عن التجاني و نقد و اخرين ( ديل ما حيموتوا ، ديل صداع ما بجيهم).
اليدو في المويه ما زي اليدو في النار . في سنه 1997 اقيمت حفله في منزل الزعيم التجاني في القاهره للبروفيسر مصطفي خوجلي و شوقي بدري . و جمعي مع البروفيسر كان شرفا لا ازال اجد صعوبه في تصديقه . و اتي الفنان محمد وردي مصحوبا بمخرج مصري و بالرغم من وجود الاستاذ محمد توفيق رحمة الله عليه الذي ليس هناك عاقل في الدنيا لا يحترمه قام وردي بالهجوم علي التجاني و احتد في كلامه .
و السبب ان التجاني لم يوفر لابنه وردي فرصة دخول الجامعه و لمدة ساعتين كان وردي يهاجم التجاني و الزعيم يقول له ( ياخ انا ما في ايدي اي حاجه و ما بقدر اعمل اي حاجه مع المصريين ديل ، انا لمن احتاج حاجه بتصل بفاروق) و اشار للاستاذ فاروق ابوعيسي . فالتفت وردي لفاروق و هاجمه قائلا ( انته كيف تقول انا اخذته 10 الف جنيه عشان اغني ليك في عرس بنتك ) فقال الاستاذ فاروق ( انا ما قلته كده ، و انته طالبته بعشره الف و اخذته الاتفقنا عليه ) . و تدخل الخال محجوب عثمان و اخرين لتطييب الموقف و الزعيم التجاني الذي يوصف بالشده و النشاف صامت يرد بهدوء لمدة ساعتين كاملتين.
و عندما اعدت الاخت فتحيه مائدة العشاء رفض وردي العشاء و خرج غاضبا يتبعه المخرج المصري قائلا ( انا ما حاكل في بيتك) . و لقد يتسائل الانسان ما الذي يجبر الزعيم التجاني و الاستاذ نقد و الاخرين لمواجهة كل هذه المشاكل و الاتهامات و الادانات و المعتقلات و السجون و احتمالات التصفيه و الفلس و شظف العيش و يأتي من يصفهم بانهم قد قبضوا من الامريكان و الالمان و يمكن اليابان .
احد الاخوه و هو الذي اتصل بي من السودان و قال عمك حيتصل بيك ، كان في الحفل و لانه يحب المزاح فقد قال لي ( شفته ليك حفله فرتقها الفنان ؟) . عرفت فيما بعد ان ابنة وردي ليست لها شهاده تخولها لدخول الجامعه .
و نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
التيجاني الطيب .. قدح النضال المملح د/ عبد المنعم إدريس : مشهد أول :
يأتي النعاس الطويل للمرء بغتتاً فيختار من خلق الله ما يشاء وبهذا يكون الامر آيه من آيات الله وهو لا مناص واقع احتكاماً لرغبة الإهيه والموت هو فطره حياتيه ملازمة لكل المخلوقات ولكن بالطبع فأن الفقد بسبب الموت يختلف من حيث درجة الافتقاد وحالة المفقود وفي كلا الحالات فأن الموت والفناء أو الانتقال أو الفراق يشكل حاله وجدانيه عالية الحزن اما اذا نظرنا الي افتقاد الاستاذ طيب الذكر التيجاني الطيب فأن معيار الحزن يكون مكتنف بعدة مشاعر متداخله وذلك لأعتبارات ترتبط بشخصية الفقيد وتجربته النضالية العميقة والتي شكلت ?اهره انسانية متفرده في كل شئ . فالتجاني أختار لحياته درباً وعراً وشعاباً قاسية في حياته فكان يمكن للتيجاني وهو ذلك الشاب النضير الوسيم أن يختار لحياته بشكل طبيعي كأن يجد مقعداً للدراسه الجامعية ويطلق لعواطفه العنان ويرتبط بشابه حسناء ثم يخطط لحياة زوجية سعيدة ويحلم لنفسه ولاسرته بمستقبل لتلك الاسره مثلما يفعل اي شاب يماثله في ذات السن وتلك المعايير المشتركة لايٍ من اقرانه الا ان التيجاني نكل عن تلك الاحلام الوردية المشروعة واختار درباً وعراً شايكاً ومعقداً . فكان وهو في بلاد الغربه في مصر مشاكساً ومقاوماً للمستعمر عن طريق التظاهر والاحتجاجات التي تخالف قوانين المستعمر انذاك . فيعرض نفسه للاعتقال والسجن والحبس في الزنازين وهو ما زال غضاً نضيراً وهذه احد عجائبه ان يختار النضال ويبدأ به من خارج وطنه معتبراً ومعتقداً ان المستعمر اينما حل ينبغي علي المرء ان يقاومه ويكافحه. فعل ذلك في مصر ثم عاد الي السودان ليمارس نفس رغبته في مقاتلة الاستعمار ومنازلته .
ثم اختار التيجاني الطيب الفكر الاشتراكي الماركسي كفلسفة ينحاز بها للطبقات الكادحة من العمال والمزارعين فيطلع علي الفلسفة الماركسية ويقرأ رأس المال , والمادية الجدلية ,ويبحث في كل أضابير الأدب الأشتراكي الماركسي ويدرس كل علوم الفلسفة والأجتماع والمجتمع,ويصقل نفسه بالثقافة العامة والبحث والتنقيب المعرفي . ثم يرتبط منذ هجرته الي مصر بحزب الطبقة العامله في مصر ومن ثم التحق بالحزب الشيوعي السوداني 1946م . التيجاني حاله نضاليه بالغة الوسامة ان جاز التعبير باعتبار ان النضال هو ضرب من ضروب استشراف جمال الحياه. فكونك تناضل من اجل البسطاء وتكافح من اجل المسحوقين فذلك عمل ينطوي علي قدر واسع من الابداع والرؤيه الخلاقة . فالنضال ذاته فن وضرب من ضروب الابداع , فكيف تكون مناضلاً منتجاً فأن هذا عمل لابد ان يلازمه قدر كبير من التفكير الذكي والحراك المتقن.
ولقد كان التيجاني لوحة رائعة للنضال الذي اختاره سكه لحياته وبالتالي علم كثير من تلاميذه كيف يكون النضال ممتعاً رغم عذاباته وكيف تكون الزنزانه تساوي في قيمتها غرفة خمسة نجوم في فندق يكتنفه الجمال من كل اتجاه . ففي سجن كوبر مثلاً نجد ان الغربيات والشرقيات والمعاملة والمستشفي والبحريات هي أجنحه فندقية للذين يستلزون ويستطعمون عذابات النضال من اجل شعوبهم . اي محبس واي سجن ذلك الذي لم يتشرف باستضافة التيجاني الطيب خلال اكثر من ستين عاماً انصرمت , واي نظام عسكري أو شمولي لم يطاردك ايها التيجاني واي جهاز أمن ذلك الذي لم تقلق منامه أيها المناضل النبيل . ظلت حياة الفقيد التجاني محتقنه بالأرث الاخلأقي السوداني فكان رجلاً طيب القلب نظيف اليد واللسان نقي السريرة يكتنفه الطهر, ويعف عند المغنم , كان متواصلاً مع الناس في اتراحهم وأفراحهم وكان في ذات الوقت منضبطاً وملتزماً وجاداً في تصريف مسؤلياته مثلما كان رحيماً وحليماً وكريماً .
مشهد ثاني : الميدان a بالطبع ليس هو ميدان التحرير او ابو جنزير ولكنها صحيفة الحزب الشيوعي السوداني التي ارتبطت ارتباطاً كاملاً بعمر التيجاني الطيب وهي تحفل بنشاط كثيف تاره عندما تكون في كنف السريه وتاره أخري عندما تكون علي العلن يصدرها التيجاني والطاقم العامل معه في ظروف غاية من التعقيد, وكثيراً من الناس كانوا يعتقدون ان التيجاني الطيب اوتي من السحر ضرباً من فنونه . اذ كيف تصدر الميدان وتستمر في تلك الظروف القاسية دون ان تكون موسومة باي أعلاناً تجارياً (يسند قفاها) فبالطبع لا زين ولا سوداني ولا اي شركة تستطيع ان تعلن تجارياً?بالميدان وان هذا الامر ليس محلاً للمغالطة البلهاء فالامر مدروس بحكمة من قبل نظام الحكم واجهزته الامنية ( نداء للجميع لا تنشروا اعلاناً تجارياً بالميدان بل اوقفوا أصدارها واعتقلوا كتابها زوروها فجراً ونهاراً وعصراً وليلاً ) ورغم كل هذا التعسف والكيل والبغضاء فان الميدان يصدرها قائدها رغم انف الماجورين فتزين للغلابه حياتهم وتملأهم سعاده وهم يجدون الوعاء الحر الذي ترتسم فيه معاناتهم وتطل من شرفاتها عذاباتهم . ذلكم هو العم التيجاني الطيب الذي تعاهده الميدان بانها لن تتيتم بعده لان الذين اورثهم عبق النضال والسير علي تضاريسه من ابنائه سوف يظلون قابضون علي الجمر من بعده . مشهد أخير : التيجاني الطيب بابكر سوف يظل باقياً في عرق الغلابه وفي مياه الترع وفي حواشات المزارعين وفي قلوب عمال الدريسه والشغيله . سيظل التيجاني الطيب اسم يجري مثلما تجري امواج النيل في دماء كل المناضلين وسوف يظل بؤتقه متقدة طالما بقي النضال حياً . سوف يظل التجاني قنديل زيت يضئ أزقه الحواري والبؤساء في المجاري وفي ليالي الشتاء . نسأل الله ان يتغمده بواسع رحمته وان يقبله شهيداً من شهداء العداله والكرامة ونصره الغلابه وان يرفعه الي عليائه مع الصديقين انه هو السميع العليم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
التجانى الطيب إن حكى .. بقلم: معاوية جمال الدين الإثنين, 12 كانون1/ديسمبر 2011 20:32
moawia _ [email protected] سلام عليه يسخو بأجمل أيام العمر ، سجيناً ومختفياً ومنفياً . سلام على التجانى الطيب يوزعها بالعدل إبتداء اً من سن 21: 10 فى سجون ومعتقلات مصر والسودان ، و10 فى الإختفاء تحت الأرض ، و14 فى المنفى . وحين أغمض عينيه للمرة الأخيرة ، بدا للذين يعرفونه انه يخلد إلى ِسنة من النوم ينهض بعدها ليواصل النضال . أليس هو القائل : " إن خيارى هو أن أناضل من أجل قضية أعتقد أنها عادلة وليست خسارة ماقدمته من أجلها وأنا راض بما قدمت ونتائجه ( جريدة الإتحادى الدولية 6/5/1997 ) . " الإعتقال الأول كان فى مصر .. " اعتقلت للمرة الأولى فى يوم 18/5/1948، أى بعد ثلاثة أيام من إندلاع حرب فلسطين . كان إعتقالى عن طريق الصدفة المحضة . اذ أننى لاأعتقد إنه كان هناك تخطيط مسبق لإعتقال اليساريين السودانيين ماعدا البارزين منهم كعبده دهب . كنت أسير مع عبده دهب فى منطقة السيدة زينب وأنا فى طريقى الى بيت الطلبة السودانيين فى المبتديان . كنا مجموعة من الطلبة السودانيين َطردنا من بيت السودان لمواقف سياسية ، كان هذا فى حوالى مارس أو ابريل 1948 . فاضطررنا للإنتقال إلى بيت قريب من المبتديان . كان عندى ميعاد مع عبده دهب الذى قادنى الى مطبعة لإستلام كتاب مترجم عن مرض الطفولة اليسارية ، بعد خروجنا من المطبعة تم إعتقالنا مما يؤكد ان صاحب المطبعة على علاقة بالأمن ." ثم إعتقل مرة أخرى ونقل الى معسكر الهايكستب . " مكثت حوالى سنة ، ثم توافد السودانيون على الهايكستب فى مابعد . فى ديسمبر 1948 جاء عبد الرحمن الوسيلة وجاء إثنان من العاملين السودانيين فى قناة السويس هما محمد احمد الرشيد خلف الله ( قتل فى مابعد فى حوادث 1955 فى الجنوب ) . وجنوبى اسمه تيدى جيمس لاركن ( دخل الغابة بعد أن وجد قريته احرقت ولم يجد أهله . كان ذلك بعد ثورة أكتوبر ) وإنقطعت أخباره بعد ذلك " . يواصل الأستاذ التجانى الطيب : " تم ترحيلنا إلى السودان فى يوم واحد أنا وعبد الرحمن الوسيلة ومحمد احمد الرشيد " . وفى السودان ، ٌقدم التجانى الطيب للمحاكمة لنشاطه فى حركة السلام المحظورة حسب قانون الجمعيات غير المشروعة لسنة 1924 المعدل سنة 1951 . وعن إعتقالاته فى فترة الحكم العسكرى الأول 1958- 1964 . يقول التجانى الطيب : " إعتقلت مرتين فى فترة الحكم العسكرى الأول . المرة الأولى فى يوم 25/5/1959 عقب المحاولة الإنقلابية التى قام بها محى الدين احمد عبد الله وعبد الرحيم شنان . والمرة الثانية فى 1962 . إعتقلت فى الشارع فى أمدرمان على شاطئ النيل وكان معى الأمين حاج الشيخ أبوّ الذى كان قادماً من عطبرة . لم ننتبه الى أن إحدى عربات الأمن كانت ترصدنا ( جريدة الإتحادى الدولية 6/5/1997 ) ". ومن مكان إعتقاله نقل التجانى الطيب الى منزله لأخذ ملابس نظيفة ثم الى القسم الجنوبى بأمدرمان ، ومن هناك الى كوبر حيث وجد د. عزالدين على عامر وعلى محمد إبراهيم المحامى واحمد سليمان وسعودى دراج . الى جانب عدد من المعتقلين فى الزنازين التى تسمى البحريات ، ثم بدأ توافد أعداد أخرى من أقسام البوليس كالمرحوم الجنيد على عمر وسمير جرجس . ثم كان الترحيل إلى الجنوب .. " ونقلنا إلى مطار الخرطوم . وركبنا الطائرة فى حوالى الساعة الثانية صباحاً ولم نكن نعلم وجهتنا كنا 14 معتقلاً أذكر منهم : د. عزالدين على عامر ، بابكر محمد على ، على محمد ابراهيم ، احمد سليمان , عباس عبد المجيد ، محمد جاد كريم سعودى دراج ، الجنيد على عمر ، الحاج سليمان ، الأمين حاج الشيخ أبو ، سمير جرجس ، حسان محمد الأمين . فى أثناء الرحلة ،أخبر أحد أفراد طاقم الطائرة أحد المعتقلين أن هناك رسالة موجودة فى الحمام من لجنة الحزب بمديرية الخرطوم . وفى الرسالة علمنا أننا مرحلون إلى جوبا وأن اللجنة ستكون على إتصال بنا فى أى مكان . وكانت رسالة قوية رفعت من روحنا المعنوية . (جريدة الإتحادى الدولية 6/5/1997 ) " . يعتبر التجانى الطيب نفيه - هو و13 من زملائه – إلى ناقيشوط فى أقصى الجنوب ، أول جريمة ضد حقوق الإنسان فى السودان ، وإحدى أفظع الجرائم ضد حقوق الإنسان .. " بعد حوالى ثلاثة شهور من وصولنا الى ناقيشوط مللنا السجن ، نظمنا محاضرات ، وقرأنا كل الكتب الموجودة لدينا ، ولعبنا الكرة ، ونتيجة لهذا الملل قررنا الدخول فى إضراب عن الطعام . ثم كتب المعتقلون الآخرون مذكرة لسلطات السجن . قررت السلطات عقب الإضراب مباشرةً ترحيل مجموعة ممن كانت تعتبرهم مشاغبين . شمل قرار الإبعاد : جوزيف قرنق ، أحمد سليمان ، الجنيد على عمر ، وشخصى . يواصل الاستاذ التجانى الطيب : " تم توزيع المشاغبين على هذا النحو : التجانى الطيب إلى جوبا . الجنيد على عمر إلى يامبيو . أحمد سليمان إلى رمبيك . جوزيف قرنق إلى سواكن . (جريدة الإتحادى الدولية 7/5/1997 )" . وعند عودة المعتقلين إلى الخرطوم أطلق سراحهم إلا أنه كان عليهم أن ( يتمموا ) كل أسبوع فى قسم البوليس ، وكان على التجانى الطيب أن (يتمم ) فى القسم الأوسط بأمدرمان . وفى مايو 1962 أعتقل التجانى الطيب بعد أن إستدعاه اللواء احمد عبد الله أبّارو مدير الأمن – هاتفياً – ونقل إلى سجن كوبر ، ثم مٌثل أمام محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن لمدة سنتين قضاهما فى سجن الفاشر ، وأطلق سراحه فى فبراير 1964 . فى أعقاب فشل حركة 19 يوليو 1971، ظل التجانى الطيب مختفياً إلى ان أعتقل فى 18/11/1980 ، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات . " كانت صورتى موزعة على الجدران مصحوبة بنداء من البوليس للقبض علي وتسليمى لأقرب نقطة بوليس " (جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " . وفى أثناء ملاحقة زبانية الطاغية الموؤد للتجانى الطيب فى تلك الأيام الحالكة ، كان فى يوم إنهيار حركة 19 يوليو قاب قوسين أو أدنى من الوقوع فى براثن النظام الفاشى . " فى يوم 22/7/1971 أفلت َ من الإعتقال بقيد شعرة كان هذا الإعتقال من الممكن أن يقودنى إلى الإعدام . كان من المفروض أن أمشى للأمام ولم أمش . كنت أريد أن أذهب إلى أمدرمان فلم أفعل. (جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " . كان إلى جانب التجانى الطيب فى عربته فى تلك اللحظات الرهيبة الجزولى سعيد الذى يصفه التجانى الطيب بقوله : " كان المرحوم الجزولى سعيد صبوراً وشجاعاً ومنظما ً ومنضبطاً . الإحتفاء والعمل إلى جانبه مريح . لايزعجك بمطالب شخصية ، ويتحمل أى وضع يكون موجوداً فيه ، ويكيف نفسه عليه . الجزولى ( يتقل ) قلب الإنسان كما يقولون ، ويهتم بالآخرين ، إحتياجاتهم ، صحتهم ، أسرهم إلى آخره . (جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " . وعن آخر إعتقال للتجانى الطيب فى أول يوم من أيام هذا النظام المبتكر يقول : "" أعتقلت فى حوالى الساعة الثالثة إلا ربعاً صباحاً ، ونقلت إلى سلاح المهندسين فى أمدرمان ، طرق الباب أحد الأشخاص وقال أن هيئة قيادة القوات المسلحة إستولت على السلطة ورأت التحفظ على بعض السياسيين ، وطلب منى هذا الشخص أن أركب معهم ، ركبت عربة نقلتنى إلى سلاح المهندسين وهناك حدثت مشكلة بين المجموعة التى إعتقلتنى وبين الحرس ووقع إشتباك قَتل فيه رئيس المجموعة وهو رائد طبيب يدعى أحمد قاسم . وهرولت بقية المجموعة وتركونى مع عساكر السلاح الطبى . ( جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " . وبقى التجانى الطيب داخل سلاح المهندسين ثم نقل إلى سلاح الموسيقى وقضى نهار الجمعة هناك مع بقية المعتقلين حيث إستمعوا الى بيانات الإنقلاب ، وفى المساء نقلوا الى سجن كوبر . وفى سجن كوبر إلتقى بقيادات الأحزاب ومن بينهم حسن الترابى الذى كان رأيه فى الإنقلاب كالتالى : " إن النظام إذا كان يفتح الطريق للإسلام فسيؤيده غض النظر عن موقفه من الديمقراطية ، أما إذا كان يسد الطريق أمام الإسلام ، فسيقف ضده غض النظر عن موقفه من الديمقراطية .( جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " . ولتكن هذه الأبيات للشاعر غسان رقطان وداعية للمناضل الكبير التجانى الطيب : كيف أن الرجال مضوا .. كلهم دون أن يتركوا قشة كى ننام ولدًا فى الحراسة قلماً للكتابة فحماً لهذا البقاء المخيف دون أن يتركوا سلة نلم فيها الفطر قبعة كى تخبئ شيب الهموم يداً كى تصافح أو حكمة نستعين بها غير حكمتهم فى الرحيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
كريم مروة ينعي الاستاذ التجاني الطيب Saturday, December 17th, 2011 الرفاق الأعزاء
وصلني بالصدفة نبأ وفاة القائد الشيوعي التيجاني الطيب. آلمني النبأ وشعرت بالخسارة الكبيرة التي أصابتكم بفقدانه أنتم رفاقه في السودان، وأصابتني أنا رفيقه القديم في لبنان بفقدانه. ونحن ما نزال في طريقنا الصعب نقاوم المستحيل من دون أن نتمكن من تحقيق ما وعدنا به شعوبنا، باسم مشروعنا الإشتراكي العظيم لتغيير العالم، في تحقيق الحرية والتقدم والعدالة الإجتماعية لها.
لقد تعرفت إلى فقيدنا الكبير في ربيع عام 1954 في الخرطوم. واستمرت صداقتنا على امتداد الحقبة الطويلة الماضية. وكنا نلتقي في الخرطوم اكثر من مرة، ثم في براغ وبيروت والقاهرة ودمشق وعدن. وكنا في سجالاتنا الرفاقية حول قضايا بلداننا وقضايا العصر نتفق أحياناً ونختلف أحياناً. وكان ذلك بالنسبة إلى كلينا أمراً طبيعياً. وستظل تحتفظ ذاكرتي بالكثير من المزايا والسمات التي اتصفت بها شخصيته كمناضل شيوعي وكقائد وطني وأممي من الدرجة الرفيعة.
أودع الرفيق التيجاني اليوم معكم متأخراً بهذه الكلمات، كما ودعت معكم قبل بضعة أشهر رفيقاً مناضلاً من الطبيعة ذاتها، كوطني سوداني وكمناضل أممي هو محجوب عثمان.
لكم أيها الرفاق الأعزاء في الحزب الشيوعي السوداني قيادة وكوادر وأعضاء أحر التعازي وأعمق مشاعر التضامن الرفاقي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
ومات عم تجاني الموت أحد حقائق الحياة الإنسانية، يعترف بها العلم وكل الديانات وكل الحكمة البشرية لذا يتقبل الناس موت أعزائهم، رغم حزنهم ولا يجدون أمام الموت إلا الحزن والتأمل في حياة الراحلين بحثا عن الإلهام والذكرى الحسنة. وموت عم تجاني يلفنا جميعا بحزن عميق ولكنه لا يصرفنا عن تأمل تلك الحياة الثرة المليئة بالفكر والنضال والتضحيات والمواقف المشرقة والصلبة، ولا يصرفنا عن التأمل في شخصية لا تنفصل سمتها الثورية والنضالية عن سماتها الشخصية من تواضع وود قلب مفعم بالحب والحنان والصدق والصداقة مع الكبير والصغير حتى أصبح الشباب، من الشيوعيين والديمقراطيين، بل وشباب الأحزاب الأخرى والمستقلين الذين تعرفوا عليه عن قرب أثناء وجوده في القاهرة وعمله في التجمع وإصداره لجريدة السودان ولمجلة قضايا سودانية أو من عملوا معه في الميدان وأثناء التحضير وإنعقاد المؤتمر الخامس الذي كان ضمن هيئة رئاسته. لعل أهم ميزات عم تجاني، إلى جانب شخصيته الصارمة والودودة في نفس الوقت، فكره المتناسق والمعبر عن رؤيا ماركسية غير دوغمائية قائمة دائما على استعمال المنهج الماركسي في تحليل الواقع الملموس إن كان عالميا أو إقليميا أو وطنيا، والتعبير عن ذلك الفكر بلغة عربية أو إنجليزية واضحة وصحيحة وممتعة، حتى أن أحد الأصدقاء قال لي مرة أن يدرس لغة كلمة الميدان التي يكتبها التجاني لأنها تعبر عن مدرسة صحفية وسياسية وفكرية متكاملة. وكان عم التجاني دائما مهموم بالقضايا الأساسية والتفصيلية للثورة السودانية وتطورها وإتخاذها التكتيكات المناسبة وفقا للمتغيرات التي تمر بالمجتمع دون أن تؤدي تلك التكتيكات لغياب الخط الإستراتيجي الأساسي والتكيكات الأساسية للثورة السودانية، وكان في ذلك مهتما بشكل خاص بتطوير العمل القيادي، الذي كان يمثل بالنسبة مفصلا هاما في العملية والثورية، وكانت نقطة إنطلاقه، كيف يمسك العمل القيادي بالحلقات الرئيسية في تطوير العملية الثورية في مجال العمل التنظيمي والعمل السياسي معا. وكان يعتبر أن المفتاح لتطور العملية الثورية هو العمل المستقل للحزب وأرتباطه بالجماهير، مهما كان ذلك العمل ضعيفا، فهو يطور العملية الثورية وهو الذي يجعل التحالفات السياسية بمستوياتها المختلفة معا، وكان واعيا بشكل عجيب بتوجه بعض الحلفاء لحبس التحالفات في مستوى القيادة وبعدها عن العمل الجماهيري، وكان حازما في نقده لتلك التوجهات، ويعمل دائما عبر النشر والإعلام والتنظيم على جعل تلك التحالفات مرتبطة بالجماهير، بل يمكنني اإدعاء أن معظم جهده في فترة التجمع كان مبذولا لوصول ما يحدث في التجمع لقواعده وللشعب السوداني، فأصدر جريدة السوداني وحشد لها شباب الصحفيين المنفيين حتى تآمر عليها الآخرون فأوقفوها، وأهتم بإذاعة التجمع ورشح لها أحد أهم الكوادر الحزبية والتي كنا نحتاجه في أعمال اخرى الراحل عبدالرحمن عبدالله، ومافتئ يجول البلدان ويتحدث في الندوات، بل أنه كان يرسل ما يدور بشكل مستمر لفروع الحزب لمناقشته ونشره، كان مهموما بإعلام الثورة مثلما هو مهتم بتنظيمها وبرنامجها السياسي ونشاطها السياسي. كان عم تجاني مهتما بشكل خاص أيضا بكشف جرائم النظام في مجال حقوق الإنسان، فقد كان يمدنا بالمعلومات التي تصله من الخرطوم بشكل دائم وبسرعة متناهية، حتى أننا، وكنت وقتها في المنظمة السودانية لحقوق الإنسان، نفاجئ النظام بكشف جرائمه بسرعة مدهشة وننظم حملات التضامن العالمي. وكان عم تجاني ثوريا حتى في ملبسه ومأكله، وأذكر أنه أتى لجنيف لحضور إجتماعات لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (مجلس حقوق الإنسان الآن) حاملا في حقيبته زاده من الطعام (مش وجبنة وغيرها) وسألني وقد سبقته لجنيف إن كانت هناك بقالة قريبة، فذهبت له مع القالة ودعاني لغرفته، ليخرج زاده، فقلت له ما هذا فقال لي ببساطة وهو يبتسم كالعادة " نحن حزب فقير ولا نستطيع الصرف على الطعام في جنيف" وبع أيام إكتشفت أن يحمل مالا وتكليف للسفر لشرق أوربا لتصريف زملاء لنا كانوا يعملون بالمنظات اليسارية بشرق أوربا وأصبحوا بلا دخل بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي، وحينها قررت بعدها ألا أنزل في فندق في جنيف عندما أحضر للجنة ,ان أنزل مع أحد الأصدقاء الكرماء لأوفر للمنظمة بعض المال الذي تحتاجه في نشاطات أخرى، بل أن صديقي ظل يجهز لي ساندوتش كل يوم حتى لا أصرف مالا في مطعم قصر الأمم الغالي، فأنظر أثر التجاني الذي يمتد لسلوكنا الشخصي في التعامل مع مال منظمات المجتمع المدني.
كتبت قبل أعوام في عيد ميلاد عم تجاني هذه الذكريات عمي التجاني ذكريات ألتقيت المناضل التجاني الطيب أول مرة في منزل السيد علي أحمد حامد في مدينة الفاشر في عيد رمضان وكان قد أطلق سراحه من سجن الخير خنقه (كان سجن المديرية حينها قبل أن ينتقل سجن المديرية إلى سجن شالا وكان ذلك إما في أواخر 1963 أو بدايات 1964 وكان في صحبته الأستاذ بدر علي الأستاذ بالفاشر الثانوية، والأستاذ صديق أحمد البشير صاحب ومؤسس مكتبة الجماهير، إحدى منارات الإستنارة والوعي في الفاشر في ذلك الوقت، وبصحبتهم مضيف التجاني الأستاذ حسن الخليفة عمر أحمد حامد، لاعب الكورة الموهوب والموظف بحسابات السجن حينها. ولما قدمت له سألني عن محمد عوض كبلو، شقيقي الأكبر، فقلت له أنه بسجن كوبر، ممتحن للشهادة السودانية وما كنت أعرف أن محمد سيحل محل الأستاذ التجاني بمجرد إنتهائه للإمتحانات. كنت حينها في سنة أولى ثانوي وسنة أولى شيوعية. ثم كان اللقاء الثاني لي بالأستاذ التجاني في جريدة الميدان في يناير 1965، وكان حينها رئيس التحرير الفعلي بينما رئيس التحرير المسجل هو المناضل الكبير المرحوم حسن الطاهر زروق، وكنت قد تواعدت مع الأستاذ تاج السر مكي أبو زيد لإعطائي رسائل للشيوعيين في الأبيض والفاشر، (وبالمناسبة كانت تلك الرسالة لشيوعيي الأبيض المناسبة الأولى التي ألتقيت فيها المرحوم جبرالله سيداحمد، والد دكتورة آمال وناهد وعصام، الذي كان يعمل بالأبيض حينها وكان المسؤول التنظيمي للمديرية وكان لقاءنا بمكتبة الفجر لصاحبها عبدالله بابكر). خلال هذه الفترة كانت مقالات الأستاذ التجاني الطيب في الميدان تشد جيلنا بتحليلها السياسي العميق ولغتها السلسلة الجميلة، ولعل مما علق بذاكرتي مقالا رائعا يرد فيه على مولانا عبد الرحمن النور وكان وزيرا للإعلام في حكومة المحجوب الأولى عندما قررت الحكومة الإحتفال بذكرى كرري. وكان حسب علمي المحرر لكتاب ثورة شعب ثم كتب كتابا بعد حل الحزب الشيوعي، تمت مصادرته، عن الإستعمار الجديد والانقلابات في افريقيا لو لم تخني الذاكرة. ثم سافر لبراغ لتمثيل الحزب في مجلة قضايا السلم والإشتراكية. وعاد من براغ ليصبح مسؤولا عن مديرية الخرطوم ويساهم في خوض المعركة ضد الإنقسام في 1970. وأذكر أنه تم إلحاق مكتب الجامعات بالمديرية في نهاية عام 1970، وبعد إعتقال الراحل الخاتم عدلان في 30 مايو 1971 حللت مكانه في مكتب الجامعات، وأذكر إجتماعا في يونيو من ذلك العام للمكتب في حي الصحافة حضره الأستاذ تجاني، وبعد إنتهاء الإجتماع ركبت مع الأستاذ تجاني ليوصلني معه وفي الطريق سألني "ما الذي يكتبه محمد عوض كبلو في الجرائد هذه الأيام؟" وكان محمد قد نشر مقالا في الصحافة او الرأي العام لا أذكر عن البنيوية، فقلت للأستاذ تجاني "هذا تيار فلسفي يبدو أنه الموضة هذه الأيام في أوربا" فقال لي "يا بختكم الآن لديكم متخصصين في الفلسفة والإقتصاد والنقد وغيره، نحن عندما بدأنا كنا نكتب في كل شئ، كنا نقرأ ونبذل مجهودا لدراسة الواقع وبناء التنظيم وتنظيم الجماهير في نفس الوقت." ثم لم نلتقي بعدها إلا أمسية 21 يوليو 1971 حيث ذهبنا للقائه طالبين أن تتخذ سلطة 19 يوليو موقفا واضحا من إستقلال الجامعة وقرارت نميري التي أعلنها في حنتوب، وبالفعل أعلن هاشم العطا في خطابه في اليوم التالي إخضاع تلك القرارات للتشاور الديمقراطي بين الطلاب والأساتذة وإدارة الجامعات. وعاد نميري للسلطة في 22 يوليو وأختفى تجاني ونقد وسليمان والجزولي ويوسف حسين وغيرهم من الكادر السري، وكان الأستاذ التجاني آخر المختفين الذين أعتقلوا في عام 1981، وكان المناضل الجزولي سعيد قد اعتقل في عام 1972 الأستاذ سليمان حامد في عام 1974 والأستاذ يوسف حسين والدكتور محمد مراد في علم 1976. وقد قضى الأستاذ التجاني فترة إعتقاله بين زنازين سطوح جهاز الأمن وقسم الشرقيات بكوبر وقدم خلال تلك الفترة للمحاكمة التي قدم فيها دفاعا سياسيا. ولقد إلتقيته في هذه الفترة مرة واحدة في عام 1982 عندما كان هو بالشرقيات وأتيت أنا من سجن بورتسودان. وقد أتاحت الإنتفاضة الشعبية في مارس أبريل 1985، لي لقاء الأستاذ تجاني بشكل منتظم في جبهات عمل كثيرة، فألتقيته وعملت معه وهو رئيس تحرير الميدان بصفتي المحرر الإقتصادي غير المتفرع، وتحدثنا في ندوات مشتركة أثناء ترشيحه في دائرة أم درمان الغربية بعضها مفتوح (ميدان الربيع) وبعضها مقفول. والتقينا في الإجتماعات الموسعة للجنة المركزية التي كانت تضم إلى جانب أعضاء اللجنة المركزية أعضاء المكاتب المركزية وقيادات المناطق الحزبية. وكان الأستاذ تجاني في كل تلك اللقاءات على المستوى الحزبي يمثل التجربة والفكر السياسي المتقد والحزم والصرامة الحزبية، والروح الرفاقية والصداقة التي إمتدت لعائلاتنا. وجاء إنقلاب يونيو ليتم إعتقال أستاذ تجاني ضمن قيادات العمل الوطني والديمقراطي والنقابي والطلابي والمهني، وعندما أطلق سراحه كلف بمهمة قيادة عمل الحزب بالخارج وتمثيل الحزب ضمن آخرين في عمل المعارضة، فكان أول أعماله إصداره لجريدة السودان بالقاهرة والتي قصد منها أن تكون صوتا للمعارضة في الخارج، لكن بعض أطراف المعارضة عرقلت عملها وفضلت إصدار إصداراتها الخاصة بها. وكان الأستاذ التجاني وراء كثير من العمل التحضيري لمؤتمرات التجمع وإجتماع هيئاته وتقريب وجهات النظر بين فصائله
وخلال هذه الفترة جمعنا العمل الحزبي والعمل في المعارضة في لندن والقاهرة وأسمرا ومصوع و جنيف، وتبادلنا الزيارات العائلية، ووجدنا وقتا للحديث في قضايا محتلفة، وعرفت أكثر عم التجاني المناضل الإنسان الشيوعي وتعلمت منه وقضيت معه أوقاتا غنية. فله في عيد ميلاده أحر التهاني ونتمنى عليه تسجيل مذكراته تسجيلا للتاريخ الحزبي والسياسي وتسجيلا لتجربة غنية في الحياة.
والآن وقد مات عم تجاني لا املك إلا أن أردد أي نجم خبا عن سماء الوطن وأي سيف وطني صارم عاد لغمده وأي جذوة فكر قد انطفأت وأي صديق فقدنا فوداعا أبا عازة وداعا يا رفيق فتحية البدوي وداعا يا عمنا ،إخلاص وأنا الذي طالما أستمتعنا بصحبتك وأستفدنا من حكمتك
صدقي كبلو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
رأيت المناضل السوداني التجانى الطيب بابكر (1926-2011) November 27, 2011 أحمد الأمين أحمد رأيت المناضل (تجانى الطيب) أول مرة وأخرها وهو على المنصة مكللا بالوقار ومضرجا بسنوات السجن والمنفى خلال مشاركته فى تظاهرة الحزب الشيوعى السودانى بالعيد الخمسينى لقيامه بتلك المدينة التى (تموت من البرد حيتانها) حسب عجز بيت شوقى الشهير الذى هاجر عبر إتكاءة محيميد عليه فى موسم الهجرة وهذا باب أخر …
.أقتربت من التجانى الطيب لاقرب درجة يتيحها مرافقه الشاب وقتها وهو فى طريقه للحمام بالطبع لم أصافحه او حتى اتحدث إليه لكنه كان باسما بشوشا وسيماونظيفا بدرجة ملفتة حتى تخاله مغنى من طراز إبناء حيه العريق بامدرمان (حى العرب) الجابرى او إبراهيم عوض كان مرتديا بدلة هادئة اللون لونها خاطف يتأرجح بين الرمادى والسمنى لذا بدت كأنها حقل قمح (حسب وصف صالح جاهين للفلاح المصرى )….!!!!!!!.
تصفحت حياة المناضل تجانى الطيب من الالف للياء وقتها حين اتاح لى الصحفى السودانى المهاجر معاوية حسن يس(ولد العام 1956) تفريغ كاسيت من الحجم الكبير وتحويله من صوت لكتابة لحوار طويل جدا معالمناضل تجانى الطيب وقتها والذى أرتفع عبر سرده المحكم وذاكرته الحاضرة فى ذلك الحوار النادر لذرى القريوت اولئك الرواة المعمرين بغرب أفريقيا الذين يرون تأريخ الأمة شفاهة بمصاحبة الطبول الطقسية وعبرهم تمكن الزنجى الامريكى اليكس هيلى من حياكة تأريخ اسلافه قديما بغرب افريقيا (غامبيا تحديدا) قبل نزوحهم عبيدا لامريكا وهذا باب أخر …
فى ذلك الحوار الممتع تحدث المناضل تجانى الطيب عن المؤثرات البيئية والجغرافية والجمالية والذاكرة المكانية والصوفية الأولى التى شكلت وعيه لاحقا لينحازللبروليتاريا فتحدث عن مسقط رأسه مدينة شندى الجميلة (حسب عبدالمنعم عبدالحي وسيد خليفة ) كمكان عبقرى يعج بالتجارة-التعليم –الصوفية-جمال الوجوه و إختلاط القبائل وحضور موظفين بالخدمة المدنية من كل فج عميق بالسودان القديم ورفقته لبعض أنداده فى ميعة الصبا والشباب الأول (حسب مصطلح الشاعر الرومانسى الدكتور حمدى ) كل جمعة للإستماع لهنا ام درمان عبر راديو فيلبس وحيد كان وحيدا بالمدينة فى نادى قرب السكة حديد ساهم فى تبصيرهم بأخبار العالم وفتح مغالق خيالهم للإنتباه لصراع فى أماكن أخرى غير حاضرتهم يسهم بدرجة ما فى تشكيل مصير العالم وهم جزء منه . ذاك المذياع العام الذى ساهم فى توعية نصير البروليتاريا لاحقا تجانى الطيب وتبصيره بأخبار العالم خارج بيئته الجغرافية المحدودة وقتها هو ذات المذياع الذى ساهم فى ترقيق وجدان وشعور وشحذإبن شندى المبدع الكنار عثمان الشفيع حسب إعترافه فى كتاب الفن مع محمود ابوالعزايم (أواخر سبعين القرن الماضى حيث ذكر أنه كان كذلك يستمع مع شلته فى الصبا ورفيقه المغنى على التجاني بذات المكان كل جمعة وبحكم قرب السن بين التجانى (1926) والشفيع (1924 فى رواية) يبدو أنهما كان يلتقيان هنالك لكن دون أن يدرى أحد منهما الأخر مثل فلاديمير لينين والروائى الايرلندى جيمس جويس الذين كان يلتقيان لاكثر من عام بذات الحانة السويسرية وهما بالمنفى دون أن يعرف أحدهما الأخر وهذا باب أخر.
تحدث التجانى الطيب فى ذلك الحوار الممتع عن فترة وجوده بام درمان (حى العرب –حيث الطرب ) عاقدا مقارنه بينه وبين حى ناس عبدالخالق محجوب (بيت المال –حيث الفرع المال كما فى تلك الرمية التقيلة لناس عوض شمبات ) واصفا حى العرب كممعقل للطبقة الكادحة من صنايعية وجزارين وقلة من البرجوازية التقليدية من تجار المدينة ( تجار بهايم ) بينما بيت المال حى أفندية وطبقة وسطى تمتاز بالوعى(حسب المصطلح الماركسى وتقسيماته الطبقية )…
رغم ذلك برز حى العرب كمصنع للجمال والوجدان بفضل وجود عباقرة شعبيين مثل ناس سيد عبدالعزيز(سواق فى الحملة الميكانكية وقتها) وعبيد عبدالرحمن (والده تاجر كبير وصوفى ود الريح (صانع حقائب جلدية نسائية)وميرغنى المأمون (خدرجى) وأحمد حسن جمعة (جزار)والتاج مصطفى(بتاع تدريب مهنى وبناء و صانع تماثيل ) وإبراهيم عوض(حداد ) والجابرى (حداد ونجار وصاحب صوت يذوب الصخر وعازف عود بارع لأقصى درجة) والطاهر إبراهيم (زابط كبير وثورى وعازف عود وشاعر وملحن ) ومحجوب سراج (موظف صغير) والفاتح حاج سعد (نجار ) وهلم جرا ….
فى ذكر حى العرب كمكون عبقرى عبر تلك السبيكة المدهشة كثيرة الإحتكاك بالواقع اليومى ومعاناة ونبض الشارع تحدث تجانى بحب وتقديربصورة خاصة عن سيد عبدالعزيز (صاحب بت ملوك النيل وقايد الإسطول ) بإعتباره مثقف عضوى(حسب مصطلح غرامشى ) وشامل ساهم بإيجاب فى تشكيل وعى جيل تجانى الطيب عبر مسرحيات كان يقوم بتأليفها وعرضها للجمهور مجانا بنادى الحديد بأمدرمان وكان التجانى من رواده وقتها …. فى ذكر ذلك تحدثت قبل فترة مع أكاديمى رفيع جدا وصاحب مؤلفات من اولاد حى العرب وعمدا عرجت على عبقرية ذلك الحي وحضور الفن فيه كى استفزه للحديث فذكر لى أن التجانى الطيب كلما هاتفه يطلب منه ضرورة توثيق التأريخ الجمالى والإجتماعى والإقتصادى لحي العرب عبر الكتابة بواسطة اكثر من قلم وذاكرة ليقوم أخر بسبك كل ماكتب فى كتاب عن ذلك الحي وان التجانى نفسه سوف يكتب لكن الموت أسرع !!!!!!!!!!وربما كتب إن ترك مذكرات وأوراق شخصية ؟؟؟؟؟؟؟ السؤال مفتوح لورثة التجانى حين ينقبون عن ذاكرته وما خلف حين دخل الحوار بين معاوية يس وتجاني الطيب معارج الماركسية السودانية تحدث تجانى بحب عن عبدالخالق محجوب الذى كان طفلا وصبيا من بيت المال يزور حبوبته بحى العرب موطن تجانى وود الريح والجابرى بامدرمان القديمة …. ولقد أعترف تجانى الطيب أن أول معرفته بإسم كارل ماركس كان عبر خطاب أرسله له صيفا فى عطلة مدرسية بشندى زميله بالثانوى با م درمان عبدالخالق محجوب ضمن جملة أسماء منها شكسبير وغيره من المبدعين فى أمم مختلفة و هنا تتجلى بوضوح ثقافة عبدالخالق ومرجعيته وهو بالثانوى مما يؤكد صدق المرحوم احمد سليمان حين ذكر فى (ومشيناها خطى) أن من أسباب هجر عبدالخالق كلية أداب الخرطوم الجامعية وهبوطه مصر بحثا عن معرفة أكثر تسع عقله الجبار (مثل مصطفى سعيد حين نصحه أستاذه الخواجة ترك التعليم بالسودان) كان ضعف و تواضع منهج الكلية مقارنة بذهن عبدالخالق !!!!!!؟؟؟؟ كماذكر تجانى أن عبده دهب (له الرحمه ) كان الخيار الأول ليحل المكانة التى احتلها عبدالخالق داخل مركزية الحزب الشيوعى المصرى لكنه تم إستبعاد ه لأسباب ذكرها تجانى فى الحوار … بدهاء الصحفى ويقظته حاول معاويه يس إستدراج تجانى الطيب للحديث عن أحمد سليمان (كان حيا وقت الحوار) ذلك حينما تحدث تجانى عرضا عن الخواجة هنرى كورييل الذى كان مهتما بصورة خاصة بالطلاب الشيوعيين السودانيين بمصر قبل طرده لباريس عقب قيام دولة إسرائيل وطرد اليهود من مصر بقرارا سياسى لكن بأخلاق الفارس ونبله رفض التجانى بحسم الخوض فى أى شهادة حول رفيقه قديما أحمد سليمان (لهما الرحمه) –فى هذا السياق رفض قديما أبوامنة حامد الحديث حول وردى حين حاول حسين خوجلى فى برنامجه الشهير (أيام لها إيقاع ) عقب إنقلاب الترابى- البشير للحديث عن وردى عبر ذكر خصومة وجفوة قديمة بينه مع وردى الذى كان وقت الحوار مع ابى امنه لاجئا بمصر قبل لندن ….. من أجمل مافى الحوار مع تجانى وقتها حديثه عن فترة وكيفية إعتقاله عهد نميرى بعد أن ظل مختفيا فترة طويلة عقب يوليو 1971 وإسبوع الأحزان برحيل الرفاق من لدن جوزيف وفاروق والشفيع وعبدالخالق وهلم جرا كما تحدث عن كيفية إعتقاله عند إنقلاب الترابى –البشير يونيو 1989 وإصطحابه فى سيارة مكشوفة من منزله لمكان قرب المهندسين وكيف شاهد قتل الرائد احمد قاسم أحد كوادر الإنقلاب بيد رفاقه ربما عن طريق الخطأ….. تحدث كذلك عن فترة وجوده بالمعتقل بكوبر ذاكرا أن كبير الجبهة الإسلامية الترابى كان يصلى بالمعتقلين إماما بالزنازين لكن عند إعتقال المناضل المحترم الأمير نقد الله (حزب أمة لكنه شجاع جدا) طلب من المعتقلين علنا عدم الصلاة خلف الترابى لانه غير جدير بذلك … كما تحدث المناضل تجانى –رحمه الله – فى ثنايا ذلك الحوار الممتع عن بعض رموز الحركة الوطنية تحديدا مكى المنا –القائد الطلابى الشهير لإضراب كلية غردون 1931 الذى أنتهى بوساطة أبوية من الإمام عبدالرحمن المهدى ولعل التجانى قد أصيب بصدمة من موقف معين من مكى المنا عندما صار معلما ووقف موقفا سالبا ضد الطلاب لاحقا رغم انهم كانوا ينظرون إليه –اى المنا كمناضل وطنى … أجرى تجانى كذلك مقارنة بين الانجليز كسمتعمرين للسودان والالمان كاعداء للانجليز فى الحربين العالميين 1914-1918 و1939-1945 مبررا كره السودانيين على المستوى الشعبى للانجليز وميلهم للالمان نكاية فى الانجليز كما تجلى ذلك فى أغنيات بالبنات وغنا التم تم تحديدا وربط ذلك بنوع من النضال الشعورى ضد المستعمر الانجليزى كماذكر ان مدير المدرسة الانجليزى بام درمان س حين نقل اليهم فى طابور الصباح نبأ وقف الحرب العالمية الثانية وإنتصار الحلفاء ومنهم بريطانيا العظمى لم يصفق أحد من الطلاب لذلك النبأ المفرح لقوم تشرشل رغم مشاركة قوة دفاع السودان فى صحراء العلمين وكرن ودرحهم للتليان هنالك،مؤكدا ان هم جيله كان خروج المستعمر الإنجليزى ليتركوا السودان وطنا حرا يحكمه السودانيون…. وبلغة سودانية النكهة ذكر تجانى الطيب لمعاوية يس ان المدير الإنجليزى حين زف لهم الخبر ولم يتجاوب الطلاب معه إيجابا خجل لدرجة إحمرار وجهه كا (الفشفاش ) حسب ماذكر التجانى رحمه الله تنبيه: لخصت الحوار من الذاكرة رغم تقادم العهد وملكية الحوار الفكرية محفوظة للصحفى معاوية يس ولعله منشور بصحيفة الحياة او مجلة الوسط اللندنية كذلك ،كما لاحظت الإشارة لذلك الحوار ضمن مصادر البحثالتى أعتمد عليها الصحفى السودانى فتحى الضو فى كتابهالتوثيقى –التحليلى حول إنقلاب البشثير –الترابى والخلفية السياسية النى افضت إليه…
| |
|
|
|
|
|
|
|