دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل
|
نافع..مظاهرات بري..والشيوعي "المقرش"!..
كان نافع على نافع يعمل معي استاذا بجامعة الخرطوم وأتحداه أن يثبت من أين له هذا..!!
إبراهيم الكرسني
وصف نافع على نافع فى لقاء جمعه مع بعض القيادات النسوية من أعضاء حزبه بولاية الخرطوم المظاهرات التى قام بها مواطنو حي البراري الشجعان ضد غلاء المعيشة، وإرتفاع الأسعار بأنه يعرف من ورائها. ثم أردف قائلا بأنه، "شيوعي عنده شوية قروش". نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الشيوعيين الذين هم أقدر منى فى الدفاع عن أنفسهم، حيث لديهم حزبهم، ومنابرهم، وكتابهم الذين لا يشق لهم غبار. وبالفعل فقد رد عليه السيد محمد إبراهيم نقد وأبان له طبيعة علاقة الشيوعيين بمظاهرات بري التى مضت، وكذلك تلك القادمة بكل تأكيد فى مقبل الأيام.
لكننا سنكرس هذا المقال لتحليل العقلية التى يفكر بها قادة المؤتمر الوطني، آخذين السيد نافع كأفضل نموذج لها. عرف عن السيد نافع إستخفافه الدائم بأحزاب المعارضة، و إهانته المستمرة لقيادات الشعب السوداني ورموزه الوطنية. ليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل لقد تعداه كثيرا، ووصل درجة من الإسفاف أصبح السيد نافع يستهتر بالشعب السوداني بأجمعه، ويزدريه. وقد إستعمل السيد نافع فى كل ذلك أقذع الألفاظ و أكثرها سوقية. ألفاظ يعف عن ذكرها ’صعاليك‘ الأزقة، و حتى المشردين فى شوارع العاصمة المثلثة، مع إحترامي الشديد لهم!
لقد بنى الإخوان المسلمون تاريخهم الغابر كله من خلال عدائهم السافر للفكر الماركسي و الأحزاب الشيوعية. ولا غرو فى ذلك حيث أنهم حركة سياسية كونتها المخابرات الغربية خصيصا لذلك. و أشهد الله أنهم قد برعوا فى ذلك تماما. المدهش فى هذا الأمر أن ’هؤلاء الناس‘ قد أسسوا برامجهم كلها، وفى مختلف الميادين كترياق مضاد لبرامج الشيوعيين. وبالتالى لم تتوفر لديهم الذهنية النقدية التى تمكنهم من سبر غور الواقع الإجتماعى و الإقتصادي المعقد، ودراسته دراسة وافقية معمقة، وإستنباط الحلول الناجعة لجميع المشاكل التى تحيط به. ونقول، بإختصار شديد، بأنه لو لم تكن هنالك حركة شيوعية فى المنطقتين العربية والإسلامية، لما كانت هنالك حركة للإخوان المسلمين، وبالتالي فإنه لولا برامج الشيوعيين، و إجتهاداتهم المختلفة لمعالجة قضايا المجتمع السوداني، لما كانت هنالك برامج تذكر لهم.
لذلك فإن أكثر ما يميز عقلية الإخوان المسلمين هي العقم الفكري و الكسل الذهني. إن أكبر دليل على صحة ما نقول هو ممارساتهم على مستوى العمل التنظيمي، وهو أقل الميادين التى تتطلب إعمال المنهج و الفكر، على الرغم من أنها تشكل إحدي إفرازاته. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه لولا وجود الإتحاد النسائي، لما كان هنالك تنظيم نسائي للإخوان. ولولا وجود إتحاد الشباب السوداني، لما كان هنالك تنظيم لشباب الإخوان. بل أنه لولا وجود الحزب الشيوعي نفسه، لما كان هنالك وجود لحزب سياسي للإخوان المسلمين، حيث أقر زعيمهم الترابي ب’عضمة‘ لسانه بأن قد إستفاد أيما إستفادة من التجربة التنظيمية للشيوعيين، و تجاوزها فى نهاية المطاف ليكون حزبا جماهيريا إستطاع أن يكون، بفضل ذلك، ثالث أكبر كتلة نيابية فى آخر إنتخابات حرة ونزيهة جرت فى السودان فى عام 1986م. إن أكثر ما يجسد عقلية العقم الفكري، و الكسل الذهني، هو التصريح الأخير الذى أدلى به السيد نافع حول المظاهرات التى جرت فى منطقة البراري. إن السيد نافع لم يكلف نفسه، أو حتى حزبه، عناء التفكير المتأني، و إجراء الدراسات المعمقة، لتحديد أسباب تلك المظاهرات، و إن كان الأمر لا يتطلب كل ذلك العناء، إلا لمن هو فى موقع المسئولية كالسيد نافع. إن تلخيص أسباب تلك المظاهرات فى وجود "شيوعي مقرش"، كما وصفها السيد نافع يقف دليلا قاطعا على مدى الجدب الفكرى الذى يعيشه ’الجماعة‘، كما يشير الى ظاهرتين جديرتين بالتأمل.
الظاهرة الأولى تنم عن إنقطاع تام للنخبة الحاكمة عن الواقع المرير الذي يعيشه الشعب السوداني، وكذلك عن حالة البطر، والنعمة، والثراء الفاحش الذى يرفل فيه هؤلاء الأبالسة، و الذى جعلهم لا يحسون بما يكابده الشعب السوداني من معاناة وشظف فى العيش فاقت حد الوصف، حيث إرتفعت قيمة و أسعار جميع السلع و الخدمات، فيما إنخفضت قيمة الإنسان السوداني فى ظل الدولة الرسالية الى الحضيض. وكل ما أخشاه أن يكون التصريح القادم للسيد نافع، و أمثاله من تجار الدين و المتاجرين بقوت الشعب هو كالتالي، "وطيب إذا اللحمة غالية.. ما تاكلوا العضام"! لكن السيد نافع لا يدري بأن ’العضام‘ نفسها قد إنعدمت من ’الجزارات‘، و أصبح الحصول عليها يتطلب حجزا مقدما، وفقا للرواية التى أدلى بها السيد أحمد فى تعليقه على مقالي السابق عن الجوع الكافر بصحيفة ’الراكوبة‘ الغراء. وأود أن أوضح لجيل الشباب من القراء بأن فقراء الشعب السوداني، فى بعض العصور السالفة، كانوا يلقون ب’العضام‘ فى أكوام ’القمامة‘ لتأكلها الكلاب! فتأملوا الحالة ’المرطبة‘، وفقا للتعبير الشبابي، التى كانت تعيش فيها كلابنا فى مراحل ما قبل الدولة الرسالية.
أما الظاهرة الثانية التى تستوجب التأمل فهي شعارات الإرهاب، والإبتزاز، و التخويف التى جبل عليها الإخوان المسلمين ووصفهم لكل من عاداهم فكريا، أو سياسيا، بالشيوعية، والكفر، والإلحاد. لكن لو كان هنالك حسنة واحدة لنظام التوجه الحضاري فهي إفتضاح أمرهم أمام أعين الشعب السوداني. لقد أدرك كل سوداني بأن تلك الأوصاف التى يطلقونها على معارضيهم ليست سوى سموم يبثونها لتشويه صورتهم أما الرأي العام. و أن جميع الشعارات الإسلامية التى يتدثرون خلفها لا علاقة لها بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، و إنما يلجئون إليها كمطية للمتاجرة بالدين، وتخدير لمشاعر الشعب. وما هي سوى آلية لنهب الثروات والموارد. وبالتالى أصبحت تلك الشعارات بضاعة كاسدة لا يمكن تسويقها فى سودان ’التوجه الحضاري‘ الراهن، ولن تنطلى على الشعب السوداني مرة أخرى الشعارات الخاوية لتجار الدين، من أمثال السيد نافع. وبما أننا لا نلقى الحديث على عواهنه على المتاجرة بالدين ورفع الشعارات الإسلامية لأغراض دنيوية خالصة، فإننا نتحدى السيد نافع شخصيا بأن يثبت لنا من أين له تلك المزرعة التى تبلغ مساحتها (16) كيلومتر مربع، وذلك القصر المنيف الذى هداه لإبنته فى ضاحية الرياض الراقية، وتلك العمارات القابعة على النيل الأزرق بالقرب من الفلل الرئاسية، وهو الذى كان يقطن فى بيت متواضع بالإيجار فى ضاحية مدينة الحلفاية، حينما كنا نعمل سويا كأساتذة بجامعة الخرطوم قبل مجئ نظام ’الإنقاذ‘؟! وبهذه المناسبة فإنني أهدي هذا النموذج للسيد الرئيس ليقدمه بدوره الى ’مفوضية‘ الفساد التى أمر بتكوينها، و التى وصفناها حينها بأنها خديعة، و أكذوبة أخرى، كبقية ’عبقرياتهم‘، التى أنتجوها خصيصا لخداع الشعب السوداني، والتى أسهبنا فى وصفها من خلال مقالاتنا السابقة. لكن أكثر ما يلفت الإنتباه فى تصريح السيد نافع هو إشارته الى الشيوعي ’المقرش‘ الذى كان خلف مظاهرات البراري، حيث تدل هذه الإشارة الى أمرين فى غاية الأهمية. الأول هو المال كأحد أهم عناصر نجاح أي عمل سياسي. وقد إنتبه الإخوان المسلمين الى هذا الأمر منذ منتصف سبعينات القرن الماضي حيث قاموا بتأسيس بنك ’فيصل الإسلامي‘. لاحظ عزيزي القارئ إسم البنك الذى أختير بعناية فائقة ليسهل تاسيسه بقانون خاص لا يخضع لقوانين بنك السودان، ولا حتى يكون تحت إشرافه، كبقية البنوك التجارية العاملة فى البلاد. وهذا ما حدث بالفعل فى ظل نظام دكتاتوري آخر هو النظام المايوي البغيض. وقد تطور عمل بنك فيصل الإسلامي حتى وصل مرحلة أصبح هو الحاكم الفعلي للسودان، بعد نجاح إنقلاب الإخوان المسلمين المشؤوم فى عام 1989م، و الذى ما كان سيرى النور لولا الأموال التى وفرها لهم ذلك البنك منذ تأسيسه، وبقية القوى السياسية فى غفلة عن الدور الخطير الذى لعبه فى تدمير الإقتصاد و المجتمع السوداني. ويكفى أن نعيد الى ذاكرة قيادات أحزابنا الوطنية الخربة دور ذلك البنك فى خلق المجاعة التى ضربت بمواطنينا فى غرب السودان فى عام 1984م، وقضت على الأخضر و اليابس فى ذلك الحين، و أجبرت البسطاء و المساكين الى النزوح الى معسكرات المويلح و الشيخ أبو زيد فى ضواحي مدينة أم درمان، حيث ذاقوا حياة الذل و الهوان أمام أنظار مسئولي ذلك البنك اللعين، وعلى بعد أمتار منهم.
الأمر الهام الآخر الذى تضمنته إشارة السيد نافع فهي أن الشيوعيين أنفسهم لن يستطيعوا إخراج المظاهرات إلا إذا كانوا ’مقرشين‘، أي من أصحاب الأموال. ولعل السيد نافع يشير هنا الى مظاهرات ’السندتوشات و الكولا‘ التى كانوا يسيرونها إبان الديمقراطية الثالثة، خلال رئاسة السيد الصادق المهدي للوزراء، و أسموها بالمليونية، سواء كانت كرد فعل للمظاهرات و المواكب التى كانت تخرج مطالبة بإلغاء قوانين سبتمبر ’الغبراء‘، أو تلك التى كانوا يسيرونها تأييدا للقوات المسلحة فى حربها فى جنوب البلاد، و التى كانوا يصرفون عليها مئات الالآف من الجنيهات، حيث كانوا يحركون فيالقهم من مختلف مدن السودان القريبة من العاصمة، ليرهبوا بها السيد الصادق، وأعضاء حكومته، وليروهم مدى قوتهم فى الشارع السوداني. والحق يقال أنهم قد نجحوا فى ذلك الى حد بعيد. بل، وهنا تكمن المفارقة، عجزت أحزابنا الوطنية عن إخراج مظاهرة واحدة حاشدة ضد دولة الفساد و الإستبداد حتى وقتنا الراهن، والذى يرجع فى جزء منه، الى حالة الفقر المدقع الذى يعيشه قادتها، وحالة ’الفلس‘ التى تعيشه تلك الأحزاب، مما أصبح سببا لتندر السيد نافع و أصحابه ’الميامين‘ عليها، وعلى قياداتها! أما إذا كان السيد نافع يقصد بالشيوعي ’المقرش‘، بأن بعض الشيوعيين قد أثروا فى ظل نظامه الفاسد و المستبد، فإنني أود أن أقول له بأنه يمكن لك أن تقول الكثير عن الحزب الشيوعي، وقادته، وأعضائه، ما عدى وصفهم بالفساد، ليس لأنهم ملائكة منزلة، ولكن لأن تربيتهم الفكرية، و إنضباطهم التنظيمي، اللذان يستندان على تحقيق العدالة الإجتماعية، يبعدانهم تماما عن هذا المستنقع الآسن، الذى تلوثت به أيادي قادة دولة الفساد و الإستبداد، وكذلك أيادي كل من له صلة بهذا النظام الظالم. أختم فأقول للسيد نافع بأنك مخطئ حينما تظن بأن مظاهرات البراري لم تكن ستندلع لولا وجود هذا الشيوعي ’المقرش‘. وأود أن أؤكد لسيادته بأنه توجد آلاف الأسباب الكفيلة بإخراج المظاهرات الهادرة ضد دولة الفساد و الإستبداد، ليس فى منطقة البراري وحدها، و إنما فى جميع أنحاء السودان. وإن أقل تلك الأسباب خطورة هو الجوع الكافر الذى ضرب جميع الأسر السودانية، و أحس به جميع أفراد الشعب السوداني، ما عدى القلة من قادة الدولة الرسالية، وأهل الحظوة من منتسبيهم. كما أود أن أؤكد لسيادته بأنه قطعا لا توجد من بين تلك الأسباب العديدة لخروج تلك المظاهرات الهادرة ضد دولتكم الظالمة وجود شيوعي ’مقرش‘! لكن ضيق الأفق وقصر النظر الذى ميز قادة الدولة الرسالية، ولا يزال، قد أعمى بصيرتهم عن رؤية الأسباب الحقيقية وراء تلك المظاهرات. و إن كانت أبصارهم لا ترى جموع الشعب السوداني التى خرجت، و التى سوف تستمر مواكبها ومظاهراتها فى الخروج الى أن تطيح بنظام هذه الطغمة الفاسدة المستبدة، وتكنسه الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه، فإننا نسأل السيد نافع أن يتأمل جيدا بعض الشعارات التى رفعها المتظاهرون، عله يتواضع قليلا فى تعامله مع الشعب السوداني، ويثوب الى رشده فى التعامل مع الشأن السياسي المعقد. وإليك بعض النماذج منها:
"لن تحكمنا حكومة الجوع..ديل الجابو لحس الكوع"! "ما دايرين..ما دايرين... الناس التاجرو بإسم الدين"! "ما قصرنا يا سودان.. منو الضيعنا بلا الكيزان"!!؟؟
ابراهيم الكرسني [email protected] 5/10/2011م
---------------------------
إلى أين نحن مساقون؟
فيصل محمد صالح [email protected]
هل يعلم أحد، أي أحد، إلى أين نحن مساقون، وما هو الطريق الذي نسير فيه بالضبط، ومتى وكيف نصل؟. لو كنا نسير في طريق خاطئ، يعلم أهله به، فالرجعة عنه ممكنة ومأمولة، وإن سرنا في طريق صعب وطويل وهناك ما هو أقصر وأسهل منه فمعالجة ذلك ممكنة ولن ترهق أحدا فترة طويلة، لكن المشكلة الحقيقية عندما نكتشف أن لا أحد يعلم وجهتنا والطريق الذي نسير فيه، وهو ما نحس به حاليا. قالت لنا حكومتنا السنية فليذهب الجنوب للجحيم، فنحن قد أعددنا أنفسنا جيدا لما بعد انفصال الجنوب، وجاهزون بخطة لتعويض النقص في البترول وموارده، ولدينا موارد كثيرة تكفي. ثم تغنى بعضهم بالذهب، وما أدراك ما الذهب، وقدموا لنا تقارير لا تجعل البحر طحينة فقط، بل "عجوة معطونة بالعسل". ثم أصبح الصبح، فإذا بالمسؤول لا يعلم شيئا ولا هو بأعلم من السائل، وربما يكون السائل أقرب للحقيقة وأعرف بالواقع من المسؤول.
فوجئت (!) الحكومة بوجود الحركة الشعبية قطاع الشمال، ولم تكن تأخذها في الحسبان، وتلفتت تتساءل "ديل جونا من وين"، واضطربت خطواتها وتصريحات قياداتها حول طريقة وأسلوب التعامل مع قطاع الشمال، من الاعتراف والإشراك في الحكومة، للاعتراف بدون مشاركة، للنفي والإبعاد والتجريم. وكان واضحا أن ذلك تم بدون خطة أو استعداد مسبق أو اتفاق ودراسة في دوائر الحزب، بدليل أنهم اكتشفوا فجأة حاجتهم لمجلس الأحزاب الذي لا يجتمع وليس لديه رئيس، فجاءوا به سريعا ليؤدي القسم، ثم يصدر قرارا بعد يومين بعدم شرعية الحركة، ولن نسمع عنه شيئا بعد الآن.
قيل أن موضوع النفط قابل للمعالجة، ولديهم الخطط البديلة، ثم اتضح أن خطتهم مستوحاة من ألعاب الطفولة، وهي اللعبة الشهيرة... "ّفيها وللا نطفيها"، ولست مفتريا على أحد والله العظيم، فقد سمعت معنى هذا الكلام من رئيس الجمهورية شخصيا، وأكثر من مرة، ومن الواضح أنهم قرروا إراحة دماغهم من اجتماعات اللجان واقتراحات الخبراء والدراسات الفنية أو السياسية الطويلة والمملة، ولجأوا لهذا الحل المبتكر. ثم حدثنا وزير المالية عن اكتمال الاستعدادات لمواجهة النقص في عائدات البترول، وفهمنا أن نعم السماء ستنفتح علينا، وربما تزيد الموارد التعويضية عن المبلغ الأصلي الذي كان يوفره البترول، وان أخوتنا في الجنوب سيعضون أصابع الندم، على مفارقتهم لهذه الجنة، فإذا بنا وبعد شهرين فقط من الانفصال نكاد نقطع أصابعنا من العض لأننا سمعنا كلام "سيادتو" وصدقناه، فالرجل، وبوضوح شديد، لا يعلم عن مسار ومصير الاقتصاد السوداني أكثر ما أعلمه أنا عن الفيزياء النووية، وربما لو اجتهدت قليلا قد أعرف شيئا أكثر من معرفته.
ثم، وآه من ما بعد ثم هذه، هل يعلم أحد كيف ستنتهي الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وإن كان بعض المسؤولين يملك إجابة، فلم علينا أن نصدقه وقد كذبت توقعاتهم وتصريحاتهم في كل المجالات؟ بل حتى في حرب جنوب كردفان انتهى الأمر بإعلان وقف إطلاق النار، الذي لو تم فعلا سيجمد الأمور على ما هو عليه، فكيف ومتى إذن ستتحرك نحو الحل؟. بعد كل هذا أزعم باني أعرف شيئا واحدا، إننا ننحدر نحو الهاوية، وبسرعة شديدة، وأن مصير بلادنا وشعبنا على كف عفريت، ألا هل بلغت، اللهم فأشهد.
--------------------
إيران في كل مكان ...
بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
الثلاثاء, 04 تشرين1/أكتوير 2011 10:27 Share3 [email protected]
كان هذا هو الهتاف الذي ردده الطلاب الاسلاميون-آنذاك أي نهاية السبعينيات من القرن الماضي-في شوارع وميادين العاصمة السودانية: الخرطوم،محتفلين بعودة الإمام أية الله الخميني وانتصار ثورة ايران الاسلامية. وبعض هؤلاء الطلاب قد يكون من المسؤولين الذين استقبلوا محمود احمدي نجادي يوم الاحد 25سبتمبر2011 الماضي.وعندما هتفوا بإيران في كل مكان في ذلك الوقت،كانوا يؤيدون تصدير الثورة ويتمنون عالمية الثورة الإيرانية. فقد اثمرت الصحوة الإسلامية التي بدأت بوادر انتشارها مع حرب اكتوبر1973 ،والانتصار الناقص وما تبعه من فورة نفطية؛ أول دولة إسلامية بعد سقوط الخلافة العثمانية عام1924. وكان قيام جمهورية إيران الإسلامية ،رغم أساسها الشيعي، دفعة معنوية بلا حدود للصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية التي تمثلها.وكانت امنية الشباب الاسلامي هي انتشار النموذج الإيراني الإسلامي في كل مكان في العالم.وبعد حوالي عقد من الزمان تحقق بعض الحلم الاسلامي حين استولت مجموعة من الضباط الاسلاميين علي السلطة في بلد سني المذهب هو السودا ن. ولم تكن طريقة الوصول الي السلطة أو اختلاف المذهب، يعني شيئا للإسلاميين.ولكن المهم تمكن المسلمين وأن بعود للإسلام مجده – كما تقول اناشيدهم. جرت –كما يقال-مياه كثيرة في الزمن الفائت،ودخلت التجربتان السودانية والإيرانية في تحديات ومواجهات وعزلة.وانشغلت الدولتان بالصراع والدفاع عن الذات عوضا عن تقديم النموذج المقنع لإسلام عصري يمثل أشواق الصحوة الإسلامية الحقيقية.لم ينجح الغرب في عزل النظامين بل عزلا أنفسهما حين لم يقدما اجتهادا جديدا من المنظور السني والشيعي،في قضايا تشغل الانسانية كلها مثل الديمقراطية وحقوق الانسان،وقضية المرأة،ووضعية غير المسلمين أو حتي أصحاب المذاهب الاخري. وكانت نتيجة هذا الاخفاق أن واجه النظامان معارك في الداخل والخارج ،وفقدا ميزة وحدة الجبهة الداخلية وهما في أشد الحاجة اليها عندما يكون العداء مع الخارج مشتعلا.
ولايكفي في هذا الوضع، قذف تهم العمالة والخيانة علي المواطنين المعارضين.هذا خلل عظيم في تركيبة وبناء النظامين: جمع المواطنين حول سياسية قومية موحدة.ومن الواضح الاهمال الكامل للاوضاع والمشكلات الداخلية.وهذا شكل للسياسة القديمة القائمة علي شعار: لا صوت يعلو صوت المعركة! وهي سياسة تهدف الي الاسكات التام لأي صوت معارض أو مخالف باعتبار أن الدولة أو الأمة في حالة حصار وعدوان من الخارج. وأي صوت أو موقف معارض في هذه الظروف يصب في مصلحة العدو، وبالتالي يستحق كل العنف والعسف والقمع.وقام النظام بانتهاج أغرب سياسة عرفتها البشرية.وهي أن يكون المسرح الاساسي للعمل السياسي هو العالم الخارجي كله وليس الوطن.ومن هنا جاءت أهمية زيارة نجاد للسودان.
ينطبق علي الزيارة القول: إن المصائب يجمعن المصابينا! فقد تكرر الحديث عن المهددات التي تواجه البلدين وتعود كلها للخارج.وفي تحليل للمشكلات السودانية الداخلية الراهنة في جنوب كردفان والنيل الأزرق،لايتحمل النظام السوداني أي مسؤولية، نقرأ: -" بؤر التوتر في الخرطوم لايمكن فصلها عن آلية اليد الدولية،وعبثها في الداخل".(صحيفة الوان السودانية25/9/2011) ورغم الحديث مباشرة عن تضخم الاقتصاد السوداني وعجز الميزانية العامة أثر خروج عائدات البترول؛وهذا ما يهم الداخل السوداني. ولكن الطرفين تهربا من مواجهة المشكلات ولم توقع أي اتفاقيات،رغم أن السودان كان يتوقع الكثير من الدعم الاقتصادي من ايران النفطية. ولكن(نجاد) قفز الي الحديث عن"حكومة التوحيد العالمية." ونسي(البشير) همومه الاقتصادية، ليعلن في حماس:-" وقوف السودان في الخندق الإيراني". وتلي ذلك تأييده غير المشروط لمشروع إيران النووى.
أخطر ما في الزيارة، هو إعلان عودة السودان للحديث عن دوره الرسالي وهو مثقل بالمشكلات والأزمات الداخلية المتفاقمة. فقد وعدا بالتزامات أكبر من قدراتهما،يقول البيان الختامي:-"ايران والسودان سيقفان معا دفاعا عن العالم الإسلامي واستقلال المنطقة".وكان السودان قد تورط في بداية تسعينيات القرن الماضي في سياسة أممية إسلامية من خلال المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي ثم فتح حدوده لكل الاسلاميين المعارضين في العالم ومنحهم جوازات سفر سودانية (بعضها دبلوماسي لراشد الغنوشي) واستضاف بن لادن وكارلوس.ولكن النظام لم يصمد أمام الضغوط لأنه لم يكن جادا أصلا ومجرد المناورة والتهويش، وتراجع بطريقة غير منتظمة ومخجلة عندما رفعت امريكا الكارت الاحمر.فقام (الترابي)عرّاب الاممية،سريعا بالتخلي عن افكاره ثم اعقبه الجهاز التنفيذي باغلاق مقار المؤتمر الشعبي وايقاف الاجتماعات واللقاءات.ولم يتوقف عند هذا،فقد قام النظام بطرد بن لادن وجماعته خارج السودان دون أن يصفي أعماله التجارية ويرتب حقوقه.وتبع ذلك تسليم(كارلوس) للمخابرات الفرنسية.ودخل جهاز الأمن السوداني في صفقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية،سلمها بموجب ذلك قوائم بمعلومات شاملة عن الاسلاميين الذين تعاملوا مع السودان.
هل يمكن أن تتوقع ايران بعد كل هذا التاريخ السوداني في العداء للامبريالية،أن تجد في السودان حليفا يعتمد عليه؟بادر بعض قادة ومنظري النظام باظهار أن"ثوابت" النظام الاولي مازالت صامدة.فعاد(امين حسن عمر)لتأكيد نجاح المشروع الحضاري، بينما كان أول من نقده في هيئة الأعمال الفكرية.ويشير(نافع علي نافع)الي ان الشريعة هي المستهدفة.وهذا حديث لطمأنة ايران أن شعلة الايديولوجيا الاسلامية مازالت مشتعلة في السودان.ولكن(ايران)لن تتمسك كثيرا،وسوف تتجاوز التدقيق في جدية النظام السوداني، لأنها في حاجة ملحة لبديل عن الأسد وسوريا.وهدف الطرفين ابتزاز دول الخليج العربي.وقد ابدت مملكة البحرين ضيقا من هذه العلاقة ،بسبب علاقاتها الخاصة مع السودان ووجود جالية سودانية صغيرة ولكنها محترمة في البحرين.ولكن مثل هذه المواقف ليست غريبة علي النظام.فقد وقف ضد كويت عبدالله السريع (السفير المحب للسودان) مؤيدا للاحتلال الصدامي للكويت.
يري البعض في هذا التحالف الجديد حصارا لمصر والخليج،ودار حديث عن تهريب ايران لاسلحة وصواريخ من ليبيا.ورغم النفي القاطع لهذا الأمر ولكن دليل قلق وتخوفات.واخشي أن يكون النظام السوداني وهو يعمل علي تصدير أزماته للخارج يقع في مطبات قاتلة تكشف عن حقيقة ذكائه وقدرته علي المناورة والخداع.ولكن من ناحية اخري،لم يعد النظام راغبا في مناقشة أي قضية داخل البلاد،فهو يفضل الوسطات من الخارج،وجماعات الحكماء،واصدقاء الايقاد،ومنبر الدوحة،وابوجا ونيفاشا.وهذا الاعتماد الكامل علي الخارج له مقصد شديد الخبث هو حرمان القوى الوطنية الديمقراطية من المشاركة في معالجة وحل القضايا القومية.ورغم أن هذا العزل والتهميش كان من أهم الاسباب التي ساهمت في فشل اتفاقية السلام الشامل التي انتهت بالانفصال والتوترات الحالية.وهذه سياسة خارجية ضالة عن اصلها وشديدة الاغتراب والغربة لأنها تتهرب للأمام بعيدة عن واقعها ومشاكلها،وتلجأ للشعارات والاوهام والدعاية والتهويش لتراوح الأزمات في مكانها دون حل.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
نجاد وإثيوبيا والسودان ... دراسة حالة ..
بقلم: خالد التيجاني النور الإثنين, 03 تشرين1/أكتوير 2011 21:17 Share [email protected]
مع الأوضاع الاقتصادية في البلاد الآخذة في التردي والتدهور بوتيرة غير مسبوقة ولا تلوح بارقة أمل ولا أفاق واضحة للخروج من مأزقها الخانق, لماذا يظل الحكم مصراً على إدارة سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية على نهج ثوري هتافي عفى عليه الزمن لا يدفع غائلة ولا يجلب مصلحة تقيل عثرة البلاد وهي تواجه أخطر تحديات تمر بها في تاريخها الحديث, تم تقسيم أرضيها جرياً وراء سراب سلام لا يتحقق ولا ليوم واحد, وأسوأ من ذلك سنت سابقة لتشرذم ما تبقى منها, وحالة اقتصادية مأزومة بدأت تظل نذر عواقبها بأسرع مما كان منتظراً, وبأخطر مما كان يتوقعه حتى أكثر المحللين تشاؤماً.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة والمعقدة يحتاج السودان لمن يمد له يد العون الحقيقية التي تعين على تجاوز مزالق هذه المرحلة الحرجة بأقل الخسائر الممكنة, وما يحتاجه السودان عاجلاً وبلا أبطاء دعماً اقتصادياً مؤثراً في تغيير المعادلة الراهنة المختلة بقوة جراء استقلال الجنوب بلا حسابات اقتصادية راشدة من الحكم في الخرطوم الذي انتظر الوقوع في براثن الكارثة بلا تبصر مهدراً وقتاً ثميناً لا في التحسب لمآلات التقسيم الخاسرة كما كان يراها كل ذي بصيرة, بل أضاعه في التسابق في الإدلاء بتصريحات متواترة لنافية لأي تأثيرات سلبية لذلك مصدقين حمالي الحطب من دعاة التقسيم, انفصالي الشمال, الذين وعدوا مواطنيهم بأمان كذوب أن الشمال سيصبح جنة رضوان ما أن ينزل عن كاهله "أوشاب الجنوب", ويبدو اننا لم نستبن الرشد حتى بعد أن مر ضحى الغد, ومقتضى الرشد أن كل فشل يورث حكمة.
بالأمس مر الرئيس الإيراني الدكتور محمود أحمدي نجاد بالخرطوم في زيارة وهو في طريق عودته من نيويورك إلى بلادته بعد مشاركته في أعمال الجمعية العامة لأمم المتحدة, وهو بالتأكيد محل ترحيب واحترام, ولكن إقرأ, يا هداك الله, البيان المشترك في ختام المحادثات بين رئيسي البلدين, وتأمل في التصريحات والمواقف السياسية التي رافقت الزيارة, ولك أن تعجب, هل هذا ما نحتاجه في السودان على الأقل في هذا الوقت العصيب, فقد احتشدت بالتصريحات السياسية النارية عن دول الاستكبار, والمؤمرات الغربية والتدخلات الأجنبية في المنطقة, كل هذا حسن ولا اعتراض عليه ولا خلاف حوله, ولكن لماذا وقف حمار الشيخ في العقبة حين جاء الحديث عن الاقتصاد والتعاون بين البلدين, فقد حمل البيان عبارات فضفاضة ومعممة لا تتعدى إثبات حسن النية ولا تدلف إلى عمل حقيقي وفاعل ما يسهم حقاً في رتق ثقوب العلاقات الاقتصادية الواهنة بين البلدين على ال غم من كل الحديث المعسول عن متانة العلاقات وتحالف حكومة "التوحيد", ولم يزد الحديث في شأن الاقتصاد عن فقرة يتيمة لا تفصح عن شئ ذا أهمية تذكر ب"الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين في الاجتماع العاشر للجنة الاقتصادية المشتركة وضرورة متابعة وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة, والسعي من أجل البحث عن سبل لتطوير العلاقات الثنائية لا سيما في المجالات الاقتصادية والصناعية والتقنية". ومن يعرف خبايا وحجم التعاون الاقتصادي المحدود للغاية بين البلدين, يدرك تماماً أنه لا يضاهي بأي حال جدوى وكلفة العلاقات السياسية الظاهرة متانتها دون مردود ذا بال.
والحق أنه لا تثريب هنا على إيران فهي دولة تدرك مصالحها جيداً وتعرف كيف تخدمها, ولماذا نلومها إذا نجحت في تحقيق ما تبتغيه من علاقات مع السودان بأقل كلفة ممكنة, ولئن جاز أن تنشأ العلاقات بين المجتمعات والأفراد على قيم لا تبتغي بالضرورة منافعة مباشرة إلا المودة, فإن شأن العلاقات بين الدول يقوم على جلب المصالح ودفع المخاطر, ولا مكان فيها للصداقة من أجل الصداقة, بل تعرف لغة المصالح الدائمة. ولكن حتى متى يدير الحكم سياساته الخارجية وعلاقاته الدولية بظنون الهواة وليس بأجندة الاحتراف, وما قيمة العلاقات الخارجية إذا كان ضررها أكبر من نفعها, أو لا تجلب مصلحة أصلاً, وقد كانت قمة المفارقة في هذا النهج حين اعتبر مسؤول رفيع أن "الطلب من الصين استخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح السودان", بأنه "عبث"!! فإذا كانت لا ترجو من أوثق حليف تظنه في جانبك أن يذهب معك إلى أبعد مدى في دعمك في أهم محفل للقرارات الدولية, فما فائدة أن تحسبه حليفاً ترهن له كل مواقفك, ألم تستخدم بكين الفيتو لصالح زيمبابوي من أجل مصالحها مع جنوب إفريقيا, وهي التي بخلت بالفيتو على الخرطوم حتى وجد رئيس البلاد نفسه مطلوباً من المحكمة الجنائية الدولية في سابقة تاريخية لرئيس وهو لا يزال في سدة الحكم في أبلغ دليل على مدى عقم سياسة البلاد الخارجية, وهو في الحقيقة لا يعدو إلا أن يكون وجهاً آخر لأزمة وفشل السياسة الداخلية التي قادت إلى ذلك كله. حين ههممت بكتابة هذا المقال لم يكن وارداً في ذهني ما ذهبت إليه آنفاً من تعليق حول مردود زيارة الرئيس الإيراني للخرطوم, إذ ليس الهدف التحفظ على العلاقة مع إيران أو الانتقاص من الزيارة ولكن السؤال المهم مطروح للحكم في الخرطوم ما الذي يستفيده السودان من علاقات لا تجلب منافع بحجم ما هو مرجو, ولماذا تدار السياسة الخارجية بغير ما يحقق المصالح والمكاسب الاقتصادية التي تستحقها البلاد لا سيما في ظل ظروفها الحالية البالغة التعقيد والتي تحتاج لإسعاف عاجل. فقد كنت عزمت الكتابة عن موضوع آخر ولكنه في المحصلة هما وجهان للأمر نفسه, فقد حملت أنباء مطلع هذا الاسبوع خبراً مثيراً رفعت معه حاجب الدهشة, فقد جاء أن حجم الاستثمارات السعودية في إثيوبيا تنامي حتى فاق الثلاثة عشر مليار دولار, أكرر ثلاثة عشر مليار دولار, وكدت أشكك في صحة الخبر لولا أنه ورد من مصدرين مختلفين, والأهم من ذلك أنهما موثوقان في أخبار المملكة العربية السعودية, فقد أوردت هذه المعلومة كلاً من صحيفة "الشرق الأوسط" وقناة وموقع "العربية نت" ومرجعية كلاهما في الشأن السعودي ليست محل شك.
وجاء في الخبر نقلاً عن مسؤول إثيوبي رفيع أن حجم الاستثمارات السعودية في بلاده يقدر بنحو 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار)، مبينا أن معظم المستثمرين السعوديين في إثيوبيا تصب استثماراتهم في المجال الزراعي. وقال مروان بدري، القنصل العام لإثيوبيا في مدينة جدة (غرب السعودية) إن بلاده ترحب بجميع المستثمرين السعوديين من خلال توفير الأراضي الزراعية التي تتميز بها بلاده، مؤكدا أن عدد التأشيرات التي تمنح للسعودية تجاوزت في بعض الأحيان 100 تأشيرة يوميا من بينهم مستثمرون في عدد من المجالات الزراعية. وذكر بدري خلال حفل أعدته الجمعية الزراعية للمستثمرين السعوديين في إثيوبيا الأسبوع الماضي أن بلاده دخلت في المنافسة الإقليمية والدولية لجذب المستثمر السعودي الذي بدأ في الانطلاق استنادا إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الخاصة بتوفير الأمن الغذائي. وأضاف "الآن لدينا عدد من المستثمرين السعوديين الذين لديهم أراض لزراعة الأرز معظمهم جاء السنتين الماضية، وقد أخبر رئيس الوزراء ميليس زيناوي أن إثيوبيا جاهزة لتشجيع الاستثمارات السعودية في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني وغيرها من المجالات الاقتصادية", مؤكداً "دعم الجمعية الزراعية وتذليل كافة الصعوبات التي قد تواجه المستثمر"
. والأمر اللافت في الخبر غير الحجم الكبير للاستثمارات السعودية في إثيوبيا, أنها بلغت في المجال الزراعي إلى درجة تشكيل "الجمعية الزراعية للمستثمرين السعودية في إثيوبيا", والتي ذكر رئيسها محمد عبد الرحمن الشهري أنها تأسست منذ ستة أشهر وتعتبر أول جمعية يتم إنشاؤها في الخارج ومتخصصة في الاستثمار الزراعي مقرها في العاصمة أديس أبابا وتهدف إلى "تذليل العقبات وفهم القوانين التي يحتاجها المستثمر الزراعي في إثيوبيا، ووقيع اتفاقية مع الجهات الرسمية في إثيوبيا لضمان حقوق المستثمر السعودي بما ينعكس ذلك إيجابيا على حجم الاستثمار في الأيام المقبلة". وأضاف رئيس الجمعية: «نعلم أن الأمن الغذائي في العالم أصبح هاجسا لأكثر الدول سواء المستوردة أو المصدرة، لذلك فنحن حريصون من خلال إنشاء هذه الجمعية أن نوصل رسالتنا إلى المستثمر باختيار الدولة المستهدفة للاستثمار وإعطائهم كافة القوانين فيها التي تسهل عليهم كافة الإجراءات الحكومية في تلك الدولة، حيث قمنا في دولة إثيوبيا بتوفير مركز معلومات عن المناطق الزراعية وعدد من المكاتب المعتمدة لإعداد الدراسات وتوفير الرحلات للاطلاع على مواقع الأراضي الزراعية لاختيارها ومن ثم تسلمها". وقال الشهري إن الجمعية ستقوم بخدمة جميع المستثمرين سواء في القطاع الزراعي أم في قطاع الثروة الحيوانية، إذ من المتوقع أن يتجاوز عددهم جميعا أكثر من 400 مستثمر، مشيرا إلى أن هذه الاستثمارات من المتوقع أن تحقق نجاحا كبيرا عقب حل معظم العقبات التي كانت تعترض عملهم، خاصة أنه قد تم توحيد النظام القانوني في إثيوبيا بعد أن كان هناك اختلاف من ولاية لأخرى ولكل ولاية قانون للتعامل مع المستثمر والآن قد انتهت تلك الفروقات. ودعا الشهري إلى ضرورة الدعم من قبل وزارة التجارة السعودية، والعمل على تنشيط عملها بما يخدم المستثمر في بلد الاستثمار، خاصة أن اتجاه المستثمرين الزراعيين إلى الاستثمار في الخارج جاء نتيجة مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتشجيع الاستثمار الزراعي في الخارج، والتي تهدف إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي، وبناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم.
وتصيبك الحسرة إذ تتساءل أين السودان من هذا؟, وهو الذي كان يدخر سلة لغذاء العالم, فإذا هو عاجز حتى عن إطعام نفسه, يشكو مواطنوه مر الشكوى من غلاء فاحش "كالعير في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول", وأعجب من ذلك أن ربع فاتورة الواردات تذهب لاستيراد الغذاء من موارد نقد أجنبي شحيحة. هل من فشل وسوء إدارة أسوأ من ذلك, وقد أقر مسؤول سوداني رفيع ذات مرة ان المملكة العربية السعودية حين ابتعثت وفداً فنياً إلى السودان ضمن دول آخرى لترتيب أولويات الدول التي ترغب السعودية للاستثمار فيها, عاد ليضع السودان في ذيل تلك الدول المستهدفة بالاستثمار السعودي بسبب سوء بيئة الاستثمار فيه, ومع ذلك لم تتحرك الحكومة لفعل موجب وهي مدركة لذلك متفرجة ولا في عجلة من أمرها, وفي عالم أصبحت الدول حتى الكبرى منها تتسابق لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فيها بقي السودان مغرداً خارج السرب لأنه لا يزال مصراً على إدارة الشأن الاقتصادي بعقلية الفهلوة والهتافات الفارغة المضمون التي لم تفلح في إدارة الشان السياسي وكان عاقبتها خسراً وها هي تنعكس وبالاً على إدارة الاقتصاد المنكوب بسوء السياسات وسوء الإدارة واستشراء الفساد.
ويشكل الفرق بين إثيوبيا والسودان حالة دراسة فريدة ومفارقات لا تنتهي, فالاستثمارات السعودية الضخمة لم تعرف طريقها إلى إثيوبيا إلا في غضون السنوات القليلة الماضية بفضل الإدارة الفعالة للاقتصاد في إثيوبيا والذي جعلها تتفوق بكثير على السودان على الرغم من كل مميزاته التفضيلية بسبب العجز الحكومي عن الإدارة الناجعة للاقتصاد, صحيح أن هناك بعض الاستثمارات السعودية في السودان لكنها بأي حال لا تقارن بحجمها في إثيوبيا, وقد حاولت الوقوف على تفاصيل الاستثمارات السعودية في السودان لكن هالني مدى غياب المعلومات وتضاربها ما هو متوفر منها, فضلاً عن أن هذه الاستثمارات على قلتها في السودان تعاني الأمرين وأصبحت طاردة لدرجة ألا أحد يفكر بالتورط بالاستثمار في بلد يعجز مسؤولوه عن تحريك طاقاته الكامنة الضخمة. من الواضح أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها السودان ليست سوى انعكاس لأزمة الحكم السياسية, ولا صلاح لأحدهما إلا بالآخر, وما من حل إلا بإصلاح سياسي شامل وتغيير جذري في إدارة شأن الحكم.
عن صحيفة إيلاف السودانية 26 سبتمبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
ممكن جدا ..
بقلم: د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2011 19:33
تناقل عددا من صحف الخرطوم الصادرة السبت الاول من اكتوبر تصريحا لوزير الخارجية السوداني ادلي به في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي الن جوبيه، يقول التصريح "... ان العالم لا يمكن ان يقف ببساطة متفرجا واقتصادنا ينهار..). المحمدة في هذا التصريح هو انه الاول لمسئول حكومي كبير يعترف علنا وبشكل صريح وعلي منبر محضور دوليا بان الاقتصاد السوداني ينهار. لكن السؤال هو كيف ولماذا انهار الاقتصاد السوداني؟ من الذي تسبب في الانهيار؟ هل السبب الوحيد لانهيار الاقتصاد هو انفصال الجنوب ولا شيء سواه؟ السؤال الثاني ما الذي يمكن للعالم ان يفعله ليمنع الانهيار الاقتصادي للسودان؟ ما هي متطلبات اي تدخل دولي ايجابي للمساعدة في وقف التدحرج السريع للاقتصاد السوداني في هاوية لا نهاية لها؟
من ما اوردته بعض صحف الخرطوم (انظر،الصحافة ، السبت، 1 اكتوبر 2011م)، يبرز تركيز وزير الخارجية علي اعفاء الديون المستحقة علي السودان والتي تكلف خدماتها السنوية حسب الوزير اكثر من مليار دولار. هذا الملف كان مفتوحا منذ فترة طويلة ضمن عدة اوجه منها مبادرة الدول الاشد فقرا المثقلة بالديون ( HIPCs) ، التي استفادت منها اثيوبيا، كمثال وحصلت علي الاعفاء منذ العام 2005م. الاعفاء يعتمد علي موافقة الدائنيين المشروطة بحزمة من الاجراءات السياسية المطلوب من السودان الوفاء بها. جانب اخر يعوق تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي هو الخاص بالعقوبات الامريكية التي تجدد سنويا، وهي تمنع الاتحاد الاوربي من التصرف منفردا بشكل ايجابي مع السودان كما تحجب الاستثمار الاجنبي وتدفق الاموال نحو السوداني لاسباب تعتبر من البديهيات الاقتصادية في الواقع الدولي الراهن.
الملفات العالقة التي تمنع العالم من مساعدة السودان في محنته الاقتصادية كثيرة لكن اهمها علي وجه الاطلاق ملفي الالتزام بتنفيذ المتبقي من اتفاقيات السلام الشامل فيما يتعلق بترسيم الحدود والعلاقة مع الجنوب اضافة الي المناطق الثلاث. اما الملف االثاني شديد الارتباط بالاول فهو ملف الجنائية الدولية. كان من المفترض الاستفادة من الفترة الانتقالية والتعامل بواقعية مع امكانية انفصال الجنوب والعمل علي توظيف عائدات البترول بشكل يتسم بالرشد الاقتصادي. كما كان من المفترض تجنب الحرب وتوسيع رقعة انتشارها بحكمة سياسية تعمل علي معالجة الامور بشكل يقرب من وجهات النظر المتباينة لدرجة الاقتتال. شيء من ذلك لم يحدث بل تم تبديد الاموال وضياع الوقت المناسب لحل المشاكل التي تسببت في الازمة الاقتصادية الخانقة القائمة اليوم. الان وصل التضخم الي مستوي قياسي والجنيه السوداني في تدهور مستمر، تكاليف الانتاج في اعلي المستويات لدرجة ادت الي تعويق الصادرات المتاحة للسودان ومنها علي سبيل المثال اللحوم التي رفضت دول استيرادها لغلاء اسعارها.
في كل الاحوال فان الوزير يعلم جيدا وعورة الطريق الذي يجب سلكه للتخلص من اسباب الانهيار الاقتصادي وهو كما تشير جميع الدلائل طريق في اتجاه واحد يمر عبر التسوية السياسية، ايقاف الحروب والتطبيع مع المجتمع الدولي. اما فيما يتعلق بالديون فبالعودة الي خبر جريدة الصحافة المذكور سابقا نجد فيما اورده من اعلان البنك الدولي تفسير واضح .." .. ان السودان يحتاج لاجراء اصلاحات اقتصادية واسعة حتي يكون (مؤهلا) لاعفاء الديون (الثنائية) باعتبار ان 90% من الديون الخارجية للسودان (ثنائية).."، يفسر ذلك ان اي دولة منفردة حتي ولو كانت فرنسا لا تملك امكانية تيسير اعفاء الديون بدون اتفاق لمجمل الدائنين. ما كان الامر ليحتاج لاعلان من البنك الدولي اذ انه كان بديهيا ومنذ البداية. اذا لم يفي السودان بالاصلاحات الاقتصادية الشاملة والتي تشكل الاصلاحات السياسية الشاملة شرطا اساسيا لها فلن يكون (مؤهلا) لا لاعفاء الديون ولا استثمارات اجنبية معتبرة تفي بالمتطلبات الاقتصادية الملحة، ناهيك ان يكون مؤهلا لعمليات انقاذ اقتصادي كاملة من المجتمع الدولي. في حالة عدم الوفاء بمتطلبات الاصلاح فان العالم لن يقف فقط متفرجا بل ان معظمه سيفرك يديه فرحا وهو يري الاقتصاد السوداني يغرق في لجة الانهيار، هذا الامر ممكن جدا، بل وفي حكم المؤكد، اذا لم تكن مبادرا لانقاذ نفسك فمن الذي يبادر لانقاذك؟
--------------------------
نظام الرئيس البشير فى عزلته المجيدة!! ..
بقلم: د. على حمد إبراهيم
الخميس, 29 أيلول/سبتمبر 2011 06:18
الذين درسوا التاريخ الاوروبى الحديث ، سيذكرهم هذا العنوان مقتبس من ذلك التاريخ الحافل بالعبر، سيذكرهم بعزلة بريطانيا المجيدة فى مضاهاة غير منسجمة فى المقاصد والنتائج . فبريطانيا قررت اعتزال مشاكل العالم والتفرغ لمشاكلها فى اعتزال اعتبرته مجيدا طالما سيوفر لها الوقت والجهد والمال للتصدى لمشاكل شعبها . أما الجنرال البشير ، فقد اختار أن يواجه شعبه والعالم من حوله ، فكان ان اعتزله العالم ، وتركه كالضارب فى البيد الجرداء بلا انيس أو رفيق . لا يزوره ولا يزور احدا . حتى عندما يزور علية القوم بلاده فهم يستنكفون أن يتحدثوا معه . ويتفادونه بما لا مزيد عليه من التهميش الجارح للكرامة . شتان ، اذن ، بين عزلة بريطانيا المجيدة وعزلة الرئيس البشير الخانقة . انها عزلة تسبب الضيق وتجلب اليأس والكدر وتحمل الفرد على اتيان الافعال غير المنطقية . مثل قرار الرئيس البشير الذى اتخذه فى الاسبوع المنصرم بأن يلعب كرت التحالف المكشوف مع ايران على طريقة ( كش ولد) المعروفة لكل من يمارس لعبة الكوتشينة المسلية .
وذلك باعلانه العلنى الدخول فى الحلف الايرانى بخشم الباب الواسع وليصبح بذلك رفيقا لحزب الله ، ولحماس ، ولسوريا ، وللبنان فى التحدير والتحمير لبقية العرب فى المنطقة . صحيح ان نظام البشير كان عضوا عاملا فى الحلف الايرانى منذ مجيئه الى السلطة قبل اكثر من عشرين سنة على ظهر دبابة . ولكنه كان يمارس تلك العضوية على استحياء وتلصص ، ربما من باب الاحتفاظ بفسحة من الأمل . وقديما قال الشاعر " ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل " . الآن نزع المشير المحاصر سياسيا واقتصاديا وقضائيا ، نزع الغطاء عن وجهه فى خطوة تنم عن اليأس والملل من الانتظار الطويل دون ان تلوح فى افقه اية بارقة من أمل . أم تلك كانت هى وصية دهاقنة السياسة الخارجية السودانية . ان تكن تلك هى الوصية الدبلوماسية و حسبتها ، فهى وصية وحسبة بائسة . فهى ستزيد طين الرئيس البشير بلة على بلله القديم . انها حسبة مقامرة ، ستخرب للرئيس وللنظام من بعده ، ما بقى له من علاقات رهيفة و محدودة على الساحة الخارجية . خسارة الساحة الخارجية هذه تأتى فى اعقاب انسداد كل الطرق امام النظام على صعيد جبهته الداخلية التى تهددها ثلاثة حروب قد تقود أى واحدة منها النظام الى المقصلة والفناء . ورغم ذلك يمضى الرئيس فى تخبط غريب غير عابئ بالمآلات الخطيرة التى قد يجد نفسه فيها وليس امامه من سبل كثيرة للنجاة .
لقد فشلت محاولات النظام لفتح مسارات جديدة مع جبهته الداخلية قد تتيح له رفع بعض المطبات السياسية بصورة قد تعطيه فسحة من الوقت ليدبر ما يمكن تدبيره . محاولات عديدة بذلها النظام مع خصومه فى الداخل . ولكنها جميعا لم تجد نفعا . وقوبلت ببرود شتوى قارص من ثقل اهانات النظام لخصومه على مدى السنين وتخوينهم وتحقيرهم . اكبر محاولات النظام للخروج من عزلته السياسية الداخلية بذلت مع حزب الأمة . وهو حزب الاغلبية البرلمانية التى اطاحها الرئيس البشير فى انقلابه المشئوم فى الثلاثين من يونيو من عام 1989. نقول مشئوم لأنه نفذ فى نفس اليوم الذى كان ستجيز فيه حكومة الوحدة الوطنية التى شكلت من جميع الاحزاب الممثلة فى البرلمان فى الساعة الثانية بعد الظهر فى الثلاثين من يونيو من عام 1989 ( يوم الانقلاب !) ستجيز فيه اتفاق الميرغنى – قرنق . ثم يجيز البرلمان فى الرابع من يوليو الاتفاق فى صورته النهائية . يلى ذلك عقد المؤتمر الدستورى فى الثامن من سبتمبر . كل ذلك ولا مواد تفاوضية حول تقرير المصير او الانفصال . نقول انقلاب مشئوم لأنه فتت السودان بفصل الجنوب اليوم . وقد تذهب دارفور وكردفان وجنوب النيل الازرق غدا . فالجنرال البشير ما زال غير قادر التحدث بلغة السلام والوفاق . لأن فاقد الشئ لا يعطيه . و لعله من سخرية اقدار السودان السياسية ان العميد البشير ( يومها ) قال ان اتفاق الميرغنى – قرنق المزمع كان سيهدد وحدة الاراضى السودانية . ويعطل تنفيذ احكام الشريعة الاسلامية . و لكن فاجعة الفواجع المؤلمة ان نقلاب البشير وليس اتفاق الميرغنى – قرنق هو الذى فصل الجنوب بالفعل . و يهدد بصورة جدية بفصل اقاليم اخرى فى ظل ضعف حكومة البشير المركزية الذى صار مضربا للامثال فى الوقت الحاضر . لقد مزق انقلاب العميد البشير النسيج الاجتماعى والسياسى بتمزيقه وتفتيته للقوى السياسية الفاعلة . واضعف النسيج السياسى والديمقراطى بحل الاحزاب وزج قادتها فى السجون ومصادرة ممتلكاتها ، وتشويه تاريخها الوطنى ووسم قياداتها بالخيانة الوطنية وتحقيرها . الآن طارت السكرة وجاءت الفكرة .
واصبح النظام العنجهى يطارد الاحزاب المعارضة لتأتى وتشترك معه فى الحكم . والاصح ان يقال تأتى لتاخذ نصيبها من جريمة تفتيت الوطن التى ارتكبها النظام اثناء تغييبها القسرى . ولكن الاحزاب التى طردتها الانقاذ من الحياة السياسية لاكثر من عقدين من الزمن قررت عدم الزج بنفسها فى السفينة التائهة فى عرض البحار. رئيس حزب الأمة – السيد الصادق المهدى - الذى طرده انقلاب العميد البشير من منصبه سخر من دعوة حزبه الدخول فى حكومة عريضة مع حزب الرئيس البشير سخرية قاطعة. ووضع شروطا لن يستطيع حزب السيد البشير الاستجابة لها . حزب الأمة تحديدا يبدو اشد زهدا فى الدخول فى شراكة مع حزب السيد البشير . وبدا ان الحزب العريق لم يستطع ان ينسى ما تعرض له من مماطلات متتالية من قبل الانظام فى اتفاقيات (جيبوتى) و(التراضى ) و(نداء الوطن). حقيقة الامر هى ان جميع احزاب المعارضة صعب عليها ان تتصالح مع ما حدث فى التاسع من يوليو 2011 حين اجبر السودانيون الجنوبيون على اعلان دولتهم المستقلة بسبب الوقاحات والاستفزازات التى تعرض لها السودانيون الجنوبيون وجعلتهم يحملون اشياءهم ويغادرون الربوع التى عاشوا فيها لقرون ، بحثا عن موطن يجدون فيه كرامة الموطئ ، وان غابت عنه ايجابيات العيش الضرورية الى حين . لقد انزلوا علم الدولة الأم من صاريته العالية. وكانوا فيه من الزاهدين . كان ذلك تصرفا محزنا لهم و لاخوانهم فى الدولة الام . ولكنهم اضطروا الى ذلك الموقف الذى لم يحسب حسابا للوشائج التاريخية والاجتماعية والثقافية التى امتزجت بدماء الشعب السودانى بطرفيه الشمالى والجنوبى . ليت الشعب السودانى كان قادرا على اسماع صوته لاخوته فى كل ارجاء الجنوب ليقول لهم ان الدولة الأم التى انزل علمها من صاريته العالية ليست مسئولة عن آثام الفئة الباغية وافعالها الماكرة التى جعلت استمرار الوحدة بين طرفى البلد الواحد مستحيلة. الماكرون منهم يعترفون هذه الايام لاجهزة الاعلام العالمية بأنهم كانوا يعملون على انفصال منذ البداية وقد تحققت رغبتهم الآثمة . الدولة الام التى انزل علمها غير مسئولة عن السفالات السفلية لأنها اختطفت بليل على يد الكجور الكبير فى لحظة نامت فيها نواطيرها .
واسقى تلاميذ الكجور الكبير الشعب السودانى كؤوسا مترعة من الحنظل المر . وهدم الكجور بحربه الجهادية المكذوبة فى الجنوب كل الصروح الاجتماعية والتاريخية والثقافية بين ابناء الشعب الواحد . و انتهى بنا ذلك الفصل الماكر الى فصل الجنوب عن الشمال، والى قتل عشرات الالوف من الأنفس البريئة . والى ان تهيم على وجوهها فى الدياسبورا القاسية عشرات الالوف من الاسر السودانية ، بعد ان حرمت وحرم اطفالها من رزقهم وارزاقهم . لقد هاموا الوفا الوفا فى الدياسبورا القاسية والوهاد ، ينادى بعضهم البعض من خوف ومن جزع أن إنج سعد ، فقد هلك سعيد. حرب العبور الجهادية التى اهدرت مقدرات الدولة الأم على ضآلتها كانت نتيجتها الحربية والسياسية صفرا كبيرا على الاصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية. ووضحت وعظمت الخيبة المزدوجة عندما تسربلت الحقيقة من لسان الشيخ الكجور . حين بدل الكجور الشيخ ميسم قتلى حربه الجهادية بالأمس من شهداء يعقد لهم الزيجات على الحور العين الى " فطايس" فى البريات الجرداء التى تصرصر فيها الريح والانواء فى سهول الحنوب ووهاده وهى غافلة عن حملها من الشهداء المخدوعين الذين قبرهم تلاميذ الشيخ الكجور بالأمس وسط التهليل والتكبير . لو يعرف المخدوعون والمغرر بهم من شهداء الامس ، وفطايس اليوم ، من الذين قدموا ارواحهم مهرا لحور الجنان بزعم الكجور الكبير ،لو يعرفون حجم الخديعة وحجم الفاجعة الاخلاقية فى دولة الصحابة المليونيرات ، لتململوا فى لحودهم. ولدعوا بالعذاب على الذى كان السبب فى موتهم المجانى.
الآن وقد صار الوقت متأخرا على شهداء الأمس و( فطايس) اليوم لتصحيح ما يمكن تصحيحه ، كان الامل ان يفتح الاكتشاف الفاجع أعين الاحياء من تابعى حكام السودان (الفضل ) حتى لا يضيفوا الى حطام الشعب النفسى الذى جيره نظام الحكم المغلق . ولكن الامل شئ . والواقع شئ آخر. فالذى يحدث الآن فى السودان (الفضل) هو نقيض مغاير تماما لهذا الأمل . فالشعب السودانى يشاهد فى هذه اللحظات الحزينة ، يشاهد معمعتين حربيتين عبثيتين جديدتين فى جنوب كردفان . وفى جنوب النيل الازرق . فى هذه الفرجة المجانية ، يبدو شعب السودان عاجزا عن فعل شئ ذى بال لانقاذ نفسه من براثن ضعفه ووهنه . و لم يعد امامه الا التسليم باقداره التى لا يطلب ردها بقدرما يطلب اللطف فيها . فالمجموعة الحاكمة فى الخرطوم ، بافتراعها لهذه الحروب الجديدة فى النيل الازرق وجنوب كردفان تؤكد على ما باذنيها وعينيها من صمم وعمى . و تؤكد على عدم قدرتها فى فعل أى شئ تنقذ به ما يمكن انقاذه فى الوطن المتبقى الذى ينحدر سريعا نحو المزيد من التشظى .
لقد كان الظن ان تكون فجيعة الشعب السودانى الكبرى التى حدثت فى التاسع من يوليو الماضى محفزا كبيرا للمجموعة الحاكمة لكى تعمل بصرها الحديد حتى ترى المأزق الذى وضعت فيه السودان بلدا وشعبا . ومن ثم تعمل من اجل الانسحاب من حروبها الخاسرة التى لم تقطع بها ارضا .ولم تبق بها ظهرا . ولكن هذا الافتراض العقلانى لم يحدث . بل حدث العكس تماما . وبان للجميع حجم المحنة السودانية الكبير الذى لا تحتاج رؤيته والتثبت منه ، الى عيون زرقاء اليمامة. أخ . . . . يابلد المرهقين الحزانى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
على إسماعيل هنية إن يستحي ويعتذر!! ..
بقلم: تيسير حسن إدريس الأربعاء, 05 تشرين1/أكتوير 2011 12:57 Share
الوصف الذي أطلقه رئيس الحكومة الفلسطينية المُقَالة إسماعيل هنية على دولة جنوب السودان بأنها (دولة لقيط) يفضح ما في إنائه القذر ولا أدري السبب الذي دفع الرجل الذي يرزح شعبه تحت الاحتلال منذ أكثر من ستين عاما لترك مشاكل شعبه العديدة والمعقدة وتناسى العدو الحقيقي الجاثم على صدره وعار احتلال أرضه كآخر أرض محتلة على وجه البسيطة ويتفرغ لإفراغ ما في جعبته النتنة من أوصاف ولغة قبيحة لم يعرفها العرف الدبلوماسي ولا العلاقات الدولية إلا بعد ظهور تياره ومنظمته الظلامية المسمى (حماس) في المنطقة والتي أصابت حركة التحرر الوطنية في مقتل وعطلت حركة سيرها إلى الأمام يوم تم الاعتراف بها كتيار مقاومة وليتها كانت على قدر هذه المسئولية التاريخية ولكن هيهات فقد أضحت خنجرا مسموما في خاصرة منظمة التحرير الفلسطينية وعامل فرقة وشتات زادت من معانة وآلام الشعب الفلسطيني المنكوب وها هو رئيس حكومتها المقال يسفر عن وجه العنصري وينضح إناءه الفكري بما فيه من أوساخ.
على السيد هنية أن يعلم أن مثل هذه اللغة الفاسقة والنعوت الفاجرة والتصرفات المتغطرسة هي التي دفعت جنوب السودان وأهله الكرام دفعا لطلب الانفصال والنضال من أجل الحرية والانعتاق من وهم التعالي العروبي الأخرق ولقد ساهم هنية ومنظمته أسوة بمعظم العرب في صنع هذه الفاجعة الكبرى التي أصابت شعب السودان في صميم عزته وسيادته الوطنية وذلك بارتباطهم بنظام الإنقاذ الحاكم وجر قادته لتبني مشاريع مدمرة من نسج التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لم يكن لشعب السودان في الشمال والجنوب ناقة فيها ولا جمل، عقدت حياته وضعضعت وحدته وأزرت أحلامه في الاستقرار والتقدم والرفاهية أدراج الرياح.
إن التوصيات التي كان يحملها (الأخ) خالد مشعل المسئول السياسي الأول لحماس ويبث سمومها في آذان قيادات الحزب الحاكم في زياراته المتعددة للخرطوم ويقبض نظير ذلك ملايين الدولارات من حر مال وخيرات البلد التي يصفها اليوم (باللقيط) هي من الأشياء الأساسية التي قادت لهذا المصير المحزن والواقع المر الذي يتباكى عليه العربان اليوم ومن نافلة القول التذكير بأن الأموال التي كانت تستقطع من قوت بسطاء السودان ومعدميه وتدفع من قبل النظام الحاكم لمنظمة (حماس) لتمويل معركتها العبثية ضد السلطة الفلسطينية الشرعية برام الله، لو وجهت وجهتها السليمة لأعمار البلاد وتنمية الجنوب ورفاهية أهله لما آل حال السودان إلى ما هو عليه الآن.
أن الغضبة المضرية للسيد هنية على دولة جنوب السودان ونعتها (بالدولة اللقيط) ليس لها ما يبررها سوى أنها امتداد لنهج الاستعلاء العروبي العنصري وإن كان يبرر لغضبته بالعلاقات الدبلوماسية التي تبادلها قادة الجنوب مع الكيان الصهيوني فهي ليست سببا كافيا لأهانة دولة مستقلة ونعتها بهذا الوصف ال###### وليعلم هنية ومن يقف خلفه من العرب العاربة والمستعربة أن شعب الجنوب وحكومته ملمين بالحوارات السرية التي تعقد في الليل مع قادة من يوصف في النهار جهرا بالعدو!!.
فالأعلام الصهيونية التي ترفرف في سماء عواصم بعض الدول العربية، ومكاتب التمثيل التجارية المشرعة في البعض الآخر، والجانب المخزي من هرولة أنظمة عربية بعينها، طالما شنفت آذاننا بشعارات العداء السافر للعدو، بينما تبطن الوله وتقطع الأنفاس راكضا لإقامة علاقات معه، كشفها موقع ويكليكس في تسريباته الأخيرة، كافية لدحض هذه الحجة، وقطع لسان كل مدعٍ، فالذي بيته من زجاج لا يقذف الآخرين بالحجارة، فليس هناك دولة عربية اليوم مؤهلة أخلاقيا أو سياسيا لمحاكمة دولة الجنوب؛ لإقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، رغم إيماننا العميق بأن مثل هذه الخطوة ليست في مصلحة الدولة الجنوبية الوليدة، ونرجو صادقين أن لا يتورط قادة الجنوب في علاقة تعاون مع الكيان العنصري الغاصب، بَيْدَ أن القرارَ يظلُّ قرار حكومة الجنوب وشعبها وهم أدري بمصالحهم وعلينا في كل الأحوال احترام خياراتهم وعدم دس الأنوف في الشئون السياسية لدولتهم المستقلة.
ويجب أن يعلم السيد هنيئة وبقية الأعراب ومن لف لفهم من مستعربة السودان بأنه مهما حدث من انفصال سياسي بين الجنوب والشمال إلا أن شعب السودان كان وسيظل شعبا واحدا تربطه أواصر القربى والرحم والدم والمصير المشترك ويظل ما يجمع الإنسان في الشمال والجنوب أقوى وأرسخ من أن تشوهه أو تزيله محض قرارات سياسية فرضتها ظروف وأجواء غير صحية عابرة وستبقى جذوة الحلم ببناء السودان الجديد الموحد متقدة في قلوب المخلصين من أبنائه حتى يتحقق شاء من شاء وأبى من أبى 05/10/2011م تيسير ادريس [tai2008idris
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
اهتداءً برأي الرئيس، الشعب يريد مقاطعة النظام د.سعاد ابراهيم عيسي
من الملاحظ أنه، ما من مشكلة يتعرض لها الوطن أو المواطن، أو كلاهما معا، إلا وينشط المسؤولون لا في اتجاه البحث عن طرق المعالجة، ولكن للبحث عن المشاجب التي ستعلق عليها كل مشكلة. فهل سمعتم يوما بأن مسؤولا ما قد اعترف بخطأ قد ارتكبه، مهما كانت نتائج ذلك الخطأ وتأثيراته السالبة على الوطن والمواطنين؟ وعدم الاعتراف بالفشل أو الخطأ، لا يعنى أكثر من الإصرار على الاستمرار في السير على ذات الطريق الذى أوصل إليه. فالحكومة ظلت وعلى مدى عمرها المديد في السلطة، ترجع كل مشكلات السودان لكونه مقصودا من دول الاستكبار بسبب طمع?تلك الدول في خيراته بظاهر الأرض وباطنها، تلك الخيرات التي لم يحصد ثمارها المواطن صاحب الحق فيها، بل استأثرت بها القلة التي جعلت وراء كل مشكلة مؤامرة، خارجية كانت أو داخلية. وبما أن مشكلات الوطن والمواطنين لا تحصى ولا تعد، فالعمل على جعلها جميعها نتاجا لمؤامرات، يعنى تهرب النظام من مسؤوليته تجاهها لتجنبها مستقبلا، السبب الذى أدى إلى تفاقم مشكلات السودان واستعصائها على الحل كما نشاهد اليوم.
فعندما هبت رياح التغيير بغالبية الدول العربية، كان السودان من أكثر الدول المرشحة لمثل ذلك التغيير، بل وفى مقدمتها، بسبب توفر كل الأسباب التي قادت إلى أي من الثورات العربية المختلفة فيه. ولعلم النظام الحاكم وإيمانه في قرارة نفسه، بأنه الأكثر تأهيلاً للثورة عليه، سرعان ما بادر بالحديث عن اتجاهه للتغيير في نظام حكمه، خاصة وهنالك المستجدات التي أحدثها انفصال الجنوب، والتي أصبحت إضافة رئيسة لمبررات ذلك التغيير. فسمعنا لأول مرة بمصطلح الجمهورية الثانية، الذى يعنى انتهاء أجل الجمهورية الأولى، شكلا ومضمونا، والانت?ال إلى شكل جديد من نظام الحكم، وبالطبع لا تجديد في نظام الحكم، ان لم يقضِ على انفراد حزب المؤتمر الوطني بالسلطة والثروة. غير أنه وحتى الآن لم يتم الإفصاح عما تعنيه الجمهورية الثانية، ومدى اختلافها عن الأولى؟ فكل الذى يحسه المواطن في اتجاه التغيير المزعوم، هو أن الحكومة تتحدث عنه بأكثر من لسان، ودون ان تقدم على فعله.
فالعديد من الدول العربية التي لم تتفجر ثورات بأراضيها، ولمشاهداتها للأسباب التي دفعت لتفجير تلك الثورات، بادرت بالتغيير في أساليب حكمها، وفى الاستجابة لما يمكن أن تطالب به شعوبها، وبيدها قبل أن تفرضه عليها ثورات تلك الشعوب. فالمملكة العربية السعودية، ضربت أروع مثلا في ذلك الاتجاه، فنساؤها اللائي حرمت عليهن قيادة السيارات، سارعت المملكة بأن سمحت لهن بالوصول إلى قيادة الشعب السعودي ذاته. بعد أن تم منحتهن حق المشاركة في سلطة الحكم من قاعدتها بالمجالس المحلية، والى قمتها بمجلس الشورى. ومن قبل سمحت المملكة العر?ية السعودية بالتعليم العالي المختلط، بصرف النظر عن الارتقاء بحياة مواطنيها عبر الدعم المقدر الذى اختصت به العامل منهم والعاطل.
حكومة المؤتمر الوطني، وباتباعها لسياسة رزق اليوم باليوم، كلما اشتدت أعاصير الثورات العربية، وخشيت من أن تطرق بابها، تبدأ الحديث عن التغيير، الذى جعلوا من التفاوض مع الأحزاب المعارضة، مدخلا رئيسا لتحقيقه. غير أن ذلك التفاوض لم يكن من أجل الوصول إلى اتفاق حول كيفية تحقيق التغيير المطلوب والمرغوب في نمط الحكم، ولكن لإقناع تلك الأحزاب بالمشاركة في مقاعد السلطة ووفق ما تحدد حكومة المؤتمر الوطني صاحبة اليد العليا. وكانت فكرة الحكومة ذات القاعدة العريضة التي تضم بين جنباتها الحكومة والمعارضة معا. والحكومة حرصت عل? أن تحصر المشاركة في الجهاز التنفيذي دون التشريعي، رغم أن المشاركة فيه هي الأهم، بل والأكثر أهمية، إن كانت الحكومة جادة في إحداث تغيير يضبط إيقاع الحكم، وتقويم أي إعوجاج فيه. ومازال المواطن في انتظار إعلان الحكومة الجديدة، الذى نخشى ان يكون مجرد كشف تنقلات.
وكون ان الحكم يستند على حكومة بلا معارضة، فإن ذلك الأمر يعتبر من الأسباب التي قادت إلى كل المشكلات التي يعيشها السودان الآن. فالمؤتمر الوطني وحكومته ظلت لهما اليد المطلقة في فعل ما يريدون كما يرون، ودون التفات لأي رأى آخر. فكانت كل النكبات المتتالية التي أحلت بالبلاد، والتي حين حدوثها فقط، يبحث النظام عن مشاركة الآخرين في كيفية تخطى المشكلة. فقد ظننا أن الإعلان عن الجمهورية الثانية سيعمل على تجنب كل أخطاء نمط الحكم التي صاحبت الأولى، وفى مقدمتها غياب المعارضة، وبما أن الحكومة الحالية لا ترغب في أي تغيير ين?قص من عمر سلطتها التي توصلت إليه عبر الانتخابات الأخيرة، يصبح البحث عن معالجة ذلك الخلل في إطار ما هو متاح حالياً، بحيث تمنح مقاعد الجنوبيين التي شغرت بالجهاز التشريعي وبأكملها للأحزاب المعارضة، وحتى تمكن للسلطة من سماع الرأي الآخر الذى افتقده السيد رئيس الجمهورية كما أعلن عند زيارته للبطانة.
وغياب الرأي الآخر في الحكم ، والانفراد بالسلطة، يمهد كل ذلك لتفشى الفساد، الذى يعتبر من بين الأمراض القاتلة لأنظمة الحكم، ان لم تقم بمحاصرته والقضاء عليه في مهده. وبما أن سياسة حكومة المؤتمر الوطني عدم الاعتراف بأى بخطأ في الحكم، تم إنكار وجود أي فساد في نظام حكمهم، وحتى لو صرفنا النظر عن الفساد الذى شهدت به المنظمات العالمية، فإن النهب المتصاعد لأموال الدولة، الذى يعلنه المراجع العام سنوياً، كان كافيا لجعل الحكومة تعترف علناً بفسادها. ولا أعتقد أن المؤتمر الوطني وحكومته يجهلان أن جميع المواقع القيادية بم?سسات الدولة المختلفة، تشغلها كوادرهم، فيصبح أي فساد فيها، مالياً كان أو إدارياً، مسؤوليتهم وحدهم. وكعادة الحكومة، ما أن أصبح الفساد في مقدمة أسباب الثورات العربية، مثله مثل الحرمان من الحرية، حتى أعلنت اعترافها به، وبضرورة محاربته، فكان إعلان السيد رئيس الجمهورية عن تكوين مفوضية خاصة لذلك. وما أن اطمأنت الحكومة إلى ن الثورات لن تطالها لأوهام ترسخت بذهنها، حتى عادت لذات وهمها الأكبر، بأن جميع مسؤوليها وكوادرها من الأتقياء الأنقياء الذين لا يأتيهم الباطل من أي جانب كان، فتم صرف النظر عن المفوضية. وبما أن تل? المفوضية قد أعلن عن ضرورة تكوينها السيد رئيس الجمهورية بنفسه، فلا يجوز النكوص عن ذلك حتى لا يفسر بأنه مزيد من التستر على الفساد والفاسدين.
والحكومة تعاني حالياً من انهيار اقتصادي لم يعرفه السودان طيلة عمره، وهو وحده كافٍ لكي يجعل الحكومة تتعجل إعادة النظر في كل طرق وأساليب حكمها السابقة، ومنها ما قاد الى هذا الانهيار. فقد تسبب انحدار قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار، في الارتفاع المتصاعد لأسعار مختلف السلع، المستورد منها والمحلى، بل وفى أسعار مختلف الخدمات التي ينشدها المواطن. فارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، ينسحب أثره على المواطن، بائعاً كان أو مشترياً. وفى مثل هذه الظروف الاقتصادية العصيبة، يفترض أن تظهر الحكومة كل الجدية في تنفيذ ما تع?ن من طرق للمعالجة، حتى تشعر المواطن بأنه لا يتحمل عبء المشكلة وعلاجها وحده. ومن بين المعالجات التي ظلت تعلنها الحكومة عند كل منعطف اقتصادي سالب، خفض الإنفاق الحكومي. وخفض الإنفاق الحكومي الذي تحتاجه الحكومة اليوم أكثر من اى وقت مضى، يتضح أولا، في سرعة تشكيلها للحكومة ذات القاعدة «الضيقة» التي تعالج الترهل الحالي بأجهزة الدولة، ثم بالعمل على خفض مخصصات جميع من سيشغلون مناصبها الدستورية، ولأقصى قدر ممكن. غير أن الحكومة مازالت تجرجر أرجلها تجاه ذلك الفعل، حتى تقلل من تأثيره على كوادرها التي قل أن يغادر أحدهم?موقعاً قبل أن يهيأ له غيره. واكبر دليل على عدم التزام الحكومة بأمر خفض إنفاقها، البدعة التي أتت بها الهيئة العامة للحج التابعة لوزارة التوجيه والأوقاف. ففي هذا الظرف الذى يتعرض فيه اقتصاد البلاد لأسوأ انهيار، تطل علينا تلك الهيئة وقد هدتها عبقريتها للبحث عن كيفية توعية حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسكهم بصورة سليمة، فاختارت منسكا واحدا من بين مناسك الحج المختلفة، وهو الطواف حول الكعبة، الأقل حاجة للتوعية بكيفية أدائه، إذ لم يحدث أن أخطأ حاج فيه. أما أن تقوم الهيئة المحترمة بعمل مجسم للكعبة وبمبلغ يصل إلى مائة مليون من الجنيهات، بالقد?م، وفى الوقت الذى تشكو فيه خزينة الدولة لطوب الأرض من فقرها، فإن ذلك يعنى، إما أن وزارة الأوقاف لم تقف على موقف الأزمة الاقتصادية الراهنة، فسمحت للهيئة بتنفيذ تلك البدعة، أو أنها تعلم ولكنها لا تأبه، كأكبر دليل على عدم جدية الحكومة في خفض إنفاقها.
والسلطة تبحث حالياً عن من يقرضها قدراً من الدولارات، لتعينها في كبح جماح تدهور جنيهها المستمر والمتسارع، ولم توفق حتى الآن. غير أن كل ذلك لم يمنعها من أن تمارس ذات سياساتها القديمة والسالبة، مع حكومة الجنوب، حتى كلفتها فقدان قدر من الدولارات هي في أمس الحاجة إليها. فالحكومة سمحت أو غضت الطرف، عن إغلاق معابر تبادل السلع بين الدولتين، أو قل وقف تصديرها من الشمال إلى الجنوب. كما ولم يمنعها ذلك مرة أخرى من أن تهدد بإغلاق الشريان الذى يتدفق عبره بترول الجنوب إلى ميناء بورتسودان وللخارج، ان لم تقم حكومة الجنوب ب?لاستجابة لمطالبها في ذلك الشأن، كما ترى هي وتقرر. وطبعا من حق حكومة السودان أن تطالب بما هو حقها كاملا في ترحيل نفط الجنوب ووفق المعايير المحددة لذلك، ولكن ليس من حقها أن تتبع مطالباتها بأسلوب التهديد والوعيد الذى أورثنا كل المصائب التي نعيشها اليوم، والذي قد يقود إلى زيادة تأزم موقفها الاقتصادي أكثر من انفراجه.
هذا هو حال المواطن السوداني، بين حكومة منفردة بالسلطة فلا تستمع إلا لصوتها، ولا تعمل إلا برأيها، ومن بعد يتحمل ذات المواطن تبعات كل أخطائها، وبين معارضة عاجزة عن أن تفرض رأيها على الحكومة مهما كان صوابه، ولكنها لا تمانع في أن تتجاوب مع نداءات الحكومة المتكررة لها من أجل المشاركة في السلطة، حيث تكتشف المرة تلو الأخرى إنها كانت مجرد خدعة. أما وقد اعترف السيد رئيس الجمهورية وفى إطار معالجة أزمة ارتفاع الأسعار الحالية، بأن العلاج الناجع لمحاربة الجشع والعودة بالأسعار إلى وضعها المعقول، هو أسلوب المقاطعة. إذن ?صبح المطلوب لمعالجة الجشع السياسي وارتفاع أزمة الحكم، هو مقاطعة النظام الحاكم، خاصة من جانب الأحزاب التي مازال بعضها يركض خلف الحصول على موقع قدم داخل أروقته. اتركوا المؤتمر الوطني وحكومته «يعوسوا» كما يشاءون في جمهورية السودان، ومن بعد اتركوهم ليدفعوا ثمن «عواستهم» وحدهم. وحينها فقط سيدركون قيمة المشاركة الحقيقية في السلطة، فيقدمون عليها دون قيد أو شرط.. فهل نعشم في أن تكف أحزاب المعارضة عن الجري خلف السراب؟!
الصحافة 6/10/2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
وتذكير الأفندي بما نسيه .. أحشفاً وسوء كيلة؟! ..
بقلم: حسن الجزولي الخميس, 06 تشرين1/أكتوير 2011 17:58
Share لمصلحة من يسقط الأفندي من ذاكرته حقيقة أن المتأسلمين السودانيين ضمن أول من ابتدر العنف في الحياة السياسية؟!
. ضمن تعرضه في مقاله الراتب، بعنوان " تذكير المؤتمر الوطني ونافع بما نسيه"، وذلك بصحيفة " القدس العربي" اللندنية، إستعرض الدكتورعبد الوهاب الأفندي الكاتب الاسلامي المرموق، الحادث الذي تعرض له الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية، في السفارة السودانية بلندن، في الفترة القريبة الماضية، وقد حمله مسئولية ما جرى، نتيجة لسياساته وخطابه وما أفضى إليه ذلك اللقاء بالسفارة، معتبراً الهجوم البدني الذي تعرض له نافع بالسفارة، بمثابة رد فعل لعنف لفظي درج عليه نافع في كل محفل، وضمن ذلك أشار الأفندي إلى ظاهرة العنف في السياسية السودانية، منتقداً ممارستها، فأرجع بروزها إلى عدد من القوى والفعاليات السياسية في الساحة السودانية، التي نسبها للمعارضة!، وقال بشكل واضح أنها تتحمل مسئولية ريادتها للظاهرة، وأنها "أول" من ابتدرها! حيث أشار قائلاً " والمعارضة السودانية لم تكن بعيدة عن اللجوء إلى العنف، بل إن بعض طوائفها كانت، باعترافها البادئة بالعنف. فالحركة الشعبية لتحرير السودان هي التي أدخلت العنف إلى السياسية السودانية في عام 1983، وقبل ذلك كانت عناصر سياسية من كافة ألوان الطيف السياسي قد اتخذت العنف والانقلابات العسكرية وسيلة سياسية، سواء في عام 1969، أو عام 1971، أوعام 1975 أو عام 1976. وقد تفجر العنف في دارفور كذلك في صورته الحالية بقرار سياسي من بعض قطاعات المعارضة عام 2003."!. تلك وحدها في عرف الدكتور هي القوى والطوائف السياسية وسط المعارضة، والتي يعتبرها من بادرت بادخال العنف، في الممارسة والساحة السياسية السودانية!. بل أنه - وهو يعدد الانقلابات العسكرية التي تمت في البلاد - لم يشر إلى العام 1989!.
كما هو واضح فإن دكتور الأفندي، لم يشر لا من قريب أو بعيد، إلى تورط "جماعات الاسلام السياسي" وتحديداً الاتجاه الاسلامي وامتداداته، بتسمياته المختلفة حتى فترة "الانقاذ والمؤتمر الوطني" في مثل ذلك العنف، وبالتالي فقد نأى به بعيداً عن النقد، ولم يعتبره المسئول الأول والآخير عن ذلك، فأسقط جملة وتفصيلاً - وهو يعدد الجهات والقوى السياسية في الساحة السودانية - العديد من ممارسات العنف البدني التي ابتدرتها في المبتداء، تلك القوى بمختلف واجهاتها ومسمياتها!. قليلة هي البدايات الأولى لكيفية إدخال العنف على الممارسة السياسية في الساحة السودانية، قبل دخول المتأسلمين السياسيين للحلبة!، ورغم تذكرنا لحوادث كإنقلاب نوفمبر العسكري في العام 1958 وما أقدم عليه من إعدامات لخيرة شباب القوات المسلحة السودانية في عام 1959 بعد محاولة إنقلابية لم يكتب لها النجاح، وقبلها ذلك الحادث المأساوي الذي أودى بحياة عدد من المزارعين السودانيين إختناقاً داخل عنبر جودة عشية استقلال البلاد، إلا أن أي مؤرخ صادق لا يمكنه أن يغفل أولى الممارسات، للاعتداء المباشرعلى التجربة الديمقراطية، بقصد وأدها عن طريق التأسيس للعنف في العمل السياسي، عندما حرشت وحرضت وقادت جماعة الأخوان المسلمين، ذلك الاعتداء اللفظي والبدني الفظ في العام 1965 على الحزب الشيوعي وعضويته ودوره في العاصمة، حتى تسن لها حله دون سند قانوني!، ثم تسير الأحداث لتشهد ساحات العلم في المدارس والجامعات والمعاهد أضخم ظاهرة في ممارسة العنف البدني التي قادتها – وما زالت – كوادر المتأسلمين السياسيين ضد مخالفيهم في الرأي، تلك الممارسات التي تم تدشينها، منذ أواسط سبعينات القرن الماضي في بدايات تحالفهم مع النظام المايوي، حيث شهد طلاب تلك الفترة، "أمراء الجهاد" وهم يقودون التجريدات التأديبية لجحافل الاتجاه الاسلامي "شبيحة وقبضايات وبلطجية وفتوات"! على التنظيمات السياسية المناوئة لهم، والبحث عن الكوادر الطلابية السياسية بين الداخليات!، ثم استمرت الظاهرة فيما بعد، وتزايدت ممارستها مع النظام الحالي منذ إنقلابه في عام 1998 وحتى الآن، بمباركة وحماية وتواطوء مكشوف مع أجهزته، القمعية منها و" العدلية"!. وما الدماء البريئة الزكية لطلاب كالتاية أبو عاقلة وبشير الطيب وسليم وأبو العاص ومحمد عبد السلام وميرغني سوميت، إضافة لمواطنين كرام كعبد المنعم سلمان وأمين بدوي وراسخ ومجدي وجرجس وشهداء في كجبار وبورتسودان، إلا دليل دامغ وشاهد صادق الادلاء، على فظاعة وفظاظة ما اقترفته أيادي المتأسلمين السياسيين بتواطوء وحماية نظام تمكن وسيطر!.
يذكر السودانيون بشكل عام، وتلك الأجيال التي عاشت حقبة الستينات بجامعة الخرطوم تحديداً، ذلك الهجوم الوحشي الذي تعرض له جمهور المشاهدين، في العرض الفني لرقصة العجكو في العام 1968، بمسرح جامعة الخرطوم، ذلك الهجوم الذي خصص له أحد عتاة الاسلاميين "اللعانين" في الفترة القريبة الماضية، مقالاً بائساً وفقيراً - تهكمت منه كثير من الداوائر المتابعة - بمناسبة ذكرى مرور تلك الواقعة، محتفياً فيه بنشوة مريضة بذلك التعدي!، وما تلاها من هجوم بربري آخر على مسرحية سقوط الباستيل، بمنتدى كلية الآداب في الثمانينات أيضاَ!، وكلها تعد الاعتداءات الأكثر إذاءاً من ناحية الهجوم والتعدي، على الممارسة الديمقراطية فيما يخص حريات الناس ومعتقداتهم، والحجر على الرأي الآخر، مما مهد للجريمة البشعة عندما تآمرت هذه الجماعة، متحالفة مع النظام الديكتاتوري المايوي، فأقدمت على التصفية الجسدية للشيخ الزاهد والوقور محمود محمد طه، بفرية الردة والزندقة، تمهيداً لبسط الطريق لسياستهم البغيضة، من أجل الكسب السياسي الرخيص، وفي غالب الأحايين .. الاستثمار في الكراهية! عن طريق فقه التمكين في حياة السودانيين، حتى "تمكنوا" بالفعل من رقاب السودانيين التي ساموها مر العذاب، بتأسيسهم لأقبية التعذيب الجهنمية في ما سماه شعبنا اللماح بــ "بيوت الأشباح" التي أزهقت أرواح مناضلين من خيرة أبناء الشعب السوداني كالدكتور علي فضل وعبد المنعم رحمة وغيرهم!، بعدها تبجح " عميدهم" الذي أُرسل رئيساً للقصر وهو يصرح بزهو:- " نعم أخذناها عنوة ومن أرادها فليحمل السلاح"!. وما زالوا حتى يومنا هذا يستخدمون خطاباً "سوقياً" في العنف اللفظي، بالسب واللعن والطعن والقذف والتخوين، الذي يزيد من توتير الأجواء السياسية على ما هي عليه من توتر، وكانوا قد أعلوا من قيمة ذلك في صحفهم التي نثروها في مجتمع ما بعد الانتفاضة لتسميم الأجواء السياسية! مما يعتبر أنهم قد بزوا أنفسهم في العنف البدني بالعنف اللفظي، وهاهو قاموسهم الذي أضافوه في الخطاب السياسي شاخصاً يقف، دليلاً على "معدن الشكل والمحتوى معاً"!. لماذا تجاوز دكتور الأفندي كل هذا السجل المخزي، لجماعة الاسلامويين، وهو يحدثنا عن البدايات الأولى لتفجر ظاهرة العنف في الممارسة السياسية بالسودان، ثم يحمل وزرها لقوى سياسية أخرى منسوبة للمعارضة كما قد سبق وأشار؟
للدكتور عبد الوهاب الأفندي مساهمات مقدرة، في حقل الاضاءات لمشروع الاسلام السياسي في السودان، وذلك بنقده لممارسة جماعة سياسية سار معها الدكتور ردحاً من الزمن، فعرف "لغتها"!، ومع ذلك تشير ملاحظات بعض المراقبين والمهتمين حول كتاباته تلك إلى إتهام صريح، بأنها ضمن كتابات " تحاول جاهدةً إخفاء وتمرير المشروع الأكثر خطورة، وهو الحفاظ علي المشروع الاسلاموي وتعزيزه وذلك بإحياء كل جوانبه، وحتى تلك الأكثر ظلامية!." وأنهم كإصلاحيين وضح من كتاباتهم "إهتمامهم بالخلخلة الداخلية التي أصابت تنظيمهم، واهتمامهم بالزلزلة التي هزت اركانه، وضعضعت بنيانه، أكثر من أن يكونوا معنيين بما فعلته الحركة الإسلامية بالشعب وبالوطن. فهم في واقع الأمر غير معنيين، أو بالأحرى لا يقع في دائرة نقدهم ما ترتب علي محاولة الحركة الإسلامية القسرية لإنجاز برنامجها الكارثي"! كما أشار بذلك الأستاذ صديق عبد الهادي في مقال له خصصه لنقد خطاب بعض الكتاب الذين أعلنوا إنفضاضهم من حول التنظيم ومشروعه، إلا أنهم يجاهدون في إنقاذه في حقيقة الأمر!، فهل يا ترى أن د. الأفندي يجاهد عن حق لإنقاذ مثل ذاك المشروع، أم ماذا؟!. في كل الأحوال نرجو بمقالنا هذا، أن نكون قد ساهمنا بتواضع في تذكير دكتور الأفندي – وهو الملم والموسوعي الفطن- بما "نسيه هو أيضاً" بخصوص"أصفياء الأمس" وممارساتهم! .. عله بذلك يقر في مقالاته اللاحقة بأن هؤلاء النفر هم في واقع الأمر أول من أدخل العنف البدني واللفظي معاً في الممارسة السياسية في حياة السودان والسودانيين، معتدين بذلك على سماحة الاسلام نفسه، وعلى الأخلاق السودانية وأعرافها ومثلها .. وما زالوا يفعلون!. _______ عن صحيفة الميدان
-------------------------
الشعب لم يتسبب في الغلاء والبلاء يا شيخ عبد الحي .
. بقلم: بابكر فيصل بابكر الخميس, 06 تشرين1/أكتوير 2011 18:00 Share [email protected]
الغلاءُ الذي تشهدهُ البلاد حالياً لم يهبط من السماء فجأة, ولكنهُ كان أمراً متوقعاً منذ فترة طويلة بسبب التوجهات الإقتصادية والسياسية الخاطئة. وبدلاً عن الإعتراف بالأخطاء التي أدت للضائقة المعيشية غير المسبوقة, فإنَّ الحكومة ومؤيديها – كالعادة - قررَّوا إتباع نهج التخدير وإلقاء اللوم على الآخرين وصرف الأنظار عن القضيِّة الأساسية.
التخديرُ كان واضحاً في التصريحات التي خرج بها بعض الشيوخ والأئمة من مناصري النظام الحاكم, ومن ذلك ما قال به الشيخ عبد الحي يوسف في خطبة الجمعة الماضية حيث عزا هذا البلاء لإبتعاد الناس عن الله وقال : " إنَّ البلاء والغلاء والوباء والكوارث التي نعيشها من ذنوينا ومعاصينا وأعمالنا السيئة", وكان قبل ذلك قال انَّ ما : ( نزل على البلاد من بلاءٍ وغلاءٍ يدعونا إلى التقرُّب لله كي يُبعد عنا هذا البلاء والكرب).
إنَّ التقرُّب إلى الله مطلوبٌ في كل الأحوال والأوقات ولكننا هنا نبحث عن البرامج والسياسات التي أدَّت إلى هذه النتائج البائسة, وهى سياسات من صنع البشر الحاكمين. وكما ذكرت في مقال سابق فإنَّ هذا النوع من الكلام ينقل تفسير ظاهرة الغلاء إلى (السماء) هرباً من إستخدام العقل لتفسير أسباب ( الأرض).
إلقاءُ اللوم على الآخرين ظهر جلياً في حملة مقاطعة اللحوم التي دعت لها جمعية حماية المستهلك, وهى من أنشط مؤسسات المجتمع المدني ويقودها رجالٌ أكفاء يعملون في ظروف بالغة التعقيد لخدمة الإنسان السوداني عبر نافذتهم المهمِّة. ولكنَّ الهدف النبيل الذي سعت إليه الجمعية تمَّ الإلتفاف حوله من قبل الحكومة التي ركبت موجة المقاطعة و جندَّت كل أجهزتها ومؤسساتها السياسية والإجتماعية والإعلامية للتهرُّب من مسئوليتها ولتصوير مُنتجي الماشية والجزارين وكأنهم "الغول" الذي يجب على الشعب الإنقضاض عليه حتى تنفك الضائقة.
أمَّا صرفُ الأنظار فقد تمثل في التصريحات المجَّانية التي تكفل بإطلاقها السيدان محمد مندور المهدي نائب رئيس الحزب الحاكم بالخرطوم, والدكتور نافع على نافع واتهَّما فيها أحزاب المعارضة باستغلال ارتفاع الأسعار لتحريك الشارع. وقال الدكتور نافع كلاماً مكروراً ما عاد ينطلي على الناس : " إنَّ المظاهرات التي خرجت ببري أدارها شيوعي ثري مع بعض أعوانه من أمدرمان".
وبإفتراض أنَّ الأحزاب قد فعلت ذلك ( وهما يعلمان علم اليقين أنها لم تفعل) فإنَّ هذا حقها الذي كفلهُ لها الدستور الذي وضعتهُ الحكومة. ولماذا يتخوَّف المسئولان من تحرُّك الشارع ما دام حزبهُما هو حزب (الأغلبية) وحزب (الجماهير) الذي يُسيطر على مجلس نيابي فريدٍ من نوعه مُنتخبٌ بشفافيةٍ غير مسبوقة ويتفوَّق على كل برلمانات الدنيا والديموقراطيات العريقة , وكيف لا وهو برلمانٌ لا توجد به معارضة !!
ذلك – يا شيخ عبد الحي - هو الطعنُ في الظل, أمَّا من أراد معرفة الأسباب الحقيقية للغلاء والضائقة المعيشية فعليه أنْ يوِّجه إصبعهُ للفيل : الحكومة.
ليعلم الشيخ عبد الحي أنَّ ذاكرة الشعب ليست بالسوء الذي يتصوَّرهُ هو وأهل الحكم, إذ ما تزال تحفظ كلام العميد صلاح كرار عضو مجلس قيادة الإنقاذ وهو يقول : ( لو ما جينا الدولار كان بقى بعشرين جنيه). وكان سعر الدولار حينها في السوق الموازي إثني عشر جنيهاً. وبحساب بسيط يفهمهُ كل إنسان فإنَّ المليون جنيه وقتها كانت تساوي 83,000 دولار ( ثلاثة وثمانون ألف دولار).
وبعد مرور عشرين عاماً أصبح المليون جنيه ( بعيداً عن التلاعب بقيمة الجنيه الحقيقية بسحب صفر وتسميته دينار) اليوم يساوي 250 دولار ( مائتان وخمسون دولاراً ), وهذا يعني أنَّ الجنيه فقد قيمته بالكامل. وهذا وحدهُ كفيلٌ برفع الأسعار (التضخم) إلى مستويات عالية للغاية. وشاءت الأقدار أن يتم التغطية على ذلك عن طريق صادرات النفط التي ما ان توارت حتى عادت الأوضاع إلى حقيقتها.
وبمقارنةٍ بسيطةٍ مع سعر الصرف في مصر في ذات الفترة نجد أنَّ الدولار مقابل الجنيه المصري في عام 1989 كان يساوي 3,3 جنيه ( ثلاثة جنيهات وثلاثين قرشاً), وهو اليوم يساوي 5,9 ( خمسة جنيهات وتسعين قرشاً). أى أنَّ الزيادة في سعر الصرف هنا زيادة مقبولة ناتجة عن معدلات التضخم الطبيعية خلال عشرين سنة.
إنًَ فقدان الجنيه لقيمته بهذه الصورة كفيلٌ لوحده (دون أسباب إقتصادية أخرى) بإطلاق مارد الغلاء, وهذا أمرٌ ناتجٌ عن سياساتٍ حكوميةٍ خاطئة و ليس بسبب إبتعاد الناس عن الله كما يحاول الشيخ عبد الحي يوسف تصوير الأمر, وهو ليس عقوبة من الله على شعب السودان المغلوب على أمره, أو بسبب جشع الجزارين ومنتجي الماشية, أو بمؤامرة من أحزاب المعارضة كما تريد الحكومة أن توهم الناس.
الضائقة المعيشية وإرتفاع الأسعار ووقوف الإقتصاد على حافة الإنهيار ( وهذه قال بها وزير الخارجية مخاطباً أعضاء نادي باريس) ناتجة عن السياسات الحكومية وليس بسبب الأعمال السيئة للناس كما يقول الشيخ عبد الحي. فقد تجاهلت الحكومة المورد السوداني الأكبر (الزراعة) وأهدرت عائدات النفط, وهو ما نبَّهنا لهُ ونبه له الكثيرين في الماضي, وكان مما كتبنا في السابق حول هذا الأمر مخاطبين محافظ بنك السودان السابق الذي قال بعد فوات الأوان بضرورة تفعيل الصادرات غير البترولية :
( يعلمُ الجميع أنَّ الزراعة هى قاطرة الإقتصاد السوداني والمصدر الرئيسي لنموِّه, ومع ذلك فشلت كل الخطط الحكومية في الإرتقاء بها, فمع كثرة الحديث والضوضاء عن ( النفرة ) و ( النهضة ), ومع وجود عشرات الوزراء ( مركزيين وولائيين ), تدهورت الزراعة بشقيها المروي والمطري تدهوراً مريعاً, وانهارت الصناعة المرتبطة بها وهي صناعة النسيج (99 % من مصانع النسيج متوقفة ), وأصبح البترول يشكل (95 %) من صادراتنا بحسب تقارير صندوق النقد الدولي, فكيف يمكننا بعد ذلك تفعيل صادراتنا غير البترولية ؟ وهل لدينا يا سيادة محافظ بنك السودان صادرات غير منتجات الزراعة حتى نفعِّلها ؟ ).
تقولُ تقارير صندوق النقد الدولي – يا شيخ عبد الحي - أنَّ عائدات البترول السوداني في الفترة (1999 – 2009) بلغت حوالي (50 مليار دولار), فكم من هذه الأموال تمّ توجيهه للزراعة أو البنيات الأساسية ؟. إنَّ أكبر مشروع أنجزتهُ حكومة الأنقاذ منذ مجيئها وهو "سد مروي" تم تمويلهُ بقرضٍ واجب السداد فأين اذاً ذهبت أموال البترول ؟ لقد كبَّلت الحكومة الشعب السوداني والأجيال القادمة بالديون حتى بلغت خدمتها السنوية مليار دولار مما جعل وزير الخارجية يسأل دول نادي باريس إنقاذ إقتصاد الإنقاذ من الإنهيار.
قد كان أولى بالشيخ عبد الحي قبل أن يرمي الشعب بالسوء والبعد عن الله أن يسأل الحكومة الأسئلة الحقيقية مثل : لماذا لم يتم توجيه الموارد وتحديد الأولويات طيلة السنوات الماضية بينما يتم الحديث عنها بعد فوات الأوان ودخول الفترة الحرجة ؟ ولماذا أهملت الزراعة طوال العقدين الماضيين ؟ وكيف صُرفت أموال البترول ؟
على الضفة الأخرى من النهر, وقف الشيخ المُحترم يوسف الكودة في منبر الجُمعة يخطبُ في المصلين, ويُخاطب الحكومة بكلام في غاية الوضوح والشفافية قائلاً : ( مقاطعة السلع ليس حلاً ناجعاً لمكافحة الغلاء. ويجب على ولاة الأمر إيجاد الحلول ومعالجة شاملة للوضع الإقتصادي . وأنَّ سياسة التحرير و الخصخصة لاتعني تنصل الحكومة عن مسؤولياتها وواجباتها تجاه المواطن. ويجب تخفيض الصرف على الدستوريين والأمن حتى يستعيد الإقتصاد عافيتهُ ويجب دعم السلع الضرورية ). إنتهى
إنَّ كثيراً من المجتمعات الغربية (أوروبا) والشرقية (آسيا) والعربية مليئة بالذنوب والمعاصي كما يفهمها الشيخ عبد الحي, ومع ذلك فإنها تعيشُ في رفاهية وسعادة وكفاية, ولا تعاني من الغلاء والوباء والكوارث, فهل يعني هذا أنَّ الله راضٍ عنها ؟ وهل الذنوب والمعاصي والأعمال السيئة التي يتحدث عنها الشيخ عبد الحي تنطبق على الشعب فقط أم أنها تشمل أهل الحكم ؟ وهل يستقيم أن تكون هذه هى أعمال الشعب الذي يعيش تحت رايات المشروع الإسلامي والشريعة منذ عقدين ونيف من الزمن ؟
إنَّ الذين يُحمِّلون الشعب مسئولية الغلاء والبلاء والوباء والكوارث يتجاهلون عن عمدٍ الطعن في "الفيل", ويُريدوننا – كما يقول الشاعر عبد الرحمن أبودومة – أن نصدِّق كل ما يهواهُ خاطرهم, وننكر شمس قلب الصيف, ونصيح ملء الكون : آمينُ. ولكنَّ بسطاء الناس يرون المخبوء, وإن بدا غير ذلك :
تتحلق الآذان حول تنحنح الفقهاء باللاشىء غير مواعظٍ ممجوجة التلفيق, تدعمُها أسانيدٌ من التأويل, أصدقها كأمحلِها .. تخاريفٌ " لأكل العيش", والفتوى بها قولان.
أو كما قال هذا الشاعرُ المعرىُّ الكبير.
ولا حول ولا قوة الا بالله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مثلث حمدي.. آليات تفتيت الداخل أبوذر علي الامين ياسين
انحصرت ردود الحكومة وقيادات المؤتمر الوطني حول ربيع الثورات العربية في خلاصة عالية التركيز على أن شيئاً مما جرى في تلك الدول لن يحدث في السودان!!؟، وتبرير ذلك أن حزب الحكومة المؤتمر الوطني قد اكتسح الانتخابات الاخيرة وكسبها جملة واحدة. وهنا تبرز الانتخابات كقاعدة يجرى تأسيس كل شئ عليها وبالاخص مشروع مثلث حمدي. وتبقى الملاحظة الابرز هنا أن الانتخابات ونتائجها وليس الاسلام ولا المشروع الحضاري هي الفيصل في التعاطي مع الفرقاء داخل وخارج مثلث حمدي.
ورغم ذلك تبقى الاسلامية مهمة للتزيُد وردع المعارضين ولكن هذه المرة ليس على خلفية الحركة الاسلامية التي استهلكت وإستنفذت اغراضها وجاء وقت احالتها هي الاخرى إلى المعاش وعلى طريقة الصالح العام الشهيرة . والآن تتم الاستعانة ب (علماء المسلمين)!!؟. من جهة أخرى تسوق الحكومة وحزبها وبإصرار الاستهداف الخارجي للسودان، بل وتمضي أكثر من ذلك متهمة القوى السياسية بأنها هي من يتبنى كل الخارج وأهدافه ملوحة بخطورة أثر ذلك على (البلاد)!!. ولكن كيف نقرأ موقف الحكومة وحزبها الجازم بعدم تأثر السودان بموجة الثورات العربية الكاسحة من جهة، والاستهداف الخارجي الساعي حسب زعمها لتفتيت البلاد؟. وكيف نقف على خلفيات ذلك الموقف وأثره على الداخل السوداني تأسيساً على مشروع ذات الحكومة المتمثل في مثلث حمدي!!؟
. رجوعاً للثورات العربية، نلاحظ أنه وعلى سبيل المثال في مصر كما في الاخريات، الذي جرى انحصر في سقوط النظام وبقاء الدولة. وعلى خلفية مشروع مثلث حمدي يكون مغزى موقف الحكومة والمؤتمر الوطني الواعي والنافي لتأثير الثورات العربية، أنه في السودان الذي سيجرى هو العكس، ستنهار الدولة ويبقى النظام، تلك هي الرؤية الواعية التي تصر وبتركيز عالٍ على أن ما حدث هناك لن يتكرر في السودان ، وذلك هو جوهر مشروع المثلث الشهير. حقيقتان تؤكدان تأسيس موقف الحكومة والمؤتمر الوطني من ثوارت العربية على رؤية جلية وواضحة مركزها بالتحديد هو مثلث حمدي.
الأولى بسيطة و بديهية لكنها ذات آثار خطيرة... ذلك أن الاستهداف الخارجي وفي مطلق حالاته يفرض توحيد الجبهة الداخلية وبقوة تجاه الخارج المتربص أو المعتدي. لكن الذي جرى ويجري هو استهداف قوى الداخل بل حتى مواطنيه!!؟، فالذى جرى مع الجنوبيين (كمثال) حتى دون اعتبار لمن عاش بالشمال طويلا (حتى جده الرابع مثلا)، أو الذى ولد فيه، أو الذي والده أو أمه من الجنوب وأدى لطردهم جميعاً واسقاط الجنسية عنهم، ولدّ فزع وخوف كبير لدى آخرين محسوبين على بقاع أخرى هي الآن ضمن الشمال لكنها خارج مثلث حمدي، وهذا بدوره جعل آخرين يرفعون قرون استشعارهم كونهم ظلوا ضمن مثلث حمدي ومنذ عهد المهدية أو حتى قبله، لكنهم محسوبين على مناطق خارج المثلث، فكيف سيكون مصيرهم وقد اشتعلت الحرب خارج حدود المثلث وتماماً كما رسمه حمدي. هل سيكون مصيرهم مثل مصير أهل الجنوب اذا انفصل جزء آخر من البلاد!!؟.
أما على صعيد القوى السياسية فهي مكبلة بالاتهام بأنها أداة الخارج التي تهدد بتفتيت البلاد!!، وأن المطلوب منها الاذعان الأتم لمشروع المتنفذين حتى تتاح لهم مشاركة ما ضمن (الحكومة العريضة)، وحتى هذه المشاركة يتم بدايةً تأكيد أنها تستند على قاعدة الاذعان أولاً .فالذي يجب أن يتم ابتداءاً هو المشاركة، ثم بعدها يتم التوافق على برامج (وطنية). لكن التعامل مع كل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني على أنها ملفات أمنية وليست سياسية توضح أن متنفذي الانقاذ هم من يريد توظيف القوى السياسية بل حتى التلويح بالخارج والاستهداف الخارجي لتفتيت البلاد وصولاً لمشروع المثلث الشهير. أضف لذلك أن كل تجارب الاتفاقات انتهت إلى خلاصة واحدة :.. أنت مقبول اذا بقيت تابعاً ومذعن للمؤتمر الوطني وحكومته، أو أنت لن تكون مرفوضاً بل مستهدفاً ولو عبر تفتيت الحزب واستمرار زيارة كادر حزبك للمعتقلات بدعاوى كثيرة منها التعاون مع الخارج. وربما تنسب إلى دولة أجنبية كما هو الحال الآن مع أهل جنوب كردفان والنيل الازرق ولن يكون مسعفاً أو ذو معنى أن هذه المناطق تابعة للشمال، كون طريقة التعامل تجاهها لا تشمل أهلها على الأقل. كما أن اعتبار أنها شمالية وفقاً لاتفاق السلام الشامل، لايشمل مواطنيها وفقاً لأهل مشروع مثلث حمدي.
أما الثانية فأساسية، كونها تضعك أمام منهج متنفذي الانقاذ الذي أصبح راسخاً بل هو القاعدة التي تؤسس قواعد السلوك والتعامل والتفكير عندهم!!؟. هنا يمكن التعامل مع مشروع مثلث حمدي باعتباره (مذكرة عشرة) جديدة!!؟. فإذا كانت مذكرة العشرة الشهيرة قد ضحت بالتنظيم (الحركة الاسلامية) لصالح متنفذين، كونها جيّرت كل تاريخ الحركة الاسلامية لصالح مشروع احتكار السلطة وضمان استمرار البقاء فيها، ولتبلغ ذلك كان من المهم انهاء وجود الحركة الاسلامية ذاته. فإن مثلث حمدي يضحى الآن بكل البلاد لصالح ذات المتنفذين. مثلث حمدي إذا هو إعادة انتاج لذات نهج التفكير والسلوك الذي يستوجب وفي سبيل الحفاظ على السلطة وضمان استمرارية البقاء فيها تكسير وتشطير البلاد ذاتها اذا تطلب الامر ذلك.
هكذا دائماً هي المشاريع (الشخصية) تكون محدودة الاغراض، شديدة الارتباط بالاشخاص الذين هم خلفها، وتمضي مكبة على وجهها ولا ترغب في رؤية ما هو سوي على صراط مستقيم. كما أنها عالية التكلفة شديدة الدمار، وتندرج ضمن الفتنة التي لا ينحصر أثرها على الذين ظلموا منكم خاصة. وذلك ما يفسر ضيقها حتى بالقوانين التي وضعتها واجازتها لتكون حكماً بين الناس، حيث يتم التعامل مع المنافسين السياسيين كأعداء وغرباء مما يستوجب عدم اخضاعهم للقوانين المعمول بها، بل يتم التعامل معهم وفقاً (لحالة طوارئ) غير معلنة تطلق يد المتنفذين لإعمال مايشاوؤن فيهم. ويصدق كل ذلك على متنفذي الانقاذ بل هم ممن قال الله تعالى فيهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ }.
هذا يفسر ولحد كبير استدعاء الخارج في مواجهة الشعب ومواطني الدولة من جهة، وتجاه الاحزاب والقوى السياسية والمدنية من جهة أخرى. فإتجاه الشعب والمواطنيين وكما هو الحال هذه الايام ومع استعار أوار الحرب في كل من جنوب كردفان والنيل الازرق ، يتم توظيف الخارج كبعبع رهيب يقف خلف الباب تماماً، مما يستوجب منع جماهير الشعب من أي تحرك تجاه تفاعلات الاحداث رغم أن قضايا وحاجات المواطنيين لا علاقة مباشرة لها بما يدور من حرب، رغم عظم أثرها المباشر على معيشته والمتوغل في حاجاته اليومية البسيطة (الماء ، الكهرباء ، الاسعار، ..وحتى تصل إلى صراع الدخل –الجبايات الجزافية). ومن جهة أخرى لمحاصرة القوى السياسية حزبية كانت أو مدنية. اذ توفر حرب الاطراف التبرير الذي المطلوب لكل ما يفعلة المتنفذين بهذه القوى، بما في ذلك جرها للسجون ولفترات طويلة حيث لا إلتزام بأي قانون سوى ما يراه ويريده المتنفذين تجاه تلك القوى. انها حالة طوارئ لا تريد الاعلان عن نفسها، وفي ذات الوقت تدك ضوابط القانون الساري. ولكن ورغم كل ذلك يبقى كل ما أوردناه يمثل استثناء رجوعاً للقاعدة الأم التي يتعامل وفقاً لها متنفذي الانقاذ والتي هي من أبرز سمات المشروعات الفردانية أو الشخصية. ذلك أن الأساس هو إلغاء القوى السياسية تماماً واستدعاء وإعمال كل الأدوات المطلوبة لبلوغ ذلك الهدف، والتعامل مع القوى السياسية بالاساس على أنها ملف أمنى أحد أبرز الآليات التي توضح ذلك. فكل ما يأتي أو كان مصدره حزب أو مجموعة أحزاب فهو خطر حتمي على مشروع متنفذي الانقاذ. فتصيرح قطبي المهدي الخميس الماضي (راجع صف الخميس 6 اكتوبر بهذا الخصوص) والذي جاء فيه وبالنص "...على الأحزاب أن تحدد موقفها بدقة، إما مع الانقاذ وحكومة المؤتمر الوطني و إما مع أمريكا واسرائيل". توضح وبقوة مدى استعدادات الحكومة لإلغاء الاحزاب رسمياً، اذ أنها ملغية عملياً. يأتي ذلك على الرغم مما كشفته وثائق ويكيليكس من (تأكيدها) سعى الحكومة والمؤتمر الوطني للتطبيع مع اسرائيل. فإلغاء الاحزاب يستند في حقيقته على أنه ليس بالساحة سوى المؤتمر الوطني ، وهذا ما تؤكده نتيجة الانتخابات الاخيرة كما يريدها المؤتمر الوطني وليس كما هي حقيقة نتيجة تلك الانتخابات. لتبقى الانتخابات هي القاعدة الاقوى لتأسيس المواقف بلا مراعاة أو تحسب لتداعياتها طالما خالفت اهداف وأهواء المتنفذين.
بالمقابل ليس هناك شعب هو شعب (جمهورية السودان)،فالطريقة التي تمت وجرت بها الانتخابات، توضح أن الشعب هو المؤتمر الوطني أو بعبارة أدق (من هو مؤتمر الوطني)، وحديث قطبي المهدي ممتلئ حتى الثمالة بهذه الخلاصة . وبالتالي الجنسية ستكون هي الانتماء للمؤتمر الوطني وليس للوطن. فلا أمان حتى لأهل المثلث كونهم وإن كانوا مصنفين سكان أصلين ضمن المثلث إلا أنهم أجانب (أمريكان أو اسرائيليين) اذا لم يوالوا وينضموا أو على الاقل يجاروا المؤتمر الوطني، فإنهم اجانب لا يعترف لهم بحق من الحقوق وربما حتى (حقنة كمال عبيد) كثيرة عليهم. النهايات هنا واضحة: ليس المطلوب أن تكون هناك دولة، ولا أحزاب، ولا حتى شعب. فقط متنفذين هم (الملاك) الذين يحددون كل شئ من هو المواطن، وما هو الحزب، وما هي الدولة وحدودها.
وبعد يبدو الآن واضحاً تماماً الفكرة والمنهج الذي يقود الخلاصة عالية التركز القائلة بأن ما حدث لدول الربيع العربي لن يحدث في السودان. بل وقدم قواعد وأدوات وحتى طرق التفكير التي تصب وبقوة نحو قلب مآلات الربيع العربي. ففي السودان الذي سيحدث هو – انهيار الدولة وبقاء النظام – ذلك هو مركز تخطيط متنفذي الانقاذ وذلك هو مسعاهم الواعي. وأخيرا تصبحون على وطن. ونواصل تشخيص عامل الاستهداف الخارجي في مقال قادم.
أبوذر علي الامين ياسين [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
العصب السابع
"قاشرييين" بإيران.!!
شمائل النور [email protected]
الفرحة البلهاء التي استقبلت بها حكومة السودان الرئيس الإيراني الشهر الفائت،تجعلك تُشفق على مستقبل هذا الوطن أكثر وأكثر..الزيارة أتت في أكثر مراحل السودان حرجاً على الإطلاق،للتو إختتمت الحكومة السودانية زيارات خارجية عديدة من بينها السعودية لحشد أكبر كمية من الدعم المالي لفك هذا الضيق،وفي ذات الوقت تستقبل الحكومة وبفرح غامر عدو هذه الدول والذي يُحيّر ان الحكومة تعلم كم يُكلف أن تطأ قدما الرئيس الإيراني مطار الخرطوم،وفي وقت مثل هذا.؟حسناً "قول واحد" أمس،أرسلت الأمم المتحدة رسالة غليظة لحكومة السودان لكنها مكتوبة بشكل ناعم-مبدئياً- فحواها أن الأمم المتحدة قلقة من تسرب أسلحة ليبية إلي السودان،سفيرنا هناك نفى ان تكون هناك معلومات أكيدة فيما يتعلق بعدد تلك الأسلحة وماهيتها،لكنه لم ينف صحة الأمر،ما يعني انه تناقض مع حديث حكومته في السودان والتي نفت وجود أسلحة ليبية بالسودان نفياً قاطعاً وعلى لسان النائب الأول في زيارته الأخيرة إلي ليبيا.
الآن النقاط تضع نفسها على حروفها،عندما زار الرئيس الإيراني السودان الشهر الفائت أفادت بعض التقارير الإستخباراتية ان السبب الرئيس لزيارة الإيراني أن سلاحاً من ليبيا دخل السودان،هو سلاح القذافي وكل حيلته،هذا السلاح إيران تريده لدعم مشاريعها وهي أولى به،بالتأكيد مقابله سوف تُحظى حكومة السودان بدعم مالي قد يفك ضائقتها،هذا إن كان السلاح تم نقله بواسطة الحرس الثوري الإيراني التي افادت التقارير انه استغل الثورة الليبية وحصد أكبر كمية من السلاح المتطور وخزنّها في مكان ما،غرب السودان،هذه الأرض السائبة،،في هذه الحالة فإن السلاح ملك إيران وان السودان أرض أمينة وآمنة تم إيجارها،أما إن كان الصحيح تلك المعلومات التي تقول ان القذافي عندما ضاقت به الضائقة هرب سلاحه خارج ليبيا دون إجراء أمني ظاهر،ففي هذه الحالة فإن السلاح أصبح لا صاحب له،مع العلم ان القذافي لم يسقط بعد..وهناك معلومات تُرجح بشدة أن يكون السلاح دخل مع خليل.وقد يكون السلاح جزء منه حصده الحرس الثوري والجزء الآخر بحوزة خليل ابراهيم.
أياً كانت ماهي المعلومة الصحيحة حول كيفية دخول السلاح إلي السودان،فالكارثة الحقيقية أن سلاحاً "يخوِّف" الأمم المتحدة،دخل السودان..إن الذي يدعو إلي البؤس ان هذا البلد يُمكن أن يُستباح على أكمل وجه وبرعاية كريمة من ولاة أمره،شرق السودان تعرض لكوارث أمنية لا زالت آثارها باقية بين المواطنين كله بسبب تهريب السلاح عبر هذه الأرض السائبة..
هناك آلاف الأبرياء عُلقت أورواحهم وحُبست أنفاسهم لأجل إيران ومشاريعها في المنطقة..الآن كيف ستتصرف الحكومة في أمر هذا السلاح،والتي لا زال بعض أطرافها ينفي كلياً ان يكون هناك سلاح ليبي...هل ستواصل الحكومة نهجها مع إيران وتواصل دعمها لمشاريعها على حساب أرض السودان وإقتصاد السودان الذي يترقب دعم الدول،مقابل لاشيء..؟ أم ستتغير سياساتها هذه المرة و"تحسبها صح" وهي تعلم كم هي بحاجة أن تُوقف دعمها لإيران...إن إستمرت الحكومة في نهجها مع إيران فالمأمن الوحيد أن يكون كل السلاح الليبي بحوزة خليل،ليس ليُمكنه من إسقاط النظام،بل لأنه ليس ثمة إحتمال أن يتم تمريره إلي قطاع غزة لصالح إيران على حساب أرض السودان.
التيار 9-10-2011 نشر بتاريخ 09-10-2011
العلمانية لا تخاصم الدين.. وإنما السلطة الدينية .
الجمعة, 07 أكتوبر 2011 02:02
مني أبوسنة
.في رسالة المفكر العفيف الأخضر إلي أردوغان بعنوان «مشروع مصالحة الإسلام والعلمانية»، يطالبه فيها بأن يكون قائدا لـ «مشروع القرن في الإسلام» وأن تكون قيادته، في البداية، محصورة بين مصر وتونس، وأن النخب، في هذين البلدين، متلهفة علي التحرر من تعصب قادتهما الديني ومن انغلاقهما علي
روح العالم الذي نعيش فيه، ويستطرد الأخضر قائلا إنه بفضل أردوغان يصبح الإسلام قادرا علي التصالح مع الحداثة بما هي مؤسسات ديمقراطية وعلمانية وقوانين وضعية، وبذلك يمكن تأسيس دولة علمانية في البلدين، والأخضر يعني بالعلمانية وقوف الدولة علي مسافة متساوية بين جميع الأديان، كما يري أن تحقيقها يستلزم قائدا استثنائيا.
هذه هي خلاصة مقال العفيف الأخضر، وهي خلاصة في حاجة إلي تحليل ونقد لمعرفة مدي صلاحيتها لتحقيق العلمانية في كل من مصر وتونس، وأنا أظن أن ثمة أفكارا في حاجة إلي توضيح وتعديل. القول إن المطلوب إحداث مصالحة بين الدين والعلمانية هو تحصيل حاصل لأن العلمانية ليست ضد الدين كإيمان وعقيدة إنما هي ضد السلطة الدينية المتمثلة في مؤسسة سواء كانت الكنيسة في المسيحية أو منظمة أصولية إسلامية تسعي لفرض معتقدها الأصولي علي المجتمع، ومن هذه الزاوية فإنه يمكن القول إنه لا مصالحة بين العلمانية والدين لأن الأصولية تعتبر العلمانية مهددة لمعتقدها، ولا أدل علي ذلك مما جاء من تصريحات للتيارات الإسلامية الأصولية في جريدة «المصري اليوم» بتاريخ 2/10/2011، إذ قال ممدوح إسماعيل نائب رئيس حزب «الأصالة»:
«إن لم يتمكن الإسلاميون من الوصول إلي الحكم مثل العلمانيين فنحن سلاحنا السيف في الوقت الذي يمتلك فيه عدونا «العلماني» قنبلة ذرية»، ثم استطرد قائلا: «إن الأحزاب الإسلامية لم تتحد حتي الآن في مواجهة الأعداء من العلمانيين»، كما حذر الشيخ مسعد أنور القيادي السلفي من إهدار فرصة تطبيق الشريعة الإسلامية خلال هذه المرحلة مؤكدا أن الإسلاميين لديهم فرصة ذهبية لتطبيق الشريعة وتمكين دين الله في الأرض»، مطالبا بالتمسك بها لأنها لن تتكرر وعليهم أن يقفوا جميعا علي قلب رجل واحد حتي لا يستغل العلمانيون تفرق التيارات الإسلامية ويفرضوا سيطرتهم علي البلاد ويضعوا قوانين ضد شرع الله.
واضح أن من هذه العبارات الحادة أن المصالحة بين العلمانية والأصوليين، أو الإسلاميين كما يسمون أنفسهم، أمر محال، وواضح كذلك من هذه العبارات أن الصراع ليس بين الإسلام والعلمانية إنما بين الإسلاميين والعلمانيين، ومن هنا أصبحت رسالة الإسلاميين تشويه العلمانية منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين في عام 1928، وكان من جراء هذا التشويه أن فصل منصور فهمي من الجامعة وكذلك طه حسين كما جرد الشيخ علي عبدالرازق من وظيفته وألقابه وقتل فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ. أما قول الأخضر بأننا في حاجة إلي قائد استثنائي فهذا القول ينطوي في جوهره علي الدعوة للدكتاتور لأن المسألة في العلمانية أنها حالة ذهنية تفكر في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق علي حد تعريف مراد وهبة للعلمانية. ومن شأن هذه الحالة الذهنية ألا تكون محصورة في قائدة استثنائي بل ممتدة إلي النخبة ومنها إلي الجماهير حتي لا يتحول هذا القائد إلي ديكتاتور كما حدث في تركيا أيام أتاتورك وفي مصر أيام جمال عبد الناصر.
وقد فطن منتدي ابن رشد الذي أشرف بأن أكون أمينه العام، إلي ضرورة تجاوز القائد الاستثنائي ولاتجاه نحو النخبة تمهيدا بعد ذلك للتوجه نحو الجماهير، فعقدنا ست ندوات منذ عام 2006 تحت عنوان «مؤتمر تأسيس العلمانية في مصر». وكنا نود من الأخوة العلمانيين في سوريا عدم تجاهل هذا الأمر المصري وهم يحاولون تأسيس العلمانية في سوريا بعد شهر واحد من العام نفسه الذي عقدنا فيه، الندوة الأولي، وذلك حتي يمكن إحداث تراكم علي جهدنا من قبل الاخوة العلمانيين السوريين.
وبناء عليه فأنا ادعو إلي عقد مؤتمر في القاهرة يضم العلمانيين المصريين والتونسيين والسوريين يكون تمهيدا لإجراء حوار بينهم من أجل الكشف عن كيفية مواجهة الإسلاميين، أو بالأدق الإسلاميين الأصوليين، حتي يمكن تأسيس تيار علماني عربي يدخل في حوار مع تيار علماني غربي من أجل تحويل الحضارة الإنسانية إلي حضارة علمانية تكون غايتها مشروعية التدين مع عدم مشروعية فرض عقيدة معينة علي البشر اجمعين بغض النظر عن معتقدهم.
الوفد 8/10/2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
font
الطيب مصطفي ..(محتسب ) الخلافة الثانية !
محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]
فتح منبرالسلام العادل بلاغاً جنائياً أمام نيابة أمن الدولة بالخرطوم في مواجهة امين عام قطاع الشمال بالحركة الشعبية ياسر عرمان بتهمة تقويض النظام الدستوري والتعامل مع دولة معادية بالاضافة للدعوة لمعارضة السلطة العامة بالعنف اوالقوة الجنائية ونشر الاخبار الكاذبة بموجب المواد (50)و(52)و(63)و(66) و(69)، وقام المنبر ممثل في المهندس الطيب مصطفى بفتح البلاغ تحت الرقم (4597) في وجود محامي المنبر الاستاذ سعد الدين حمدان المحامي أمام وكيل نيابة أمن الدولة مولانا اسامة هارون ، بسبب تحريض عرمان ضد السودان خلال كلمة القاءها بالكونغرس الامريكي بتاريخ (26/9/2011م) حرض فيها عرمان بتقويض النظام الدستوي بالبلاد ونشر اخبار ملفقة عن الحكومة السودانية دعا فيها الولايات المتحدة الامريكية للتدخل عسكرياً بتغيير الحكومة في السودان مدعياً ان الحكومة اعتقلت باوامر مباشرة من الرئيس عمر البشير الكثير من المدنيين ، بدوره قال محامي المنبر ان الاجراءات سوف تتبع ضد عرمان بتقديم طلب للمدعي العام لملاحقته بواسطة البوليس الدولي (الانتربول).
ذلك هو الخبر الذي قرأناه اليوم بكل تفاصيله المرقمة ! طبعا لاغضاضة في كل الدول التي فيها دساتير وقوانيين والتي تكفل لمواطنيها حقوقهم مثلما تلزمهم بالواجبات تجاهها ، فمن حق أي مواطن فيها أن يتوجه الى الجهات المختصة لفتح بلاغ ضد أي شخص أو جماعة لرد مظلمته ان كان له حقا مستحق ، بما في ذلك الحق العام ،طالما أن ذلك يصب في مصلحته كمتضرر ..أو يجبر ضررا عاما الحقه المشكو في حقه بالوطن .. لكّن أن يتصور أحدٌ ما بانه فوق الناس وان الوطن هو مزرعة خاصة لعائلته ولجماعته محصنة بسياح الملكية المطلقة التي تحرم علي بقية الرعية من العبيد الذين ينبغي أن يكونوا خداما فقط للذوات العليا المنزهيين عن الخطأ والمبرأيين عن الذلل وبالتالى الذين لا يستجوب نقدهم ولا ذمهم ..فذلك حقيقة ما يحدث في الدول التي يحكمها الخبل والوهم والاستخفاف بأهلها ..فيّنصب ذلك الأحد النكرة دون خوف من رادع أو توقع لتغيير جارف يمكن أن يكنس سياج تلك المزرعة ويرمي باصحابها الي مجاري الفضلات ان هي رضيت بهم !
لقد تلبس الغرور والجهل و الفقر الفكري المدقع. المدعو / زيفا بالطيب .. ونحن في حل عن المساس بابيه الذي قد يكون اصطفاه الله مع زمرة من اصطفاهم في رحمته..فهو الذي يقدّر مصائر عباده في آخرتهم. وقد ذهب الرجل عن دنيانا ولم يشهد ابنه الذي اختار له اسما على غير مسماه ، يتصرف باحساس الوصي علي عرش السودان الذي يحكمه قريبة الملك بقصر النظر وطول الذراع الباطشة. و اصبح أيضا وكأنه يتحدث بنبرة ( المحتسب ) المفوّض من السماء لتقويم مسلمي السودان الذين هم جهلاء بدينهم ودنياهم ، أما مواطنتهم فلم يبلغوا الحلم لنيلها بعد ، وعليهم أن يرضوا بمنة صفة التابعية التي يتكرم بها الرئيس الخليفة و الملك ونظامه الطاهر من الدنس وعفن الفساد وقريبة القابض علي مزاليج ابواب الرحمة بهم والغفران عنهم ، ان هم ربضوا خانعين حامدين شاكرين لفضل اولياء نعمتهم متوسدين روثهم خارج سياج المزرعة ، طالما أن فيهم ما يخرجه السبيلان من فضلات .فذلك يعني أنهم ينامون وبطونهم فيها ما يجعلهم يسبحون بحمد الانقاذ ويهتفون وأكفهم الى السماء بان يديم الله خيرها عليهم ويحفظه من الزوال .! أما اذا خار منهم عجل مارق ، وعلا صوته فوق صوت الداعين ! فلا بديل عند محتسب البقر المسمي بشعب السودان الا أن يعمل فيه سكين الفتوي باعتباره عجلا مريضا وجب تحليله ذبحا حتي لا يفسد ما تبقي من القطيع طاهر السلالة العربية الاسلامية. ويهدد عافيته الموفورة التي بثتها فيه الانقاذ بوفرة الامباز وسلسل المياه القراح .. افلا يشكر؟
تبا له من زمان . يولى علينا فيه المهوسين بسلفية النهج الذين أعادونا الي مؤخرة صفوف الأمم ، نحمل قرعات التسول وقد نهضت كل الشعوب وانتفضت ، حتي صفق لها العالم وصافحها مسلما بكف ليسلمها بالأخرى جائزة نوبل للسلام الذي يقود الى التحرر ، في توقيت يبحث لنا ذات العالم عن تفسير لصمتنا على عصابة تقطع اجنحة حمامات السلام كلما انتوت التحليق في سماء وطننا لتطفيء بنسمات اجنحتها حرائق الفتن التي أدمنت تلك الطغمة على اشعالها بالتتالي على مدى عمرها الممل والطويل ..وترمي بوزرها علي الآخرين في اعلامها وغفلة الصحافة المسماة زورا وبهتانا بالانتباهة وبتحريض مباشر من أقلامها الحاقدة المتمثلة في الطيب مصطفي وكورسه المنشز بسخيف القول . ومٌقذع الألفاظ من قبيل وصف ياسر عمران بالرويبضة أي الفويسق ! مما يحتم أن يجعلهم هم في قفص المساءلة القانونية عن ذلك القبح اللفظي .فضلا عن محاكمتهم علي نشر الفتن ونثر بذور الفرقة لتنبت شوكا في دروب هذا الوطن وشعبه التي نتلمسها للخروج من مأزقنا التاريخي.!
ولكّن وياللمفارقة حينما يصبح القانون والعدل .سوطا في يد الخائفين من اتقاد شعلة الوعي في تلك الدروب ، يتحولون هم الى الشاكي والضحية الى المشكو في حقه وهو ياسر وأمثاله من ابناء هذا الوطن الذين خرجوا من رحم اصالته وحملوا صحائف رسالته التي تحكى ثنايا سطورها فصول مأساتنا مع حكم التنطع والجهل للعالم فى علانية ودون مواربة ، وليس كتفاوض الزاحفين ذلا وهم يجثون تحت طاولة أمريكا خفاءا ويلعقون حذائها , فيما يضعون صوتهم فوق الطاولة مسجلا على أشرطة النفاق ، ينعق بدنو أجلها.! مهما اختلفنا مع ياسر عرمان أو الحلو أو عقار أو حتي خليل ، أو اتفقنا فاننا نجتمع يا محتسب الجمهورية الاقصائية العنصرية الثانية ، في صف المواطنة والمعارضة التي ترفضكم فكرا متخلفا تجاوزته عجلات الزمن ، وهي تدوس على عقليته الأن لتفتتها في كل شوارع الحرية وتذروه الي مزبلة النسيان رياح التغيير التي باتت قاب قوسين من ديارنا تطرق على ابواب المصارين اللاصقة احتماءا ببعضها وتوقظ العيون المخدرة بافيون الكذب باسم الدين الحنيف، وتفتح الأنوف التي اكزمتها نتانة رائحة فساد عهدكم القميء ، وتحرك السواعد التي شلتّها الة بطشكم الأمنية ال########ة، وتطلق السيقان التي كتفتموها بالبطالة.
وقبل أن نقف حيالكم غدا وهو لناظره قريب أمام عدالة العهد الجديد المفعم بالتغيير نصا ومعني في سودان الثورة التي لن ترحم كل مجرم نال من حق وطننا وكرامتنا . فاننا نشكوكم الي عدالة الخالق الذي لا يختل له ميزان ولا يضيع عنده حقٌ لمظلوم ،ولكّن من تجليات كرمه ورحمته علي عباده الظالمين ، أنه يمهلهم ليثوبوا الى رشدهم.وحينما يسدرون في البغيء والظلم مثلكم ولا يعيرون بابه المفتوح نظرة.. فانه من رحمته ايضا على المظلوم.. لا يهمل النيل من الظالم كثيرا. انه المستعان .. وهو من وراء القصد
نشر بتاريخ 10-10-2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
السودان بين الحكومة العريضة والحياة الضيقة
يتحدث النظام السوداني مع الأحزاب السياسية، عن حكومة ذات قاعدة عريضة، ويناور ويماطل كالعادة، بينما الحياة اليومية تزداد ضيقا
التاريخ: 11 أكتوبر 2011
حيدر ابراهيم على
يتحدث النظام السوداني مع الأحزاب السياسية، عن حكومة ذات قاعدة عريضة، ويناور ويماطل كالعادة، بينما الحياة اليومية تزداد ضيقا وبؤسا وعنتا لن تجدي معه عمليات التوسيع الحكومي، طالما لم تخاطب القضايا الحيوية الحقيقية. وتبدو الساحة السياسية السودانية أقرب إلى الغرائبية السحرية، منها إلى الواقع والحياة الملموسة. وهذا أدى إلى شعور قوي بأن ما هو موجود، حكومة افتراضية، رغم أنها تتحدث عن حكومة إلكترونية.
وهي حين تتحدث عن الاقتصاد، والحريات، والديمقراطية، وتطور التعليم، والثقافة والفنون، والثورة الزراعية، وحتى إنجازات الرياضة؛ لا يدرى هل تقصد السودان الذي يعيش فيه الشعب السوداني، أم تتحدث عن بلد تحكمه في كوكب آخر؟
هذه معضلة حقيقية تجعل من الصعب فهم مشكلات السودان، وبالتالي العمل على حلها، إذ لا بد من أرضية مشتركة يتفق فيها الناس على وجود مشكلة أو أزمة، ثم يختلفون حول الدرجة، أي مدى اتساعها أو انتشارها أو عمقها. وقد تختلف الأطراف حول أسباب الأزمة، ولكن ليس حول وجودها أصلا. وهذا لا يعني نسبية الحقيقة والواقع، ولكنه مثال ناصع الوضوح لكيف يمكن أن يحكم شعب بأكمله، بالمغالطات وتزييف الوعي والواقع.
وما زال الناس مندهشين للحوار الذي جرى على الهواء مباشرة حول الأزمة الاقتصادية، بين الأستاذين ربيع عبد العاطي والطيب زين العابدين، وتتساءل أين يوجد هذا السودان الذي تحدث عنه ممثل الحكومة، وهم يعيشون فيه فعليا؟ وبالطبع يحتار الشعب: هل هذا ما تراه الحكومة حقيقة أم ما تتمناه؟ وبين الأمنيات والواقع يضيع عمر الشعب السوداني، ويصادر النظام مستقبله، بعد أن فرط في تاريخه وخرّب حاضره. ولا بد من وقفة جادة، بعيدا عن السياسوي الفج الممارس، والضجيج العاجز الذي يملأ الورق والمواقع الاسفيرية.
بداية، لا بد من تفسير ظاهرة الحكومة الافتراضية، والتوغل في المغالطات السافرة والجريئة، وكيف نمت وتطورت وصارت طبيعة ثابتة للنظام؟ يبدو أن مثل هذه النظم لا تعترف بأنها تحكم شعبا، وعليها واجبات ومسؤوليات لا بد من القيام بها.
فالنظام الذي جاء عن طريق القوة والانقلاب على سلطة شرعية سابقة، يسعى لتأكيد وهم أنه لم يفوضه الشعب ولا يحتاج لتفويض شعبي، وتكفيه الشرعية الثورية التي أوصلته للسلطة قفزا على صناديق الانتخابات والبرلمان. وما الفجاجة التي خاطب بها العقيد التائه القذافي، شعبه؛ إلا الدليل الدامغ على السلوك الشاذ لمثل هؤلاء الحكام. وهذا السلوك يهدف إلى حرمان الشعب ــ بطريقة غير مباشرة ــ من حق المحاسبة والمساءلة.
وهم يحتقرون كل ما له صلة بشعبهم، حين يتعلق الأمر بالسياسة والتفكير وتدبير أمور الحكم، ويظهرون عدم احترامهم لرأي الشعب فيهم، وفي سياساتهم. وأقرب مثال وأشده دلالة: الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان. فحين يقوم الشعب ومجتمعه المدني، والذين يقع عليه عبء الانتهاكات من تعذيب وسجن وإذلال، بكشف تلك الممارسات المخجلة، يتجاهل النظام أصواتهم ويتهمهم بالعمالة والخيانة.
ولكن حين تأتي نفس الاتهامات من منظمات خارجية ودولية، مثل منظمة العفو الدولية أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ينزعج النظام ويشكل اللجان الوهمية للتحقيق. ونتابع كل عام السيرك الذي ينصبه النظام في جنيف في الأمم المتحدة، بهدف إبطال صدور أي قرار ضد سجل السودان في حقوق الإنسان. ومن العجيب أن النظام السوداني يهتم بصورته في الخارج، ولكن لا يهتم مطلقا بما يقوله السودانيون عن الفساد وانحرافات المسؤولين!
تتسم علاقات مثل هذه النظم مع شعوبها، بقدر كبير من الانفصام المرضي، أو علاقة حب ـ كراهية حسب المضمون الفرويدي. فهي تحتاج هذه الشعوب لكي تؤيدها وتسير لها المواكب والتظاهرات، وفي نفس الوقت لا تريدها أن تشارك في اتخاذ القرارات. وفي أحيان كثيرة، يصف النظام السوداني المعارضين له بالمتمردين وقطاع الطرق والمرتزقة والشماسة. وقبل فترة وصف مستشار الرئيس للشؤون الخارجية، السودانيين في الخارج بالمتسولين.
وقبل أسابيع، طلب والي الخرطوم، من غير القادرين على تحمل أعباء الحياة في العاصمة، أن يعودوا إلى قراهم ومناطقهم الريفية. وقد جاء هذا الحديث والدعوة في سياق مناقشات تدهور الخدمات ونوعية الحياة في العاصمة القومية. وهذا حل أقرب لتصورات مالتوس عن الزيادة، وأقرب لتعامل هتلر مع اليهود والغجر في ألمانيا.
ومن البديهيات أن جماعة سياسية حين تسعى إلى السلطة والحكم، تكون لها رؤى وبرامج لتحسين أوضاع المواطنين المادية والروحية. ولكن النظام السوداني يبدو أنه أراد السلطة من أجل السلطة في حد ذاتها، مثل نظرية الفن للفن.
وفي هذه الحالة، تصبح السلطة والحكم هدفا مطلقا ومجردا، غير مشروط بغايات معينة كالتنمية أو التقدم مثلا، خاصة حين تطمئن وتستريح ولا تشعر بخطر حقيقي على وجودها. وهذه ليست تهمة مرسلة مجانا، فلدينا دليل لا يرد، في تعامل النظام السوداني مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، وهي أزمة أضحت مستعصية بسبب التجاهل المتعمد، وأزمة خانقة طالت حتى الطبقات الوسطى العليا.
ويؤكد النقاش الرسمي للأزمة، حقيقة الاستخفاف بعقل الشعب السوداني، وقد تجسد ذلك في الأفكار المطروحة، وبعض الممارسات. فقد ظهر نفس الخبراء الذين قالوا بعدم تأثير انفصال الجنوب على الاقتصاد السوداني، لكي يعددوا أضرار تلك الخطوة، وجميل أن يحل علم ما محل السياسة والأيديولوجيا. ويطرح تفسير اقتصادي ـ ديني أخلاقي، يرجع الأزمة إلى تبرج الفنانات السودانيات، وإلى الأغاني الهابطة، وإلى ابتعاد الناس عموما عن صحيح الدين.
وفي الممارسات، قادت الحكومة مسرحية مقاطعة اللحوم، تحت شعار «الغالي متروك»، وهو شعار خاطئ ومقلوب، لأن الدول الجادة تقوم برفع مستوى حياة مواطنيها ودخولهم، ليصبح شعارهم «الغالي مطلوب»، لأن قوتهم الشرائية ارتفعت ويبحثون عن السلع الجيدة الغالية.
وفي هذه الأثناء تدهور سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، فانطلقت حملة ضد تجار العملة. وتزامن مع ذلك، القبض على «لصوص» سرقوا ما يفوق الـ200 مليون جنيه، جلها من العملات الأجنبية، من رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني. واهتم الناس بالقبض على السارقين، ولم يسأل أحد عن أسباب تجول هذه المبالغ خارج النظام المصرفي؟ الإجابة تساعد في الوصول إلى تجار العملة الحقيقيين، ومصدر الأزمة الاقتصادية.
أما المخطط الكبير والخطير للإلهاء والاستخفاف، فقد كان طرح مشروع الحكومة ذات القاعدة العريضة في هذا الوقت. وقد كان الهدف شغل قوى المعارضة والأحزاب السياسية بالمشاركة وتوزيع المقاعد الوزارية، والأهم من ذلك التسبب في الانقسامات الداخلية. ورغم خروج تظاهرات محدودة وعفوية، إلا أن النظام نجح في تعطيل القوى المؤثرة.
البيان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
font
الخرطوم والعالم يتفرجان على حال الاقتصاد
خالد التجانى
ما كان السيد وزير الخارجية في حاجة لنفي ما أوردته «رويترز» على لسانه عند لقائه بالصحفيين عقب اجتماعه بوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في باريس مساء الخميس الماضي لبحث مسألة ديون السودان الخارجية وتخفيف وطأتها على اقتصاد البلاد المتداعي بعد التقسيم, خاصة أن خدمة هذه الديون تراكمها سنوياً بنحو مليار دولار.
ما أزعج الوزير ان صحف الخرطوم تواطأت على تلقف مانشيتاً ساخناً من تصريحاته مستلة تعبير»العالم يتفرج واقتصاد السودان ينهار», وله العذر في إنزعاجه ومحاولة تدارك الأمر, فالحرج السياسي في هذه الإفادة لا تخطئه العين خاصة في خضم الأوضاع الاقتصادية والسياسية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ أن اعتمر الجنرال سلفا كير ميارديت قبعته الشهيرة ورحل بالجنوب إلى دولة مستقلة, تاركاً الشمال متخبطاً في أتون أزماته لا يكاد يفيق من أحدها حتى تعاجله آخرى, ويبدو أن الخرطوم اكتشفت بعد خراب سوبا أن الجنوب الذي استهانت بأمره أعظم شأناً وأبعد أثراً مما كان يتخيله عتاة الانفصاليين الشماليين وتابعيهم بغير إحسان الذين زين لهم ظن آثم أنه يكفي لإدارة شأن الدول توفر «الحلاقيم الكبيرة والشعارات المزيفة والأماني الكذوب» وليس عصارة أفكار وأعمال دهاقنة الاستراتيجيين والمخططين ورجال الدولة المرموقين المدركين أن «المصالح الوطنية» ورعايتها مسألة مصيرية ذات خطر في حياة الأمم لا ينبغي أن تصبح سداح مداح في سوق اللغو السياسي وفي أيدي الهواة.
ما كان وزير الخارجية محتاجاً للنفي, على الرغم من الحرج السياسي الذي لحقه, ببساطة لأن لسان الحال أبلغ من أي مقال, فالنفي لا يغير من حقيقة أن الاقتصادي السودان يواجه شبح الانهيار, ربما كانت كلمة انهيار ثقيلة الوقع على الآذان, حسنأ لنستخدم كلمة آخرى أخف وطأة ومع ذلك ما تغير وصف الحال المأزقي الذي لم يعد مجرد ارهاصات وطلاسم حول خطورة تدهور أداء الاقتصاد الكلي طالما حذر الخبراء والمحللون ومؤسسات دولية من وقوعها قبل سنوات ولا حياة لمن تنادي, بل باتت أزمة خانقة شاخصة تدق بعنف حياة كل سوداني في حياته اليومية, يشكو من بأسها الميسورون بأكثر مما يفعل رقيقو الحال ذوي الدخل المحدود, والذين لا يسألون الناس إلحافاً.
ما كان ينقص تصريح وزير الخارجية من إفادة ليكتمل الوجه الآخر للحقيقة أن ما يقف متفرجاً حقاً على انهيار الاقتصاد السوداني, ليس العالم فحسب, بل من عجب نظام الحكم في الخرطوم, فإن كان للدول النافذة حساباتها ومصالحها في الوقوف متفرجة تتغاضي عن إنقاذ الاقتصادي السودان على الأقل بالتخفيف من حجم الدين الخارجي الكبير الذي يثقل كاهله دعك من تقديم يد العون له وهو يدفع فاتورة باهظة جراء تسليم الحكومة بتقسيم البلاد, ليس مجاناً فحسب بل بالقبول به دون تبصر في عواقبه الوخيمة التي تنذر بذهاب ريح ما تبقى منه, إذا كان ذلك كذلك فما بال نظام الحكم وقف, ولا يزال, متفرجاً عاجزاً عن فعل ما يستوجب درء الخطر الداهم وما كان ذلك أمراً خفياً أو غير معلوم لأركان الحكم
وقف الحكم متفرجاً حين كان بيده أن يستخدم أقوى ورقة بيده, ربط الموافقة على إجراء الاستفتاء والقبول بنتيجة الانفصال الذي كانت محتوماً بوفاء المجتمع الدولي بتعهداته التي أقر بها وهو يسوق الخرطوم سوقاً إلى توقيع اتفاقية السلام الشامل, وإلى تنفيذها حتى تحقيق أخطر بنودها, تعامل نظام الحكم بخفة مع استحقاقات تسوية نيفاشا الخطيرة منتظراً أن تتحلى القوى الكبرى ب»الأخلاق الحميدة» وتفي بوعودها المبذولة لوجه الله, ولماذا تمنحك مقابلاً ما دمت مستعداً للخضوع لمطالبها مجاناً, أليس غريباً ومثيراً للتساؤل والحيرة ألا يستفيد الحكم من تجربته في التعاون اللامحدود مع واشنطن في حربها على الإرهاب وأعطت ولم تستبق شيئاً وتجاوزت كل الخطوط الحمراء ورضيت من الغنيمة بالإياب صفر اليدين, أو أن ذلك أنجاها من غضبة ضربة امريكية عسكرية كما حاول عراب ذلك التعاون تبريره لاحقاً.
لقد أبدى وزير الخارجية دهشته أن العالم يقف متفرجاً على تداعي الاقتصاد السوداني «على الرغم من أنه لم يعارض تقسيم البلاد», ولكن هل كان على العالم أن يفاوض نفسه نيابة عن الحكومة السودانية ويدافع عن مصالحها لأنها ببساطة لم تفعل ذلك, منتظرة أن تتبرع العواصم الكبرى بذلك من تلقاء نفسها؟! لا يخرج الأمر من أحد احتمالين, إما عدم وجود رؤية لاستراتيجية واضحة للأمن القومي تستتبعها غفلة وقلة كفاءة وخبرة وعجز عن إدارة المصالح الوطنية والمسألة هنا لا تتعلق بأداء وزارة الخارجية بل بنظام الحكم كله, والاحتمال الثاني أن الحكم يستصغر من شأن الأوراق التي يملكها ويخشى من إثارة غضب الدول الكبرى وعواقب ذلك إن استخدمها لتعديل كفة استحقاقات عملية السلام الخطيرة بما يضمن على الأقل اقتصارها على تقسيم سياسي لا تمتد آثاره الكارثية على الاقتصاد وعلى فرص الحفاظ على وحدة ما تبقى من البلاد.
لا يستطيع الحكم في الخرطوم لوم العالم على تقاعسه عن الحفاظ على مصالح البلاد متحملاً وحده تبعات التقسيم, وما يدعو للاستغراب أنه حتى واشنطن التي يعتبرها نظام الحكم, الشيطان الأكبر وعدوه اللدود على الرغم من تعاونه اللامحدود معها رجاءً في كسب ودها, أقرت في استراتيجية أوباما بشأن السودان التي أعلنها في أكتوبر 2009 بضرورة أن تخلف دولة السودان الموحد دولتان قابلتان للحياة في الشمال والجنوب إن حدث التقسيم, لأن عدم الاستقرار في أي منهما سيؤثر بالضرورة سلباً على الأخرى, بل إن وزيرة الخارجية هيلري كلينتون أعلنت في محاضرة لها بإحدى مراكز صنع القرار الأمريكية العام الماضي, أنه لا يمكن أن يتصور أحد أن يفقد الشمال ثمانين بالمائة من موارده بانفصال الجنوب دون أن يتعرض للانهيار وأنه عطفاً على ذلك فإن مصلحة دولة الجنوب تستلزم أن تتوصل لصيغة لاقتسام النفط مع الشمال تجنبه مخاطر هذه الصدمة.
لكن ذلك كله مر دون أن يستفيد نظام الحكم من الفرص التي أتاحتها تلك المعطيات المهمة في حسابات الإدارة الأمريكية في سودان ما بعد التقسيم, والأدهى من ذلك أن واشنطن التي راودتها شكوك من أن الخرطوم ستمارس هوايتها في «نقض العهود» ولن تسمح بتمرير الاستفتاء والقبول بالتقسيم مما سيبدد كل استثمارها السياسي في عملية السلام, سارعت في سبتمبر من العام الماضي, قبل اشهر قليلة من موعد الاستفتاء, إلى عرض خريطة طريق على الحكومة السودانية وتضمن العرض الامريكي سياسة حوافز خطوة خطوة تربط التقدم بإتجاه تنفيذ الاستفتاء والقبول بنتائجه وصولاً إلى تطبيع العلاقات بين البلدين في خاتمة المطاف والذي تعتبره الخرطوم سقفاً لمطالبها
لقد جاءت الفرصة للخرطوم على طبق من ذهب لتفرض شروطها أخيراً من أجل تحقيق شئ من مطالبها, وكانت المفاجأة أن مفاوضي الحكومة أعادوا على مسامع المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق للخرطوم قريشن الذي جاء حاملاً العرض المغري, الاسطوانة المشروخة أن واشنطن ظلت تتهرب من عدم الوفاء بتعهداتها للخرطوم وأنها لم تعد تثق في وعودها, وكانت المفارقة التي ربما ألجمت لسان المبعوث الأمريكي أن المسؤولين في الحكومة السودانية بدلاً من أن يهتبلوا الفرصة التي جاءتهم أخيراً أبلغوه ببساطة أنهم ملتزمون بإجراء الاستفتاء في موعده وبنتائجه بغض النظر عن الوعود الأمريكية معتبرين أن ذلك التزاماً أخلاقياً من جانبهم للوفاء بما تعهدوا به في اتفاقية السلام!!!.
رحم الله الزعيم الراحل أنور السادات فقد انتشاته أسهماً كثيراً حين وقع اتفاقية كامب ديفيد, فإن كان فرط في الدور القومي لمصر على صعيد القضية الفلسطينية فإنه يحسب له أنه لم يفرط في مصالحها الوطنية فقد خرج من تلك الاتفاقية التي فرضتها توازانات القوة الإقليمية والدولية وقتها بمكاسب لبلاده لا تخطئها العين فقد استرد لها أرض سيناء المحتلة, وضمن لها مساعدات أمريكية عسكرية ومدنية بمليارات الدولارات سنوياً, صحيح انه يمكن المجادلة إن كان ذلك ثمناً كافياً يوازي حجم مصر ودورها القومي, لكن المؤكد أن القاهرة لم تصالح إسرائيل سياسياً مجاناً, وتلك هي قواعد لعبة الأمم لا تدار بالصدف ولا بالنيات الطيبة, ولكنها لعبة توازنات ومصالح يتقنها من يرتقون فعلاً لمصاف دهاقنة رجال الدولة, وتلك هي طبيعة الاشياء ونواميس الكون لا أحد ضعيف على الإطلاق, ولا أحد قوى على الإطلاق, فللقوة حدود أيضاً, ولكن الفرق يأتي من براعة الساسة والحكام في فهم قواعد اللعبة والحذق في ممارستها.
ولئن كان ذلك تفرجاً من الحكم وهو يبدد أهم أوراق قوته في دهاليز السياسة الدولية مشترياً تقسيم السودان بثمن باهظ, مبدداً وحدة البلاد ليس مجاناً فحسب بل أصبح يتعين عليه أن يدفع اغلى من عنده ليشتري بضاعته بدلاً من أن يبيعها فإن لم يكن من ذلك بد, إن جاز التشبيه والتعبير, ألم تكن تستحق عائداً مجزياً. فالحفاظ على حدة السودان لم تكن أبداً مسألة عاطفية ولكنها في صلب معادلات وحسابات أمنه الوطني الحقيقية, إن كان هناك وعي بها أصلاً, فهل يعقل أن تطفئ النار في حوش دارك ليكون البديل إشعالها داخل غرفة نومك؟!!!.
سيظل العالم يتفرج, بمن فيهم من يحسبهم نظام الحكم من حلفائه وأصدقائه, ليس فقط على الاقتصاد السوداني ينهار, بل والنظام نفسه يتداعى, لأنهم يرونه بأعينهم يدمن التفرج على أزمات البلاد, ويعيد إنتاجها ببراعة لا يحسد عليها, ولماذا لا يحدث ذلك والطاقم الحاكم بعد أكثر من عشرين عاماً لا تزال شهيته للبقاء في السلطة مفتوحة, لم تلهمه تجارب مريرة ولم تسعفه السنوات الطوال ان يتعلم شيئاً أو ينسى شيئاً, مستكثراً أن يفسح المجال لدماء جديدة ذات كفاءة وقدرات حتى من داخل حوش حزبه, دعك أن تسمح طبقة السلطة المنغلقة بفتات لمن هم خارجه. فمن أين يأتي الرجاء في الإصلاح!!!.
ولا يزال الحكم يتفرج والاقتصاد ينهار, حتى وهو يحذر بالثبور وعظائم الأمور بمضاربين أنحى عليهم باللائمة في محنة الاقتصاد الحالية, وهو أمر لا يعدو أن يكون مجرد هروب من الأسباب الحقيقية المرة لهذه الزلزال الاقتصادي الذي غشي كل دار, فالمشكلة ليست هي غلاء الاسعار ولا انفلات التضخم من عقاله ولا حتى الانهيار السريع لقيمة العملة الوطنية, فهذه كلها مجرد أعراض ونتائج وليست أسباب, وما تحاول الحكومة فعله لتدارك الأمر لا يعدو ان يكون جرياً وراء سراب, وعلاج لمظاهر لا لأسباب المرض, المشكلة الحقيقية هي أننا نواجه الآن نتائج الإدارة الكارثية للاقتصاد الوطني على مر السنوات الماضية, المسالة ببساطة هل لديك وفرة إنتاج , هل لديك صادرات تستطيع المنافسة, هل لديك استثمارات أجنبية مباشرة يعتد بها, هل لديك توظيف رشيد لموارد البلاد, وقبل ذلك هل لديك استراتيجية اقتصادية خلاقة, هل لديك تخطيط سليم, هل لديك إدارة كفؤة وفعالة قادرة على تحريك قطاعات الإنتاج وموارد البلاد الكامنة, هل لديك شفافية وعدالة ورشد ومكافحة حقيقية للفساد, هل لديك توظيف صحيح لموارد البلاد للصالح العام, إن كان لديك شيئ من هذا فلن تحتاج لإجراءت صارمة ولا جزاءات رادعة ضد أعداء متوهمين في حين يظل الأعداء الحقيقيون حريصون على استمرار الوضع الضي حقق لهم مصالحهم. بيد أن ما هو أهم من ذلك كله لا سبيل لإصلاح اقتصادي حقيقي بدون إصلاح سياسي عميق الجذور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
يهدوا فيها وتنادى في مغاويها)
سعاد ابراهيم عيسى
يضرب هذا المثل لمن لا يهتدي بالنصح، بل يسير في ذات الطريق الذى حذر من السير فيه. الحكومة الحالية من أكثر الحكومات التي ترفض أي نصح يأتي من خارجها، خاصة ان ارتبط ذلك النصح بضرورة التضحية بأى مقدار من السلطة أو الثروة، حينها فإن الإصرار على السير في ذات طريقها القديم يزداد إصرارا. وطريق الحكومة التي اختطته لنفسها، وسارت عليه طيلة سنوات حكمها الطويلة، هو طريق الانفراد بالسلطة والثروة وحرمان الآخرين منها، وهو ذات الطريق الذى أوصل الوطن والمواطن إلى كل الأزمات والمشاكل التي يعيشها اليوم، ورغم أن الحكومة قطعت ?ل ذلك المشوار منفردة وبإصرار عجيب، لم يمنعها كل ذلك من أن تحاول اليوم إقناع الآخرين ممن أقصتهم سابقا، لا للمشاركة العادلة معها في شئون الحكم، ولكن (ليشيلوا معها الشيلة الثقيلة الحالية) وليكملوا معها بقية المشوار بكل حفره ومطباته العميقة والتي صنعتها ذات الحكومة بيدها دون أية مشاركة من أحد.
. فالحكومة تعيش اليوم أزمة اقتصادية تنوء بحملها الجبال، أدت إلى كل التناقضات في الأقوال والأفعال التي تصدر منها، فتضاعف من أزمات المواطن، وتزيد من حالة فقدانه للثقة في كل ما يصدر منها مستقبلا. فالانهيار الاقتصادي الذى علمه القاصي والداني وبكل تفاصيله الدقيقة، أصبح لدى بعض المسئولين مجرد (كلام فارغ)، فقد أنكرت الحكومة أن يكون لسياساتها أي دور في حدوثه، بل أرجعته جملة وتفصيلا لانفصال الجنوب. وانفصال الجنوب هذا، كان نظر ذات الحكومة إليه قبل حدوثه، على أنه سينزل بردا وسلاما على الشمال وحكومته، ثم عادت اليوم لتج?له على رأس، بل أساس ما آل إليه الوضع الاقتصادي المنهار حاليا. حيث افتقدت البلاد بسببه، نصف عائدات النفط، التي كانت تتمتع بها الحكومة سابقا ودون أدنى تحسب لفقدانها. ثم لو صدقنا الحكومة وبراءتها من التسبب في الانهيار الاقتصادي لأنه من صنع انفصال الجنوب، فمن الذى تسبب في فصل الجنوب بداية؟ وهنا أيضا تحاول الحكومة ان تخلى طرفها من مسئولية الانفصال، التي وان كان لحكومات سابقة ضلع فيها، إلا أن حكومة المؤتمر الوطني هي التي مهدت لإمكانية الوصول به إلى غاياته وبكل سهولة ويسر..
ولم يقتصر تبرير المشكل الاقتصادي على انفصال الجنوب وحده بل أضيفت له مبررات أخرى، فحالة احتضار الجنيه السوداني في حضرة الدولار الأمريكي، تم إرجاع انخفاض قيمة الجنيه بسبب تسرب عملات سودانية من الجنوب للشمال واستبدالها بالدولار، وبسبب تحويلات الجنوبيين بالشمال لأموال تعويضاتهم التي تحصلوا عليها بعد أن تم الاستغناء عن خدماتهم بمجرد انفصال دولتهم عن الشمال، تحويلها بالدولار، ولم تهمل المبررات بعض الشركات التي تعمل على تحويل أرباحها بالدولار وللخارج. ثم اختتمت مبررات ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، بالمضاربات ا?تي يقوم بها تجار العملة، الذين تم تهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور ان لم يكفوا عن أفعالهم غير الوطنية. ولم تفد تلك التبريرات، وبعدها التهديدات شيئا في معالجة المشكلة، بقدر ما قادت إلى الاستمرار في ارتفاع سعر الدولار والمزيد من استفحال الأزمة، ولو تذكرت الحكومة، أن محاولة العلاج عن طريق التهديد والترهيب قد مارسته من قبل، وبأقسى وأقصى حدوده، ولم يثمر نفعا، لبحثت عن معالجات أخرى، وتجنبت تجريب ما هو مجرب.
وفى إطار معالجاتها للموقف الاقتصادي الحرج، أعلنت الحكومة إنها ستعمل على خفض إنفاقها وهو الحل المتاح لها الآن.ولكنها كثيرا ما تقول غير ما تفعل. فخفض الإنفاق الحكومي يتطلب فيما يتطلب، تقليل عدد المؤسسات الدستورية وشاغلي مناصبها بداية، ومن بعد تقليل مخصصاتهم. ففي مرحلة سابقة والحكومة ترفع ذات الشعار، سمعنا بأنها تسعى لجمع ولايات دارفور لتصبح ولاية واحدة، أي كما كانت سابقا، وذلك مسعى حبذا لو امتد فعله ليشمل كل ولايات السودان الأخرى حتى يعيدهم إلى أقاليمهم القديمة. لكن مشكلة الترضيات والموازنات القبلية التي أد?نها المؤتمر الوطني، كثيرا ما تحول دون تحقيق ذلك الهدف. فاليوم، والأزمة الاقتصادية تمسك بخناق الحكومة والمواطن، تعلن ذات الحكومة رافعة شعار خفض إنفاقها، بأنها بصدد زيادة ولايات دارفور لتصبح خمس بدلا من ثلاث، بمعنى أن يصبح لكل ولاية واليها، ومجلس وزرائها، وجهازها التشريعي، وما يمكن أن تتمخض عنه عبقرية الولاة، من ضرورة إحاطة كل منهم بمجموعة مستشارين، وحبذا لو تساوى عددهم بعدد الوزارات، التي لن يستشاروا في أي شأن من شئونها قطعا.
فالمؤتمر الوطني أعلنها صراحة، بأن التوسع في عدد ولايات دارفور سيمكن من التوسعة ف? الفرص الدستورية، وعلها تفي بحاجة قيادات الحركات التي اتفق معها أخيرا، والتي قطعا ستهجره ان فشل في تطييب خاطر كل قياداتها. هذه هي إحدى المعالجات التي اعتمدتها الحكومة لصالح الوضع الاقتصادي، فماذا فعلت لمعالجة المشكل السياسي الذى قاد إليه؟
المؤتمر الوطني، وهو على ثقة تامة بأن أحزاب المعارضة عاجزة ومصابة بكساح سياسي، افقدها القدرة على الحركة لتحريك الشارع، من أجل تحقيق هدفها اليتيم، إسقاط النظام، لم تمنعه كل تلك الثقة من اتهامها مرة أخرى بأنها وراء حركة بعض الشوارع. التي تحركت احتجاجا على (عمايل) المؤتمر الوطني، وأخطاء سياساته الاقتصادية، التي أدت إلى الأزمة المعيشية الحالية. فقد اجبر المواطن على الخروج إلى الشارع، لا ليسقط النظام، وهو بستاهل، ولكن ليعبر عن الضنك الذى يعيشه، عسى أن يجد أذنا صاغية تعمل على تخفيف معاناته. وبما أن حزب المؤتمر ال?طني قد تعود على ألا يسمح لصوت معارض ان يطرق أذنيه، كانت دهشته لخروج جماهير بعض محليات الخرطوم وغيرها، لتفرض عليه أن يستمع لمطالبها ومظالمها.
وكالعادة، فبدلا من أن يغترف المؤتمر الوطني وحكومته بأسباب ودوافع تلك المظاهرات، ومن بعد توضيح طرق ووسائل معالجتها، انصرف الجهد نحو البحث عن شماعة لتعليق الأسباب عليها، وكان الحزب الشيوعي هو الحيطة القصيرة، التي صعد فوقها السيد نافع وأعلن بأن المظاهرة التي قام بها سكان محلية برى، تمت بدافع من ذات الحزب، يعنى ما بسبب الغلاء الطاحن الذى طحن المواطنين بطول وعرض البلاد. و?مزيد من إلصاق الاتهام بالحزب الشيوعي، أوضح سيادته، بأن( واحد مقرش) من الحزب الشيوعي قام بالصرف على تلك المظاهرة ، ورغم جهلنا لمن هو (المقرش) بين قيادات وعضوية الحزب الشيوعي، أكثر الأحزاب زهدا في القروش، نسأل السيد نافع عن أهمية التمويل وضرورته في مثل هذه الظروف، التي تتحرك فيها الجماهير تلقائيا، عندما تستفحل مشاكلها خاصة الحياتية، وتستعصى عن الحلول، فتخرج إلى الطرقات لتعبر عن حالها على الأقل، بعد أن كممت أفواهها سنين عددا.
ويبدو أن الأمر قد اختلط على سيادته، فاعتقد أن كل من يخرج للشارع في مظاهرة أو مسيرة،?لابد من أن يجد من يتكفل بترحيله وربما تحفيزه، كما درج حزبه على فعله، في كل مسيراته المليونية منها والمئوية. ثم كيف أصبح الحزب الشيوعي بين عشية وضحاها، بمثل هذه القوة والقدرة التي تمكنه من تحريك الشارع، وكان بالأمس القريب ضمن غيره من الأحزاب العاجزة عن إقناع الجماهير الواثقة في المؤتمر الوطني وحكومته، والمتفهمة لظروفهما، بالخروج ضدهما؟
وثقة المؤتمر الوطني في عجز الأحزاب الأخرى، مرجعها كون أنه الفاعل لكلما أصاب تلك الأحزاب من شلل اقتصادي كان أو سياسي، فالمؤتمر الوطني افلح تماما في تحقيق هدفه في شق صفوفها، واقتناص بعض قياداتها خاصة الفاعلة، ثم بتشجيعه للانسلاخات من صفوف أي حزب أو حركة، وفتح أبوابه وربما خزائنه، من أجل احتضان المنسلخين وضمهم لصفوفه، ومن كثرة إعلانات المؤتمر الوطني عن أعداد المغادرين لأحزابهم أو غيرها، وميممين شطره، والذين يستقبلهم مهللا مكبرا، أوشك ان يصبح المؤتمر الوطني (حزب المنشقين). فلا يمر يوم دون ان نقرأ بالصحف عن?ترحاب المؤتمر الوطني بالمنشقين من هذا الحزب أو تلك الحركة. ففي يوم واحد قرأنا ترحاب المؤتمر الوطني بمن انشقوا عن حركتي عقار والحلو، ومن حركة عبد الواحد، وطبعا من الأحزاب التي ألفت كوادرها الانشقاقات وتفريخ الأحزاب الفرعية، كحزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي الأصل. وبمثل ذلك السلوك، عمل المؤتمر الوطني على تخريب علاقاته مع تلك الأحزاب، الأمر الذى لن يشجعها على التجاوب مع أي من نداءاته لها حتى ان كانت صادقة.
فقد فشل المؤتمر الوطني في الوصول إلى اتفاق مع ذات الأحزاب الذى ظل يعبث بعضويتها، لأجل المشاركة في الحكم معه. وكما أسلفنا، فإن المؤتمر الوطني يرغب في مشاركة الأحزاب في السلطة التنفيذية دون غيرها، وبالمواصفات والطرق التي يحددها وحده. وعندما رفضت الأحزاب مثل تلك الشراكة، التي ان تمت فستدعمه وحكومته، ولا تفيدها بقدر ما تفقدها جماهيرها الرافضة رفضا قاطعا لها، أي الشراكة. كان رد المؤتمر الوطني، أن تلك الأحزاب قد ركلت القضايا الوطنية بخلافاتها الداخلية، يقصد طبعا الخلافات حول المشاركة في الحكم وفق هوى المؤتمر ال?طني. لكن المؤتمر الوطني، وبدون أي خجل، يحاول تحميل تلك الأحزاب الرافضة لفتات سلطته، مشكلة تعميق أزمات البلاد، برفضها حمل أثقالها التي لم تشارك في صنعها، معه. والمؤتمر الوطني يعلم يقينا، ان تلك الأحزاب أو بعضها، قد تقدمت إليه بالكثير من الحلول والمعالجات التي كانت ستجنب البلاد هذه الأزمات التي نعيشها اليوم، ولم يقبلها سيادته. فما الذى يجعله يتوقع أن تقبل تلك الأحزاب، بمشاركته الآن بعد ان حشر البلاد في نفق مظلم، ولا زال مصرا على انه الوحيد القادر على عبوره دون إرشاد من احد.
وفى مغالطة أخرى للحقائق، حذر المؤتمر الوطني من الرجوع إلى الحكومات الائتلافية كصيغة مشاركة في الحكم.، وهو اكبر دليل على إصراره وتمسكه بفكرة حكومته ذات القاعدة العريضة، التي ستسع الجميع كما يقولون. فالحكومات الائتلافية التي يرفضها المؤتمر الوطني، على الأقل، تحفظ لكل حزب أصله وفصله وقيمته ووزنه، متى أراد العودة إلى قواعده السابقة فلن يخسر شيئا. لكن المؤتمر الوطني لا يريد لأي حزب أن يحتفظ بكيانه القديم متى أقبل على مشاركته الحكم، بل على الحزب أن يذوب وينصهر فيه، خاصة الأحزاب الكبيرة، كالأمة والاتحادي الديمقرا?ي الأصل، فيصبح السؤال في مثل هذا الذوبان عن شكل وصفة الحزب الناتج عنه، فهل سيصبح حزباً شمولياً تعددياً أم ماذا؟
فالمشكلة ان المؤتمر الوطني لا يستطيع فكاكا من شموليته التي شب وشاب عليها، ولا عن حساسيته تجاه وجود أحزاب معارضة، خاصة ان كانت أحزابا قوية وفاعلة. لعلمه بأن مثل تلك المعارضة ستعمل على كشف أخطائه وخطاياه، ومن ثم تستغل كل ذلك لتقويض حكمه، ومن بعد المطالبة بمحاكمته على كل ذلك. والحمد لله ان السيد الرئيس قد أعلنها صراحة، بألا عفو عما سلف بعد اليوم، فيصبح المطلوب من حزب المؤتمر الوطني دون غيره اليوم، ?أن أراد مخرجا لمأزقه الحالي، أن يتدارك أكبر أخطائه في الحكم، الإصرار على الانفراد بالسلطة والثروة، قبل أن يصبح يوم يجد فيه أن شعب السودان قد استعاد ريادته في الثورات على أنظمة الحكم مثله، والنجاح فيها، وحينها لن يجدي الندم نفعا..فمتى تعلم حكومة المؤتمر الوطني، بان أية حكومة بلا معارضة لن تستطيع الإبحار وسط هذه الأمواج المتلاطمة من المشاكل، مثلها مثل أي مركب بلا شراع. فهل ستهتدي أم تستمر في نداء مغاويها؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
قطبي المهدي...وقلوب أطفال السودان؟! إبراهيم الكرسني
لقد حملت لنا المنابر الصحفية خلال الأيام الماضية المزيد من أنباء فساد طغمة ’البدريين‘، التى لم تتوقف يوما، لأن توقفها يعني ببساطة أن الشعب السوداني قد إنعتق تماما من تسلط وظلم ووحشية دولة الفساد و الإستبداد. لكن أنباء فساد قادة الدولة الرسالية قد إختلفت هذه المرة لأنها تتعلق بأحد أكبر المتنفذين بدولة التوجه الحضاري، أحد مستشاري رئيس الجمهورية، القيادي البارز بالمؤتر الوطني، ومدير جهاز الأمن السابق، السيد قطبي المهدي. الخبر يقول بأن سيادته قد قام بإبلاغ الشرطة بسرقة ما يعادل 200 مليون جنيه سوداني من منزله، من مختلف أنواع العملات، الصعبة و’الهينة‘، بما فى ذلك الليرة السورية...فتأمل!
وقد كشفت الأنباء كذلك بأن المتهمين فى تلك القضية هم خليط من العاملين فى الأجهزة النظامية وتجار العملة. لا أود الخوض الآن فى نوعية هذه الجريمة، أو فى طبيعة العلاقة التى تربط السيد قطبي بتجار العملة و مجرمي الأجهزة النظامية، لأن هذه العلاقة معروفة منذ أن قام هؤلاء الأبالسة بسرقة السلطة الشرعية فى ليل بهيم من ليالي شهر يونيو من عام 1989م. وأن تلك العلاقة لا تتجاوز فى حقيقتها الوصف الدقيق لأسامة بن لادن لطبيعة الدولة الرسالية فى السودان بأنها، "ليست سوي خليط من الدين و الجريمة المنظمة"، والذى أسهبت فى تحليله فى مقال سابق. لكن ما أود أن أتطرق له فى هذا المقال هو إكتناز السيد قطبي المهدي ’للذهب والفضة‘ فى منزله الخاص، وعلاقة ذلك بمرضي القلب من أطفال السودان. لقد شاهدت حلقة يوم الجمعة الموافق 7/10/2011م من البرنامج الناجح ’صحة وعافية‘، والتى كرست لمرضي القلب من الأطفال. إستضاف البرنامج إثنان من أخصائيي أمراض قلب الأطفال بمستشفى أحمد قاسم بالخرطوم بحري. وقد تحدثا حديثا يدمي القلوب عن التكلفة الباهظة لعلاج المرضي من أطفال السودان، و التى لا يستطيع تحملها كل الفقراء و المعوزين من آباء و أمهات أولائك الأطفال.
لقد ذهبت الدكتورة المشاركة فى البرنامج بعيدا فى وصف حالة مرضاها من الأطفال ، و تجاوزتها لتصف لنا، وبصورة أكثر ألما، حالة آباء و أمهات أولائك المرضي، الذين يرون أطفالهم يموتون أمام أعينهم، فى الوقت الذى يمكنهم فيه إنقاذ حياتهم، لو توفرت لهم الموارد المالية الضرورية لتغطية تكاليف إجراء عملية القلب المفتوح بمستشفى أحمد قاسم. وقد ناشدت السيدة الدكتورة، وعينها تكاد تدمع، ذوي القلوب الرحيمة من ميسوري الحال بأن يتبنى كل منهم طفلا واحدا من أولائك التعساء، ويتحمل تكاليف علاجه، موجهة الدعوة لهم لزيارة المستشفي و الإطلاع على قائمة الإنتظار، ليختار كل واحد منهم ما يناسبه من الأطفال. وقد ذكرتهم سيادتها كذلك بالأجر و الثواب الذى سينالونه جراء ذلك، و الذى سيفوق كثيرا قيمة الأموال التى سينفقوها فى علاج أولائك البؤساء من الأطفال الفقراء.
لقد جال بخاطري عند سماعي لهذه المناشدة الجرائم العديدة التى إرتكبها قادة الدولة الرسالية فى حق الشعب السوداني، ولكنني تذكرت بالأخص مستوى الخدمات الصحية التى كانت تقدم بالمجان قبل إنقلاب الإنقاذ المشؤوم، ليس بالنسبة للأطفال فقط، وإنما بالنسبة لجميع السودانيين، وفى جميع أنحاء البلاد. وبأنه لولا مجانية ذلك العلاج ربما ’إنقرض‘ بعض قادة الدولة الرسالية جراء بعض الأمراض الفتاكة، لأن معظمهم كان يعاني حالة الفقر المدقع والفاقة، التى لن تمكنهم من دفع تكاليف العلاج الباهظة التى فرضوها على الفقراء من أطفال السودان، لحظة إرتكابهم جريمة إلغاء العلاج المجاني فى البلاد! ولكن أكثر ما علق بذهني، عند سماعي لتلك المناشدة هو مبلغ ال200 مليون جنيه التى إكتنزها السيد قطبي المهدي بمنزله، وكم من أؤلائك الأطفال البؤساء كان من الممكن لسعادة المستشار تبنيهم، لو قدر له سماع ذلك النداء؟ لقد قدر أولائك الأطباء تكلفة عملية القلب المفتوح بالنسبة للطفل الواحد ما بين 7 الى 9 مليون جنيه. ولو أخذنا 8 مليون كمتوسط لتكلفة العملية الواحدة، فإنه كان بإمكان السيد قطبي تبني 25 طفلا للعلاج من قائمة الفقراء الذين تضمهم قوائم مستشفي أحمد قاسم، وبالتالي إنقاذ حياتهم، وفى نفس الوقت إدخال السعادة الى قلوب 25 والد ووالدة، يموتون عشرات المرات وهم يرون أطفالهم يختطفهم الموت من أمام أعينهم، فى الوقت الذى يقفون فيه مكتوفي الأيدي، عاجزين عن دفع تلك التكلفة، ولا حول لهم ولا قوة، نسبة لضيق ذات اليد...فتأمل!
وكنت كذلك أفكر فى كيف ستكون الحالة الذهنية و النفسية لسعادة المستشار، لو قدر له سماع تلك المناشدة، وهو يكنز مبلغا من ’الذهب و الفضة‘، كان يمكن أن ينقذ حياة 25 طفلا من فقراء الشعب السوداني، وهو يحتفظ به كمصاريف بيت فقط داخل منزله؟ ولكنني كنت أفكر بالأخص فى كيف ستكون حالته، وهو يستمع لنصيحة الدكتورة فى الأجر والثواب الذي يمكن أن يجنيه حال تبنيه أحد أولائك الأطفال؟ وهو الذى أصم آذاننا، ولا يزال، مع بقية رفاقه الميامين من قادة الدولة الرسالية، بأنهم ما أتوا الى السودان إلا ليتمموا مكارم الأخلاق، ويطهروا أرضه من رجس الشيطان!! إذن ماهو الحصاد الفعلي الذي جناه السودان وشعبه وهو يرزح لأكثر من عقدين من الزمان تحت حكم عصابة، هي ’خليط من الدين و الجريمة المنظمة‘ من قساة القلوب؟ الحصاد المر لتلك السنوات العجاف يتمثل فى الآتي، على سبيل المثال لا الحصر: - يموت المواطنون من المرض لضيق ذات اليد، جراء إنهيار الخدمات الصحية والقضاء على مجانية العلاج بالمستشفيات الحكومية، وقادة الدولة الرسالية، وأفراد أسرهم، يتلقون العلاج فى أفضل المستشفيات فى الخارج، ومن أموال دافع الضرائب. - يموت المواطنون من الجوع و المسغبة وقادة الدولة الرسالية يرفلون فى رغد العيش. - قام قادة الدولة الرسالية بنهب ثروات البلاد ومواردها ثم كنزوا الذهب و الفضة فى منازلهم الفخيمة. - إنهيار النظام التعليمي فى البلاد وأبناء قادة الدولة الرسالية يتلقون تعليمهم فى أرقي المؤسسات التعليمية فى الخارج.
- تفكك النسيج الإجتماعي،و إنهيار قيم المجتمع السوداني، جراء السياسات الرعناء و المتهورة، بل والخاطئة، التى طبقها قادة الدولة الرسالية على المواطن السوداني، وكأنما السودان حقل تجارب ليس إلا. - إمتلأت دور الأيتام و المؤسسات الخيرية باللقطاء، ومجهولي النسب، فى ظل حكم وأحكام قادة الدولة الرسالية. - إحتكار قادة الدولة الرسالية، ووكلائهم من الطفيليين، للسلع الضرورية، وبيعها للمواطن الفقير بأغلى الأثمان، تحت شعار التحرير الإقتصادي الكاذب. - المتاجرة بالدين، وإرهاب المواطنين بإسمه، وممارسات قادة الدولة الرسالية تدل على أنهم أبعد خلق الله عن ما حث عليه الدين الإسلامي الحنيف من مكارم الأخلاق. - إنتشار المخدرات بين الشباب وطلاب الجامعات من الجنسين جراء الفقر المدقع الذى يعيشه معظم أولائك الطلاب. - إنتشار المدن العشوائية وزيادة عدد المشردين الذين يسكنون بيوت الصفيح و الكرتوت على بعد أمتار من القصور الفخمة لقادة الدولة الرسالية.
- إذلال المواطنين و إمتهان كرامة المرأة من خلال فرض قادة الدولة الرسالية عقوبة الجلد بالسياط، بإسم تطبيق الشريعة، والتى قام بإلغائها مولانا أبورنات عند إستقلال السودان بإعتبارها مهينة للكرامة الإنسانية. أما بالنسبة لتقسيم قادة الدولة الرسالية للبلاد وتفتيتها، و التفريط فى السيادة الوطنية، فهذا موضوع آخر يحتاج لمقال منفصل. لكن ما نود أن نذكرهم به هو حديثهم الممجوج والمتكرر عن الدين و الشريعة، الذى حين يسمعه المرأ يظن بأنه أمام جيل من الصحابة الجدد، وحينما يراهم يكنزون الذهب والفضة فى منازلهم، ولا ينفقونها فى سبيل الله، أو لإنقاذ مرضي القلب من أطفال السودان البؤساء، غير عابئين بقوله تعالى بأنها سوف تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة، فإنه يكتشف بأنه ليس سوي أمام أنبياء كذبة، وأبالسة عصر الفساد و الإستبداد. كما نود أن نذكرهم بأن الظلم ظلمات. وأن دولة الظلم ساعة. وأن دوام الحال من المحال. وأنها لو دامت لغيرك، لما آلت إليك. وأن الدولة الرسالية، التى فرضوها على الشعب السوداني، الصامد الصابر، بقوة الحديد و النار، ذاهبة دون شك، وستنهار أركانها قريبا. وإن ذلك سيتم، بإذنه تعالى، بفضل نضال الشرفاء من شباب الوطن، وكذلك بفضل سياساتهم الخرقاء الخاطئة التى يستحيل جرائها علاج الأزمة الإقتصادية الخانقة التى تمسك بتلابيبهم.
كما نود أن نذكر قادة الدولة الرسالية أيضا بأنهم يرون ذلك بعيدا، ولكننا نراه بأنه أقرب إليهم من حبل الوريد. ونود أن نقول لهم بأنه لو كان للدولة البوليسية، و أجهزة بطشها، قدرة على إنقاذ دول الفساد و الإستبداد، لما سقط شاه إيران، وشاوشيسكو، وبينوشيه، وإبن على، وحسني مبارك، وغيرهم من الطغاة الذين كانوا يمتلكون أقوى الأجهزة الأمنية، وذهبوا، بالرغم من ذلك، الى مزبلة التاريخ، حينما ثارت شعوبهم ضد الظلم و الطغيان. ونظام الإنقاذ لن يكون إستثناءا. وعندما تذهب دولة فسادهم و إستبدادهم أدراج الرياح سيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وحينها أود من السيد قطبي المهدي، وغيره من قادة الدولة الرسالية، أن يتذكروا مناشدة السيدة الدكتورة، المسئولة بمستشفى أحمد قاسم بمدينة الخرطوم بحري، بضرورة تبني المعدمين من أطفال السودان المصابين بأمراض القلب، و إنقاذ حياتهم من الموت المحقق، والتى أطلقتها من خلال برنامج ’صحة وعافية‘، الذى تم بثه يوم الجمعة الماضية، عسى ولعل أن تلين قلوبهم التى تحجرت، أو أن تسمع آذانهم التى أصابها الصمم لهذا النوع من النداءات، أو أن تدمع عيونهم التى جفت محاجرها، و التى أصبحت لا تقدر على فعل شئ إلا ’قوة العين‘! كما أود أن أحيي السيدة الدكتورة الفاضلة، وأقول لها لو كان قد تبقي لقادة الدولة الرسالية ذرة من ضمير لقاموا بتطبيق السياسات و الأنظمة السليمة التى تضمن العلاج المجاني لجميع أطفال السودان، وأغنوك عناء المناشدة، حيث لا حياة لمن تنادين من سماسرة وطفيليي الدولة الرسالية، وتجار الدين!
12/10/2011م [email protected]
-----------------------
من المسؤول؟ا عثمان ميرغني
في حديثه الذي أدلى به لهذه الصحيفة، وفي بعض تصريحاته الأخيرة بدا الرئيس السوداني عمر البشير وكأنه يتخلى عن مسؤولياته ولكن ليس عن منصبه. فعندما سئل مثلا عن معاناة المواطنين بسبب الغلاء الفاحش الذي جعل غالبية الناس يشكون ويتذمرون، ودفع بعضهم للخروج في مظاهرات احتجاج نددت بالحكومة، لم يقدم البشير حلولا تطمئن الناس بل اعتبر أن هناك غلاء مبررا «نتيجة للارتفاع في أسعار المواد البترولية التي هي أساس الإنتاج، سواء أكان إنتاجا صناعيا أم زراعيا أم خدميا». ومضى بعد ذلك لكي يتحدث عن الحملة التي شارك فيها كثير من السودانيين إجبارا أو اختيارا، وهي حملة مقاطعة اللحوم بسبب ارتفاع أسعارها، فقال إن أحسن وسيلة لمحاربة الغلاء هي المقاطعة، أما الأسلوب الأمثل في نظره فهو تقليل الاستهلاك.
عندما تطرح الدولة المقاطعة أو تقليل الاستهلاك لسلعة غذائية أساسية لم تعد في متناول الكثير من الناس أصلا بسبب ارتفاع أسعارها، فهذا يعني أنها عاجزة عن تقديم الحلول، وأنها تبيع الوهم والشعارات. فمسؤولية الحاكم توفير الغذاء والدواء والأمن للناس، لا أن يطرح عليهم الحرمان والمعاناة بدلا من الرخاء والرفاهية، خصوصا إذا كان الناس يرون أثرياء النظام يزدادون ثراء، ويسمعون الكثير عن قصص الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة.
القضية لم تعد هي مشكلة اللحوم وحدها، بل في كل السلع الضرورية التي طالها الغلاء، وفي الضائقة الاقتصادية التي أثرت على كل مناحي الحياة، والتي يتوقع لها أن تشتد خلال الفترة المقبلة. لذلك بدا النظام وكأنه يتذاكى على الناس عندما حاول ركوب الموجة الاحتجاجية لمقاطعة اللحوم وتبنى دعوة تخفيض الاستهلاك، خصوصا أن البشير لم يكن وحده المؤيد للمقاطعة بل شاركه في ذلك مسؤولون آخرون من بينهم نائب الرئيس علي عثمان الذي سارع إلى استقبال اللجنة الداعية لحملة المقاطعة معلنا تأييده لحملتها!
الرد على الحكومة جاء في سلسلة نكات جرى تداولها عبر الفضاء الإنترنتي من بينها نكتة تقول: «واحد أحضر لزوجته سمكة وقال لها حمريها، فردت: ما في (لا يوجد) زيت. فقال: طيب اشويها، فقالت: ما في دقيق. قال لها: طيب اسلقيها، فقالت: الماء مقطوع من سبعة أيام. أخذ الرجل السمكة ورماها في البحر فهتفت السمكة الفرحة (سير سير يا البشير)، أي: سر إلى الأمام».
لم تكن السخرية هي رد الفعل الوحيد على الأزمة التي طالت كل الاحتياجات الأساسية للناس، فقد خرجت أيضا مظاهرات احتجاج ردت عليها السلطات بالقمع وبمحاولة إعطائها صبغة آيديولوجية؛ إذ قال نافع علي نافع، مساعد الرئيس، الذي اشتهر بتصريحاته المثيرة للجدل: إن المظاهرات يقف وراءها ثري شيوعي وزع بعض الأموال على الناس للخروج إلى الشوارع. هذا الكلام إضافة إلى أنه مسيء لكل الناس الذين خرجوا محتجين على الأوضاع الصعبة، فإن فيه تهربا من المسؤولية، ومن مواجهة حقيقة الأزمة التي تطحن الناس.
لكن يبدو أن الهروب من الواقع والتنصل من المسؤولية أصبحا سياسة رسمية، خصوصا مع توالي الأزمات منذ الفشل الأكبر للنظام المتمثل في التفريط في وحدة البلاد، والفشل في تحقيق السلام. فالبشير عندما سئل في مقابلته مع «الشرق الأوسط» عن الحروب التي اندلعت في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق حاول التملص من كل مسؤولياته بالقول إنه سبق أن حذر من هذا السيناريو ومن أن الاستفتاء في الجنوب سينجم عنه الانفصال ومن ثم تحدث الحرب الأهلية. فإذا كان يعرف ذلك لماذا مضى فيه؟ وهل مسؤولية الحاكم هي في التحذير من الشيء ثم القيام به، علما بأن النظام مشى في مشوار الانفصال وحده ولم يهتم حتى باستفتاء أهل الشمال حول مصير بلدهم؟
لقد أشرف البشير على كل المفاوضات من خلال نائبه وكبار مساعديه ومستشاريه، ووقع بنفسه على اتفاقية السلام التي انتهت إلى الانفصال، بل إنه شارك ورقص في احتفال ميلاد دولة الجنوب. وقبل ذلك أضاع النظام ست سنوات في المماحكات والمماطلات ولم يستفد من فرصة السنوات الفاصلة بين توقيع اتفاقية السلام في 2005 وإجراء استفتاء تقرير المصير للجنوب في 2011، لتوفير الظروف لوحدة جاذبة، بل إن بعض المحسوبين عليه أسهموا في تأجيج المشاعر وهللوا للانفصال وقالوا إن فيه «كل الخير» للشمال. فما الخير الذي بشروا الناس به؟ فالسلام لم يتحقق والعلاقات بين الخرطوم وجوبا يشوبها التوتر الشديد، بل والتلويح أحيانا بالعودة إلى مربع الحرب. وبدلا من أن ينعم الشمال بشيء من الاستقرار أو يرفل في الخير الذي تحدثوا عنه، أصبحت الحروب مشتعلة في جنوبه الجديد الممتد من دارفور إلى النيل الأزرق مرورا بجنوب كردفان، ووقع البلد في أزمة اقتصادية خانقة بعد فقدانه أكثر من 75% من موارده النفطية التي ذهبت مع الجنوب، علما بأن موارد الدولة التقليدية مثل الزراعة ضربها الإهمال، وقصمت ظهرها السياسات العشوائية والجبايات الضريبية غير المنطقية.
على غرار أنظمة «الزنقة» العربية الأخرى حاول البشير القول إن كل إخفاقات نظامه، ومشاكله، سببها «مؤامرة» خارجية يعرف من الذي يقف وراءها. وإمعانا في الإثارة والتشويق قال إن هناك من يريد ضرب الثورة في مصر ومحاصرتها من بوابة السودان وليبيا، ولم ينسَ أن يشير إلى إسرائيل باعتبار أن التطورات السياسية في المنطقة تسير عكس مصالحها. بالطبع فإن البشير ليس وحده من يحاول ركوب موجة الثورات بتوجيه التحية للثوار والمحتجين في الدول الأخرى، ثم قمع المظاهرات في الداخل، كما أنه ليس الوحيد الذي يمسك بمقاليد السلطة ويعلق كل مشاكله وإخفاقاته على مشجب «المخططات والمؤامرات» الأجنبية. إنها عقلية «أحكم لكنني لست مسؤولا».
الشرق الاوسط
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مسودة ميثاق التنظيم القومي للانتفاضة بسم الله الرحمن الرحيم
تهدف هذه الوثيقة التي تم التداول حولها في الخرطوم وطرحت في اللقاء بقيادات الحركات المسلحة في لندن مساء السبت أول اكتوبر لاستنهاض قوى المعارضة لتشكيل لجان قاعدية للانتفاضة، تنبثق عنها قيادة قومية يتم اختيارها وفق معايير الالتزام بالميثاق والقبول، دون أي اعتبار للانتماء الحزبي أو الطائفي أو الجهوي. هذه اللجان تشكل آلية الحراك السياسي و أداة السلطة الانتقالية بعد سقوط النظام.
يرجى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مسودة ميثاق التنظيم القومي للانتفاضة بسم الله الرحمن الرحيم
تهدف هذه الوثيقة التي تم التداول حولها في الخرطوم وطرحت في اللقاء بقيادات الحركات المسلحة في لندن مساء السبت أول اكتوبر لاستنهاض قوى المعارضة لتشكيل لجان قاعدية للانتفاضة، تنبثق عنها قيادة قومية يتم اختيارها وفق معايير الالتزام بالميثاق والقبول، دون أي اعتبار للانتماء الحزبي أو الطائفي أو الجهوي. هذه اللجان تشكل آلية الحراك السياسي و أداة السلطة الانتقالية بعد سقوط النظام.
يرجى التداول في الداخل و الخارج مع الوثائق الأخرى المطروحة بغية الوصول لوثيقة مشتركة يتم التوقيع عليها في الحادي و العشرين من أكتوبر الجاري.
فاروق محمد إبراهيم عن مجموعة الخرطوم
مسودة ميثاق التنظيم القومي للانتفاضة
نحن المواطنات والمواطنون السودانيون الذين نشهد كيان وطننا ينهار، ونسيجه الإجتماعي يتمزق، والإحتراب الأهلي فيه يتجدد، ، وثرواته تنهب وتبدد، ومشروعاته القومية تستباح، والسواد الأعظم من بناته وبنيه يسحقهم الفقر والمرض والغلاء والبطالة، وأعراض رجاله ونسائه تنتهك، وحقوقهم الدستورية الطبيعية تداس في الرغام، والمنزلة الوطنية لأهله تهبط إقليميا وعالميا للدرك الأسفل، وصحفه تصادر عشوائيا، وأقدس مقدساته الدينية تختطفها شرزمة من تجار الدين الذين بإسمه جعلوا من الإعلام والتعليم أدوات للتضليل والتجهيل وغسل الأدمغة، وبذريعته مكنوا لحفنة صغيرة من منسوبيهم الإستيلاء على مقدرات شعبنا الإقتصادية ليعيثوا فيها نهبا وفسادا، وبدعوى شريعته بترت هذه الشرزمة جنوب وطننا وتسعى بتوطين الحرب الأهلية لبتر الجنوب الجديد، ولتبشرنا بجهالة أن الوطن الجديد تطهر عرقيا ودينيا بما يتيح بقاء الإسلاميين في السلطة لأبد الآبدين . إننا نحن المواطنات والمواطنون السودانيون الموقعون على هذا الميثاق الذين لا ينطلي علينا الإبتزاز للرضوخ إتقاءا للصوملة التي سلك النظام كل الطرق المؤدية لها، نؤكد ثقتنا في بسالة شعب أكتوبر وأبريل وقدرته على تجاوز كل العقبات للحاق بركب الثورات الديمقراطية العربية ونعلن الآتي:
أولا، أن نظام الإنقاذ وحزبه المؤتمر الوطني إنفصل تماما عن الشعب السوداني، بما في ذلك القاعدة الإجتماعية التي جاءت به للسلطة، وأنه يتحمل وزر كل الإنهيار والإنحطاط الذي حاق بوطننا، وأنه لم يعد يستند إلا على مليشياته وأجهزته الأمنية وحفنة صغيرة من منتفعين لا إلتزام ولا أخلاق لهم، وأنه فقد كل مشروعية سياسية ووطنية وأخلاقية للحكم، وأن إزاحته عن السلطة صارت واجبا قوميا، وأن الحوار والتفاوض معه ليس سوى مضيعة للوقت، وعليه أن برحل فورا
ثانيا، إننا نثق أن القوات النظامية التي تتشكل من أبناء وبنات هذا الشعب ليست لها مصلحة في بقاء هذا النظام الذي أذل الشعب بإسمهم ######رهم للحرب ضد بني وطنهم وجلدتهم بدعوى الجهاد، وأن الشرفاء من أبناء هذه القوات لا زالوا، كما في إنتفاضتي أكتوبر وأبريل، الدرع الواقي للشعب ضد مليشيات النظام وأجهزته الأمنية.
ثالثا، وحيث أن نظام الإنقاذ عمد لتدمير البنية القومية لكل مؤسسات الدولة وإضعاف وتفتيت كل المؤسسات الشعبية من النقابات والأحزاب و حتى الطوائف الدينية والطرق الصوفية، ما أتاح له الإبتزاز بخطر الصوملة، فإننا ندعو جميع أبناء وبنات شعبنا الشرفاء بمختلف أعراقهم وهوياتهم الاثنية والجهوية والحزبية والدينية لقلب الموائد على هذا النظام وسدنته بالإنخراط في لجان وطنية توحدهم في مواقع السكن والعمل في كافة مدن وقرى بلادنا لمواجهة خطر الحرب الأهلية والإنهيار الذي يتوعدنا به نظام الإنقاذ، لجان قاعدية تشكل الأساس للبناء الفوقي من المستوى المحلي حتى المستويات الولائية والقومية، تقود نضالهم اليومي لتحسين سبل حياتهم وأقواتهم وتقيهم خطر الإنفلات الأمني وتكون أداة الحراك السياسي السلمي لإسقاط نظام الإنقاذ، كما تشكل البناء القاعدي للسلطة الإنتقالية المقبلة
رابعا، إننا ندعو قوى الإجماع الوطني المعارض ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى الحية في مجتمعنا، وعلى رأسها الطلاب والشباب، للشروع الفوري في تأسيس اللجان الوطنية للإنتفاضة بروح قومية تسمو فوق الولاءات الحزبية، وبما يتلاءم مع المهمة الحياتية التي فرضها علينا نظام الإنقاذ، نكون أو لا نكون. وينبغي أن يتم إختيار العضوية والقيادات على أساس الإلتزام والعطاء والكفاءة والقبول، دون أي إعتبار للهوية الحزبية أو أية إعتبارات أخرى. ونحن نثق أن القيادات الحزبية لن تتعامل مع هذه اللجان كبديل أومنافس لها في قيادة العمل الوطني، وإنما على العكس من ذلك، تعتبرها أداة تحقيق الإنتفاضة التي تشيع الديمقراطية وتتيح إنبثاق قيادات شابة جديدة من صفوف هذه الأحزاب تمكنها من تحقيق الديمقراطية المستدامة.
خامسا، إننا ندعو للنضال الجماهيري الديمقراطي السلمي، بما في ذلك الإضراب السياسي والعصيان المدني الذي يحول دون إستبدال نظام سلطوي بآخر لا يقل عنه سلطوية، كما دلت معظم تجارب الثورات المسلحة والحروب الأهلية السابقة. وقد رجحت نجاعة النضال الجماهيري السلمي الآن بفضل الهوائيات وأنظمة الإتصال الإلكترونية ذات البث الفوري، وبفضل النفوذ المتصاعد لحركة حقوق الإنسان. ولو أن قوى التجمع الوطني الديمقراطي في الشمال رجحت خيار الإنتفاضة الشديد المراس والذي خبره شعبنا في الشمال عوضا عن الجيوش التي صارت بديلا للإنتفاضة ولم يكن لها أثر يذكر، فلربما كنا أقرب الآن للتحول الديمقراطي، ولربما صار خيار الوحدة جاذبا حقا.
سادسا، وإنطلاقا مما تقدم، وبينما نؤيد حق الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال في الدفاع عن النفس والتفاوض للوصول لإتفاق أمني عادل يتيح لحركتهم الإنخراط في العمل السياسي السلمي، وبينما نحمل نظام الإنقاذ مسئولية دفع تلك الحركات لمواصلة العمل المسلح ليطيل عمره بنفس الطريقة التي يسعى بها الدكتاتور علي عبدالله صالح لإطالة حكم أسرته لليمن، فإننا ندعو جميع الحركات المسلحة وتحالفها الثوري، بما في ذلك كل حركات دارفور، للتكامل مع النضال الجماهيري السلمي على النطاق الوطني والإلتزام بهذا البرنامج المشترك الذي يتيح إسقاط نظام الإنقاذ وتحقيق المطالب المشروعة التي يتضمنها الميثاق لشعبنا بأسره.
سابعا، إننا نعلن رفضنا لإفتعال الأزمات مع دولة جنوب السودان الوليدة، وندعو لسياسة رشيدة تقوم على الجنسية المزدوجة للمواطنين الجنوبيين المقيمين بالشمال والراغبين بالعيش فيه، والشماليين المقيمين بالجنوب والراغبين بالعيش فيه، والقبائل الرعوية في مناطق التمازج، وكفالة حقوق الإقامة والتنقل والعمل والتملك التي نسعى لتحقيقها مع الشقيقة مصر،وإتباع سياسة تقوم على التكامل والسوق والإدارة المشتركة وحرية الحركة للمواطنين والسلع عبر الحدود.
ثامنا، إن الأديان والأعراف هي مصدر القوة المعنوية والإلهام للشعب السوداني. والإسلام هو دين الأغلبية، غير أن التمتع بجميع الحقوق والواجبات، والأهلية للمناصب العامة كافة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية والخدمة العامة، تكون على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو المعتقد أو الأعراف. ويكون الدستور، وهو عقد إجتماعي مصدره إرادة الأمة مستهدية بمقاصد الإسلام وغايات الأديان،والأعراف السودانية، والتوافق الشعبي، والعلم، والتجارب الإنسانية السليمة هي مصدر التشريع. وتجنبا للشك لا يخضع أي شخص أو مجموعة للتمييز بسبب الدين أو المعتقد من جانب الحكومة القومية أو الولائية أو مؤسسات الدولة أو من قبل أي شخص أو مجموعة أخرى.
تاسعا، إننا ندعو منظمات المجتمع المدني وكل المهنيين للعمل اللصيق مع قيادات التنظيم القومي للإنتفاضة وقيادات الحركات المسلحة للإتفاق غلى الخيارات والسياسات البديلة في كافة المجالات. ونقترح مبدئيا التوافق على الخيارات التالية: 1 -إسقاط نظام المؤتمر الوطني الحاكم بالنضال السلمي الجماهيري المنظم. 2- توحيد وتقوية جهود القوى السياسية السودانية وقوى المجتمع المدني والأهلي وقطاعات الشباب والطلاب والمهنيين وتنظيم صفوف المقاومة لإزالة هذا النظام. 3- تأسيس دولة تحترم فيها حقوق الإنسان كما حددتها المواثيق الدولية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة يتفق عليها فيما بعد تضطلع بمهام وضع دستور إنتقالي للدولة تضمن فيه المبادىء والأهداف الواردة أدناه:
أ – حل قضايا النزاعات الأهلية وتأمين خصوصيات جميع المناطق التي تضررت بالحروب والنزاعات المسلحة والعمل على حلها. ب – إجراء إحصاء سكاني عام وفقا للمعايير والرقابة الدوليين ج – إجراء إنتخابات حرة ونزيهة على كافة المستويات وفقا للمعايير والرقابة الدوليين. 4 -إعادة هيكلة وبناء إجهزة الدولة المتمثلة في الخدمة المدنية والقوات النظامية والجهاز القضائي وغيرها من المؤسسات والأجهزة. 5- محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بالتوافق مع محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. 6- كشف جرائم الفساد المالي و الإداري ومحاكمة مرتكبيها أمام المحاكم الوطنية و إستعادة كافة الأموال و الثروات القومية المنهوبة. 7- إقرار الوحدة الطوعية لجميع أقاليم السودان. 8- تحقيق دستور مصدره عقد إجتماعي لجميع الشعوب السودانية تضمن فيه الأسس والأهداف والمبادىء التالية
أ – هوية سودانية تستوعب التنوع والتعدد الثقافي والعرقي والديني. ب – إقرار مبدأ المواطنة أساسا للحقوق والواجبات. ج – كفالة الحريات العامة بما في ذلك حرية التعبير والتنظيم والتجمع والإعتقاد والفكر وحقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون والتداول السلمي للسلطة عبر إنتخابات حرة ونزيهة، وإستقلال القضاء والفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. د – إعتماد مبدأ الشفافية والمحاسبة. ه – الإلتزام بكافة العهود والمواثيق الدولية. و – تأآيد سيادة حكم القانون والمساواة التامة بين المواطنبن أمام القانون. ز – التأكيد على حق المواطن في الحياة الكريمة والخدمات الأساسية والحفاظ على أمنه وسلامته وإحترام إرادته وحقوقه الأساسية.
9 – وقد إستندت أطراف هذا الميثاق على الآتي:
أ – قيام نظام حكم لا- مركزي تتنزل فيه السلطات لمستويات الحكم المختلفة. ب – الدولة السودانية اللا مركزية ديمقراطية يقوم الحكم فيها على إرادة الشعب وتقوم الواجبات والحقوق فيها على أساس المواطنة والمساواة الكاملة دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الثقافة أو النوع. وتكفل التشريعات وتحمي السياسات التنفيذية والقوانين حرية الإعتقاد الديني والإنتماء الفكري والثقافي والتعبير عنها بالوسائل السلمية. ج – النظام الديمقراطي التعددي شرط لازم للإستقرار والسلام العادل المستدام، وهو يستهدف كفالة الحريات العامة وحقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وإستقلال القضاء والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. د – إقرار مبدأ تقاسم السلطة والثروة على أساس نسبة سكان الإقليم مع تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي للأقاليم والمناطق المتضررة بالحرب. ه – إقامة علاقات خارجية متوازنة تقوم على خدمة التنمية ومبدأ التعايش السلمي والإحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
10 – ومع تأكيدنا على الإحترام الكامل للقوى السياسية في الهامش وللحركات المسلحة، ومع تأكيدنا على النضال معا لتحقيق تطلعات الشعب السوداني بما في ذلك التطلعات المشروعة لأهلنا في الهامش، فإننا ندعو هذه القوى للعمل مع بقية القوى السياسية لضمان الإستقرار ما بعد إسقاط النظام بمراعاة الآتي:
أ – إلتزام قوى المعارضة – خصوصا حركات المقاومة المسلحة – بحل خلافاتها فيما بينها بالوسائل السلمية، وتوقيع ميثاق ملزم يحرم الإقتتال الداخلي وإستهداف المدنيين ومصادرة السلطة بالقوة. ب – الإتفاق على حل جميع التشكيلات العسكرية الحزبية بعد إسقاط النظام وإستيعاب مقاتلي حركات المقاومة في القوات النظامية الجديدة وتحريم حمل السلاح خارج هذه القوات. ج – الإتفاق على قيادة حملة واسعة بعد إسقاط النظام لجمع السلاح وإستخدام جميع الحوافز المادية والمعنوية والقانونية لتحقيق ذلك. د – الإتفاق على قيام هيئة تحكيم من شخصيات مستقلة عرفت بالإستقامة والنزاهة من أقاليم البلاد المختلفة للتحكيم في أي نزاع يثور بين القوى السياسية سواء في مجرى النضال أو ما بعد إسقاط النظام والإلتزام بأحكام هذه الهيئة أيا تكن. ه – أن تضع حركات المقاومة المسلحة – إلى حين دمج مقاتليها في القوات النظامية الجديدة – لوائح إنضباط معلنة لمقاتليها تعاقب أي تفلتات أو تجاوزات وتلتزم بتطبيقها، وإعلان طرائق تظلم واقعية لكل المحتجين على تصرفات مقاتليها، وإخطارأي متظلم بالإجراءات المتخذة في مظلمته. و – الإتفاق المفصل حول ترتيبات الفترة الإنتقالية بما يشمل الإتفاق على الدستور، والبرنامج، والسلطة الإنتقالية، وطرق حل الخلافات، والإنتخابات الخ.
ختاما فإننا نؤكد ثقتنا بالحراك الشعبي الفاعل وبإنحياز الشرفاء في القوات النظامية للإنتفاضة متى ما وصل الحراك السياسي حد الدفع الحرج المؤدي لإنطلاق الإنتفاضة، ذلك الحد الحرج الذي عند مشارفه حلّ الفريق عبود مجلسي الثورة و الوزراء في ليلة ٢٦ أكتوبر ١٩٦٤ المشهودة، وفي مستواه تحلل المشير سوار الذهب من قسم ولائه للنميري فجر السادس من أبريل ١٩٨٥ . إننا نثق أن نظام الإنقاذ وأجهزته الأمنية المعزولة لن تصمد طويلا أمام الحراك الجماهيري من ناحية والمواجهة المسلحة التي دفع نظام الإنقاذ مواطنينا في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق لها . ذلك ما علمتنا له تجربتا أكتوبر وأبريل وتجربة الحرب الأهلية التي يحمل وزر تجددها بالكامل نظام الإنقاذ.
وبالله التوفيق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
سودان الحكمة المتشائمة د. أحمد عبد الملك
في الوقت الذي أعلن في الخرطوم أن رئيس الشمال البشير ورئيس الجنوب "سلفاكير" قد اتفقا على تشكيل لجان مشتركة لحل القضايا العالقة بين الشطرين اللذين تقسّما يوليو الماضي، تم إرجاء التوقيع على أية اتفاقيات حتى عودة "سلفاكير" إلى بلاده "الجديدة"، في حين صرح البشير بأن الشمال ملتزم بعدم العودة إلى الحرب، وإيجاد الحلول. وتلك إشارة لوجود خلافات واضحة في موقف الطرفين خصوصاً حول القضايا الجوهرية بينهما.
وفي الوقت الذي يحاول فيه طرفا السودان، الشمالي والجنوبي، لملمة الجراح التي أثخنت العلاقات بينهما في الماضي، طالب زعيم المتمردين السودانيين الحكومة بالتوقف عن قصف المواطنين وإقامة ممرات إنسانية وتوفير مناطق آمنة للمدنيين في اثنتين من المناطق الحدودية المضطربة. وقال "مالك عقار" إن القصف الجوي الذي تقوم به القوات الحكومية أودى بحياة 74 مدنيّاً وأصيب أكثر من 100 شخص آخرون في ولاية النيل الأزرق في جنوب شرق السودان. ونفت الحكومة السودانية ما ذهب إليه "عقار" وأنحت باللائمة على المتمردين بشأن التسبب في معاناة المدنيين. وكانت الأنباء قد أشارت أيضاً إلى اندلاع قتال في جبال النوبة جنوب كردفان في يونيو الماضي.
وفي مصادفة قد تكون فريدة من نوعها يلتقي رئيس دولة مع نائبه الذي أصبح رئيساً لدولة أخرى! ذلك هو لقاء البشير مع رئيس دولة جنوب السودان "سلفاكير"، حيث وصل الأخير إلى الخرطوم في أول زيارة له للسودان بعد انفصال الجنوب في يوليو الماضي. وأجريت للرئيس الزائر مراسم الاستقبال الرسمية. إلا أن ناتج الزيارة لم يكن ليرضي الطرفين، وتم تأجيل توقيع الاتفاقيات المرتقبة نظراً لحساسية القضايا، خصوصاً ترسيم الحدود، والنزاع على منطقة "أبيي" الغنية بالنفط، والديون الخارجية للسودان قبل التشطير، وكذلك اتهامات متبادلة بين الطرفين حول دخول أسلحة من تشاد لدعم حركات متمردة في غرب السودان.
إن المظاهر الاحتفالية لزيارة "سلفاكير" للخرطوم لم تكن لتخفي التوجس من سيل الاتهامات التي تبادلها الطرفان. فحكومة السودان تتهم الجنوب بدعم قيادات حركة دارفور الشمالية وبأنها توفر لهم التدريب والمأوى، وتزودهم بالسلاح الذي يستخدم ضد قوات الشمال. كما طال الاتهام الشمالي رئيس الجنوب "سلفاكير" بالسعي لضم ولاية جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق -وكلتاهما يقعان في حدود الشمال- حسب الحدود الجديدة. واعتبر ناطق بالخارجية السودانية أن مسلك الجنوب عدائي، ويتجاوز الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين.
من جانبها قالت "هيومن رايتس ووتش الدولية" و"منظمة العفو الدولية" إن غارات للجيش السوداني (الشمالي) قد أسفرت عن مقتل 26 مدنيّاً وأجبرت عشرات الآلاف على النزوح من ديارهم. وقالت مستشارة مواجهة الكوارث في منظمة العفو الدولية "ردفيرا" بأنه لا مزاعم فيما توصلت إليه المنظمة. وجاء في تقرير لهاتين المنظمتين، اللتين تعتبران الأكبر في مجال حقوق الإنسان على صعيد عالمي، أن الجيش السوداني نفّذ عمليات قتل واعتقال تعسفية واحتجاز، وتسبب في اختفاء أشخاص، كما سجلت عمليات خطف وقصف جوي. وهي ممارسات -إن صحت- ربما تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما تتهم المنظمتان الدوليتان البشير بانتهاك وقف إطلاق النار الذي أعلنه الشهر الماضي من جانب واحد. ووصفت المنظمتان الدوليتان الأوضاع في التجمعات السكانية على الحدود بأنها قاسية، وأن الناس يعيشون داخل الكهوف وتحت الأشجار ولا يجدون مأوى ولا أدنى طعام، وأن الناس يأكلون أوراق الأشجار!
إن الحالة السودانية لا تبعث على الأمل، بعد أن فقد السودان حوالي ثلث مساحته -التي ذهبت للدولة الجديدة- وبعد أن فقد مناطق النفط الغنية في الجنوب، وهو ما زال يعاني أزمات قبلية حول تجمعات النفط وفي كردفان. والآن أصبح يعاني ما يعتبره التسلل عبر حدوده للجماعات المنتمية للجنوب حيث تسود لغة الرصاص بين الطرفين. بل إن مستشارة مواجهة الكوارث في منظمة العفو الدولية "ردفيرا"، أكدت مرور طائرات للشمال فوق مناطق سكنية -وبشكل يومي- وزعمت أنها تقوم بإسقاط قنابل بطريقة عشوائية على السكان.
إننا نعتقد أن الأمور على الحدود السودانية- السودانية قابلة للاشتعال -على رغم مظاهر احتفال انفصال الجنوب، ومشاركة البشير في ذلك الاحتفال، الذي رأى فيه أكاديميون ومفكرون (شماليون) انفصال جزء عزيز من وطنهم وسط فرح الحكومة الشمالية ورموزها، ودون حسم مشكلات الخلاف بين الطرفين.
وكما أشرنا في حديث سابق فإن الأطراف الخارجية ستلعب دوراً مهمّاً في تطور الأحداث في دولة جنوب السودان، ولعل أهمها الدور الإسرائيلي، ولربما الغربي عموماً، نظراً للنفوذ المسيحي في الجنوب، على رغم غالبية السكان الوثنية، إلا أن الجهل والفقر والعصبية القبلية في الجنوب ستكون عاملاً مهمّاً في زعزعة الأمن والاستقرار، بل والسعي لخلق "بؤر" تقضّ مضجع الشمال، الذي لم يتأهل -في حقيقة الأمر- كدولة ناهضة مقارنة بالثروات الطبيعية الموجودة فيه، ناهيك عن الملاحقات الدولية بحق الرئيس البشير وتعدد الاتهامات له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور غرب السودان. وحتماً فإن الاختلاف العرقي الديني -بين الشمال والجنوب- قد يزيد من اشتعال شرارات الحرب بين الطرفين، خصوصاً إن تطور الجنوب وأقام دولة المؤسسات مستفيداً من النفط ومن المساعدات الغربية، ومن يدري فلربما نجح الجنوب في ضم كردفان وولاية النيل الأزرق، وبذلك يخلق كارثة اقتصادية للشمال.
إن الانفصال لم يكن لصالح الشمال حقاً، تماماً كما هو حال كل الانفصالات للمناطق والبيئات التي عادة لا تهتم بها الحكومة المركزية، وتبقى الأقليات في حالة من البؤس والشقاء وعدم التمدن. وهذا ما حصل خلال نظم الحكم المتعاقبة للسودان بإهماله الجنوب.
ومع هذا نأمل أن تسود الحكمة بين شمال السودان وجنوبه، ولكن ما يدور بين الطرفين، وأحياناً تجاهل الإعلام لخطورة الموقف في ذلك الجزء من العالم العربي، يجعلنا أقل تفاؤلاً بسيادة تلك الحكمة.
جريدة الاتحاد
13/10/2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
الأسئلة الساخنة من داخل عرين الحزب الحاكم
أ.د.الطيب زين العابدين
وجدت أسئلة الدكتور إبراهيم أحمد عمر، القيادي في المؤتمر الوطني، التي أطلقها من داخل الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القطاع السياسي للحزب الحاكم يوم الثلاثاء الماضي (11/10) بداره الضخمة الفخمة تغطية واسعة في صحف الأيام التالية. والسبب في ذلك أنها تكشف عن روح نقدية قوية لأداء تشكيلات الحزب الحاكم لم نعتد عليها من قبل، فقد كان يقال لنا من قمة قيادات الحزب إنه نموذج للأحزاب الناضجة مؤسسياً وديمقراطياً ليس في السودان فحسب ولكن على مستوى العالم!ويبدو أن أسئلة الدكتور عمر الساخنة وجدت صدى حسناً عند أهل الصحافة فعملوا على نشرها والتعليق عليها، فالصورة التجميلية المصطنعة لم تكن لها مصداقية حتى في قواعد الحزب الحاكم. فماذا قال عمر في تلك الجلسة؟ وما مغزى ذلك القول؟ ولماذا في هذا الوقت؟ وما تأثير ذلك على سلوك الحزب في مقبل الأيام؟
بدأ عمر بالتعليق على القضية السياسية الساخنة وهي الحوار مع الأحزاب الكبيرة بقصد إشراكهم في الحكومة المقبلة والذي وصل إلى طريق مسدود فسأل: هل كان الحوار مع الأحزاب يقوم على خطة صحيحة؟ وهل تعاملنا مع هذه الأطراف بطريقة صحيحة؟ هل كان حوارنا مع حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي مرتباً وواضحاً أم كان بمثابة حوار الطرشان؟ ثم تناول قضية هي أم القضايا التي قامت من أجلها التنظيمات الإسلامية السياسية في شتى بقاع الأرض ألا وهي رسالة الحزب الإسلامي في دولة معاصرة،والتي يظن كثير من الإسلاميين من أعضاء الحركة الإسلامية (المرحومة بإذن الله) ومنهم العبد الفقير أن الحكومة باعتها في سوق السياسة الميكاڤيلية من أجل البقاء في السلطة مهما كان الثمن،فسأل عمر عن: مدى نجاح الحزب في تحقيق رسالته ورؤاه وأهدافه السياسية، ومدى نجاعة أدواته في تحقيق وإنفاذ تلك السياسات (الرسالية) على الساحة السياسية؟ وهل كان المؤتمر الوطني بالفعل حزباً رسالياً يقدم النموذج للآخرين؟ وانتقل عمر بعد ذلك للتساؤل عن دور أجهزة الحزب القيادية: هل اجتماعات الحزب (الكثيرة) هي صورية شكلية أم شورية يُلتزم بها؟ وهل أداة الحزب (التي تصنع القرارات) تتمثل في المكتب القيادي أم مجلس الشورى أم المؤتمر العام؟ واسترسل لا بد أن يكون معروفاً من الذي يضع سياسات الحزب ومن الذي يقودها ويدافع عنها.
وأضاف لا بد أن يحدد الحزب نوع الديمقراطية التي يريد: هل هي الليبرالية الفردية الحديثة؟ أم الاقتصادية الاجتماعية؟ أم ديمقراطية التقانات الحديثة (لم أسمع بها من قبل!)؟ (لم يذكر الشيخ إبراهيم الديمقراطية الشورية الإسلامية التي يتشدق بها البعض وحسنا فعل لأنها لا وجود لها في أرض الواقع حتى نقيس عليها). وسأل عمر عن المعنى المقصود من تعبير «الجمهورية الثانية» (أطلقه علي عثمان في الهواء بعد انفصال الجنوب)، هل هو حكم الشعب بالشعب لأن رؤية المؤتمر الوطني في الأصل مرتبطة بقضايا الحياة؟ وقفز إلى نقطة لا تخطر على بال أحد من أركان النظام فسأل: هل من الضروري تنحي السياسيين عن ساحة الحكم وتركها لتدار من قبل الاقتصاديين في ظل طغيان قضية العدالة الاجتماعية على الأطروحات السياسية؟ (الحقيقة أن قضية العدالة الاجتماعية تحتاج إلى السياسيين أكثر مما تحتاج للاقتصاديين التكنوقراط) ثم دلف عمر إلى قضايا أخرى معروفة ليس فيها جديد فدعا إلى ضرورة بناء علاقات قوية للحزب بالداخل والخارج، وناشد أعضاء الحزب لاستيعاب متغيرات التواصل في العملية السياسية لأن الحوار السياسي غير مرتبط بالأحزاب وحدها فعهد الديمقراطية الحزبية قد انتهى (هل يشمل هذا ديمقراطية المؤتمر الوطني الذي ما زال متمسكاً بمبدأ التمكين في كل مفاصل السلطة؟) وظهر ما يسمى بالديمقراطية الفردية مستشهدا بنجاح الثورات العربية عبر الوسائل الحديثة.
والسؤال الذي يخطر على البال بادي الرأي: ما هو مغزى هذا الحديث الجرئ الذي يصدر لأول مرة من قيادي متنفذ في الحزب والحكومة عاش كل فترة الإنقاذ بعسكريتها المخادعة الأولى، وشموليتها المغلظة عقب تأسيس المؤتمر الوطني حزباً وحيداً لكل أهل السودان، ثم فترة التوالي السياسي الرمادية بعد دستور 1998م، وفترة التعددية المنضبطة بعد اتفاقية نيفاشا في 2005م والتي وصلت بنا إلى انفصال الجنوب في التاسع من يوليو 2011م. ولا ندري ماذا سيكون وجه الجمهورية الثانية هل ستمضي بنا خطوة إلى الأمام أم خطوتين إلى الوراء؟
لست من المتفائلين بمستقبل الجمهورية الثانية وأظن أن النظام سيلجأ في ضوء التهديدات والمخاطر المحتملة إلى ما اعتاد عليه من قهر وعسف لمن تسول له نفسه مناجزة الحزب الحاكم ولو سلمياً! أحسب أن الدكتور عمر، وهو رجل شجاع صادق مع نفسه متمسك بقيمه التي نشأ عليها في حضن الحركة الإسلامية فقد عرفته عن قرب لسنوات عديدة داخل وخارج السودان، بدأت تتضح له صورة أوضاع السودان القاتمة بعد أكثر من عشرين سنة من احتكار الحركة الإسلامية للسلطة تمثلت في انفصال الجنوب ونشوب حرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق واحتمال حرب متجددة في دارفور وشرق السودان، اقتصاد مهدد بالانهيار، وعزلة خارجية خانقة وصلت إلى ملاحقة رئيس السلطة لدى محكمة الجنايات الدولية. وشهد أن الأحزاب الكبيرة التي كانوا يقولون عنها متكالبة على السلطة وتسعى إليها بكل الوسائل مستعينة بأعداء الوطن في الخارج تأبى المشاركة فيها رغم العرض الوزاري المغري الذي قدم لها. وتشكك عمر في أن قرارات الحزب ربما تطبخ خارج أجهزته القيادية، وأن مشروع الوفاق الوطني والمشاركة العريضة في السلطة الذي أجازته كل هيئات الحزب لم ينفذ بالصورة المثلى التي تجعله مقبولاً للآخرين لأن قلة قليلة متنفذة ترى ألا ضرورة لذلك ويمكن للأمور أن تسير كما كانت في السابق. أحسب أن عمر يريد البوح المسموع بأن حصيلة ما انتهينا إليه بعد هذه الفترة الطويلة من الحكم تحتاج إلى مراجعة جذرية شاملة تقوّم فيها التجربة الماضية بنقد ذاتي صادق وجرئ حتى يتلمس الحزب طريق الإصلاح للمستقبل، وليس صحيحاً أن يقال إن كل شئٍ على مايرام.
ولماذا يقول عمر مثل هذا الكلام الجرئ في هذا الوقت؟ أظن أنه استشعر ثقل مسئولية انفصال الجنوب التي يتحملها الحزب الحاكم بالدرجة الأولى، وأن ثورات الربيع العربي لا يمكن تجاهلها واعتبار السودان في مأمن منها، وأن مناسبة وضع دستور جديد للسودان تستدعي إعادة النظر في نظام الحكم، كما أن احتمال تقاعد الرئيس البشير اختيارياً بعد دورته الحالية تعني البحث عن مرشح جديد للحزب الحاكم مما يغير المعادلة القائمة. كل ذلك يدعو لتفكير جرئ وخلاق في هذه المرحلة حول أوضاع الحكم في السودان وما انتهت إليه من حالة لا تسر.
وماذا سيكون تأثير تساؤلات د. إبراهيم أحمد عمر على قيادة الحزب وقواعده؟ أظن أن معظم قيادات الحزب العليا سيضايقها مثل هذا الكلام غير المنضبط تنظيميا وستلجأ للقطيعة والنميمة من وراء الظهر لتقول إن عمر لم يكن سياسياً في يوم من الأيام، وهو يعيش مثاليات لا مكان لها في واقع مستنقعات العمل السياسي في بلد متخلف، وأنه يعطي الأحزاب التقليدية الطائفية أهمية أكثر مما تستحق ولن تضعف عدم مشاركتها من قوة الحكومة. ولكن لن يجرؤ أحد من القيادات العليا للتصدي له لأنه سيرد عليه الصاع صاعين فهو جعلي قح لا يقعقع له بالسلاح ولا يقاطع له بالشنان، ثم إنه قريب من الرئيس يقدر له سابقته في نصرته على الترابي وإن اختلف معه في رؤيته الإصلاحية، وله قوة معنوية أخلاقية اكتسبها من عفته وطهارة يده يفتقدها الكثيرون من العصبة الحاكمة،
ولكن قد يسلطون عليه بعض الإعلاميين من زعانف الحزب والمؤلفة قلوبهم التي تأتمر بأمرهم وتقبل عطاياهم لتنتقده في الصحف السيارة. أما قواعد الحزب (البريئة والشبابية) فستؤيد ما يقوله عمر لأنها مكتوية بما تسمعه في الشارع السياسي من نقد مر ولاذع لأداء الحزب خاصة في جبهة الفساد وغلاء الأسعار ومخصصات الدستوريين الكبار التي تبلع عشرات الملايين من الجنيهات القديمة شهرياً، واضطراب السياسات وتعدد المرجعيات وتناقض التصريحات. وقد يقول بعض الشباب إنه نسي أن يدعو لتغيير القيادات المعتقة التي بقيت في السلطة دهراً طويلاً حتى تكلست عظامها، ونعتها في الصحف بعض المتطلعين بالكنكشة التي فقدت مؤهلات العطاء! وسيمضي كلام د. عمر دون تأثير يذكر على الحزب أو السلطة لأن القيادة المتنفذة باقية كما بقي عسيب، ليس لها الرغبة أو الإرادة أو القدرة على التغيير. ولماذا التغيير؟ فقد عاشت الإنقاذ بهذا المنهج السلطوي المنفرد في الحكم أكثر من عشرين سنة وتستطيع لو وقفت متكاتفة ومطيعة لقيادتها السرمدية أن تستمر به لعشرات قادمات! ويقولون إذا فتر عمر من الكفاح السياسي مع «العصبة المجاهدة» فعليه أن يتنحى جانباً مثل ما حدث لآخرين قبله ويظل أخاً كريماً له كل الاحترام اللائق به، ويا دار ما دخلك شر!
الصحافة 16/10/2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مسألة جنوب السودان في سياق تاريخي: 1899 – 1986م .
.بقلم: د. فيصل عبدالرحمن علي طه (1)
[email protected]
مدخل في اكتوبر من عام 1986 طلبت مني أمانة منتدى الاثنين بالمركز الاجتماعي الثقافي السوداني في أبوظبي إلقاء محاضره عن المراحل التاريخية التي عبرتها قضية جنوب السودان. وكما أُبلغت عندئذ فقد كان الغرض من ذلك هو التعرف على جذور القضية قبل أن يحتشد المنتدى للنقاش الموضوعي لمختلف جوانبها. ومع أن المحاضرة سبق أن نُشرت في حينها في ثلاث حلقات في صحيفة «الخليج» التي تصدر في إمارة الشارقة، إلا أن بعض الأصدقاء ألحوا علي إعادة نشرها بغرض التوثيق في الشبكة العنكبوتية وكذلك إصدارها في كتيب. فمع أن الجنوب قد انفصل وأعلن في 9 يوليو 2011 عن قيام جمهورية جنوب السودان، إلا أنه كان من رأي هؤلاء الأصدقاء أن النشر سيكون مفيداً للأجيال القادمة وللأجيال التي لم تعاصر المنعطفات الكثيرة التي مرت بها مسألة جنوب السودان. ويتعين على التنويه إلى أنني قد أضفت لاحقاً إلى المحاضرة بعض المواد التي لم تتوفر لي في تاريخ إعدادها. 1- المرحلة من إتفاقية الحكم الثنائي الموقعة في 19 يناير 1899 بين مصر وبريطانيا وحتى إنعقاد مؤتمر جوبا الأول في يونيو 1947 لم تُخضع إدارة السودان البريطانية الجنوب إلى سيطرتها التامة إلا في عام 1932. وكان ذلك بعد حملات تأديبية مكثفة إستهدفت بصفة رئيسة قبائل الدينكا والنوير والتبوسا.
وحتى منتصف الأربعينيات كانت السياسة البريطانية ترمي بوجه عام إلى إغلاق الجنوب أمام تيار المؤثرات الإسلامية: اللغة والدين والزي. فقد كانت الصحة وكذلك التعليم في قبضة الهيئات التبشرية المسيحية. كما كانت الإعانات التي تمنحها حكومة السودان إلى الإرساليات المسيحية هي جملة ما تنفقه على الصحة والتعليم. ويبدو أن التعليم التبشيري قد أفلح في بث الكراهية الدينية والعنصرية ضد الشماليين. ولكنه أخفق في إعداد كوادر مقتدرة للانخراط في العمل التنفيذي والإداري. فالتعليم التبشيري لا يعدو أن يكون وعاءً لتلقي العقيدة الدينية المراد نشرها. ومنعاً لإسلام الجنوب أو استعرابه بعوامل الاتصال والاختلاط، أصدرت حكومة في سنة 1922 قانون الجوازات والتصاريح. منح هذا القانون الحاكم العام سلطة إعلان أي منطقة من السودان «منطقة مغلقة» كلياً أو جزئياً سواء للسودانيين أو لغيرهم. وأن يعلن أي منطقة من السودان «منطقة مغلقة» للتجارة إلا بالنسبة لسكانها. ومنحه كذلك سلطة منع انتقال العمالة داخل أو خارج السودان. وبمقتضى هذا القانون أصدر الحاكم العام أمر المناطق المغلقة لسنة 1922 وأمر رخص الاتجار لسنة 1928. بموجب الأمر الأول أُعلنت المديريات الجنوبية «منطقة مغلقة». أما الأمر الثاني فقد وضع بعض القيود على دخول التجار الشماليين للمديريات الجنوبية. وقد قال جيمس روبرتسون إن هذه القوانين كانت ترمي إلى الحد من عدد التجار الشماليين في المديريات الجنوبية وتقييد تنقل التجار «الجلابة» فيها. وقال أيضاً إنه بالرغم من أن المواطن الشمالي العادي كان خارج نطاق تطبيق هذه القوانين، إلا أن السلطات الإدارية لم تكن تشجعه على زيارة الجنوب. ومضى روبرتسون للقول إن هذه القوانين قصد بها إقامة حاجز لحماية الجنوبيين من استغلال الشماليين ولمنع استمرار الكراهية بين الشمال والجنوب. ثم قال إنه كان من المأمول أن يتطور أبناء الجنوب خلف هذا الحاجز حتى يصلوا إلى مستوى الشمال ولكن ذلك لم يحدث حتى نشوب الحرب العالمية الثانية. أُعيدت صياغة سياسة الإدارة البريطانية تجاه الجنوب في المذكرة التي وجهها في 25 يناير 1930 السكرتير الإداري آنذاك هارولد ماكمايكل إلى الإداريين البريطانيين العاملين بالجنوب وإلى رؤساء الدوائر الحكومية. أكدت المذكرة أن سياسة الحكومة في الجنوب ترمي إلى قيام وحدات عرقية وقبلية مستقلة يقوم تركيبها على العادات المحلية والعرف والمعتقدات القبلية. وقررت المذكرة أن الإجراءات المطلوبة لتنفيذ هذه السياسة هي: (أ) تهيئة كادر من العاملين - إداريين وكتبة وفنيين - لا يتحدث اللغة العربية. (ب) الحد من استخدام اللغة العربية في الجنوب. (ج) الحد من هجرة التجار الشماليين إلى الجنوب وتشجيع هجرة التجار السوريين واليونانيين. (د) استخدام اللغة الإنجليزية حيث يتعذر التخاطب باللهجة المحلية. وفي الفقرات الختامية للمذكرة أشار السكرتير الإداري إلى أنه بالرغم من أن الحد من استخدام اللغة العربية عنصر أساسي في السياسة الجنوبية إلا أن استخدامها سيضمحل تدريجياً لأنها ليست لغة الحاكمين أو المحكومين. ثم نبه إلى ضرورة محاربة الاعتقاد السائد في أوساط الجنوبيين بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية. وحتى انعقاد مؤتمر جوبا الأول في يونيو 1947 لم نجد ما ينبئ بوجود تداخل وتفاعل سياسي بين الشمال والجنوب. ولكن يبدو أن هذا التداخل والتفاعل حدث في الشمال بين العناصر ذات الأصول الزنجية والعناصر ذات الأصول العربية العاملة في الوحدات السودانية التابعة للجيش المصري. وأثمر ذلك عن انتفاضة سنة 1924. أهتم مؤتمر الخريجين الذي أسس عام 1938 بالجنوب. وكان على دراية وإلمام بالسياسة البريطانية في الجنوب ومرامي هذه السياسة. وحاول إيجاد صلة مع المتعلمين الجنوبيين وكانوا قلة آنذاك. فقد احتفى المؤتمر باستانسلاوس عبدالله بياساما عند زيارته للخرطوم في سنة 1940. وسيرد من بعد أن استانسلاوس أصبح عضواً بالجمعية التشريعية عن مديرية بحر الغزال وزعيماً للمعارضة بمجلس الشيوخ ثم نائباً بآخر مجلس للنواب قبل انقلاب 17 نوفمبر 1958. وذكر إسماعيل الازهري في مذكراته أن مؤتمر الخريجين كتب إلى الحاكم العام يطلب التصديق بإرسال بعثة تبشيرية إسلامية للجنوب ولكن الحكومة اعتذرت بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية. وقالت إن الجنوب قُسم إلى مناطق نفوذ مسيحية وأن أي محاولة لإدخال بعثة إسلامية ربما تثير الجمعيات التبشيرية المسيحية. لم تغفل مطالب الخريجين في 3 ابريل 1942 الجنوب. ففي المذكرة التي رفعها إلى الحكومة بإسم رئيسه إبراهيم أحمد، وردت المطالب التالية فيما يتصل بالجنوب: أ- إلغاء القوانين الخاصة بالمناطق المغلقة ورفع الحواجز والحدود عن التجارة وعن انتقال السودانيين وتحركاتهم داخل حدود السودان. ب- إلغاء الإعانات التي تصرفها الحكومة لمدارس المبشرين وتوحيد مناهج الدراسة في مدارس الشمال ومدارس الجنوب. إتخذت السياسة البريطانية تجاه الجنوب بعداً جديداً في عام 1943. ففي ذلك العام أنشأت الإدارة البريطانية المجلس الاستشاري لشمال السودان. وأُعلن أن الغرض من إنشاء المجلس تمكين الحاكم العام في ما يتعلق بإدارة السودان الشمالي من استشارة أشخاص لهم صفة تمثيلية وليوضح لأولئك الأشخاص أي اتجاه عام أو خاص لسياسة حكومة السودان إزاء شمال السودان. وكما هو ظاهر من اسمه فقد كانت سلطات المجلس إستشارية ولم تكن تشمل جنوب السودان. وقد عزا السكرتير الإداري دوجلاس نيوبولد ذلك إلى أن أهل الجنوب ليسوا مؤهلين بعد للتمثيل في المجلس. قاطعت الاتجاهات الاتحادية المجلس واعتبرت قصر سلطاته على الشمال مظهراً من مظاهر فصل الجنوب عن الشمال. وشاركت الأحزاب الاستقلالية في المجلس لتتخذه نواة للعمل السياسي الإيجابي. ولكن كان من رأى هذه الأحزاب أن قصر سلطات المجلس على الشمال يدل على سوء القصد. مبررات السياسة الجنوبية يلاحظ المتفحص للوثائق البريطانية أن أهم المبررات للسياسة الجنوبية كانت حماية الجنوبيين من استغلال الشماليين ومن تجار الرقيق الشماليين. فمثلاً قال الاسكندر كادوقان ممثل بريطانيا في مجلس الأمن في عام 1947 إن التمييزات الإدارية التي اختطتها الإدارة البريطانية فيما مضى بين الجنوب وبقية أجزاء البلاد أملتها الضرورة الإنسانية لحماية شعب بدائي أعزل من استغلاله بواسطة إخوانه الأكثر تقدماً حتى يحين الوقت الذي يستطيع أن يقف فيه على قدميه . وذكر كادوقان أن شعب الجنوب لا يدين بالدين الإسلامي ولا يتكلم اللغة العربية ولم ينطق بها قط وليس بينه وبين الشمال أي صلة عنصرية. وذكر أيضاً أنه قبل أن يصل البريطانيون إلى السودان كان أهل الشمال يغيرون على سكان الجنوب ويأخذونهم عبيداً. وكان الممثل البريطاني يرد بذلك على اتهام رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي أن بريطانيا اتخذت التدابير لفصل جنوب السودان عن شماله وضمه إلى إفريقيا الشرقية البريطانية. وضرب النقراشي مثلاً لتلك التدابير بمحاربة اللغة العربية وتحريم الزواج بين أهل الشمال وأهل الجنوب وإنشاء مجلس استشاري لشمال السودان. ويبدو أنه حتى عام 1945 لم تتخذ حكومة السودان رأياً قاطعاً حول مصير جنوب السودان: هل يُلحق بالشمال أو يضم إلى شرق أفريقيا؟ كل ما كان يهمها هو أن يتطور الجنوب في اتجاه حضاري مغاير للنمط العربي الإسلامي القائم في الشمال. ويظهر ذلك جلياً في الخطاب الذي بعث به الحــاكم العــام إلى المنــدوب الســامي البريطـاني في القـــاهرة في 4 أغسطس 1945. ففي هذا الخطاب قال الحاكم العام : «إن السياسة المقررة هي العمل على حقيقة أن أهالي جنوب السودان يتميزون بأنهم أفارقة وزنوج. ولذلك فإنه يتعين علينا المضي قدماً بأسرع ما نستطيع نحو تنميتهم اقتصادياً وتعليمياً على أساس أنماط تنموية أفريقية وزنجية وليس على أساس الأنماط الشرق أوسطية والعربية التي تلائم شمال السودان. فالتنمية الاقتصادية والتعليمية هي السبيل الوحيد لتأهيل الجنوبيين للاعتماد على أنفسهم في المستقبل سواء كان مصيرهم مرتبطاً بشمال السودان أو بشرق أفريقيا. ففي الحالة الأولى فإنه يجب عليهم كأقلية كبيرة متقدمة ومترابطة أن يقاوموا السلوك التسلطي الذي لا يزال يمارسه الشمال العربي. وأما في الحالة الثانية فإنه سيتعين عليهم القيام بقفزات ضخمة من أجل اللحاق بالمناطق الأسرع تقدماً في شرق أفريقيا». مؤتمر إدارة السودان يعد مؤتمر إدارة السودان الذي دعا إليه الحاكم العام في عام 1946 أول خطوة في طريق العدول عن السياسية الجنوبية. فقد أعلن الحاكم العام عند افتتاح الدورة الخامسة للمجلس الاستشاري في 17 إبريل 1946 أن مؤتمراً سيعقد في نهاية دورة المجلس ليدرس الخطوات اللازمة لإشراك السودانيين بشكل أوسع في إدارة بلادهم. وبمناسبة إنعقاد المؤتمر كتب عبدالله خليل سكرتير عام حزب الأمة إلى السكرتير الإداري يسأل عن المقصود بكلمة «السودان». وطلب أن يوضح بطريقة مقنعة ربط الشمال والجنوب لكي يعرف رجل الشارع أن المراد هو السودان بحدوده الجغرافية شماله وجنوبه. ثُم ذكر أن قصر المجلس الاستشاري على شمال السودان أوجد كثيراً من الريبة في نفوس الناس. انعقد مؤتمر ادارة السودان في 22 باريل 1946 برئاسة السكرتير الإداري جيمس روبرتسون وشارك فيه حزب الأمة وحزب الأحرار وحزب القوميين وبعض المستقلين. وجاء في تقرير المؤتمر أنه طُلب إلى الأحزاب الأخرى وإلى مؤتمر الخريجين أن ينتدبوا ممثلين ولكنهم لم يجيبوا الطلب. لم يشارك في المؤتمر أي أعضاء من السودانيين الجنوبيين. وعزا السكرتير الإداري ذلك إلى طول المسافة التي كان عليهم أن يقطعوها للوصول من أماكن إقامتهم ولأن أغلبهم لم يألف بعد الإشتراك في اجتماعات كبيرة. اعتبر المؤتمر المجلس الاستشاري الخطوة الأولى نحو الحكم الذاتي المسؤول . ولكن المؤتمر انتقد المجلس من ثلاثة وجوه: أن اختصاصه كان قاصراً على المديريات الشمالية الست، وكانت وظيفته استشارية محضة ومحدودة المدى، ولم يكن في وسع أعضائه أن يدعوا أنهم يمثلون الشعب تمثيلاً صحيحاً رغم أن بعضهم من أكفأ رجالات البلاد وأوفرهم تجارباً. واتفق المؤتمر عى أن أمثل طريقة لتحسين المجلس الاستشاري وجعله أكثر تمثيلاً لرغبات الشعب وإعطائه قدراً أوفر من المسؤولية، هي تشكيل جمعية تشريعية تتألف من أعضاء سودانيين منتخبين ليمثلوا السودان بأكمله وتكون ذات وظائف تشريعية ومالية وإدارية تؤديها بالاشتراك مع مجلس تنفيذي يتم إنشاؤه ليحل محل مجلس الحاكم العام. وأوصى المؤتمر بأن يعاد تشكيل مجلس الحاكم العام ليكون مجلساً تنفيذياً وبأن يشمل عدداً من السودانيين لينالوا التدريب ويساهموا في المسؤولية حيث أنهم بهذه الطريقة لا يتدربون على أعلى وظائف الحكم فحسب بل يتاح لهم الاشتراك في رسم السياسة العامة لحكم بلادهم. وأوصى المؤتمر بأن يُتخذ في الحال قرار ينص على إدارة السودان كقطر واحد لأن مستقبل السودان يتوقف على دمج أهاليه ليكونوا شعباً واحداً. وقد أجمعت الآراء في المؤتمر على أن سلطات الجمعية التشريعية يجب أن تشمل القطر بأكمله من شأنه توحيد السودان، ذلك التوحيد الذي تعتمد عليه رفاهية السودانيين كلهم في النهاية. وأشار المؤتمر إلى أنه مع ان المديريات الجنوبية ليست عربية الأصل شأنها في ذلك شأن أجزاء كثيرة من السودان الشمالي. إلا أنها لن تحصل على التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلا إذا اتجهت نحو أجزاء السودان الأخرى. وسجلت أغلبيــة المؤتمر رأيـــــاً مؤداه أن إلغاء أمر رخص الاتجار لسنة 1928، واتباع سياسة واحدة للتعليم في السودان كله، وتعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب، وتحسين طرق المواصلات بين جزئي السودان، وتشجيع تنقلات الموظفين السودانيين بين الشمال والجنوب، وتوحيد نظام درجات الموظفين سيساعد كثيراً في توحيد السودانيين. مؤتمر جوبا الأول: 12 يونيو 1947 لاستطلاع وجهة نظر الجنوبيين والإداريين البريطانيين العاملين في الجنوب، عُرضت توصيات مؤتمر إدارة السودان المتعلقة بجنوب السودان على مؤتمر عقد في جوبا في 12 يونيو 1947. شارك في المؤتمر مارود مدير الاستوائية وكنجدن مدير أعالي النيل وأوين نائب مدير بحر الغزال. وشارك في المؤتمر سبعة عشر جنوبياً اختارهم مديرا الاستوائية وأعالي النيل كممثلين لبعض قبائل الجنوب والطبقة المتعلمة من السودانيين الجنوبيين. وقد كان من بين هؤلاء كلمنت امبورو، وفليمون ماجوك، وحسن فرتاك، وجيمس طمبره، وشير ريحان، ولوليك لادو، وبوث ديو، وسيرسرو إيرو. وشارك في المؤتمر من الشماليين محمد صالح الشنقيطي، وإبراهيم بدري، وحسن أحمد عثمان (الكد)، وسرور رملي، وحبيب عبدالله. حُددت صلاحيات مؤتمر جوبا في النقاط التالية: (أ) النظر في توصيات مؤتمر إدارة السودان المتعلقة بالجنوب. (ب) النظر فيما إذا كان من الصائب تمثيل الجنوب في الجمعية التشريعية المقترحة. (ج) النظر في إدخال ضمانات في قانون الجمعية التشريعية تكفل أن جنوب السودان بما هو عليه من اختلافات في اللغة والعرق والتقاليد والأعراف والتطلعات لا يتعرض لما يعيق تقدمه السياسي والاجتماعي. (د) النظر في إنشاء مجلس استشاري لجنوب السودان لمعالجة شؤون الجنوب ويُنتخب نواب الجنوب في الجمعية التشريعية من بين أعضائه. (هـ) النظر في توصيات مؤتمر إدارة السودان المتعلقة بتوحيد سياسة التعليم وتعليم اللغة العربية وإلغاء أمر رخص الاتجار لعام 1928 وتحسين المواصلات وتوحيد درجات الموظفين وتشجيع تنقلات الموظفين بين الشمال والجنوب. وفي الكلمة التي افتتح بها المؤتمر، قال جيمس روبرتسون إن سلطات المجلس الاستشاري لم تكن تشمل الجنوب كما لم يكن الجنوب ممثلاً فيه. وقال إن مؤتمر إدارة السودان أوصى بأن يمثل الجنوب في الجمعية التشريعية المزمع إنشاؤها، فقد رؤى أنه بالرغم من أن السودان بلد شاسع إلا أن ثرواته ضئيلة وعدد سكانه قليل ولا يمكن أن يحكم ذاتياً أو يعتمد على نفسه إذا قُسم إلى وحدات صغيرة وضعيفة. وذكر روبرتسون أن الشماليين يأملون بإخلاص في أن تساعد مشاركة الجنوبيين في الجمعية التشريعية في الإسراع بتوحيد شطري البلاد. وأكد روبرتسون أن الدوافع وراء هذه التوصيات نبيلة وأنها لا ترمي إلى استغلال قبائل الجنوب. وأوضح روبرتسون في كلمته أمام المؤتمر أن سياسة الحكومة في عام 1945 كانت تهدف إلى ترقية الجنوبيين اقتصادياً وتعليمياً ليعتمدوا عى أنفسهم في المستقبل سواء قرروا في النهاية الانضامام إلى شمال السودان أو إلى شرق أفريقيا كلياً أو جزئياً. ولكنه أضاف أن التطورات الاقتصادية والتعليمية التي حدثت في الجنوب منذ عام 1945 حتمت أن يتجه الجنوب نحو الشمال وليس إلى يوغندا أو الكونغو مما استتبع إعادة صياغة سياسة الحكومة بشأن جنوب السودان لتكون كالآتي: «إن سكان جنوب السودان يتميزون بكونهم أفارقة وزنوجاً. ولكن بحسب ما يمكن استشرافه في المستقبل، فإن عوامل الجغرافيا والاقتصاد تجعل تطورهم في المستقبل مرتبطاً ارتباطاً لا فكاك منه مع الشرق الأوسط وعرب شمال السودان. وبذلك يُضمن إعدادهم عبر التطورات التعليمية والاقتصادية ليتبوأوا مواقعهم في سودان المستقبل كأنداد لرفقائهم في الشمال اجتماعياً واقتصادياً». وفي أول جلسة لمؤتمر جوبا أكد الجنوبيون وحدة السودان ولكنهم آثروا إنشاء مجلس استشاري للجنوب قبل أن ينضموا للجمعية التشريعية وتعللوا بضعف التعليم وقلة الخبرة بشؤون الإدارة والحكم. ولكن في الجلسات التالية حدث تحول كبير في وجهة النظر الجنوبية وانتهى المؤتمر إلى أن الجنوب يرغب في سودان موحد ويرغب كذلك في المشاركة في الجمعية التشريعية. وقد قالت صحيفة النيل: «إنه بهذا القرار يسدل الستار على الماضي بشكوكه ومخاوفه وتنقشع الغمامة التي رانت على القلوب في اليومين الماضيين ويشرق عهد جديد في سودان جديد تزول فيه الفوارق والسدود بين الأخوين، ويرتفع إلى الأبد سيف ديموقليس الذي سلطته السياسة الاستعمارية نصف قرن على وشائج الدم والقرابة». ولم يعترض الجنوبيون الذين شاركوا في مؤتمر جوبا على مبدأ توحيد السياسة التعليمية في الشمال والجنوب أو تدريس اللغة العربية في مدارس الجنوب. ولكن ثار خلاف حول بعض المسائل التفصيلية مثل المرحلة التي ينبغي أن تدرس فيها اللغة العربية. وقد طالب بوث ديو بالإسراع في تدريس اللغة العربية في المدارس حتى يلحق الجنوب بالشمال. وأشار لوليك لادو إلى أن الكاثوليك والبروتستانت ربما لا يتعاونون في الأمر مما قد يثير بعض الصعوبات. إجازة توصيات مؤتمر إدارة السودان أجاز المجلس الاستشاري توصيات مؤتمر إدارة السودان في دورته السابعة التي بدأت في 20 مايو 1947 وطلب من الحكومة أن تعد تشريعاً وفقاً لهذه التوصيات في أقرب وقت ممكن. وأجاز مجلس الحاكم العام التوصيات من حيث المبدأ في 29 يوليو 1947 وقرر أن ترفع إلى الحكومتين المصرية والبريطانية للنظر فيها من حيث المبدأ. وبالطبع فقد كان من بين توصيات مؤتمر إدارة السودان التي أجازها مجلس الحاكم العام التوصية بأن تقوم الجمعية التشريعية بالتشريع للسودان كله شماله وجنوبه. وقد وافق المجلس «على أن تقرر ضمانات في التشريعات التي سيقوم عليها الدستور الجديد تكفل إطراد التقدم والفائدة لأهالي الجنوب». وكان جيمس روبرتسون السكرتير الإداري قد قدم مذكرة إلى مجلس الحاكم العام طالب فيها بضمانات لحماية الهوية الاجتماعية والثقافية لجنوب السودان ضد التسلط وسوء الإدارة من قبل حكومة مكونة بصفة رئيسة من شماليين. وبدون هذه الضمانات توقع روبرتسون أن يتحول الجنوب إلى مجتمع من الخدم لقطع الحطب وجلب الماء للارستقراطية الشمالية. ولذلك اقترح روبرتسون كضمان للجنوب أن يحتفظ الحاكم العام بسلطة إيقاف تطبيق أي تشريع أو أمر إداري على الجنوب إذا رأى أن تطبيقه سيحدث ضرراً بالجنوب وذلك حتى يتسنى لمجالس المديريات مناقشة التشريع أو الأمر الإداري. ويبدو أن المادة 54 (ج) من مشروع قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية قد قُصد بها توفير الضمانات المطلوبة. فقد اعتبرت مركز الأقليات الدينية والعنصرية موضوعاً خاصاً لا يتقدم العضو بتشريع بخصوصه إلا بعد موافقة المجلس التنفيذي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
هل تكون الانتخابات المبكرة الحل لأزمة السودان؟ د. عبدالوهاب الأفندي 2011-10-17
لعل أبرز مظاهر الأزمة الحالية في السودان هي أن أهل الحكم لا يدركون على ما يبدو وجود أزمة، ناهيك عن حجمها وأبعادها. فعلى سبيل المثال نجد الحكومة تنصح الناس بمقاطعة السلع الغذائية التي غلت أسعارها، كأن غالبية المواطنين لديها خيارات حول ما تأكل. ولعمري أن هذا يذكر بنصيحة ماري انطوانيت زوجة الملك لويس السادس عشر للفقراء الذين تظاهروا طلباً للخبز أن يأكلوا الكعك بدلاً منه. فإذا كانت غالبية الشرائح المحدودة الدخل، بمن فيها معظم أفراد الطبقة المتوسطة (سابقاً)، يستطيعون بجهد جهيد تناول وجبة أو اثنتين في اليوم من أبسط المكونات، فأي مجال أمامهم لمقاطعة السلع سوى الإضراب عن الطعام كلية؟ وفيما تتجه البلاد نحو هاوية الإفلاس الاقتصادي، نشهد الاتجاه إلى التصعيد مع الجنوب بدل الاتجاه التصالحي الذي كان سيعين الاقتصاد عبر تشجيع التجارة البينية والتقاسم المقبول لعائدات النفط وإعفاء ديون البلاد الخارجية وتدفق المساعدات.
وفي نفس الوقت يحفل الإعلام بتصريحات وتحركات دعائية لكبار المسؤولين تتحدث عن دعم الزراعة لسد الفجوة التي خلفها انقطاع عائدات النفط، مع أن المعلوم أن أي توسع زراعي لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها. ولو كانت هناك جدية في هذا الأمر لكنا شهدنا استثمار عائدات النفط خلال العقد الماضي في الزراعة والصناعة وغيرها من أوجه النهضة الاقتصادية بدلاً من تبذيرها في رفع مخصصات المسؤولين وشراء الولاء السياسي وتمويل حركات التمرد في دول مجاورة والحروب في دارفور وغيرها. سياسياً كذلك نجد أن أركان النظام بعيدون كل البعد عن الشعور بعمق الأزمة وتبعاتها. فمن جهة نجد في تصريحات المسؤولين استخفافاً بالمعارضة وتأكيدات بأن النظام لا يعاني إشكالات في الشعبية. ومن جهة أخرى تتصرف الحكومة كأنها تفتقد أي دعم شعبي، كما يظهر من التعديات على حرية الصحافة واستهداف المعارضة.
ومن جهة ثالثة نسمع دعوات من الحكومة للحوار مع المعارضة ومحاولات لإغراء بعض الأحزاب بالمشاركة في السلطة. ومن جهة رابعة تقول الحكومة بأن البلاد الآن في خطر عظيم، وقد أصبحت مهددة بالمؤامرات، وتدعو الأحزاب لتقديم مصلحة الوطن على المصالح الحزبية، أي أن تدعم النظام بدون انتظار تنازلات ومشاركة حقيقية في السلطة. وكنتيجة لهذه التضاربات فشل النظام في إقناع القوى السياسية بالمشاركة في الحكومة التي كان من المنتظر أن يعاد تشكيلها مع انفصال الجنوب في التاسع من تموز/يوليو الماضي، ولكنها لم تر النور حتى كتابة هذه السطور، وذلك بسبب الاختلاف على شروط المشاركة. فالنظام يريد من الأحزاب أن تعترف ضمناً بشرعية فوز الحزب الحاكم في انتخابات العام الماضي التي قاطعتها معظم الأحزاب، وتبرأت منها الأحزاب المعارضة القليلة التي شاركت فيها زاعمة أن حجم التزوير فيها فاق أسوأ تخوفاتها. ولكن أحزاب المعارضة تشترط التعامل مع الوضع الحالي بأنه انتقالي، لأنها لا تسلم بشرعية النظام ولا الانتخابات التي نظمها، كما أنها ترى أنه مهما كان أساس الشرعية في الماضي، فإن تقسيم البلاد خلق واقعاً جديداً يحتاج إلى بناء شرعية جديدة.
وتدعو الأطراف المتشددة في المعارضة إلى استقالة الحكومة اعترافاً بفشلها وتفريطها في وحدة البلاد، ومسؤوليتهاعن تفاقم الأزمة الاقتصادية مع استمرار أزمة دارفور وتفجر أزمات جديدة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتدعو إلى تنصيب حكومة انتقالية تتولى الإشراف على انتخابات جديدة. ولكن الأطراف المعتدلة تقبل باستمرار الرئيس البشير على رأس حكومة موسعة تمثل فيها كل القوى السياسية الرئيسية، على أن تتولى هذه الحكومة إعداد دستور جديد للبلاد يفضي إلى انتخابات جديدة. ولكن الحكومة رفضت هذا المقترح، مصرة على أن تكون المشاركة على شروطها، مما يعني طرح عدد من الحقائب الوزارية والمناصب الأخرى على كل حزب على حدة، مع احتفاظ الحزب الحاكم بالأغلبية المطلقة وحق الرئيس في إقالة الوزراء متى شاء. إذا كان هناك عنصر إيجابي في هذا الوضع فهو وجود توافق مبدئي حول ضرورة تعديل الدستور بمشاركة فاعلة من المعارضة، مع استمرار الاختلاف حول شكل هذه المشاركة.
فقد أصبح من المحتم إعادة صياغة الدستور، وقد قبلت الحكومة من ناحية المبدأ مشاركة أحزاب المعارضة في مفوضية الدستور. ولكن إجازة الدستور الجديد تبقى في يد البرلمان الذي يهيمن الحزب الحاكم على أكثر من 95' من مقاعده. وهذا يعني أن مشاركة الأحزاب في مفوضية الدستور، إذا لم تكن هذه المشاركة معبرة عن التركيبة السياسية مع الإقرار بإلزامية ما يتفق عليه، فإنها لن تتعدى إضفاء المشروعية على ما سيقرره برلمان المؤتمر الوطني. من هنا لعله من الأفضل أن تتركز المفاوضات بين الحكومة والأحزاب في هذه المرحلة حول الدستور وتوجهاته بدلاً من التفاوض حول المشاركة في حكومة يهيمن عليها المؤتمر الوطني. فإذا قبلت الحكومة أن تشرك المعارضة في وضع الدستور فعلياً، وليس كمحاولة تمويه، فإن هذه ستكون خطوة مهمة إلى الأمام. عندها يجب أن تكون الخطوة التالية هي ترتيب انتخابات مبكرة على أساس الدستور الجديد، شريطة أن تكون محل إجماع وقبول هذه المرة. ويمكن بعد ذلك أن تشكل الحكومة الجديدة على أساس الأوزان الانتخابية، فيحسم هذا الأمر قضايا الخلاف حول المشاركة في السلطة وشروطها وكيفيتها. هذه الخطوات، إذا تحققت، يمكن أن تصبح البديل الأقل كلفة، عوضاً عن الانهيار أو توسيع الصراع المسلح أو إسقاط النظام بأي وسيلة. ولكن حتى تتحقق هذه الخطوة لا بد للنظام من أن يدرك أن هناك أزمة، وأن يبذل جهداً حقيقياً للتقارب مع الآخرين. وهذا الأمر من أصعب الأمور على الأنظمة التي ترى أنها قادرة على البقاء في السلطة بالقوة، وأن خصومها أضعف من أن يجبروها على الرحيل. وفي الغالب فإن هذه الأنظمة لا تدرك أبعاد المشكلة إلا بعد فوات الأوان، وعندها لن يمكن لأي قدر من التنازلات أن ينقذها.
شهدنا هذا في مصر وتونس وليبيا، ونشهده اليوم في سورية واليمن. قبل عقد من الزمان، عندما وصل الأسد الابن إلى السلطة، كان غاية ما تطمح له المعارضة هو إتاحة مساحة صغيرة لحركات المجتمع المدني لكي تتحرك بحرية. ولكن النظام لم يصبر حتى على الاجتماعات التي كانت تعقد داخل شقق لمناقشة قضايا البلاد. اليوم فإن الشعب 'يريد إعدام الرئيس'، كما تقول شعاراتهم. ولم تجد حتى الآن كل القرارات المتلاحقة التي يصدرها الرئيس بصورة شبه يومية للاستجابة لمطالب كان المعارضون يعتبرونها قبل أشهر ضرباً من الخيال، في إنقاذ الأسد من حكم الإعدام الشعبي الصادر في حقه، وهو حكم من المؤكد أن يجري تنفيذه في القريب العاجل. نفس الإشكاليات واجهها مبارك وبن علي وسيف القذافي ورئيس اليمن. كل منهم قدم خلال أيام تنازلات انتظرها المعارضون عقوداً، ولكنها لم تجد القبول ولم تنقذ الدكتاتور من المصير الحتمي، لأنها جاءت بعد فوات الأوان.
كنت في السابق قد قلت إن أمام النظام في الخرطوم أياماً لا أشهر لكي يتدارك أمره. ولا أرى أن ما جرى من تطورات يغير من هذا الحكم. ذلك أن انهيار الأنظمة لا يتم حكماً لحظة سقوطها، وإنما في وقت ارتكاب الأخطاء المميتة أو تفويت الفرص التي لا تعوض. فالأنظمة في مصر وتونس ما كانت لتنهار بالسرعة التي انهارت بها لو لا أنها كانت ساقطة بالفعل. فقد أحكمت عزلة النظامين حوالي عام 2005، حين تم إحكام سيناريو الوراثة في مصر، وفقدت كل القوى في مصر وتونس الأمل في أي تغيير إيجابي. وابتداء من تلك النقطة أخذت الأنظمة تراكم الأخطاء، مثل عدوان النظام التونسي على القضاة والناشطين والإعلاميين، وقرار النظام المصري تزوير انتخابات عام 2010 بصفاقة مبالغ فيها حتى بمقاييس نظام جثم على الأنفاس عقوداً، إضافة إلى ولوغ النظامين في فساد لم يعد أي منهما يتستر عليه.
في الحالة السودانية فإن النظام أضاع فرصة لا تعوض عبر الطريقة التي أدار بها انتخابات العام الماضي، وأضاع قبل ذلك فرصة الحفاظ على وحدة السودان. وهاهو يضاعف مشاكله بمعالجاته غير الحكيمة للأزمة الاقتصادية التي خلقها، وبفشله في التوصل إلى وفاق مع المعارضة. وإذا استمر الأمر في هذا الاتجاه فإن النتيجة تكون محسومة. وليست هناك سوى فرصة محدودة أمام النظام للأخذ بزمام المبادرة والتحكم في الأمور قبل فوات الأوان. وقد يكون التوافق حول آلية صياغة الدستور الجديد نقطة البداية. فهل نأمل ألا تضيع هذه أيضاً؟
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
حول فتواهم البائسة بشأن الاضاحي إذا كان هؤلاء (علماء) فمن الجهلاء؟!
عمر القراى
(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) صدق الله العظيم
في هذه الظروف الصعبة، والبلاد مقبلة على مصير مجهول، والحروب تمزقها من اطرافها، والغلاء الفظيع ينهش عظم الفقراء، واواسط الناس من الموظفين والعمال، نقرأ الخبر التالي: (الخرطوم: فاطمة بشير: رفضت هيئة علماء السودان إصدار فتوى شرعية ملزمة لرئيس الجمهورية للتضحية نيابة عن غير القادرين من الشعب السوداني، فيما أجازت الهيئة فتوى شرعية للأضحية عن طريق الاشتراك في الثمن بين الأسر غير القادرة أو الأقساط أو استدانة ثمنها شريطة أن لا يدخل المستدين في عجز طويل أو يخل بقوت أهل بيته، وقال بروفيسور محمد عثمان صالح؛ الأمين العام لهيئة العلماء السودان، في الندوة التي نظمتها الجمعية السودانية لحماية المستهلك ظهر أمس تحت عنوان "الأضحية مابين العادة والعبادة" إن فتوى كهذه قد تضر بالمنتجين لأن هنالك بعض الناس قادرون على الأضحية، كاشفا عن وجود تآمر حقيقي في أسعار الأضاحي....)
http://arabic-media.com/newspapers/sudan/alakhbar.htm
هذا ما قاله من يطيب لهم ان يسموا أنفسهم (علماء) السودان!! فهم يدفعون الفقراء من ابناء الشعب، في مشقة معيشية حقيقية، بسبب الاستدانة، حتى يتشروا الخروف ويذبحوه!! فهل حقاً أن (الاضحية) عمل ديني واجب على المسلم حتى يستدين لآدائه؟! من أين جاءت عادة "الضحية"؟
! لقد كانت عادة تقديم القربان الى الآلهه، عادة قديمة، متأصلة في المجتمعات الوثنية، وكان القربان في العهود الماضية، يقدم من البشر، ومن خيار الناس وأفضلهم.. وقد كانت الضحية البشرية معروفة تذبح على مذابح المعابد، طاعة للآلهة واستجلابا لرضاها.. ولقد كانت هذه الشريعة العنيفة، التي تهدر حياة الفرد، في سبيل مصلحة الجماعة معروفة ومعمولا بها، إلى وقت قريب، ففي زمن أبي الأنبياء، إبراهيم الخليل وهو قد عاش قبل ميلاد المسيح بحوالي ألفي سنة، كانت هذه الشريعة لا تزال مقبولة دينا وعقلا، فإنه هو نفسه قد أمر بذبح ابنه إسماعيل، طاعة لله وتقرباً إليه، فأقبل على تنفيذ هذا الأمر، غير هياب ولا وجل، فتأذن الله يومئذ بنسخها فنسخت، حين فدى البشر ببهيمة الأنعام،
وعن ذلك يقول تبارك وتعالى (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ *
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سلام عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
ولقد أصبحت التضحية بالحيوان بدلاً عن الإنسان، في التقرب الى الله، سنة ابراهيم عليه السلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لما سأله أصحابه: ما هذه الأضاحي؟؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم!! (سنن إبن ماجة، الجزءالثاني، صفحة 26، وتفسير إبن كثير لسورة الحج، الجزء الرابع، صفحة 641).. ولما جاء عهد النبي الكريم، كانت حكمة الضحية بالحيوان قد أشرفت، هي أيضا، علي غايتها، فضحي هو ببهيمة الأنعام، ختما لسنة أبيه إبراهيم، في الفداء بالحيوان، وإفتتاحاً للعهد الذي تنتهي فيه عادة القربان الحيواني. وفدى الرسول صلى الله عليه وسلم امته بان ضحى عنها، فاسقط الضحية عن كافتها!! جاء فى تفسير ابن كثير، الجزء الرابع، صفحة 642 (عن على بن الحسين عن ابى رافع ان رسول الله صلى الله عليه كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين اقرنين املحين، فاذا صلى وخطب الناس اتى باحدهما وهو قائم فى مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: "اللهم هذا عن امتى جميعها، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لى بالبلاغ" ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ثم يقول: "هذا عن محمد وآل محمد" فيطعمهما جميعا للمساكين، ويأكل هو واهله منهما. رواه احمد، وابن ماجة..) ثم يمضى ابن كثير فيقول، فى صفحة 646: (وقد تقدم انه عليه السلام ضحى عن امته فاسقط ذلك وجوبها عنهم).
فالنبي الكريم بضحيته، عنه، وعن آل بيته، وعن امته، انما فعل سنة ابيه ابراهيم، ولكنه لم يستن الضحيه ابتداء.. فعل سنة ابراهيم فاختتمها، وفدى امته عنها، وافتتح عهدا جديدا للتقرب الى الله بالعلم، وفدى النفس بالفكر، لا بالحيوان، وهو فى نفس الوقت، انما جارى عادة سائدة، فهذبها، وتسامى بها، وفتح الطريق الى ما هو خير منها.. ومما ورد أيضاً جاء في (سبل السلام)، صفحة 96: (و أخرج البيهقي من حديث عمرو بن العاص أنه صلي الله عليه وسلم قال لرجل سأله عن الضحية وأنه قد لايجدها، فقال: قلم إظافرك، وقص شاربك، وأحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل!!) رواه ايضا ابو داؤود فى (سنن ابى داؤود الجزء الثالث، صفحة 93). وفى هذا الحديث اشارة لطيفة الى استبدال الضحية بالحيوان بعمل يتجه الى تهذيب بقايا الموروث الحيوانى فى البشر، انفسهم، وهى الشعور والاظافر، مما يفتح الطريق امام قيمة جديدة هى ان يفدي الانسان نفسه، بتهذيب نفسه لا بكائن خارجه، انسانا كان او حيوان!!
ومعلوم أن كبار الأصحاب كانوا لا يضحون بما في ذلك الموسرين منهم.. جاء فى تفسير ابن كثير الجزء الرابع صفحة 646 (وقال ابو سريحة "كنت جارا لابى بكر وعمر وكانا لايضحيان خشية ان يقتدى الناس بهما") وجاء فى "سبل السلام" الجزء الرابع صفحة 91: (وافعال الصحابة دالة على عدم الايجاب – ايجاب الضحية – فاخرج البيهقى عن ابى بكر وعمر رضى الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان خشية ان يقتدى بهما) وجاء فى "الاعتصام" للشاطبى الجزء الثامن صفحة 91 (وكان الصحابة رضى الله عنهم لا يضحون – يعنى انهم لا يلتزمون) الخطوط من وضع الكاتب. وهكذا... فلو لم تسقط الضحية عن الامة لكان الاصحاب وعلى رأسهم الشيخان، اولى الناس بادائها.. وقد جاء أيضاً في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، الجزء الأول، صفحة 464: (قال عكرمة: بعثني إبن عباس بدرهمين إشتري بهما لحما، وقال: من لقيت فقل له هذه أضحية إبن عباس!! وروي عن بلال أنه ضحي بديك!!) وجاء في "سبل السلام" صفحة 91 (وقال طاقوس: ما رأينا بيتا أكثر لحما وخبزا وعلما من بيت إبن عباس، يذبح وينحر كل يوم، ثم لا يذبح يوم العيد). أما عبد الله إبن مسعود فلم يدع قط حجة لمحتج بوجوبها، لا علي المعوزين، ولا علي الموسرين!! فقد روى الشاطبي في "الإعتصام"، الجزء الثاني صفحة 91: (و قال إبن مسعود: أني لأترك أضحيتي، وإني لمن أيسركم، مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة!!)
فإذا عجز (علماء) السودان من تبين ما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح، في ترك (الأضحية) ولو كانوا موسرين فلا أقل من ان يعلموا أنها غير واجبة على المعسرين.. ولا ندري لماذا رفضوا ان يضحي الرئيس على الفقراء من الأمة ما دموا يعتبرونه إمام المسلمين؟! ولماذا هم متعاطفون مع تجار الماشية أكثر من تعاطفهم مع الفقراء؟! فإذا كان الحج، وهو من أركان الإسلام، قد فرض بشرط الإستطاعة، قال تعالى في ذلك (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، فهل يمكن ان يفهم ان (الأضحية) وهي غير واجبة ديناً، ولم يفعلها اثرياء الاصحاب، كما اوضحنا، يجب ان يستدان لها، فيرهق رب الاسرة نفسه باقساط أو ديون تضطره الى ان يعجز عن رسوم المدارس، أو ايجار المنزل، أو الكهرباء، او الماء؟ أنّى يصرف هؤلاء (العلماء) عن القاعدة الاصولية، في جوهر الدين، وهي قوله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)؟!
إن من اكبر الأدلة على جهل هؤلاء (العلماء)، أنهم حين عرفوا ان (الأضحية) ستكون غالية جداً في هذا العام، عجزوا عن استصحاب حكمة الدين وروحه، ليفتوا بترك (الاضحية) درءاً للمشقة ورحمة بالفقراء والمساكين.. وليتهم حين عجزوا عن ذلك، صمتوا، وكفوا الناس شر فتاويهم الضارة، ولم يتسقطوا رضا السلطان، فيسابقوا ما يتوقع من سخط شعبي بسبب الغلاء، بابتكار هذه الحيلة السيئة، التي ظنوا انها ستمتص غضب الناس، وتأخر ثورتهم، فترضي الحاكم!!
لماذا لا يتحدث (العلماء) عن سبب الغلاء؟! لماذا لا يدينون من إشعل الحروب في مناطق الإنتاج الزراعي، في جنوب كردفان والنيل الازرق، واضطرار المزارعين للنزوح وترك الزراعة؟! لماذا لم يدينوا تدمير مشروع الجزيرة، وبيعه، وتشريد اهله، الذين اصبحت اسرهم تشتري (ملوة) العيش، بعد ان كانت تنتج عشرات الجوالات من القمح؟! لماذا لم يأمروا بالمعروف، وينهوا عن منكر قتل الشيوخ والأطفال واغتصاب النساء في دارفور وكردفان والنيل الأزرق؟! فإذا صمتوا عن كل هذا الظلم والجور، ولم يفتح الله عليهم بكلمة حق في مواجهة الباطل، فمن الذي يحترم فتاويهم ويصدق دعاويهم؟!ّ
إن ما يمنع المواطنين من (الأضحية) هو الفقر المدقع، والغلاء الفاحش، وذلك لأن ثروة الشعب قد نُهبت وتجمعت في أيدي أفراد الحزب الحاكم، والأقرباء، والمحاسيب، الذين نراهم يتطاولون في البنيان، بلا رقيب أو حسيب.. فلماذا لم نسمع من هؤلاء الأدعياء، إذا كانوا حقاً (علماء) إدانة لهذا الفساد؟! لقد أقرت الحكومة بوجود الفساد، وأعلنت عن إنشاء مفوضية لمحاربته، ثم لم يحدث شئ.. فلماذا لا يطالب (العلماء) بنشر اعمال تلك المفوضية، وقضايا الفساد، على هذا الشعب، ويحاكم مرتكبيها أمامه جهاراً نهاراً؟!
لقد علم العلماء الحقيقيون من الأصحاب، ان (الاضحية) غير واجبة، لا على الفقراء ولا على الأغنياء، فلم يضحوا، وابانوا ذلك.. واليوم، فإن حكم الوقت، يجعل (الأضحية) عمل سيئ من القادر عليها، وذلك لأنه يدع جاره غير المستطيع الى تكلف الشطط، حين يرى اطفاله اللحم في أيدي ابناء الغني فيتأثروا بذلك.. وهذا ما جعل أغنياء الأصحاب كأبن عباس لا يضحون. ان هذه الآثار الاقتصادية والإجتماعية الضارة للضحية، تجعلها أمراً مرفوضأ دينياً وأخلاقياً، ويجب تركة والتواصي بتركه.. فإن الدماء التي تهرق في الشوارع، واللحوم التي تقطع على ابواب المنازل، فتجمع الذباب والأمراض، لن تصل الى الله، وإنما تصله التقوى.. والتقوى لا تقوم إذا لم نراع جيراننا، ونقدر ظروفهم، ونترك "الضحية" حتى لا يتأذى اطفالهم.. إقرأول مرة أخرى قوله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ). د. عمر القراي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مسألة جنوب السودان في سياق تاريخي: (1899–1986م)
*د. فيصل عبد الرحمن علي طه: مدخل في أكتوبر من عام 1986م طلبت مني أمانة منتدى الاثنين بالمركز الاجتماعي الثقافي السوداني في أبوظبي إلقاء محاضرة عن المراحل التاريخية التي عبرتها قضية جنوب السودان. وكما أُبلغت عندئذ فقد كان الغرض من ذلك هو التعرف على جذور القضية قبل أن يحتشد المنتدى للنقاش الموضوعي لمختلف جوانبها. ومع أن المحاضرة سبق أن نُشرت في حينها في ثلاث حلقات في صحيفة «الخليج» التي تصدر في إمارة الشارقة، إلا أن بعض الأصدقاء ألحوا علي إعادة نشرها بغرض التوثيق في الشبكة العنكبوتية وكذلك إصدارها في كتيب. فمع أن الجنوب قد انفصل وأعلن في 9 يوليو 2011 عن قيام جمهورية جنوب السودان، إلا أنه كان من رأي هؤلاء الأصدقاء أن النشر سيكون مفيداً للأجيال القادمة وللأجيال التي لم تعاصر المنعطفات الكثيرة التي مرت بها مسألة جنوب السودان. ويتعين على التنويه إلى أنني قد أضفت لاحقاً إلى المحاضرة بعض المواد التي لم تتوفر لي في تاريخ إعدادها. 1- المرحلة من اتفاقية الحكم الثنائي الموقعة في 19 يناير 1899 بين مصر وبريطانيا وحتى انعقاد مؤتمر جوبا الأول في يونيو 1947 لم تُخضع إدارة السودان البريطانية الجنوب إلى سيطرتها التامة إلا في عام 1932. وكان ذلك بعد حملات تأديبية مكثفة استهدفت بصفة رئيسة قبائل الدينكا والنوير والتبوسا. وحتى منتصف الأربعينيات كانت السياسة البريطانية ترمي بوجه عام إلى إغلاق الجنوب أمام تيار المؤثرات الإسلامية: اللغة والدين والزي. فقد كانت الصحة وكذلك التعليم في قبضة الهيئات التبشرية المسيحية. كما كانت الإعانات التي تمنحها حكومة السودان إلى الإرساليات المسيحية هي جملة ما تنفقه على الصحة والتعليم. ويبدو أن التعليم التبشيري قد أفلح في بث الكراهية الدينية والعنصرية ضد الشماليين. ولكنه أخفق في إعداد كوادر مقتدرة للانخراط في العمل التنفيذي والإداري. فالتعليم التبشيري لا يعدو أن يكون وعاءً لتلقي العقيدة الدينية المراد نشرها. ومنعاً لإسلام الجنوب أو استعرابه بعوامل الاتصال والاختلاط، أصدرت حكومة في سنة 1922 قانون الجوازات والتصاريح. منح هذا القانون الحاكم العام سلطة إعلان أي منطقة من السودان «منطقة مغلقة» كلياً أو جزئياً سواء للسودانيين أو لغيرهم. وأن يعلن أي منطقة من السودان «منطقة مغلقة» للتجارة إلا بالنسبة لسكانها. ومنحه كذلك سلطة منع انتقال العمالة داخل أو خارج السودان. وبمقتضى هذا القانون أصدر الحاكم العام أمر المناطق المغلقة لسنة 1922 وأمر رخص الاتجار لسنة 1928. بموجب الأمر الأول أُعلنت المديريات الجنوبية «منطقة مغلقة». أما الأمر الثاني فقد وضع بعض القيود على دخول التجار الشماليين للمديريات الجنوبية. وقد قال جيمس روبرتسون إن هذه القوانين كانت ترمي إلى الحد من عدد التجار الشماليين في المديريات الجنوبية وتقييد تنقل التجار «الجلابة» فيها. وقال أيضاً إنه بالرغم من أن المواطن الشمالي العادي كان خارج نطاق تطبيق هذه القوانين، إلا أن السلطات الإدارية لم تكن تشجعه على زيارة الجنوب. ومضى روبرتسون للقول إن هذه القوانين قصد بها إقامة حاجز لحماية الجنوبيين من استغلال الشماليين ولمنع استمرار الكراهية بين الشمال والجنوب. ثم قال إنه كان من المأمول أن يتطور أبناء الجنوب خلف هذا الحاجز حتى يصلوا إلى مستوى الشمال ولكن ذلك لم يحدث حتى نشوب الحرب العالمية الثانية. أُعيدت صياغة سياسة الإدارة البريطانية تجاه الجنوب في المذكرة التي وجهها في 25 يناير 1930 السكرتير الإداري آنذاك هارولد ماكمايكل إلى الإداريين البريطانيين العاملين بالجنوب وإلى رؤساء الدوائر الحكومية. أكدت المذكرة أن سياسة الحكومة في الجنوب ترمي إلى قيام وحدات عرقية وقبلية مستقلة يقوم تركيبها على العادات المحلية والعرف والمعتقدات القبلية. وقررت المذكرة أن الإجراءات المطلوبة لتنفيذ هذه السياسة هي: (أ) تهيئة كادر من العاملين - إداريين وكتبة وفنيين - لا يتحدث اللغة العربية. (ب) الحد من استخدام اللغة العربية في الجنوب. (ج) الحد من هجرة التجار الشماليين إلى الجنوب وتشجيع هجرة التجار السوريين واليونانيين. (د) استخدام اللغة الإنجليزية حيث يتعذر التخاطب باللهجة المحلية. وفي الفقرات الختامية للمذكرة أشار السكرتير الإداري إلى أنه بالرغم من أن الحد من استخدام اللغة العربية عنصر أساسي في السياسة الجنوبية إلا أن استخدامها سيضمحل تدريجياً لأنها ليست لغة الحاكمين أو المحكومين. ثم نبه إلى ضرورة محاربة الاعتقاد السائد في أوساط الجنوبيين بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية. وحتى انعقاد مؤتمر جوبا الأول في يونيو 1947 لم نجد ما ينبئ بوجود تداخل وتفاعل سياسي بين الشمال والجنوب. ولكن يبدو أن هذا التداخل والتفاعل حدث في الشمال بين العناصر ذات الأصول الزنجية والعناصر ذات الأصول العربية العاملة في الوحدات السودانية التابعة للجيش المصري. وأثمر ذلك عن انتفاضة سنة 1924. أهتم مؤتمر الخريجين الذي أسس عام 1938 بالجنوب. وكان على دراية وإلمام بالسياسة البريطانية في الجنوب ومرامي هذه السياسة. وحاول إيجاد صلة مع المتعلمين الجنوبيين وكانوا قلة آنذاك. فقد احتفى المؤتمر باستانسلاوس عبدالله بياساما عند زيارته للخرطوم في سنة 1940. وسيرد من بعد أن استانسلاوس أصبح عضواً بالجمعية التشريعية عن مديرية بحر الغزال وزعيماً للمعارضة بمجلس الشيوخ ثم نائباً بآخر مجلس للنواب قبل انقلاب 17 نوفمبر 1958. وذكر إسماعيل الازهري في مذكراته أن مؤتمر الخريجين كتب إلى الحاكم العام يطلب التصديق بإرسال بعثة تبشيرية إسلامية للجنوب ولكن الحكومة اعتذرت بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية. وقالت إن الجنوب قُسم إلى مناطق نفوذ مسيحية وأن أي محاولة لإدخال بعثة إسلامية ربما تثير الجمعيات التبشيرية المسيحية. لم تغفل مطالب الخريجين في 3 ابريل 1942 الجنوب. ففي المذكرة التي رفعها إلى الحكومة بإسم رئيسه إبراهيم أحمد، وردت المطالب التالية فيما يتصل بالجنوب: أ- إلغاء القوانين الخاصة بالمناطق المغلقة ورفع الحواجز والحدود عن التجارة وعن انتقال السودانيين وتحركاتهم داخل حدود السودان. ب- إلغاء الإعانات التي تصرفها الحكومة لمدارس المبشرين وتوحيد مناهج الدراسة في مدارس الشمال ومدارس الجنوب. اتخذت السياسة البريطانية تجاه الجنوب بعداً جديداً في عام 1943. ففي ذلك العام أنشأت الإدارة البريطانية المجلس الاستشاري لشمال السودان. وأُعلن أن الغرض من إنشاء المجلس تمكين الحاكم العام في ما يتعلق بإدارة السودان الشمالي من استشارة أشخاص لهم صفة تمثيلية وليوضح لأولئك الأشخاص أي اتجاه عام أو خاص لسياسة حكومة السودان إزاء شمال السودان. وكما هو ظاهر من اسمه فقد كانت سلطات المجلس استشارية ولم تكن تشمل جنوب السودان. وقد عزا السكرتير الإداري دوجلاس نيوبولد ذلك إلى أن أهل الجنوب ليسوا مؤهلين بعد للتمثيل في المجلس. قاطعت الاتجاهات الاتحادية المجلس واعتبرت قصر سلطاته على الشمال مظهراً من مظاهر فصل الجنوب عن الشمال. وشاركت الأحزاب الاستقلالية في المجلس لتتخذه نواة للعمل السياسي الإيجابي. ولكن كان من رأي هذه الأحزاب أن قصر سلطات المجلس على الشمال يدل على سوء القصد. مبررات السياسة الجنوبية يلاحظ المتفحص للوثائق البريطانية أن أهم المبررات للسياسة الجنوبية كانت حماية الجنوبيين من استغلال الشماليين ومن تجار الرقيق الشماليين. فمثلاً قال الاسكندر كادوقان ممثل بريطانيا في مجلس الأمن في عام 1947م إن التمييزات الإدارية التي اختطتها الإدارة البريطانية فيما مضى بين الجنوب وبقية أجزاء البلاد أملتها الضرورة الإنسانية لحماية شعب بدائي أعزل من استغلاله بواسطة إخوانه الأكثر تقدماً حتى يحين الوقت الذي يستطيع أن يقف فيه على قدميه . وذكر كادوقان أن شعب الجنوب لا يدين بالدين الإسلامي ولا يتكلم اللغة العربية ولم ينطق بها قط وليس بينه وبين الشمال أي صلة عنصرية. وذكر أيضاً أنه قبل أن يصل البريطانيون إلى السودان كان أهل الشمال يغيرون على سكان الجنوب ويأخذونهم عبيداً. وكان الممثل البريطاني يرد بذلك على اتهام رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي أن بريطانيا اتخذت التدابير لفصل جنوب السودان عن شماله وضمه إلى إفريقيا الشرقية البريطانية. وضرب النقراشي مثلاً لتلك التدابير بمحاربة اللغة العربية وتحريم الزواج بين أهل الشمال وأهل الجنوب وإنشاء مجلس استشاري لشمال السودان. ويبدو أنه حتى عام 1945 لم تتخذ حكومة السودان رأياً قاطعاً حول مصير جنوب السودان: هل يُلحق بالشمال أو يضم إلى شرق أفريقيا؟ كل ما كان يهمها هو أن يتطور الجنوب في اتجاه حضاري مغاير للنمط العربي الإسلامي القائم في الشمال. ويظهر ذلك جلياً في الخطاب الذي بعث به الحـــــاكم العـــــام إلى المنــــدوب الســــامي البريطــــاني في القـــاهرة في 4 أغسطس 1945. ففي هذا الخطاب قال الحاكم العام : «إن السياسة المقررة هي العمل على حقيقة أن أهالي جنوب السودان يتميزون بأنهم أفارقة وزنوج. ولذلك فإنه يتعين علينا المضي قدماً بأسرع ما نستطيع نحو تنميتهم اقتصادياً وتعليمياً على أساس أنماط تنموية أفريقية وزنجية وليس على أساس الأنماط الشرق أوسطية والعربية التي تلائم شمال السودان. فالتنمية الاقتصادية والتعليمية هي السبيل الوحيد لتأهيل الجنوبيين للاعتماد على أنفسهم في المستقبل سواء كان مصيرهم مرتبطاً بشمال السودان أو بشرق أفريقيا. ففي الحالة الأولى فإنه يجب عليهم كأقلية كبيرة متقدمة ومترابطة أن يقاوموا السلوك التسلطي الذي لا يزال يمارسه الشمال العربي. وأما في الحالة الثانية فإنه سيتعين عليهم القيام بقفزات ضخمة من أجل اللحاق بالمناطق الأسرع تقدماً في شرق أفريقيا». مؤتمر إدارة السودان يعد مؤتمر إدارة السودان الذي دعا إليه الحاكم العام في عام 1946 أول خطوة في طريق العدول عن السياسية الجنوبية. فقد أعلن الحاكم العام عند افتتاح الدورة الخامسة للمجلس الاستشاري في 17 إبريل 1946 أن مؤتمراً سيعقد في نهاية دورة المجلس ليدرس الخطوات اللازمة لإشراك السودانيين بشكل أوسع في إدارة بلادهم. وبمناسبة إنعقاد المؤتمر كتب عبدالها خليل سكرتير عام حزب الأمة إلى السكرتير الإداري يسأل عن المقصود بكلمة «السودان». وطلب أن يوضح بطريقة مقنعة ربط الشمال والجنوب لكي يعرف رجل الشارع أن المراد هو السودان بحدوده الجغرافية شماله وجنوبه. ثُم ذكر أن قصر المجلس الاستشاري على شمال السودان أوجد كثيراً من الريبة في نفوس الناس. انعقد مؤتمر ادارة السودان في 22 باريل 1946 برئاسة السكرتير الإداري جيمس روبرتسون وشارك فيه حزب الأمة وحزب الأحرار وحزب القوميين وبعض المستقلين. وجاء في تقرير المؤتمر أنه طُلب إلى الأحزاب الأخرى وإلى مؤتمر الخريجين أن ينتدبوا ممثلين ولكنهم لم يجيبوا الطلب. لم يشارك في المؤتمر أي أعضاء من السودانيين الجنوبيين. وعزا السكرتير الإداري ذلك إلى طول المسافة التي كان عليهم أن يقطعوها للوصول من أماكن إقامتهم ولأن أغلبهم لم يألف بعد الإشتراك في اجتماعات كبيرة. اعتبر المؤتمر المجلس الاستشاري الخطوة الأولى نحو الحكم الذاتي المسؤول . ولكن المؤتمر انتقد المجلس من ثلاثة وجوه: أن اختصاصه كان قاصراً على المديريات الشمالية الست، وكانت وظيفته استشارية محضة ومحدودة المدى، ولم يكن في وسع أعضائه أن يدعوا أنهم يمثلون الشعب تمثيلاً صحيحاً رغم أن بعضهم من أكفأ رجالات البلاد وأوفرهم تجارباً. واتفق المؤتمر عى أن أمثل طريقة لتحسين المجلس الاستشاري وجعله أكثر تمثيلاً لرغبات الشعب وإعطائه قدراً أوفر من المسؤولية، هي تشكيل جمعية تشريعية تتألف من أعضاء سودانيين منتخبين ليمثلوا السودان بأكمله وتكون ذات وظائف تشريعية ومالية وإدارية تؤديها بالاشتراك مع مجلس تنفيذي يتم إنشاؤه ليحل محل مجلس الحاكم العام. وأوصى المؤتمر بأن يعاد تشكيل مجلس الحاكم العام ليكون مجلساً تنفيذياً وبأن يشمل عدداً من السودانيين لينالوا التدريب ويساهموا في المسؤولية حيث أنهم بهذه الطريقة لا يتدربون على أعلى وظائف الحكم فحسب بل يتاح لهم الاشتراك في رسم السياسة العامة لحكم بلادهم. وأوصى المؤتمر بأن يُتخذ في الحال قرار ينص على إدارة السودان كقطر واحد لأن مستقبل السودان يتوقف على دمج أهاليه ليكونوا شعباً واحداً. وقد أجمعت الآراء في المؤتمر على أن سلطات الجمعية التشريعية يجب أن تشمل القطر بأكمله من شأنه توحيد السودان، ذلك التوحيد الذي تعتمد عليه رفاهية السودانيين كلهم في النهاية. وأشار المؤتمر إلى أنه مع ان المديريات الجنوبية ليست عربية الأصل شأنها في ذلك شأن أجزاء كثيرة من السودان الشمالي. إلا أنها لن تحصل على التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلا إذا اتجهت نحو أجزاء السودان الأخرى. وسجلت أغلبيــة المؤتمر رأيـــــاً مؤداه أن إلغاء أمر رخص الاتجار لسنة 1928، واتباع سياسة واحدة للتعليم في السودان كله، وتعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب، وتحسين طرق المواصلات بين جزئي السودان، وتشجيع تنقلات الموظفين السودانيين بين الشمال والجنوب، وتوحيد نظام درجات الموظفين سيساعد كثيراً في توحيد السودانيين. مؤتمر جوبا الأول: 12 يونيو 1947 لاستطلاع وجهة نظر الجنوبيين والإداريين البريطانيين العاملين في الجنوب، عُرضت توصيات مؤتمر إدارة السودان المتعلقة بجنوب السودان على مؤتمر عقد في جوبا في 12 يونيو 1947. شارك في المؤتمر مارود مدير الاستوائية وكنجدن مدير أعالي النيل وأوين نائب مدير بحر الغزال. وشارك في المؤتمر سبعة عشر جنوبياً اختارهم مديرا الاستوائية وأعالي النيل كممثلين لبعض قبائل الجنوب والطبقة المتعلمة من السودانيين الجنوبيين. وقد كان من بين هؤلاء كلمنت امبورو، وفليمون ماجوك، وحسن فرتاك، وجيمس طمبره، وشير ريحان، ولوليك لادو، وبوث ديو، وسيرسرو إيرو. وشارك في المؤتمر من الشماليين محمد صالح الشنقيطي، وإبراهيم بدري، وحسن أحمد عثمان (الكد)، وسرور رملي، وحبيب عبدالله. حُددت صلاحيات مؤتمر جوبا في النقاط التالية: (أ) النظر في توصيات مؤتمر إدارة السودان المتعلقة بالجنوب. (ب) النظر فيما إذا كان من الصائب تمثيل الجنوب في الجمعية التشريعية المقترحة. (ج) النظر في إدخال ضمانات في قانون الجمعية التشريعية تكفل أن جنوب السودان بما هو عليه من اختلافات في اللغة والعرق والتقاليد والأعراف والتطلعات لا يتعرض لما يعيق تقدمه السياسي والاجتماعي. (د) النظر في إنشاء مجلس استشاري لجنوب السودان لمعالجة شؤون الجنوب ويُنتخب نواب الجنوب في الجمعية التشريعية من بين أعضائه. (هـ) النظر في توصيات مؤتمر إدارة السودان المتعلقة بتوحيد سياسة التعليم وتعليم اللغة العربية وإلغاء أمر رخص الاتجار لعام 1928م وتحسين المواصلات وتوحيد درجات الموظفين وتشجيع تنقلات الموظفين بين الشمال والجنوب. وفي الكلمة التي افتتح بها المؤتمر، قال جيمس روبرتسون إن سلطات المجلس الاستشاري لم تكن تشمل الجنوب كما لم يكن الجنوب ممثلاً فيه. وقال إن مؤتمر إدارة السودان أوصى بأن يمثل الجنوب في الجمعية التشريعية المزمع إنشاؤها، فقد رؤى أنه بالرغم من أن السودان بلد شاسع إلا أن ثرواته ضئيلة وعدد سكانه قليل ولا يمكن أن يحكم ذاتياً أو يعتمد على نفسه إذا قُسم إلى وحدات صغيرة وضعيفة. وذكر روبرتسون أن الشماليين يأملون بإخلاص في أن تساعد مشاركة الجنوبيين في الجمعية التشريعية في الإسراع بتوحيد شطري البلاد. وأكد روبرتسون أن الدوافع وراء هذه التوصيات نبيلة وأنها لا ترمي إلى استغلال قبائل الجنوب. وأوضح روبرتسون في كلمته أمام المؤتمر أن سياسة الحكومة في عام 1945 كانت تهدف إلى ترقية الجنوبيين اقتصادياً وتعليمياً ليعتمدوا عى أنفسهم في المستقبل سواء قرروا في النهاية الانضامام إلى شمال السودان أو إلى شرق أفريقيا كلياً أو جزئياً. ولكنه أضاف أن التطورات الاقتصادية والتعليمية التي حدثت في الجنوب منذ عام 1945 حتمت أن يتجه الجنوب نحو الشمال وليس إلى يوغندا أو الكونغو مما استتبع إعادة صياغة سياسة الحكومة بشأن جنوب السودان لتكون كالآتي: «إن سكان جنوب السودان يتميزون بكونهم أفارقة وزنوجاً. ولكن بحسب ما يمكن استشرافه في المستقبل، فإن عوامل الجغرافيا والاقتصاد تجعل تطورهم في المستقبل مرتبطاً ارتباطاً لا فكاك منه مع الشرق الأوسط وعرب شمال السودان. وبذلك يُضمن إعدادهم عبر التطورات التعليمية والاقتصادية ليتبوأوا مواقعهم في سودان المستقبل كأنداد لرفقائهم في الشمال اجتماعياً واقتصادياً«. وفي أول جلسة لمؤتمر جوبا أكد الجنوبيون وحدة السودان ولكنهم آثروا إنشاء مجلس استشاري للجنوب قبل أن ينضموا للجمعية التشريعية وتعللوا بضعف التعليم وقلة الخبرة بشؤون الإدارة والحكم. ولكن في الجلسات التالية حدث تحول كبير في وجهة النظر الجنوبية وانتهى المؤتمر إلى أن الجنوب يرغب في سودان موحد ويرغب كذلك في المشاركة في الجمعية التشريعية. وقد قالت صحيفة النيل: «إنه بهذا القرار يسدل الستار على الماضي بشكوكه ومخاوفه وتنقشع الغمامة التي رانت على القلوب في اليومين الماضيين ويشرق عهد جديد في سودان جديد تزول فيه الفوارق والسدود بين الأخوين، ويرتفع إلى الأبد سيف ديموقليس الذي سلطته السياسة الاستعمارية نصف قرن على وشائج الدم والقرابة». ولم يعترض الجنوبيون الذين شاركوا في مؤتمر جوبا على مبدأ توحيد السياسة التعليمية في الشمال والجنوب أو تدريس اللغة العربية في مدارس الجنوب. ولكن ثار خلاف حول بعض المسائل التفصيلية مثل المرحلة التي ينبغي أن تدرس فيها اللغة العربية. وقد طالب بوث ديو بالإسراع في تدريس اللغة العربية في المدارس حتى يلحق الجنوب بالشمال. وأشار لوليك لادو إلى أن الكاثوليك والبروتستانت ربما لا يتعاونون في الأمر مما قد يثير بعض الصعوبات. إجازة توصيات مؤتمر إدارة السودان أجاز المجلس الاستشاري توصيات مؤتمر إدارة السودان في دورته السابعة التي بدأت في 20 مايو 1947 وطلب من الحكومة أن تعد تشريعاً وفقاً لهذه التوصيات في أقرب وقت ممكن. وأجاز مجلس الحاكم العام التوصيات من حيث المبدأ في 29 يوليو 1947 وقرر أن ترفع إلى الحكومتين المصرية والبريطانية للنظر فيها من حيث المبدأ. وبالطبع فقد كان من بين توصيات مؤتمر إدارة السودان التي أجازها مجلس الحاكم العام التوصية بأن تقوم الجمعية التشريعية بالتشريع للسودان كله شماله وجنوبه. وقد وافق المجلس «على أن تقرر ضمانات في التشريعات التي سيقوم عليها الدستور الجديد تكفل إطراد التقدم والفائدة لأهالي الجنوب». وكان جيمس روبرتسون السكرتير الإداري قد قدم مذكرة إلى مجلس الحاكم العام طالب فيها بضمانات لحماية الهوية الاجتماعية والثقافية لجنوب السودان ضد التسلط وسوء الإدارة من قبل حكومة مكونة بصفة رئيسة من شماليين. وبدون هذه الضمانات توقع روبرتسون أن يتحول الجنوب إلى مجتمع من الخدم لقطع الحطب وجلب الماء للارستقراطية الشمالية. ولذلك اقترح روبرتسون كضمان للجنوب أن يحتفظ الحاكم العام بسلطة إيقاف تطبيق أي تشريع أو أمر إداري على الجنوب إذا رأى أن تطبيقه سيحدث ضرراً بالجنوب وذلك حتى يتسنى لمجالس المديريات مناقشة التشريع أو الأمر الإداري. ويبدو أن المادة 54 (ج) من مشروع قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية قد قُصد بها توفير الضمانات المطلوبة. فقد اعتبرت مركز الأقليات الدينية والعنصرية موضوعاً خاصاً لا يتقدم العضو بتشريع بخصوصه إلا بعد موافقة المجلس التنفيذي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
حتمية قيام "ثورة أكتوبر الثانية"..
.لتقبر "الجمهورية الثانية"!! إبراهيم الكرسني
تمر علينا بعد غد الجمعة الذكري السابعة والأربعين لثورة أكتوبر المجيدة. وبهذه المناسبة أود أن أتوجه بتحية التقدير والإجلال لكل شهداء الديمقراطية فى السودان، بمختلف مشاربهم الفكرية، وإنتماءاتهم التنظيمية، والى شهداء الوطنية السودانية بكل عمقها، الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم رخيصة دفاعا عن عزة الوطن، وكرامة الشعب، وليظل علم السودان يرفرف عاليا بين الأمم، كرمز لسيادته، وتقدمه، ورفاهية شعبه.
لكن ما يغص فى الحلق، ونحن نحاول تنشيط ذاكرتنا الوطنية بهذه المناسبة الجليلة، هو أنها كادت أن تكون نسيا منسيا فى ذاكرة شعبنا، وبالأخص ذاكرة شبابه، وخصوصا حينما يأتي الحديث عن ما أصطلح على تسميته ب’الربيع العربي‘. أكاد أجزم بأن العرب جميعا، وبالأخص المثقفين منهم، إلا القلة النادرة منهم، لا يدرون ماذا حدث فى السودان فى شهر أكتوبر من عام 1964! وعدم الإدراك هذا ليس تقصيرا منهم، وإنما تقصير من مثقفي السودان ومتعلميه على حد سواء الذين يبرعون فى كل شئ ويعجزون عن تسويق أنفسهم، وإنجازاتهم، وإنجازات بلدهم.
إنني أسمي حالة عجز السودانيين هذه ب’التواضع المضر‘. وعلى الرغم من قناعتي التامة بأن لهذه الظاهرة علاقة قوية بالخلفية الصوفية للمجتمع و الإنسان السوداني، إلا أنني أراها لا تصلح لإنسان القرن الحادي والعشرين، الذى أصبح معولما من رأسه حتي أخمص قديمه. ففي عالم كهذا إما النجاح فى تسويق الذات، بالإنجازات الحقيقية، وليس بالأوهام، وإما العيش أمد الدهر بين الحفر. وحينما تفخر الشعوب بإنجازاتها، ترى السودانيين دائما فى ذيل القائمة. فما ذكر الأدب إلا وذكر طه حسين،وكانه لا يوجد لدينا الطيب صالح أو عبد الله الطيب. وما ذكر الفن إلا وذكر عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، وكانما ليس لدينا محمد وردي ومحمد الأمين. وما ذكر الشعر إلا وذكر شوقي وحافظ إبراهيم، وكأنه ليس لدينا المجذوب وإدريس جماع. وحتي حينما يذكر الشعراء العاميون يأتي أحمد فؤاد نجم والأبنودي فى المقدمة، وكأنه ليس لدينا محجوب شريف و محمد الحسن سالم حميد!!
لكن ثالثة الأثافي تأتي حينما يكون الحديث عن الثورات فى المنطقة العربية. فحينما تتابع أخبار وقصص ثورات ما سمي بالربيع العربي، وفى جميع المنابر الإعلامية، المرئية و المقروءة و المسموعة على حد سواء، تقتنع تماما بأن أول ثورة شعبية أطاحت بنظام حكم دكتاتوري فى المنطقة العربية هي الثورة التونسية. إن هذه الحالة تجسد نموذجا حيا عن عجز السودانيين عن تسويق إنجازات وطنهم. فجميعنا يعرف الدور الفاعل الذى لعبته قناة الجزيرة القطرية، ليس فى إبراز تلك الثورات على واجهة الإعلام العالمي فحسب، وإنما الدور الفاعل الذى لعبته فى تأجيج تلك الثورات، وكذلك فى الحفاظ على جذوتها متقدة حتى لحظة كتابة هذا المقال. وأكاد أجزم بأن قناة الجزيرة، وغيرها من وسائل الإعلام العربية قد أرخت بداية ثورة الجماهير العربية على الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة بالثورة التونسية،وكأن قناة الجزيرة لا يعمل بها سوداني واحد ليصحح لها حتى الحقائق التاريخية، ناهيك عن إنجازات الشعب السوداني المتميزة فى هذا المجال، والتى لم تقتصر على إشعال ثورة واحدة لتطيح بنظام عسكري، وإنما فعلها مرتين خلال إحدى وعشرين عاما فقط من الزمان. أي أن الشعب السوداني قد سبق بقية الشعوب العربية فى الثورة من أجل الحرية و الكرامة بسبع وأربعين سنة بالتمام و الكمال. إذن ماذا نسمي هذا التقصير سوي التواضع المضر لدى السودانيين! وإن أكثر ما يؤلم فى هذا الشأن هو وصف منابر الإعلام المختلفة لثورات الربيع العربي بأنها ثورات الحرية و الكرامة، وليس ثورات الجوع و الخبز، وكأنهم لا يدرون بأن ثورة أكتوبر المجيدة فى السودان لم يشتعل فتيلها إلا لهذا السبب بالذات، لأن الشعب السوداني كان يعيش فى ذلك الزمان فى ’بحبوحة‘ من العيش لا يحلم بها معظم سكان المنطقة العربية، بما فى ذلك دوله المنتجة للنفط...فتأمل! فالحرية كانت الهدف الأسمى والأوحد الذى حرك الجماهير للإطاحة بحكم العسكر، وليس أي شئ آخر. وهذا إن دل على شئ إنما يدل على أن عشق الشعب السوداني للحرية هو عشق صوفي لن ولم يتزحزح قيد أنملة حتى وقتنا الراهن. لذلك فإننا نقول بأن الحرية والديمقراطية حتما ستعود بفضل نضال وتضحيات شعبنا.
هنالك سبب آخر لعدم التطرق الى ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة حينما يأتي الحديث عن الربيع العربي، فوق التواضع المضر للسودانيين، ألا وهو التفريط فى الأهداف العظيمة التى قامت من أجلها الثورة، و التى يتحمل مسئوليتها فى المقام الأول القادة السياسيين فى ذلك الوقت. لكن المؤسف حقا أن معظم تلك القيادات، التى فرطت فى مكاسب و إنجازات ثورة أكتوبر، هي نفسها التى تتربع على قيادات أحزابنا الوطنية فى وقتنا الراهن...فتأمل! أليس من غرائب الأمور أن نجد قادة سياسيين فى أعرق البلدان الديمقراطية، يتقدمون بإستقالاتهم من جميع مناصبهم السياسية، وهم فى السابعة وأربعين من أعمارهم، لأن معينهم من العطاء قد نضب، بينما نجد قياداتنا السياسية متشبثة بالزعامة، و’مكنكشة‘ فى كراسي الحكم، لفترة سبعة وأربعين عاما بالتمام و الكمال، وقابلة للزيادة إذا ما أمد الله فى أعمارهم! إن السبب الرئيسي من وراء هذه الظاهرة الفريدة بين الأمم هو أن أحزابنا السياسية تعتبر منظمات مجتمع عشائري، بحق وحقيقة، وتبعد سنوات ضوئية عن كونها منظمات مجتمع مدني!!
وإذا كانت شرارة ثورة أكتوبر 1964م قد إنطلقت من أجل الحرية فقط، فماذا يا تري سيكون الحال فى ظل الدولة الرسالية ذات الجرائم ثلاثية الأبعاد؟ إن أكثر ما يميز الوضع فى ظل نظام التوجه الحضاري الراهن ليس إنعدام الحرية فقط، وإنما إنعدام الخبز كذلك. وحينما يجتمع البطش والكبت مع الجوع الكافر، فالنتيجة ستكون واحدة وواضحة للعيان، وضوح الشمس فى كبد السماء...الثورة، وليس أي شئ آخر. وما يؤكد حتمية ثورة الشعب السوداني القادمة للإطاحة بأركان الدولة الرسالية، ليس إنعدام الحرية، إضافة الى الجوع الكافر فقط، على الرغم من أنه يمكن إعتبارهما سببا كافيا لذلك، وإنما بالإضافة إليهما فإن قادة ’البدريين‘ قد برعوا وتفتقت ’عبقريتهم‘ عن ممارسات وأفعال يعتبر كل واحد منها سببا كافيا لإشعال فتيل الثورة. فكيف يا ترى ستكون الحال حينما تجتمع كل تلك العوامل تحت سقف زمني واحد؟ وسأذكر لك قارئي العزيز بعض النماذج، على سبيل المثال لا الحصر، لتلك الممارسات والأفعال، لتقدر بنفسك إحتمال قيام الثورة ضد ’هؤلاء الناس‘ من عدمه، وهي: - تحري الكذب، والمتاجرة بالدين الإسلامي الحنيف، وإستغلاله، أسوأ ما يكون الإستغلال، لأغراض دنيوية بحتة. - الإستبداد السياسي و إقصاء الآخر. - التنكيل بالمعارضين، وتعذيبهم داخل بيوت الأشباح، وإعدامهم جزافيا. - الظلم، والتهميش، والتشريد للموارد البشرية، داخليا وخارجيا، وإرساء مبدأ ’الولاء قبل الكفاءة‘. - إهانة المواطن السوداني وإهدار كرامته. - الإغتصاب. - التأسيس للفساد كمنهج للحكم. - سرقة المال العام. - نهب موارد ومقدرات البلاد. - التفريط فى السيادة الوطنية وتقسيم البلاد.
إنني أعتقد بأنه لو حدث واحد فقط من هذه الأفعال، ومثل هذه الممارسات، ناهيك عن أن تأتي مجتمعة مع بعضها البعض، فى أي دولة فى العالم لأطاحت على الأقل بالمسؤول عنها، هذا إن لم يكن بنظام حكمها بأكمله، وفى الحين. ودونك إستقالة وزير دفاع بريطانيا العظمي، بجلالة قدره، لمجرد إتهامه بشبهة فساد تجاري، وأنه قد إستمتع ببعض الليالي الملاح، مصطحبا أحد أصدقائه، بفندق ’العنوان‘ الفخم بمدينة دبي، فى الوقت الذى كان من المفترض أن يمضي تلك الليالي فى المقر الرسمي للسفير البريطاني، بدلا من إهدار مال دافعي الضرائب فى الفنادق الفخمة...فتأمل! وهنا يكمن السر فى إستغراب البشير عن صبر أيوب الذى ميز شعب السودان على نظام حكمه الظالم. وحديثه، مرارا وتكرارا، بأنه ما كان يتصور بأن الشعب السوداني سيصبر على دولته الرسالية لنصف عمرها الزمني، ناهيك عن الصبر عليها لفترة إثنين وعشرين عاما بالتمام و الكمال، بعد كل ما رآه من ظلم وجوع كافر، وبعد كل ما إرتكبه نظامه الفاسد من موبقات هو أدرى الناس بها!
ما نود تأكيده للسيد البشير هو أن ما تراه أمامك ليس صبر أيوب، كما توهمت، وإنما التراكم البطئ لعوامل الثورة القادمة، ’أكتوبر الثانية‘، والتى ستطيح بأركان دولة الفساد والإستبداد التى أرسيت دعائمها فوق أرض السودان، أنت ومن معك من قادة ’البدريين‘، وأطلقتم عليها بعد إنفصال الجنوب، وتفتيت البلاد، مصطلح ’الجمهورية الثانية‘. إن أكذوبة جمهوريتكم الثانية لن تنطلي على أحد هذه المرة لأنها، وبكل تأكيد، ستكون أسوأ من سابقتها. وإن كنتم قد نجحتم فى خداع و تضليل الشعب السوداني لفترة زادت عن العشرين عاما، فإنكم لن تستطيعوا خداعه هذه المرة ولو لفترة عشرين يوما!
ولكن ’أكتوبر الثانية‘ ستكون مختلفة تماما عن أكتوبر الأولى وذلك لسببين رئسيين. الأول هو أن قيادتها سوف تكون تحت شباب السودان الشجعان الذين لن يتهاونوا هذه المرة، أو يفرطوا فى حقوقهم، ولن يرضوا كذلك بأنصاف الحلول، كما تعودتم على ذلك دائما وأبدا من قيادات ’الكنكشة‘. بل أعتقد جازما بأن إنتفاضتهم هذه المرة ستكون إنتفاضة ’مزدوجة‘ ضد دولة الفساد و الإستبداد من جهة، وضد كل من يتخاذل من قيادات ’الكنكشة‘ من جهة أخرى. وهنا بالضبط سيكمن سر نجاها فى الإطاحة بنظام حكمكم المستبد الظالم. أما السبب الثاني فهو أن ’أكتوبر الثانية‘ لن تقوم على مبدأ عفا الله عن ما سلف، كما كان الحال أيام أكتوبر الأولى، والذى شكل العامل الرئيسي فى إجهاض أهدافها. إن حجم الجرائم التى إرتكبتها دولة الفساد والإستبداد لن تمر دون حساب هذه المرة، وسينال كل منكم جزاءه العادل جراء الجرائم التى إرتكبها فى حق الشعب و الوطن. ولكن الحساب و العقاب الذى ستنالونه سيكون مختلفا كذلك، حيث أنه سيكون وفقا للقانون، لأن شبابنا سيعمل ومنذ لحظة إنتصار ثورته على إرساء دولة المؤسسات، كبديل لدولة الفوضى التى قمتم بتأسيس دعائمها، ويأتي فى طليعة ذلك بالطبع إستقلال الجهاز القضائي، الذى دستم عليه بأقدامكم، وسيادة حكم القانون الذى ’بليتوهو وشربتو مويتو‘، كما يحلو لكم دائما وصف الوثائق و المواثيق التى تؤسس للحكم الديمقراطي الراشد والنزيه!
إن مبدأ عفا الله عما سلف قد أضر بشعب السودان مرتين. الأولى حينما تم تطبيقه إبان ثورة أكتوبر وأفلت على إثره كل من صادر حرية الشعب السوداني من العقاب. أما المرة الثانية، وهي الأخطر، حينما أفلت قادة النظام المايوي البغيض وسدنته من المحاسبة جراء عدم محاكمتهم على ما إرتكبوه من جرائم. وهذا ما أسس لنجاح إنقلابكم الدموي بعد أربعة أعوام فقط من نجاح إنتفاضة الشعب فى عام 1985م، لأن من أمن العقوبة، يمكن أن يرتكب ما يحلو له من جرائم. لكن هذه المرة لن تفلتوا من العقوبة، كما حدث فى المرتين السابقتين، لتكونوا عظة وعبرة لكل من تسول له نفسه التعدى على حرية وكرامة الشعب السوداني مرة أخرى. ولا أعتقد أن الشعب السوداني سوف يلدغ من نفس الجحر للمرة الثالثة!!
لذلك فإن ’أكتوبر الثانية‘ التى سيفجرها هذه المرة شباب السودان، والتى لن تقوم على مبدأ عفا الله عن ما سلف، سوف تكون هي الوحيدة القادرة على كنس ’الجمهورية الثانية‘ المزعومة الى مزبلة التاريخ، وتفكيك دولة الحزب الواحد، و إرساء دعائم دولة الوطن الواحد الذي يسع الجميع ليكونوا سواسية فى الحقوق و الواجبات بغض النظر عن الدين،أو العرق، أو الجنس، أو اللون، أو الموقع الجهوي. وكذلك ستقدم دولة ’أكتوبر الثانية، زبانية دولة الفساد و الإستبداد من قادة الدولة الرسالية وسدنتهم الى العدالة لينالوا العقوبة التى يستحقونها جراء الجرائم الكبرى التى إرتكبوها فى حق الشعب و الوطن، والتى أشرنا الى جزء منها سابقا. حينها سيكتشف السيد البشير بأن شعب السودان قد كان صابرا ’فوق رأي‘، وليس ’تخانة جلد ساكت‘. وعندها سيعرف قادة ’البدريين‘ حجم جرائمهم الحقيقية التى يشيب لها الولدان، وبأن دولة الظلم ساعة ودولة العدل الى قيام الساعة. فأدعو الله صادقا أن لا تصيبك الدهشة حينها!!
إن دلائل قرب إنطلاق شرارة "أكتوبر الثانية"، وبزوغ فجر الحرية فى البلاد، كثيرة ومتعددة، ولكن أكثرها وضوحا ما أدلى به السيد نافع من تصريحات فى ولاية الجزيرة فى الأيام القليلة الماضية. لقد زعم السيد نافع بأن شعب السودان كله مؤتمر وطني. ألا يذكركم ذلك بملايين القذافي المزعومة، و التى تبخرت فى الهواء حينما دقت ساعة الجد؟ ثم أردف قائلا بأن العبرة ليس فى وجود الأموات فى أبى جنزير، وإنما فى الأحياء الأموات الذين يأتون إليه، ولا يجدون أحدا. إن هذه ’الهطرقة‘ تذكرني بأخري تفوه بها سادن آخر للنظام المايوي البغيض، حينما صرح محمد عثمان أبو ساق أثناء ’موكب الردع‘، الذى سيره الإتحاد الإشتراكي، التنظيم السياسي المرادف للمؤتمر الوطني، بأنه سيتعقب فئران المعارضة حتى تدخل جحورها! لقد أدلى السيد أبو ساق بهذا التصريح الناري فى يوم الأربعاء الموافق الثالث من أبريل عام 1985م، أي قبل ثلاثة أيام فقط من الإطاحة بنظام حكمه المنهار صباح السبت السادس من أبريل! ما أشبه الليلة بالبارحة. إن عنتريات السيد نافع قد ذكرتني بعنتريات السيد أبوساق التى لم تقتل ذبابة، وهو ما يشير الى أنها دليل ذعر وخوف، أكثر منها دليل قوة. إنني أعتبر أن أقوي مؤشر حتى الآن لإندلاع ’ثورة أكتوبر الثانية‘ هو صراخ وعويل قادة ’البدريين‘ الذى زادت وتائره هذه الأيام. كما أود أن أبشر السيد نافع بحتمية قيام أكتوبر الثانية‘، وليس إستحالتها، كما زعم أخيرا. وأنها لن تتفجر هذه المرة إلا لتهز أركان طغيان ’الجمهورية الثانية‘، وتطيح بها فى نهاية المطاف، بإذن واحد أحد.
ابراهيم الكرسني [email protected] 19/10/2011م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
font
حلال على بلابلهم الدوح : حرام على الطير من غير حزبهم
سعاد ابراهيم عيسى
إلى الذين تخصصوا في عملية تذكيرنا بإنجازات الإنقاذ، التي نعلمها أكثر منهم، نذكرهم أيضا بأن الشعب السوداني وهو في زنقته الكبرى، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، لن يطربه الاستماع لتكرار قائمة الانجاز تلك، خاصة قصة الطرق والجسور وسد مروى واستخراج البترول الذى خرج من القائمة أو غيرها، إذ أنها جميعها، لن تشبع جائعا أو تشفى مريضا، وبالطبع لن تثرى فقيرا. فحكومة الإنقاذ نجحت تماما في خلق طبقتين من المواطنين، طبقة تملك كل شيء، وأخرى لا تملك شيئا، وبينهما طبقة هي إلى الأدنى أقرب.
المؤتمر الوطني، بدلا من أن يحمد الله أن أبقاه على سدة الحكم حتى اليوم، وهو الذى ما كان يعشم في أن يقضى فيه نصف تلك المدة، كما صرح بذلك السيد الرئيس، وبدلا من أن يسعى لمكافأة شعب السودان الذى صبر عليه طيلة عقدين من الزمان، وكما قال السيد الرئيس أيضا، إلا ان تطاول عهده بالحكم، قد قاد إلى ان تصاب بعض من قياداته بكثير من الغرور، وتضخيم الذات، حتى احتجبت عنها رؤية الحقائق كما هي ماثلة، فأصبحت تراها كما تمثلها لهم مخيلتهم وما يرغبون في رؤيته، ومن بعد السعي لفرض تلك الرؤية على الآخرين، هذه القيادات تعدى حديثها ع? الانجاز والإعجاز بسبب رشد حكمها للبلاد، إلى دورها في تحريك الثورات العربية التي اقتدت بنمط حكمها، فأقبلت على التخلص من حكوماتها من أجل الوصول إلى حكومات مثلها. ويبدو أن تلك القيادات، التي صعدت حمى السلطة إلى رؤوسهم، أرجعت الفضل فيما وصلت إليه الثورات العربية من نجاح، إلى الاقتداء بثورتهم. ونخشى أن تكون سلطة الإنقاذ قد اكتفت بمكافأة المواطنين الصابرين عليها، بأن جعلتهم قدوة تقتدي بها الشعوب الأخرى، من حيث التمتع بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن بعد كيف لأي مواطن بمثل هذه السعادة، أن يفكر في ?لثورة ضد الحكومة التي وفرتها له؟
لذلك كانت دهشة قيادات المؤتمر الوطني، عندما رفضت أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي الأصل، المشاركة معها في حكومتها القدوة، فأطلقت لألسنتها العنان هجوما على الرافضين، وخاصة المطالبين منهم بإسقاط النظام. حيث وصف أحد تلك القيادات فكرة المطالبة بإسقاط النظام، بأنها ستقود طالبيها للارتماء في أحضان الأجنبي، وستعرضهم لمزيد من العزلة الداخلية. كما وأن منهج تغيير النظام، لن يحقق مصلحة الوطن، ويتخطى الخطوط الحمراء للمصلحة الوطنية، وربما لتأكيد قصة الارتماء في أحضان الأجنبي، كانت فكرة اعتقال أحد قادة المعارضة الداعين ?إسقاط النظام، واتهامه بطلب الدعم من إحدى السفارات الأجنبية لأجل تحقيق ذلك الهدف. وبصرف النظر عن الكيفية التي تتوصل بها قيادات الإنقاذ إلى ما يدور خلف الأبواب المغلقة، ما دام من المستحيل أن يفضى به إليهم أصحابه، كما ولن يكون لويكيليس أي دور فيه لحداثة عهده، دعونا نناقش ما جاء على لسان تلك القيادات من هجوم على أحزاب المعارضة لنرى إلى أي مدى التزم حزبهم بما جاء فيه، عند معارضته لحكومات سابقة.
فالمعروف والمألوف في كل أنظمة الحكم الديمقراطي، وبكل العالم، ان تكون هنالك حكومة ومعارضة، لكل منهما مهامها وواجباتها. فالمعارضة من حقها أن تبحث عن أخطاء وإخفاقات الحكومة، وتكشفها للمواطنين، لا من أجل استخدامها لتأليبهم عليها لأجل إسقاطها، ولكن لاستخدامها في الدعاية ضدها في مواسم الانتخابات، التي تمثل المدخل الوحيد لساحة السلطة. لذلك لم نسمع بقصة اقتلاع الأنظمة من جذورها، إلا في ظل الحكومات الشمولية، كالذي نشاهده اليوم بين حكومة المؤتمر الوطني وأحزاب المعارضة، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الحالات، إلا ان قياد?ت المؤتمر الوطني التي تمارس شموليتها فعلا وتنكرها قولا، تحرم على أحزاب المعارضة أن تسعى لاسترداد حقوقها في السلطة وبالطرق التي تحقق لها هدفها. فقيادات المؤتمر الوطني التي تمنع أحزاب المعارضة من ذلك الحق، تعلم علم اليقين أنها وفى أوقات سابقة، قد أباحت لنفسها كلما تحرمه على غيرها الآن .فالجبهة القومية الإسلامية، حزبهم القديم، كانت الأعلى صوتا في مناهضة الأنظمة العسكرية، والأكثر حركة في اتجاه زعزعة مقاعد سلطتها. ولو عدنا بالذاكرة إلى عهد مايو مثلا، فقد لعب الإسلاميون دورا كبيرا في مناهضة النظام وبمختلف الطرق، حتى مراحل اشتراكهم مع غيرهم من الأحزاب المعارضة فيما أسموها الجبهة الوطنية، والتي كان لها السبق في تطبيق فكرة الارتماء في أحضان الأجنبي، (الل?م إلا ان كان القذافى ابن عمومتهم دون علم الآخرين)، حيث تكفلت ليبيا بتدريبهم وتسليحهم وترحيلهم للسودان ليبدأوا بدعة جديدة، تمثلت في غزو السودان من جانب السودانيين، ولكنهم لم تنجحوا في إسقاط النظام، ونجحوا في إسقاط العديد من القتلى والجرحى، ومن بعد سقطوا كمعارضة في نظر المواطنين.
إذن لم كل هذه الضجة التي تثيرها قيادات المؤتمر الوطني اليوم، حول محاولات المعارضة إسقاط نظامها بأى من الوسائل التي ترى، كان ذلك بوسائل داخلية يتمثل في استغلال أخطاء النظام وخطاياه لتأليب الجماهير ضده، مثلما فعلت بالحكومات السابقة، ثم ما العجب والاندهاش ان حاولت الأحزاب المعارضة طلب الدعم من الخارج لأجل إسقاط حكومتهم، ما دامت قد حللته لنفسها من قبل ومع ذات الأحزاب المعارضة هذه، بل واستغلته في أسوأ صور الاستغلال بتوظيفه لغزو وطنها. فما الذى جعل كل محاولاتهم لإسقاط الأنظمة التي لم يكونوا طرفا فيها، هو لمصلحة ?لوطن والمواطن، بينما محاولة إسقاط حكومتهم الراهنة، هي في غير مصلحة الوطن، وتخطى للخطوط الحمراء للمصلحة الوطنية؟
ثم لم كل هذا العويل لان المواطنين أرادوا ان يتنفسوا ولو قليلا، بعد أن جسم النظام على أنفاسهم عقودا عددا؟ فالذين تحركوا غضبا من ارتفاع الأسعار كان وراءهم أحد أحزاب المعارضة والذين أعياهم الانتظار من أجل الحصول على وسيلة توصلهم إلى ديارهم، فقرروا السير على الأقدام، ومن بعد تظاهروا احتجاجا على حالهم ذاك، رأت قيادات المؤتمر الوطني ان هنالك من يقف وراء تلك المظاهرة، وكأنما ذلك المجهول كان يعلم بمشكلة المواصلات، أو ربما تسبب فيها لأجل إحراج النظام الحاكم. فلماذا لا تقتنع قيادات المؤتمر الوطني بان لأحزاب المعارضة?الحالية، كل الحقوق التي أباحتها لحزبها عند معارضتها للحكومات الشمولية منها وحتى الديمقراطية؟
فشعب السودان ليس ملولا ولا يحب التغيير من أجل التغيير، كما وصفه السيد الرئيس. فكلا الثورتين اللتين أشعلهما في أكتوبر وابريل، لم تكن أي منهما بسبب الملل من الحكام، ولكن بسبب الكبت والقهر وانعدام الحرية، وهى الصفات التي تتصف بها الأنظمة الشمولية دون غيرها. إذا فالشعب يثور عندما يفتقد حريته وكرامته ومختلف حقوقه الإنسانية، قبل ان تدفعه المشاكل الاقتصادية أو غيرها لفعل ذلك. فقد صبر الشعب السوداني على حكومة الإنقاذ، رغم أنها من أكثر الحكومات ممارسة للقهر والكبت والتضييق على الحريات، ولكنه صبر مجبرا لا بطل. فالإن?اذ نجحت بامتياز في كيفية محاصرة المواطنين ومنعهم من حقوقهم في التعبير عن المشاكل التي يصبرون عليها، ودونكم الضيق الاقتصادي الذى يعانى منه المواطن اليوم دون ان يسمح له بالتعبير عن ضيقه ولو في مسيرات سلمية. لذلك لا يجوز إرجاع صبر المواطن إلى الرضاء عن حكم الإنقاذ،الأمر الذى يزيد من غبن المواطنين عليها.
وزير المالية، وفى إطار بحثه عن أسباب ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني،والتي قادت إلى ارتفاع الأسعار بدرجة غير مسبوقة، اكتشف سببا جديدا لتلك المشكلة، تمثل في الصرف غير الرشيد الذى يمارسه بعض المسئولين الكبار بدعوى بحثهم عن العلاج لأي من أمراضهم بالخارج. وكأنما أراد الوزير وفى مخاطبته لأعضاء البرلمان، أن يكشف بان أولئك المسئولين قد يخلقون الفرص للسفر إلى الخارج بحجة البحث عن العلاج، في حين ان الهدف الرئيس من كل ذلك هو حصد العملات الصعبة، والقيام بصرفها في الأسواق الموازية لصالحهم. ومن بعد ?راب مالطة، حدد السيد الوزير الطرق التي سيتم إتباعها مستقبلا لمعالجة هذا الخلل الاخلاقى القبيح. بينما يظل السؤال عن الجهة التي تسمح بممارسة مثل ذلك السلوك الفاسد، ان لم تكن ذات وزارة سيادته التي تبخل على أصحاب الحاجات الصغيرة، من نيل حقوقهم، بينما يغدق على تماسيح السياسة بمثل ذلك السخاء. ثم كيف يمكن لحكومة تدعى الطهر والنقاء بين كل منسوبيها، أن يمارس مثل هذا الترف العلاجي بالخارج، بينما مئات المواطنين يموتون لعجزهم عن توفير قيمة العلاج بالداخل. أما إشارة الوزير إلى باقات الزهور التي تزدان بها منضدة رئاسة ال?رلمان، والتي المح إلى أنها هي الأخرى يتم استيرادها من الخارج، فلا تعليق على ذلك أكثر من وصف حكومة المؤتمر الوطني بأنها (حكومة ود أب زهانة) الذى يأكل في الكوشة وينام في الفندق.
والسيد الوزير لم يتطرق لمبرر آخر من مبررات ارتفاع سعر صرف الدولار واختفائه من خزينة الدولة، يتمثل في احتفاظ بعض المسئولين بعملاتهم الحرة داخل منازلهم، دون إيداعها في بنوك الدولة، أو حتى ببنك فيصل الإسلامى. الصحف تتحدث عن سرقة تمت بمنزل احد كبار مسئولي المؤتمر الوطني بلغت جملة المسروقات 200 مليون من الجنيهات. المدهش أن الأموال المسروقة، شملت عشرات الآلاف من العملات الأجنبية المختلفة، من دولار واسترلينى ويورو وريال سعودي وتركي وسوري وغيره، وكأنما منزل المسئول صرافة. والمدهش أكثر ان الحكومة تعاملت مع هذه الح?دثة بكل هدوء وكأنها مجرد سرقة عادية لمسروقات عادية. يحدث هذا وذات الحكومة جعلت من الاحتفاظ بأى من العملات الحرة لدى أصحابها، ودون إيداعها بمصارفها، جعلتها جريمة يعاقب عليها القانون وبأقسى العقوبات.
أما ان كانت أخطاء مسئولي الحكومة مغفورة لهذه الدرجة، يصبح ليس من حق الحكومة مستقبلا، أن تعترض أي مواطن ان أراد ان يحتفظ بعملاته الحرة بين يديه، خاصة والكل يعرف أن من يودع أي قدر من العملات الحرة بأى من البنوك، فانه سيستجديها عند الحاجة ولا يجدها. المهم ان كشف هذه الحادثة تشير إلى احتمال أن يكون هنالك الكثير من المسئولين ممن يحتفظون بأموالهم بمنازلهم، أو لحين أن يرسلوا بها لبنوك بالخارج. يصبح على وزير المالية ان يتجه إلى معالجة هذا النوع من الأسباب في ارتفاع سعر الدولار واختفائه من خزائن الدولة، بمطالبة ا?مسئولين، ولا نقول بتخليهم عن أموالهم، بل فقط ليقوموا بإيداعها بالبنوك السودانية، على الأقل لتقلل من استجداء الدول الأجنبية بان تودع بعضا من العملات الحرة بالسودان. وسؤال بسيط عن ان وجدت هذه الأموال بين يدي أحد أقطاب المعارضة، فهل لكم ان تتصوروا كيفية تصويرها وإخراجها، من حيث تفخيمها أولا ومن بعد مدى تخريبها لاقتصاد البلاد، مما يستوجب توقيع اقسى العقوبات على فاعلها، فمن أكثر ما يثير غضب المواطنين وحنقهم على الحكومة رؤيتهم لتجاوزها أخطاء منسوبيها، والتشديد في معاقبة غيرهم متى ارتكبوا ما هي دونها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
بذرة خبيثة وشجرة طيبة! معاوية يس *
لعله مما يوغر صدر المرء ويؤلم قلبه أن لا يصغي المعنيون بالأمر إلى نصحه. ويزيد القلب إيلاماً أن يرى المرء بلاده مقبلة على فاجعة لشدّ ما حذر منها، ودعا إلى تفاديها. وهاهو السودان مقبل بخطى وئيدة صوب حروب جهوية لن تيقي ولم تذر شيئاً في نظام المحفل الخماسي الذي يتدثر بعباءة الدين المسيس. ها هي ذي الحرب مستعرة الأوار في جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تمثلان جنوب السودان الشمالي. وتلك هي دارفور في الغرب تغلي بانتظار تجدد القتال في إطار تحالف جديد بين الحركات المناهضة لمحفل الإسلاميين الزائفين. وتلك هي حلقة الربط المفقودة ولاية شمال كردفان تتهيأ للالتحاق بتمرد الجهات لتحكم الخناق على المحفل الذي لن تصمد ميليشياته في وجه مقاتلي القبائل والمناطق المهمشة بحق الذين سيزحفون مدفوعون بغبائنهم ومراراتهم التاريخية لتصفية إرث من التجاهل والعنصرية والسرقة المنظمة للموارد والأموال ظل مستمراً منذ العام 1989.
هل هو مصير نريده لبلادنا العزيزة؟ لا. لكن تجاهل النصح الذي ظللنا نسديه وأسداه كثير من الحادبين على الوطن غيرنا هو النتيجة المنطقية لهذه المقدمة التي استمرت طويلاً من احتقار الهوامش، وظلم المهمشين، والتلاعب بالعرقيات، والشعور بالغبن والاستلاب، حتى أضحى كثيرون يشعرون بأن الانتماء إلى التراب والنيل والصحراء بات بيد الجلاد الذي سرق ونهب واحتكر وقتل وأباد، صار ثملاً من شدة شعوره بالنشوة من نجاحه الخارق في شراء الوقت، والتذاكي واستغفال الآخرين. مقاتلون مقبلون بذلك القدر الكبير من الحسابات المستحقة للتسوية لن يوقفهم مانع من تصفية تلك الحسابات، فهم مقتولون جوعاً وتهميشاً وغدراً إذا لم يموتوا بسلاح ميليشيات المحفل الخماسي الذي يعتقد بأنه لا تزال ثمة فسحة من الوقت للعب بورقة الشريعة المسيّسة و"التمكين" بالحيلة والخدعة واستحلال حرمات الله.
الحق أن العاقل ليس بحاجة إلى نصح، إنما هم الحمقى الذين يجب علينا أن نستمر في إسداء النصح إليهم، ليس حرصاً منا على نجاتهم، لأنهم لن يكونوا بمنجاةٍ من رب العباد الذي لم يراعوا حرماته، بل هو حرص على مصير ما تبقى من السودان ومن بقي من أهله الذين أفنتهم حروب الإبادة العبثية والتهجير القسري والنزوح الداخلي والتشريد والفقر المدقع. وهي مثل بقية النصائح السابقة لن تجد أذناً صاغية لدى المحفل المتأسلم الذي أعماه البَطَر بما نهب من أموال، وبما ابتنى أقطابه من قصور، وبما اكتنزوا من الكسب الحرام.
صحيح أن جبهات الحروب الجهوية والأهلية التي يشهدها السودان الشمالي تشهد هدوء في الوقت الراهن، ليس بفعل ما تدعيه أجهزة إعلام المحفل الحاكم من انتصارات وغنائم، وإنما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة. الحق أن كل الدلائل تشير إلى أن مناهضي الحكومة من أهل المرارات والغبن يجمعون شتات صفوفهم، بحسب ما تنبئ به اجتماعاتهم المتواصلة في لندن وكمبالا ونيروبي، وبحسب ما تدل عليه اتصالاتهم التي تنقطع بعضهم ببعض في معاقلهم في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان وشمال كردفان. وترسخ هذه المرة، خصوصاً بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، الاقتناع في أذهانهم بأن الحل الأوحد للأزمة التي أوجدها استئثار محفل المتأسلمين بالسلطة والثروة ومصير البلاد يتمثل في قتال يأتي على الأخضر واليابس، حتى تخرج من رحم الفوضى الآتية أصوات العقلاء المنادين بأسس عادلة منصفة لبقاء وحدة الشمال السوداني، بعدما فرّط المحفل الحاكم في وحدة السودان القديم في مقابل أوهام بإعفاء رئيسه من مقصلة المحكمة الجنائية الدولية، ورفع العقوبات الأمريكية عن كاهل نظامه.
ربما كان مؤيدو المحفل الخماسي راضين بحلمهم المتواضع في الاستئثار بمثلث يشمل ولايات الوسط والشمال القصي، يتخلصون فيه من كل الأعراق والقوميات التي يعتبرونها غير عربية، ولو قبلوا أن يتكرموا عليها بصفة الإسلام فهو قطعاً ليس من ملة الإسلام المسيس الذي يبيح النهب والقتل والفساد المالي والتهتك الأخلاقي. لكنهم – من أسف- ضيعوا فرصة تحقيق حلمهم الهوان بتماديهم في إهانة شعوب السودان وقبائله، وانتزاع مواردهم وثرواتهم، وتعمد حرمان مناطقهم من التنمية والمشاريع والمصانع، علماً بأن بعض تلك المناطق يساهم في موازنة الدولة المركزية بما يفوق 70 في المئة. بات محل شك أن يقبل بعض أرجاء ذلك "المثلث" البقاء في تحالف مع نظام المحفل بعدما أضحت نذر الحروب الأهلية تهدد ثلاثة أرباع السودان القديم، وبعدما أكد حكماء قبائل الشمال النيلي أن أنتماء أقطاب المحفل الحاكم إليها لا يلزمها بتأييد سياسات المحرقة والإبادة التي يتبعونها.
لم تبق تلك السياسات الخرقاء مجالاً لدعوة إلى تحكيم العقل، وضبط النفس. فقد غرس حكام السودان تلك البذرة الخبيثة وليس عليهم أن يتوقعوا أن تنبت شجرة طيبة. سيخسر السودانيون الأبرياء الذين لا هم لهم بالسياسة، ولا مطمع لهم في سلطة، ولا تسوّل لهم أنفسهم سرقة قوت إخوتهم وأطفالهم وبناتهم. سيدفع كثيرون منهم الثمن بأرواحهم ودمائهم. وستخسر أجيال مقبلة من السودانيين التعليم والصحة والمرافق والاستقرار ريثما تكتمل شرائط التوافق الوطني والإجماع على شكل الوحدة الشمالية العادلة المنصفة. ثمن لا مندوحة من أن يدفعوه. هكذا تصنع الشعوب مستقبلها، انطلاقاً من حاضرها. وكم سيكون مؤلماً عناء التخلص من أوجاع الماضي التي سيخلفها المحفل الحاكم بعد اندحاره. مهما طال الليل فسيطلع الفجر... ومهما طال شعور الشعب بالحزن على ما آلت إليه حاله، فإنه حين يتفجر غضبه لن تكون ثمة نتيجة سوى التغيير. ـــــــــــــــــــــ * صحافي من أسرة "الحياة"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مثلث حمدي..توظيف الخارج أبوذر علي الأمين ياسين
كثيراً من التصريحات التي تستهدف القوى السياسية والمدنية، والتي يجرى بثها بصورة يومية من قبل نافذين في الحكومة وحزبها ترمي ل(دمغ) كل معارض للحكومة وحزبها، بأنه عميل للأجنبي. والواضح أن اطلاق هذه التصريحات وتكرارها يومياً، إنما يهدف إلى ترسيخ صورة محددة (للاحزاب والقوى السياسية والمدنية)، بأنها ذراع أجنبي من جهة. بل ومعاملة كل قوى المعارضة بناءاً على هذه الصورة فيجري اعتقالهم، أو محاكمتهم، أو حتى التشهير إعلامياً بهم من جهة أخرى.
لكن الوقائع على الأرض، وكذلك الأقوال تكشف أن الحكومة وحزبها يوظفون الخارج في اتجاهين يعملان في تكامل خدمةً لمشروعهم الاستراتيجي مثلث حمدي. الاتجاه الأول يتم فيه توظيف الخارج لردع وقمع المعارضين لمشروع المثلث، وإن كانوا من المحسوبين أنهم (من أهله)، كما أن هذا الاستهداف يتركز علي القوى السياسية والحزبية وبالتحديد التي لها وجود فاعل ضمن وداخل مثلث حمدي. والثاني باعلان الحرب على كل المناطق خارج إطار مثلث (دنقلا – سنار – الابيض)، وتوظيف الخارج ضمن سياسيات تفاوضية يتم الحرص فيها على نهايات واضحة: التخلى عن أو فصل الجزء (أيا كان) بما أنه خارج خارطة مشروع الحكومة وحزبها مثلث حمدي. ولكن كيف يجري ذلك؟.
ترسم تصريحات (قطبي المهدي) رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني وتحدد كيفية توظيف الخارج ضد القوى السياسية والحزبية وتأتي كأقوى الأدلة على توظيف الخارج لبلوغ مشروع مثلث حمدي على قاعدة (رمتني بدائها وانسلت) فعلى صفحات صحيفة الاحداث 6 أكتوبر 2011م. يصور (قطبي) الأمرب"... المضي بالبلاد للأمام" الذي يستوجب من القوى السياسية أن تذعن وتستسلم للمؤتمر الوطني أو بحسب (قطبي) " أن تفكر في إسقاط النظام وإشعال الحروب والتعامل مع إسرائيل وأمريكا والمحكمة الجنائية واستنزاف البلاد وإبقائها في دائرة الأزمات.." ويوضح (قطبي) ما يقصده بالأزمات بإجماله في (الأزمة الاقتصادية) التي اعتبرها مفروضة على البلاد، كما يشير إلى القصد من هذه الأزمة الاقتصادية هو الانفصال (وأشياء أخرى) مشيراً – بحسب الاحداث- إلى أزمات أخرى سماها ب(المفتعلة) في "الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الازرق".
ما يرمي إليه (قطبي) هنا هو أن إسقاط النظام ليس من ضمن أنشطة القوى السياسية المعارضة ولا هو ما تعرف به كونها معارضة!!، بل هو نشاط خارجي يستهدف عدم (تقدم البلاد للأمام) وأنه ضرب من (الافتعال) ليست القوى السياسية أصيلة فيه أو حتى صاحبة مبادرة هنا، بل قوى خارجية سماها (أمريكا واسرائيل). ولكن كيف تكونت هذه الصورة للقوى السياسية (المعارضة) في ذهنية سياسي خبير مثل (قطبي المهدي)؟!!. هناك تصريح شهير لوزير المالية وقتها (عوض الجاز) يقول أن السودان لن يتأثر بالأزمة المالية العالمية!!، كما أن كل التصريحات التي تتحدث عن أزمة اقتصادية الآن تربطها ب(انفصال الجنوب) و أثر مدخلات البترول على الميزانية. كما أن انفصال الجنوب تم تأسيساً على اتفاق السلام الشامل الذي لم تكن أي من القوى السياسية طرف فيه أو حتى صاحب مبادرة!!.بل كان هناك طرفان هما الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، وهما الطرفان اللذان بكامل ارادتيهما قبلوا بطرف ثالث مثلته دول الترويكا أو ماعرف بالمراقبين الدوليين لإتفاقية السلام. أضف لذلك أن كل من منطقتي جبال النوبة والنيل الازرق إنما كانت ضمن ذلك الاتفاق ووفقاً لبنود واضحة. ولكن، من افتعل الأزمة في جنوب كردفان والنيل الازرق؟.
في الحالتين كانت الحركة الشعبية (قطاع الشمال) كما عرف عنها، طرف مشارك للمؤتمر الوطني في الحكم. في حالة النيل الازرق كسب (مالك عقار) الانتخابات والياً لكنه كون حكومة الولاية بالشراكة مع المؤتمر الوطني، وفي جبال النوبة احتفل المؤتمر الوطني بالشراكة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ولم يختلفوا إلا بعد انتخابات الوالي ومجلس الولاية. وفي الحالتين كذلك لم يكن لأي من القوى السياسية أو المعارضة أي دور ولا على هامش الهامش أوعلى أي مستوى مما يدور بين الشُركاء ضمن ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق. ويبقى اذا وقعت أزمة ما أو حرب فإن الطرفين هما المسؤولين عنها، وهم ورائها تحديداً. عليه ليس هناك صورة تكونت في ذهنية (قطبي المهدي) للقوى السياسية المعارضة!!، ولكن هناك صورة ذهنية يراد لها أن تكون هي أساس التعامل مع القوى السياسية الحزبية خاصة، وهذا هو الهدف السياسي الواعي خلف تصريح (قطبي المهدي). والخلاصة أن هناك حكومة وحزبها هم كل شئ وأن العمل على اسقاط الحكومة هو محض نشاط خارجي!!؟، وبعبارة اخرى لا يوجد سوي المؤتمر الوطني وحكومته.
حتى تتضح الخلفيات التي يجري فيها توظيف الخارج لبلوغ مشروع مثلث حمدي نقف وعلى ذات المستوى أمام تصريح آخر للرجل الثالث في الدولة وهو (أحمد ابراهيم الطاهر) رئيس المجلس الوطني، ونكون بذلك وقفنا على البعدين الحزبي الذي يمثله (قطبي المهدي)، والرسمي الذي يمثله رئيس المجلس الوطني.
وصف رئيس المجلس الوطني الطاهر قطاع الشمال (ببني قريظة)، وفي هذا الوصف دلالة تعود بك الى مدينة رسول الله التي أبعد منها بني قريظة بعد أن كانوا من أهل المدينة، و(الطاهر) هنا يقول لنا أن جبال النوبة والنيل الازرق نعم ضمن الشمال ولكن من حقنا أن نبعد عنه بنى قريظة الذين هم قطاع الشمال، هذا مفهوم وواضح. ولكن مشكلة (الطاهر) هنا ليس قطاع الشمال ولا جبال النوبة والنيل الأزرق، بما أنهما منطقتين خارج مثلث حمدي. مشكلة (الطاهر) كما حمل دلالاتها خبر صحيفة الاخبار ( الثلاثاء 11 اكتوبر 2011م)، هي في تحريض قطاع الشمال للأحزاب أو علي حسب تعبيره " يؤلبون علينا الأحزاب"، والتي هي عنده مصنفة من (المتردية والنطيحة) وهو تصنيف يؤشر بحسب توصيفه بأنها (بلا قيمة)، بل مجرد رهق، يستوجب تطبيق ذات قاعدة (بني قريظة معها) أن تطرد خارج مثلث حمدي إن هي عارضت أفعال وسياسات الحكومة تجاه باقي مناطق السودان بعد انفصال الجنوب. وهنا يجب ألا ننسى أن (بني قريظة) هم يهود، وهذه ترتبط وبلا مواربة باشارات قطبي المهدي (أسرئيل/ أمريكا).
المطلوب اذن بحسب (قطبي) و(الطاهر) من القوى السياسية الحزبية المعارضة، هو وبالتحديد ليس الامتناع عن العمل على اسقاط النظام فحسب، بل عدم معارضة الحرب التي يشنها في جنوب كردفان والنيل الازرق. خاصة وأن الصوت العالي للقوى السياسية الحزبية هذه الايام (عالٍ) ضد تلك الحرب وداعٍ لإيقافها واعمال الحلول السلمية لها توحيداً لما تبقى من الشمال. دعونا الآن نسأل عمن يتعامل مباشرةً مع الخارج؟. هل هي القوي السياسية الحزبية أوغيرها من القوى المدنية؟، أم هي الحكومة وحزبها؟.
لنتابع مسيرة المفاوضات منذ انطلاقها ونعدد محطاتها ونحدد أطرافها. هنا تبرز (أبوجا) كأكثر المحطات حضوراً وتكراراً سواء كانت القضية هي الجنوب أو دارفور. واقليمياً تبرز كينيا، واريتريا ، واثيوبيا، وليبيا، وحتى تشاد. ثم تظهر جنوب افريقيا ، والدوحة، ومحكمة العدل الدولية التي تراضى طرفي اتفاق السلام بالاحتكام لها بخصوص (أبيي)، والأمم المتحدة، وأمريكا وبريطانيا والنرويج وغيرها من الدول الاوربية التي مثلث الطرف الثالث في اتفاق السلام الشامل الشهير. وننتهي بمحكمة الجنايات الدولية. بغض النظر عن تعدد مرات التفاوض في أي من هذه المحطات، وغضه كذلك عن القضية موضوع التفاوض (دارفور –الجنوب). من كان المبادر؟ ومن رعى أو أشرف على التفاوض؟، أو حتى صار لاحقاً مراقب (دولي) على ما اتفق عليه؟. بل من هم أطراف التفاوض الاساسيين؟.
ليس في كل ذلك دور لأي من القوى السياسية الحزبية أو المدنية، لا قبل ولا أثناء ولا بعد التفاوض، هذا مشهود ومعروف. بل ظلت الحكومة ترفض كل مبادرة جاءت من طرف داخلي أياً كان، وتقبل بالمقابل مبادرات أطراف (خارجية) اقليمية بدفع منها (مرات) أو دولية برغبتها أو رغماً عنها مرات اخرى. بل لم تجري أي مفاوضات لتسوية أي مشكلة أياً كان حجمها أو موضوعها داخلياً أو مع أي طرف داخلي وعلى خلفية مبادرة (سودانية) داخلية.
أما أطراف التفاوض فظلت محصورة في الحكومة وحزبها كطرف ثابت في كل المفاوضات، ومع الحركة الشعبية تجاه مشكلة الجنوب، أو مع حركات دارفور المسلحة الاساسية أو المولدة من قبل ذات الحكومة، كأطراف متغيرة، لكنها ليست أصيلة!!؟، فالأصالة هنا للحكومة وحزبها فقط مما يعنى أن الطرف الثاني كان دائماً هو الطرف الدولي أو الأقليمي الذي يساعد الحكومة في بلوغ أهدافها عبر التحاور مع طرف داخلي ومن أهل السودان أواحدى جهاته الجغرافية، وإن كان هذا الطرف يُعرف دائماً بأنه الطرف الثالث الوسيط/المراقب لمسار التفاوض ولإنقاذه.
هكذا أدارت الحكومة وحزبها كل التفاوض الذي جرى والجاري الآن، اذ لا تعترف فيه لطرف داخلي بأيٍ من ميزات الطرف المفاوض، بل دائماً تأتي هذه الاطراف الحركة الشعبية أو حركات دارفور للتفاوض على خلفية دفع أو دعم دور دولة اخرى (وسيط أو مبادر) اقليمية كانت أو دولية. وهذا يفيد ومباشرة بأنه لا يوجد طرف سوداني سوى الحكومة وحزبها، وأما الذين يجري معهم التفاوض فهم حتماً أجانب لا يمكن الجلوس معهم إلا بواسطة أو عبر من هم مثلهم دولة أخرى أجنبية أياً كانت. وهكذا تأتي هذه الاطراف للتفاوض مع الحكومة وحزبها على خلفية كونها الأضعف ولو كانوا من الجنوبيين أو الدارفويين المنتمين للسودان المعروف (قبل الانفصال). فهم بذلك مجرد أجانب. ولكن هل هذا كل شئ عن توظيف (الخارج) لبلوغ الهدف (مثلث حمدي)؟!!. هناك ما هو أخطر وأكثر مباشرة وأوضح دلاله على توظيف الخارج لصالح مشروع مثلث حمدي!!؟. بعد عودته من زيارة رسمية لمصر كانت رؤية الطرف السوداني الذي مثله النائب الأول للرئيس (على عثمان محمد طه) حول موضوع حلايب، أن تكون منطقة تكامل. بل وأكد (الطرف السوداني) على أنه يجب أن لا تكون (حلايب) عائقاً أمام (تقدم وتطور) العلاقات بين البلدين. وورد ذلك نصا بصحيفة الرائد 14 أكتوبر، وسونا 15 اكتوبر نصاً كما يلي: "وما يبنغي أن تكون أبداً عائقاً أمام تطور وتقدم العلاقات بين البلدين". الغريب هنا هو عدم تطرق الطرف المصري في كل التصريحات التي تناقلتها الصحف لشئ أو شخص أو مكان يدعي (حلايب)!!. بل تعلق كل الأمر بقضايا اقتصادية واستثمارية يبدو أنها كانت ملحة، ثم لموضوع الحريات الاربع. لكن لم يوضح لنا الوفد عالي المستوى الذي قاده النائب الأول للرئيس شخصياً عن القواعد التي يراد بها ل(حلايب) أن تكون داعمة وليست معيقة لتطور العلاقات بين البلدين؟!!. هل حددت ملكيتها واتفق على ترسيم حدودها بين الطرفين؟، ثم بعد ذلك جرى الاتفاق وتم تأسيسه تأسيساً واضحاً يدعم دور حلايب الداعم والدافع لتطور العلاقة بين البلدين؟. لا شئ من ذلك!!، ولم يفهم احد لماذا سكت الجانب المصري في كل التصريحات التي خرجت أثناء الزيارة وعقب انتهائها عن موضوع (حلايب) طالما كان هناك إتفاق؟!!. أين الإجابة على كل ذلك؟. بعد انتهاء زيارة النائب الأول لمصر وبالتحديد في يوم 17 اكتوبر حملت الانباء ما يعطي اجابة غاية في الوضوح وال(عملية) عن ما يجري بشأن (حلايب). وليس هذا وحسب بل أوضحت أن خلف ذلك وزارة الداخلية ذاتها باعتبارها الجهة التي تقع ضمن صلاحيتها منطقة مثلث (حلايب)، كما أنها الجهة التي تُدير مشروع السجل المدني وتمنح وفقاً له مواطنيها (الرقم الوطني) بحسب النظام الجديد. ولكن ما الذي جري؟!!. طلبت السلطات من الذين قدموا للتسجيل والحصول على الرقم الوطني، والذين (سجلوا) أنهم من موالين مدينة (حلايب) ومن سكانها، طلبت منهم السلطات أن يغيروا مكان مولدهم وسكنهم بعد أن يختاروا أي من المناطق الواقعة جنوب (مثلث حلايب) أوسيف، دقناب، أو حتى بورتسودان، لإكمال اجراءاتهم. فاحتجوا ولكن هل من سامع. راجع بخصوص ذلك أخبار (رأي الشعب 17 اكتوبر 2011م).
هذا يعنى أنه عملياً الذي يجري وتحت رعاية (وزارة الداخلية) هوتأكيد مصرية (مثلث حمدى) أو على الأقل عدم سودانيته!!!. وهذا الذي يحدث لا يوجد فيه طرف غير (وزارة الداخلية) ومن خلالها الحكومة، عملياً يتم تتبيع (حلايب) لمصر وبإرادة سودانية حرة!!!. هل هذا ما كان يعنيه وفد النائب الأول للرئيس ب"وما ينبغي أن تكون أبداً عائقاً أمام تطور وتقدم العلاقات بين البلدين"!!!؟.
حتى الآن لا يوجد يد أو دور لأي من القوى السياسية الحزبية أو غيرها هنا. (حلايب) مصرية وبإرداة وحر تصرف وزارة الداخلية السودانية. ولكن مهما يكن من أمر فإن حلايب في النهاية ليست ضمن حدود مثلث حمدي، وهي الاخرى مثل جنوب كردفان والنيل الازرق تبقى أرض أجنبية من الافضل أن تتخلص منها طالما هناك سانحة وقدرة على ذلك، خاصة وأن هناك جهة أو دولة ستتبنى تلك المنطقة وتريح أهل مثلث حمدى. ولكن يبقى واضحاً أن ذلك هو بالتحديد الدور الذي ستلعبه (حلايب) في التقدم والتطور ودفع العلاقات بين البلدين!!!؟. أليس غريباً أن يكون موضوع (التقدم والتطور) والدفع بالبلاد للأمام هو رابط واضح بين الاقوال والافعال من لدن (قطبي) ومروراً ب(أحمد ابراهيم الطاهر)، ووفد (النائب الاول)، وصولأً لخلاصة ما تقوم به وزارة الداخلية تجاه سكان مدينة (حلايب)؟!!!. انتبهوا إنا منتبهون. ولكن كل الذي نستطيع أن نقوله لكم ... تصبحون على وطن.
أبوذر علي الأمين ياسين [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
هكذا الأسلامويون اذا حكموا .. وأغرب فتوى! .. بقلم: تاج السر حسين الأحد, 23 تشرين1/أكتوير 2011 19:43 Share
[email protected] لا فرق عندى بين معتدل منهم أو متطرف، فهم فى آخر الأمر سواء وطالما سعوا لأستغلال الدين وشعاراته فى السياسه، وطالما دغدغوا مشاعر البسطاء بتلك الشعارات. أنهم كما يقول المثل عندنا (يتمسكنون حتى يتمكنون) وحتى يصلوا الى كراسى الحكم عن طريق القوه أو بواسطة صناديق الأنتخابات اذا أمكن ذلك، ثم تعتبر تلك الأنتخابات آخر ممارسة ديمقراطيه (حقيقيه) فى البلد الذى يستولون فيه على السلطه، وهكذا أكدت التجربه فى السودان الذى حينما عجزوا عن الوصول للسطه فيه عن طريق (الديمقراطيه) بعد انتفاضة ابريل 1985 التى اطاحت بالنميرى، تأمروا وخططوا بليل لأتقلاب عسكرى قاده (البشير) فى 30 يونيو 1989، والآن وبعد أفسدوا وأهدروا ثروات السودان وقسموه وأشعلوا الحروبات فيه وتفرقوا فى البلدان يستجدون الأموال، لا يستحون فيتنحون، على العكس يدعون بأنهم سائرون فى الطريق الصحيح ويرفضون التغيير اذا لم يكن عن طريق صناديق الأنتخابات .. وهم يعلمون بأنهم يزورون تلك الأنتخابات ويزيفون ارادة المواطنين وهكذا يفعل مثلهم (على عبدالله صالح) فى اليمن وكل من يتدثر بثوب الأسلام فى الغد. هكذا (الأسلامويون) الذين شوهوا الأسلام واساءوا اليه، وأقرب دليل على انفلاتهم وهشاشة فكرهم وأبتعادهم عن روح الدين ودولة (القانون) المدنيه المتحضره، تلك الطريقة البشعه التى قتل بها (معمر القذافى) بعد قبضوا عليه حيا والتى تعيد مشاهد قتل العامل (الكورى) فى العراق بعد سقوط بغداد .. والقذافى لا يمكن أن يؤيده عاقل أو يسانده من له بصيره، لكن الطريقه التى قتل بها وشاهدها العالم كله، تسئ للأسلام وللمسلمين وتجعل الكثيرون خاصة فى الغرب يجد ون مبررا للعنف الذى كان يعامل به الليبيين من قبل نظام القذافى، بل يجدون مبررا لعنف نظام بشار الأسد بشعبه فى سوريا، فهناك الأمور توزن بالعقل والمنطق لا العاطفه الدينيه أو العصبيه القبليه. وفى هذا المقام لابد أن اقف وأحى الشعب التونسى المتحضر الذى تدافع نحو صناديق الأنتخابات للمشاركه باعداد كبيره من أجل تقليل نسبة فوز (الأسلامويون) كما هو متوقع حتى لو حصلوا على الأغلبيه، لكى لا يسيطروا علىالأمور وحدهم ويضيعوا وطنهم كما اضاعه (اسلامويوا) السودان والصومال وأفغانستان. ومن نماذج الفكر (الأسلاموى) الذى يسعى للسلطه فى مصر، نستعرض هذا المقال الذى كتبه الدكتور خالد منتصر على صحيفة (المصرى اليوم) تحت عنوان (اقول السلفيه عن الملعونه الديمقراطيه) جاء فيه : ((هل السلفيون مقتنعون حقاً بالديمقراطية، أم أن ما يفعلونه الآن مجرد تكتيك مرحلى لتدمير وإحراق سلم الديمقراطية بعد استخدامه فى الصعود؟، وبما أن الإنسان حيوان تاريخى أكد علماء الاجتماع أنه الكائن الوحيد الذى دوَّن تاريخه وكتبه وحكاه، فمن المؤكد أن فى رصد مواقف السلفيين من الديمقراطية ذكرى تنفع المؤمنين. فى مجلة التوحيد، الناطق الرسمى باسمهم فى العدد (٦) صـ٣٠ المجلد ٢٠ وتحت عنوان «شخاشيخ الأطفال» بقلم أ. د/ إبراهيم هلال يقول: «ليس فى الإسلام مدة محددة يحكم فيها الحاكم المسلم، وإنما حين يبايع بالحكم بانتخاب أو عن طريق اختيارات أهل الحل والعقد، فإن مدته لا تنتهى إلا بوفاته مهما طالت أو بعجزه لمرض لا يستطيع معه مباشرة هذه المسؤولية، فليس هناك حاجة لأن يجدد انتخابه، ولا أن يفتح الباب له ولغيره لانتخاب من جديد»، وفى العدد (٥) صـــ ٦ المجلد ٢٣ وتحت عنوان «العلمانية ردة عن الإسلام» بقلم صفوت الشوادفى يقول: "الإسلام برىء من الديمقراطية فإنها ضلال وفساد"، ويكرر مفهومه هذا فى العدد (٦) ص 6 المجلد ٢٩ وتحت عنوان «أنصار السنة والانتخابات» يقول: ـ استطاع النساء دخول مجلس النواب ١٩٥٣م وذلك بفضل الغمزات والهمزات. ـ الديمقراطية فى ميزان الله جاهلية. ـ تداول السلطة مفهوم غربى النشأة لا علاقة للإسلام به وللحاكم أن يستمر فى الحكم مدى الحياة. ـ نسبة العمال والفلاحين نسبة ظالمة والعدل يقتضى أن يخصص نصف مقاعد مجلس الشعب لعلماء الأزهر الشريف ونصفها الآخر للخبراء والمتخصصين فى جميع المجالات. فى العدد ٤ ص ٤٦ المجلد ٣١ وتحت عنوان «الإسلام الديمقراطى» تقول مجلة التوحيد: الإسلام الديمقراطى معناه: - أن يكون المسلم مفرغا من دينه فلا يعلم ولا يعمل ولا يدعو. - ألا تقوم لعقيدة الجهاد قائمة. - أن ينشغل المسلم بنفسه ولا يسأل عن أخيه ولا يفكر فى دعوة غيره إلى الإسلام. وفى العدد ٤٠٦ ص ٣٢ المجلد ٣٤ وتحت عنوان من روائع الماضى مقال بعنوان «أنصار السنة والانتخابات» جاء فيه: إقامة الأحزاب حرام بصريح القرآن!! ننتقل من المكتوب إلى المسموع، يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم: الأصل فى دخول الدعاة البرلمان المنع لأنه فى الدخول مفاسد كثيرة وتنازلات عديدة. وأن هذا الطريق شره أكبر من خيره، وأن ذلك رأى ابن باز، وابن عثيمين، والألبانى. ويقول: معظم العلماء السلفيين يرفضون الدخول فى لعبة الديمقراطية والبرلمانات، فالديمقراطية سراب "منقول من سلسلة حول دخول البرلمان نظرية السيادة". أما الداعية محمد حسين يعقوب، فينتقد نظام الديمقراطية والبرلمان والانتخابات ويقول إنه مخالف للمنهج السلفى "من شريط العزلة وطلب الآخرة"، وكذلك الشيخ محمد حسان يقول: "يجب على المسلمين، وفوراً، أن يعودوا إلى الإسلام، وأن يكفروا بجميع قوانين البشر، من ديمقراطية و... و.. إلى آخر هذه القوانين الكافرة التى نحت شرع الله عز وجل، وأعلت شرع البشر على شرع الله جل وعلا، يجب على جميع المسلمين - وأنت واحد منهم- ألا يذعنوا لهذا القانون على قدر ما استطاعوا. (من شريط المستقبل لهذا الدين)". أما الشيخ أبوإسحاق الحوينى فيقول إن «الديمقراطية والانتخابات والأحزاب حرام فى حرام». من شريط «الأسئلة السودانية حول الدعوة السلفية". السؤال للإخوة السلفيين: هل الديمقراطية أصبحت جميلة ورائعة وصارت هى الحضن والملاذ فجأة؟ " أنتهى مقال د. خالد منتصر" أما اغرب وأعجب فتوى فهى التى صرح بها أحد علماء الأزهر، هذه المؤسسه التى يعتبرها البعض مثالا للوسطيه والبعد عن التطرف الدينى، قال الشيخ الأزهرى أنه (حرام الزواج من بنت احد الفلول) وهو يعنى اذا كان والد البنت من ضمن (الفلول) وهم ازلام نظام مبارك! وحينما ضائقه مقدم البرنامج عن أدلة فتواه اجاب مستدلا بالحديث الذى يقول (اياكم وخدراء الدمن، وهى الحسناء فى منبت السوء). وبدون الخوض فى تفاصيل كثيره وعن التعريف الدقيق للمنبت السوء، فهل تجوز مثل هذه الفتوى فى القرن الحادى والعشرين؟ وما هو ذنب تلك الفتاة أذا كان والدها من (الفلول) وكانت تتمتع بعلم وخلق رفيع؟
--------------------
دعوات لقتل المفكرين في السودان يحيى القيسي 2011-10-23
يبدو أن التوجه التكفيري يجد مرتعاً خصباً له في السودان هذه الأيام، بل ويحتل منابر إعلامية، يدعو من خلالها إلى محاكمة المفكرين، وكلّ من يختلف في الرأي أو يجتهد بعيدا عن الحدود النقلية، والأفكار 'المعلبة' المتوارثة في الدين منذ 14 قرناً. ويا ريت لو أن مقارعة الحجة تكون بالحجّة، أو حتى عن معرفة وبينة بما يحاجج به، بل ان الوصفة للتهم جاهزة، وأبرزها 'التشيع' وهي تهمة أصبحت مكررة ومجترة عفا عليها الزمان، فإن من يعيد قراءة البخاري ومسلم، أو ينتقد صحابيا أساء للنبي الكريم صلى الله وبارك عليه وآله، يصبح شيعيا مدعوما من إيران، أو كافرا مارقا من الدين، ينبغي أن يقام عليه حد الردة، ويطالب بالاستتابة...!
أقول هذا الكلام بمناسبة الدعوات التي نشرها أحد الصحافيين التكفيريين مؤخراً في صحيفة 'الانتباهة' السودانية ضد المفكر السوادني، والمجدد المجتهد الشيخ النيل أبو قرون، ولا سيما بعد صدور كتابيه الأخيرين 'نبي من بلاد السودان' ، و'الإسلام والدولة' عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وما يثير في دعوات مرتزقة 'الانتباهة'، ومن قبلها إحدى الجماعات السلفية هناك أنها تدعو للعنف والتحريض على قتل الشيخ النيل، وإحراق كتبه التي هي بالمناسبة توزع في معظم الدول العربية بما فيها السعودية، وتعرض حاليا في معرض الكويت للكتاب- ولقد قرأت كل كتب الشيخ النيل، واطلعت على أفكاره من قرب، ولم أجد فيها إلا ما يدعو للمحبة وللتفكير بإعادة قراءة الدين الإسلامي وتنقيته مما الصق به عبر القرون الطويلة من اساءات، وهي دعوات اجتهادية تأتي في سياق ما يقوم به الكثير من المفكرين المسلمين اليوم بعد أن تعطل الاجتهاد طويلا، وأصبح الفكر السلفي الإقصائي متسيدا المشهد، لا يقبل الاختلاف ولا التفكر، بل القبول بأن يحكم المسلمون في القرن الحادي والعشرين من القبور، فكلام ما يسمى بـ'السلف الصالح' عندهم لا يأتيه الباطل، ولا يقبل النقض، وكأنهم أنبياء جدد، وهذا ما قاد في النهاية إلى أن يصبح الإسلام اليوم تهمة في شتى أنحاء العالم بدعواته إلى قتل الآخرين، وعدم التعايش مع الحضارات والرسالات السماوية الأخرى، ولا يعدم الغرب اليوم الكثير من الأمثلة على هذا الأمر مما تزخر به كتب المسلمين أنفسهم..!
إن الدعوات بالقتل، وتعليق الشيخ 'على السفود' كما ورد في عنوان مقال الكاتب، وتلك الاتهامات التحريضية على العنف المباشر، ستقود إن لم تتدخل الحكومة السودانية بشكل عاجل إلى فتنة كبيرة، وتقسيم جديد للسودانيين هم في منأى عنه، فمريدو الشيخ في النهاية وأهله وأحبابه منتشرون في كل مكان في العالم، ولن يقبلوا الاستمرار بالسكوت على مثل هذه الدعاوى، ثم إنه من الملاحظ أن حرية التعبير عن الرأي الحر لا تجد لها في السودان أي دعم من النظام هناك الذي ترك المشهد لمجموعة من التحريضيين، والمأجورين غالبا من دول أخرى بدعوى حماية الدين، ولهذا يبدو المشهد اليوم كئيبا ومحبطا ويدعو للقلق في السودان، ويقود ان ترك الحبل على الغارب إلى المزيد من العنف والتفرقة..!
إن الفكر الاجتهادي النوراني في النهاية ستكون له الغلبة، مهما حاول الإقصائيون إطفاءه، فالكتب متوفرة في الأسواق لمن شاء أن يقرأ ويتفكر، ومن أراد الرد عليها فالمجال واسع، والمنابر كثيرة، أما ما يحصل في الواقع فهي أن من يكتب المقالات غالبا لم يقرأ الكتب، لأنه لا يناقش أبدا ما جاء فيها، بل يقوم بتحريض العوام للغيرة على الدين وقتل المفكرين، ولم أر في كل ما قرأت من انتقادات للشيخ النيل وأفكاره من يناقش أعماله، بل يتعرض له شخصيا بالتهم التي تلقى جزافا، والتهديد، فأي فكر هذا، وعلى ماذا يستند غير الارتزاق ممن يريدون أن يطفئوا نور الله، ومحبة رسوله، والتفكر في دينه، والتسامح ومعرفة الحقيقة، فهل تستيقظ حكومة السودان من نومها قبل فوات الأوان، وهل ينتبه أصحاب الفكر الحر في كل مكان في العالم لنصرة هذا المفكر المجدد..!
روائي وصحافي وأمين عام رابطة 'القلم' الدولي في الأردن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
ليبيا القذافي وذاكرة قيادات سودانية
حيدر ابراهيم علي [email protected]
تتميز علاقات كثير من السودانيين بتشابكات معقدة في التعامل مع ليبيا القذافي ومع الليبيين انتهت مرات عدة بانتزاع العاملين السودانيين ووضعهم علي الحدود المصرية بلا حقوق ولا مقتنيات فهم لم يأتوا بها من بلادهم، فهذه حقيقة ولكنها عرق جبينهم كما يقال.اما القيادات السياسية بالذات المحافظة والتقليدية فقد عانت من مزاجية العقيد وعشوائية تعامله،ولكن ذهب المعز كان يجبرها علي أن ترضى بالهم وبما لو رآه الواشي لقرت بلابله.اما النظام الحالي فقد كان في حالة رعب دائم من العقيد،فهو يعلم بتدخلة السافر في الشؤون الداخلية السودانية ولكن كان في فمه ماء.وحتي في احداث ام درمان،وحين زل لسان مستشار الشؤون الخارجية وجاء ذكر ليبيا عرضا،اضطر لبلع كلماته.وفي قلب الخرطوم له "برج الفاتح" وفي الاطراف حي"عمر المختار" وقاعة في المدخل الغربي لجامعة الخرطوم. وعلي المستوي الشخصي،عانيت لمدة خمس شهور في ليبيا–رغم عقدي الطويل مع الجامعة-من السهر،فقد كان الطلاب الثوريون:موسي كوسا واحمد ابراهيم وعمر السوداني،يقومون بايقاظنا في أي وقت ليلا لان العقيد يريد أن يناقش:المشكل الاجتماعي،في الكتاب الأخضر،مع الاساتذة.فهو لاينام وانسان ليلي تماما.وكنا في متناول ايديهم،لسبب يبدو غريبا،فقد كنا نسكن في داخليات الجامعة،لماذا؟لأنه بعد قرار البيت لساكنه،رفض الملاك تأجير منازلهم!وهنا اضطرت الجامعة لاسكان الاساتذة بأسرهم في داخليات الطلبة.وهذا طبعا يسهل-ايضا- مراقبتهم ومتابعة تحركاتهم.
لم تكن اخبار ليبيا السعيدة والحزينة بالنسبة لي مجرد احداث وأنباء،ولكنها مشاعر كثيرة مختلطة ومتداخلة.ومما اثار الشجن والتذكر المر كيف استطاع العقيد بكل نزقه وجنونه الفالت أن يجتذب شخصيات ذكية مثل بابكر كرار، وعبدالله زكريا ،والصادق المهدي، وحسين الهندي، وعثمان خالد مضوي؟ وقد يفسر جنونه وعشوائيته اسباب هذا الجذب،فالرجل كان كالاعصار ولايعرف الحدود والاعراف ،ويمكن ان يذهب الي اقصى مدى حين يقتنع بأمر ما.ولكن القيادات السودانية قدمت تنازلات مبدئية وكان عربون صداقتها غاليا.فلا ادري كيف بررت ان يقوم دكتاتور بمساعدة قوى "ديمقراطية" لكي تسترد الديمقراطية والحرية في بلدها؟ألم يرون كيف يحكم الشعب الليبي وكيف كان يتعامل العقيد القذافي مع معارضته التي اسمي افرادها الكلاب الضالة؟وكلنا يعرف مصير ال###### الضال.الم يشعر أهل الجبهة الوطنية أنهم شاركوا في نهب الشعب الليبي وفي حرمانه وافقاره.وإن كل رصاصة أو بندقية اشتراه لهم القذافي كانت مقابل نقص كراسة تلميذ ليبي أو خصما علي نصيب دواء مستشفى الكفرة؟ والآن يقفز الاحياء من الساسة السودانيين علي هذا التاريخ معلنين
الفرحة بموت(القذافي) ومؤيدين الثورة، ومستعدين لتقديم خبراتهم في الشورى والديمقراطية للثوار-كما قال السيد مصطفي عثمان اسماعيل مستشار الرئيس للشؤون الخارجية.لا ادري هل سيوزعون عليهم كتيبات مثل:تعلم الفرنسية في اسبوع! تقول لليبيين:كيف تقسم وطنك في أقل من ست اعوام؟كيف تنشئ بيوت اشباح في شهرين؟كيف تهجّر ملايين من مواطني بلدك في وقت قياسي؟كيف تحول سلة غذاء محتملة الي سلة تسول ومجاعات وغلاء فاحش خلال بضعة سنين؟
هل كان للعداء للنميري يبرر الاستقواء بالخارج-حسب اللغة السائدة-ضد الوطن الأم حتي ولو كان الحليف قوميا عربيا أو مسلما؟ كان الاسلامويون السودانيون هم عراب التحالف مع القذافي بحكم وضعيتهم المميزة في الجبهة الوطنية.وحافظوا علي ودهم"الظاهري" حتي قبل شهور قليلة رغم ثورة17 فبراير لانهم لم يكونوا متأكدين من انتصارها،لذلك هرعوا في الايام الاخيرة وبمبالغة واضحة يحاولون محو التقاعس بأثر رجعي.ويقول التاريخ أن قيادة الاخوان المسلمين كان لها فضل نقل الجبهة الوطنية من السعودية الي ليبيا.يكتب(مكي):-"أخذ خطاب الجبهة الوطنية يمتد الي ليبيا التي كانت غير راضية عن نهج نميري تجاه اتفاقية الوحدة الموقعة في طرابلس(....)مع أن قيادة الأنصار كانت متوجسة في الدخول في حوار مع ليبيا لأن أياديها تلطخت بدماء الأنصار في موقعة الجزيرة أبا...إلا أن الاستاذ/عثمان خالد مضوي الأمين العام للجبهة مضي للحوار مع الليبيين حيث أرسل مذكرة إلي العقيد القذافي عن طريق سفيره في المملكة العربية السعودية مبرزا أخطار اتفاقية أديس أبابا علي مسار حركة العروبة والاسلام وأردف تلك بمذكرة أخري تشيد بموقف القذافي في دعمه لنظام عيدي أمين.وجاءت المذكرة الثالثة في 22مارس1973م في محاولة لتعريف القذافي بالجبهة الوطنية".(الحركة الاسلامية في السودان1969-1985.الخرطوم،الدار السودانية،الطبعة الثانية،1999:67). وللقارئ ان يتأمل في بؤس اسباب التحالف:معارضة اتفاقية جلبت السلام للسودان ومساندة دكتاتورية مستوحشة في يوغندا.ولكن كله يهون في سبيل اسقاط النميري.
لم يكن(الصادق المهدي)أقل تهافتا في خطة التقارب مع ليبيا،رغم التحفظات التي اوردها(مضوي).فقد شعر ببرود العلاقة بل توترها مع السعودية،وفي مارس1972كتب رسالة من المعتقل في بورتسودان يقترح علي المرحوم عمر نورالدائم،موضحا:-"إننا نتفق علي انطلاق الالتزام القومي العربي من قاعدة إسلامية،ونتفق علي أهمية العلاقة الافريقية العربية،ونتفق علي اشتراكية المؤمنين،ونقف ضد الاشتراكية الملحدة".وكتب الصادق بقترح علي عبدالحميد صالح القيام بإجراء مماثل.(فؤاد مطر:المصالحة الوطنية الأولي-انتكسوها أم انتكست.بيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1999:80). وكان بابكر كرار يري أن ما يحدث في ليبيا فتح جديد للعروبة والإسلام.ويعتقد أن ثورة الامام المهدي"كانت نتيجة أساسا وفي كليتها لتعبئة الشعب السوداني تعبئة عقدية واقتصادية واجتماعية وسياسية لمقاومة الاحتلال والاستعمار..رفع راية الجهاد لتحرير العالم الإسلامي من الظلم والاستعمار".(بابكر كرار-سيرته وفكره:اعداد نادية يس عبدالرحيم.الخرطوم،جامعة افريقيا،2005:180).كان هذا هو مدخله في تقديم انصار المهدي لليبيين.وتحمس في جمع عمر نورالدائم مع القيادة الليبية ونجح في ذلك.ودعا(نورالدائم) كل من حسين الهندي وعثمان خالد للمشاركة.
واخيرا، تم اجتماع في طرابلس ضم ممثلين للقيادة الليبية والمعارضة السودانية،واتفقوا علي ما يلي:- - تعاون بين السلطة الليبية والمعارضة السودانية لإسقاط النظام الحاكم في السودان بكل الوسائل. - بعد اسقاط النظام تقوم وحدة اندماجية سودانية-ليبية. - يقوم تنظيم سياسي واحد في البلدين يسمي المؤتمر الشعبي الاشتراكي. - تطبق في الوطن الجديد الشريعة الإسلامية. علينا ان نتخيل مصير السودان لو نجحت محاولة انقلاب عام1976،وهل ينطبق علي السودان القول:من لم يمت بالسيف مات بغيره.وقد متنا بما هو افظع من السيف:انقلاب الجبهة الإسلامية في30يونيو1989.فقد كان السودان بسبب اطماع السياسيين معروضا علي مائدة (القذافي)واليوم يتبارون في ابداء الفرحة لموته الشنيع ويتسابقون علي ود الثوار الليبيين، معتمدين علي ذاكرة مثقوبة:هل في رؤوسهم أم رؤوسنا؟ نشر بتاريخ 25-10-
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
تعليقات في السياسة الداخلية Thursday, October 20th, 2011 حديث وزير المالية مُثْقَلٌ بالتناقضات والمفارقات (2-2)
سليمان حامد الحاج
هذه (السيناريوهات) تؤكد أن سلطة الرأسمالية الطفيلية غير جادة في معالجة الأزمة من جذورها ، واقتلاع مسبباتها ، ووضع البديل الواقعي الذي يقنع شعب السودان . ففي مثل هذا الواقع المأزوم، لا مجال للف والدوران حول أسباب الأزمة والمعالجات الغير موضوعية التي تعيد إنتاجها وتعمق مسبباتها.
الحكومة يجب أن تعترف بأن القصور ليس من نتاج الأزمة الاقتصادية العالمية، ولا من انفصال الجنوب بفقدان عائدات البترول. القصور يكمن في قلب السياسة الاقتصادية والمالية للإنقاذ منذ استيلائها القسري على السلطة. وهي ترفض مراجعة هذه السياسات المدمرة . بل تحوم حول أسبابها عن قصد ومع سبق الإصرار، رغم فشلها كل عام ثم يعد المسرح من جديد لذات (السيناريوهات).
هذه السياسات تتمثل في:
أولاً : إصدار قانون التصرف في مرافق القطاع العام . (أي الخصخصة) والذي أجازه مجلس قيادة (ثورة) الإنقاذ الوطني – عملاً بأحكام المرسوم الدستوري الثالث لعام 1989، في 6/8/1990م.
وحددت المادة 4 (أ) من قانون التصرف ثلاثة طرق للكيفية التي يتم بها التصرف. وهي :
(أ) البيع لأطراف غير الدولة.
(ب) إشراك أطراف من غير الدولة بأي صورة من صور المشاركة.
(ت) التصفية النهائية.
والنهائية هنا لا تعني سوى كل مرافق الدولة بلا استثناء.
ورأت اللجنة أن يتم التصرف على ثلاثة مراحل مراعاة لقدرات القطاع الخاص على استيعاب هذه الخصخصة:
(1) مرافق يتم التصرف فيها فوراً . أي خلال سنة.
(2) مرافق يتم التصرف فيها على المدى المتوسط سنتين إلى ثلاث سنوات.
(3) مرافق يتم التصرف فيها على المدى البعيد وبعد ثلاثة سنوات.
وهكذا تم تشليع معظم مؤسسات الدولة بما فيها تلك التي كانت تشكل مرتكزات أساسية لتوريد العملة الصعبة.
ومع ذلك لم تدخل معظم عائدات المؤسسات المخصخصة إلى خزينة الدولة حسب تقرير المراجع العام عن التصرف في مرافق القطاع العام الصادر في يونيو 1994 م.
ثانياً: منذ البداية سلكت سلطة دولة الرأسمالية الطفيلية سياسة تحرير الاقتصاد السوداني والسوق الحرة. فهذه السياسة تمثل (خريف أبو السعن) بالنسبة لها. لأنها تستطيع – عبر الاحتكار وغيره من الأساليب – أن تلهف كما تشاء وأن تفعل في السوق ما تريد دون حسيب أورقيب.
وهذا هو السبب الأساسي في الأزمة الاقتصادية والمالية الشاملة التي لا يمكن الفكاك منها دون تغيير هذه السياسات المدمرة.
ثالثاً: قفزت المؤسسات والشركات الخاصة بعد الخصخصة إلى أرقام فلكية. فعلى سبيل المثال قفزت الشركات العاملة في البناء والتشييد من خمسة (5) شركات إلى خمسمائة (500) شركة. وهي تعتمد اعتماداً أساسياً على المشروعات التي تنفذها الدولة. وأوضح السيد أحمد البشير رئيس اتحاد المقاولين السودانيين أن الدولة تعتبر ممولاً أساسياً لقطاع البناء والتشييد. مع إعطاء هذا القطاع ميزة تفضيلية للحصول على التمويل الرأسمالي.
(راجع صحيفة الخرطوم العدد 27 بتاريخ 6 سبتمبر 2008)
وبما أن رأس المال الطفيلي يلهث وراء المشاريع سريعة العائد وكبيرة الربح، فهو يتجنب الاستثمار في الزراعة والصناعة. ووجد تشجيعاً من الحكومة وميزة تفضيلية في التمويل لأن أحمد هو حاج أحمد والجيب واحد.
رابعاً : هيكلة الموازنة السنوية ، تضع أولويات الصرف ليس للزراعة والصناعة والخدمات ودعم السلع الضرورية لحياة المواطن وإعادة المشردين وإنصاف المعاشيين. وإيجاد فرص عمل للطلاب العاطلين وهم يحملون الشهادات الجامعية التي تؤهلهم لأفضل الوظائف . وللعاطلين الآخرين. بل أول أولوياتها وأكبر اعتماداتها المالية في الموازنة مخصصة للصرف على أجهزة القمع المختلفة التي تحرس النظام وتحميه من غضب الشعب.
هذه المسببات الأساسية لدمار اقتصاد البلاد وإفقار الشعب السوداني، واستقطاب الثروة في يد حفنة من الرأسماليين الطفيليين وخدامهم في مختلف مواقع الدولة . هم الذين يمثلون الأقلية ذات الحظوة.
استمرار هذه السياسات لن يغير من الحال الذي عليه الاقتصاد السوداني، بل سيفاقم من مشاكله وبالتالي يعيد إنتاج أزمة البلاد سنوياً كما يحدث الآن.
علماً بأنه سيأتي حين من الدهر يصعب معه تكرار ذات (السيناريوهات) ويتعذر إعادة إنتاج الأزمة، عندما تصل إلى الطريق المسدود.
وكل المؤشرات تؤكد أن اقتصاد البلاد يسير بخطى حثيثة نحو هذا النفق المظلم.
رغم كل ذلك، يقول السيد وزير المالية ويصر بلا سند موضوعي فيقول (ولكن حال السودان أفضل من الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا التي تقف على وشك الإفلاس) وهو تسليم بأن الأنظمة الرأسمالية مصيرها الزوال مهما تسيَّدت وطال عمرها في الحكم بخلق مختلف (السيناريوهات).
إلا أن حديث الوزير الذي يريد أن يقول (أنا والكاشف أخوي) متساوون في الهم ، لا يستقيم ومنطق الواقع الذي يقول أن أمريكا رغم معاناتها فهي تنتج كل شئ وتصدر كل شئ بما في ذلك القمح الذي تستورده الإنقاذ.
ولو تواضع السيد الوزير واقر بأننا البلد الأول في قائمة أفقر فقراء بلدان العالم، وأن منظمة الهيبك التي تضم البلدان الأكثر فقراً في العالم رفضت ضمنا إليها رغم تقديم طلب من الإنقاذ، أو قال أن حالنا أفضل من تشاد، لقدرنا ذلك لأن الاعتراف بسوء الحال ومسبباته هو الخطوة الأولى على طريق الإصلاح.
ولكنه التصميم على السير في طريق الإصرار على البقاء في السلطة والتمتع بخيراتها ومغانمها على حساب قوت الشعب.
ولكن، كل يوم يؤكد استفحال الأزمة ولا سبيل للخروج منها إلا بتغيير نظام الحكم القائم على برنامج الرأسمالية الطفيلية وأهدافها المستقبلية والآنية.
------------------
مصطفى عبدالجليل بين ردةالقوانين والشريعة الاسلامية ؟ Monday, October 24th, 2011 امل هبانى
الميدان
وليبيا ماتزال تشرب نخب حريتها وتحتفل بحل قيودها التي كبلتها زهاء الخمسة عقود يأتي محبطا (بكسر الباء) خطاب السيد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي والقائم محل الرئيس في ليبيا المقاومة للقذافي وليبيا بعد التحرر …ووسط احلام بليبيا الحرة والديمقراطية ليس لليبين وحدهم ولكن لكل انسان او شعب مؤمن بطريق الحرية وحقوق الانسان والعدالة يزرع عبدالجليل السم في الدسم في خطاب النصر بتحديده
ان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع في ليبيا والغائه كل القوانين التي تتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية مثل قانون يمنع تعدد الزوجات في ليبيا …وهذه بداية غير موفقه في طريق الحريات من القائم باعمال الرئيس مصطفى عبد الجليل ،لعدة اسباب نبتدرها في (تحديد المصير) وليس (تقرير المصير ) الذي انتهجه عبد الجليل فعندما يعلن عبد الجليل ان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع ماذا ترك للشعب الليبي ليقرر بشأنه بعد نيله الحرية ..وهو يمارس هذه الوصاية عليه لان لا عبدالجليل ولا مجلسه من حقه ان يتخذ اي قرار بديلا عن الشعب ولا يسن اي قانون او تشريع قبل النقاش والاتفاق على الدستور الذي سيحكم بموجبه ؟مع انه من الاولى ان يرتب المجلس الانتقالي كيف ينقل السلطة الى الشعب فعلا ليقررهو كيف يحكم وكيف يجيز الشعب الدستور ..أما السبب الثاني وهو الاخطر هو أن أول ردة قانونية تحدث في ليبيا الحرية هي الغاء قانون منع تعدد الزوجات الذي سنه النظام السابق ،وهذا احباط كبير لكثير من النساء الباحثات عن نيل حقوقهن وتحسين اوضاعهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية …..الى آخر القائمة …فمنع تعدد الزوجات تشريع راق ومتحضر وتناضل كثير من النساء وحتى الرجال لنيله حتى على مستوى المجتمعات الاسلامية كالمغرب وتونس وغيرها …فلماذا يبتدر به عبد الجليل ردته القانونيه على قوانين العهد البائد أو السفاح كما كنا نقول في السودان بعد ذهاب نميري …وهل ليبيا التي كان يطلق عليها تندرا ان (الشعب يريد تأسيس النظام) فيها لان معمر القذافي حكمها بقانون ( الذات الاعلى) فهو مفكرها ورئيسها وقانونها ومجلسها كل تلك العقود مشكلتها الكبرى قانونا يمنع تعدد الزوجات ،على العكس هذا واحد من محاسن (موتاكم) ان كان لهم حسنة تذكر
…أني أخشى أكثر ما اخشاه (كأمراة ) ان يستمرئ عبدالجليل ومجلسه الامر لتجد النساء الليبيات انفسهن هناك يكررن نفس تجربة المرأة في ظل الحكم الشمولي باسم الدين هنا …في السودان …فيظهر قانون للنظام العام …وقانون لجلد المرأة الليبية التي تبيع الشاي في الطرقات … وقانون لجلد الفتيات اللائي يرتدين البنطلون …فالحديث عن حكم الشريعة الاسلامية يفسره كل فرد وكل مجموعة سياسية أم دينية حسب اهوائها وحسب مصالحها واسألوا مجرب من شريعة الغاب التي نحكم بها باسم الشريعة الاسلامية …أن ليبيا الحرة يجب ان تمضي الى الامام الى التقدم والحداثة واحترام الحقوق للناس اسوية للنساء والرجال والاطفال والشباب مسلمين كانوا أم وثنييين …لئلا تنقل كاميرات الفضائيات بعد برهة ليست بالطويلة صورة امرأة ليبيا تهتف وتتوعد في مظاهرها ب(ياحليلك يامعمر) بدلا من (ياويلك يا معمر )..وهي صورة مشابهة لرجل يهتف في استقبال الرئيس المخلوع بانتفاضة شعبية المرحوم جعفر نميري عند عودته للخرطوم (ضيعناك وضعنا وراك ) ،بعد أن جرب حكم المشروع الاسلامي الحضاري الذي قيل لنا انه مستمد من احكام الشريعة الاسلامية ….. والاسلام منه برئ ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
font
مسألة جنوب السودان في سياق تاريخي: 1899 – 1986م (2)
* د. فيصل عبدالرحمن علي طه:
- المرحلة من قيام الجمعية التشريعية في عام 1948 وحتى إعداد مشروع قانون الحكم الذاتي في مايو 1952 صدر قــانون المجلـــس التنفيــذي والجمعيـــة التشــريعية في 19 يونيو 1948. قاطعت الأحزاب الاتحادية الجمعية التشريعية والمجلس التنفيذي وأعلنت رفضها لهما رفضاً باتاً مبدأ وأساساً، جملة وتفصيلاً واعتبرتهما خطوة رجعية قُصد بها خدمة المصالح البريطانية. وشارك التنظيم الشيوعي السري الذي كان يعرف آنذاك بالحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) بفاعلية في التعبئة الجماهيرية لمقاطعة الجمعية التشريعية. وبالرغم من تعاونها مع الأحزاب الاتحادية في العمل المناهض للجمعية التشريعية، إلا أن الحركة السودانية للتحرر الوطني لم ترفع شعار وحدة وادي النيل أي شعار الأحزاب الإتحادية، بل تبنت شعار الحركة الشيوعية المصرية التي كانت تعرف آنذاك بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو). إذ كانت (حدتو) تدعو للكفاح المشترك للشعبين المصري والسوداني وحق الشعب السوداني في تقرير مصيره.
أما الحركة الاستقلالية التي كان يقودها حزب الأمة، فبالرغم من أنها أقرت بأن الجمعية التشريعية لم تستوف شروط النيابة والتمثيل الكامل وفقاً للنظم الديمقراطية الحديثة، إلا أنها اعتبرتها خطوة نحو تحقيق هدفها الأسمى وهو استقلال السودان التام من كل سيطرة أجنبية. واللافت أن موقف بعض أقطاب طائفة الختمية من الجمعية التشريعية والمجلس التنفيذي كان مرناً. إذ لم يعترضوا عليها من حيث المبدأ، وإنما من حيث التكوين وطريقة الانتخاب والسلطات. لا مكان هنا لبسط القول حول الجمعية التشريعية، ما يهمنا هو أنه بقيامها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين الشمال والجنوب. فقد وفرت الجمعية التشريعية لأول مرة المنبر الذي انطلق منه الرأي والصوت الجنوبي في كثير من القضايا التي طُرحت فيها. وفي هذا الصدد قال محمد عمر بشير في كتابه عن جنوب السودان (1968) إن إنشاء جمعية تشريعية لكل السودان تضم في عضويتها ثلاثة عشر عضواً جنوبياً مثّل بداية الوحدة السياسية بين الشمال والجنوب، وبداية لفترة من التقدم الإقتصادي والإداري والتعليمي في جنوب السودان.
ففي المجال الإقتصادي بدأ العمل في مشروع تنموي في منطقة الزاندي وأُنشئت وظائف جديدة لتعيين وترفيع أبناء الجنوب، وأُزيلت إلى حد كبير الفوارق في شروط الخدمة والرواتب بين الشمال والجنوب.إعتماد العربية لغة للتفاهم والتعليم فـي عام 1949 قرر المجلـس التنفيذي بناء على توصية عبدالرحمن علي طه وزير المعارف آنذاك أن تكون اللغة العربية لغة التفاهم العامة فـي سـائر أنحاء البلاد. وبناء على ذلك أصدر عبدالرحمن علي طه في 10 أغسطس 1949 بوصفه وزيراً للمعارف توجيهاً قال فيه إن قرار المجلس يُلزم وزارة المعارف بأن تعمل كل ما في وسعها لتنفيذ هذه السياسة، وأن تتخذ الخطوات العاجلة المناسبة لإدخال اللغة العربية مادة أساسية في مدارس المديريات الجنوبية بأسرع ما يمكن. وفي بيان ألقاه في 1 نوفمبر 1949 في الجمعية التشريعية بعد زيارة قام بها للمديريات الجنوبية إستغرقت ستة أسابيع، نوه عبدالرحمن علي طه بالخطوط الرئيسة لخطة التعليم في تلك المديريات. وقد كان بضمنها ما يلي:
(أ) بما أن السودان قطر واحد تشترك جميع أجزائه في مؤسسات سياسية واحدة، فإن أول ما يجب عمله هو أن تكون للبلاد لغة واحدة يفهمها ويتحدث بها جميع أبنائها، ولا يمكن أن تكون هذه اللغة غير العربية. ولذلك ينبغي أن تُدرس اللغة العربية في جميع مدارس السودان. وأكد الوزير أن انتهاج هذه السياسة ليس المقصود منه تدبير حملة ضد اللغات المحلية المستخدمة في كثير من أنحاء البلاد والتي تشكل جزءً متمماً لتقاليد السكان الذين يتحدثون بها. (ب) توحيد مناهج التعليم في جميع مدارس السودان مع الإحتفاظ بالمرونة التي تقتضيها طبائع الأقاليم المحلية. (ج) إيفاد موظفين مدربين من مكتب النشر بالخرطوم إلى مكتب النشر بجوبا ليعملوا على توفير الكتب العربية المناسبة. (د) إنشاء وظيفة مفتش منطقة سوداني للمديريات الجنوبية، وسيكون عمله زيادة على واجبات المفتش العادي مراقبة تعليم اللغة العربية وتوحيد المناهج. وقد كان سر الختم الخليفة أول من اختاره الوزير لشغل هذا المنصب.
وجد جعل اللغة العربية لغة للتفاهم في سائر ارجاء البلاد الترحيب والتأييد من ممثلي الجنوب في الجمعية التشريعية. فقد قال استانسلاوس بياساما إن واجب الجمعية أن توافق على التوجيه لأن مصلحة سكان المديريات الجنوبية أن يتعلموا اللغة العربية، كما أنه يجب على وزارة المعارف أن تعاون الجمعيات التبشيرية في إيجاد المدرسين لتعليم تلك اللغة. وأبدى سيرسيو إيرو إطمئنانه لأن الوزير قد أوضح أن تعليم اللغة العربية لن يؤدي إلى فناء اللغات المحلية. وذكر بوث ديو أن اللغة العربية كانت دائماً لغة التفاهم في السودان، وأشار إلى أن بعض زملائه أبدوا مخاوفهم من فناء اللغات المحلية. ولكن هناك مخاوف أخرى لم يتطرقوا لها وهي أن المدرسين الشماليين الذين سيُعلّمون اللغة العربية قد يصبحوا دعاة لنشر الإسلام وهذا ما لا يريده الناس لأنهم قد صاروا مسيحيين صادقين.غير أن الوزير أكد لممثلي الجنوب أن الغرض الأساسي هو تعليم الجنوبيين تحدث وقراءة وكتابة اللغة العربية ليكونوا قادرين على أخذ مواقعهم في أجزاء القطر المختلفة. كما أكد لهم أن وزارة المعارف لا تهدف إلى قتل اللغات المحلية وستواصل تعليمها في سني الدراسة الأولى في المناطق التي بها لغة تُقرأ وتُكتب.
في 13 نوفمبر 1950 قدم عبدالرحمن علي طه للجمعية التشريعية خطة خمسية (1951 - 1956) للتوسع في التعليم وتحسين نظمة في المدريات الجنوبية. وفي تقديمه للخطة قال الوزير إنها جزء متمم للخطة التي رُسمت لتوسع التعليم في السودان كله، وأن الغاية المنشودة هي توحيد النظامين التعليميين القائمين توحيداً تاماً.لا يتسع المجال هنا لبيان تفاصيل هذه الخطة. يكفي أن نذكر أن الخطة وجدت التأييد والإشادة من قبل أعضاء الجمعية التشريعية وبوجه خاص من ممثلي الجنوب. فقد قال بنجامين لوكي إنه يشعر بالسعادة لأنه رأى أخيراً مشروعاً للتعليم في الجنوب بعد مضي خمسين عاماً كانت تناضل فيها مدارس الإرساليات منفردة بمساعدة ضئيلة من الحكومة أو بدونها. وحيا استانسلاوس بياساما وزير المعارف على برنامجه ووصفه بالشمول، ووصف مقترحات التعليم الصناعي بأنها باهرة. وعبر عن أمله في أن يكون نتاج تعليم البنات إمرأة فاهمة أكثر من إمرأة حاملة شهادات.
لكن استانسلاوس أبدى أن الارساليات لا تلقى معاملة حسنة ودعا الحكومة للاستفادة من مدارس الإرساليات الموجودة وتوسيعها. وهنأ بوث ديو الوزير على خطته وهنأ الحكومة على توفيرها المال اللازم لتنفيذ الخطة.إعانات الإرساليات تتسبب في مشادة كلامية في البيان الــذي أدلى به وزير المعارف في الجمعيــة التشـــريعيــة في 1 نوفمبر 1949 ذُكر أن التعليم خلال فترة الخمسين سنة الماضية كان كله تقريباً تحت إشراف الجمعيات التبشيرية، وأن المدارس الحكومية لم تُنشأ إلا في السنوات القليلة الماضية، وأن الحكومة بدأت تقدم لمدارس الإرساليات إعانات مالية متزايده منذ عام 1927. وذُكر أيضاً أن سكان المديريات الجنوبية في الأصل وثنيون وأن الجمعات التبشيرية نجحت في إنشاء هيئات مسيحية كبيرة وقوية في بعض المناطق الجنوبية، وأن المدارس التابعة لهذه الإرساليات مدارس مسيحية. وأضاف الوزير أن نظام التعليم الذي نشرته الإرساليات منذ زمن بعيد لا يمكن تجاهله «وعلى هذا فإننا وإن إتجهنا لتحسينه او حتى إلى تغييره في بعض الوجوه، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهله، بل لا بد أن نعيره كل اعتبار عندما نضع خطط المستقبل». وفي مداولات ومنابر مختلفة أوجز الوزير سياسة وزارته تجاه مدارس الإرساليات في النقاط التالية: (أ) إن الوزارة لا تمنح إعانات لمدارس الإرساليات التي تحصر نشاطها في التعليم الديني. (ب) إن الوزارة تمنح إعانات لمدارس الإرساليات التي تعلم تعليماً مدنياً والتي تلتزم بمناهج الوزارة وتخضع لتفتيشها. (ج) أن تقتصر مدارس الإرساليات على تدعيم ورفع مستوى المدارس التي لديها. وبعد أن يتم هذا التدعيم فليس لها أن تفتح مدارس جديدة إلا إذا وافق على ذلك وزير المعارف.
وصرح الوزير بأنه قد أمر بتدريس الدين الإسلامي في أي مدرسة حكومية يكون بها أي عدد من التلاميذ المسلمين الجنوبيين. كما أعلن الوزير في الجمعية التشريعية أن مجال التبشير مفتوح للراغبين في نشر الدعوة الإسلامية في المديريات الجنوبية وفي جبال النوبة وفي أي مكان آخر دون الحاجة إلى ترخيص من أي جهة. ووعد أي هيئة تبشيرية إسلامية بالدعم المالي إذا أفلحت في إنشاء مدارس على أسس سليمة لتدريس العلوم الدينية والدنيوية.
وفي هذا السياق نورد وقائع مشادة كلامية حدثت في الجمعة التشريعية بشأن الإعانات التي تُدفع لمدارس الإرساليات. فقد ذكر محمد احمد محجوب الذي كان عضواً معيناً في الجمعية التشريعية أن الإرساليات لا تعمل للتعليم أو نشر الدين، بل إن عملها الرئيس هو إثارة البغضاء والريبة بين الشمال والجنوب، وهي بعملها هذا تقوم بهدم وحدة البلاد، ويجب ألا تُعطى إعانة، وأن يتسع نطاق التعليم في الجنوب بكل الوسائل، ولكن ليس عن طريق الإرساليات. عبر إستانسلاوس بياساما عن استغرابه للاتهامات التي وجهها المحجوب للإرساليات وقد إتفق في العام الماضي على أن الإرساليات تؤدي أعمالاً نافعة. ######ر بياساما من الرأي القائل بأن الإرساليات تعمل لفصل الجنوب عن الشمال. كما استنكر المطالبة بإقصاء الإرساليات عن إنشاء المدارس في الجنوب. ثم قال إن الأعضاء الذين كثيراً مادعوا إلى كفالة حرية الفكر وحرية التعبير يجب أن يدعوا أيضاً إلى كفالة حرية العبادة حيث أن الكثير من الجنوبيين لا يجدون عملاً في الشمال إلا إذا اعتنقوا الإسلام. وفي دفاعه عن الإرساليات ذكر بنجامين لوكي أن الأعضاء الجنوبيين في الجمعة تلقوا تعليمهم في مدارس الإرساليات وأنه شخصياً كان يعمل في إحداها ولم يسمع في الاجتماعات الخاصة أو العامة من ينادي بفصل الجنوب عن الشمال لأن الإرساليات لا تشتغل بالسياسة. لكن رجالها كانوا رواداً للتعليم في الجنوب، الأمر الذي أكسبهم تقدير جميع الطبقات.
وأضاف بنجامين لوكي أن الجنوبيين سيكونون مسيحيين صادقين كما سيكونون سودانيين صالحين. وأثنى عبدالله آدم (ممثل بحر الغزال) على الإرساليات لما تبذله من مجهودات لرفع مستوى الجنوبيين وما أنفقته من مال على التعليم، وتعليم الديانة المسيحية. وفي تعليقه على ما تقدم قال عبدالرحمن علي طه إنه لا يعتقد أن محمد أحمد محجوب يهدف باقتراحه إلى وقف الإعانات التي تقدم للإرساليات. وأعرب عن سروره لأن الأعضاء الجنوبيين قد عبروا بصراحه عن مخاوفهم وشكوكهم حتى يمكن التعرف عليها وإزالتها ليتحقق التفاهم المشترك. وأضاف أن الصراحة هي السبيل الوحيد للوحدة الحقيقية.الأعضاء الجنوبيون يعارضون اقتراح الحكم الذاتي في 13 ديسمبر 1950 تقدم أحد أعضاء الجمعية التشريعية المنتمين إلى حزب الأمة (محمد حاج الأمين) باقتراح بأن يمنح السودان الحكم الذاتي قبل نهاية الدورة الثالثة للجمعية الأولى، وأن تُجرى الانتخابات القادمة على هذا الأساس.
سبب هذا الاقتراح حرجاً شديداً لحكومة السودان خاصة وأن المباحثات المصرية - البريطانية بشأن مسألتي الجلاء والسودان كانت لا تزال مستمرة في لندن. لذلك بذل جيمس روبرتسون السكرتير الإداري قصارى جهده لإقناع قادة حزب الأمة بسحب الاقتراح. وعندما أخفق سعى إلى تأجيل المداولة فيه، ثم عمد لإسقاطه بعد أن هُزم اقتراحه بالتأجيل مستخدماً في ذ لك زعماء العشائر وممثلي الجنوب في الجمعية. وقد قام موظفو القسم السياسي بمكتب السكرتير الاداري بدور كبير في التأثير على الجنوبيين وعلى زعماء العشائر. فقد روج هؤلاء وغيرهم حججاً كثيرة ضد إقتراح الحكم الذاتي. وقد كان من بين هذه الحجج أن السودان لم ينضج للحكم الذاتي لأن الجنوب لم يتطور بعد إلى مستوى الشمال.على أية حال، عارض الجنوبيون إقتراح الحكم الذاتي وهددوا بالإنسحاب دون تردد إذا أُجيز. فقد قال بوث ديو إنهم لن يقبلوا الحكم الذاتي مالم يصل الجنوب إلى مرتبة الشمال في التقدم. وقال أيضاً إنه إذا قرر الشمال تطبيق الحكم الذاتي الآن، فإن علاقة الجنوب بالشمال يجب أن تكون على أساس فيدرالي. وأبدى بنجامين لوكي عدم موافقته على تطبيق الحكم الذاتي الآن في السودان لأن أجزاء كبيرة من البلاد في مقدمتها الجنوب لا تزال متأخرة. واستطرد قائلاً إن الجمعية التشريعية هي أول مؤسسة حققت وحدة البلاد، وأنها تسير في طريق النهوض بالأجزاء المتأخرة، ولكن إلى الآن لم يحدث أي شيء عملي.
علقت صحيفة «الرأي العام» على أحاديث بوث ديو وبنجامين لوكي وغيرهم من ممثلي الجنوب في الجمعية التشريعية بقولها: «يبدو أنهم عدنما يتحدثون عن الشمال يقصدون العاصمة المثلثة وبعض جهات القطر التي أصبها رشاش من الحضارة، ويهملون شرق السودان وغربه، وهي الجهات التي قعد بها الإستعمار عن اللحاق بموكب الحضارة». واعتبرت «الرأي العام» تعليق الحكم الذاتي على شرط وصول الجنوب إلى مستوى الشمال ضرباً من التعجيز، لأنه لا يمكن أن يتحقق «مهما صرفنا على الجنوب. ولا يمكن أن نعطل سير الحضارة الطبيعي في جزء من أجزاء السودان وبذلك يتم التعجيز الذي هدف إليه أعضاء الجنوب». أجازت الجمعية التشريعية إقتراح الحكم الذاتي بأغلبية صوت واحد. ومن ثم قدم رئيس الجمعية محمد صالح الشنقيطي وزعيمها عبدالله خليل في 20 ديسمبر 1950 قرار الجمعية بشأن الحكم الحكم الذاتي إلى الحاكم العام، وطلبا منه رفعه إلى دولتي الحكم الثنائي مصر وبريطانيا.
ويبدو أنه لم يفعل ذلك بسبب معارضة دولتي الحكم الثنائي خاصة الحكومة المصرية، فقد كانت حكومات الأحزاب في مصر الملكية ترفض الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان إلا إذا كان في إطار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري. ولكن سيرد لاحقاً أن الحاكم العام لم يتجاهل القرار عند تشكيل لجنة لتعديل قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية وتحديد اختصاصاتها.الجنوب في مداولات لجنة تعديل الدستور شكل الحاكم العام لجنة تعديل الدستور في 29 مارس 1951 إستجابة لقراري الجمعية التشريعية في 6 نوفمبر و 9 ديسمبر 1950. القرار الأول يطلب من الحاكم العام تعيين لجنة لتعيد النظر في الدوائر الحالية وطرق الانتخاب المنصوص عليها في قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية لعام 1948 وتتقدم بتوصيات بشأنها. القرار الثاني طلب من الحاكم العام تعيين لجنة يكون نصف أعضائها من السودانيين لتعيد النظر في جميع نصوص قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية التي لا تختص بانتخابات الجمعية، وأن تقدم توصياتها لتعديلها بما يرفع شأن الجمعية والمجلس، ويزيد في نفوذهما كآداة فعالة ديمقراطية ذات رقابه برلمانية كاملة في نطاق الإتفاقيات الدستورية القائمة. بإستثناء رئيس اللجنة القاضي إستانلي بيكر كان كل أعضاء اللجنة من السودانيين. مُثلت في عضوية اللجنة الجبهة الوطنية (حزب بعض أقطاب طائفة الختمية)، وحزب الإتحاديين، وحزب الأمة، وبعض المستقلين. مثّل بوث ديو الجنوب. أما باقي الأعضاء فقد كانوا : عبدالله خليل، وعبدالرحمن علي طه، ومحمد أحمد أبو سن، والدرديري محمد عثمان، وعبدالماجد أحمد، وميرغني حمزة، وحسن عثمان إسحق، وعبدالفتاح المغربي، ومحمد أحمد محجوب، وإبراهيم بدري، وإبراهيم قاسم مخير، وعبدالله ميرغني. ونص أمر تشكيل اللجنة على أن ينضم إلى عضويتها عندما تناقش قواعد الإنتخابات يوسف إدريس هباني، ويوسف العجب، وبنجامين لوكي، واستانسلاوس بياساما. ويُلاحظ أن أمر تشكيل اللجنة لم يشر صراحة إلى القرار الذي أصدرته الجمعية التشريعية في 15 ديسمبر 1950 بشأن الحكم الذاتي. ولكن هذا لا يعني أن الحاكم العام قد تجاهل هذا القرار أو لم يعمل به. فقد نصت صلاحيات اللجنة بالإضافة إلى النظر في قراري الجمعية بتاريخ 6 نوفمبر و 9 ديسمبر 1950، على التقدم للحاكم العام بتوصيات حول الخطوات القادمة التي تُتخذ للتقدم الدستوري إلى الحكم الذاتي الكامل. عقدت لجنة تعديل الدستور أول اجتماع لها في 22 أبريل 1951 حيث استقر رأي الأغلبية على أن تنظر اللجنة في سمات الدستور قبل المسائل المتعلقة بالانتخابات.
وفي الاجتماع الثاني الذي عقد في 9 مايو 1951 قبلت اللجنة مسودة دستور تقدم بها بعض الأعضاء كأساس للنقاش. وبحلول 18 يونيو 1951 كانت اللجنة قد غطت كل سمات الدستور المقترح، وكان هناك اتفاق على معظمها. ولكن ثمة مسائل أثارت بعض الصعوبات ولذلك خولت اللجنة رئيسها استانلي بيكر أن يستشير بشأنها أحد الخبراء في الشؤون الدستورية أثناء قضاء عطلته الصيفية في إنجلترا. وقد وقع اختيار استانلي بيكر على فنسينت هارلو أستاذ تاريخ الامبراطورية البريطانية بجامعة اكسفورد الذي رفع إلى اللجنة مذكرة اشتملت على تعليقاته واقتراحاته حول المسائل التي أحيلت إليه وحول توصيات اللجنة الأولية بشكل عام. ولكن إلغاء الحكومة المصرية في أكتوبر 1951 لاتفاقيتي 1899 ومعاهدة سنة 1936 تسبب في اضطراب أعمال لجنة الدستور وأدى إلى حلها في 26 نوفمبر 1951.
فقد أخفق أعضاء اللجنة في تجاوز الخلاف الذي نشب بينهم حول مسألة أيلولة السيادة على السودان بعد إلغاء مصر للاتفاقيتين والمعاهدة. ورد في التقرير الذي أعده استانلي بيكر عن عمل لجنة الدستور حتى تاريخ حلها أن أعضاء اللجنة أولووا اهتماماً كبيراً لوضع الجنوب فيما يتعلق بتطور المؤسسات الديمقراطية في السودان. فقد أُشير إلى أن الجنوبيين يختلفون عن الشماليين في الدين واللغة والثقافة والتطور، ولم يبلغوا بعد المرحلة التي يتمكنون فيها من تمثيل أنفسهم في نمط حكم ديمقراطي. وقد عرّف عضو اللجنة إبراهيم بدري الجنوب تعريفاً موسعاً بحيث لا يقتصر على سكان المديريات الجنوبية الثلاث بل يشمل سكان جنوب الفونج ومديرية النيل الأزرق وبعض سكان دارفور وجبال النوبة بمديرية كردفان. وذكر إبراهيم بدري أن «كل أولئك الناس لا يدينون بالإسلام، ولا يتحدثون العربية، وبالكاد يستطيعون التفاهم مع بعضهم البعض. ولا توجد أي روابط تقليدية دينية أو لغوية أو ثقافية تربط بينهم وبين الشماليين. والرابطة الوحيدة هي الرابطة الجغرافية والتي ترجع جذورها إلى الفتح المصري عام 1820». وتسآءل إبراهيم بدري: «فأي ضمانات وضعنا من اجل استمرار الاستقرار وكفالة الحريات وحق تقرير المصير لأولئك الناس مع العلم بأن الرابط الوحيد بيننا وبينهم هو الفتح المصري للسودان؟» ورد في تقرير استانلي بيكر أن بوث ديو وأعضاء آخرين في اللجنة أشاروا إلى أن الجنوبيين لا يزالون يتشككون في نوايا الشماليين ولا يرغبون في أن يعهدوا إليهم بإدارة شؤونهم بدون ضمانات كافية للمصالح الجنوبية المشروعة. ولذلك ستكون مثل هذه الضمانات ضرورية إلى أن يحين الوقت الذي يكون فيه الجنوب في وضع يمكنه من ترقية مصالحه من خلال التمثيل الديمقراطي العادي سواء كان ذلك في نظام موحد أو نظام فيدرالي.
وقد اقترح هارلو في تقريره نظاماً للضمانات للجنوب يتمثل في إنشاء وزارة لشؤون الجنوب يعين لها وزير جنوبي يكون مسؤولاً في مجلس الوزراء وفي الجمعية عن ترقية وتقديم تدابير لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأهالي الجنوب. ولمساعدة الوزير في ذلك، اقترح هارلو تشكيل مجلس استشاري لشؤون الجنوب يختاره الوزير بالتشاور مع مديري المديريات الثلاث. وضُمّن اقتراح هارلو هذا في التوصيتين رقم 9 و 22 من توصيات لجنة تعديل الدستور ومن المهم ان نذكر هنا أن حزب الأمة اعترض لاحقاً على التوصيتين رقم 9 و 22 وطالب بإلغاء ما ورد فيهما بشأن الوزير الجنوبي لشؤون الجنوب، فقد قال في هذا الصدد: «من رأي الحزب أن يضم مجلس الوزراء وزيراً أو أكثر من المديريات الجنوبية. وليس من رأينا الأخذ بتوصية لجنة الدستور القائلة بتخصيص وزارة للجنوب يعين لها وزير جنوبي. فالسودان شماله وجنوبه قطر واحد يتساوى أبناؤه في الحقوق والواجبات والفرص، ولس من مصلحة البلاد أن يشمل الدستور نصوصاً تشتم منها رائحة التفرقة العنصرية والجغرافية بين أبناء الوطن الواحد».
وفي إطار ضمانات الجنوب أيضاً اقترح هارلو إعطاء الحاكم العام سلطة حجب الموافقة عن أي تشريع يرى أنه سيكون ضاراً بمصالح أو رفاهية أهالي الجنوب. وقد ضُمن هذا الاقتراح مع إدخال بعض التعديل عليه في التوصية رقم 22 من توصيات لجنة الدستور وأصبح المادة 100 من مشروع قانون الحكم الذاتي الذي أجازته الجمعية التشريعية ورفع إلى دولتي الحكم الثنائي في 8 مايو 1952. وسيرد لاحقاً أن بعض الأحزاب السياسية الشمالية قد قبلت بموجب الاتفاقيات التي وقعتها في القاهرة في أكتوبر ونوفمبر 1952 مع حكومة ثورة 23 يوليو حذف المادة 100 من مشروع قانون الحكم الذاتي مما أثار ردود فعل جنوبية غاضبة. وسيرد أيضاً أن مسألة ضمانات الجنوب كانت واحدة من المسائل التي تعثرت بسببها المفاوضات المصرية - البريطانية التي سبقت إبرام اتفاقية 12 فبراير 1953 بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
تسول الحضاري بين... بلاد العرب...العجم... "الصليبيين"!! إبراهيم الكرسني
ورد فى الأنباء أن السيد أحمد إبراهيم الطاهر، رئيس المجلس الوطني للدولة الرسالية، يقوم حاليا بزيارة لعدد من الدول الأوربية، وبالأخص الدول الإسكندنافية، بهدف جمع المال لدعم موازنة دولته المنهارة إقتصاديا، والمزدهرة أمنيا و إستخباراتيا. وقد سبقه الى ذلك رئيس البلاد حينما زار إيران وقطر والسعودية، ثم تبعه وزير المالية الى دولة الإمارات، وأخيرا النائب الأول لرئيس الجمهورية الى دولة الكويت لنفس الغرض. وقد صرح سيادته أثناء زيارته لدولة النرويج بأنه يأمل فى أن يلعب ’الأصدقاء‘ دورا مهما فى إخراجهم من الأزمة الإقتصادية الخانقة التى بدأت تمسك بتلابيبهم. إنه لأمر مدهش حقا أن قادة ’البدريين‘ بدأوا يتحدثون جهرا، وبصوت مرتفع، عن الأزمة الإقتصادية فى البلاد، بعد أن كان ذلك يعد من المحرمات، وفقا لإستراتيجيتهم الإعلامية التى تعمل دوما على حجب الحقائق و الأرقام، التى تعكس الواقع البائس و المر،عن أعين الرأي العام السوداني، وتصوره لهم دائما بالمقلوب حيث يصبح جحيم النار ليس سوي جنة رضوان! وهل هناك أمر من حقائق وأرقام الواقع الإقتصادي المنهار فى البلاد؟ لقد ظل قادة الدولة الرسالية، وحتى وقت قريب، ينفون نفيا قاطعا وجود أي أزمة إقتصادية فى البلاد، حتى أجبرتهم الحقائق و الأرقام الدامغة على عقد ندوة بعنوان، "الأزمة الإقتصادية السودانية:التداعيات و الحلول"، فى الأيام القليلة الماضية. نعم يتحدث قادة الدولة الرسالية عن أزمة إقتصادية بعد أن أداروا دفة إقتصاد البلاد لفترة تزيد على 22 عاما. لقد تسلم قادة ’البدريين‘ زمام الأمور فى البلاد خشية أن يصل سعر صرف الجنيه السوداني الى 20 جنيها مقابل الدولار الأمريكي، حيث كان يعادل 12 جنيها فقط فى بداية عهدهم الشؤوم، ثم أوصلوا سعر صرفه الى حوالي 4000 جنيه، أي بزيادة بلغت نسبتها (20,000%) من السعر الذى توقعوه! ليس هذا فحسب، بل لقد إنتهى بهم المطاف بأزمة إقتصادية، بعد أن بشروا الشعب السوداني، فى بداية عهدهم بأنه سيأكل مما يزرع، ويلبس مما يصنع...فتأمل!!
إن أزمة الإقتصاد السوداني التى أقر بها قادة الدولة الرسالية تقف كأقوى دليل على فشلهم فى إدارة شؤون البلاد الإقتصادية. وإذا ما أضفنا الى ذلك فشلهم الذريع فى إدارة شؤون البلاد السياسية، داخليا وخارجيا، فهل بربكم يوجد سبب واحد لبقاء وإستمرار هؤلاء الأبالسة على سدة الحكم؟ إن إنهيار البلاد سياسيا و إقتصاديا كان يحتم على قادة دولة الفساد و الإستبداد الرحيل طواعية عن كراسي الحكم، وتسليم مقاليد الأمور فى البلاد لمن هم أهل لها، وأقدر منهم على إدارتها، من الكفاءات السودانية، المنتشرة فى طول البلاد وعرضها، وكذلك المشردة فى أركان الدنيا الخمسة. أسباب الأزمة السياسية و الإقتصادية الخانقة التى تعيشها البلاد كثيرة و متعددة، لكنه يمكن تلخيصها فى سببين رئيسيين. الأول هو الفساد المالي و الإداري الذى ضرب بأطنابه جميع مرافق الدولة، دون إستثناء، و نتج عنه شلل تام فى جميع المرافق الإنتاجية و الخدمية. أما السبب الثاني فيتمثل فى سوء التخطيط الذى ميز نهجهم فى الحكم مقرونا بسوء التقدير لمختلف الأمور.
إن الفساد المالي و الإداري لا يحتاج منا الى دليل، حيث أن رائحته قد فاحت حتى أزكمت الأنوف، وأصبح حديث القاصي والداني فى الشارع السوداني، ناهيك عن إثارته فى الصحف السيارة، وشمل جميع قيادات الدولة الرسالية دون إستثناء. وقد كان آخر ما إطلعت عليه هو مقال الأستاذ الطاهر ساتي الذى تناول فيه بالأرقام فساد شركة مواصلات ولاية الخرطوم، مع ذكر إسم مديرها العام الذى يبدو أنه فاسد بالوراثة المهنية، حيث أنه قد جلب لإدارة هذه الشركة بعد أن سطى على أموال المستثمرين الأحياء، بحجة تقديم الخدمة للأموات، حينما كان مديرا لمنظمة حسن الخاتمة...فتأمل!! أما المثال الحي لسوء التخطيط فيتمثل فى الدمار الشامل الذي أحدثه قادة ’البدريين‘ لمشروع الجزيرة حينما رفعوا شعارهم ’الفارغ‘، "نأكل مما نزرع". لقد قرروا بموجب هذا الشعار الإستغناء عن زراعة القطن فى مشروع الجزيرة و إستبداله بزراعة القمح، ولم يكلفوا أنفسهم عناء إستشارة حتى خبراء وعلماء هيئة البحوث الزراعية، القابعين جوار المشروع، ليعطوهم الرأي العلمي السديد عن مدى جدوى هذه المغامرة غير المحسوبة. وإنتهى بهم المطاف بأن خسروا الإثنين معا، محصول القطن، بإنتاجه، و أسواقه، وعائداته، ومحصول القمح الذى بدأوا إستيراده من دول الإستكبار. إن هذه التجربة الفاشلة قد أوصلتنا الى حالة المجاعة التى أصبحت تهدد حياة الملايين فى مختلف أرجاء البلاد، والتى أسموها بالفجوة الغذائية، إمعانا فى ’إستهبالهم‘ و تضليلهم للرأي العام السوداني.
وإذا ما إضفنا سوء التقدير الى سوء التخطيط لإتضحت لنا صورة تخبط ’هؤلاء الناس‘ فى أبهى صورها. إن أفضل مثال يمكن أن نسوقه لسوء تقدير قادة الدولة الرسالية يتمثل فى تفتيتهم للبلاد وفصل جنوب السودان عن شماله. وحتى لو غضضنا الطرف عن كبر هذه الجريمة الوطنية التى إرتكبوها دون إستشارة شعبنا فى الشمال، وأهمية أخذ رأيه فى قضية تحدد مصيره هو أيضا، وليس مصير الإخوة فى الجنوب فقط، وركزنا على سوء تقديرهم لآثار الإنفصال على الموازنة السنوية للبلاد، لإتضح لنا مدى الهبل السياسي الذى تلبس قادة الدولة الرسالية.
لقد صرح رئيس البلاد لحظة إنفصال الجنوب بأن الدولة الوليدة فى الشمال سوف تتنفس الصعداء لأنها كانت، "بتجر فى ترلة" لأكثر من نصف قرن، على حد قوله. وأن ما كان يصرف على حرب الجنوب سوف يذهب الى إعمار الشمال مما سينتج عنه نهضة شاملة ستمكن مواطنيه من العيش فى ’بحبوحة‘ من رغد العيش يحسدهم عليها سكان دول الخليج الغنية بالنفط. ثم أعقبه وزير ماليته فى تصريح أكثر عجبا من ذلك الذى أدلى به رئيسه، قائلا بأن إنفصال الجنوب لن يؤثر على حجم إيرادات الموازنة العامة للدولة. لقد تعجبت أن يصدر مثل هذا التصريح من رجل إقتصادي متخصص، ناهيك عن أن يكون مسئولا فى الدولة، دع عنك أن يكون وزير ماليتها، لأنه يعلم تماما بأن عائدات النفط تشكل 70% من إيرادات الموازنة السنوية، وحوالي 90% من النقد الأجنبي للبلاد.
بمعني آخر يعلم هذا الرجل بأن موازنة دولته الرسالية سوف تواجه عجزا ماليا بنفس هذه النسبة المفقودة جراء فصل الجنوب، إذا لم يتم تدبير هذا المبلغ من مصادر أخرى. بربكم هل يمكن أن يصدر مثل هذا التصريح من رجل يعرف تماما مثل هذه الأرقام إلا أن يكون كاذبا، بل متحريا للكذب؟ لكن ما هي مصادر الدخل الأخري المتاحة أمام قادة الدولة الرسالية التى ستمكنهم من تغطية هذا العجز؟ يمكننا أن نقرر بأنه لا يوجد أمامهم سوي ثلاثة مصادر فقط، وهي: عوائد مؤسساتهم الإقتصادية المنتجة، أو زيادة الضرائب، أو الإقتراض من الخارج. فإذا ما إستبعدنا المصدر الأول نسبة لأن سياساتهم الإقتصادية الخاطئة و الرعناء غير المدروسة، بالإضافة الى الفساد المالي و الإداري، قد دمرت تلك المؤسسات وقادت الى إنهيار القاعدة الإنتاجية للإقتصاد السوداني بصورة لم يشهدها طيلة تاريخه الحديث، وبالتالي لم تعد المؤسسات الإقتصادية الوطنية تشكل مصدر دخل يعتد به، يصبح ليس من سبيل آخر أمامهم سوي فرض المزيد من الضرائب أو الإستدانة من الخارج.
وإذا ما أخذنا الضرائب بشقيها، المباشر وغير المباشر، فإننا سنري العجب العجاب. سنري أن قادة الدولة الرسالية قد فرضوا أنواعا من الضرائب على الشعب السوداني، لو رآها إبليس لمات مصدوما من الدهشة. إن الضرائب التى فرضوها قد مصت دم الشعب السوداني، بما فى ذلك دم الرأسمالية الوطنية الذين جأر رجالها بالشكوي من الجور الذى لحق بهم جراء فرض هذه الأنواع العجيبة من الضرائب، مما أثر سلبا على أداء مؤسساتهم، وعرضهم لخسائر باهظة لن يستطيعوا تحمل المزيد منها. وما شكوي السيد أسامة داؤود الى القائم بالأعمال الأمريكي وقتها، وفقا لما جاء به موقع ’ويكيليكس‘، إلا دليل ساطع على صحة ما نقول. إذن فإن ماعون الضرائب المباشرة يكاد يكون قد نضب تماما ولم يعد بالإمكان توسيعه بأي حال من الأحوال. أما فيما يخص الضرائب غير المباشرة فحدث ولا حرج. فقد فرض قادة الدولة الرسالية أنواعا من الضرائب على شعبنا لم ينزل الله بها من سلطان، ولتشمل خدمات هي من صميم عمل المحليات، كجمع النفايات. لقد فرض هؤلاء الأبالسة جباية جمع النفايات، على سبيل المثال لا الحصر، حينما كان لدي الغالبية العظمي من الشعب السوداني نفايات منزلية يتفضلون بها على الحيوانات السائبة فى الشوارع، ولكن ما هي فلسفة الإستمرار فى فرضها بعد أن جعلت الدولة الرسالية النفايات نفسها مصدرا رئيسيا لغذاء الفقراء من بنات و أبناء الشعب السوداني؟! فهل تبقي لهم، بعد كل الذى فرضوه من ضرائب وجبايات باهظة الثمن، نوع آخر يمكن أن يفرضوه؟ إنني لن أندهش إذا ما فرضوا نوعا جديدا من الضرائب لم تخطر على قلب بشر، لأنه يصدق عليهم وصف الشهيد محمود محمد طه بأنه كلما تظن بهم من سوء فستجدهم أسوأ من ذلك. لذلك حتى لو فرضوا مليون نوعا من الضرائب، فلن تعجز ’عبقريتهم‘ عن إيجاد النوع الواحد بعد المليون!! وحتى لو نجحوا فى فرض المزيد من الضرائب التى أنهكت كاهل شعبنا وهدت قواه، فإنها لن تكون كافية لسد العجز فى موازنتهم السنوية.
إذن لم يتبقى لهم من مصدر آخر سوي الإستدانة من الخارج. وهنالك مصدران فى هذا الشأن هما مؤسسات التمويل الدولية، أو الحكومات و الصناديق السيادية. لا أعتقد أن قادة الدولة الرسالية سوف يتمكنوا من جمع ما يكفيهم من الأموال من أي من هذه المصادر وذلك لسبب بسيط لأنهم لن ينجحوا فى ’إستهبالها‘، كما فعلوا ذلك مع الشعب السوداني طيلة سنوت حكمهم البائس. إن أصحاب الأموال فى مختلف أنحاء العالم لن يبعثروا أموالهم، أو يمنحوها دونما ضوابط، وإنما يفعلوا ذلك بعد تقييم من يود الإقتراض تقييما دقيقا من مصادر مستقلة، كالتقارير الدولية التى تصدر من مؤسسات محترمة، كمنظمة الشفافية العالمية، وتقارير التنافسية الدولية التى تصدر من عدة جهات، يأتي فى طليعتها المنتدي الإقتصادي العالمي، و المعهد الدولي للإدارة بسويسرا.
فلنأخذ مملكة النرويج كمثال لمنح الهبات و القروض. هل يعقل أن تمنح دولة إحتلت الترتيب العاشر عالميا من مجموع (178) وفقا لمؤشر الفساد الذى تصدره منظمة الشفافية العالمية لعام 2010م، وهي النرويج، دولارا واحدا لدولة إحتلت الترتيب (172) عالميا فى نفس المؤشر، ولنفس السنة، وهي السودان؟ هل يعقل أن تمنح النرويج قرضا، أو هبة، الى دولة لم يسبقها الى ذيل قائمة الفساد فى العالم سوى ست دول فقط وهي: تركمانستان، أوزبكستان، العراق، أفغانستان، بورما و الصومال؟! إنها لن تفعل ذلك لأنها مقتنعة تماما بأنها لو قدمت لهم أي دعم مالي ما فإنه سوف يذهب ببساطة الى جيوب من أوصلوا البلاد الى ذيل الدول الأكثر فسادا فى العالم. أما بالنسبة للأعاجم، وبالأخص إيران، فإنني لا أتوقع أن يجدوا منهم ذلك الدعم المالي الذى يتوقعونه، و إن وجدوه فإنه سيكون مشروطا بشروط باهظة، وسوف يذهب جله فى الصرف على أجهزة النظام القمعية، لتكون أكثر إستعدادا لمواجهة إنتفاضة شعبنا القادمة دون أدني شك.
و إذا ما تجاوزنا المعايير الدولية فى حالة القروض و المنح التى تقدمها الدول العربية، لإعتبارات علاقات الأخوة بينها، فهل ترك هؤلاء الأبالسة لأنفسهم علاقات طيبة مع تلك الدول تمكنهم من طلب الدعم المالي منها؟ هل نسى ’هؤلاء القوم‘ صياح الرائد يونس، ونبذه الصباحي الذي لم ينقطع طيلة سنواتهم الآولي، فى حق قادة دول الخليج العربية؟ وهل نسوا دعمهم للعراق فى إحتلالها لدولة الكويت فى العام 1990م، و التى دفع شعبنا، فى الداخل و الخارج، ثمنا باهظا لها؟ وهل يعقل أن يقوم السيد النائب الأول بزيارة الكويت بالذات طالبا الدعم والمساندة متناسيا سيادته غدرهم بها فى مطلع تسعينات القرن الماضي؟ أم إنها قوة العين، التي وصفناها بالصنعة فى مقال سابق، ولا يقدر عليها إلا صنف ’البدريين‘ من قادة الدول؟ إنها فعلا قوة عين يحسد عليها!! ولكنني أود أن أوجه حديثي فى نهاية هذا المقال الى السيد أحمد إبراهيم الطاهر، الذي كان رئيسا لهيئة محامي بنك فيصل الإسلامي فى قضية التشهير و إشانة السمعة التى رفعها ضدي هذا البنك فى ثمانينات القرن الماضي حينما إتهمته بأنه يعتبر أحد الأسباب الرئيسية فى خلق المجاعة التى ضربت البسطاء من أهلنا فى غرب السودان فى عام 1984م، جراء مضاربته فى الذرة. أقول لسيادته يأن الدول الإسكندنافية التى ذهبت للتسول بها تتصف أنظمة حكمها بقدر عال من الشفافية، أكاد أجزم بأنك لم تسمع بها، ناهيك عن تطبيقها فى بلادنا المنكوبة بحكمكم الفاسد، ودليلي على ذلك هو ليس تمنعك عن الإفصاح عن مخصصاتك المالية التى تتقاضاها شهريا من الخزينة العامة، بل تهديدك العلني لمن طالبك بذلك، وهو زميل سابق لك فى قيادة تنظيمكم البائس. كما أود أن أذكر سيادته بأنه يطلب الدعم المالي من دول أجبرت أحد وزرائها على تقديم إستقالته حينما إكتشفت أنه قد ملأ خزان وقود سيارته من المال العام، حينما فرغ، وهو متوجه لأداء مهمة رسمية، ونبهته بأنه كان يتوجب عليه أن يركب المواصلات العامة بدلا من ذلك لأداء المهمة الرسمية! نعم لقد أقيل هذا الوزير من منصبه لآنه ملآ خزان وقود عربته على حساب دافع الضرائب، ولم يملأ كرشه من مال السحت، أو يمتلك الملايين من العملات الصعبة فى خزائن منزله، كما فعل صديقك قطبي المهدي! بربك ماذا ستقول إذا ما سئلت عن هذه الحادثة بالتحديد فى المنابر الإعلامية لتلك الدول؟
إذن قل لي بربك من هم الصليبيون حقا، أنتم الذين تأكلون مال اليتامي والمساكين، وتكنزون الذهب و الفضة فى منازلكم، و الشعب يتضور من الجوع، أم قيادات الدول التى تزورها حاليا، والتى تتحري من مسئوليها عن كل فلس تم صرفه فى غير محله، أو كان صرفه مخالفا للقوانين و الإجراءات المالية؟ هذا إذا ما تركنا جانبا صراخكم الذي أصم آذاننا عن الدول الصليبية، وأن أمريكا وروسيا قد دنا عذابهما، لنفاجأ بأنكم تتسولون و’تشحدون‘، بلغتنا الدارجة، من نفس هذه الدول الصليبية،ودونما خجل، فى أخريات أيام عهدكم الزائل! ما أود تأكيده أخيرا لقيادات الدولة الرسالية هو أن أزمة إقتصادكم ليست أزمة مالية، بأي حال من الأحوال، ولن يخرجكم منها عشرات البلايين من الدولارات، حتى وإن توفرت لكم بواسطة جولات تسولكم الحضاري الراهن من بلاد العرب والعجم و"الصليبيين"، لأنها ستذهب هباءا منثورا، كما ذهب غيرها من بلايين الدولارات التى وفرتها لكم صادرات البترول، حينما كان تحت سيطرتكم، وقمتم بنهبها، كما فعلتم بموارد وخيرات بلادنا الأخري، بفسادكم الممنهج. وذلك لأن أزمة إقتصاد دولتكم الرسالية هي أزمة هيكلية يستحيل تجاوزها فى ظل الأنظمة و القوانين و المؤسسات التى تحكمون بها البلاد فى الوقت الراهن.
لذلك فإننا نقولها لكم، وبالصوت العالي، بأنه لا مخرج لكم من الأزمة الإقتصادية الراهنة، إلا حينما تحل الأزمة السياسية الأكثر عمقا وقتامة من شقيقتها الإقتصادية. وإن معالجة الأزمة السياسية لن تتم بواسطة المساحيق و’التلتيق‘ من قبيل أكذوبة الحكومة ذات القاعدة العريضة، التى تخادعون بها بعض قادة المعارضة فى الوقت الراهن. وأجزم لك بأنكم حتى لو نجحتم فى جر السادة المرغني و المهدي الى المشاركة فى الحكم، فربما سوف تنجحون فى معالجة أعراض المرض و تخفيف آلامه لبعض الوقت، لكن قطعا لن تتمكنوا من الخروج من أزمتكم الراهنة. لكن العلاج الشافي لأزمة حكمكم يتمثل فى إجراء عملية جراحية لإستئصال الورم السرطاني الذى أصبتم به جسد إقتصاد، ومجتمع السودان، ومؤسسات دولته على جميع المستويات. بمعني آخر فليس من مخرج أمامكم للخروج من الأزمة الراهنة سوي طريق واحد: إما تفكيك دولة الفساد و الإستبداد الراهنة، و إحلال الدولة المدنية الديمقراطية مكانها لتحكم البلاد، وإما تفكيك ما تبقي من السودان، حتى وإن تسولتم الدعم المالي من "الصليبيين"!!
26/10/2011م ابراهيم الكرسني [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
ليرحمنا الله .. ولا عزاء لـ «إسلاميي» السودان
خالد التجانى
الانتصار الانتخابي المهم الذي حققته حركة النهضة التونسية ذات الجذور الإسلامية في أولى أعراس ديمقراطيات الربيع العربي يسجل نقطة تحول لافتة في المشهد السياسي العربي، كما يشكل سابقة ذات مدلولات عميقة في مسيرة ومستقبل «الإسلام السياسي» في المنطقة، لم يأت هذا الفوز اعتباطاً أو صدفة في واحد من أكثر المجتمعات العربية استنارة، ولكنه يكشف عن نجاح «الحركة الإسلامية التونسية» في تبني خطاب سياسي معاصر تجاوز بامتياز «الحالة الشعاراتية» التجريدية المغرقة في الماضوية لخطاب «الحركات الإسلامية» التقليدي المنبت عن التطور ال?جتماعي الحداثي الذي نشهده في اللحظة الكونية الراهنة. ما كان لـ»حركة النهضة» أن تحقق هذا النصر الديمقراطي الكاسح، الذي فاجأها في حجمه مثلما لم يتوقعه منافسوها السياسيون في الساحة التونسية، وفاجأ كذلك المراقبين، لولا أن خطابها المنفتح والمتصالح مع الواقع الاجتماعي في بلد عرف حركة تحديث جريئة منذ وقت طويل تماست مع ما لا يزال معتبرا مسلمات لا يمكن الاقتراب منها في الكثير من المجتمعات العربية الأخرى، وجدت تجاوباً وعقولاً مفتوحة من الناخبين التونسيين على الرغم من حملة التشكيك القوية التي تعرضت لها أطروحات حركة النهضة وتعهداتها من قبل خصومها الذين حذروا من أنها تتب?ى خطاباً منفتحاً لأغراض انتخابية ولا تمثل تحولاً حقيقياً في خياراتها الفكرية وممارساتها السياسية.
ولذلك سارع المتحدثون باسم حركة النهضة» ما أن تبين تقدمها في السباق الانتخابي إلى إرسال رسائل لطمأنة الداخل والخارج إلى تأكيد تعهداتها في برنامجها المعلن، فقد أكد عضو المكتب التنفيذي للنهضة نور الدين البحيري التزام حزبه بـ»احترام حقوق المرأة وتعهدات الدولة التونسية كافة»، وقال «نحن مع إعادة بناء مؤسسات دستورية قائمة على احترام القانون واحترام استقلالية القضاء، ومجلة الأحوال الشخصية واحترام حقوق المرأة بل وتدعيمها على قاعدة المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن المعتقد والجنس والجهة التي ينتمون إليها». وأضاف?«نحن ملتزمون باحترام كل تعهدات الدولة التونسية والأمن والسلم العالميين والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط». أما القيادي الآخر في النهضة عبد الحميد الجلاصي فقال في مؤتمر صحفي «يجب أن تطمئن رؤوس الأموال والأسواق والشركاء الأجانب على التعهدات التي أبرمتها الدولة التونسية والتزاماتها» مؤكدا «أن مناخات الاستثمار ستكون أفضل في المستقبل في تونس».
وعلى المستوى الداخلي حرص البحيري مجددا على تأكيد انفتاح النهضة على باقي القوى السياسية التونسية، مضيفا «مهما كانت نسبة مقاعد النهضة لن ننفرد بالحكم ولن نسمح لأحد أن ينفرد بالحكم ونحن نمد أيادينا لكل أحرار تونس من أجل تونس بلا ظلم ولا استبداد ونحن في حوار مع جميع الأطراف السياسية إلا من رفض ذلك». في وقت تتجه «النهضة» إلى إبرام تحالف حكومي مع حزبين علمانيين. صحيح أنه من المبكر الحكم على نهج «النهضة» وهي في دست الحكم بعد سنوات طويلة من المعارضة المقموعة، وهل ستلتزم فعلاً في الواقع العملي بخطابها السياسي المتصالح مع الواقع الاجتماعي والسياسي التونسي، أم تتنكب الطريق وترتد على أدبارها تحت بريق السلطة نحو ما يحدث للحركات السياسية الهشة التي تسقط عند أول اختبار حقيقي لشعاراتها المرفوعة. ربما يشفع لـ»النهضة» ويشكل لها عامل وقاية من الوقوع في براثن النكوص أنها تصل للحكم وفق معطيات اللعبة الديمقراطية، وستكون حظوظها المستقبلية رهينة بالتزامها بقواعد الممارسة الديمقراطية السليمة وعدم الإنقلاب عليها، فضلاً عن قدرتها على الحفاظ على قبول الناخبين لها في الدورة الانتخابية المقبلة التي ستأتي في غضون عام واحد، إذ أن المجلس التأسيسي الذي جرى انتخابه مكلف بمهمة مؤقتة لتأسيس النظام السياسي الجديد وكتابة الدستور للعهد الديمقراطي بعد الثورة التي أطاحت بنظام بن علي.
ويعزز كذلك من فرص التزام «النهضة» بخطابها الإسلامي وممارستها المتصالحة مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التونسي، وكذلك المتفهم لحسابات المصالح التونسية الإقليمية والدولية، أنها تتمتع بقيادة واعية ذات عمق استراتيجي وإدراك للتحديات الحقيقية التي تواجه بلادها تجاوزت به الخطاب السطحي والممارسات السياسية الفطيرة والتلاعب بالشعارات لبعض الحركات الإسلامية في المنطقة، السودان نموذجاً، فزعيم الحركة الاستاذ راشد الغنوشي يعد بامتياز صاحب رؤية عميقة في الفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي تدرك أن مستقبل الإسلام ا?حقيقي يكمن في تقديم نموذج حداثي وديمقراطي، ويدرك أن الإصلاح لا يتحقق إلا بترتيب سليم لأولويات وأسئلة التغيير الكبرى التي لا يمكن تقديم أجوبة حقيقية لها إلا في ظل سيادة قيمة الحرية، وليس الغرق في تفاصيل جانبية انصرافية تشغل عن المهمة الكبرى، فالمجتمع لا يمكن تغييره بغارات وهمية على «العصاة» ودعاوى إقامة مدينة فاضلة أول من يعجز عن الإلتزام بقيمها للمفارقة «دعاتها» المفترضون. ويعتبر الغنوشي أن النموذج التركي هو الأقرب للنموذج الذي تسعى «حركة النهضة» لانتهاجه بما يتواءم مع خصوصية التحديات التي يجابهها المجتمع التونسي، ولا غرو في ذلك إذ أن أفكار الغنوشي وكتاباته كان من ضمن ما استعان بها حزب العدالة والتنمية التركي في تأسيس أدبياته النظرية.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا أين «الحركة الإسلامية السودانية» من هذه التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وما موقعها من الإعراب في ظل صعود نجم الأطروحات الإسلامية الجديدة المتماهية مع قيم الحرية والديمقراطية والإصلاح التي اجتاحت العالم العربي والتي اتخذت فيها مواقع متقدمة مع ثورات الربيع العربي المتتالية، وتتزايد فرصها وحظوظها مع التحولات الديمقراطية الجارية؟. المفارقة هي أنه في الوقت التي تتعزز مكانة حركات «الإسلام السياسي» في المنطقة وباتت مرشحة لأن تحظى بقبول شعبي مقدر، ومحل اعتراف بدورها في عواصم القرار الدولي، فإن «الحركة الإسلامية السودانية» تعيش في أسوأ أوقاتها على الإطلاق وقد اضمحلت إن لم تكن قد فقدت فرصتها في الحياة بعد أن فقدت مصداقيتها لأبعد مدى، وبعد تجربة مريرة في الحكم المنفرد للسودان لأكثر من عقدين أصبحت مرشحة لأن تكون ضمن الأنظمة العربية التي تنتظر وقد بدلت تبديلاً أن تهب عليها رياح التغيير ضمن ثورات الربيع العربي، بدلاً من أن تكون في ركاب السائر?ن في طريق الحرية والديمقراطية والإصلاح.
بالطبع من الهذر بمكان ما يزعمه بعض قادة الحزب الحاكم في السودان من باب تعزية النفس وتبرير الواقع المرير والتجربة البائسة أن الربيع العربي مر من هنا بل وتأسس ب»انقلاب الإسلاميين العسكري» في العام 1989، والخشية أن يصدق مطلقو هذا الزعم ما يدعونه، إذن لتعين علينا أن ندرك أن موجة ثورات الربيع العربي ستمر بالسودان بأسرع ما نتوقع. وهل نجحت الثورات في تونس ومصر وليبيا، وعلى وشك نجاحها في اليمن وسوريا، إلا حصاد حالة الأوهام التي تتلبس القادة المطاح بهم لأنهم اعتقدوا أنه لا بديل لهم، ولا يوجد من يهدد سلطانهم، بل أن?شعوبهم تحبهم ولا تقوى على فراق زعامتهم؟!
في الواقع فإن «الحركة الإسلامية السودانية» انتحرت، أو بالأصح نحرها قادتها، عندما عجزت عن الصبر على الرهان النظام الديمقراطي التي كانت أحد سداته في عهد الديمقراطية الثالثة، وبادرت إلى التورط في مغامرة إنقلابية تحت مبررات بدت مسوغة حينها من قبيل ان البلاد مهددة في وحدتها بفعل اشتداد ساعد التمرد الجنوبي، وقيل لاحقاً أن الغرب لا يرضى بنظام ذي توجه إسلامي يأتي عبر الصندوق الانتخابي ولذا لم يكن للانقلاب من بد، وقيل الكثير غير ذلك، ولكن سرعان ما تبين أن كل تلك المبررات واهية وأسفر الواقع المعاش بعد أكثر من عشرين ?اماً عن نتائج معاكسة ومغالطة بالكامل لكل المبررات التي سيقت للسيطرة على السلطة بالقوة، وأن السبب الحقيقي وراء الانقلاب أن لعاب قادة الحركة سال للاستفراد بالحكم مستعجلين الحصول السهل على سلطة باتت ملقية في قارعة الطريق، وما ضعفت إلا لأن من أؤتمنوا عليها بدلاً من الدفاع عنها وتقويتها وتعزيزها ائتمروا على إضعافها وعدم الصبر عليها ليجعلوا من عجزها المصطنع مسوغاً للانقضاض عليها.
حسناً قد يعتبر البعض أن هذا النقد نوع من الاصطياد لبطة عرجاء، ولكن لنقارن خيارات قادة «الحركة الإسلامية السودانية»، وما فعله نظرائهم في الحركات الإسلامية الآخرى، فحين اقدموا على الإنقلاب العسكري لم يكن أيديهم في ماء ساخن، ولم يكونوا بلا بدائل، بل كانوا طرفاً مهماً في اللعبة السياسية، ولم يكن ثمة خلاف أن حظوظ الحركة تتزايد شعبياً، ومع ذلك لم يؤثروا الصبر على اللعبة الديمقراطية وتعزيزها، بل آثروا العكس استعجالاً للوصول إلى دست الحكم، في حين صبر نظرائهم على أوضاع قمعية في بلدانهم وكانوا معارضة مطاردة ومضيق عل?ها. ففي تركيا مثلاً عايشت «الحركة الإسلامية» مضايقات لا حصر من العسكريين والقوى العلمانية ولكنها ظلت على رهانها على الديمقراطية حتى جاءها الفتح مع حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، ومثل ذلك حدث «للنهضة» في تونس، ولـ»الإخوان في مصر». يكمن الفرق في قدرات القيادة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية المفصلية، وهي خيارات يجب أن تستند على معطيات موضوعية ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون على حساب مبادئ وقيم أساسية لا تقبل التلاعب بها، ولا تقبل القسمة على اثنين. فلا يمكن أن تكون مؤمناً بالحرية كمبدأ، ثم لا تجد غضاضة في كبتها لصالح حساباتك الضيقة، ثم تأتي في وقت آخر لتزعمك أن مؤمن ومتمسك بها. وما هي قيمة القيادة إن لم تحسن التقدير الصحيح للقرارات الاستراتيجية.
لقد اختارت قيادة «الحركة الإسلامية السودانية» حين تعين عليها الاختيار الرهان الخطأ، وثمة أخطاء لا يمكن إصلاحها، فالوصول إلى السلطة عبر فوهة البنادق لا يعني سوى شيء واحد أنك رهنت مصيرك بالكامل لمنطقها، ولن يكون بوسعك الاستمرار في السيطرة عليها إلا عبر البندقية، ولا يمكن لنظام جاء بإنقلاب عسكري إلا أن يكون ديكتاتورياً متسلطاً مهما حاول التمسح بشكليات ديمقراطية مزيفة، أو حاول التبرير بأنه اضطر لاستخدامها مرغماً في لحظة معينة، وأن تلك مرحلة لم يكن بد منها في إتجاه إعادة الأمور إلى نصابها الديمقراطي، وهو أمر ثب? أنه لم يحدث حتى بعد مرور أكثر من عشرين عاماً.
لن يصدق خصوم ومنتقدو «الحركة الإسلامية السودانية»، أن الأغلبية الغالبة من منسوبيها ومؤيدوها هم أشقى الناس وأكثرهم حسرة على «المغامرة الإنقلابية» التي حملتها إلى السلطة منتصف العام 1989، والذي كرس لمأزق «الإسلاميين» متجلياً في محنة القاعدة ومحن القيادة. لأن المشروع الذي طالما حلموا به ومثل كل اشواقهم كانوا أول ضحاياه، لقد وجدت الأغلبية «الصامتة» نفسها خارج المشهد والتأثير، حين احتكرت القيادة وفئة من بطانتها كل إرث ومجاهدات وتراث وأشواق الحركة، حين حلت التنظيم وورثته لطبقة حاكمة صنعتها السلطة الجديدة استأثر? بكل شيء مستخدمة كل من استطاعت استغفاله لتعزيز وتكريس سلطتها الجديدة. وأصبح غمار الإسلاميين البسطاء يتلقون اللوم من مواطنيهم على كل أخطاء وخطايا القادة الغارقين في احتكار السلطة لأنفسهم والتمتع بامتيازاتها ومكاسبها دون حسيب أو رقيب. وللحديث بقية إن شاء الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
السودان أهم دولة نفطية أفريقية الكاتب: عبد المحمود نور الدائم الكرنكي الإثنين, 24 تشرين1/أكتوير 2011 12:03
نشرت صحيفة (الفايننشيال تايمز) اللندنيَّة في يونيو 2002م، أن أمريكا بصدد تأمين إمدادات النفط من بحر قزوين إلى جنوب السودان. ونقلت الصحيفة أن أمريكا لتأمين تلك الإمدادات، بصدد تطبيق استراتيجية لحلّ الإشكالات السياسية من بحر (قزوين) إلى جنوب السودان، أي من (طالبان) إلى (صدام حسين) إلى (جون قرنق). تجدر الإشارة إلى أن واشنطن هي التي صنعت (طالبان) عسكرياً وسياسياً، لتصل إلى الحكم. ثم أطاحت بها لاحقاً. كما صنعت واشنطن (جون قرنق) عسكرياً وسياسياً كـ (حركة تحرير السودان). ثم غادر(قرنق) المشهد فجأة في يوليو 2005م.وأشارت الصحيفة البريطانية ثقيلة الوزن، أن أمريكا تتوقع أن تتضاعف إحتياجاتها النفطية بحلول عام 2015م.
وقد ثبتت صحة المعلومات التي أوردتها (الفايننشيال تايمز) نقلاً عن تقارير أمريكية مختصة، عن الإستراتيجية الأمريكية لتأمين احتياجات واشنطن المتضاعفة من النفط. حيث تمّ احتلال العراق ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط، ويمتلك أكبر الإحتياطات النفطية في العالم (أكثر من السعودية)، كما تمَّ احتلال أفغانستان (شريان الحياة) و(المعبر الحيويّ) لنفط بحر (قزوين). كما رمت أمريكا بثقلها في تحقيق حلّ سياسي للحرب الأهلية في جنوب السودان، لتمهِّد الأجواء لفتح فصل جديد في علاقاتها بالسودان.يشار في هذا الصدد إلى مشاركة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالحضور في مفاوضات (مشاكوس) التي وضعت أسس اتفاقية نيفاشا.في هذا السياق تأتي إفادة السيد (جيم باكي) رئيس شركة (تاليسمان) الكندية للنفط (بريطاني الجنسية) بإن السودان سيصبح بحلول عام 2013م أهم دولة نفطية في أفريقيا. لكن اقترب اليوم عام 2013م، ولم تزل المسافة بعيدة جداً بين السودان وبين أن يحتل مرتبة الدولة الأفريقية الأولى في إنتاج النفط. بل تواضعت اليوم كثيراً أحلام السودان النفطية. النفط في نظر الخبراء سلعة سياسية بنسبة (80%) .
ذلك يعني أن عدم اقتراب السودان، رغم تأهيله الطبيعي، من أن يتبوأ المرتبة الأولى لإنتاج النفط في أفريقيا، يرجع بصورة رئيسية إلى عوامل سياسية، يجب معالجتها جذريَّاً، لإنجاز تلك المرتبة الإستراتيجية. في هذا الإطار تأتي علاقات السودان بالصيّن. حيث يمثل السودان الشريك التجاري الثالث للصين في أفريقيا، بعد جنوب أفريقيا ونيجيريا. كانت إدارة الرئيس كلنتون تنظر إلى الصين باعتبارها (شريك تجاري استراتيجي). بينما نظرت إليها إدارة الرئيس بوش باعتبارها (غريم استراتيجي). في عهد الرئيس أوباما تنظر واشنطن إلى (الصين في السودان) بصورة مماثلة لإدارة الرئيس بوش. هل تقوم الخرطوم بمراجعات جديدة لإستراتيجية وسياسة ومواقف العلاقات السودانية - الصيّنية. من زاوية الصين، ونظراً لضخامة تبادلها التجاري مع أمريكا، والذي يبلغ مئات المليارات من الدولارات، لن تدخل (بكين) في جدل مع (واشنطن) بشأن السودان الذي لا يزيد تبادلها التجاري معه عن (5) مليارات دولار.
لن تسمح الصين بأن يصبح السودان بؤرة توتر في العلاقات الصينية - الأمريكية. وقد رفضت الصين عام 2003م إستخدام الڤيتو في مجلس الأمن عند طرح إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما رفضت الصين عام 1991م إستخدام حق الڤيتو في مجلس الأمن، لتمنح أمريكا الضوء الأخضر لضرب العراق في (عاصفة الصحراء). ذلك مقابل سكوت أمريكا عن ملاحقتها في أحداث ميدان (تيان آن مين). بعد أن نجحت أمريكا في إنجاز حل سياسي لمشكلة جنوب السودان وفصل السودان إلى دولتين، كجزء من إستراتيجيتها لتأمين إمدادات النفط، هل سيتبع ذلك محاولة لدفع الصين خارج السودان أو زحزحتها، أم ستكتفي واشنطن بإبقاء الصين في نطاق الحجم الحالي في تعاملها مع السودان، ووقف نموّها في السودان، فلا تغادر مربع واحد؟. نظرة أمريكا إلى السودان باعتباره جزء من المنظومة النفطية تعني أهمية استراتيجية جديدة للسودان. حيث أصبح النفط أهمّ سلعة في العالم منذ منتصف الأربعينات. في منتصف الأربعينات استلمت أمريكا مقاليد القيادة الدولية. كما شهدت منتصف الأربعينات انتقال (عاصمة العالم الماليَّة) من لندن إلى نيويورك. نظرة أمريكا إلى السودان باعتباره جزء من المنظومة النفطية تعني حقيقة أهمّ، تفيد بأن سياسة واشنطن - لندن هي ربط صناعة النفط السوداني بالشركات الأمريكية والبريطانية. وذلك يستدعي بالضرورة التحكم في مفاصل واتجاه السياسة الوطنية السودانية.
في إطار تلك المعطيات، يُنتظر من السودان تقديم سياسة جديدة أساسها الوحيد (مصلحة السودان)، وطرح تجربة جديدة دقيقة التوازن، كدولة نامية، تمزج قرارها السيادي السياسي الوطني بإنجاز تنمية إقتصادية كبرى. تنمية كبرى مفتاحها تحوّل السودان إلى أهمّ دولة نفطية أفريقيَّة. وذلك لا يتحقق إلا بإنقلاب على الثوابت والبديهيات التقليدية في السياسة الخارجية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
الازمة الاصلية والاخري التابعه ..
بقلم: د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم الجمعة, 28 تشرين1/أكتوير 2011 07:57 Share اعتراف العديد من المسئولين الحكوميين علي مختلف المستويات بان واحد من اهم اسباب الازمة الاقتصادية في السودان ناتج عن تاثير الازمة الاقتصادية التي تعاني منها الدول الراسمالية، يعني وبشكل ناصع البياض ان الاقتصاد السوداني تابع للاقتصاد الرأسمالي خاصة من ناحية تأثره بالجوانب السلبية التي يعاني منها الاخير دون ان تمتد الاثار والمعالجات الايجابية في الدول الراسمالية لتؤثر باي قدر ايجابي علي الاقتصاد السوداني. حتي غلاة المؤيدين للتوجه الرسمي السوداني والمبررين لاخطائه واخفاقاته غالبا ما يقعون في فخ التناقض مثل قولهم بانه عندما ترتفع الاسعار عالميا ترتفع في السودان وعندما تنخفض عالميا لا تنخفض في الداخل بل تستمر في الارتفاع، وكذلك الحال بالنسبة للاسعار التبادلية للجنيه مقابل النقد الاجنبي. انها اذن ازمة التبعية الاقتصادية للنظام الرأسمالي القائم علي ايدولوجية محكمة تؤسس لسيطرة راس المال وسيادته وعلو كلمته فوق القيم الاجتماعية والاخلاقية والانسانية مجتمعة، الامر الذي يولد شهوة للربح لا كابح لها.
يعاني المجتمع الرأسمالي الغربي من اختلال التوازن بين المجتمع والنظام السياسي والاقتصاد.في الوضع السائد الان في الدول الراسمالية نجد ان السوق وسيادة القيم النقدية لا تؤدي الي التماسك الاجتماعي بل العكس هو الصحيح، فان علو شهوة الربح علي القيم الاجتماعية لا يوفر اي مساحة للحديث عن العدالة والاخلاق. ادي طغيان السوق وسيادة الرأسمالية المالية وانفلاتها خارج سيطرة الدولة ، الي عدم المبالاة تجاه القيم الاجتماعية والاخلاقية ومباديء حقوق الانسان، ومن الامثلة الصارخة علي ذلك، تطورات الحالة الليبية بجميع مراحلها وصولا الي احتفاء زعماء العالم الغربي بالطريقة الوحشية التي صفي بها معمر القذافي والتمثيل بجثته، اذ غلبت مظاهر البهجة والتشفي خطابات الزعماء الغربين في امريكا، اوربا وصولا الي روسيا بل حتي امين عام الامم المتحدة شارك في الحفل الضاحك بمناسبة تفجير راس القذافي ووضعه في مخزن للفرجة والصور التذكارية وتصفية نجله المعتصم ووزير دفاعه بجثته المحترقة والقذف بهم الي الصحراء. هذا عار جديد علي الرأسمالية العالمية عليها تحمل وزره واضافته الي انجازاتها مع توابعها الاقليمية. يدل كل ذلك علي تكامل الازمة الاقتصادية للنظام الراسمالي، والتي فجرت موجة من الاحتجاجات الشعبية، مع ازمة سياسية واخري في القيم الاجتماعية والانسانية التي لا تحتمل التمييز بين الجيد والخبيث، المحبوب والمكروه، اذ ان حتي المجرمين يتمتعون بحق الدفاع عن النفس وحرمة الموت. يعطي ذلك صورة واضحة لايدولوجية الراسمالية المالية المتعولمة المتجردة عن القيم انسانية. هل هذا النهج يمثل خيارا يحتذي لكي يتم السير فيه لتطور الاوضاع في السودان في طريق اقتصاديات السوق والتحرير الاقتصادي والتعامل مع الخصم او العدو؟
حتي اليوم وفي اطار النهج السائد لا يوجد خيار بديل في الواقع السوداني يخالف النمط الرأسمالي الغربي، بل ان كل الخلاف يكمن في التسمية والتوصيف والمصطلح، اما الجوهر فهو واحد، نظام اقتصادي تابع للنظام الراسمالي بتداعيات التبعية علي الجوانب السياسية بالوقوع في فخ الاستراتيجيات الغربية وخدمة مصالحها. هذا الامر مرتبط من وجهة نظر اقتصادية بخلق مناخ ملائم لتوجه رأس المال النقدي الي افضل ما يعود عليه بالربح والمكاسب وليس مهما هنا اذا كان الربح مستمد من نظام يتبع سعر الفائدة او يعمل بصيغ بديلة، اذ ان الهدف واحد وان تعددت الطرق اليه وهو الربح ومراكمته وتعظيمه واكتناز الاموال لمزيد من الربح والاستغلال.
بالرغم من ان مثل هذا النهج يؤدي في ظاهره الي زيادة الانتاج وتشجيع الابتكار والحرية الاقتصادية، الا انه وفي جوهره يؤدي الي تعميق الخلل الاجتماعي بتعميق التفاوت في مستويات الدخول والثروة بشكل يتجاوز متطلبات التوازن الاجتماعي بشكل خطير، حتي في بلد مثل امريكا تشير الاحصائيات الاخيرة الي ان النسبة المستحوذة علي الثروة والتي تقدر ب 1 الي 3% قد ضاعفت من ثرواتها بالرغم من الازمة الاقتصادية الطاحنة بينما تغوص اعدادا كبيرة من السكان يوميا الي ظلمات الفقر والعوز. يبقي في نهاية فرق جوهري بين الاصل والمشتق، فالاصل يعتمد علي قيمه هو وخياراته اما الاخر فهو تابع في القيم والخيار. بينما توجد اليات لتغيير الواقع عند الاصل بالنظام الذي اتبعه والذي يتيح حرية التحرك والضغط الايجابي فان نظام التبعية لا يوفر مثل تلك الخيارات. هذا السياق قد يؤدي الي اصلاح مؤقت للنظام الراسمالي يمكنه من تجاوز ازمته الحالية والتضامن للخروج منها الي ان يقع في ازمة اعمق. الا ان وضع التبعية لا يوفر خيارات للحل وانما ينتظر ما ستؤل اليه الاوضاع عند الاصل ليحاول الركوض للوصل اليها، وهكذا تستمر الكرة في الدوران.
سيستمر نهج التطرف في الصراع من اجل رأس المال والايمان المطلق بآلية السوق والتعويل علي آليات التنظيم الجديدة التي يجري البحث عنها كاصلاح النظم المصرفية، تغيير نمط الرقابة وآليات عمل اسواق رأس المال العالمية واحتواء ازمة الديون، الا ان هذا المسار سيؤدي الي مزيد من تمركز الثروة والسلطة وتعميق افقار قطاعات اوسع من سكان العالم. يبقي الامل معقود علي حركة التغيير التي اصبحت تنتظم العالم من اجل وضع اسس جديدة للديمقراطية والحرية وقيم حقيقية للعدالة. هذا الطريق يمر عبر السيطرة علي هيمنة الشركات متعددة الجنسية التي تشكل رأس الرمح للراسمالية المالية المتعولمة وايجاد نظام لاعادة توزيع الثروة في المجتمعات، كما ان حركات الهامش (العالمي والمحلي) ستؤدي الي تحويل اليأس الي امل في مستقبل افضل. مع سيادة القيم النقدية والسيطرة المفرطة لنظام السوق تتراجع القيم الديمقراطية والاجتماعية وتصبح النظم الحاكمة لامبالية بالمصلحة العامة بسبب ضعف الاغلبية وعجزها عن الفعل الايجابي وتصبح بذلك العملية السياسية اقل فاعلية وستكون هذه الازمة (الاجتماعية السياسية والاقتصادية) اشد عمقا في الدول التابعة، الا ان وعي المجتمعات في العالم وتحول المعرفة الي قوة ضاربة وتوفر الوسائط الحديثة في العمل العام قد ادت بالفعل الي نقلة نوعية في تغيير الواقع المأزوم الي اخر افضل. اصبحت الان الكلمة العليا لدي قوة لا يمكن السيطرة عليها وهي قوة غير ملموسة وغير محددة الملامح او العنوان وبالتالي غير قابلة للرصد والتتبع وهنا يكمن الامل ومن هنا تاتي الخطورة. مع كل ذلك يبقي الفرق بين الازمة الاصلية والتابعة كما هو الفرق بين المجتمعات المتطورة والمتخلفة. يبقي الفرق في طبيعة الازمة واسبابها، في جوهرها واثارها وتداعيتها، في آليات الخروج منها والثمن والواجب السداد لتجاوزها.
hassan bashier [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
موجز ندوة الاستاذ فيصل محمد صالح في بريتوريا الجمعة, 28 تشرين1/أكتوير 2011 08:14 Share منبر السودان الديمقراطي بالجنوب الإفريقي (بريتوريا) اغتنم منبر السودان الديمقراطي بالجنوب الإفريقي سانحة تواجد الصحفي الإعلامي المُتميز بصحيفة الأخبار ومركز طيبة للتدريب الإعلامي، الأستاذ/ فيصل محمد صالح ، بجنوب إفريقيا في مُهمة تدريبية إعلامية بالبرلمان الإفريقي، واستضافه في ندوة بعنوان: "السودان إلى أين- محاولة لقراءة الراهن وإستقراء المُستقبل!؟" التاريخ: الأحد؛ 16 أكتوبر 2011 (الساعة: 14:30-17:30) المكان: ميدان الركبي (خرونكلوف/ بريتوريا)
- إستهل الأستاذ/ فيصل، ندوته بالقول أنه لا يملك إجابة للشق الأول من السؤال "السودان إلى أين" إذ أنه وبالنظر للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالسودان اليوم، فالسودان ينزلق نحو المجهول ويصعب على المرء إدراك كافة المُعطيات غير المنتظمة لبلورة رؤية مستقبلية. ودلل على ذلك بعدم فاعلية أجهزة الدولة السياسية والأمنية والإدارية التي لا تساوي شيئاً امام قرارات الرئيس عمر البشير، الذي أصبح قُطب ومركز الثقل الأوحد في عملية اتخاذ القرار. - أشار إلى ضرورة علاج الإشكالات المتمثلة في:
a. إغفال مبدأ المُساءلة والمُحاسبة في أداء الأجهزة الحكومية (السلطة التنفيذية)، والتضييق المكرر على أجهزة الإعلام للقيام بعملها في تسليط الضوء على القضايا الحرجة وزيادة الشفافية. b. الأزمة الاقتصادية الخانقة والمجاعة المتوقعة في عدد من مناطق السودان، نتيجة لشُح الأمطار (الولايات الشرقية) والنزاعات المُسلحة في مركز ثقل الزراعة الآلية المطرية (جنوب كُردفان والنيل الأزرق). c. عجز السُلطة التشريعية (البرلمان) عن البت في هذه القضايا (مثل قضية التقاوي وقضية الخطوط السودانية). - كما أفاض في الحديث عن مُشكلة النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتعدد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية وتأثيرها على مجرى الأحداث.
- ونوه إلى تأثير عائلة الرئيس/البشير على قرارات الرئيس بهذا الصدد وسياسة الدولة بشكل عام. واستشهد بنفوذ وتأثير السيد/ الطيب مصطفى (خال الرئيس) عبر صحيفة الإنتباهة والتي باتت ترسم مستقبل الأحداث وتبشر بتغييرات معينة تكرر صدق تنبؤاتها في بعض القضايا (مثل إعفاء قيادات في جهاز الأمن من مناصبها)، ولا أحد ينسى تنبؤات الإنفصال التي وردت قبل التصويت في جنوب السودان على حق تقرير المصير. - حدوث تطور إيجابي في دارفور بالرغم من عدم التوصل لحل شامل للمشكلة (الوصول إلى إتفاق مع حركة التحرير والعدالة برئاسة/ د. التجاني السيسي، والإتجاه لعلاج الأزمة عبر المسار التنموي، وإرجاء البت في القضايا الخلافية كوحدة الإقليم إدارياً وسياسياً). - ضبابية الرؤية في السياسة السودانية التي أصبحت ذات وجهين وربما أكثر، وكمثال على ذلك تأرجح التعامل مع دولة جنوب السودان الوليدة، إذ تارة تكون العلاقات وديةً لدرجة أن يطلب الشمال أموالاً من الجنوب (جنوب السودان)، بينما تنقلب فجأةً إلى وعيد وتهديد فيصرح بعض قادة الشمال بحرمان الجنوب من تصدير نفطه عبر الشمال و "الجنوبييين سيعودوا خاضعين". - أشار الأُستاذ فيصل، الوثيق الصلات الإجتماعية بالساحة السياسية السودانية؛ إن المعارضة في حالة ضعف وتشتت وهناك انعدام في الرؤية، مُشيداً بتواصل المُبادرات الفردية والجماعية (منظمات المجتمع المدني)- (مساعي د./ فاروق محمد إبراهيم، والأستاذ/ الحاج وراق،، إلخ)، التي لم تتوقف.
- لا تزال المعارضة التقليدية (أحزاب الأُمة والإتحادي) تفاوض المؤتمر الوطني مما يسبب الإرباك والإرتباك لحُلفائها (الشيوعي والشعبي) الذين حزموا أمرهم وأغلقوا باب التفاوض. حيث يبدو أن الاتحادي منقسم على نفسه وكذلك حزب الأمة. إذ يوجد تيار في حزب الأمة (بقيادة الأمين العام للحزب/ صديق أحمد إسماعيل، السيد/ عبدالرحمن الصادق المهدي -نجل الإمام رئيس الحزب) يرى أن التفاوض مع الحزب الحاكم هو السبيل الأمثل، في حين يرى شباب الحزب وبنات السيد الصادق (مريم ورباح وأم سلمة) وسارة نقد الله أن الأفضل للحزب والشعب السوداني، عدم التفاوض مع الحزب الحاكم. - أما بشأن الحركة الشعبية-قطاع الشمال، ففي تقديره أن قطاع الشمال للحركة الشعبية لم تكُن حساباته سليمة، أي بمعنى أنه لم يعد العدة لما بعد مرحلة الإنفصال، وبدلاً من العمل للمساعدة في حل الأزمات، بات جزءاً منها وسبباً في تعقُد الأوضاع. أ- تأخر هذا القطاع في فك ارتباطه بالحركة الشعبية في الجنوب، إذ لم يحسم هذا القطاع أمره في وقت مبكر. ب - لم يعد نفسه للمرحلة القادمة (ولا حتى على المستوى النظري)، فمثلاً وضع قوات الحركة الشعبية في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان هي مسئولية الطرفين من تسريح واستيعاب. ج- لم يغلق الثغرات التي استغلتها الحكومة لحظر نشاطه (مثل تغيير الاسم وتفادي استخدام علم جنوب السودان). د- ليس هنالك سيناريو تغيير واحد بالنسبة للسودان، ونماذج الثورات العربية لكل خصوصيتها، فقد ينقسم السودان إلى دويلات أو يخرج الجميع في مظاهرة جماهيرية شعبية. مع الأخذ في الإعتبار عدم وجود بنية تحتية في السودان، مثلما في تونس أو مصر على سبيل المثال، وأضاف بأن السودان مرشح لسيناريو مختلف أو ينبغي أن يكون مختلفاً. وقد قام الأستاذ/ صابر إبراهيم (أبو سعدية) بالتعقيب على حديث الأستاذ/ فيصل، وأشار في جملة حديثه إلى الدور غير المشاهد في نشاط تحالف كودا. وبعد ذلك تعددت مداخلات وتعليقات وأسئلة الحضور لأكثر من ساعة بعد حديث الأستاذ فيصل محمد صالح. فمثلاً تساءل الأستاذ/ خالد دهب، عن الجبهة العريضة وما انتهت إليه من خلاف، كما تساءل السيد/ سيف الدين عبد الله، عن جدوى التغيير إذا كان كل نظام يصل لسدة حكم السودان يكرر مساوئ سابقيه.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الجانب النسائي بالندوة كان متُميزاً – حضوراً ومُشاركةً في النقاش- فقد سألت الدكتورة/ آمال الحسن، عن موقف المجتمع الدولي إزاء الأحداث في السودان وتفاعله مع القوى السياسية، واستفسرت السيدة/ داليا سعد، عن دور الشباب وكيفية توعيته وهل الدولة المدنية بديل قريب المنال، وعلقت الاستاذة/ سناء الماحي العائدة لتوها من السودان، قائلة "أن الغلاء والأزمة الإقتصادية الطاحنة سوف تُجبر الناس على الإنتفاض، فالجوع كافر"، وتواردت الأسئلة والمداخلات في جو رحب وعائلي ودود، وقد اشتكى ممسئول ضبط وقت الندوة ، من تجاوز الوقت المسموح به للأسئلة، وعندها تدخل الأستاذ/ فيصل محمد صالح وطلب بكل تواضع وسعة صدر أن يُسمح للحضور بطرح أسئلتهم وأن يتم خصم الزمن من الوقت المُخصص له للإجابة. فتوالت أسئلة وتعليقات عديدة؛ حيث تساءل الأستاذ/ مهدي اسماعيل عن أسباب رفض الحكومة لاتفاقية اديس أبابا الأخيرة بشأن النيل الأزرق وجنوب كردفان، وما إذا كان لهذا الرفض علاقة بالمساومة بقضية المحكمة الجنائية الدولية، وأسئلة من السادة مبارك محمد أحمد، وأنور شامي، وأحمد عمر، وإبراهيم عبدالوهاب (الذي تحدث بجزالة)، وتم الاختتام بمداخلة وسؤال/ من الدكتور محمد التونسي. في الختام؛ أعرب المنبر مُمثلاً في البروفيسور/ عبد الله عبد الطيف، عن شُكره وتقديره وإمتنانه للأستاذ/ فيصل، على تعاونه الدائم مع المنبر (هذه هي المرة الثالثة التي يستضيف فيها المنبر الأُستاذ/فيصل)، كما تحدثت الدكتورة/ آمال عوض، مُشيدةً بدفاع الأستاذ/ فيصل عن حُرية الرأي والتعبير بصفة عامة، وعن قضايا المرأة بصفة خاصة، واختتمت الندوة بتقديم شهادة تقديرية من منبر السودان الديمقراطي للأستاذ/ فيصل، وإعلان تضامن المنبر معه في القضية المرفوعة ضده من قِبل جهاز الأمن بالسودان. ثُم تناول الجميع المُرطبات والمأكولات الخفيفة، على صوت الفنان/ محمد الأمين، في نشيد الملحمة "يقظة شعب" مُرددين:– لمَا الليل الظالم طوَل؛؛ وفجر النور من عينا اتحوَل؛؛ قُلنا نُعيد الماضي الأوًل؛؛ ماضي جدودنا الهزموا الباغي وهزوا قلاع الظُلم الطاغي.
-----------------
مثل اوراق الخريف تساقطوا وذرتهم الرياح!! ..
بقلم: د. على حمد ابراهيم الجمعة, 28 تشرين1/أكتوير 2011 11:39
للتاريخ : فى صبح هذا اليوم الخالد ، صبح السبت الثانى والعشرين ، من العام الميلادى 2011 أعلن ثوار ليبيا تحرير بلدهم من احتلال المخبول الصحراوى له ، وتحويلها من دولة للشعب الليبى ، تحويلها الى دولة الفرد الواحد يبرطع فيها وفق هواه ومزاجه الشخصى ، ذلك المزاج الذى اوعز له بالغاء مؤسسات الدولة ىالحديثة القائمة وابدالها بمسخ غريب من المؤسسات الصورية التى جعلها تدور حول نفسه شخصيا باعتبارة مركز الدائرة وقطبها ، والكل من حوله يسبحون بتجليات ملك ملوك افريقيا ، وعميد القادة العرب ، والمفكر الاممى ،’ مخترع النظريات المسطحة ، مفسر القرآن ، ومحلل ومفسر اشعار عظيم الانجليز شكسبير الذى حول المفكر الاممى اسمه بقدرة قادر الى شيخ الزبير . تم تحرير ليبيا فى هذا اليوم الخالد ، بعد أن تمكن ثوار مدينة مصراتة التى دمرتها كتائب القذافى و قتلت الآلاف من ابنائها فى قسوة أدهشت العالم الذى تفرج على دبابات العقيد الليبى وهى تدك الدور السكنية فوق ساكنيها ’ بعد أن تمكنوا من اكتشاف مخبأ ملك الملوك فى احد مصارف المياه القذرة
مثلما تختبئ الجرذان! فاعدموه ى جزاءا وفاقا مقابل عشرات الالوف التى ازهق ارواحها ظلما وعدوانا على مدى 42 عاما كان فيها الآمر القاتل الاوحد . وسقط ملك ملوك افريقيا كايسر ما يكون السقوط. وسار على طريق سلفه من الطغاة الذين تساقطوا بسهولة مثيرة للاندهاش فى حالة لا يشابهها الا تساقط اوراق الخريف . لقد اكتشفت الشعوب العربية التى قهرها الطغاة عقودا طويلة ، اكتشفت اخيرا جدا حجم الخدعة التى جعلتها تصدق مظاهر القوة الكاذبة التى تدثر بها الطغاة واظهروا انفسهم بما ليس فيها من القوة . ولابد ان لسان حال هذه الشعوب يقول الآن متحسرا انها لو كانت تعلم الغيب ما لبثت فى العذاب ، مثلما تحسرت عفاريت سليمان ، النبى الكريم . ولكننى اعود الى حديث المتساقطين وحفرهم التى وجدوا فيها من أوله.
أول المتساقطين كان صناجة العرب الذى سحل الشعب العراقى وقطع اوصاله . واوجد من القضاة ساقطي المروءة والذمة فى شخص عواد البندر من يشنق له قرية كاملة بما فيها من الصبية والصبيات ، ومن الرجال الشيوخ و من النساء الشيخات بحجة اشتراكهم جميعا فى تخطيط المؤامرة الدنيئة لاغتيال صناجة الأمة. ولكن الله يمهل ولا يهمل . لقد اخذ الغدر بصاحبه فقتله. وعلق عواد البندر على نفس المقصلة التى علق عليها عشرات الايرياء من الرجال والنساء والصبية والصبيات ولم يند له جبين من حياء او رحمة .حتى اذا قضى الصناجة وطره من داخل العراق ، خرج بجنونه البعثى الى الخارج ، فزهق نصف مليون روح مؤمنة من الشعب الايرانى الجار . واضاف اليها الوفا اخرى من الشعب الكويتى الذى لولا نصرته المالية والاقتصادية لما صمد الصناجة امام الامواج البشرية التى كانت ترسلها ايران لمقاتلته . لقد خاض الصناجة حرب ايران بتحريض امريكى مجرم لكى يدمر الجيشان المسلمان بعضهما البعض اصعافا لقوة الامة المسلمة حتى تكون حرضا ولقمة سائغة فى يدة العدو الصهيونى متى اراد ابتلاعها. لقد كانت سببت حربا الصناجة فى ايران و الكويت اقسى احزان الأمة المسلمة فى عصرها الحديث التى استولدها الصناجة ولم يخش عقباها . فى يوم سقوطه ضاقت الدنيا على الصناجة بما رحبت . ولم يجد غير حفرة فى باطن الارض يختبئ بها من الخطر المسبب للموت الذى كان يوزعه على شعبه مجانا. فى يوم تعليقه فى المشنقة التى علق عليها الكثيرين من معارضيه ، فرح الكثيرون من ابناء شعبه وقالوا ان العالم سيكون أحسن وقد خلا منه المكان.
تلك تركة حزينة يورثها أى حاكم للتاريخ ولشعبه . ولكن الطغاة لا يبالون. وتوالى سقوط الانظمة المهترئة بعصف الربيع العربى الذى حرك رياحه محمد البوعزيزى الشاب التونسى الفقير الذى كان اكبر ما يفكر فيه ان يتمكن من عرض بعض حزم الجرجير و الخضروات والبناضورة يبيعها علها تسد بعض رمقه . و لكن الانظمة الصماء تطارد البوعزيزى لانها لا تسمع خواء البطونة الجائعة. وفى لحظة غضب على الواقع المجرم يقرر البوعزيزى أن يترك لهذه الانظمة الطرشاء ، ان يترك لهم الجمل بما حمل . ومع الجمل يترك لهم الحياة فى المدينة الآسنة بما فيها من تعاسة. وما درى البوعزيزى أنه كتب سطر التعزية الاول فى الانظمة العربية الهوجاء التى ظلت فى المكان الخطأ ةبلا لزوم.و عضّ الشعب التونسى انيابه من الغضب وزمجر البركان . وارتعب ضرغام الساحة الذى كان وهرب من الساحة ولما يبين فجر الثورة الذى كان يفاجج الأكمة .
ولكن عين ة زرقاء اليمامة لدى الدكتاتور تلتقط نذر العاصفة فى الافق البعيد ، فيحزم متاعه الكثير ، ومعه حزم الكنوز من ثروات الشعب التونسى وغادر وفى جنبيه روح سالمة ، وقد كانت على شفا حفرة من الهلاك بالغضب الشعبى الحارق. وسلم الطاغية بروحه . ولم تسلم كنوز الشعب المنهوبة . خاطب الطاغية الشعب الغاضب وهو يمهد للهروب المخجل. وقال له أنه فهم الآن ماذا يريد منه الشعب . لقد كان فهما متأخرا جدا . فقد جاء بعد ثلاث وعشرين سنة من عدم الفهم ! لقد فهم ان الشعب يرفض ان تكون هناك رئاسة دائمة . و فهم ان الشعب يرفض التوريث . فوعد الرجل الشعب بما لم يعد يملك سلطة التقرير بشأنه. لقد اتخذ الشعب قراره بأن لا تكون هناك رئاسة دائمة . ولم يعد ينتظر اجازة ذلك القرار منه او من غيره . لقد نام الطغاة على وسائد الخمول الذهنى طويلا ، حتى اذا صحوا وجدوا أنهم فى ضحى الغد وقد فات الميعاد .
أما فرعون مصر، وهامان زمانه ، فقد كان يظن أن الشعب المصرى قد أخذ اجازة نهائية عن فعل التمام . فقرر منذ زمن طويل أينام فى خميل السلطة مدى الحياة . لا ينزعها منه الا الملك الحارس . ولكن لا بأس أن يتركها للابن الوريث عندما يسترد الملك الحارس وديعة المولى عزّ وجلّ . لقد قدر الرجل امرا . وضحكت من تقديره الاقدار . حدث ذلك فى الصبح العاصف . قالت الجماهير للفرعون اذهب ، فقد ة كلّ منا العضد . وأخذنا الاعياء من النظر فى نفس الوجوه القديمة ، لا تتجدد، و لا تتبدد . وكذب الفرعون على نفسه قبل ان يكذب على الشعب الفطن . قال أنه باق مكرها وليس بطلا . فالشعب يريده أن يبقى . ومد الشعب لسانه الطويل . وبقية القصة اضحت معروفة للقاصى والدانى ، اطرف مشاهدها تمثلت فى معركة الجمل. ولكن أجمل مشاهدها تمثلت فى وقوف مخرج معركة الجمل خلف الغضبان كمجرم عادى من المجرمين السابلة الذين يعمرون الساحات الدنيا فى عالم الاجرام . وما زال الفيلم مدورا . ولا احد يدرى متى وكيف ينتهى . العزاء الوحيد الآن هو أن الفرعون الحفيد لم يعد فى استطاعته أن يسأل شعبه مفاخرا كما سأل جده مفاخرا موسى النبى الكريم : أليس لى ملك مصر وهذه الانهار تجرى من تحتى ؟ لقد ذهب الباطل بكل عنفوانه . ومكث ما ينفع الشعب الصابر فوق الارض . ولله الحمد و المنة من قبل و من بعد .
أما ملك ملوك افريقيا ، وعميد القادة العرب ، والمفكر الأممى ، فقد افلح اكثر من غيره من المخربين العتاة الذين سبقوه فى التخريب وفى التساقط ، افلح فى تدمير هيئة وهيبة الدولة الليبية الحديثة بما خلق من فوضى عارمة بما اطلق عليه "الزحف " على مؤسسات الدولة القائمة لتحريرها وتمليكها للشعب . ليتيح للدهماء والعاطلين من الحجى والجهلاء بالميلاد والممارسة ، ليتيح لهم فرصة العمر ليزحفوا بجهلهم وعبطهم نحو مقار الدولة الليبية المختلفة ويعينوا أنفسهم مسئولين فيها ، يلهفون المغانم السائبة ، كل يقتنص ما يلى يمينه من الخيرات المجدوعة على قارعة الطريق بأمر مخبول صحراوى ظهر فجأة من الفجاج الصحراوية . وجعل اعزة أهل ليبيا التى عرفوها ، جعلهم أذلة وهائمين على وجوههم . وجعل ليبيا كلها سائبة على الشيوع الفوضوى ، كل يقضم ما استطاع . حتى لم تبق الفكوك المفترسة شيئا لحاطب . ووقف العالم مندهشا ، يتفرج على فيلم تراجديدى من انتاج واخراج مخبول صحراوى هائج مثل ثور اسبانى استفزته البراقع الحمرء ، فهاش يدمر مستودع الخزف الجميل فى المدينة ،
لا يترك شيئا أتى عليه حتى يجعله رميما ، أو كالرميم . وجلس المخبول الصحراوى اربعين عاما حسوما فوق الحطام الذى صنعه وهو ينظّر للعالم نظريات مبهجة اثارت العجب والضحك ، و الحزن والاشفاق على حال بلد عمر المختار ، الثائر الذى انحنت له حتى جباه جلاديه. اربعون عاما قضاها المفكر الأممى فى القتل والتقتيل . وكان ضحاياه مفكرون وعلماء بحجم الشمس ، ومثقفون يأسرون باشراقهم ضؤ القمر، وشباب مزدهم ، كان يتوثب للصعود الى الافاق البعيدة . كل ذلك الفيض اباده المخبول الصحراوى على مدى اربعين عاما سوداء حالكة السواد ، زرع فيها الاحزان فى الارجاء الليبية بيت بيت . دار دار . زنقة زنقة. وتقرعت من دموعها عيون الشعب الليبى .
ولكن المخبول الصحراوى لم يكتف بالاجرام الذى عاثه فى داخل ليبيا الفقيدة . فقدة خرج المخبول الصحراوى بخبله الى خارج حدود بلده المنكوب ، خرج الى ديار الآخرين ، يهدر فيها خيرات الشعب الليبى ، و يوزع فيها ،كذلك ، نصيبا من المهالك التى اختزن منها ما يفيض عن حاجته المحلية ، فهرع الى الابعدين يصلهم بخبله وجنونه . وسمع العالم بالحكايات المجنونة مثل حكاية لكوربى وحكاية الفقيه الزائر الذى زار و ماعاد .
وسمع العالم بحكايات ونهايات الكلاب الضالة ، ذلك الوصف الذى طال جميع المثقفين الليبيين الذين كان لهم رأى مخالف لرأى المخبول الصحراوى . فقتلهم قتل الفئران . كانت اجهزة المخبول تتصيدهم فى مهاجرهم . كانت ترسل اليهم القتلة فى هيئات مبعوثين و طلاب . ولكنهم طلاب يجيدون استعمال كاتم الصوت . ولا يفتحون الكتب او يقربونها . جاء محمد مصطفى رمضان ، احد اشهر مذيعى هيئة الاذاعة البريطانية ، صاحب الصوت العذب الرخيم إذ يتلو نشرات الاخبار الصباحية ، جاء الى الجامع العامر فى قلب لندن لكى يؤدى صلاة الجمعة . كانت اجهزة المخبول الصحراوى الامنية فى لندن تترصده . يدعوه مكبر الصوت فجأة الى مقابلة زائر ينتظره خارج الجامع . يخرج الاستاذ المرهف مسرعا الى لقاء زائره ، وقد حسبه قريبا جاءه من الوطن البعيد يحمل اليه اخبارا من الاهل والعشيرة . او صديقا احضره الود والتحنان . الذى لم يخطر بذهن الاستاذ المرهف :
أن يجد الموت ينتظره عند باب المسجد بكاتم صوت من احد زبانية المخبول الصحراوى . وانقطع الصوت الرخيم العذب من اذاعة لندن تاركا احساسا باليتم عند الكثيرين من الذين عشقوا الاستماع اليه . من المفارقات السفيهة أن يتقول المترفون ذهنيا على الثوار الليبيين لأن ثائرا من مدينة مصراتة التى قتل المخبول الصحراوى عشرات الالوف من سكانها ودمر بنيتها لم يتمالك شعوره الكاره للقاتل الاكبر فقتله مثلما قتل أهله فى مدينة مصراتة . ليخرج علينا من يكلمنا عن القانون الدولى الذى يحرم الاعدام . أين كان هؤلاء المزيفون عندما اباد العقيد الالوف فى سجن ابو سليم و عشرات الالوف غيرهم . التحية لثوار ليبيا الذين رسموا خارطة الطريق المختصرة للثوار الآخرين الذين ما زالوا يحاولون وينزفون . والبشرى غدا لكل الثوار . فالباطل يطول . ولكنه لا يدوم . وكذلك المحن تطول ولا تدوم . وأخ . . . ياخير أمة اخرجت للناس . Ali
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
اعتقال أبو عيسى... من هم العملاء ؟ أبوذر علي الأمين ياسين
توضح تسريبات ويكيليكس أن المطالبة بتغيير النظام لها أكثر من (عراب) داخل الحكومة ومؤسساتها، بل وحتى ضمن المؤتمر الوطني. ولكن ميزة هؤلاء الذين يريدون التغيير من داخل النظام أنهم يعملون على ذلك -حصريا- مع (الأجنبي) وهذا أكثر الجوانب الذي فضحته تسريبات ويكيليكس. مما يعنى أن اعتقال قائد قوى الاجماع الوطني فاروق أبو عيسى نظر إليه على أنه منافس (خارج) التشكيلة الناشطة والتي تحمى حتى تنافسها على هذا الصعيد بقوة السلطة. ولم يكن اعتقاله لساعات، واتهامات كل من (اس ام سي) وصحيفة (الانتباهة) إلا رسالة تكاد تقول أنه اذا كان هناك دعم خارجي (ولو متوهم) فأنه يجب أن يكون لمن هم ضمن الحكومة وحزبها!!؟. اعتقال أبو عيسى وراءه شئ يراد تأمينه وابعاد الانظار عنه، وإن كانت من داخل النظام. وهذا يستحق الاستكشاف!!؟.
نتفق تماماً ونتبنى وجهة نظر د. عبد الوهاب الافندي في رؤيته لـ(عمالة) الحكومة، ولمصداقية وثائق ويكيليكس التي عبر عنها في احدى مقالاته المنشورة بموقع سودانايل بتاريخ (15 سبتمبر 2011م) ونورد هنا نصها "...فكل كارثة تنسب إلى مؤامرات الامبريالية، أو إلى "خيانة" المعارضة المتواطئة معها، دون تحمل أدنى مسؤولية عن الفشل في التصدي لهذه المؤامرات، حتى إذا قبلنا بحقيقتها. أما وقد ظهر أن النظام كان يلح في خطب ود الامبريالية، بل ويغازل الصهيونية التي يسبها علناً، فإن الأمر يتجاوز كل حد. "ويمضى الافندي فيقول عن وثائق ويكيليكس " .. وبداية لا بد من التأكيد بأن أي دعوى بأن هذه التسريبات غير صحيحة، أو أن هذه مبادرة معزولة وفردية لا تمثل توجه النظام، لا تستند إلى حجة يعتد بها. فهذه وثائق داخلية تتعلق بالإدارة الأمريكية، ويمكن عليه أن نجزم بدقة محتوياتها، لأن الدبلوماسيين الغربيين عموماً مطالبين بالدقة في التقارير التي يرفعونها، وهم عرضة للمحاسبة إذا خالفوا ذلك. من جهة أخرى فإن هذه التسريبات لم تأت من الحكومة الأمريكية ولا برضاها. والكل يعرف إلى أي مدى ذهبت الإدارة في مقاومة نشر هذه الوثائق، وذلك لدرجة تهديد (جوليان أسانج)، صاحب ويكيليكس، بالمحاكمة. وقد تعرض الجندي الأمريكي المتهم بتسريب هذه الوثائق لمعاملة تقترب كثيراً من معاملة أسرى غوانتنامو.".
بحسب الوثائق المسربه نحن أمام نموذجين احدهما يمثل الرأي السائد وسط وزارة سيادية (وزارة الخارجية) وعبر عن ذلك السفير(حيدر حاج الصديق) – راجع وثائق ويكيليكس عن السودان على الانترنت- فقد أوضح السفير حيدر للبرتو فيرنانديز القائم بالاعمال الامريكي بالخرطوم رأيه حول السياسية الامريكية تجاه السودان، ولم يكتفي بذلك فتبرع برؤيته لضرورة التغيير وكيف أن (عدد كبير) من الدبلوماسيين السودانيين مع التغيير، وليس هذا وحسب بل يرون أن المجموعة الحاكمة قبلية. اذ ورد بالنص وعلى لسانه ".. أرى السياسة الأمريكية تجاه السودان ايجابية، والسودان في حوجة للتغيير والانفتاح، ويشترك معي في هذا الرأي عدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية". كما كشف السفير حيدر جهده ومحاولاته في اقناع قادة المؤتمر الوطني بأهمية التغيير، لكنه (وهنا مربط الفرس) طلب من الامريكان أن يقوموا بدورهم في اقناع المؤتمر الوطني بضرورة التغيير. وجاء كل ذلك في النص التالي: "..في بعض الاوقات يستمعون لي، لكن في معظم الاوقات لا يستمعون لأنهم لا يكترثون.. تحدثوا إليهم وأقنعوهم لأن المجموعة الحاكمة قبلية".
يمكن أن نصف نوع التغيير الذي يطلبه السفير حيدر من الامريكان بالتغيير (الرفيق)، سواءً ابقى على النظام أو أزاله جملة واحدة. ولكن يبقى السؤال أيهم أولى بالمساءلة (الأمنية) أو حتى (القضائية) أبو عيسى أم السفير حيدر؟!. خاصة بعد نشر ما دار بينه والقائم بالاعمال الامريكي. أم أن الأمر لا يستدعي المسائلة (الامنية) ولا (القضائية) إلا في حالة المعارضة السياسية والحزبية الوطنية؟!!. النموذج الثاني تعبر عنه أغرب ما كشفت وثائق ويكيليكس هو التآمر مع دوله الجنوب لتغيير النظام ومن داخله!!. وهذا يكشف التزييف الكثيف الذي يصور دولة جنوب السودان بأنها دولة (معادية)، وهو اتهام مطلوب لصرف الانظار عن بعض المتنفذين لتمرير خططهم لا أكثر. لا نقصد هنا الوثيقة التي ورد فيها ضمن حوار تلفوني بين (سوزان رايس و برونو جوبيرت الفونسي) والتي نقل فيها (جوبيرت) استعداد صلاح قوش للإنقلاب على رفاقه ولكن لحماية نفسه وليس (النظام)، لسبب بسيط وهو أن هؤلاء قد فعلوا ذلك سابقاً عندما شقوا الحركة الاسلامية لصالح بقائهم واستمرارهم في السلطة. فهذا السلوك اصيل فيهم ولم يعد بمستغرب ولا غريب بل لا يثير الدهشة.
لكنا نقصد الحوار الذي دار بين دينق ألور وعلى عثمان وصلاح قوش. والذي رد ضمنه علي عثمان على موضوع المحكمة الجنائية قائلاً لدينق ألور ".. وقد رد عليه الور قائلا المصريون قلقون على السودان ويرون أننا نتناول قضية المحكمة الدولية بطريقة خاطئة، وقد وافقه طه قائلاً المصريون والحركة الشعبية على حق بشأن المحكمة الدولية ولكن الرئيس لا يستمع لصوت المنطق.". ونقل ألور على لسان قوش ضمن ذات الوثيقة قوله " .. هل نترك بلداً كاملاً يدمر بسبب شخص واحد فساله ألور من تعني؟ فقال له قوش: الرئيس". وتمضي الوثيقة لتصل إلى الطلب لدينق ألور للتقرب من على عثمان (المعجب بألور) حيث ورد بالوثيقة وعلى لسان قوش مايلي: "وفي اللقاء حث قوش الور أن تكون الحركة الشعبية أكثر قرباً من علي عثمان محمد طه قائلاً " علي عثمان إنسان جدير إنه رجل دولة" واقترح على ألور أن يقضي أوقات أطول في معية علي عثمان قائلاً له: إن علي معجب بك، وليس مرتاحاً من سلفاكير الذي يلزم الصمت عندما يكون غاضباً. وذكر قوش لألور أن الحركة الشعبية وجهاز الأمن الوطني لا يحبان الجيش".
ما جاء بالوثيقة ذاتها حول حجم ودقة المعلومات التي يملكها المصريون على عهد مبارك حول ما يجري من تآمر داخلي لتغيير رأس السلطة يثير الدهشة، كونه يشير من طرف خفي لتعدد مصادر المعلومات وأنها انما تأتي من داخل النظام ذاته. فاذا عرف المصريون أن جهاز الشرطة لا يرفع تقاريره لوزير الداخلية وإنما إلى علي عثمان (بحسب ما جاء بذات الوثيقة)، فأن مثل هذه التفاصيل توضح قوة المعلومات ودقتها بل وقوتها. وكل ذلك يدعونا إلى اعادة قراءة السلوك الذي يستهدف قوى المعارضة!!؟، كونه سلوك يوظف المعارضة، خاصة وأن المعارضة بكل طيفها غير معترف بها ولا تُشرك حتى في موضوع مثل أزمة مياه الشرب المستفحلة والمتفاعلة هذه الايام، بل يجري اطلاق التصريحات ضدها وتضخيمها بصورة يصدق عليها وصف مصطفي عثمان اسماعيل لفيرنانديز لحديث نافع في وثيقة أخرى من وثائق وكيليكس بأنه (للإستهلاك الجماهيري)، الذي يفيد أيضاً التعمية على ما يعتمل من تصاعد دعوات التغيير داخل النظام من أقصى سلك الدبلوماسية، إلى الكبار الذين يقودون الدولة والحزب. بقي أن نصنف هذا النموذج بالتغيير بـ(اقتلاع) رأس النظام. القراءة العكسية اذا هي الصحيحة، لا يمكن أن يكون اعتقال أبوعيسى إلا لآن هناك (أحتمال) قوى بأن يكون هناك فعلا تمويل (أجنبي) هدفه تغيير النظام، وأن الاطراف المعنية بهذا التمويل تريد ان تصرف الانظار حتى تحظى به بعيداً عن أي مخاطر أو تهديدات داخل دائرة السلطة ذاتها. وعليه لم يكن أبو عيسى سوى تعمية لتمرير ما يراد تمريره وبنجاح.
أبوذر علي الأمين ياسين [email protected] -----------------
إنطباعات عائد من البلد " 2 "..جدل الهوية بين عليّة القوم و عامتهم - صـورة - لا تختلف طغمة الإنقاذ الحاكمة اليوم كثيرا عن تلك النماذج من سادات قريش و ملوك بني أميَّة الهادي هباني
مرَّت قضية الهوية مثقلة علي ذاكرتي في شريط سريع من الخواطر و قد كنت واقفا داخل فناء مبني جوازات المغتربين من ناحية البوابة الغربية متكئا علي جداران مكاتب أراضي المغتربين متجها جنوبا (في إنتظار الإنتهاء من إجراءات تأشيرة الخروج) يواجهني مباشرة صيوان كبير بميكرفونات جهورة و خطيب ضخم الجثة أو (صحابي جليل) بقاموس ساخر اللغة عند العامة مستعيضا عن شَعره الحليق تماما بلحية كثيفة متدلية حتي أعلي صدره مرتديا لبسة السفاري الشهيرة (موديل 89م) و علي يده اليمني ساعة لا تغفلها العين حيث يستخدم يمناه للتلويح و التكبير و التهليل أثناء الخطبة في لوحة و مشهد للرجل بمجرد نظرة عابرة تعرف أنه من ماركة صُنِع خِصِّيصاً للإنقاذ و هو يخطب أمام جمع قليلٌ خليط من مغتربين لا ناقة لهم و لا جمل في الأمر كله وقد وجدوا (مع أزمة أماكن الإنتظار) مكانا ظليلا لإنتظار إنتهاء معاملاتهم و وجوه أخري يبدو من زيَّها و مظهرها العام أنها من نفس ماركة الرجل من العاملين بإحدي الإدارات و المصالح الحكومية الملحقة بجهاز المغتربين و هو يتحدث بإنفعال عن الحرب أو الجهاد (كما يسميه) في جنوبي كردفان و النيل الأزرق.
و لا يحتاج المرء لجهد كبير ليدرك أن العملية برمتها جزء من حملة التعبئة المنظمة مسبقا للترويج لمشروع السودان العروبي المسلم الهادف لفرض الثقافة العربية الإسلامية علي بلادنا دون غيرها من الثقافات و تسعير نيران الحرب و إثارة النعرات العنصرية لإطالة أمد الطغمة الحاكمة من خلال أجهزة الإعلام الحكومية الموجهة و من خلال أجهزة إعلامية أخري تابعة لبعض المؤسسات و الأجهزة الحكومية من ضمنها إدارة الإعلام و التواصل التابعة للإدارة العامة للإعلام والشئون الثقافية، و إدارتي الهجرة و المنظمات و الإرشاد الأسري بالإدارة العامة للجاليات و الهجرة (و كلها إدارات ضمن الهيكل التنظيمي و الإداري لجهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج و الذي يتم تمويله بشكل رئيسي من عرق السودانيين العاملين بالخارج، و بدلا من أن تلعب دورها في خدمة المغتربين و المهاجرين السودانيين تكرِّس مواردهم في خدمة مصالح و توجهات سلطة الإنقاذ و سياساتها التي تكرِّس الفتنة و الحرب الأهلية و الإضطهاد القومي و التطهير العرقي و تقود لمزيد من التفتيت و التقسيم وفقا لما يعرف بمثلث حمدي).
و لا تخلو مجالس الناس في السودان علي إختلاف مستوياتهم الإجتماعية من حديث عن العروبة و الهوية و التنوع و أصبح مثلث حمدي من المصطلحات العادية التي يفهمها الجميع و يتم تداولها في مجالس عليَّة القوم و صفوتهم و كذلك في مجالس البسطاء من عامة الناس. و تصاب بخليط من مشاعر الدهشة و الإعجاب و الإلفة و عمق الإنتماء الفطري لعامة الشعب عندما تستمع لأحد البسطاء من رواد مجالس ست الشاي و هو يتحدث عن التنوع ساخرا و معلقا علي ما تبشِّر به الإنتباهة و الطيب مصطفي و منبر السلام العادل، أو عن العروبة و الهوية بطريقته الخاصة المميزة و بلهجة عاميِّة طلِقة أشبه بلغة الراندوك مرتبة واضحة المعاني لها سحر خاص يناسب كل الأذواق يجعلها تنساب لفهمك بهدوء و سلاسة دون عناء أو جهد أو حاجة لإستخدام أيٌ من علامات الإستفهام أو الإستيضاح و كأنه يمتلك مفتاحاً سحرياً لمختلف ألسنة السودانيين و ألبابهم.
و علي عكس مجالس الصفوة (التي تعِجُّ بالمطايب و المكيفات مختلفٌ ألوانها، السكر، الشاى الأخضر و الأحمر و الأصفر و غيره من ألوان الطيف، القهوة العربي بمقبلات الفُستُق و المكسَّرات الفارسيَّة، الفول و التسالى و اللِّب الأسمر و الأبيض من أغلي محمصَّات وكالة الغورية و الحسين و السيدة زينب، نقاوة تمر القُنديلة ماركة حوش بانقا، و أزكي ما أبلحته و أرطبته القطيف "واحة النخيل" من تمر الرطب، البن العجمى، النِسكافيه و متطلباته من حليب البقر المهجِّن و التوابل من أجود ما أنتجته بلاد السند، الفناجيل بمختلف أنواعها و أشكالها، كبابي الشُّب مقاس "كب يا أبو على"، المياه المعدنية، كولا و بيبسى كولا، ميرندا، شعير الشامبيون المعتق، الشربوت الصافي، و الشربوت المخلوط بما لذَّ وطاب من خيرات بلادنا) مجالس في بروج عاجية معادية للوحدة و التنوع و لا تستأنس سيرتهما و تلفظ كل من يثيرهما و يتحدث عنهما في مجالسهم المغلقة تلك المتخمة بحِس الإستعلاء العرقي و الترفع و الإدعاء الفج و الأحاديث المبتذلة، و أقلام السدنة و المأجورين التي أدمنت إقتفاء نتانة الصيف في أحذية الحكام و السلاطين علي مر العهود و الأزمان من ذوي الوجوه الكالحة التي كلما لمحتها مجرد لمحة خاطفة إزدت إيمانا و يقينا و بما لا يدع مجالا للشك أن الإنسان قد خلق بالفعل من طين و ماء مهين، و علي عكسها، فإن مجالس ست الشاي و مجالس البسطاء دائما ما تعِجُّ بالناس الجيدين و الحديث الجيد و الحكاوي الصادقة الممتعة القريبة للقلب و النفس، الواقعية المعاشة فعلا عن الحياة اليومية لعامة الكادحين من أبناء و بنات شعبنا كما هي علي سليقتها بهمومها و معاناتها دون زيف أو رتوش و هم يناضلون نضالا يوميا له معناه، مدعاة للفخر و الإعزاز، جدير بالإحترام و التقدير من أجل إكتساب أسباب بقائهم و في نفس الوقت الإحتفاظ بسودانيَّتِهم و وقارهم و عاداتهم و تقاليدهم السمحة برغم ضيق الحال، و لن يجد المرء أدني صعوبة أو (قشة مرة) "كما يقولون" في الدخول إلي قلوبهم و أريحيتهم و وعيهم العفوي البسيط، فهم يجيدون الإستماع للحديث و يتَّبِعُون دائما أحسنه، و تجد تجاوبا و شغفا من نوع فريد كلما تحدثت لهم عن الديمقراطية و حرية التعبير و حرية المعتقدات و التنوع الثقافي و سيادة حكم القانون و السيادة الوطنية كضرورات لإقامة دولة موحدة يسودها الأمن و السلام و ستلاحظ أن الجميع يستمع إليك باهتمام و إعجاب و أمل و تفاعل إيجابي فتنهال عليك كلمات الإطراء و الأسئلة البسيطة الجادة المفيدة من بعضهم، و يكتفي البعض الآخر برمقك بنظراته المليئة بالإعجاب و كأنه يقول لك هل من مزيد؟ و منهم من يقوم بكرم السودانيين المعهود بالإصرار علي دفع قيمة الطلبات (برغم ضيق الحال) و من الجانب الآخر تجد ست الشاي و قد بذلت جهدا إضافيا مقدرا و عناية خاصة في تهيئة طلبك من القهوة أو الشاي فتزيد كمية السكر و ما اخترته من أصناف (الدواء) أو النعناع الأخضر أو المجفف، القِرفة، الجنزبيل، و الحبَّهان بأكثر من المعتاد، و تزيِّن صينية الشاي أو القهوة بالمزيد من بخور التيمان تعبيرا عن إعجابها بما تقوله و يعبِّر عن آمالها و تطلعاتها، و ما هي إلا دقائق لتكتشف قدرتهم السحرية علي إمتصاص مشاعر الحزن و الإحباط و إحياء روح التفاؤل و الأمل و الإيمان الراسخ بحتمية التغيير فتخرج من تلك المجالس ممتلئاً بعظمة شعبنا و إرثه و قدرته علي الصبر و أيضا علي قلب الموازين في أي لحظة.
و عادة ما يتم تناول قضية الهوية في مثل هذه المجالس المدهشة بشكل تلقائي مختلف تماما عن حوارات الصفوة التي ظلت دائما حبيسة مجالسهم تلك في بروجهم العاجية و في دهاليز السلطة و دواوينها و أجهزتها الإعلامية الموجهة المنحازة بالطبع لتغليب الثقافة العربية و الإسلامية علي غيرها من ثقافات بلادنا الزاخرة المتنوعة، و كذلك في منابر فئات محدودة من المثقفين و السياسيين و المتخصصين التي لا تجد حظها من الإعلام و النشر و لا تجد وسيلة للوصول لعامة الناس و تظل بالتالي كسابقتها حبيسة لا تراوح مكانها.
و قد تختلف المنطلقات التي يتم بها تناول الموضوع بين هذا المستوي الإجتماعي أو ذاك و تتباين وفقا للموقف الإجتماعي و السياسي لكل مستوي من تلك المستويات من موضوع الهوية نفسه إلا أن مجرد تناوله خاصة علي مستوي جمهور البسطاء و الكادحين من أبناء شعبنا و بهذا الشكل التلقائي واسع النطاق يعتبر في حد ذاته تطورا كبيرا و خطيرا في بلادنا.
و علي عكس ما قد يبدو للبعض من سخرية و عدم إهتمام في تناول موضوع الهوية بين العديد من أوساط الكادحين إلا أن هذه السخرية تحمل في طيَّاتها و مكنوناتها قدرا لا يستهان به من العمق و الجدية و الوعي الإجتماعي و السياسي الجدير بالإحترام و لكن يتم التعبير عنه بأساليب بسيطة مفهومة لكل الناس، و لعل في قصة مشجع هلال العاصمة التي يتم تداولها ضمن طرائف مجتمع الكورة ما يبين ذلك بسخرية مثيرة للإعجاب عندما وقف الرجل (و هو هلالابي علي السكين) محتار لفترة طويلة لم يتمكن خلالها التمييز بين لاعبي هلال العاصمة و لاعبي هلال كادوقلي في المباراة التي جمعتهما بالعاصمة و قد جاء متأخرا بعد بداية المباراة فصاح ينادي بخليط من مشاعر السخرية و السخط و بأعلي صوته (ياكوتش ،،، ياخي عليك الله دخِّل لينا هيثم مصطفي عشان نعرف روحنا شايتين وين؟). فمع طرافة القصة و سخريتها و ما تعكسه من قبول السودانيين بكل رحابة صدر و روح رياضية عالية لواقعهم المتنوع بدون عُقَد أو حساسيات برغم المعاناة و ضنك العيش إلا أنها تحمل في طياتها معناً عميقا يعبِّر في جوهره عن صورة حيِّة من صور التمازج القومي في بلادنا يبرز فيها عالم الكورة واحدا من الأوساط الهامة التي تعكسه بوضوح و تبين الوتيرة المتسارعة التي يتطور بها.
و برغم الواقع المذري الذي يعيشه شعبنا طوال فترة حكم الإنقاذ و حتي يومنا هذا (و ما وصلت إليه الأحوال السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية لمستويات غير مسبوقة من الفقر و البؤس و التشرد و التفسُّخ و الإنهيار الإقتصادي التام و التدهور المريع في الصحة و التعليم و الفقدان الكامل للسيادة الوطنية و الإنفلات الأمني و إتساع دائرة الحروب الأهلية المفتعلة) و الحملة المنظمة التي تقودها الحكومة و أجهزتها الإعلامية الرسمية و غير الرسمية بتدبير و مباركة من أعلي قمم السلطة لإثارة النعرات العنصرية و الإستعلاء العرقي و عرقلة عملية التعايش السلمي من أجل فرض الثقافة العربية علي بلادنا دون غيرها من الثقافات الوطنية، إلا أنها لن تستطيع (مهما بذلت من جهود) إيقاف مسيرة التمازج القومي في بلادنا، و علي عكس ما يتوقع دعاة المشروع الحضاري، فإن هذا العداء و الكُره المعزَّز بكل هذه الجهود المبذولة في طمس هوية شعبنا سيتحول في نهاية المطاف إلي قوة دافعة تولد من رحم معاناة الناس تُعَضِّد و تُقوِّي أواصر التلاحم الوطني بين كافة جماهير شعبنا علي إختلاف ثقافاتهم و أعراقهم، و هو ما يشكل في الحقيقة بعبعا و هاجسا للسلطة و عرَّابيها من الأقلام المأجورة و دعاة الفكر الظلامي و يدفعهم لإثارة مزيد من الفتن و التحريض لأجهزة الدولة البوليسية و القمعية لتطهير العاصمة القومية التي أصبحت، برغم أحزمة الفقر و المعاناة التي تحيط بها من كل جانب، قلعة تعكس أرقي صور التعايش السلمي و التمازج القومي بين أبناء شعبنا تشد علي أياديهم و تراكم معاناتهم اليومية علي كافة المستويات و تحوِّلُها إلي حالة من السخط الذي سرعان ما سيخلق مزاجا عاما لدي الناس ينقلهم من حالة السخط و المعاناة إلي حالة الفعل الثوري التي قد تكون بدأت فعلا بتواتر بعض الإحتجاجات المتقطعة و المظاهرات المحدودة المتفرقة هنا و هناك في بعض أحياء العاصمة و بعض المدن الأخري و التي بالتأكيد ستتسع شيئا فشيئا و ستستقطب أقساماً أخري من جماهير شعبنا مع مرور الوقت و إشتداد الضائقة المعيشية و تفاقم عجز الدولة عن الوفاء بالمتطلبات اليومية الضرورية لحياة الناس.
و علي الرغم من وجود قوي إجتماعية تحاول بإستمرار في كل الأزمان و العهود التآمر علي التاريخ و إحداث قطع فيه (بإعتقاد واهم منها بقدرتها علي إلغاء تاريخيَّته و تحويل حركته عن مسارها الطبيعي و التحكم فيها و توجيهها في إتجاهات تخدم مصالحها الذاتية الضيقة و بشكل دائم)، إلا أنّ المقصود بالقطع هنا (كما يقول المفكر الراحل حسين مروة في موسوعته "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية") ليس القطع بمفهومه السكوني (الميتافيزيائي) أي القطع المطلق لحركة التطوّر في إحدى مراحله ثمّ البدء في المرحلة اللاحقة من نقطة الصفر أي البدء المطلق أيضا، بل مفهومه الجدلي التاريخي وهو المفهوم الذي يَعتَبِر القطع جزءاً من خط الإستمرارية نفسها. فإنّ فهم العلاقة الجدلية على هذا النحو بين القطع و الإستمرارية في حركة تطوّر المجتمع البشري يرجع للأساس العلمي لمفهوم الحركة نفسها في الطبيعة والمجتمع والفكر جميعا، وهو الأساس القائم على وحدة التناقض الداخلي لقانون الحركة. و هو ذات التناقض الذي بنى عليه الفيلسوف زينون الأيلي (489 ق.م) إنكاره المطلق لوجود الحركة عندما تصوّر لإثبات ذلك سهما ينطلق في الفضاء قال أنّه (أي السهم) لا بدّ و أن يكون في أيّة لحظة زمنية خلال إنطلاقه ثابتا في نقطة معينة لأنّه لا يمكن أن يكون في لحظة واحدة موجوداً في مكانين إثنين أي أن وجوده في كل نقطة ينفي النقطة التي سبقتها و يبدأ من الصفر في النقطة التي تليها و هكذا.
و بالتالي خلص إلي أنّه إذا كان السهم في كلّ جزء زمني ساكنا في نقطة بعينها لزم أن يكون في مجموع الأجزاء الزمنية ساكنا أيضا في النقاط الأخري لأنّ استمرار السكون لا ينتج غير السكون و بالتالي فلا حركة إذن. و من هنا جاء إنكاره المطلق للحركة.
و لمزيد من محاولات إثبات فرضيته عن الحركة تصور زينون رجلا أسماه (أخيلوس) يسابق سلحفاة و إفترض أنّ السلحفاة تقدّمت علي الرجل بعشرة أمتار منذ البدء بناءا على أنّ سرعة الرجل تعادل عشرة أمثال سرعة السلحفاة، فحين بدأ الرجل السير وقطع عشرة الأمتار الفاصلة بينه وبينها وجدها تقدّمت مترا واحدا أي عُشر المسافة التي قطعها هو فلمّا قطع هذا المتر كانت هي قد قطعت عُشر المتر فإذا قطع هذا العُشر تكون السلحفاة قد تقدّمت عليه بجزء من المائة من المتر،،، و هكذا يظلان متلاحقان إلى غير نهاية دون أن يلحق أخيلوس السلحفاة بناءاً علي إفتراض زينون بالقطع المطلق لمرحلة معينة لتبدأ المرحلة التي تلي القطع من الصفر و كأن ما سبقها لم يكن له وجود أصلا فالمسافة التي قطعها أخيلوس في المرحلة السابقة لا تضاف وفقا لمنطق زينون للمرحلة الجديدة و تبدأ بالتالي من الصفر تماما.
إلا أنّه بناءا على هذين التصورين يكون السهم في حقيقة الأمر موجودا وغير موجودا في النقطة المعينة نفسها وفي اللحظة المعيّنة نفسها وهكذا في كلّ نقطة وفي كلّ لحظة على خطّ السهم الزينوني. والأمر نفسه يتم في مثال أخيلوس والسلحفاة، فلو أنّ الحركة هي التقطع فقط (كما كان يفكّر زينون) لكان افتراض عدم إمكان أخيلوس اللحاق بالسلحفاة أمرا صحيحا و محتوما. غير أنّ فهم الحركة بكونها وحدة النقيضين (التقطّع وعدم التقطع) أي (الإستمرارية) يجعل لحاقه بالسلحفاة ممكنا و هذا هو الفهم الذي يقبله العقل و المنطق.
هذا المفهوم الجدلي للحركة ينطبق على الحركة التاريخية لتطوّر المجتمع ولتطوّر الفكر بالطريقة نفسها التي ينطبق بها على الحركة في الطبيعة فالتاريخ أي (تاريخ المجتمع وتاريخ الفكر معا) كلاهما عبارة عن وحدة لخط الإستمرارية و وحدة لتراكم التغيّرات الكمية والتغيرات الكيفية أو (النوعية) التي تنشأ و تولد من رحمها أي وحدة التقطّع و الإستمرارية في خطّ هذه التغيرات نفسها.
فثورة أكتوبر بإعتبارها مرحلة من مراحل التطور الإجتماعي و الفكري لم تكن حدثا بدأ من الصفر أو السكون معزولا عن التطورات الإجتماعية و الفكرية التي سبقتها بل كانت نتاجا لتراكم كل ممارسات سلطة 17 نوفمبر 1959م إبتداءا من أول قرارات للفريق عبود في أول خطاب له بعد إستلامه السلطة متمثلة في حل الأحزاب السياسية، منع التجمعات و المواكب و المظاهرات، وقف صدور الصحف، و صدور الأمر الدستوري الأول بإعلان حالة الطوارئ، مرورا بحركة 9 نوفمبر 1959م و التي تم إعدام ضباطها الخمسة و محاكمة زملائهم بالسجن لفترات وصلت ل 59 عاما، و كذلك حل النقابات من قبل مجلس الوزراء العسكري الحاكم في قراره بتاريخ 3 ديسمبر 1958م و ملاحقة قادة الحركة النقابية و الشبابية و الطلابية و النسوية و إعتقالهم و تعذيبهم و تشريدهم و التي لم تثني جماهير شعبنا عن مواصلة النضال طوال فترة الحكم العسكري بكافة الوسائل الجماهيرية مظاهرات، إعتصامات، و إضرابات شكلت جميعها تراكمات و تحولات كمية أفرزت في النهاية تحولا نوعيا كبيرا و عظيما ممثلا في ثورة أكتوبر المجيدة.
و بنفس القدر فإن إنتفاضة شعبنا في مارس/أبريل 1985م كانت أيضا نتاجا لتراكم نضالاته طوال سنوات حكم السفاح نميري متمثلة في 19 يوليو 1971م، أغسطس 1973م، 5 سبتمبر 1975م، 2 يوليو 1976م، يناير 1980م و يناير 1982م و غيرها من مختلف أشكال المقاومة الجماهيرية المجربة و المواجهات العسكرية المسلحة في جنوب البلاد و مساهمتها في إضعاف نظام مايو و التي شكلت جميعها تطورات تاريخية فعلية أفرزت في النهاية إنتفاضة الشعب في 1985م. فهي إذن كسابقتها في أكتوبر 1964م لم تولد من فراغ أو تبدأ من الصفر أو السكون كما يعتقد دعاة المشروع الحضاري. و بالتالي لم تنجح محاولات السلطتين العسكريتين في الفترتين أن تحمي مصالح فئات إجتماعية بعينها لا تختلف كثيرا عن الفئات التي تحميها اليوم طغمة الإنقاذ و في تصفية حركة الجماهير و في إيقاف حركة التاريخ و مسيرة التطور الإجتماعي. و ستظلان (أكتوبر و مارس/أبريل معا) هكذا جزءاً لا يتجزأ من خط الإستمرارية خالدتان في ذاكرة شعبنا يستقي منهما الدروس و العِبَر و يمضي إلي الأمام و هو يخوض بثبات و صبر غِمار ثورة جديدة عارمة قادمة لا محالة. و كذلك لن تفلح هذه المرة أيضا طغمة الإنقاذ الحاكمة في شل مسيرة شعبنا و طمس هويته مهما بلغت درجات التزييف و الإستغلال للسلطة و الدين.
و من المعروف أن هنالك فرقٌا بين التراث في حد ذاته و بين معرفة هذا التراث، فالتراث واحد لا يتغير أي (موجود كما هو بشحمه و لحمه)، و لكن معرفته أي (معرفة التراث) تتعدد و تختلف بإختلاف المنطلقات الإجتماعية و الموضوعية للجهات المتعددة التي تقوم بتفسيره، أي موقفها من واقع الصراع الإجتماعي في الوقت الحاضر و بالتالي تميل دائما لتفسيره بما يخدم مصالحها و يتماشي مع أفكارها التي تتبناها في الوقت الحاضر نفسه. فعلي سبيل المثال، بما أن ثالوث المؤسسة الدينية في البلاد المتمثل في هيئة علماء السودان، مجمع الفقه الإسلامي، و مجلس الإفتاء ينتمي لنفس الفئة الإجتماعية و السياسية الحاكمة فإنها تكرِّس علمها و معارفها الفقهية و الشرعية عن الدين و التراث في خدمة مصالح الطغمة الحاكمة و تقوم بتفسير نصوصه و تكييفها شرعيا بما يخدم هذه الطغمة و يبرر جبروتها و تسلطها فتصدر عنها علي سبيل المثال فتوي بعدم جواز خروج المسلمين في التظاهرات.
أو فتوي نائب رئيس هيئة علماء السودان عبد الحي يوسف بناءا علي مقال رئيس منبر السلام العادل عن معرض الكتاب المقدس الذي أقامته مدارس كمبوني (و هو تقليد خاص بالمسيحيين درج علي إحيائه المسيحيين الشباب سنويا في الجامعات و المعاهد العليا منذ عدة سنوات) بعدم جواز ذلك و إعتبره منكرا باطلا يتحتم علي من بسط الله يده من رئيس ووالي و مسئول (أي الحكومة) أن يمنع هذا المنكر و الباطل ويحول دونه وإلا كان خائناً لله ورسوله ولجماعة المسلمين. في حين أن المولي عزَّ و جلَّ قد أمرنا في ديننا الحنيف أن نؤمن بالأديان و الكتب السماوية فقد قال المولي عزَّ و جل في سورة البقرة الآية (285): (آمَنَ الرسولُ بما أُنزِلَ إليه مِن رَبِّه والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه لا نُفرِّقُ بين أَحَدٍ مِن رُسُله وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرَانكَ رَبَّنَا وَإليكَ المَصيرُ) صدق الله العظيم.
إلا أن الجماعة ليس لهم (قشة مرة) و هم في المراوغة و المخاتلة و مجاراة ظاهر القول ما يجعلهم أكثر مهارةً و قدرةً من ود الموية و القرموط يصعب صيدهم و مسكهم كمخاتلة حبهم للمطايب و النِعم فإذا أعجبهم الطعام أفتوا بأن قالوا من القرآن (كلوا من طيبات ما رزقناكم) و من السنة (أحسنوا الصحن) ،،، أما إذا لم يعجبهم المذاق قالوا (ما ملأ ابن آدم وعاءا شراً من وعاء بطنه). فهم جاهزون دائما (للنَّجِر) لا يخشون في تحريف الكلام أو تصحيفه أو حمله بمعانيه المجردة فقط لومة لائم.
و علي عكس تفسير دعاة المشروع الحضاري فالتراث العربي الإسلامي يحدثنا بأن الآثار الإيجابية التي تركتها الديانات اليهودية والنصرانية علي العقلية العربية في المجال الديني، كانت من العوامل التي مهدت لقبول سكان الجزيرة العربية للإسلام نفسه حيث ساعدت عقيدة التوحيد التي نشرتها تلك الديانات بين العرب قبل الإسلام على تفكيك الوثنية والتعددية الإلهية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والكشف عن زيفها و مجافاتها للعقل و المنطق والحس البشري السليم لذلك فإن الإسلام قد وجد الطريق أمامه معبدا و الأرض ممهدة فوجدت فكرة التوحيد قبولا و أصبحت فيما بعد أول مبدأ دعي له الإسلام و جعله أول أركانه الخمس (شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله) و مفتاحا و مدخلا له. كما يحدثنا القرآن الكريم كيف أن المسيح عيسي بن مريم قد بشّر بالإسلام و بالنبي الكريم محمد (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)، و التاريخ الإسلامي يحدثنا بأن الأوس والخزرج قد كانوا من أهم عوامل نجاح دعوة الرسول الكريم محمد وهو القائل في حقهم (وهو لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى)، ( اللهم أعز الأنصار الذين أقام الله بهم الدين والإيمان، هم الذين آووني ونصروني وآزروني وحموني، هم أصحابي في الدنيا وشيعتي في الآخرة وأول من يدخل بحبوحة الجنة من أمتي).
و بلادنا التي ظلت مسرحا للتعايش السلمي لقرون عديدة أيضا حافلة بالمشاهد الحيَّة التي لا تحصي أو تعد و التي تعكس هذا التعايش فقد أرسل لي صديق مصري بإعجاب وثيقة يرجع تاريخها لعام 1935م و هي عبارة عن خبر بأحد صفحات ملحق (حضارة السودان)، و هي جريدة يومية سياسية أخبارية كانت تصدر في تلك الحقبة، العدد 1367 بتاريخ 9 ذي الحجة 1353ه الموافق الخميس 14 مارس 1935م بعنوان (القائمة الأولي بإعانة ساكني المدينة المنورة لصاحبها أفضل الصلاة و السلام) و كانت تضم قائمة من 16 شخصية سودانية معروفة تبرعوا بمبلغ إجمالي قدره 223 جنيه و قد كان يمثل مبلغا ضخما في ذلك الوقت و كانت حينها بلاد الحجاز تعتمد بشكل كبير علي مواسم الحج والعمرة وكانت مناطق جدة ومكة و المدينة تنتظر قوافل الحجاج السودانيين بفارق الصبر لكرم السودانيين وما يحملونه معهم من عطايا للحجاج والفقراء في تلك البلاد في ذلك الزمن. وكثير من كبار السن من سكان مكة و المدينة يذكرون هذا الأمر و قد ورد ضمن رواياتهم أن السودانيون كانوا يلقبوا بأولاد عباس وعند قدوم حملة الحجاج السودانية تأتي إليهم جموع من أهل مكة والمدينة ويقولوا لهم (يا أولاد عباس أدو الناس).
و الملفت للنظر هنا أن أحد المتبرعين حضرة السراي الكبير الخواجة هنري جيد وهو سوداني مسيحي مما يبين مدي التعايش الذي كان يسود بين المسلمين و المسيحيين في بلادنا في تلك الفترة. فإذا صحَّت مقولة أن السودانيون كانوا يلقبون بأولاد عبَّاس (أو العبَّاس عم الرسول) فإن الخواجة هنري جيد (و قد دفع عدله بالتمام و الكمال) يصبح من البكور في ذرية الرجل و بالتالي لا يصبح العبَّاس حِكرا علي الجعليين كما تروي قصة الجعلي و قد طلب بمجرد وصوله الحجاز لأداء فريضة الحج و قبل أن يبدأ مناسك الحج أن يذهبوا به قبل كل شي لزيارة قبر جده العبّاس و بعدما وصل هناك و شال الفاتحة و نزَّل ليهو دمعتين عاين لقبر جدو و قال (هملتك هملة آ جدي العبَّاس ،،، هسّع أكان مت في جبل أم علي ما كان عملنا ليك قبة أخير من قبة ود أخوك التعبانة ديك) فالقصة برغم طرافتها إلا أنها تبين كيف أن الرجل كان يهمه العبَّاس أكثر من الرسول الكريم و من مناسك الحج نفسها الأمر الذي يكشف أن العروبة عند دعاة مثلث حمدي تأتي في المقام الأول فهي مقدمة في مشروعهم الحضاري عن الإسلام نفسه.
فليس غريبا أن ترتبط فكرة المشروع الإسلامي لدي طغمة الإنقاذ الحاكمة بالعروبة و بالثقافة العربية و التراث العربي عموما و الذي يمثل الإسلام جزءا منه علي الرغم من أن ظهور الإسلام في جزيرة العرب و نزول القرآن باللغة العربية لا يعني أن الدين الإسلامي دين عربي أو أن العرب لديهم فضل علي غيرهم من البشر حيث يقول سبحانه و تعالي في سورة الحجرات (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، و يقول الرسول الكريم محمد عليه الصلاة و السلام في حجة الوداع (لا فرق بين عربي أو عجمي و لا بين أبيض و أسود إلا بالتقوي). فأهمية الإسلام منذ ظهوره تكمن في كونه جاء متميزا عما سبقه من ديانات فلم يكن عقيدة خاصة بالعرب بل دعوة لكافة البشر توجِه خطابها للأمة و لكافة الشعوب و تتجاوز الأطر القومية و القبلية علي عكس ديانة موسي التي كانت موجهة لفرعون و لليهود دون غيرهم من البشر (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)). أو ديانة المسيح عيسي عليه السلام الذي أرسله الله إلي اليهود أيضا أو بني إسرائيل (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بل أن الإسلام قد جاء ليحارب التعصب و القبلية و عبادة كل قبيلة لإله خاص بها و ذلك أيضا من خلال عقيدة التوحيد نفسها كما أسلفنا و التي لعبت دوراً بارزاً في توحيد قبائل العرب و التقريب بينها و صهرها في بوتقة واحدة و إزالة مشاعر التفرد و النفور.
فمفهوم الجاهليِّة لدي دعاة الفكر السلفي و علي طليعتهم الأخوان المسلمين القائم علي الإدعاء بعزلة مكة عن محيطها الخارجي، إدعاء باطل الهدف منه إثبات أن الإسلام نزل في بيئة أميِّة جاهلة مغلقة بعيدة عن الفكر (أو منقطعة عنه) و ساكنة في أحد نقاط مسيرة السهم الزينوني الذي تحدثنا عنه سابقا، بإعتقاد فج و جهل عظيم بأنهم بذلك يخدمون الإسلام في حين أنهم في الحقيقة يضرونه و يحوِّلونه لدين منعزل متصادم مع واقع الحياة المتغير و متناقضا مع مقولة أنه صالح لكل زمان و مكان.
فالتاريخ يبين أن العرب كانوا منفتحين علي ما حولهم من حضارات و إمبراطوريات و أن مكة بفعل رحلتي الشتاء و الصيف كانت ملتقيً للقوافل التجارية و مسرحا للأدب و الفكر و التمازج القومي و التلاحم الديني و ظهور مدارس فكرية متقدمة في ذلك الوقت يأتي في مقدمتها الحنيفية و التي كان يطلق علي معتنقيها الحنفاء (أي الميّاَلون عن الضلال إلى الاستقامة) فقد كانت ترفض اليهودية و النصرانية معا و كذلك عبادة الأصنام و تدعو لمكارم الأخلاق و ترفض الزنا و المخاذنة وشرب الخمر والتعامل بالربا ووأد البنات و كان المنتمين لها من الشخصيات التي تميزت بالسمو العقلي والأخلاقي أو بالحنكة السياسية أو الثقافية العالية، ولما كان الشعراء يمثلون في مجتمع ما قبل الدعوة المحمدية الفئة المثقفة لذا كان عدد من كبار الشعراء آنذاك من الحنفاء منهم أمية بن أبي الصلت، زهير بن أبي سلمى، النابغة الذبياني، و عامر بن الظرب، ولهم قصائد في الإيمان بوحدانية الله والبعث والحساب، وفي الترفع عن الدنايا. و ينتمي إليها أيضا زيد بن عمرو بن نفيل العدوي عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بل أن القرآن حدثنا أن سيدنا إبراهيم الخليل أبو الأنبياء كان حنيفيا إذا قال في سورة آل عمران (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفياً مسلماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
و بالتالي فإن ربط الدين الإسلامي بالعروبة و الإدعاء بأنه نزل علي أمة منعزلة جاهلة يعتبر تشويها و تحريفا و تفريغا له من محتواه التوحيدي الشامل الذي يحارب العنصرية و لا يفرق بين الناس علي أساس العرق و اللون و الإنتماء القبلي و يدعو للإنفتاح علي كل الأفكار و الحضارات.
هذا و يؤكد التاريخ أن التيارات و المدارس و الإتجاهات التي ربطت العروبة و القبلية بالإسلام في عمومياتها تمثل القوي الإجتماعية التي عملت دائما لإستغلال الدين من أجل مصالحها الضيقة. و لعل من دخلوا بيت أبي سفيان في فتح مكة من أعيان قريش و كبار تجارها و سادتها و فضَّلوا إعلان إسلامهم من هناك قد فعلوا ذلك حتي لا يكونوا في مرتبة واحدة أو تحت إمرة قادة الفتح الإسلامي و منهم من كانوا عبيدا أو رعاة لبعضهم قبل عقدين فقط من الزمان من أمثال بلال بن رباح و عبدالله بن مسعود و غيرهم في حين أن معظمهم (و علي رأسهم أبي سفيان) من الذين ينحدر أصلهم لقبيلة قريش و يمتد نسبهم إلي قصي بن كلاب (جد الرسول الكريم محمد) الذي حوَّل قريش من قبيلة مستضعفة تسكن الجبال والشِعاب وأطراف مكة إلى القبيلة الحاكمة التي تمسك بزمام السلطة والثروة في العاصمة الدينية المقدسة، وتسكن الأبطح أكرم بقاعها وتقيم بيوتها في الحرم، وتصبح أشرف قبائل جزيرة العرب، ويطلق على أفرادها "أهل الحرم" ويصبح النسب إليهم مكانة رفيعة تتطاول إليها أعناق شيوخ القبائل الأخرى. و لذلك فقد كان هؤلاء بمثابة الثورة المضادة للتغيير الإجتماعي و الفكري الذي أحدثه إنتصار الدعوة الإسلامية و بالتالي فإن دخولهم الإسلام كان في المقام الأول بهدف الحفاظ علي مواقعهم الإجتماعية و القبلية و استعادتها و من أجل أن يجدوا (عاجلا أم آجلا) حظا لهم في الدولة الإسلامية الوليدة فظلوا يتربصون بها سعيا للسلطة.
فهم من أشعل الفتنة بين علي و عثمان و كذلك بين علي و أم المؤمنين، و هم الذين رفعوا المصاحف علي أسنة الرماح في معركة صفِّين، و الذين قتلوا الحسين في كربلاء، إلي أن وصلوا السلطة و تربعوا علي عرش الخلافة الإسلامية لفترة دامت أكثر من 88 عاما. و من المعروف أن دولة بني أميَّة و برغم أنها شهدت بعض السنوات تولي فيها الخلافة من يحفظ لهم التاريخ سيرة حسنة في العدل و الحكمة إلا أن بنو أميَّة عموما اشتهروا بالتسلط و الجاه و الترف و رغد العيش و اللهو و المجون فمنهم هشام بن عبد الملك الذي نفِّذ أبشع جرائم القتل السياسي عندما أمر والي العراق خالد القسري بقتل الجِعد بن درهم. و في عيد الأضحي بعد أن إنتهي من الخطبة و كان الجِعد مكبلاً بقيوده أسفل المنبر أمام الملأ خطب في الناس قائلا قولته المشهورة (أيها الناس إذهبوا و ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح اليوم بالجِعد بن درهم ثم نزل وذبحه في أصل المنبر أمام الملأ في مشهد مريع (مشابه تماما لمشهد إعدام شهيد الفكر محمود محمد طه) قرظَّه و أشاد به بن القيِّم الذي كان أحد حاشية هشام بن الملك و الجِعد و مستشارهم من علماء الدين (كما كان عوض الجيد، النيّل أبوقرون، و بدرية سليمان حاشية للسّفاح نميري) في أبياته المشهورة:
ولأجل ذا ضحى بجِعد خالد القسري يوم ذبائح القربان إذا قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان و منهم كذلك الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان (الذي تولي الخلافة بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك) و الذي مزَّق المصحف الشريف عندما فتحه يوما فأول ما أطل له قوله تعالي (و استفتحوا و خاب كل جبَّار عنيد) فثار غيظه و قال مخاطبا المصحف الشريف أتتوعدني؟ ثم علقَّه و ظل يضربه بالنشَّاب حتي خرقه و مزّقه و هو ينشد بقولته المشهورة: أتتوعد كل جبار عنيد ،،، فأنا ذاك جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر ،،، فقل يا ربي مزَّقنى الوليد
و لا تختلف طغمة الإنقاذ الحاكمة اليوم كثيرا عن تلك النماذج من سادات قريش و ملوك بني أميَّة في غيّهم و جاههم و قصورهم العاجيِّة و تسلطهم و جبروتهم و ربطهم للدين الإسلامي بالعروبة و القبلية و إستغلاله لتعزيز موقعهم الإجتماعي و تحقيق مصالحهم الذاتية و تحويله من دين يدعو للتعايش و يحارب القبلية و العنصرية و التعصب إلي مطيِّة لتسعير نيرانها، و من دين يدعو إلي مكارم الأخلاق إلي مجرد فتاوي و صكوك غفران لتقنين و توطين الفساد و التفسُّخ و الإنحطاط و التملق و المداهنة، و من دين يدعو إلي السلم كافة إلي مجرد طبول لتسعير نيران الحرب، و من دين يدعو إلي الحكمة و الموعظة الحسنة إلي ألسنة سليطة لا تجيد غير السب و الذم و الشتم و الوعيد. و في الختام و إذا صحَّت مقولة أن السودانيون كانوا يلقبون بأولاد عبّاس كما يقول شيوخ مكة و المدينة فأترك الأمر للقارئ و فطنته و خياله ليتصور ماذا كان سيحِل بنا لو أن العبَّاس قد مات بالفعل و دفن في جبل أم علي؟؟؟.
الهادي هباني [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
السودان: لماذا يستجدي المؤتمر الوطني مشاركة المعارضة في السلطة؟ د. عبدالوهاب الأفندي 2011-10-31 القدس العربى في كل الدول، الديمقراطية منها والدكتاتورية، تسعى القوى السياسية إلى الإمساك بالسلطة، وهو هدف مشروع في حالة ما إذا تم السعي إليه بالوسائل المشروعة. وعندما تبلغها تحرص على الانفراد بها من أجل تطبيق البرنامج التي تؤمن بأن في تطبيقه مصالح العباد والبلاد، خالفها من خالفها ووافقها من وافقها. وإذا ما فاز حزب بالانتخابات، فإنه يحرص على تعيين أنصاره في القيادة، ويتبنى تطبيق برنامجه الذي انتخب على أساسه، متمنياً أن ينجح البرنامج فيعاد انتخابه مرة أخرى. وهذا ما كان من أمر حزب العدالة والتنمية في تركيا، ومعظم الأحزاب في معظم الدول. نفس الشيء يحدث إذا وصلت جماعة أو عصبة إلى السلطة عن طريق انقلاب. فهي في هذه الحالة تكون أحرص على الانفراد بالأمر، ولكنها تجتهد في تنفيذ برنامج طموح للتنمية والإصلاح السياسي بحيث تحدث تحولات سياسية واجتماعية تخدم برنامجها على المدى الطويل. وإذا نجح المسعى، أو كانت محظوظة، فقد يستمر حكم التيار المعني وأنصاره حتى بعد التحول الديمقراطي. وقد كان هذا شأن قادة انقلاب عام 1975 في نيجريا، وبعد ذلك انقلاب جيري رولينغز في غانا عام 1981، ثم قادة بوركينا فاسو وموريتانيا الحاليين.
لكننا نشاهد في الحالة السودانية مخالفة بينة لهذا التوجه (المنطقي نوعاً ما). فنظام الإنقاذ جاء إلى السلطة على ظهر دبابة، وأظهر حرصاً بيناً على الانفراد بها. ولكنه في نفس الوقت كان يظهر حرصاً موازياً على استمالة شركاء آخرين يوالي دعوتهم حتى يشاركوه في السلطة. فقد مد يده في أيامه الأولى لليساريين، والحزب الشيوعي تحديداً، يراوده على الانضمام للحكم أو على الأقل دعمه سلبياً. وسعى أيضاً لدعوة بعض قادة الأحزاب لمشاركة مشروطة أو دعم سلبي، حيث كان يأمل أكثر أن يستميل السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي. وفي جانب موازٍ أظهر النظام حرصاً زائداً على التفاوض مع حركة التمرد في الجنوب، وجدية في استمالتها كانت أكثر بكثير من جديته في استمالة المعارضة المسالمة، وهو توجه يطرح أسئلة تزداد أهيمتها في الظرف الراهن، ولكنها تحتاج إلى نقاش منفصل لا يتسع له المقام هنا. عندما لم تنجح مساعي استمالة الأحزاب ذات الوزن، اتجه النظام إلى استيعاب العناصر المنشقة عنها كديكورات يزين بها حكوماته، كما أكثر من الاستعانة بأنصار نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري. وقد كان هؤلاء من جانبهم في غاية الحماس لهذه الفرصة التي أتتهم من حيث لم يحتسبوا، إذا لم تكن لهم خيارات أخرى بعد سقوط ذلك النظام المدوي، ولفظ الشارع لهم.
مهما يكن فإن غاية مثل هذه التكتيكات تكون تثبيت النظام بنظر أهله، والوصول به إلى غاية لا يحتاج معها إلى مثل هذه الموازنات. وبحسب الظاهر فإن هذه المرحلة تم بلوغها للإنقاذ بعد تطبيق اتفاقية السلام الشامل ثم إجراء انتخابات نيسان/أبريل 2010 على أساس الدستور الانتقالي الذي ارتضته كل القوى السياسية وقتها، وتحقيق المؤتمر الوطني لفوز كاسح في تلك الانتخابات اهله للحكم بدون الحاجة إلى دعم أي حزب آخر. وبالفعل سمعنا من قادة الحزب في تلك الأيام ما يفيد بالإصرار على الحكم منفردين، وعدم قبول مشاركة أي قوى سياسية إلا تلك التي تقبل ببرنامج الحزب وتنضوي تحت لوائه. وقد جاءت هذه التصريحات من أعلى هرم السلطة رداً على تلميحات من قيادات حزبية حول انفتاح الحزب على المشاركة مع بقية القوى السياسية في حكومة وحدة وطنية، خاصة وأن البلاد كانت تواجه حينها تحديات مصيرية، ليس أقلها الاستفتاء الوشيك على وحدة البلاد، مما كان يستدعي تكاتف كل القوى الوطنية لمواجهة استحقاقاتها. ولكن قيادات الحزب سارعت برفض هذا الطرح، قاطعة الطريق على أي آمال أو توقعات في هذا الاتجاه.
مرت تلك الفترة بخيرها القليل وشرها الكثير، ووقع انفصال الجنوب تحت قيادة الحزب وبمسؤوليته، وأصبح اقتصاد البلاد على حافة الانهيار، أو هو قد سقط بالفعل في الهوة، وتحول مع ذلك موقف الحزب الذي قضى الأشهر الأربعة الماضية وهو يفاوض الأحزاب يميناً وشمالاً، ويقدم العرض تلو العرض وهو يراودها للمشاركة في حكومته، دون أن ينال رضا أي منها. ولم يأت هذا الانقلاب مصادفة، بل هو تطور ذو دلالات سياسية عميقة. فنحن هنا أمام وضع يبدو مقلوباً، إذن أن المعهود أن قوى المعارضة هي التي تلهث وراء أهل السلطة من أجل الفوز بنصيب منها، قل أو كثر، وليس العكس. وعندما تكون الحكومة هي التي تستجدي تعاون المعارضة، بل وتكتفي أحياناً بتسقط من يتساقطون من أحزابهم أو من تلفظهم تلك الأحزاب، ومن خانوها وتنكروا لها ولمبادئها، حتى تخلق وهم المشاركة الحزبية، فإنها تكون كمن يتزود من المخلفات من فرط جوعه.
عندما تفجر الخلاف في عام 1992 داخل حكومة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عن حزب المحافظين جون ميجور على خلفية أزمة العملة البريطانية وإشكالية ارتباطها ببقية العملات الأوروبية، ألقى وزير الخزانة نورمان لامونت بعد إجباره على الاستقالة خطبة وجه فيها انتقادات حادة لرئيسه ميجور. وقد جاءت في تلك الخطبة عبارة سارت مسير الأمثال عندما قال: إننا في الحكومة، ولكنا لسنا في السلطة. وهذا الوصف ينطبق على حكومة الإنقاذ منذ نشأتها، لأنها كانت ولا تزال تفتقد السلطة، ليس فقط بمعنى فقدان الشرعية والسلطة الأخلاقية والهيبة، بل كذلك بمعنى فقدان القدرة على الفعل. فقد كانت ولاتزال في العالم أنظمة تفتقد الشرعية والسند الأخلاقي، ولكنها قادرة على إنفاذ إرادتها، وإن كانت الكلفة باهظة، كما كان الحال مع نظام صدام حسين في العراق، ومع نظام الأسد في سورية حتى عهد قريب، ونظائرها. ولكن نظام الإنقاذ يعاني من أزمة في هذا المجال أيضاً. يعاني النظام على سبيل المثال من فقدان السيطرة على مساحات شاسعة من أراضي القطر، كما هو الحال في دارفور وولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان، وفي الجنوب والشرق سابقاً. ورغم الحديث عن بطش النظام وعسفه إلا أن معظم أحزاب وقوى المعارضة ظلت فاعلة وناشطة، وبصورة علنية في معظم الأحيان وفي معظم بقاع السودان، حيث كانت تقابل إجراءات النظام ضدها بالاستخفاف أكثر منها بالخوف والرعب. وفي مجال الاقتصاد اضطر النظام إلى إعلان سياسة التحرير مكرهاً لأن إجراءاته التعسفية لتحديد الأسعار أدت إلى فقدان السيطرة على الاقتصاد.
وقد كانت معظم حدود السودان ولا تزال خارجة عن سيطرة الدولة إلى حد بعيد. وتعتبر الأزمات المستعصية في دارفور ومناطق أخرى نتاجاً لضعف سيطرة النظام على أراضيه وليس العكس. فقد فشلت القوات النظامية في التصدي لحركات التمرد في دارفور، فلجأت إلى تسليم مهام حفظ الأمن في 'عطاءات' إلى ميليشيات غير نظامية، كما فعلت هي وقبلها حكومة الصادق المهدي في الجنوب، وكما فعلت أمريكا في العراق باستخدام الشركات الأمنية للقيام بمهام هي من أخص خصائص المؤسسات السيادية.
ولعل بعض هذا من جناية الحكومة على نفسها، لأنها اجتهدت في أول أيامها في إفراغ مؤسسات الدولة من السلطة التي تركزت عمداً خارج الدولة لحد كبير. وما يزال هذا هو الحال في كثير من مؤسسات الدولة، خاصة في الوزارات التي يشغلها عدد من 'المؤلفة قلوبهم' من الأحزاب الحليفة، خاصة لأن اختيارهم لا يتم على أساس الكفاءة. وهذا يؤدي بدوره إلى النيل من هيبة المؤسسات وسلطانها. ولكن الأمر قد تعدى هذا الحد بسبب الصراعات وتنازع الصلاحيات في وحول مؤسسات الحزب والدولة وبين بعضها البعض، بحيث أصبحت هناك وزارات ومؤسسات فوق القانون، وقادرة على التغول على مؤسسات أخرى. وقد خبرنا هذه الأوضاع مباشرة في تعاملنا مع قضايا المتأثرين بسد مروي، حيث كانت القرارات تصدر من أعلى مستويات الدولة، ومن رئاسة الجمهورية مباشرة، وأحياناً على شكل قرارات جمهورية أو تعليمات رئاسية مباشرة ومعلنة، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ، بل ويتم تحديها علناً من قبل مؤسسات أخرى. وهذا يعطي أسوأ الانطباعات، لأن أفضل تفسير لهذا الوضع هو أن الحكومة عاجزة ومنقسمة على نفسها، ولا سلطان لها حتى على مؤسساتها. ولكن هناك تفسيرا أسوأ، وهو أن الحكومة تمارس الخداع والمراوغة على أعلى المستويات دون أن يطرف لها جفن. وأسوأ من ذلك أن يكون كلا التفسيرين صحيحاً.
المحصلة النهائية هو أن الحكومة تفتقد السلطة، وتفتقد الثقة بنفسها وببرامجها، وإلا لأقبلت بهمة وتركيز على تنفيذ تلك البرامج ولم تلتفت إلى مخالفيها. وليست هذه مشكلة عرضية، بل هي أزمة هيكلية لحكومة تتخذ طابع المعارضة الأبدية وتتآمر ضد نفسها وتعجز عن مصارحة ذاتها، ناهيك عن مصارحة الأمة والصدق معها. وهي أزمة لا علاج لها في وجهة نظري إلا الجراحة العاجلة.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
السودان ضياع المالك والمستحق د. حيدر إبراهيم علي
يستمر الوضع في السودان محيرا وعصيا على الفهم والتحليل، وكأنه بلد خرج من التاريخ. وهل السودان استثناء، أي لا تنطبق عليه قوانين ومنطق الاجتماع والسياسة؟
فالعالم العربي يعيش تحولات جذرية ستطال الجميع، حتى الأكثر أمنا ومن يظن أنه استثناء لغياب أسباب الانتفاضة الشعبية. وتستند هذه الفرضية على حقيقة ناصعة، وهي فقدان هذه الحكومات للشرعية الشعبية والدستورية. فهي مطالبة بعقد اجتماعي جديد مع شعوبها، سواء عن طريق الثورة السلمية أو المسلحة أو الإصلاح التوافقي. وفي كل الأحوال يستحيل استمرار النظام القديم الحاكم، فالتغيير أصبح ضرورة لا تقبل المماطلة والتهرب والمناورة.
وها هو الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يحاور ويناور منذ شهور، دون أن ينال من عنفوان وإصرار ثورة الشباب. ويبدو في السودان البروز الإعلامي لتيار يميل للحل الإصلاحي التوافقي أو الأجندة الوطنية أو اتفاقية القاهرة، ويقف على قمته الحزبان التقليديان الكبيران: حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي. وقد شهدت الفترة لقاءات مكوكية بين هذه الأحزاب والمؤتمر الوطني الحاكم، وصلت إلى درجة تعطيل إعلان التشكيل الوزاري حتى اليوم.
لفت انتباهي تعليق على البيان الذي أصدره حزبا الأمة القومي والمؤتمر الوطني، لإعلان توقف أو فشل المفاوضات في شأن مشاركة حزب الأمة في الحكومة القادمة. وظل هذا التعليق يتكرر عدة مرات وكأنه مطلب قومي، آخرها حديث صحافي مرموق قبل يومين في قناة الشروق. ويقول التعليق إن السودان في الفترة القادمة في حاجة إلى: حكومة رشيدة ومعارضة مسؤولة! فتساءلت في نفسي: هل كنا طوال هذا الوقت نتخبط بلا حكومة رشيدة ولا معارضة مسؤولة؟ فماذا تبقى لنا للنهوض والخروج من هذا الجب لإنقاذ البلاد؟
بالفعل يعيش السودان فراغا سياسيا مرعبا، وأخطر ما في الأمر عدم التعامل معه بجدية وصدق. ولا أدري كيف ساد هذا الوضع، هل للجهل وعدم إدراك الحقائق؟ أم بسبب سوء التقدير لخطورة الأمور؟ وفي الحالتين لن تكون البلاد في مأمن من الكارثة، ولن تصبح الاستثناء في عواصف المنطقة.
ومع أن مثل هذه الكلام صار بدهيا ومكررا لدرجة الضجر، فإن القوى السياسية السودانية على الضفتين، لا تحرك ساكنا في الاتجاه المطلوب والمنقذ. وقد رأينا كيف انتهى حوار من لا يملك مع من لا يستحق. فالمؤتمر الوطني ما زال صاحب شرعية مجروحة، مع أن المعارضة لم تستثمر هذا الخلل بكفاءة وعقلانية، وتدير معركة صحة وشرعية الانتخابات.
وهذا ما يستند اليه النظام في "الكنكشة" في السلطة، وفي العنجهية والبلطجة ضد المعارضة: "بيننا صندوق الانتخابات" كما يقول علي عبدالله صالح، مع انه يعلم - مثل المؤتمر الوطني - كيف كان صندوق الانتخابات! كما يعرض المؤتمر الوطني المشاركة في دولة فاشلة من ناحية السيادة الوطنية، لأنها لم تتمكن من الحفاظ على كل ترابها الوطني الذي ورثناه منذ الاستقلال، ولا تسيطر على أجزاء كبيرة من أراضيها، إذ تجاذبها قوى محلية مسلحة السيادة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقوى إقليمية (القوات الإثيوبية في منطقة أبيي).
ويوميا تذاع أنباء عن استرداد مدن وقرى في تلك المناطق التي وعدنا النظام قبل شهور بأنه سيسترجعها بعد أيام، وما زالت فيها معارك كر وفر، ولم يتوقف تدفق اللاجئين على الدول المجاورة.
أما الاقتصاد فتكاد المجاعة تحاصر الخرطوم، والنظام ما زال يغالط المنظمات الدولية في شأن خط الفقر، وبالتالي لا نعرف عدد الفقراء في السودان، وهو يمارس نفس هواية التدليس والمغالطات في وصف الأزمة الاقتصادية والمجاعة. والنظام يتلاعب باللغة: الفجوة أو الثغرة الغذائية، أو شح العملات الأجنبية، عوضا عن انعدامها لتغطية بعض الضروريات. ووزير الزراعة عبدالحليم المتعافي يبشرنا بموسم زراعي "أرقط" - حسب لغته - لعدم هطول أمطار.
أما من لا يستحق فهو المعارضة التقليدية، التي يتصدرها - ولا أقول يقودها - الحزبان الكبيران: الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي. وهذه يمكن أن تسمى المعارضة بالمشاركة، مثل تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال 2005 إلى 2011.
فقد تعلم المؤتمر الوطني درس: كيف يشاركك آخرون دون أن يحكموا فعليا؟ أي مشاركة بلا سلطة، أو كما يقول المصريون: لابس مزيكة! دون أن يعزف مع الفرقة! وحتى هذه اللعبة لم يمارسها المؤتمر الوطني مع الحزبين، لأنه أولا لا يحترمهما، وثانيا لأن المشاركة مع الحركة جاءت بعد حروب ضارية، ولم تأت منحة أو هدية عيد ميلاد.
والدليل الناصع على عدم الاحترام، هو أن الحزبين كانا يتفاوضان داخل غرفة مع مصطفى عثمان إسماعيل، وفي الخارج كان نافع علي نافع ومندور المهدي يسبان الأحزاب بأقبح الألفاظ ويستخفان بها.
ظللت أكرر أن السياسة صراع قوى وليست حبا رومانسيا، وفيها تؤخذ الدنيا غلابا. وقد أدرك السيدان هذه الحقيقة، بالذات السيد الميرغني في تعامله مع هذا النظام، حين رفع شعار "سلم تسلم". وعلى ضوئها غنى الفنان سيف الجامعة: سلم مفاتيح البلد. وقد تم شحن الجماهير، خاصة حين ارتفع الحديث عن "الاقتلاع من الجذور". فهل يمكن أن تصدق الجماهير السودانية أن صاحب هذا الشعار وحزبه يفاوضون الآن في شأن عدد المقاعد التي يمكن الحصول عليها من نفس النظام الذي طلب منه تسليم مفاتيح البلد؟ هل سيحترمه هذا النظام ويتعامل معه بجدية أم يعتبر الأمر مجرد هزل وتمضية وقت؟
لا أدري هل ما زال السيد الميرغني رئيس طيب الذكر "التجمع الديمقراطي"؟ فأنا لم أسمع بحله. وفي كل الأحوال، ألا يقتضي الأمر توضيحا ونقدا لهذه الانتقالة والتجربة؟ وإذا قلنا إن النظام لا يحترم شعبه ولا الأحزاب، أليس من باب الاحترام أن يخاطب الميرغني الملايين التي أيدت التجمع، ويخبرها عن ظروف توقف خط النضال المسلح، وأيضا يخبرها ماذا يفعل هذه الأيام بمستقبل الوطن؟
ومن الضفة الأخرى، صدر بيان للأحزاب المعارضة، تظن أنه صدر في يوليو 1989 وليس هذا الأسبوع، يتحدث عن: "نقلة نوعية لاستبدال النظام القائم تشمل المعارضين كافة". وقد كشف البيان عن مقترحات تقدم بها المهدي: "تنادي بضرورة الاتفاق على ميثاق وطني جامع، يتناول الحل الشامل لكافة أزمات السودان".
هل يعني هذا أن المعارضة طوال أكثر من اثنين وعشرين عاما، كانت تعمل بلا ميثاق؟ يبدو ذلك، لأن المهدي يقترح أيضا "إنشاء هيكل جديد لاتحاد القوى السياسية والمدنية"، أيضا لا يوجد هيكل! وقد اشتهر حزب الأمة أثناء وجوده بالقاهرة، بنرفزة التجمع بحديثه عن "الهيكلة"! فهل ظل كل هذا الوقت، وهو لم يهيكل شيئا حتى الآن؟ ويختم المقترحات بضرورة الاتفاق على الوسائل!
حقيقة استبشرت خيرا بأن معارضة النظام قد انطلقت، خاصة أن هذه المقترحات تأتي مباشرة بعد فشل مفاوضات المشاركة. هل يمكن لحزب عاقل أو غير عاقل، أن يشرك معارضة كهذه معه في السلطة؟
Ssc_
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
الحج .. أم الحاجة ؟! د. عمر القراي..
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) صدق الله العظيم الحج الى الاماكن المقدسة، فريضة قديمة، سابقة لأديان التوحيد، فقد كانت القبائل البدائية القديمة، تزور أماكن بعينها، تضع فيها الحجارة، والتمائم، تقيم فيها شعائرها، تزلفاً لآلهتها .. وفي مرحلة متقدمة من ترسيخ أديان التوحيد، أمر نبي الله ابراهيم الخليل، عليه السلام، أن يبني الكعبة الشريفة، كأول بيت وضع ليحج إليه الموحدون المسلمون .. قال تعالى
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ولما طال الامد بالناس، تنصلوا عن لباب الدين، وظلوا متمسكين بمظهره .. فتركوا التوحيد، ورجعوا الى سابق عهدهم من عبادة الاوثان، ولكنهم مع ذلك، إحتفظوا بالحج الى البيت الذي بناه ابراهيم .. فلقد كان العرب قبل الإسلام، في الجاهلية، يحجون الى بيت الله الحرام، وفوقه وحوله مئات الاصنام، يقربون إليها القرابين، ويتزلفون إليها، يدعونها، ويقبلونها، وينحرون لها الهدي، مما عندهم من بهيمة الانعام .. وكانوا يطوفون بالبيت العتيق عراة، وهم يصفقون، ويصفرون، قال تعالى عن ذلك (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) .. وحين جاء الإسلام بالتوحيد بمستوى جديد، أبقى على شعيرة حج بيت الله الحرام، بعد أن طهرها من رجس الشرك، وهذبها من مفارقاته، وأعادها مرة اخرى الى ملة ابراهيم، قال تعالى (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .. فوجه الدعاء والتلبية لله، بدلاً من الأصنام، وجعل نيّة النحر لله، وأبقى على تقسيمها على المحتاجين، وأبقى على الطواف بالبيت، وبدّل التصفيق والتصفير، بالتلبية والنداء لله، وأزال الحجارة التي كانت تقدس، وابدلها بالحجر الاسود، وهذه القرينة هي التي دعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليقول وهو يقبل الحجر الاسود ( إني أعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) !!
وحقيقة الحج، هي خروج العبد من بيته متجرداً الى الله من علائق الدنيا، فاراً إليه من كل دواعي الغفلة، مستحضراً له في الأماكن التي قدسها ووقرها.. ولهذا يحلق شعره، ويغتسل، ويلبس ما يشبه الكفن، وكأنه قد ترك الدنيا، واقبل على الآخرة .. فلا ينشغل بالملذات، ولا يخرج عن الطاعات، ولا يستمرئ مجرد الحديث والجدل إلا ما كان منه مفيداً قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .. ولأن الحج قد قصد به التمثل بالآخرة، حيث لا ينشغل أحد بغير نفسه، فإن شعائره تتم باختلاط تام بين الرجال والنساء، رغم ان الشريعة قد حرمت الإختلاط !! والمقصود ان يتجرد الناس الى ربهم، فلا ينشغلوا بما يثير الشهوات، ويوقعهم في الغفلة، التي تسوق الى المعصية .. ولكن لأن المسلمين قد فارقوا جوهر دينهم، وإن ابقوا على مظهره، فأعادوا بذلك سيرة الجاهلية الأولى، فإننا نجد ان ممارسات غير أخلاقية تحدث في موسم الحج في أو قرب الحرم المكي !! وحتى ترسخ معاني التجرد في النفس لابد من مكابدة المشقة، والتخلي عن مباهج الدنيا، والشعور بالعجز، والضعف، والحاجة الى المغفرة .. ولهذا قال تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .. ومعلوم ان الحياة قد تطورت، فلم يعد الناس يسافرون راجلين، أو على ظهور الدواب ، ولكن المبالغة في الراحة، ودفع المبالغ الطائلة لتحقيقها، فيما يعرف بالحج (الفاخر)، مفارقة لروح الحج، تخرجه من القيمة الروحية، وتجعله عملاً إجتماعياً سلبياً، يقوم على البذخ والتفاخر بالدنيا الفانية، التي جاءت شعيرة الحج، لتعين على الفرار منها ..
ومع ان الحج فريضة، وركناً أساسياً من أركان الإسلام، فإنه جاء في ترتيبه بعد الصدقة .. فإذا كان الحج يكلف أموالاً طائلة، فإن الواجب الديني، هو ألا يجمع المسلم هذه الأموال، بإمساكها عن المحتاج من أهله، أو جيرانه، أو فقراء البلد الذي يعيش فيه، حتى يسافر بها الى الحج، فإن إغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وعلاج المريض، أولى من الحج .. وإذا كنا ، في السودان، نعاني من ويلات الحروب، والنزوح، وظاهرة المتشردين، والجوعى، والارامل، والايتام، فإن واجب الأثرياء أن يجمعوا أموالهم لنجدة هؤلاء، وتأسيس ما يساعدهم على البقاء والاستقرار، بدلاً من إنفاق الملايين على الحج، الذي نرى مفارقته اليوم . لقد كتب الصحفي، النابه، حيدر المكاشفي، في صحيفة الصحافة، قبل أيام، عن قصة الفتاة الجامعية، التي تأكل كل يوم من (الكوشة)، وتصر على المحافظة على شرفها، ومواصلة دراستها، وهي لا تملك حق الطعام !! وقد جاء في الحديث ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به) (رواه الحاكم عن ابن عباس). فإذا كانت الخرطوم محاطة بحزام من الجوعى، يعلم به كل الأثرياء، ولا يهتمون بهم، فإن هذا يخرجهم من الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فما جدوى ان ينشغلوا بعد ذلك بالحج ؟!
إن المسلم الصادق، الذي يعرف حقائق دينه، لن يستطيع الحج في ظروف السودان الحاضرة، لأنه لو استطاع جمع الآلاف التي يتطلبها، فسيجد حوله من اهله، أو جيرانه، من يحتاج لهذا المال ليسد رمقه من الجوع، ويعف ابناءه وبناته، ويحفظ اطفاله من التشرد، وهذا لعمري أفضل بما لا يقاس من الحج .. ولعل كثير من الناس، يرغبون في الحج، لما ورد عليه من الثناء .. فقد جاء في الحديث ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)(رواه البخاري). ولكن الحج المبرور، هو حج الابرار، و (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في النفس وخشيت ان يطلع عليه الناس)(رواه النووي)، واحسن حسن الخلق، إغاثة الملهوف، وإطعام الجائع .. فقد ورد في الحديث (لقمة في جوف جائع أو شربة ماء يبل بها الظمآن غلته لا تكلفك عسراً ولا تضر بك في مطعمك أو مشربك وأنت لا تلقي لها بالاً تقع منك عند الله بمكان يدفع بها عنك البلاء ويجيزك بها من سوء القضاء ويجعلها لك حجاباً وستراً من النار)(متفق عليه).. فإذا وضح كل ذلك، أصبح النظر في أمر الحج، في هذه الظروف، واجباً دينياً، قصر عنه العلماء، الذين خضعوا للسلطان، فيجب ألا يقصر عنه عامة الناس، الذين يهمهم أمر دينهم، وما لحق به من تطفيف . إن قضيتنا الدينية والإجتماعية الأولى الحاجة وليس الحج !! وواجب الحكومة والأفراد مواجهة هذه القضية، بدلاً عن الإنصراف عنها بمظاهر دينية، ليست في حقيقتها من الدين، كمثل الحج في هذه الظروف.
ومن أسوأ الممارسات التي تتم باسم الحج، ان تقوم المؤسسات الحكومية، بدفع تكاليف الحج لكبار الموظفين، من وكلاء وزارات، وموجهين تربويين، في وزارة التربية والتعليم، وغيرهم .. وهي إنما تفعل ذلك بأموال دافع الضرائب، فلكأن الحكومة تأخذ أموال الفقراء المحتاجين، لتنفقها دون موافقة اصحابها، على كبار الموظفين، الذين هم أفضل حالاً منهم .. وهذه من ناحية مفارقة للدين الذي لم يفرض الحج إلا على المستطيع، ومن ناحية أهم، هي ممارسة للظلم وأكل أموال الناس بالباطل .. فبينما يجلس كثير من الطلاب، في فصول على الأرض في ولاية الخرطوم، لأن الوزارة لا تستطيع ان توفر مقعد للطالب، تدفع الوزارة الأموال الطائلة، ليحج كبار الموظفين !! وإذا كانت الحكومة قد إعترفت بالضائقة الإقتصادية، وسعت الى طلب المساعدة من الدول العربية ولم تجدها، فما معنى إصرارها على هذه الظواهر البذخية، ولماذا لم تحد من عدد الحجاج، توفيراً للأموال، حتى يتحسن الوضع الإقتصادي ؟َ!
وحين خرجت عن الحج روح الدين، وأصبح اليوم في السودان موسم تجارة، ومنافسة حول الأرباح، ظهر الفساد في المؤسسات الحكومية، التي يديرها شيوخ الدين !! فالمؤسسات الدينية التي كان يفترض أن تحمي المواطنين، من جشع الشركات الخاصة، وتوفر لهم خدمة السفر والعودة بأيسر ما يمكن، قامت بنهبهم!! فقد جاء ( علمت الرأي العام ان د. ازهري التيجاني وزير الإرشاد والأوقاف اصدر قراراً بإيقاف احمد عبد الله مدير هيئة الحج والعمرة عن العمل واحالته للتحقيق حول تجاوزات في موسم الحج والعمرة السابق . في وقت سلمت فيه لجنة الشؤون الإجتماعية بالبرلمان ملاحظات اللجنة حول عدد من تجاوزات الهيئة) ومن تلك التجاوزات التي ذكرها عباس الفادني رئيس اللجنة بالإنابة (تسرب آلاف التأشيرات ودخولها السوق خصماً على حصة السودان )، ومنها ( فرق في العملة بين السعر الذي تشتري به الهيئة من بنك السودان وبين السعر الذي يتعامل به الحاج ) مما اعتبره رئيس اللجنة (أمر حرام بكل المقاييس واستيلاء على مال دون وجه حق) !! ومن المفارقات أيضاً ( وجود تأمين لشركة شيكان محتكر للشركة رغم توصيات البرلمان بان يكون هذا العمل إختيارياً للحاج وقال ان الحجاج تؤخذ منهم أموال تأمين دون علمهم واعتبره إستيلاء على أموال بالباطل)(الرأي العام 18/5/2011م).
فهيئة الحج والعمرة ، حسب إتهام لجنة البرلمان، باعت تأشيرات الحج في السوق، وتاجرت في العملة، وربحت أموالاً من فرق العملة، مع انها لا تملك رأس المال الذي حققت به تلك الأرباح !! وهذه يفترض ان تعتبر جريمة كبرى، خاصة، وان حكومة الإنقاذ، قد أعدمت مواطناً سودانياً بتهمة المتاجرة في العملة !! ولم تكتف هيئة الحج والعمرة بذلك، بل أمّنت على الحجاج في شركة شيكان وحدها دون علمهم .. والسؤال الذي يواجه هؤلاء الشيوخ: هل التأمين نفسه حلال؟! إذا كان الحاج يمكن ان يموت في الحج، وهو راض بقضاؤ الله وقدره، فلماذا التأمين؟! ثم ألا تقوم شركة شيكان، وغيرها من شركات التأمين الإسلامية، باعادة التأمين، لدى شركات اجنبية، تقدم لها تلك الخدمة بسعر فائدة يعتبر من الربا ؟! فإذا كان هنالك حاجاً يرى ان التأمين نفسه مفارقة دينية، لانه يقوم على عدم التوكل على الله، فلماذا تؤمن له هيئة الحج والعمرة رغم انفه، لتجبره على الربا، ولتأخذ امواله بالباطل، دون علمه، كما قال رئيس اللجنة البرلمانية ؟! ومع كل هذا النهب لأموال الحجاج، لم توفر لهم الخدمة على الوجه المطلوب، إذ تأخرت سفريات بعضهم، و تعطلت مصالحهم، حتى اضطروا لترك التهليل والتكبير، والخروج في مظاهرة، تهتف ضد الحكومة ومؤسساتها، قفلت شارع المطار، وعطلت حركة المرور، وزادت من معاناة غيرهم من المواطنين !!
لقد أصبحت أعداد الحجّاج كبيرة في الآونة الاخيرة، وقد تصل الى مليوني شخص، تجبرهم مناسك الحج على التزاحم في مساحة محدودة، مما يتسبب في موت عدد كبير من الحجاج، بلغ في إحدى السنين مأتي شخص !! ولما كان هذا الموت يتكرر في كل عام، فإن أي حاج معرض لهذا التهديد، مما يجعله غير آمن على نفسه، وهذا يتناقض مع الإستطاعة، التي من ضمنها أن يكون آمناً على حياته، وما يملك، حتى يؤدي المناسك، ويرجع الى اهله بخير .. ولعل محبة المسلمين للدين، وللأماكن المقدسة، تهون في نظرهم هذا الخطر، بل ان منهم من يحبذ الموت في الحج، على الرجعة لأهله .. وهذا فهم خاطئ للدين، فالإنسان يجب الا يجزع من الموت إذا أدركه، ولكن يجب الا يطلبه، بسبب السخط وعدم الرضا عن واقعه، أو بسبب الرغبة في أن يدفن في أي مكان، أو قرب أي أحد، وذلك لأنه لا يعلم أين، وكيف، تدركه المغفرة والرحمة، على وجه اليقين .. بينما يعلم إنه يجب ان يستثمر كل لحظة من حياته، ليحقق أكبر ما يستطيع من عمل صالح .. وكون هذه الأرواح تزهق في كل عام، مفارقة كبيرة لروح الدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لأن تنقض الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل إمري مسلم ) (رواه الطبراني) وفي رواية أخرى قال (لزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم إمرئ مسلم )!!
ولئن فهم الفقهاء هذه الأحاديث في إطار جرائم القتل، إلا أن بشاعة القتل نفسها جاءت من انه إهدار لحق الآخر في الحياة، وهذا هو الأمر المقدس حقيقة في جوهر الدين، بأكثر من قدسية البيت المعمور، ولهذا أشار الى أن تحطيم البيت نفسه، لا يقارن عند الله بغضبه على قتل المسلم. فهل يرضى الله عن علماء المسلمين، وهم صامتون على إهدار هذه الأرواح، بدلاً أن يجتهدوا بما يحد من زهق هذه الأرواح، والتضحية بها في سبيل إقامة شعيرة من شعائر الدين ؟! ويمكن ان يتجه الإجتهاد الى تقليل عدد الحجاج، بان تعطى فرصة لعدد بسيط لكل بلد، يتفاوت حسب عدد السكان، على ان يتم الإختيار عن طريق القرعة، فينوي عدد كبير من المواطنين في كل بلد الحج، ويختار منهم عدد قليل، بينما تكتب الحجة عند الله لكل من نوى الحج صادقاً، ورضا بعدم إعطائه الفرصة، كوسيلة لحفظ أرواح الحجاج الآخرين .. وهكذا يكون مجموع الحجاج عدد معقول، لا يسبب الزحام الذي يقتل العشرات . ولكن هذه المعالجة، لا ترضي الشركات والوكالات، والمؤسسات الحكومية، والدول التي تربح أموالاً طائلة من وراء الحج في كل موسم، ولا يهمها ان كانت هذه الأموال مخضبة بدماء الأبرياء من المسلمين، الذين يموتون كل عام بسبب هذا الزحام المفتعل، والذي يمكن ان يقلل بتدابير كثيرة .
إن حكومتنا التي تبدو حريصة على الحج، قد قتلت الآلاف من مواطنيها في دارفور، وجنوب كردفان، وابيي، والنيل الأزرق .. وقتل إمرئ مسلم واحد، أفظع ذنباً من إيقاف الحج، بتحطيم الكعبة نفسها، كما ورد في الحديث .. فهل هذا الإهتمام الزائد بالحج، والمتجاوز لحاجتنا وفقرنا، له مبعث آخر غير ما فعلت هيئة الحج والعمرة ؟!
------------------
يموت الناس فى السودان جوعا...ولحم الضأن يأكله المصريون!؟ ابراهيم الكرسني
أود فى صدر هذا المقال أن أتوجه بالتهنئة الحارة و التبريكات الى الشعب السوداني العظيم الصابر بمناسبة عيد الأضحي المبارك، الذى حرمته دولة الفساد والإستبداد من فرحته، وحرمت أطفاله من بهجته، وجعلته يوما عاديا لمعظم الأسر السودانية، إن لم يكن أسوأ منها، بفضل مرارة الحرمان من الإحتفال بالعيد، الذى أسبغته عليه سياسات الدولة الرسالية الظالمة.
تمر على شعبنا العظيم هذه المناسبة الدينية الجليلة وحاله كحال المتنبي حين أنشد قائلا، "عيد بأية حال عدت يا عيد... بما مضى أم لأمر فيك تجديد". ليس هنالك تجديد فى أمر عيد هذا العام، ولكن يوجد الجديد الذى لم يعهده شعبنا، منذ دخول الإسلام الى السودان، إلا فى ظل دولة قادة ’البدريين‘ الظالمة المستبدة. هذا الجديد يتمثل فى عدم قدرة السواد الأعظم من الشعب السوداني، بمختلف فئاته وشرائحه، من توفير ثمن ’خروف الضحية‘، وبالتالي من التضحية. تلك السنة التى تعودت عليها الأسر السودانية، وكانت توفرها الى أطفالها، منذ قديم الزمان، بغض النظر عن مستويات دخلها.
لأول مرة تمر هذه المناسبة على شعبنا الصابر الأبي ومعظم أطفال السودان لن يتذوقوا طعم شواء الأضحية، أو حتي يشتموا رائحتها، لأن من يستطيعون على الذبيح هذا العام هم فقط قادة ’البدريين‘، و أولياء نعمتهم، الذين شيدوا لأنفسهم قصورا، وأحاطوها بسياج منيع، فى مدن لايعرف لها البسطاء و الكادحين من بنات و أبناء شعبنا سبيلا، حتى ولو كان ذلك لإجترار ذكرى هذه المناسبة، عن طريق شم الشواء فقط! كما شيدوا كذلك لأنفسهم مساجدا لأداء صلواتهم، ليست كبقية بيوت الله، و إنما خصوها بأنواع من السجاد لا توجد حتى فى قصور بلاد فارس، وأنواع من المصابيح و’الثريات‘، لو قدر لكادحي شعبنا الوصول إليها، لن يستطيعوا رؤيتها مضاءة، إلا حينما ’يشحطوا‘ عيونهم، لأنهم لا يرون المصابيح الكهربائية العادية أصلا إلا لماما، ناهيك عن ’الثريات‘، بفضل إنعدام الكهرباء فى بيوت البعض، وقطوعاتها المتكررة فى منازل البعض الآخر،إن توفرت لهم أصلا.
ليس هذا فحسب، بل إن قادة ’البدريين‘ قد أتوا من البدع الدينية ما لم يأت به الأوائل. فقد إشترعوا سنة لم نسمع بها فى أي بلد إسلامي، منذ ظهور الإسلام وحتى وقتنا الراهن، وهي حجز أماكن لأنفسهم داخل بيوت الله، وبالقرب من محارابها، وأحاطوها كذلك بسياج تبدو ناعمة فى مظهرها، لكنها كالأوتاد فى قوتها، لا يسمح لغير الرئيس وحاشيته، وبطانته، وسدنته، وحراسه، ورجال أمنه، مجرد الإقتراب منها، ناهيك عن أداء الصلاة فى داخلها. وهي أماكن تشبه الى حد كبير مقصورات ’اللوج‘ داخل السينما فى عهود السودان المضيئة، التى كان يدخلها نفر من الناس لا يتميزون عن غيرهم إلا بفضل ما حباهم به الله من رزق حلال، ومن حر مالهم، وهم ينظرون على إستحياء لبقية الجماهير فى ’المساطب‘ الشعبية، التى كان يستطيع دخولها كل من له مزاج سينمائي ’رايق‘، غض النظر عن مستويات دخله.
نعم لقد فرقوا بين الناس حتى داخل بيوت الله، ثم يأتي خطيبهم ليحدثنا، ومن فوق منبر المسجد، عن حض الدين على المساواة والعدل بين الناس، وكأنه لا يرى عدم المساواة حتى داخل المسجد نفسه الذى يؤم فيه المصلين، و أمام ناظريه. لكنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور! يتحدث مثل هذا الخطيب عن المساواة بين الناس نفاقا فقط، و إستغلالا للدين الحنيف لمآرب دنيوية زائلة، لأنه إذا ما أصابه مكروه، أو مصيبة فى نفسه، لا يقول حسبي الله ونعم الوكيل، و إنما يطير على جناح السرعة لأفضل مشافى ’الكفار‘ فى سويسرا طلبا للإستطباب، ومن مال محمد أحمد المسكين... فتأمل!
أليس من المؤلم حقا، وفى الوقت الذى لن تتمكن فيه معظم الأسر السودانية من توفير ’حق‘ الضحية هذا العام، نسبة لحالة العوز والفقر المدقع الذى جرته عليها سياسات الدولة الرسالية الظالمة، أن ’يهدي‘ السيد الرئيس (20) ألفا من الخراف الى مصر؟ أليس من المدهش حقا أن يقوم السيد الرئيس بفعل هذا فى ذات الوقت الذى كان يدعو فيه الشعب السوداني الى مقاطعة اللحوم نسبة لإرتفاع أسعارها؟ هل كان من الأفضل له، ولشعب السودان، أن يوفر هذا العدد الضخم من ’البهايم‘ الى المسالخ و’الجزارات‘ لتخفيض أسعار اللحوم داخل بلده، حتى يتذوق طعمها شعبه المحروم، أم أن يقوم بتصديرها كهدية الى مصر؟ ألم يكن من الأجدر بالسيد الرئيس أن يخفف من حالة المعانة الرهيبة التى يعيشها شعبه جراء ضنك العيش، و مكابدته بصورة يومية، من خلال توفير اللحوم له، فى هذه الأيام الفضيلة، بدلا من تصديرها حية الى مصر كهدية؟ ألم يسمع سيادته بالمثل الشعبي البسيط القائل بأن، ’الزيت إذا ما كفى ناس البيت...يحرم على الجيران‘؟ وهو الذى ظل يفتخر دائما بأنه قد ترعرع فى أسرة فقيرة داخل حي كوبر الشعبي الفقير! إذن بربك لماذا تقوم بإهداء كل هذه الأغنام الى مصر، و’ناس البيت‘ لا يستطيعون توفير ’حق‘ الخروف؟
أليس من الغرابة أن يقوم السيد الرئيس بإهداء هذه الكمية المهولة من الخراف الى مصر فى الوقت الذى يعلن فيه إتحاد الصيادلة عن بيع (342) صيدلية، جراء إفلاسها ، نسبة لأن الدولة الرسالية لم تفتح لهم الإعتمادات الرسمية لإستيراد الأدوية من حر مالهم؟ نعم تحدث مسخرة إهداء الخراف الى مصر فى الوقت الذى عجزت فيه الدولة نفسها عن توفير الدواء لشعبها، لأن صحة المواطن السوداني تقع فى آخر سلم أولوياتها، فى الوقت الذى توظف فيه ما توفر لها من العملة الصعبة، على قلته، فى الصرف البذخي على قادتها ومسؤوليها، الذين يجوبون أركان الدنيا الخمسة، هم وأفراد أسرهم، طلبا للراحة والإستجمام! ولنترك جانبا هذا الواقع المرير الذي يبدو أن قادة الدولة الرسالية قد أصابهم الحول السياسي، جراء حالة البطر و الفساد الذى يتلبسهم، بحيث لم يتمكنوا من رؤيته، و لننظر الى الموضوع من ناحية الكسب السياسي فقط. ألم يكن من مصلحة ’الإنقاذ‘ نفسها أن تخفف من الأزمة الإقتصادية الخانقة التى تمسك بتلابيبها، وتلتف حول عنقها، لتكسره كسرا، وفى القريب العاجل، إذا ما إستمرت على هذا المنوال، وأن تحاول تجاوزها عن طريق الإستغلال الأمثل لما يتوفر لها من موارد، ومهما كانت شحيحة، لخدمة الناس وتوفير إحتياجاتهم الأساسية؟ ولنضرب مثلا بهدية الأغنام هذه لندلل به على صحة ما نقول.
لقد تراوحت أسعار خراف الأضحية هذا العام فى ولاية الخرطوم ما بين (300-700) جنيه، أي بمتوسط (500) جنيه للخروف الواحد. إذن فإن قيمة ’هدية‘ السيد الرئيس الى مصر من الخراف تبلغ حوالي (10) مليون جنيه، بالجديد، كما يقولون. ألم يكن من الأجدر بالسيد الرئيس، لو كان يملك رؤية سليمة، أو حتى برنامج عمل متواضع، للخروج من أزمة نظامه الراهنة، أن يستغل هذا العائد المالي لإستيراد بعض الأدوية، مهما كانت قليلة، لينقذ بها بنات و أبناء شعبه من الموت المحقق جراء الأمراض التى تفتك بهم؟ بل ألم يكن من الأجدر به، أن ينقذ حياة (342) أسرة على الأقل، جراء الفقر المدقع الذى ستواجهه، جراء إغلاق صيدليات أربابها وعائليها، وذلك بأن يوجه المسؤولين ذوي العلاقة بتخصيص هذا المبلغ لأصحاب تلك الصيدليات حتى يتمكنوا من إستيراد الأدوية، وبالتالي الإستمرار فى عملهم كالمعتاد؟
لكن ثالثة الأثافي تتمثل فى أن السيد الرئيس يتبرع بموارد البلاد، الشحيحة أصلا ، الى جيراننا فى مصر، فى الوقت الذى تشهد فيه أسعار الدواء، إن وجدت، إرتفاعا بنسبة (100%) بعد إنفصال الجنوب. بمعنى آخر فإن الغالبية العظمي من كادحي شعبنا وفقرائه لن يتمكنوا من توفير الدواء لمرضاهم، بما فى ذلك الأدوية المنقذة للحياة، لأنها ببساطة شديدة تقع خارج دائرة قوتهم الشرائية. إذن لماذا أصم السيد الرئيس آذاننا بأنه الأقدر على ’فهم‘ الشعب، وتوفير إحتياجاته، لأنه قد جاء من بين فقرائه، وكان ’يركب العجلة من كوبر الى سينما غرب ليشاهد أفلام الكاوبوي‘؟ هل يمكن أن يكون السيد الرئيس قد ’فهم‘ حالة شعبه فعلا وغالبيته تتضور جوعا، وتموت منه قطاعات واسعة جراء المجاعة، بينما تموت قطاعات أخرى جراء الأمراض، وعدم توفر الدواء، والبقية الباقية منه تلزم المشافي و المصحات النفسية، أو ’تتكلم براها‘ وهي تجوب شوارع المدن البائسة، جراء حالة الإكتئاب ’الحضاري‘ الذى أصابها؟
وفى ختام هذا المقال فإنني أرجو من السلطات فى مصر أن تقوم بإعادة تصدير عظام و’كوارع‘ تلك الخراف الى السودان، حتى يتمكن الفقراء من بنات و أبناء شعبه من ’غليها‘ داخل مراجلهم، ليسدوا بها رمق أطفالهم وبطونهم الخاوية، وربما يشتموا من خلالها رائحة أضحية بلادهم التى تم تصديرها الى مصر. ونود أن نحيطهم علما كذلك، بهذه المناسبة الجليلة، بأن الشعب السوداني لن يتمكن من شراء خراف الأضحية، لأول مرة فى تاريخه الحديث، بفضل السياسات الظالمة لدولته المؤمنة، وما جرته من فقر مدقع على الغالبية العظمى من أفراده، فى ذات الوقت الذى يقوم فيه السيد رئيس البلاد بإهدائهم هذا الكم الهائل من الخراف. ألا يحق لإقصاديي مصر بعد كل هذا، إعتبار هذه السياسة ضربا من الجنون؟!
ابراهيم الكرسني [email protected] 2/11/2011م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
اعلانات قوقل
العصب السابع
أعطني هذا الدواء..!!
شمائل النور
الارتفاع الجنوني الذي طال كل السلع الاستهلاكية، وصل إلى الدواء، والدواء هو الحياة، والذي يحتمل أن ينام جائعاً لا يُمكن أن يحتمل أن يُفوّت جرعة دواء؛ لأن المسألة مرتبطة بالحياة والموت، ارتفاع أسعار الدواء أمر يشكو منه المواطن منذ فترة طويلة وربما ليس له علاقة مباشرة بالارتفاع الأخير؛ لكن الارتفاع الأخير الذي طال كل شيء كان للأدوية حظ وافر منه، وزاد الطين بلة، فالعقار الذي كان سعره "11" جنيه الآن سعره "14.5" جنيه، على سبيل المثال، وكما كل السلع، الزيادة غير منطقية وغير خاضعة إلى نسبة معينة؛
لكن لا ينبغي أن نذهب إلى ما تذهب إليه الحكومة في كل ارتفاع يطفو على السطح بأنه غير مبرر ويخضع إلى جشع صغار المنتجين، بل هي زيادة مبررة.. السودان يستورد سنوياً أدوية تُقدر قيمتها بـ"500" مليون دولار، حسبما أفاد رئيس اتحاد الصيادلة، أي أكثر من "41" مليون دولار في الشهر الواحد، رقم مثل هذا لابد أن يُحدث زيادة كبيرة ومفاجئة في سعر المستهلك، فقط لأنه يحتكم إلى الدولار.. والدولار حدث عليه ما حدث بعد الانفصال. الآن يوجد أكثر من "300" صيدلية معروضة للبيع في سوق الله أكبر، وفق ما كشف رئيس شعبة الصيدليات الخاصة، أنا لا أعتقد أن الذي أضطر إلى البيع يعني بالضرورة أنّه وجد استثماراً أفضل، فلطالما أنهم عرضوا البيع بسبب ارتفاع أسعار الدواء يعني ألا فائدة ربحية تُرتجى في سوق الصيدلة، والرقم المعروض للبيع يُنذر بكارثة علاجية قادمة..
تخيل أن مواطن مُصاب بأزمة وضاقت عليه الضائقة فجأة، وهرول أهله لأقرب صيدلية، وتفاجأوا أن الصيدليات القريبة كلها مغلقة وحتى التي فتحت أبوابها لا تبيع هذا الدواء لأن سعره عالي وهذا يحدث كثيراً، عزوف صيدليات عن استيراد عدد من الأدوية بسبب ارتفاع سعرها، ماذا سيحدث لهذا المواطن، سيموت حتماً. هذا دون شك يعتبر إنذار خطير يُهدد حياة المواطن مباشرة، ويرسم له ملامح الموت القادم، الغلاء المخيف في أسعار الدواء هو من ضمن منظومة غلاء مردها واحد ولا يحتاج إلى اجتهادات أئمة المساجد.. لكن إن سلمنا بأنَّ أية سلعة تحتمل الانتظار إلى حين، هل الدواء يحتمل ذلك، إلا الدواء.. في البرلمان، وفي مسألة ارتفاع أسعار الدواء، وزير الصحة طرح خيارًا واحدًا أمام حكومته بل رهن انخفاض الأسعار به، فالخيار المطروح هو أن تتجه الدولة مباشرة لرفع سياط الجبايات والعوائد والضرائب وما تبقّى من سلسلة "أدفع وأنت ساكت" وهذا هو الدواء الذي لا بديل له فيما يتعلق بكل الأسعار الملتهبة؛ لكن هل ترضخ الحكومة إلى رفع كل هذه الجبايات وهي تدري أنها السند في ظل اقتصاد يتهاوى.. على أي حال فالبرلمان أعلن موافقته على رفع كافة الرسوم والجبايات والضرائب عن أسعار الدواء؛ لكن لا ندري حقيقة موافقة البرلمان إلى أي حد مُجدية في هذه المسألة، أهي ملزمة أم أنه توجيه أو أنه طي للملف؟.
التيار نشر بتاريخ 02-11-2011
-------------------
الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين
السقوط الأخلاقي والتشابه بين ثوار ليبيا وعـلوج مشروع الجزيرة؟
بكري النور موسى شاي العصر [email protected]
سرايات مشروع الجزيرة أفخم من مباني مدينة كافوري هندسيا وعمرانيا ومتانة وعراقة ولمن لم يشاهدها أويشاهد القصر الجمهوري أو مستشفى العيون بالخرطوم المطلة على النيل الآيلة للبيع اليوم وتعميما للفائدة نفس الشركة التي اشرفت على القصر والمستشفى قامت بتشييد سرايات مشروع الجزيرة وعلى الطراز البريطاني وبمواصافات ومعايير دقيقة تلائم تربة مشروع الجزيرة الطينية الشديدة اللزوجة .ولأن قاطنيها كلهم خواجات روعي فيها كل ما يربطها بالريف البريطاني لكي يتأقلم ساكنوها على الريف السوداني تقع السرايا في مساحة من 5فدان إلى سبعة فدان يحيط بهذه المساحة سور من الأشجار العاتية التي يصعب إختراعها حتى على طلقة الرصاص. في المدخل يوجد بيت الحارس وأسرته في الجهة الموازية يوجد بيت اليستاني(الجنايني) وعائلته وهو على شاكلة بيت الخفير.
بجوارهما جراج ضخم يسع ل6سيارات اما داخل السرايا فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب جبهجي. في بداية دخولك تستقبلك رائحة الزهوروالياسمين ممزوجة برائحة شجر الجوافة والليمون. اما المباني الداخلية فيصعب ويطول شرحها أووصفها لكن الشئ الذي يجب معرفته أنه منذ عام 1925 الحمامات هنا كلها داخلية وكلها بانيو وبأفخم أنواع الرخام الذي يندر وجوده اليوم مدججا بالمرايات الإسبانية أي قبل 86 عاما قبل أن يولدوا الجبهجية ويسلموها لقاطعي الطرق والمشبوهين وصانعي الخمور البلدية وأصبحت مكمنا للصوص الماشية حيث يسهل تكمينها أو قل تخزينها لحين أن يفقد أصحابها الأمل لماذا لم تحافظ الدولة على هذه المباني الضخمة وتستغلها سكنا للوزراء والمسئولين التنفيذيين أو تستغلها وزارة الصحة كمستوصفات ومراكز صحية أومصحات نفسية أو مراكز للكشافة أو مراكز للتدريب العسكري بشقيه الشرطة والجيش أومستودعات عسكرية او تكون سكنا للرتب العليا لأنها منازل مؤاهلة ومكتملة ومن المستحيل أن تجد بيتا بهذه المواصفات في الخرطوم أو كافوري أوالمنشية في مساحة خمسة أو سبعة فدان.وحرام أن ترمى هذه المباني للكلاب وتصبح وكرا للجريمة والمجرمين ...
لماذا باع ثوار ولصوص الإنقاذ أصول مشروع الجزيرة ذات العائد السريع من سكك حديد وهندسة زراعية ومحالج ومستودعات ومكاتب وبيوت داخل وخارج السودان وقبضت ثمنها عدا نقدا, وأبقت على هذه السرايات وتركتها نهبا للاجئين والمشردين وملاذا للمجرمين حتى تستفحل الجريمة وتعم الفوضى بالإقليم المنكوب بعد أن استباحوا مشروعه وفعلوا به كما فعل ثوار النيتو بعقيدهم الثائر الأسير وقتله والتمثيل بجثته في عمل مشين لا تألفه النفس البشرية ولاتقره الأديان السماوية وإن كنا مختلفين مع الرجل ولكن ليس ثوار ليبيا وحدهم الذين قتلوا أسيرهم ومثلوا بجثته فقد سبقهم في ذلك حرامية مشروع الجزيرة الذين لم يكتفوا بالقتل والتنكيل والتمثيل بجثة مشروع الجزيرة بل قاموا بتقطيع أوصاله وتشريد 6مليون نسمة وهذا ما لم يفعله ثوار النيتو, ولكن كلاهما سيان وإن أختلفت المسميات والتوجهات فهذا ثائر وهائج يناضل من أجل قضية مشبوه في تمويلها وأجندتها ولكنه مقتنع بها. وهذا حرامي يقود ثوارا من اللصوص المدربين والمحترفين والمراوغين قضيتهم وشعارهم هو الدمار والخراب وأكل مال الناس بالباطل والثراء السريع وإن كان على حساب مشروع قومي أو على جماجم مزارعي مشروع الجزيرة. وبعد سقوط طرابلس الجزيرة ووقوع أهلها في الأسر مارس معهم هؤلاء العلوج والجرزان والمغتصبين الجدد أسوأ وأفظع وأبشع مما فعله ثوار النيتو بالقذافي الذى مات تحت ظلال السيوف.
نشر بتاريخ 01-11-2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
هذا المقال اوردته صحيفة الانتباهة فى عددها امس لخبير اقتصادى ومدير سابق للبنك العقارى لم تذكر اسمه .. المقال ملىء بالمعلومات عن شخصية جمعة الجمعة كمستثمر ويكشف خبايا كثيرة ..
اقرا المقال
تفاصيل انهيار استثمارات جمعة الجمعة وتصفية ممتلكاته بالدمام . الأربعاء, 02 تشرين2/نوفمبر 2011 08:27
.الانتباهة
.ما أعظم قرار المحكمة الإدارية بالدمام التي أصدرت قرارها الأسبوع الماضي بتجميد وتصفية ممتلكات الجمعة بالمملكة العربية السعودية وبالسودان، وعينت حارساً قضائياً ومصفياً هو الأستاذ صالح النعيم وما أعظم ما شدد عليه القرار من أنه نافذ المفعول ولا يتم نقضه إلا بقرار محكمة أخرى. عشرة أعوام خلت ثم جاء الحق مجلجلاً لصالح المساهمين بعد أن عاش الجمعة فساداً مهدِراً أموال المستثمرين من اليتامى والأرامل والمساكين. على ضوء ما تناقلته بعض الأوساط الإعلامية وعلى ضوء ما أشيع، فهل يمتلك جمعة الجمعة بالسودان استثمارات تبلغ قيمتها مليار ريال؟ وهل تم اتهام جمة الجمعة في عام 2002م بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال؟ ماذا تعرف أخي القارئ عن علاقة الجمعة بمن أتهم بأنه أكبر تاجر أسلحة في السودان وهل هو مدين له بمبلغ «3» مليون دولار؟ هل صحيح أن الجمعة قد حوّل ملكية بعض أسهمه بأحد البنوك السودانية باسم أحد كبار موظفيه التنفيذيين؟
لو لم يتم تواطؤ أحد كبار الموظفين «بالبنك السعودي...» وقام بتحويل مبلغ «7.5» مليون دولار فهل كانت لصفقة البنك العقاري أن تتم؟.. ماذا يعرف القارئ الكريم عن خبايا باخرة الجمعة التي تسمى القصواء التي قبضت تقل شحنة من المخدرات؟ أقصاك الله من رحمته وأخزاك يا جمعة يا من لا تعرف حق هذا الاسم الشريف الذي ارتبط بسيد الخلق وسيد ولد آدم أجمعين وحملته على ظهرها، ويا من قال فيها صلوات ربي وسلامي عليه «دعوها فإنها مأمورة» فصارت تمشي وتتهادى في مشيتها وما إن بركت حتى شيد أول مسجد أسس على التقوى وانطلقت منه أنوار الهدى.
بعد أن أحسنت لجان الاستخصاص والتصرف في القطاع العام ومسؤولو الإدارة الاقتصادية في بيع البنك العقاري للجمعة بمبلغ «15.5» مليون دولار فقط فهل كافأ بنك السودان المركزي جمعة الجمعة بعد أن قام بتحويل ودائع عملاء البنك العقاري التجاري لصالحه بالمملكة العربية السعودية؟ وهل تمت مكافأة وتحفيز نظيره السيد مدير عام البنك العقاري الذي تم ترفيعه من مدير إدارة بالبنك إلى مدير عام ليقوم بتنفيذ تلك التحويلات بدلاً من محاسبته؟ ولك أخي القارئ أن ترفع حاجب الدهشة أن تعلم أنه تم ترفيع هذا المدير إلى وظيفة قيادية بإحدى ولايات الدولة؟ هذه الأسئلة وأخرى لم تقدروا على إجابتها أحاط علمنا بها ولن تصبروا عليها إذ أنها ستقرع أبواب الفساد المالي والإداري فانتظروا. هل شخصية جمعة الجمعة هي سبب الانهيار لاستثماراته قبل أن أدلف إلى الملف الاستثماري لجمعة الجمعة بالسودان، حري بالقارئ التعرّف على من هو جمعة الجمعة وعن شخصيته التي تثير الدهشة والحيرة كما ينبغي التعرّف على طبيعة المستثمر الخليجي أو السعودي التي تصادم وتقارع قانون الاستثمار السوداني. هذا الرجل الذي جمع ما يعادل مليار ريال في أقل من سنة، ليس له تاريخ يُذكر في مجال العمل الاستثماري بل بدأ عمله بشراء وبيع الاسكراب من المزادات واشتغل بشراء بعض السيارات القديمة وأودع السجن في نزهة قصيرة حرره منها أقرباؤه.
ما إن تنسم عبيق الحرية حتى التحق بحملات الإغاثة التي قادته إلى السودان ثم كرّر الزيارة عارضاً بضاعته المزجاة وهي مخلفات حرب الخليج التي رفضت من الرجال الشرفاء بالقوات المسلحة، وعندئذ تعرف على رجلين من قوات الشعب المسلحة فتحا له مزلاج باب الاستثمار في السودان حيث كان يجوب شوارع الخرطوم بالسيارة التي تُعرف «بكرونة الجيش» بينما يجوب الآن ابنه عبد الرحمن شوارع الدمام بالمملكة العربية السعودية بالسيارة البورش التي قد تصل قيمتها إلى «750» ألف ريال من أموال المستثمرين. يتصف جمعة الجمعة بأنه رجل مزاجي الطبع، له ثقة زائدة في نفسه مما لا يتصوّره الإنسان، ويمتلك طاقة جبارة غير عادية لم أرَ مثلها إلا في الشيخ فهد العويضة رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته، رجل الأعمال السعودي المعروف في مجال الطرق والإنشاءات بالرياض والذي عملت معه لخمس سنوات خلت. لجمعة الجمعة القدرة على السيطرة على من حوله بسبب شخصيته القوية النافذة وثقته وحبّه المفرط لنفسه، يريد أن يتصدّر قائمة أعلام المستثمرين ويرنو أن يكون الأول دائماً. يدفع الجمعة الآخرين دفعاً لتنفيذ ما يريده على الفور لا على التراخي، يبغض أن تُعصى أوامره ويحب أن يستجاب له، لا يتيح المجال للآخرين باعمال الفكر والإبداع أو التنفيذ بشكل مغاير لما يريده مما جعله يعتمد على شخوص لم يجتمع لهم التأهيل العلمي ولا الخبرة ولا الكفاءة. من الصفات الحميدة التي يتحلى ويمتاز بها هذا الرجل الذي عرفته عن كثب هي الشجاعة والكرم والإقدام وتماسكه عند الأزمات «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب». مما يجدر ذكره أن جمعة الجمعة يمتاز بالقدرة على اتخاذ القرار!! سليماً كان أو غير سليم، في الوقت المناسب أو غير المناسب مع تحمل المسؤولية وتبعات ذلك. يمتاز الرجل أيضاً بقدرته على صنع الحدث ولا ينتظره، يبادئ وينخدع بما يقول ويصدق كذب من يخدعه، لا خلف لذلك.
اكتسب الجمعة صفات العناد والاعتداد بالرأي، يجيد الاستماع ويقرأ كل ما يكتب إليه بصوت مسموع قلما يعيد القراءة وله ذاكرة تسجيلية نافذة. يحترم السلطات ويحذرها ويتجنب كل أمر يمكن أن يوقعه في حبائل الخلافات المباشرة مع السلطات. الجمعة رجل قيادي يقود ولا يقاد ولكنه ليس بالإداري والبون شاسع بينهما، كقائد له القدرة على تحقيق ما يرجوه من خلال الآخرين بغض النظر عن الكم والكيف. بينما تعد القيادة من الصفات المكتسبة تصقلها التجربة والعلم، فإن الإدارة علم وفن فهو يعني بإعداد الأهداف الواضحة والتخطيط السليم والتنظيم الدقيق، ودراسة البدائل وتقييمها واختيار ما يناسب وللأسف كل هذا الجمعة منه براء، لا يقيم له وزناً ولا يحترم ممن اختص به. الجمعة كقائد ليس بإنسان سيء ولكنه يسيء إلى الآخرين من الموظفين والاستشاريين وكبار الموظفين وفي كثير من المواقف يعمد إلى تجريحهم بالقول. إن من الصفات السالبة التي تحسب على رجل في مكانته أنه يميل إلى الاستفزاز والتقريع، يظلم الحقيقة كثيراً، ويثير الرعب في صدور موظفيه إلا قليلاً منهم، لا يشبع فيهم روح الفريق ولا الولاء، لا يجلس الناس مجالسهم ويصادم الخبراء والمستشارين من أهل المعرفة الذين انفض سامرهم من حوله بسبب استفزازه لهم في الاجتماعات ومن هؤلاء العلماء الأجلاء دكتور محمد علي ميرغني ودكتور الغامدي. للرجل رفقاء من خاصة أهله يحفون به، يحبهم ويحبونه إذا تكلم أنصتوا وإن أمر ابتدروا لأمره، هم المصدر الرئيس للمعلومة ويدينون له في ثرائهم السريع.
لا يخطط الجمعة ليومه أبداً ويؤمن بسياسة الباب المفتوح، لا يجيد إدارة وقته بصورة فعالة، يجيد الحديث في هدوء وهو فيه بارع إذا حدثك عن استثماراته ومستقبلها بل وقدرته على سداد التزاماته للمستثمرين فضلاً عن أرباحها وكأنه قائم على تل من ذهب.. ينخدع الجمعة ممن هو أبرع منه في الحديث والخطابة وتزيين الحقيقة وتزييفها حيث ضاعت منه الملايين من الدولارات بسبب ذلك إلى أن تكشف له ستر هؤلاء وانفضح أمرهم ومن هؤلاء كابتن النور زروق. يتصف الجمعة بأنه شديد الخصومة إلا على أهله وخاصته، وأعدائه ثلاثة هم دنياه وشيطانه ونفسه، لم يحترس من الدنيا بالزهد فيها ولم يجتنب الشيطان بمخالفته إياه كما لم يقهر النفس بترك الشهوات. الجمعة مسلم بفطرته لا نتهمه في دينه ولكن اختص بأسوأ الصفات التي يبغضها الله تعالى ونهى عنها نبي التقى خاتم الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه ألا وهي صفة الظلم الذي حرمه الله تعالى ووصفه بأنه هو من ظلمات يوم القيامة.
لا يتوانى في أكل عرق الجبين وحجز مرتبات وحقوق بعض العاملين وعدم سدادها حتى لو بلغت فترتها عشر سنين والدليل عندي موثق في السطور وليس بالصدور وهو يعرف ما أعني!! بما أن نفس الجمعة جبلت على حب الثناء والمدح وتطرب لها، يتظاهر بغير ذلك، فدائماً يحب أن يُذكر بأنه أصبح رقماً ورجلاً لامعاً، تجده منشرح الصدر أبلج الوجه حين تتصدر صفحات الصحف الحديث حول استثماراته وتطوّرها.مما لا يحمد ذكره، فقد نجح بعض الإخوة السودانيين في معرفة بعض خصال الجمعة حيث كانوا يرضونه باستقباله بالدراجات النارية وسيارات النجدة وصافرات الإنذار بمطار الخرطوم الدولي، وهو في حله وترحاله يزهو ويطرب إذ هو يجوب شوارع الخرطوم المزدحمة فيُفسح له فيها.
فاسح الله في أيامه حتى يرى بأم عينيه الرؤيا التي رأيتها قبل تسع سنوات وذكرتها لمن ذكرت أن استثماراته بالسودان أضحت حائطاً من الجالوص «اللبن أو الطوب» ينهمر عليها وابل من المطر الغزير المتواصل، ويسعدني أن أبشره بمبشرة أخرى هو دخوله السجن أقرع الرأس محبوساً من وراء قضبان يمد يديه إلى قطرات الماء من صنبور وضع خارج السجن ولا أحسب أن الجمعة يجهل الحق العام فالحكم فيه رادع ومهين. لا بد إخوتي القراء من الإشارة والتوضيح بأن تلك الصفات التي شكلت شخصية الجمعة هي ملاحظاتي الشخصية لكثير من المواقف حيث لا أريد الخوض في تفاصيلها حياءً وستراً.
طبيعة المستثمر الخليجي وجمعة الجمعة
على الرغم من الاختلاف المتباين في طبيعة كل مستثمر سواء في الخليج أو غيره إلا أن هنالك قواسم مشتركة بحكم البيئة والثقافة والأنواع المتعددة من الصيغ والأنشطة الاستثمارية. صحيح أن التفاوت في التعليم والتعرض للأسفار الخارجية والتفاوت الطبقي وحجم الأموال وعقلية المستثمر واحتياجاته الحالية والمستقبلية وحجم عائلته من الأسباب التي تؤثر على نوعية الاستثمار كما أن طبيعة كل مستثمر تقّيد وتشكِّل درجة تحمّله للمخاطر. بصورة عامة فإن المستثمر الخليجي مستثمر محافظ لا يميل إلى المخاطرة الجسيمة وهو عكس جمعة الجمعة. المستثمر الخليجي لا يستثمر إلا في البيئة التي يعرفها ولا يخاطر بنقل أمواله بعيداً عن حدود وجغرافية بلده مهما تعددت الأسباب وهو إذن ليس جمعة الجمعة.
بعد فترة ما يسمى بالطفرة في دول مجلس التعاون الخليجي وفي السعودية خاصة نشط كبار المستثمرين بتوظيف أموالهم في شراء وبيع الأسهم المحلية وتكون لهم إرث من التجارب في هذا النشاط، ومن ثم نشطت البنوك السعودية ذات رأس المال المشترك الأوربي والأمريكي من بسط خدماتها بشراء وبيع الأسهم بأسواق المال في وول استريت بولاية تشيس مانهاتن وبورصة الأوراق المالية بلندن وبعض البلاد الأوربية الأخرى واليابان، وصارت تلك البنوك تدير محافظ استثمارية خارجية حتى انهيار أسواق المال الأمريكية خاصة في يوم ما يسمى بالإثنين الأسود إذ تعرض المستثمرون الخليجيون إلى خسائر مالية فادحة. حتى تلك الحقبة كان الجمعة بعيداً كل البعد عن الأسواق المالية العالمية ويجهلها جهلاً مطبقاً. أثرت التدفقات النقدية من البترو دولار من عرض الكتلة النقدية بالمملكة العربية السعودية وصارت الفوائض توجه إلى الاستثمار العقاري الذي أجاده السعوديون ومن ثم أصبحت ظاهرة التطوير والاستثمار العقاري سمة ظاهرة انتشرت تقريباً في كل مناطق المملكة العربية السعودية وانتشرت في المنطقة الشرقية التي ينتمي إليها الجمعة.
أما الاستثمار الزراعي فهو حكر في مناطق القصيم والخرج والمناطق التي تكثر فيها المياه والتربة الصالحة ولا يجيدها الجمعة ولا يفقه حديثها بل تستهويه الخضرة وريش النعام. أما إذا انتقلنا إلى الاستثمارات في المعادن النفيسة والصكوك وشهادات الخزينة الأمريكية والخيارات والاستثمارات في العملات الأجنبية فلا يجيدها إلا القلة من المحترفين وجمعة الجمعة منها بريء براءة الذئب من ابن يعقوب سلام الله عليه. آثرت الحديث عن تلك الجوانب لأقرر أن مكوناتها وثقافتها صارت ثوابت للجمعة في طريقة تفكيره وفي طريقة اتخاذ قراره الاستثماري دون مشورة ولا نصيحة حيث لا يدعي أحد أنه بموجب تحليله ودراسته أقنع الجمعة في الدخول في استثمارات معينة. بإذن الله عند استعراضنا للمحفظة الاستثمارية ومكوناتها ستجد أن تلك الثقافة والبيئة المحيطة بالجمعة جعلت استثماراته لا تخلو من الأسهم في الشركات التجارية والمالية كما لا تخلو من الاستثمار العقاري وستندهش حين تعلم أخي القارئ الكريم أنها بعيدة كل البعد عن الاستثمارات الإستراتيجية التي تنادي بها الدولة وأعدت لها خارطة استثمارية مثل الاستثمار في البترول والمعادن والزراعة وتنمية الثروة الحيوانية والكهرباء. إذاً لمصلحة مَن سُمح لجمعة الجمعة بالاستثمار في السودان؟؟
الخبير الاقتصادي والمدير الأسبق للبنك العقاري*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
تشكيلة وزارة رزق اليوم باليوم
صديق تاور
٭ ما يزال حزب المؤتمر الوطني الحاكم في حالة من البحث المضني عن تشكيلة حكومية مناسبة للمرحلة الحالية التي تمر بها البلاد، بمآزقها التي تتقاطر من كل حدب وصوب، حتى أضحى البحث في حد ذاته مأزقاً جديداً لا تُحسد عليه الحكومة وحزبها. فقد تجاوزت المداولات المتعلقة بتشكيل الحكومة وتحديد الوزارات وتسمية الوزراء وكل الخطوات الخاصة بهيكلة الحكومة الجديدة، الثلاثة أشهر، فيما لا تزال حالة الورطة قائمة ومسيطرة على المشهد حتى الآن، في ظل درجة عالية من الاحتقان السياسي على صعيد العلاقة مع المعارضة، واستياء شعبي واسع على صعيد العلاقة مع المواطنين، وعجز عن إعادة الاستقرار للأقاليم التي تشهد انفراطاً أمنياً بفعل نشاط حاملي السلاح في 04% مما تبقى من جغرافية سودان ما بعد انفصال الجنوب. وفي ظل صراعات داخلية حول المناصب والوزارات والتشكيلة نفسها. ٭ وأهم ما يميز ملامح المرحلة الحالية هو انفصال الجنوب الذي تم بدفع واعٍ ومقصود من جماعة المؤتمر الوطني، استخدموا فيه كل أدواتهم الإعلامية وواجهاتهم ومنابرهم وأذرعهم الأمنية، كما لم يدخروا وسيلة لتحويل هذا الانفصال المؤلم لكل أهل السودان، إلى خصومة فاجرة بين بلدين متجاورين. حدث هذا على الرغم من التزام أعلى قيادة في الحزب بتسليم السودان موحداً للأجيال القادمة، وعلى الرغم من التعهد بانفصال سلس إذا لم تتحقق الوحدة الجاذبة. واول ما حاول اعلام المؤتمر الوطني الترويج له عشية الاعلان رسمياً عن فصل جنوب السودان عن وطنه الأم، هو أن 89% من الشعب مسلمون، في اشارة ضمنية الى ان أبناء الجنوب كانوا يشكلون نشازاً للهوية السودانية، وهو امتداد لما ورد في خطاب القضارف الشهير بشأن التنوع تحت عنوان «الدغمسة». وأياً كان الأمر فإن انفصال الجنوب قد مثل صدمة نفسية كبيرة لكل السودانيين «ما عدا الحكومة ومنسوبي حزبها»، لكون الحدث فوق التصور، ولم تجرؤ حتى السلطة الاستعمارية بكل قبحها على فعله. وما زاد من صدمة أهل السودان واستيائهم، تصرفات الكثير من واجهات المؤتمر الوطني وأذرعه بل وقيادات نافذة فيه قبل وأثناء وبعد العملية الجراحية الاستئصالية للجنوب وبنيه. فقد صدرت تصريحات سيئة بحق هؤلاء الأخيرين، وتم اعتراض واعتداء مؤسف على قوافل أبناء الجنوب على مرأى ومسمع من السلطات الرسمية، وتم نهب قطارات المؤن والأغذية المتجهة جنوب?ً، وتُرك الآلاف في العراء تحت المطر ولفح الشمس ونهش البعوض، يعانون الجوع والتلوث والإسهالات وموت الأطفال والكبار في سادية لا مثيل لها. وتمت عرقلة حركة البضائع والتبادل التجاري. ونُحرت الذبائح فوق كل ذلك ابتهاجاً بـ «عيد الفرح الأكبر» إمعاناً في استفزاز مشاعر أهل السودان شمالاً وجنوباً. كل ذلك دون أن يدري أحد لمصلحة من هذا الذي حدث. ٭ الملمح الثاني للمرحلة الحالية الذي يرتبط إلى درجة ما بانفصال الجنوب، هو الانهيار الكامل للاقتصاد، فالضائقة المعيشية التي يعانيها المواطنون في قوتهم اليومي وفي علاجهم، وفي تعليم ابنائهم وفي حصولهم على ماء الشرب، وفي كل خطوة يخطونها، قد وصلت حداً يفوق الاحتمال. وباعتراف مسؤولي الحكومة وقادة حزبها، فإن موجة الغلاء التي تصاعدت بشكل لافت مع انتخابات أبريل 0102م، واستمرت هكذا بطريقة فوضوية وعبثية هي موجة لا مبرر لها. وقد عجزت الحكومة تماماً عن لجم انفلات الأسعار وجنونها، وهكذا تركت عامة الشعب يموتون موتاً بطيئ?ً من شدة المعاناة، تشيّعهم بالأمنيات الطيبات وتوصيهم بالصبر على المجهول. وفي ذات الحين فإن ما تمتصه قبيلة الدستوريين في شكل مرتبات عالية ومخصصات ونثريات وأساطيل من السيارات الفارهة، وقصور من البنايات الفخمة وغيره، يذهب بالقليل المتبقي في خزانة الدولة بعد اختفاء بترول الجنوب، ولكنه يلهي هؤلاء عن أي شعور بوجود معاناة أو مشكلة، مثل وزير المالية الذي نفى أن يكون هناك مواطن بات جائعاً. «في أقوال قطبي المهدي حول تفاصيل المبالغ التي سُرقت من منزله أنها «19» ألف جنيه سوداني و«13.140» يورو و11.360» فرنكاً سويسرياً و«645» ألف ليرة لبنانية و«024» ألف ليرة سورية و«02» ألف جنيه مصري و«9» آلاف ريال سعودي و«5» آلاف جنيه إسترليني و«62» ألف دولار»- «الصحافة» 13/01/1102م العدد 1656». مضافاً إلى هذا الاستنزاف الرسمي لخزانة الدولة، الفساد الذي أُنشئت له مفوضيات ولجان وعُقدت حوله جلسات، ولكنه لا يزال يمشي في الطرقات وينام ويأكل الطعام. ٭ الملمح الثالث في المرحلة التي يبحث فيها الحزب الحاكم عن تشكيلة مناسبة لادارتها، هو الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث تكمل بنهاية هذا الشهر نصف عام في الأولى وثلاثة أشهر في الثانية، وهو وضع يعزز تعمق الأزمة السياسية في الشمال، فاندلاع الحرب بغض النظر عن تفاصيله وطريقته قد تجاوزته المرحلة بحيث لم يعد مهماً من الذي بدأ القتال وأوجد الأزمة، بقدر ما المهم هو من الذي يدفع ثمن هذه الحرب وكيف نوقفها؟! واستطالة الحرب تخدم حاملي السلاح لأن هدفهم هو الضغط على الحكومة لحسابات خاصة بهم أو خاصة بمن دفعهم إلى خوض?الحرب من أيادٍ خفية وظاهرة، بينما وقف الحرب يُحسب بالنتيجة لصالح الحكومة «أي حكومة» لأنه مرتبط بخلق ظروف الاستقرار والأمن والاطمئنان للمواطنين. وبالتالي فحتى لو رجحت كفة الميزان العسكري على الأرض لصالح الحكومة فإنه لا يعد نجاحاً، لأن الأسباب تظل قائمة. وبهذا المقياس فإن عدم نجاح الحل السياسي لأزمة الولايتين هو دليل عجز وفشل للحكومة أولاً وأخيراً. والذي يدفع ثمن الحرب والاقتتال هو المواطن الذي تتعطل مصالحه بسبب الحرب، فهو لا يستطيع أن يزوال زراعته ولا أن يرعى ماشيته ولا أن يمارس تجارته، ولا أن يذهب أبناؤه ل?مدارس ولا ولا.. الخ. لذلك فإن مصلحة المواطنين تفرض تقديم الحل السياسي على الحل الأمني، لأن الحكومة لا يمكن أن تضع نفسها كمعادل لحركة متمردة أو حركة خارجة على القانون. فالحكومة واجبها احتواء أي سبب من أسباب النزاع والسيطرة عليه بما يحقق الأمن والاستقرار، وبذلك تقع عليها المسؤولية في ابتداع السبل التي تحل الأزمة بأقل الخسائر. الأصوات التي تدعو إلى التصعيد والاقتلاع والبتر هي أصوات محدودة النظر ومسدودة الأفق، حيث أن الأزمات السياسية تحسم بالآليات السياسية أولاً وأخيراً، ووقتما ظلت أسبابها موجودة فإنها تكون قابلة للتجدد والاندلاع مرة أخرى. نفس الشيء يقال عن الوضع في دارفور، حيث اعتمدت الحكومة على فصيل غير مؤثر في الصراع، بينما احتفظت بالمسافة نفسها من العداء والخطاب مع الحركات الأخرى، وبالتالي لم تفعل أي شيء. ومن المتوقع أن ينتهي اتفاق «السيسي» الأخير إلى نفس مصير سابقه «مناوي»، فلا خلاف إلا في الأشخاص. ٭ من جانب آخر فإن المؤتمر الوطني الحاكم بوصفه حزباً وُلد من رحم السلطة، لم يفطم قياداته وكوادره على التضحية والزهد في السلطة والجاه، بقدر ما فتح عيونهم على المناصب والوزارات ومؤسسات السلطة القائمة على الصرف اللا محدود لمختلف البنود. ومع حالة الضيق الاقتصادي التي فرضت إعلان التقشف «ولو دعائياً» ما يعني تقليص الوزارات ودمج المؤسسات، وبالتالي مغادرة كثيرين لمواقع الوزارة والسلطة إلى موقع الحياة العامة، فإن الوضع يصبح داخل الحزب شائكاً وصعباً.. من الذي سيبقى ومن الذي سيغادر؟! هذه ثقافة غير متوفرة في أدبيات جماعة «الإنقاذ؟!» طيلة سني حكمهم. وإذا وضعنا في الاعتبار أن الوضع الاقتصادي العام لا يسمح بتوفر «البندول النافعابي» كما في السابق، فإن الوضع يصبح أكثر تعقيداً. ٭ ومن جانب المحيط الإقليمي فإن موجة الربيع العربي المنتشرة في المنطقة، تشكل عامل ضغط نفسي على الحكومة وحزبها لأكثر من سبب وسبب. فكل الشروط التي دفعت الشارع العربي الى الانتفاض على الحكام في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا والجزائر والمغرب، هذه الشروط متوفرة أيضاً في السودان وربما بدرجة أكبر، لأنه على الأقل لم يقدم أي من هذه الانظمة على تقسيم بلاده بالشكل الذي فعله النظام السوداني. ونجاح هذه الثورات الواحدة تلو الأخرى يحفز المناطق الأخرى، خاصة بعد ذهاب القذافي ونظامه «مع التحفظ على الآليات»، حيث ثبت عملياً أ? الفعل الشعبي اذا ابتدأ فإنه لا عاصم له من بلوغ نهاية الشوط مهما كانت درجة العسف والقمع التي تقابله. هذا على ما يبدو ما جعل حزب المؤتمر الوطني يبحث عن صيغة ديكورية لمشاركة بعض أحزاب المعارضة، تبقى على سياساته وسيطرته على مفاصل السلطة والدولة، وفي نفس الوقت توهم الرأي العام بأن هناك تغييراً قد حدث على مستوى النظام السياسي. وهو ما عناه شعار الحكومة العريضة عند جماعة المؤتمر الوطني. ولكن هذه الصيغة تواجه مصاعب فعلية داخل الحزب والمعارضة. فاشراك آخرين من خارج بيت الحزب الحاكم في هذه الظروف يعني تقليص المقلّص، وتضييقاً أكثر للفرصة على المتنافسين الطامعين من داخل الحوش. وهذا يمكن أن ينتهي إلى مغادرات جماعية واستقالات وانقسامات لجميع الأطراف «حكومة ومعارضة»، الأولون بسبب تضرر المصالح بصورة مباشرة وفقدان المواقع، والأخيرون بسبب رفض القواعد والجماهير الموالية للحزب لأي تقارب ديكوري مع حزب الحكومة. إجمالاً فقد عبّر المؤتمر الوطني الحاكم عن تضجّره من عدم قبول حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي لهذه المشاركة الديكورية، وعن نفاد صبره عليهم، بقوله إنه لن ينتظر هذه الءحزاب أكثر مما صبر. وهذا يعني أنه سوف يمضي في ذات الطريق الانفرادي لإدارة أزمة البلد، وليس التراجع عنه بتقديم التنازلات التي تتطلبها المرحلة. وهو اختيار سوف لن تكون عواقبه سهلة كما يتصورها جماعة الحاكمين بأمرهم.
---------------
حتى لا تتبدد الفرصة الأخيرة
خالد التجانى
تحولت اللجلجة المصاحبة للإعلان عن التشكيل الوزاري المنتظر إلى مشهد سريالي يعكس بامتياز الحالة المأزقية للوضع السياسي الراهن بأكثر مما يبشر تبرير تأخيره بالسعي لتشكيل «حكومة عريضة» إلى كوة أمل للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تطبق بخناق البلاد وتزداد تعقيداً بمرور الأيام ولا يستطيع أحد التنبؤ بمآلاتها، أو متى تنضج تغييراً قسرياً يكسر الجمود السياسي السائد.
مضت أربعة أشهر على تقسيم البلاد، انقضت معظمها وعناوين الأخبار الرئيسة تسيطر عليها إعادة إنتاج حرب الجبال الأهلية، جبال النوبة وجبال الانقسنا، مستعيدة كل المآسي والتكلفة الباهظة التي عرفتها البلاد لحروب لم تكن حتمية بل كان يكفي لتفاديها بعض وعي وطني وإرادة سياسية مسؤولة، لتدلل لا على قلة العبرة والاعتبار فحسب بل لتؤكد أن فصل الجنوب تم «سمبلة» فلا السلام تحقق ولا وحدة البلاد حفظت. وضع اقتصادي آخذ في التأزم والأسوأ لا يزال قادماً مع الموازنة الجديدة والمسؤولون عن اتخاذ قرارات جريئة وإجراءات جذرية لإنقاذ الاقت?اد يكتفون بمنافسة الخبراء والمحللين والصحافيين في توصيف الأزمة وإطلاق التعليقات، وإصدار التوجيهات على الهواء والتي لا يعرف أحد إلى من توجه أصلاً. يحدث ذلك كله وما يزال البحث جارياً عن حكومة، كيف يمكن لبلد تواجه مثل هذه التحديات الخطيرة تبقى بلا رؤية جديدة، ولا سياسة بديلة، ولا مؤسسات تنفيذ فاعلة تسابق الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط نذر لم تعد في خانة التكهنات والتحليلات بل واقع شديد الوطأة.
كيف يمكن لحزب حاكم يخسر ربع مساحة أراضي بلاده، وخمس سكانه، وسبعين بالمائة من موارد موازنته، وخمس إنتاجه المحلي الإجمالي، وثلث حكومته، وتكاد الحرب تشتعل في أربعة أركانه، ثم يقف متفرجاً لا يرى في ذلك كله مدعاة لوقفة حاسمة وصادقة مع نفسه ونقد ذاتي ومراجعة عميقة، وإقبال على مراجعة جذرية، ولا أحد من قادته الذين أنتجوا هذا الواقع المرير مستعد لتحمل المسؤولية عما جرته أخطائهم المقترفة من مصائب وويلات على البلاد والعباد. يحدث ذلك كله والحزب الحاكم لا يرى بأساً في الاستمرار بالنهج ذاته الذي أوصلنا إلى هذه الحالة المأزقية، والأعجب أنه بدأ يعترف متثاقلاً بوطأة تقسيم البلاد ونتائجه الكارثية سياسياً واقتصادياً بعدما تجلت رأي العين بعدما كان يحسبها «تهويمات يطلقها الحاسدون» وظل يهون من شأنها طويلاً مهدراً زمناً ثميناً كان كافياً لبعض الإصلاح، ومع ذلك لا يبدو مستعداً ليمضي خطوة أكثر جدياً بإتجاه معالجات جذرية، مكتفياً بمواصلة أسلوبه المفضل بيع الشعارات والوعود وشراء الزمن وتجزئة الحلول، وهي تكتيكات لئن أفلحت أن تمنحه ربع قرن في ?لسلطة، فلن تعد ذات نفع أو جدوى في ظل هذه المعطيات الجديدة.
ولعل أول دلالة على ذلك استعصاء توليد «حكومة عريضة» بعملية قيصرية بعد كل هذا الانتظار، فقد ظلت الطبقة الحاكمة أسيرة لاعتقاد أنها تملك وتحتكر بضاعة السلطة المزجاة وأنها تستطيع أن تسوقها كما تشاء، في الوقت الذي تريد وبالثمن الذي تريد، وظلت تراهن على أنها متى ما لوحت بوظائف وزارية في حكومتها لأي من القوى السياسية ذات الوزن فسيسيل لعابها وتسارع لركوب قطارها نحو ما عهدته من الطامحين في الإستواز بغير خشية من تبعة طمعاً في امتيازات السلطة. وليس سراً أن سبب تأخير إعلان التشكيل الوزاري الذي طال انتظاره المفاجأة غير المتوقعة التي لقيها الحزب الحاكم من صد واستعصام الحزبين اللذين قصدهما من أن تغشاهم لوثة الاستوزار بغير تدبر في العواقب من ركوب قارب يخشون أن يكون موشكاً على الغرق وأن يتم ضبطهم متلبسين وقد استهموا في رهان خاطئ. لقد وجد «المؤتمر الوطني» نفسه لأول مرة في موقف لا يحسد عليه ولم يعهده وهو يحاول عبثاً أن يأخذ الحزبين الكبيرين بحزمهم وهم يتفلتون، وبدا مظهره مثيراً للشفقة وكبار قادته يعلنون عن مواعيد لإعلان التشكيلة الوزارية ثم يخلفون موعدهم لأن الطبخة لم تنضج، والحزبان يتمنعان، أو يغاليان في الثمن، حتى بلغ اليأس من إبرام «قسمة ضيزى» حد اتهام مسؤوله السياسي لأطراف خارجية بأنها تحول بين الحزبين وقبول عرض الدخول في «حكومة عريضة»، داعياً الرئيس المسارعة إلى إعلان حكومته ناعياً «الحوار» مع الحزبين.
كان من دواعي الحكمة أن يقف «المؤتمر الوطني» مع نفسه متأملاً دروس هذه التجربة الفاشلة لدعوته لـ «حكومة عريضة» والاتعاظ بها في تدبر المآلات والعواقب التي تنتظره، وكشأن سيرته في عدم التعلم مما سبق من دروس وعبر قاسية والأخذ بعظاتها طفق يبحث عن «شماعة خارجية» يعلق عليها إخفاقه في تشخيص الأسباب الحقيقية وتوصيف الدواء الناجع واستعداده لتجرعه مهما كان مراً من أجل حل جذري للأزمة السياسية والاقتصادية المستفحلة، فالحالة أكثر استعصاء من ان تعالجها حلول ترقيعية وجزئية، واكبر من مجرد إضفاء شكل أكثر جاذبية لحكومة جديدة، ?حتى لو شارك الحزبين أو بعضهما فيها فلن يغير ذلك من مسار الأمور الآخذة في المزيد من التأزم بغير أخذ حقيقي لأجندة التغيير الجذري بحقها.
ومأزق الحزب الحاكم أنه يريد التعامل بطريقة افتراضية مع وضع متأزم يدرك جيداً خطورة عواقبه إلا أنه لا يمتلك الجرأة ولا الإرادة على تغيير أساليبه القديمة، ولا يبدو قادته مستعدين لتحمل كلفة الإقدام على هذا التغيير الذي لم يعد منه بد، فـ «المؤتمر الوطني» لم يقدم على محاولة إشراك الحزبين الكبيرين من باب الصدقة الجارية أو لأن حالة كرم مفاجئة غشيته بدا مستعداً معها للتنازل عن جزء من سلطته المحتكرة لربع قرن، أو لأنه يريد مشاركة حقيقية في السلطة، بل لأن قادته اعتقدوا أن اللجوء لخيار اقتسام امتيازات السلطة مع «قوى ذ?ت وزن»، على الرغم من أنه ظل يحتقرها ويقلل من شأنها، يعفيه من إجراء جراحة كبرى منقذة للحياة لا ينفع معها تغيير شكلي في لعبة السلطة، بل تتطلب تحولا حتميا في عصب وهياكل ومضمون النظام السياسي. فالحزب الحاكم لا يتحرج من الزعم بأنه يمتلك غالبية تفوق التسعين بالمائة من الشعب السوداني استناداً إلى الانتخابات الأخيرة، والسؤال ما الذي يدعوه لتشكيل «حكومة عريضة» وإشراك آخرين معه في السلطة إذا كان مقتنعاً فعلاً بما يقول، فأعتى الديمقراطيات في العالم تحكم بلداناً مستقرة وآمنة ومتطورة بنسبة تأييد شعبي لا يتعدى في الغالب خمسين بالمائة، ولا تحتاج إلى مثل هذه الأغلبية الخرافية لتحكم.
وعلى أي حال إذا كان «المؤتمر الوطني» مطمئنا وواثقا من «اغلبيته التسعينية» فليس عليه سوى تحمل مسؤوليته وألا «يخذل ناخبيه» وأن يستمر في الحكم منفرداً وأن يقود البلاد حتى الانتخابات القادمة، بدلاً من إضاعة الوقت في الجري وراء أحزاب «لا تملك قيمة سياسية ولا تحظى بشعبية» كما ظل ينظر لمنافسيه. تلك هي ببساطة قواعد اللعبة الديمقراطية إن كانت ممارسة حقاً. من الواضح أن الحزب الحاكم بعد كل هذا الوضع المأزقي الذي تواجهه البلاد على أكثر من صعيد، والذي لا يحتاج إلى دليل أو توصيف، لا يزال مفتقراً للرغبة والقدرة والإرادة على التغيير الجذري الذي تتطلبه المرحلة، وإن بدا مستعداً لإجراءات شكلية لا تمس جوهر سلطته ولا تكلفه ثمناً، وبات يفضل ان يكافح قدراً يسوقه قسراً إلى ما لا يرغب فيه، أن يكون موضوعاً للتغيير، بدلاً أن يكون طرفاً أصيلاً في عملية الخروج إلى بر آمن.
ومن المهم أن تدرك النخبة الحاكمة أنهم لا يقودون بلداً بدعاً ولا ينبغي أن يدعون أنهم يملكون قدرهم، وتكفي عبرة خمس ثورات اندلعت في المنطقة في غضون أشهر معدودة نجحت ثلاث منها في الإطاحة بنظم أكثر عتواً ورسوخاً، واثنتان تنتظران تغييراً حتمياً، ولا تزال مسبحة ثورات الربيع العربي تكر ولا تلبث أن تشب في بلدان آخرى مرشحة لطوفانها لا ينتظر أن يسلم منها نظام طالما تشابهت جميعاً في سيرة استبدادها. ولئن كان شيئاً طريفاً من عبرة هذه الثورات أن كل نظام يحسب نفسه فريداً ويتبرأ من الشبه بغيره مستخفاً من مصير من سبقه، فقال?نظام مبارك «ده كلام فارغ، مصر مش تونس» فكان أن لحق ببن علي بعد أقل من شهر في سجن مذل، وأنكر القذافي أن تكون «جماهيريته العظمى» مثل مصر أو تونس فكانت نهايته المأساوية، وهكذا يتأكد أنهم يتشابهون في أفول نظمهم وإن اختلفت نهاياتهم، ويبدو أن العاقل الوحيد سيكون بن علي الذي أسعفه الحظ أنه لم يزعم أنه لا يشبه فلان، وقال لشعبه «لقد فهمتكم» لقد جاءت متأخرة ولكنها كانت كافية لتنجيه ببدنه. لقد أثبتت عبرة ثورات الربيع العربي أن أمام أنظمة الحكم في المنطقة طريقان لا ثالث لهما، إما أن تبادر إلى استباق نشوب الثورات بإحداث تغيير حقيقي وليس صوريا بإتجاه تحقيق قيم الحرية والعدالة والديمقراطية وتأسيس نظم سياسية جديدة تستوعب تطلعات الشباب الثائر والمجتمعات التواقة إلى التغيير، أو أن تكون ضحية لتيار التغيير الجارف لا يعصمها من ذلك عاصم، ولن تغشاها رحمة الله، لا ينفعها جيش مدجج ولا أمن مؤدلج.
ولا يزال الحزب الحاكم في الخرطوم اليوم في فسحة من أمره على الرغم من كل ما تحيطه به من أزمات السياسة والاقتصاد والحرب المتجددة المتلاحقة، ويملك فرصة أن يختار لنفسه أي الطريقين يسلك، بيد أنها فرصة ليست مفتوحة، والعاقل من يبادر إلى إدراك التغيير قبل ان تدور عجلته، لأن التجربة أثبتت أنها ما أن تنطلق فلن يكون لأي محاولة إصلاح معنى أو مصداقية، ويقود الوهم على القدرة في التحكم على الأمور الأنظمة عادة إلى حتفها. المطلوب من «المؤتمر الوطني» ببساطة ألا يغرق في الوهم الذي أصاب غيره من الأنظمة المتساقطة في المنطقة، والعاقل من اتعظ بغيره، ومن الحكمة ألا يحاول اكتشاف قدرته على إثبات العكس، فإن لم يكن من أجل مواطنيه، او من أجل الشعارات التي يرفعها، فمن أجل مصير أكرم. لا يحتاج الأمر إلى إعادة اكتشاف العجلة، وخريطة الطريق لإخراج البلاد من مآزقها المتشابكة لا تحتاج لأكثر من التعاطي بجدية ومسؤولية مع الأجندة الوطنية، وإدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة لا «التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى» وهو تعريف الكواكبي للاستبداد. المطلوب أن يتحرر «المؤتمر الوطني» من أسر «اغلبيته التسعينية» وأن يبادر إلى قيادة حوار وطني شامل، في مؤتمر جامع أو دستوري، يرتب لوضع انتقالي متفق عليه يقود إلى انتخابات مبكرة تجرى بديمقراطية حقيقية تؤسس لنظام سياسي جديد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
بسم الله الرحمن الرحيم يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي لحرية الصحافة ، ويناشد الصحفيون رؤساء الحكومات والدول بتوفير الحماية
عبد القادر قنات
اللازمة لحرية الكلمة ، لأنها المعبر الحقيقي الوحيد لتطلعات وأماني الشعوب عن طريق حريتها والكلمة الصادقة التي لا تحدها حدود أو قوانين أياً كانت ، غير نزاهة ضمير الصحفي والرأي والرأي الآخرالمتجرد ، مع لغة حوار وأدب حوار وإختلاف دون حجر علي المعارضين ، و توفير جميع سبل التدريب والامكانيات لعموم قبيلة الصحافة لأداء رسالتها علي أكمل وجه ، إضافة إلي توفير جميع المعلومات في يسر حتى يتسني للصحفي ايصالها مجردةً للمواطن.
الصحافة هي مهنة النكد لممارسيها ، وبما أنها السلطة الرابعة فهذا يضع علي عاتق من يمتهنونها مسؤوليات جسام ، واليوم في وطننا مع كوة الحرية ومع ما يسمح به من تعبير وإبداء لرأي ، فإن مسئولية صحافتنا ، تشمل النقد الهادف البناء من إجل الوطن والشعب ، والعمل علي كشف العيوب والتقصير والفساد والإفساد والدعوة المجردة لإصلاح الخطأ أو التجاوزات في باقي السلطات ، وكل ذلك في شفافيةٍ وأمانة صحفية وصدق مع النفس لا يعرف التلفيق والتدليس أو النفاق والمهاترات ، وفي حيدةٍ ونزاهة تامة ،الصحافة هدفها نهاية المطاف المواطن والوطن أمناً وحدوداً وتنميةً وتعليماً وصحةً ونماءا وفوق ذلك عدلا وقسطا ،ًعلي أن لا يتعدى ذلك عبر الكلمة حرية الآخرين ، وأن لا تمس الكلمة أمن الوطن من منظور الوطنية الحقة والتي نحسب أن قبيلة الصحافة تتحلى بها ، وليس من منظور أهل السُلطة الحاكمة ، وإن حادت الصحافة وأهلها عن مسئوليتهم تجاه الوطن والشعب من أجل سلطةٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو بسبب ولاء فعلي الدنيا السلام .
القلم الذي أقسم به رب العزة في محكم تنزيله (ن والقلم) ، ذلك القلم الذي يجب أن يكون من منظور الصحافة المجردة ، العين الساهرة علي مصالح الوطن والشعب ، قلم هدفه البناء دون تجريح أو مساس أو إنتقاص أو إساءة ، قلم هدفه رفعة الوطن وتقدمه وإزدهاره وإصلاح الحال بكل السُبل المُتاحة بالكلمة والتي تفعل فعل السحر إن كانت خالصة للوطن والشعب ، وعندها يصل إلي مصاف الدول المتقدمة ويخرج من بوتقة التخلف والجهل والمرض والفساد والإفساد والمحسوبية والرشوة والإختلاسات والحروب والقبلية والعنصرية والجهوية ، وكل هذا لن يتم تنفيذه والوصول لتحقيقه إلا بقلم يطوعه صاحبه لخدمة تلك الأهداف السامية ، أما إن كان ذلك القلم وصاحبه يحمله مثل عامل الدهان يُلوِّّن كيف ما شاء أولِي الأمر نفاقاً ورياءاً ومدحاً وثناءاً ، فعلي الوطن والصحافة ومهنتها السلام ، وعلي الوطنيين الشرفاء من أهلها أن يُقيموا مأتماً ونواحاً لقلم وصحافةٍ أرتهنت لمن يدفع أكثر ، وعندما يبيع الصحفي ضميره ويصبح قلمه بوقاً ينفخ من أجل جنيهاتٍ لا تغني ولا تسمن من جوع ، فإنه يفقد إنسانيته وكرامته وآدميته.
ليس هنالك مسئولاً أياً كان موقعه أو درجة مسئوليته أو قربه من السلطان ، له من الحصانة ما يمنع قلم الصحفي النزيه من نقده وتوجيه النصح والإرشاد له أو للمؤسسة ، بل علي ذلك الصحفي المطالبة العلنية جهاراً نهاراً وبالخط العريض وفي الصفحة الاولى في كل الصحف الحرة النزيهة والتي تأتمر بأمر الوطن والمواطن بمحاسبة ذلك المسئول عن أي تقصير أو فساد أوإستغلال للوظيفة أو النفوذ أو السلطة ، وحتى مُجرّد وِجود شُبهة أو حديث مدينة أو إشاعة أو ظِهور ثروةٍ فجأة من العدم ، أو الحصول علي وظيفةٍ ما دون كفاءةٍ أو عطاءٍ دون إمكانيات ومنافسة ، أو .. أو .. أو ، فإن علي ذلك المسئول إن كان فعلاً أميناً مع نفسه ووطنه وشعبه وضميره ، فإنه قطعاً سيتقدم بإستقالته قبل أن يُقال وقبل أن تظهر الريحة التي تُزكِم الأُنوف من الفساد والإفساد ، وقبل أن تتناوله أقلام الصحافة الحُرة ، والأمثلة كثيرة جداً في غير وطننا السودان (بالأمس وزير الدفاع البريطاني)، حيث الشفافية والصدق والأمانة والنزاهة ، وحيث كلمة الصحافة لها وقع ولها تأثير فهي قولاً وفعلاً سلطة رابعة ، وقد إستقال بسبب مقال أو كلمة أو تعليق وزراء ورؤساء ومسئولين كبار في التاريخ البعيد والقريب ، بل أُخُضِعوا لمحاسبة ومحاكمة أفضت ببعضهم إلي السجون(ولنا عبرة في دولة إسرائيل)، ولكن عندنا في السودان من يقبل في يومنا هذا أن يترك كرسي السلطة بإستقالته طوعاً وأختياراً (بإستثناء د.
عبد الله تية ود.محمد يوسف أبو حريرة) ، فهذه قد صارت من عجائب المستحيلات وإن خاض ذلك المسئول في وحل الفساد والمحسوبية حتي لو كانت رائحة مخالفاته ومخلّفاته وفساده قد عمت البوادي والحضر ، وتناولتها الصحافة الحرة بالكلمة وأدلتها القاطعة ، و المُحزِن إن ذلك المسئول بدل أن يستقيل أو يُقال ويُقدّم للمحاكمة والمحاسبة ، تجده يتقلب ما بين منصب وآخر في إستراحة مُحارب ،بل ويْخُلَقَ له منصب أرفع من ذلك ليزيد استئثاره بأموال حُمّد أحمد ود عبد الدافع والذي أنهكهُ المرض وأقعدهُ الجهل وهدّهُ العوز والفاقة وأشاح وجهه ذُل السؤال ، فهل يعلم ذلك المسئول بغض النظر عن علو أو إنخفاض درجته بما في ذلك من أوصله لهذه الدرجة أنه سيأتي يوم يُجُتث فيه الفساد والمُفسدين وستظهر حقيقة المُنافقين والدجالين والأفاكين وآكلي موائد أهل السلطان عبر كلمة كلها كذب ونفاق وتلفيق ومدح ورياء وذم للآخرين زورا وبهتانا ؟ هل يعلمون أن دوام الحال من المحال ؟ لو دامت لغيرك لما آلت إليك ، فعلي أولي الأمر وإن علت مكانتهم أو طالت إقامتهم علي ذلك الكرسي، أن يتذكروا أمثلة قريبة جدا جدا ما بين هروب بن علي وصورة مبارك وموت القذافي فقد كان للإعلام دور بارز في تعرية وكشف المستور، فهل يتعظ من يري ويسمع؟ الصحافة السودانية الحرة كشفت وعرّت وكتبت و لا حياة لمن تُنادي ، بل تمت المصادرة والسجن و تكميم أفواه البعض لا لذنب جنوه غير كلمة الحق وتعرية المستور وكشف العيوب من أجل الوطن وعزته وكرامته وتنميته، وهكذا ضريبة رسالة الصحافة والصحفي الحر النزيه
. الصحافة الحرة والقلم النزيه والضمير الحي هي سياج وأمن الوطن وتقدمه وإزدهاره ، ولكن أن يتم تكميم الأفواه وحجب الرأي بطريقة أو أخري لن يقود إلي صلاح الحال، فالعقل البشري في عالمنا اليوم لا يعدم حيلة و له طرقه التي يمكن عبرها من إيصال ما يُريد من معلومات وصور ولنا عبرة فيما حدث في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والأردن والصين، كان تكميم الأفواه وحجب المواقع وتهكيرها هو جزء من خُطة تلك الدول لمحاربة الرأي ومصادرة حرية الفكر، فهل نجحت تلك الأجهزة فيما إرتأت؟ كلا وألف كلا فالعالم اليوم صار غرفة لجدّ صغيرة والتكنولوجيا تنقل دبيب النمل في غرفة المسئول، فهل نتعظ؟ ولنا عظة في المُناضل نلسون مانديلا وهو سجين تلك الجزيرة ل27 عاما ، ومع ذلك ألف كُتُبا رأت النور وهو في سجنه الإنفرادي.
إن تهكير صحيفة سودانايل الإلكترونية يصب في تكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأي والكلمة، أين نحن من ( أدعوا إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) صدق الله العظيم، إنه رأي ورأي آخر ، إقناع وإقتناع، فإن كان رب العزة قال: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ).(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) ( ذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) (أعدلوا هو أقرب للتقوي) صدق الله العظيم. أليس الدين النصيحة؟ وكيف تكون ؟ هل خلف الأبواب المغلقة؟ ويقولون لخليفة رسول الله : لو رأينا فيك إعوجاجا لقومناك بسيفنا هذا، أليست هذه هي النصيحة خالصة لوجه الله وبالكلمة فقط وليس بالسيف ؟ هل إعتقلهم أو صادر ممتلكاتهم؟ بل حمد الله أن من بينهم من يُقوِّّم أمير المؤمنين بالسيف، وصحافتنا تملك فقط القلم من أجل النصح والتقويم ومع ذلك تُحارب وتُصادر ويتم تهكيرها!!! جريدة الجريدة تم تشميعها، وصُحف أخري تُصادر بعد الطبع من وقت لآخر، أليس لدينا نظام قضائي حر ونزيه نحتكم إليه في إختلاف الرأي لتظهر الحقيقة عبره؟ الحق أحق أن يُتّبع. لماذا لايكون هنالك رأي ورأي آخر وحرية نقاش وحجج دامغة من أجل الإقناع؟ هل تهكير سودانايل أو غيرها ، أو مصادرة الصحف سيقود إلي إضمحلال الفكر وضمور الرأي الآخر؟ كلا وألف كلا، فالعقل سيتدبر أمره شاء من شاء وأبي من أبي، يديكم دوام الصحة وتمام العافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
الخذلان ...المبين د. عمر القراي
(وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) صدق الله العظيم
فاجأ السيد محمد عثمان الميرغني، راعي الطريقة الختمية، ورئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي الاصل، جماهير حزبه، واتباع طريقته، ومعظم الشعب السوداني، بإعلان دخول حزبه في حكومة المؤتمر الوطني المرتقبة. فقد جاء (أكد السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" أمس التحاقهم بحكومة المؤتمر الوطني وعزا الميرغني قراره لما أسماه بـ "المصلحة الوطنية". هذا وأعلن عمر البشير في خطابه أمام الجلسة الختامية للمؤتمر العام لحزبه أنه سيواصل الحرب على جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، الأمر الذي خرجت به توصيات المؤتمر العام للحزب الحاكم، مما يشير الى أن الاتحادي الديمقراطي سيلتحق بحكومة "حرب"، ومع كل ما يستتبع ذلك من تقييد للحريات وتفاقم في الأزمة الاقتصادية الاجتماعية القائمة)(حريات 27/11/2011م). ومصدر الإستغراب، ان الحزب ظل طوال تاريخه، يؤمن بالديمقراطية، وتنص مواثيقه على عدم التعاون مع الحكومات الدكتاتورية، ثم انه على مدى فترة حكومة الإنقاذ، وقف في المعارضة، وكان نصيب رئيسه مصادرة الممتلكات، والمضايقة، حتى اضطر الى ترك البلاد لفترة طويلة، كما عطلت دور الحزب واوقف نشاطه.. ولقد قاد الحزب الإتحادي الديمقراطي، تحالف المعارضة العريض- التجمع الوطني الديمقراطي- الذي استطاع ان يجمع الشعب السوداني بمختلف أطيافه، على وثيقة "مقررات أسمرا للقضايا المصيرية" التي كانت النواة لإتفاقية السلام الشامل.. وحين شارك الحزب في الإنتخابات الأخيرة، مخالفاً تجمع الأحزاب التي أجمعت على عدم المشاركة، رغم انه قد كان عضواً في ذلك التجمع، إعتبر بعض المحللين السياسيين، ذلك الموقف ضعفاً هيكلياً في الحزب المنقسم على نفسه، وعجز عن المواجهة، وقصر نظر سياسي.. ولكن الموقف على كل حال يمكن تبريره، من منطلق ان الحزب يريد ان يحتكم للديمقراطية، وفاء لتاريخه الطويل في احترامها..
وكان السيد محمدً عثمان الميرغني، قد زار كسلا قبيل الإنتخابات، فقابلته جماهير هادرة تهتف بالولاء له وللحزب، مما أكد أن المدينة وضواحيها، بل الشرق كله يسانده.. ولكن نتيجة الإنتخابات، جاءت مخيبة لآماله، إذ لم يحصل مرشحه إلا على حفنة أصوات!! ولقد وضح للسيد محمد عثمان الميرغني، أن الإنتخابات قد كانت خدعة، وأنها زورت تماماً، واستغل كل من شارك فيها ليعطيها شرعية لا تستحقها، فتساءل أين ذهبت الجماهير الغفيرة التي قابلته هل ابتلعها القاش؟! في اشارة واضحة لتأكيد ما حدث من تزوير، كان من مفارقاته، ان سقط الحزب الإتحادي الديمقراطي العريق، في بقعة تعد حاضرة الختمية في السودان، ومعقل ضريح السيد الحسن اب جلابية!!
فإذا كانت حكومة المؤتمر الوطني، قد زورت الإنتخابات، لتبعد الحزب الإتحادي الديمقراطي الاصل، عن مواقع السلطة، فهل يصدق عاقل أنها الآن ستمنحه هذه المواقع سهلة دون إنتخابات، لمجرد أظهار ان الحكومة قومية، وممثلة للشعب السوداني؟! لقد أغرى المؤتمر الوطني الميرغني بالمشاركة في الإنتخابات، ليعطيها شرعية، ثم ركله بالسطو على صناديق الإقتراع، ولم يتعظ الميرغني من تلك التجربة.. ولما كانت كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها، فإن الميرغني يدخل حكومة المؤتمر الوطني اليوم بحزبه، ليخرج المؤتمر الوطني من عزلته، ويؤكد للعالم زعمه الكاذب بانه يمثل الشعب، وأنه يشرك غيره معه في حكم البلاد.. وهذه خدعة كبرى، يمارسها شيخ الطائفة الختمية، مع دهاة المؤتمر الوطني، شعر بذلك أم لم يشعر.. وبعد ان يكتمل هذا الدور، سيقوم المؤتمر الوطني بركل الميرغني مرة أخرى، بعد ان يكون قد شاركه مسئولية جرائمه وفساده، ثم لم ينل شيئاً مما كان يحلم به من نفوذ أو مال، اشتراه بكل مصالح الشعب السوداني، وكل تاريخ حزبه، وهو يفقد مصداقيته كقائد ديني، وكزعيم سياسي يؤمن بالديمقراطية.
لقد باع السيد محمد عثمان الميرغني تاريخ حزب الشعب الديمقراطي، وتاريخ الحزب الوطني الإتحادي، وأساء الى سيرة شيخ علي عبد الرحمن، وسيرة الزعيم الازهري، بتحالفه مع نظام دكتاتوري غاشم، تفوق في السوء، على كل الدكتاتوريات السابقة، التي رفض قادة الحزب الإتحادي الديمقراطي التعامل معها. وما كان لراعي الطريقة الختمية، التي قامت علىّ قيم السماحة والسلم، ان يضع يده في أيدي تلطخت بدماء الابرياء، من ابناء شعبنا، في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، ولا زالت تصر على تقتيلهم، ومنع الإغاثة عنهم، لو كان يرعى حرمة لإرثه الديني والأخلاقي، أو يدرك معنى لإرثه السياسي الوطني، الذي لم يلوث كما تلوث الآن.
ولابد لنا من الإشادة بالموقف الناصع، لشباب الحزب الإتحادي الديمقراطي، الذين هتفوا في حولية السيد علي الميرغني (لا وفاق مع النفاق)!! وضربوا، واعتقلوا، وطردوا من جنينة السيد علي، وهم يشهدون إجتماع حزبهم، ليقرر المشاركة.. كما انهم في الجامعات اصدروا بياناً يدين خضوع حزبهم، ودخوله في نظام المؤتمر الوطني!! ومن هؤلاء الشباب الذين صرحوا برفض المهزلة السيد محمد الحسن، نجل السيد محمد عثمان الميرغني، فقد جاء (وسبق وأعلن السيد محمد الحسن نجل الميرغني لن أشارك في حكومه حرب. لكي أحارب أهلي و شعبي ولن أتحمل أوزار 22 عاما من الفساد و الإستبداد وأوضح أن الهيئه القيادية للحزب الاتحادي الديمقراطي ليست الجهة المختصة بإصدار مثل هذه القرارات الكبيرة والتي تعتبر من صلاحيات المكتب السياسي المنتخب وحده. واشاد بدورشباب الحزب ونضالهم ضد المشاركه وناشدهم بمواصلة النضال ضدها بالحكمه والموضوعية)(المصدر السابق).
ألا يوافق السيد محمد عثمان الميرغني، نجله بأن حكومة الإنقاذ حكومة فساد واستبداد؟! ألا يوافق شباب الحزب، على ان المؤتمر الوطني مجموعة مردت على الغش والنفاق؟! فليسمع إذاً لأكثر المناصرين للنظام، حين انطقه الله الذي أنطق كل شئ!! يقول الطيب مصطفى صاحب صحيفة الإنتباهة (عدة أسئلة تنبثق من هذه الأمثلة التي أضربُها لأبيِّن أن الحزب الحاكم يُمسك بتلابيب البلاد ويضيِّق الخناق على الممارسة السياسية وعلى الرأي الحُر ولذلك تجد كثيرين يقولون لك نحن معك لكننا لا نستطيع أن نجهر برأينا بفقه «الصلاة خلف علي أقوم لكن مائدة معاوية أدسم» بكل ما ينطوي عليه ذلك من تفشٍ لظاهرة النفاق الذي ذُمَّ في القرآن!!)(الإنتباهة 27/11/2011م). أم يظن الميرغني أن اعضاء حزبه حين يدخلون حكومة المؤتمر الوطني سيسمح لهم بأي رأي مخالف فليسمع إذاً (أقول إن وظيفة المدير لهيئة حكومية أو غير ذلك من تلك التي يصدر القرار بشأنها من السلطة التنفيذية لا يُعيَّن فيها إلا من بوابة الولاء السياسي باعتبارها وظيفة تابعة للحزب الحاكم وليست وظيفة تتبع لوطن يُسمَّى السودان بعد أن أصبح السودان مملوكاً للحزب الحاكم أو كاد)(المصدر السابق). وإذا كان إنعدام الحريات في ظل هذا النظام يراه ويعبر عنه الطيب مصطفى بقوله (ثمة أمر آخر.. هل المواطنون أحرار في أن يعبِّروا عن آرائهم أو في الانخراط في نشاط سياسي خارج مظلة المؤتمر الوطني؟! لكي أكون أكثر تحديداً هل يأمن موظف الدولة أو حتى موظف القطاع الخاص سواء كان خاضعًا بصورة من الصور لسلطان الدولة أو غير ذلك.. هل يأمن مكر من يرصدون حركة الناس ونشاطهم السياسي ويطمئنّ أنه لن يفقد وظيفته بسبب انتمائه لحزب آخر غير الحزب القابض على خناق الدولة والحكم في البلاد؟)(المصدر السابق) فهل يمكن ان يكون غائباً على السيد محمد عثمان الميرغني؟!
إن ما فعله السيد محمد عثمان الميرغني، والذين وافقوه من اعضاء حزبه على الدخول في حكومة المؤتمر الوطني، جريمة نكراء، لن تقسم الحزب المنقسم أصلاً فحسب، بل ستساعد نظام الإنقاذ الذي كان يعاني من العزلة، ويلهث وراء الشرعية، على تمديد عمر الحروب، وتقسيم بقية الوطن بعد ان ضحى بالجنوب. أما السيد الصادق المهدي، فقد عرف بالتردد، واشتهر بالتذبذب في علاقته مع نظام الإنقاذ، الذي أنقلب على حكومته.. فهو قد خرج من السودان لاحقاً بالمعارضة خارجياً في مسرحية (تهتدون)، ثم بعد ان إنضم للتجمع الوطني الديمقراطي، ترك المعارضة على أشدها، وقابل البشير في جيبوتي، وفرح بوعوده، وكان قد اشاد بحكومة الإنقاذ، فقال (هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر، ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية ويقبل ان المصير السوداني ليس حكرا على حزب السلطة، وانما للسودانيين كلهم، صحيح هناك نكسات وهناك معايير مختلفة، وخطاب مضطرب، ولكن في جوهر الامر اعتقد ان الموقف الآن هو ان الحكومة والمعارضة يقبلان مبدأ ان يكون المصير السوداني متفاوضا عليه بين القوى السودانية الحاكمة وغير الحاكمة بصورة سلمية، وانا أعتقد ان هذه اول مرة في التاريخ يحدث فيها هذا النوع من التحول، صحيح حدثت في عهد نميري المصالحة الوطنية، ولكن كان واضحا منذ البداية ان نميري كان الحاكم بأمره،
وكان يريد ان يجعل المصالحة وسيلة لدفع المعارضة للانخراط في النظام، وعندما تبينا ذلك تركناه وأستأنفنا المعارضة ضده، اعتقد ان نظام الانقاذ الحالي ليس فيه هذا النوع من الانفراد بالسلطة أو لدى أي واحد من قادته..)؟! (جريدة البيان 31/10/2001م). وحين ادرك ان النظام خدعه قال (المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيران لشعارات فارغة ربطت الاسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب)!! (بيان السيد الصادق للشعب السوداني: سودانايل 7/6/2004م). وبعد ذلك اضطربت مواقفه بين المعارضة والتقارب مع الحكومة، حتى وقع مع المؤتمر الوطني إتفاق التراضي الوطني، الذي جاء في مقدمة وثيقته (إدراكاً من الحزبين لأهمية الحوار بوصفه الوسيلة الفعالة في معالجة القضايا والمشكلات الوطنية....واستلهاماً لتطلعات الشعب السوداني في التحول الديمقراطي والسلام العادل الشامل..... وسعياً نحو حشد الطاقات وتكامل القدرات للارتقاء بالوطن نحو آفاق الحرية والديمقراطية والشورى والسلام والعدالة والتنمية والاستقرار والكرامة والرخاء والعيش الكريم انعقدت اللجنة المشتركة بين الحزبين وعقدت ستة عشر اجتماعاً امتدت لعدة أشهر...) (السوداني 21/5/2008م). ورغم ان شباب من حزب الأمة قد إعترضوا على الإتفاق، مضى فيه السيد الصادق، وحين فشل، حمل مسؤولية الفشل للمؤتمر الوطني، ورجع الى قواعده في المعارضة سالماً!! فالتحق بتحالف جوبا، وفتح داره لنشاط المعارضة!! وحين علا صوت المعارضة، تراجع عنها، وقال (ان البشير جلدنا وما نجره بالشوك)!! ومباشرة بعد الإعتداء الآثم على د. مريم الصادق المهدي، وكسر يدها بواسطة رجال الأمن، في مسيرة إحتجاجية على ظلم النظام، إجتمع السيد الصادق بالسيد رئيس الجمهورية، يناقش معه، أسس التوافق بين حزبه والحكومة!!
وحين عرضت الحكومة، وهي في عزلتها الاخيرة، على حزب الأمة المشاركة، وأغرته بمختلف الحقائب الوزارية، كان رأي السيد الصادق الدخول، ولكن المعارضة القوية، التي قادها شباب الحزب، والرجوع بالقرار لقواعد الحزب، حال دون الدخول الرسمي للحزب، وهذه ميزة على الحزب الإتحادي الديمقراطي.. ولكن السيد عبد الرحمن الصادق نجل السيد الصادق، إلتحق بالحكومة، وهو عضو مرموق في الحزب، وكان قائداً لجناحه العسكري. ولقد حاول السيد الصادق تبرير هذه المقاربة بين عناصر من الحزب والحكومة، بأن السيد عبد الرحمن قد أعيد الى الخدمة، مثله مثل المحالين للصالح العام الذين أرجعوا!! ولكن السيد عبد الرحمن لم يرجع الى وظيفته السابقة في القوات المسلحة، وإنما عين في منصب دستوري رفيع، فقد جاء ("سونا" أصدر المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية اليوم مرسوما جمهوريا بتعيين السادة الآتية أسماؤهم مساعدين لرئيس الجمهورية وهم: السيد د. نافع على نافع السيد موسى محمد أحمد السيد د. جلال يوسف الدقير السيد عبدالرحمن الصادق الصديق المهدي السيد جعفر الصادق محمد عثمان الميرغني)(الراكوبة 29 نوفمبر 2011م). وهكذا أصبح السيد عبد الرحمن الصادق مثل د. نافع علي نافع!! وهذا ما اعترض عليه شباب حزب الأمة، في بيان لهم، جاء فيه (أولا: نؤكد رفضنا التام لتبرير دخول عبدالرحمن الصادق لأى من أجهزة المؤتمر الوطنى ولا يمكن بدخول عبدالرحمن ان تكتسب قوميتها بل المقصود بدخوله تجريم حزب الأمة القومي.
ثانيا: نتبرأ من عبدالرحمن الصادق حال اصبح جزء من الَه الحرب التي تطحن اهلنا في دارفور والنيل الازرق وجبال النوبة. علماً بان ال المهدي جزء منهم من شارك في الانظمة الشمولية المختلفة ولكن خصوصية عبد الرحمن الصادق يأذها من كونه ابن رئيس الحزب الذي انقلبت الانقاذ علي حكمه الديمقراطي. ثالثا: ان العميد عبد الرحمن الصادق له تحالف راسخ مع صديق محمد اسماعيل الامين العام بغرض جر الحزب للمشاركة مع المؤتمر الوطني وقد تحملنا كون للمؤتمر الوطني داخل حزبنا نافذة وباب مثل الاولي عبد الرحمن والثانية صديق ولكن دخول عبد الرحمن يؤكد ان جداراً كاملاً قد انهد بين الحزبين مما يجعلنا ضيوفاً ثقلاء علي اصحاب الدار. رابعا: إن حالة السيولة الافقية والرأسية التي تعيشها مؤسسات الحزب لايمكن الخروج منها الا بقيام الهيئة المركزية ولم الشمل الحزبي.
خامساً: نجدد تأكيدنا ان لا مخرج من ازمات البلاد الا بتغيير هذا النظام وان اسلوب الترقيع لن يساهم في اطالة عمر النظام بل يمدد ازمة الوطن.. عاش حزب ألأمة القومي وعاشت جماهير ألأنصار كوادر وشباب حزب ألأمة القومى 26/11/2011م) وكما اشدنا بشباب الإتحادي الديمقراطي، نشيد بشباب حزب الأمة، ووضوح رؤيتهم، وصلابة موقفهم.. إن هذه الكوادر في الحزبين، هي الأمل في الاصلاح الحقيقي، وحركتها لا تزال مستمرة، يضاف اليها عدد كل يوم، تعبر عنها مواقف، واستقالات، وبيانات هنا وهناك.
وإذا كان ابن رئيس الحزب، مساعد لرئيس الجمهورية، ولم يتبرأ والده من فعلته، بل قال ان هذا تصرف فردي، فإن هذه إشارة لاعضاء الحزب ليلحقوا بالنظام من منطلقات فردية!! ولقد كان اجدر بالسيد الصادق المهدي، لو كان رجل مبادئ، وهو يرى ان نظام المؤتمر الوطني، بؤرة فساد، وتقتيل للشعب، ووأد للديمقراطية، لا يحب لحزبه ان يتلوث بالدخول فيها، ان يحب لولده ما أحب لنفسه وحزبه!! ولقد حاول السيد عبد الرحمن، ان يعفي والده والحزب من الحرج، فاصدر بيانا جاء فيه (لقد كنت كما هو معلوم في خلاف فكري وسياسي مع الحكم القائم، وقدت المعارضة المسلحة ضده كأمير لجيش الأمة للتحرير الجناح العسكري لحزب الأمة القومي، ولكن منذ عودتي في 2000م صرت أرى ضرورة التعاون معه من أجل المصلحة الوطنية العليا. وفي 19 يوليو 2010م، تمت إعادتي للقوات المسلحة التي كنت قد فصلت منها تعسفيا، وتقدمت باستقالتي من جميع مناصبي بحزب الأمة القومي كمساعد للرئيس وعضو بالمكتب السياسي للحزب إنني في موقعي الحالي لا أمثل حزبا ولا أمثل والدي الإمام الصادق المهدي الذي أعلن وحزب الأمة موقفهما المؤسسي، ولكنني أمثل شخصي وقناعاتي، ومجهودي، واجتهادي الذي أقدمه لوطني وأنا أطمع في الأجرين لو أصبت وفي الأجر الواحد إن أخطأت.
وبالله التوفيق وعليه التكلان
العقيد ركن/ عبد الرحمن الصادق المهدي
الخرطوم في 30 نوفمبر 2011م)(الراكوبة 30/11م2011م) ولكن السؤال هو: ما الذي جد في النظام، حتى يتحول السيد عبد الرحمن من المعارضة المسلحة الى مساعد للرئيس؟! وما دام السيد عبد الرحمن قد دخل حلبة السياسة، بهذا المنصب، ولم يعد مجرد ضابط في الجيش، فليحدثنا كيف يرجو ان يصيب أجراً وهو يساعد في نظام لم يتوقف من قصف شعبه المدني الأعزل بالطائرات؟! نظام يبيع مشروع الجزيرة ويشرد أهله، ويقيم السدود فيشرد سكان الشمال وهاهم منذ أيام معتصمون أمام حكومة الولاية بالدامر.. نظام شهد مراجعه العام وشهد المدافعون عنه أمثال الطيب مصطفى بأن غارق في الفساد حتى أذنيه. لقد خذل زعماء الطائفية، الشعب السوداني أكبر خذلان، بموقفهما تجاه حكومة المؤتمر الوطني، وقدما مصالحهما الحزبية الضيقة، علىٰ مصلحة الشعبي السوداني، واضاعا بذلك تاريخاً تليداً لحزبيهما.. وسوف يستفيد المؤتمر الوطني من مشاركتهما، ويسعى ليتكئ عليها ليطيل بها عمره، ويقوي من نفوذه وبطشه بخصومه، حين يضمن ان الحزبين لن يحتجا على المزيد من الكبت والإرهاب، ما داما مشاركين بصورة أو أخرى في السلطة، التي تمارس القمع. ولكن عزيمة الشعوب لا يقهرها تراجع المتراجعون، ولا تخاذل المتخاذلون، والثورات لا يقوم بها زعماء الأحزاب التقليدية، وإنما الشباب الذي يزلزل الأرض من تحت أرجلهم.. أما الشعب السوداني الكريم، الصابر على معاناته، فإنه بعين ربه، وسينصره بإذنه النصر العزيز.
د. عمر القراي omergarrai
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
تحالف تاجر البندقية مع حامل البندقية ..
بقلم: صديق محيسى تحالف تاجر البندقية مع حامل البندقية .. بقلم: صديق محيسى الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2011 21:38
الفرق بين السيد الصادق المهدي , والسيد محمد عثمان الميرغني هو إن الأول يفكر ,ويؤلف الكتب ,ويحاضر, ويشارك في المؤتمرات الإقليمية والدولية ويقدم الأوراق في شتى شئون السياسة ,والفلسفة ,والاقتصاد والفن ,والثورات, ولكنه لا يحّول منتوج أفكاره إلى إعمال مادية تعبر عن خطابه المكتوب والشفاهى ليتطابق القول مع الفعل , والصادق المهدي كتاب مفتوح تستطيع قراءته سطرا سطرا, بينما الميرغني هو صندوق اسود ضائع في أعماق محيط متلاطم موجه, ويحتاج إلى مجهودات خارقة للعثور عليه أولا , ثم فك شفراته, الصادق المهدي كثير الكلام , والميرغني قليل الكلام بل شحيحه , لا لفكر عميق يضن به على الآخرين ,ولكن لخصام متصل مع المعرفة والتحصيل , وإذا فعل ذلك مرغما فأن السامع له لا يخرج منه بشيء مفيد , أو غير مفيد , فهو يعطيك جملا وكلمات لا تحمل معان محددة , ويتخلل ذلك ضحكات مجللة قد يعقبها خروج متعمد عن الموضوع كله إذا كان جليسه صحافي خصوصا. ومن ملا حظاتى طوال سنوات عملت فيها صحافيا في صفوف التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان الميرغني رئيسه حينما كان شعاره الثوري اقتلاع النظام من جذوره وسلم تسلم إن السيد الميرغني لا يرتاح أبدا لمثقفي الحزب الذين يريدون جعله حزب مؤسسات تشاع في داخله الديمقراطية والرأي والرأي الأخر ويبتعد بقدر الإمكان عن هذا النوع من الأعضاء لا يصالحهم ولا يعاديهم ويفضل إن تنطبق عليهم الآية الكريمة ( لا يموت فيها ولا يحي ) وجرى إبعاد عدد كبير منهم وبعضهم غيبه الموت متكفلا بمهمة كان سيقوم بها هو.
من منكم سمع يوما إن الميرغني قد إلف كتابا , او قدم محاضرة , أو شارك في ندوة , أو كتب دراسة عن الحزب , او عن شيء ؟ إن الميرغني رجل نسيج وحده , لم يرث من والده العلم والثقافة الموسوعية من السياسة والجغرافيا حتى علم الفلك , كان السيد على بحرا من العلوم يتحدث ثلاثة لغات , ويمتلك مكتبة ضخمة يخصص منها جانبا خاصا بالصحف الأجنبية منذ العشرينات وحتى الخمسينات والستينات من القرن الماضي , لقد اعترف محمد حسنين هيكل بالثقافة الواسعة للسيد على عندما بعثه الرئيس جمال عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي لأخذ راية في قضية استقلال السودان , ولكن مع كل ما كان يتميز به زعيم الحتمية التاريخي من مقدرات وذكاء فأنه كان يوظفها من وراء ستار في إدارة الصراع السياسي مع خصومة والنيل منهم , كما لم يكن فى قدرة احد من قادة الحزب أو الطائفة إن يكون له رأى مخالف لرأيه , ولا احد يتجرأ أصلا ويتخذ قرارا دون الموافقة المسبقة عليه , إلا إذا رأى إن يوصل هذا القرار, أو الرأي من خلال آخرين. كان السيد على عالما من الغموض والإبهام يميل إلى العزلة ولا يحب الجلبة , أو الضوء , ويستخدم جزءا من ثوبه ليغطى به وجهه حتى العينين فيسبغ على نفسه هالة تغرقه أكثر في الغموض , والسيد على لم يكن يحب المواجهة مع احد , وإذا اضطر إلى موقف كهذا فانه يتحرك ببطء حتى ينال من هدفه ,وكان يضع مصالحة الشخصية فوق مصالح الوطن كله, انظر صراعه مع السيد عبد الرحمن المهدى حول عطايا الانجليز,ثم انظر صراعه مع الاستقلاليين الذي توجه بسحب البساط منهم حينما بادر بالوقوف مع الاستقلال ضد شعار وحدة وادي النيل الذي كان يتبناه , من أهم وصاياه لولديه حسب ما يروى عنه إلا يدخلوا أياديهم في صحن الفتة (الطعام ) وهو ساخن , وذلك يعنى إن ينتظروا زوال الخطر اولا ثم بعد ذلك عليهم إن يتخذوا القرار, والسيد على هو أول من أيد انقلاب عبود الذي دهست جنازير دباباته الديمقراطية الوليدة في عام1958وذلك عبرا لمذكرة المشهورة التي أطلق عليها مذكرة كرام المواطنين والتي كان على رأسها الشيخ على عبد الرحمن زعيم حزب الشعب الديمقراطى , وبعد احد عشر سنة من ذلك الحدث كنت والزميل يحي العوض رئيس تحرير وكالة الإنباء الوطنية أول من تسلمنا من السيد محمد عثمان الميرغني بيان تأييد سريع لانقلاب مايو1996 الذي قاده المشير جعفر محمد النميرى ,كان ذلك في الليلة الثانية للانقلاب , جاء وفد من خلفاء الحتمية برئاسة محمد عثمان الميرغني إلى مكاتب الوكالة بعمارة التأمينات ولم يكن مضى على صدور نشراتها سوى أسبوع واحد فأصابها قرار التأميم بعد ذلك, نشرنا البيان وظهرعلى الصفحات الأولى للصحف بعنوان الحتمية يؤيدون ثورة مايو المظفرة .
في أول حديث له لصحيفة الشرق الأوسط السعودية 26 نوفمبر بعد قرار المشاركة فى الحكومة الجديدة التي يزمع حزب المؤتمر الوطني تشكيلها للمرحلة المقبلة بعد انفصال الجنوب, قال الميرغني إن مشاركته أملتها اعتبارات المسئولية الوطنية لمواجهة المخاطر والمهددات للسودان وان الحزب الاتحادي الديمقراطي قادر على التعامل مع كافة المواقف بما فيها الانسحاب من الحكومة , وسئل الميرغنى لماذا تبدل الموقف من لا للمشاركة إلى نعم للمشاركة مع المؤتمر الوطني, فقال إن الحزب الاتحادي حزب عريق وتاريخى ولديه مبادئ وتقاليد , وقد رأيت اعمال هذه التقاليد ’ وبالرغم من إن دستور الحزب يفوض رئيسه باتخاذ القرار في القضايا الكبيرة , فقد رأيت طرح الأمر على الهيئة القيادية للحزب إنفاذا للشورى وللممارسة الديمقراطية ! ! ) هل يمكن قبول منطق الميرغني انه ترك هذه الهيئة لتختار المشاركة دون إن يكون هو حاضرا بقوة داخلها بل وممليا عليها إرادته, ولماذا بالقدر نفسه رفض الميرغني إذا كان حقا ديمقراطيا السماع للمعارضين للمشاركة وهم وطنيون وغالبيتهم من الشباب, بل انه استعان عليهم بقوات الأمن المركزي لتفرق تظاهراتهم بالقنابل المسيلة للدموع وتضربهم بالعصي الكهربائية , ومن شدة إدمان الرجل للاستبداد المستمد من قناعته بملكيته الكاملة للحزب استهان أيضا بالذين هددوا بالاستقالة من الحزب وطالبهم يفعلوا ذلك فورا , بمعنى إن من أراد إن يذهب فليذهب غير مأسوف عليه . إن حديث الرجل عن الديمقراطية داخل الحزب هو محض كذب وهراء لقد برر الميرغني مشاركته بأنها جاءت لاعتبارات المسئولية الوطنية اى مسئولية وطنية للميرغني وهو يشاهد جيش وميليشيات المؤتمر الوطني وهى تشن حرب إبادة على مواطنيها في النيل الأزرق ,وجنوب كردفان ودارفور؟ اى مسئولية الوطنية والغلاء يفتك بالشعب السوداني فتكا بلا رحمة ,والناس في جنوب النيل الأزرق ,وكردفان بدؤا يشاركون النمل في بيوته لان نظام الآيات يمنع عنهم وصول الإغاثة ؟ اي مسئولية وطنية ورئيس النظام المطلوب للعدالة الدولية يرقص يوم العيد انتصارا على جزء من ابناء شعبه , ويقول انه لن يرتاح حتى يرى السودان محررا من العملاء والخونة وهو بالطبع يقصد فقراء وكادحى تلك المناطق ؟ أين المسئولية الوطنية وامن النظام مستمر في اعتقالات المعارضين والحكم على بعضهم بالإعدام وتعذيبهم بشتى الوسائل؟, أين المسئولية الوطنية والنظام يصادر الصحف ويحرمها حتى من هامش الحرية المحدود المتاح لها , ويزج بصحافييها في السجون ؟ أين المسئولية الوطنية وتجار النظام يجوسون في السوق السوداء ويرفعون الأسعار للاستثمار في جوع الناس في ظل اقتصاد يذهب جله لحماية النظام, هل من مثل هذه الثقافة يمكن إن نقول إن شخصية السيد محمد عثمان تشكلت حاملة جينات أبيه في التعامل مع الآخرين ,أنظمة سياسية كانت أم إفرادا؟ , وهل هو ينظر في خلافه وليس صراعه الناعم الحالي مع نظام الإنقاذ بكونه صراعا من اجل التغيير الذي يصب في مصلحة الشعب , أم التغيير الذي يصب في مصلحة الجنينة ؟, وهل ينظر إلى الحزب الذي يحمل صفة (الاصل ) بأنه حزب تمتلكه الجماهير الاتحادية أم هو حزب يمتلكه هو ويحمل مفاتيح مداخله في جيبه ؟ , وقبل إن يتأمل القارئ هذه الأسئلة ويجيب عليها موافقة أم ممانعة ,يتعين علينا القاء نظرة سريعة الى التاريخ القريب لهذا الحزب الذي ارتبط اسمه باستقلال السودان تحت قيادة الازهرى سابقا , وحاليا قيادة الميرغني . طوال سنوات وجود ة في ساحة العمل الوطني بعد نيل البلاد الاستقلال لم يكن مسموحا لأي عضو في هذا الحزب اتخاذ قرار في اى شأن داخله أم خارجه , إلا لرجل واحد هو الزعيم إسماعيل الازهرى , وحتى مكتب الحزب السياسي المنوط به ممارسة الديمقراطية لا يستطيع إن يتخذ قرارا إلا إذا وافق عليه الزعيم الأوحد صراحة, أومن طرف خفى, ويذكر المعاصرون لمرحلة ديمقراطية ما بعد سقوط حكومة عبود العسكرية فرمانات الازهرى التي كان يعنونها بالعنوان الشهير (إلى من يهمه الأمر سلام ) تلك الفرمانات التى فصل بها دعاة التغيير ومناهضي الرأي الواحد داخل الحزب , أمثال صالح محمود إسماعيل , وعبد المنعم مصطفى المحامى, وعدد كبير من دعاة التغيير. لقد نمت بذرة الديكتاتورية في داخل الزعيم الازهرى بسبب القداسة التي اسبغها عليه البعض حين صوره على انه الوحيد صانع استقلال السودان لكونه رفع علم البلاد الجديد معلنا انتهاء الحقبة الاستعمارية ولم يسبغ ذلك بالمثل على محمد احمد محجوب الذي كان يقف بجوار الازهرى وهو ممسك معه بخيط العلم الذي رفع فوق سارية قصر الحا كم العام الذي صار القصرالجمهورى فيما بعد , لم يكن الازهرى مثل غاندي يرقد في خط القطار يرشه الانجليز بالبراز, ولا مانديلا يقضى في السجون أكثر من ربع قرن , والانجليز أنفسهم لم يمارسوا عنفا مفرطا ضد الحركة الوطنية السودانية كما مارسه الفرنسيون في الجزائر مثلا فهم لوحدهم اختاروا الخروج من السودان ,وعليه فأن ان كل ما قام به الازهرى هو عملية تسليم وتسلم بحضور الحاكم العام نفسه ,وكبار رجال البريطانية , والسيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي .
إن الحزب الاتحادي في ظل قياداته الطائفية والمدنية وفى كل مراحله لم يعرف الديمقراطية بمعناها السياسى الحقيقي ,فهو كيان مهلهل تحكم فيه من قبل الازهرى وبطانته , ويتحكم فيه حاليا الميرغني وبطانته ويتخلل صفوفه عدد كبير من الشخصيات الانتهازية تستمد مرجعيتها من الزعيم الكبيرالذى ينظر إلى مستقبل السودان من خلال جيبه, ولقد زاد هذا الحزب تضعضعا وفاة أخر رموزه الشريف حسين الهندى الذى حرص على وحدته , ووقف بقوة وعناد ضد نظام النميرى الشمولي رافضا التصالح معه , بل وعمل على إسقاطه بواسطة العمل العسكري المسلح في يونيو عام 1976 , إما الحديث عن اي شكل من إشكال الديمقراطية الحقيقية داخل هذا الحزب في مسيرته سابقا أو لاحقا فلا وجود له عند التوقف عند مصطلح المؤسسية , وقد أجهز الميرغني عليه حين أطلق عليه صفة (الاصل ) لتمييزه عن فطريات حزبية كثيرة انقسمت منه , وفعل ذلك تمييزا لنفسه كصاحب بضاعة أصلية غير مقلدة. لقد قطع مالك الحزب بالمشاركة في حكومة المؤتمر الوطني في كضيف جديد في الجمهورية الثانية وفى حديثه للشرق الأوسط أيضا والذي بدا من صياغته انه تم اعدادة ومراجعته جيدا, قال الميرغنى إن قرار المشاركة في حكومة الإنقاذ والانسحاب منها بيد الحزب , اى إن الميرغني مستعد لهذا الانسحاب اذا لم يف النظام بشروطه (السرية ) التى لا يعلم عنها شيئا مكتبه السياسي, وإذا كانت المسئولية الوطنية التى تلبست الميرغني فجأة هي محركة الرئيس فلماذا ابتعد عن تحالف المعارضة منذ عودته بل وحاربه صراحة ليقف في صف المؤتمر الوطنى ؟ وكيف يتجاوز رفاقه القدامى في التجمع الوطني الديمقراطي الذى كان هو رئيسه, ولا يستشيرهم حتى في نيته التحالف مع النظام الذي توعده هو من قبل بأقتلاع جذوره ؟ سئل الميرغني لماذا تبدل الموقف من لا للمشاركة إلى نعم للمشاركة فقال إن الحزب الاتحادي حزب عريق وتاريخي ولديه مبادئ وتقاليد ! تصور ! وزاد , قد رأيت إعمال هذه التقاليد رغم إن دستور الحزب يفوض رئيسه باتخاذ القرار في القضايا الكبيرة فقد رأيت إن اطرح الأمر على الهيئة القيادية إنفاذ للشورى وللممارسة الديمقراطية ) تصور !!
مثل صياد سمك مصر على إن تعلق صنارته بسمكة ما , إي سمكة قبل غياب الشمس بعد إن فقد الأمل في سمكة كبيرة , انتظرت جماعة الإنقاذ طويلا حتى يدخل الحزب الأصل في شبكتها , وتحملت في ذلك حربائية الميرغنى وبطء حركته وتقدمه وتراجعه حتى نالت ما أرادت , ويقول العالمون إن كل مايدور داخل اجتماعات هذا الحزب هو مجرد قنابل دخانية تغطى مباحثات سرية اخرى بعيدة عن الأعين طرفاها ( السيد ) وبارونات لإسلام السياسي وهى تدور حول صفقات ثقيلة الوزن يستفيد منها مالك الحزب وحده . وان ما جرى لم يكن سوى مسرحية الهدف منها خداع جماهير الحزب , وان الصراع كان متوازنا بين الذين يركضون تجاه المشاركة والذين يرفضونها , ولذا فأن اللجوء إلى مرجعية صاحب الحزب هى الفيصل بين المتصارعين ,ولا احد سوف يشك لحظة إن صاحب الحزب سيقرر المشاركة او هو قررها سلفا لانه اصلا يرغب فيها تحركه دوافع خصوصية مرتبطة بمصالحة الشخصية ,ولم يرد في باله للحظة واحدة إن هذه المشاركة ستطيل من عمر نظام دمر البلاد وأفقر العباد , ويوشك إن يدخل مرحلة الموت السريرى , ويحتاج إلى كورتوزون يقوى من مناعته السياسية , ولايأبه الميرغني إن يموت الشعب السوداني كله في ظل حكم هذه المافيا الاسلاموية مادامت مصالحه تتحقق .
ثمة وضع غريب وشاذ في هذا الحزب يتمثل خصوصا في شخص السيد على محمود حسنين الذي يرأس الجبهة الوطنية العريضة , فهو يعمل من مهجره في بريطانيا على الاطاحة بنظام الانقاذ ولكنه في الوقت نفسه لايزال يحمل صفة نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي, ونحمد لحسنين موقفه الثابت والقوى ضد نظام الإنقاذ منذ مؤتمر جوبا وحتى اليوم وهو موقف نقيض لرئيس الحزب الذي لم يصرح في يوم من الأيام وبعد إن عاد إلى السودان بأنه راغب أو لديه حتى النية في ذلك , كما ويستبعد المراقبون إن يكون ما يجرى هو توزيع للأدوار , لان الميرغني لم يعرف هذا الفن من الدبلوماسية , فهو يعرف دورا واحدا هو الذي يقوم به هو كممثل رئيس وحيد على خشبة المسرح .
في غمرة الإنباء التي كانت تتحدث عن قرب إن يصدر (السيد ) قرارا رسميا بالمشاركة بعد انتصار تيار المشاركين طلع حسنين ببيان قوى يرفض فيه هذا التوجه , ولجأ إلى دستور الحزب الذي يرفض رفضا قاطعا الاعتراف , أو التعامل مع الأنظمة الشمولية , وعدد مواقف الحزب التاريخية ضد الديكتاتوريات المختلفة التي مرت بالسودان ولكن السيد حسنين لم يشر إلى من هو الذى يقف وراء كل ذلك , بل لفت الميرغني بأنه كان قد حارب نظام الإنقاذ عبر جيش الفتح , وهو صاحب مقولتي( سلم تسلم ) , و(اقتلاع النظام من جذوره ) ويعلم السيد حسنين جيدا إن الميرغني لم يكن يفعل ذلك من اجل سودان جديد أو قديم , ويعلم حجم مصالح الرجل مع الإنقاذ , ومن ثم فان المطلوب من السيد حسنين الاستقالة فورا من منصبه كنائب لرئيس الحزب وإعلان ذلك على الملأ , والعودة سريعا الى السودان لقيادة جماهير الحزب الرافضة المشاركة في حكومة الإنقاذ لتصحيح الأوضاع .
إن الميرغني لا يحتاج إلى أحد لان يذكره بمواقفه الماضية أيام التجمع فهو دخل ذلك المعترك لاستعادة املاكه, وليس لاستعادة السودان من براثن حكم حزب المؤتمر , وألان وهو يخب السير فى هذا الطريق لاستعادة ما تبقى منها تتبعه مجموعة انتهازية أشبه بالطيورالتى تتغذى من ظهور الجواميس , فجزء من هذا الحزب الذى أصبح كالفطر سارع منذ عودة الراحل الشريف زين العابدين إلى السودان ملتحقا بالحزب الحاكم الى الالتحاق ايضا بقطار الإنقاذ يأكلون من فتات موائدها ,ويكتفون بكاميرا تلفزيونية من وقت لأخر لإثبات وجودهم . يقال إن من بين شروط الميرغني للمشاركة في الحكم مع المؤتمر إن يتم طرد جماعة الشريف ليأخذ هو وزارتهم , ولكن المؤتمر رفض هذا الطلب (وفاء ) للشريف , وعدم ( النكوص) عن الاتفاق معهم سيما وإنهم يحتلون وزارات بلا صلاحيات يطلق عليها الانقاذيون سرا وزارات أكل عيش . بعد كل ما حاولنا رسمه من خطوط مستقيمة ومتقاطعة عن مسيرة السيد يبرزامامنا سؤال هام , وهو ما الذي سيضيفه الرجل إلى نظام الإنقاذ بعد إن دخل إلى معجنته الاسلاموية , والمعجنة لمن لا يعرفها من ابناء هذا الجيل هى كومة من طين البحر تخلط بروث البقر وتترك أياما حتى تتخمر , ثم يعمل عليها الريفيون بالشما ليه والجزيرة بأرجلهم طوال أيام حتى تصبح متماسكة وذلك لبناء بيوتهم , والمعجنة ذات رائحة نتنة جاذبة وحاضنة للذباب والصراصير من كل جنس . إذن ما لذي سيضيفه الميرغني هو ومجموعة طيور ظهرالجاموس إلى حكومة المؤتمر الوطني ؟ من واقع المشهد السياسي وبحساب الربح والخسارة يظن المؤتمر الوطني انه ربح المعركة مع المعارضة حين استطاع إن يضم إلى صفوفه احد أركانها , ولكن هذا الظن وليس اليقين هو محض وهم كبير مختلة حساباته ومتعثرة رؤاه لان الميرغني لم يكن محسوبا يوما ما على المعارضة في اى مرحلة من مراحلها , ويذكر الجميع كيف رفض المشاركة في مؤتمر جوبا الذى انعقد في سبتمبر 2009 بل واصدر بيانا أدانه له حتى افسد عليه ذلك على محمود حسنين ا لذي حضر من لندن عبر نيروبي فأعلن في مؤتمر صحفي انه يمثل موقف الحزب الحقيقي وهو موقف ضد نظام الإنقاذ الشمولي وانه اى الحزب هو جزء أصيل في المعارضة . إلى ذلك فان الخدمة التي قدمها حزب المؤتمر الحاكم للشعب السوداني هو انه ساعد في عملية الفرز السياسي ليتحول الميرغني صراحة من صف المعارضة الرخوة إلى صفه , ومنذ ألان فأن الميرغني سيصبح مشاركا مشاركة فعلية في حروب جنوبي كردفان والنيل الأزرق ودار فور, وحروب الداخل الأمنية والاقتصادية وهو داخل صيغة سياسية تمسك بمفاصل الدولة كلها ولن يستطيع تغييرها مهما حاول إقناع الناس بغير ذلك, إن المطلوب من المعارضة إن تضع الميرغني في سلة النظام وتوسع مساحة حركتها وتصدر بيانا يدين هذه الخطوة التي قام بها وعلى جماهير الاتحادي الديمقراطي خصوصا الشباب الذين رفضوا بيع الميرغني الحزب للمؤتمر الوطني إن يوحدوا صفوفهم لإعادة الحياة إلى حزبهم وتخليصه من أنياب الزعيم الأوحد و من معه من طيور ظهر الجاموس .
sedig meheasi [[email protected]]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
التسليم والتسلم والتسريح السياسي ...
بقلم: د. حيدر ابراهيم علي السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2011 10:56 [email protected]
من المؤكد أن الكثيرين قد اصيبوا بقدر كبير من الغضب والاحباط وخيبة الأمل بل قد يكون اشمئزازا، بسبب الاحداث السياسية التي عاشها السودان هذا الاسبوع.فهي تحمل قدرا من الاستخفاف وعدم الاحترام لهذا الشعب العظيم الذي ارتقي بقياداته هذه لمدارج التقديس.ولكننا بدورنا نتحمل مسؤولية الغفلة والعبثية حين تركنا أمرنا لسنين طويلة لهذه القيادات-الحاكمة والمعارضة.فقد عرف حزب المؤتمر الوطني باحتقاره للشعب وتجاهله لما يقول،والمثال لذلك موضوع الفساد والذي تمارسه الحكومة باستفزاز واضح.خاصة حين تطلب الدليل بينما تقرير المراجع العام بين ايديهم.اما القيادات المعارضة،فهم الآن داخل القصر بعد أن صدعونا بسلم مفاتيح البلد والجهاد المدني . هناك ابتذال للسياسة والحكم والديمقراطية،فتصوروا المساعدة والاستشارة المقرونة بالحكمة والحنكة والخبرة، تطلبان من هم دون الاربعين.ولو قال الانقاذيون أنهم يريدون البركة والخيرة،لكان مقبولا.وأن ينسي الحزب(الأصل)أصله وفصله ويجلس مع فرعه المنشق راضيا مرضيا يقاسمه نصيبا متساويا من المقاعد. وأن يعود إبن الزعيم صاحب الاجندة الوطنية مفردا الي الخدمة العسكرية دون مئات الضباط المفصولين تعسفيا.ثم ما الذي يميزه علي الآف العقداء في الجيش لكي تقلد منصب وزير دولة للدفاع؟ هذا الحالة تستوجب اعادة التفكر في التاريخ الوطني بعيون جديدة تري كل الثقوب التي تملأ ذلك التاريخ المهمل. وأن نطرح الاسئلة من جديد علي كل الوثوقيات المقبولة دون أدني ريب أو شك.ومن أهمها:هل هؤلاء السادة ديمقراطيون حقيقة؟وهل يعني لهم هذا الوطن ما هو أبعد من دائرة المهدي وسواقي المراغنة؟ ومن يراجع التاريخ يري صلتهم بالمستعمر ثم مع الطغاة.هذا الرصد هو محاولة لتخفيف الغضب حين تعرف الاشياء علي حقيقتها. من البداية علق البريطانيون آمالا عراضا علي دور الزعامات الدينية، ففي1899 أذاع كتشنر منشورا-اشبه بخطاب نابليون في مصر-أنه اتي ليخفف أوجاع المسلمين وليشيد دولة إسلامية تقوم علي العدل والحق ولكي يشيد الجوامع ويساعد علي نشر الاعتقاد الصحيح.وعرفت الادارة البريطانية أهمية الطرق الصوفية واتباعها الكثيرين وانتشار تنظيماتها الهرمية المتدرجة وقدرتها علي تنظيم اعضائها علي العمل في منظمات جماهيرية.وبنوا سياستهم علي ثنائية الطائفية والقبلية في اخضاع أهل هذا البلد الشاسع. حصل بعض مشائخ الطرق الصوفية علي تسهيلات ومساعدات أي اوضاع تفضيلية وتمكنت بعض الطرق من استغلالها جيدا وراكمت ثروات هائلة. ويأتي الانصار بزعامة السيد عبدالرحمن المهدي علي رأسها.فقد استفاد المهدي بقدراته التنظيمية والادارية من هذا الوضع الي أقصى حد.وللمفارقة يسمي السيد الصادق ،الاكواخ التي كان يعيش فيها عمال السخرة الانصار في الجزيرة أبا والنيل الابيض ب:كوميونات! وكانت هذه الامتيازات بمثابة مقايضة،تنازل بموجبها الأبن عن مقاومة وكراهية المستعمرين.وقد عبر عن المقايضة، بطريقة شديدة الرمزية حين اهدي السيد عبدالرحمن المهدي، السيف الذي حورب به البريطانيون،الي ملكة بريطانيا العظمى اثناء زيارة وفد سفر الولاء للندن عام1919. قصة سفر الولاء هي فضح مبكر لطبيعة هذه القيادات وحقيقة وطنيتها، يجب أن تعرفها هذه الاجيال التي حرمتها الانقاذ-عمدا-من دراسة تاريخ الوطن.فقد جمع الحاكم العام البريطاني المشائخ ورجال الدين والاعيان ليشرح لهم ملابسات اندلاع الحرب العالمية الاولي وانضمام تركيا لالمانيا ضد الحلفاء.وتحمسوا لتأييد بريطانيا واصدروا العرائض التي جاء فيها:-" حكومتنا العادلة التي لم ير الاسلام والمسلمون منها الا كل خير ديني ودنيوي وجميعنا في استياء من قيام تركيا بهذه الحرب التي نتبرأ منها فانه لا مصلحة فيها للمسلمين".ثم:-" تركيا التي حاربنا ظلمها من قبلكم(...)نرفع لحكومتنل العادلة ولاءنا واخلاصنا قلبا وقالبا،اذ لم نر منها سوى احترام ديننا وتعمير مساجدنا وتوظيف العلماء لتعليم ديننا وتوظيف القضاة الشرعيين للفصل في امورنا بموجب الشريعة المحمدية،وتشييد المدارس لتربية اولادنا وتعليمهم وتسهيل طريق الحج للزيارة النبوية ونشر العدل والامان في جميع انحاء بلادنا وحسن معاملتنا".(للتفاصيل راجع :مكي شبيكة-السودان عبر القرون،طبعة دار الثقافة،بيروت،ص471). ****** ادخل البريطانيون الطائفتين في تنافس وسباق لتأكيد الطاعة من خلال التلويح بالامتيازات.وبالنسبة للختمية،يري(فول)ان السنوات التي سبقت عام1924 شهدت اعادة تنظيم الختمية لتصبح أقوى المجموعات نفوذا في السودان.فقد استفادوا من هزيمة المهدية"وكانت فترة علاقة حميمة مع الحكومة،وقام الختمية خلالها بدور الوسيط الفعّال لأفكار وسياسيات السلطة الادارية".ويضيف:-"وساعدت عائلة الميرغني خلال الحرب في الشؤون الدولية والسودانية ايضا.واثناء الاستعداد للثورة العربية،فان السيد علي لم يقدم النصح لونجت فحسب،بل كان الوسيط الذي كان ونجت يتصل عن طريقه بالشريف حسين في مكة(...)وعند تنظيم الاوضاع في غرب الجزيرة العربية،ساعد السيد علي مجهود البريطانيين لتحسين علاقاتهم مع الشريف حسين ومع محمد الإدريسي حاكم عسير".(جون فول،1992:265) وكان السيد علي علاقة وثيقة مع ونجت منذ المهدية.ومع أن سلاطين لم يكن عموما بالطوائف الدينية إلا أنه كان يعتبر السيد علي صديقا مخلصا للحكومة-حسب تعبيره. استطاع البريطانيون خلال الثلاثين عاما الاولي عقب الاحتلال،تأهيل الطائفتين للعب الدور الحاسم في سياسات :فرق تسّد،وفي تخذيل العناصر الوطنية الناشئة.وقد فطن احمد خير لدور الطائفية حين انقسم الخريجون بين الطائفتين والسيدين،بداية مما عرف بمعسكريّ :الفيليين والشوقيين.وقد اثار ذلك الانقسام ألم خريجي الاقاليم وبعض المحايدين،واستهجنوا هذه الظاهرة:-"أن رأوا الفريق المسيطر علي النادي يعتمد علي تأييد المهدي باشا له ماديا ةأدبيا وعدديا.أما الفريق الثاني فقد كان زعماؤه من انصار المرغني باشا لكنه كان يرتكز في القاعدة علي جمهرة الثائرين علي القيادة الدينية،المتطلعين الي فجر جديد، ونهضة علمانية متحررة من فساد التقاليد".(كفاح جيل،ص70). وقال البعض لو كان الزعماء الدينيين متفقين معهم علي قضايا ومبادئ،لجاز للمثقفين أن يسيروا معهم.ولكن واقع الأمر بخلاف ذلك-" فان المنطق يقضي علينا أن نحتفظ بتوازن القوى وأن نستفل هذا الموقف الي أبعد مدى لمصلحة حركة شعبية مستنيرة فاهمة ديمقراطية وإلا فاننا نرتكب خيانة تاريخية نحو الوطن بالانحراف عن الجادة".(ص107)هذا تحذير مبكر للمثقفين ولكن كانت لهم حساباتهم الخاصة.فقد كان الكثيرون يرون انه من الواقعية التعاون مع الزعماء الدينيين لأنهم يحظون بنصيب ساحق من التأييد الشعبي.لذلك يرون أن التعاون معهم أمر لازم لنجاح أي حركة شعبية.(ص105).ولكن هل هذا التنازل بلا ثمن؟لقد دفعوا الثمن ولم يكونوا اكثر ذكاءا من المولانات –كما ظنوا.ويقول شوقي في قصيدة كتابي: وكم منجب في تلقي الدروس تلقي الحياة فلم ينجب أو كما نقول بالسوداني: القلم ما بزيل بلم. هذه صورة لتعامل القيادات الدينية مع الاستعمار بالاضافة لتحالف الخريجين وتنازلتهم لحساب القوى التقليدية.ولايسمح المقام بتفصيل مرحلة الحركة الوطنية،وسوف احاول كتابتها في سانحة اخري.ونقفز الي سؤال ديمقراطية الطائفتين.
********* لم تصمد الطائفتان طويلا امام اختبار الديمقراطية بعد الاستقلال1956.فقد قام حزب الامة بتسليم السلطة للعسكريين في 17نوفنبر1958،في صفقة تقضي بعودة السلطة لهم بعد فترة قصيرة ولكن لم يلتزم العسكريون بسبب دخول عناصر ختمية(اللواء شنان)في الصراع.وبدأ حزب الامة بعد هذا في معارضة النظام.ومن الناحية الاخري،شرع الختمية في دعم العسكريين.واصدروا مع بعض المتعاطفين معهم،ما عرف بمذكرة كرام المواطنين،في9/12/1960.وبعد مقدمة مقتضبة تقول المذكرة:-"...وساد البلاد جو من الاستقرار الذي يؤمن كن مواطن مخلص أن توفيره امر لازم لسير التقدم وليجني الشعب ثمرات الاستقلال الذي كافح من أجله".ويهاجمون القوى المعارضة بسبب مطالبتها بالديمقراطية:-" ولقد حاولت التشبث بالديمقراطية التي كانوا هم السبب في تشويهها وجعلها مركبا ذلولا للوصول إلي أغراضهم الخاصة وأغراض المستعمرين من ورائهم هذا بالرغم من ان المواطنين جميعا يعلمون بأن الثورة قد اعلنت بأنها بصدد إيجاد ديمقراطية سليمة مستمدة من واقع البلاد وتقاليدها وطبيعتها". وتكرر نفس الموقف مع انقلاب25مايو1969 فقد بادر الختمية بتأييد الانقلاب بسبب التقارب المحتمل مع مصر.وأصدر الامين العام لحزب الشعب الديمقراطي،الشيخ علي عبدالرحمن الامين،كتابا تحت عنوان:الديمقراطية والاشتراكية في السودان،دعا فيه لفكرة الحزب الواحد.
أما بالنسبة للانصار فيقوم السيد الصادق المهدي بمهمة فلسفة وفكرنة موقف الطائفة من الديمقراطية.وقد كان لفكر الوحدة والفتنة والفرقة الناجية،أثره المشوش علي فكرة الديمقراطية في ذهن(الصادق)المهدي.وقد وصل به التشويش وسوء الرؤية لدرجة حرمان الدول الحديثة الاستقلال من حق التعدد الحزبي خشية الفرقة.ففي حديث عن ضرورة وحدة الدول الافريقية،والتي يراها مجرد دويلات لا معنى لها(عدا مصر ونيجريا)الا في اطارات اتحادية موسعة.وهنا يكتب بثقة:-" اما النظام السياسي الملائم لهذه البلدان فلا يمكن أن يكون النظام البرلماني المتعدد الاحزاب لان هذا النظام لا ينجح الا في مجتمعات نالت قدرا معلوما من التطور الاجتماعي والاقتصادي.هذه البلدان خامات تفتقر للبناء ولا يمكن أن يقوم تغير البناء في لجة الصراع والافتراق.ان المجتمعات المتقدمة في اوربا وامريكا عندما تواجهها ازمات كبرى تعلق نظامها السياسي وتوحد الاداء والادارة والقيادة في ظل احكام استثنائية.وبلداننا في ظروف تأزم شامل لا يفلح في مواجهتها الا اتحاد الارادة الوطنية".(احاديث..،ص118-119).ويضحي(الصادق) بالديمقراطية من اجل الوحدة،فالتعدد والاختلاف لا يقودان –حسب رأيه- الا للفتنة.ولكنه يحذر من محاولة توحيد الارادة قسرا وعن طريق الاجهزة البوليسية،فهذا مستحيل وعالي الكلفة.وهنا يستدرك ويشترط "انبعاث نظام ديمقراطي شعبي يوحد الارادة بوسائل عديدة دون اللجؤ لسياط الجلاد".(نفس المصدر السابق).والشعبي هنا غير الحزبي،باعتبار أن الشعب شئ واحد غير منقسم.وقد اوصله طلب الوحدة الي تبني صيغة الحزب الواحد أو تحالف قوى الشعب العامل حتي وان لم يقلها صراحة.فهو يقول بأن القوى التقليدية في مجتمعاتنا لا تستطيع تحقيق الطفرة المنتظرة لانها لا تضم من الاصل الا جوانب راكدة ولاتلم من العصر الا القشور.والفئات الحديثة قليلة العدد،والقوات المسلحة"ربما استطاعت ان تقوم بدور محدد كالعملية الجراحية لازالة بعض العوائق في سبيل الطفرة ولكنها غير مؤهلة وحدها لتحقيق عمليات التصميم والبناء الجديد".(المصدر السابق،ص164).ويصل في النهاية لضرورة تحالف كل هذه القوى الاجتماعية ليتكون منها تيار غالب واسع القاعدة يستطيع التفاعل مع قاعدته العريضة.وينتهي بالقول بمطلب سياسي:-"اتخاذ نظام يوحد ارادة المجتمع ويحمي امنه وحريته ويحقق مشاركة اهله في المسيرة".(ص165).
عبّر(الصادق)عن رفضه للتعدد الحزبي الذي يسميه التفرق الحزبي،في خطاب شهير بعد المصالحة الوطنية،جاء فيه:-" وغني عن البيان أن شعبنا لا يرجع القهقرى بل يمضي بإرادة الله وعزيمة أهله إلي الأمام فلا عودة للتفرق الحزبي، ولا مكان لسياسة خاضعة للأحساب والأنساب،ولا فرصة لتعكير وحدة الوطن بين شمال البلاد وجنوبها".(الصحافة28سبتمبر1977).وكان(الصادق)خلال هذه الفترة يؤكد علي كيان" قومي" جامع دراءا للفرقة،يقول:-" ومعلوم أن النضج في السودان لم يكتمل مما جعل الصراع بين الاحزاب صراعات طائفية قبلية إقليمية،وهذا الصراع-مع الضعف الذي أصاب الكيان السوداني كله علي يد تلاعب مايو والتفكير بفكرة الثورة الاجتماعية- يعرض للفتن والدمار،فلا مناص من حزم السودان برباط قومي وحشد إمكانياته كلها في تغيير مكثف للخلاص". وبعد هذه المقدمة يحدد الكيان المقترح في ما أسماه:المؤتمر الشعبي،ويصفه:-" يكون التنظيم السياسي الجامع شعبيا بمعنى أنه يستقطب وفق السياسات المذكورة هنا كل القوى السياسية السودانية الوسطى المذهبية والإقليمية ويكفل مشاركة القوى الفئوية"،ثم يضيف:-" إذا استوعبت القوى السياسية درس الماضي أدركت أن العودة للنظام الحزبي القديم طريق مقفول،وان انفراد حزب مدني بالسلطة او حزب مذهبي طريق إلي كارثة(...) إذا أدركت ذلك فإنها سوف تجد أن لا مناص من العمل لإقامة تنظيم شعبي ديمقراطي جامع تتفادي:الاستبداد والتمزق".(مقترحات عن البديل-يناير1974).ويبدو هذا الفكر غريبا علي صاحب شعار:الديمقراطية عائدة وراجحة!ولكن أغلب الإسلاميين يخشون الفتنة حتي ولو كان السلطان جائرا،أو سلطان غشوم خير من قتنة تدوم.
ليست النخبة الحديثة مبرأة من غدر الديمقراطية،واتفق تماما مع تحليل (عبد العزيز حسين الصاوى)الذي يقول فيه:-"دخول النخبة في نظام مايو كان دليلا علي يأسها من احداث التغيير من خلال الديمقراطية أو البرلمانية أو الليبرالية حسب الرؤية التي سادت منذ الاستقلال.وكان السلوك السياسي للاحزاب مبررا لموقف سلبي تجاه الديمقراطية ككل باعتبار أن ما جربناه هو النظام الديمقراطي.واعتقد كثيرون منهم بان النظام المايوي قادر علي احداث التغيير دون معارضة أو مقاومة.فكانت الخطط الاقتصادية الطموحة والتنظيم السياسي الواحد الجامع والموحد حسب نظرتهم."في مجلة كتابات سودانية العدد3 ابريل1993 ********* أخيرا، هذه الجولة التاريخية أرادت القول أن احداث الاسبوع الماضي هي نتيجة منطقية لتراث طائفي بدأ من مطلع القرن الماضي وانتهي بأداء القسم ذاك الاسبوع.وعلي القوى الحديثة أن تتوقف عن العويل الذي تعودت عليه عند المحن والنكبات.وعليهم أن يعلموا بأن الأمر عملية تسليم وتسلم اخري بدأت في30 يونيو1989 بين الاسلامويين والطائفية،ولكن الجبهة غدرت بهم في البداية ثم عادت الي امها وما احلي الرجوع اليه.وكل الارهاصات الاولي تدل علي التسليم والتسلم،أولها الانقلاب المكشوف الاقرب لحادث حركة أو مرور.فالاحزاب الحاكمة:الامة والاتحادي علي علم كما صرحوا لاحقا.ثانيا،مذكرة الصادق التي وجدت في حوزته عند الاعتقال يوم7/7/1989 وقوله لديكم القوة وعندنا الشرعية فما الصيغة الجديدة؟ثالثا،تفاوض الترابي مع السيدين في كوبر،وتقديم عرض لحكم أهل القبلة المتفقين علي تطبيق الشريعة حسب برامجهم لانتخابات عام1986.وهي ذات مشترك اعظم:نهج الصحوة،الجمهورية الإسلامية وتطبيق الشريعة.وستكون الخطوة التالية أونهاية التاريخ في السودان.تسريح كل هذه الاحزاب من الخدمة وتكوين حزب اسلامي عريض وشامل يقود تجمع الربيع العربي أو يقدم" للربيع" الاسلامي،النموذج السوداني هدية مجانية لتطبيق المشروع الحضاري الاسلامي.
-----------------------
مسألة جنوب السودان في سياق تاريخي: 1899 – 1986م (7) .
. بقلم: د. فيصل عبدالرحمن علي طه السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2011 10:47 (7)
[email protected]
الطريق إلى مؤتمر المائدة المستديرة 1- إنقلاب 17 نوفمبر 1958 والجنوب في صباح يوم 17 نوفمبر 1958 أعلن إبراهيم عبود القائد العام للقوات المسلحة تسلم الجيش للسلطة في السودان. ومن ثم أصدر الأمر الدستوري رقم (1) الذي نص على الآتي: 1- المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو السلطة الدستورية العليا في السودان. 2- المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو السلطة التشريعية العليا في السودان. 3- المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو السلطة القضائية العليا والسلطة التنفيذية العليا في السودان وتؤول إليه القيادة العليا للقوات المسلحة السودانية. 4- خول المجلس الأعلى لرئيسه (إبراهيم عبود) جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وقيادة القوات المسلحة السودانية.
ونص الأمر رقم (3) على تعطيل دستور السودان المؤقت لسنة 1956 وعلى حل البرلمان القائم وحل جميع الأحزاب القائمة وعلى عدم قيام أي حزب سياسي جديد. زاد انقلاب عبود مسألة الجنوب تعقيداً. فقد إتهم بعض دعاة الحكم الفيدرالي الأحزاب الشمالية بأنها دبرت الانقلاب لإحباط محاولة الجنوب إقامة حكم فيدرالي. ومما قوى هذا الاتهام أن حكومة عبود إحتضنت سانتينو دينج وغيره من العناصر الجنوبية التي كانت تدعو لوحدة الشمال والجنوب في إطار نظام لامركزي. حري بالذكر أن سانتينو دينج حصل على حقيبة الثروة الحيوانية في أول حكومة شكلها إبراهيم عبود. وباستيلاء عبود على السلطة تعطلت المنابر الديمقراطية التي كان ينطلق منها الصوت الجنوبي. وقُرعت طبول الحرب. فقد اعتبرت فلول الفرقة الاستوائية التي تمركزت في الاقطار الافريقية المجاورة أن موقف الشمال من قضية الجنوب منذ فجر الاستقلال وحتى انقلاب 17 نوفمبر كان بمثابة هزيمة للصفوة السياسية الجنوبية. لذلك دعت إلى مواصلة الكفاح المسلح الذي بدأ عام 1955 لتحقيق أهداف أبناء الجنوب. وبفضل التدريب والتسليح الأجنبي استطاعت بقايا الفرقة الاستوائية والعناصر النظامية التي لحقت بها أن تكون في عام 1963 تنظيم الانيانيا. وكلمة «الانيانيا» تعني بلغات المورو والمادي السم الذي لا علاج له. وعبر الكثير من السياسيين وبعض رجال الشرطة والادارة والطلاب الحدود الدولية إلى الدول الافريقية المجاورة وإلى دول أوربا الغربية. وكان في طليعة هؤلاء بعض نواب الاتجاه الفيدرالي الذي كان يقوده في برلمان عام 1958 الأب ساترنينو لاهوري. وقد شكل هؤلاء بالتعاون مع آخرين في عام 1962 بالكونغو ليوبولدفيل الاتحاد الوطني لمناطق السودان الافريقية المغلقة والذي تحول في عام 1963 إلى الاتحاد الوطني السوداني الافريقي (سانو) واتخذ من كمبالا مقراً له. وكان من أبرز قادته جوزيف أُدوهو ووليم دينق وأقري جادين. نادى حزب سانو بانفصال الجنوب عن الشمال باعتباره السبيل الوحيد المتاح بعد إخفاق مطالبة الجنوب بالحكم الفيدرالي.
هكذا يمكن القول إنه إبان حكم عبود إتخذت مسألة جنوب السودان بعداً إقليمياً. كما أسهمت المواجهة بين نظسام عبود والهيئات التبشيرية المسيحية بقدر كبير في تدويل القضية. ففي عام 1962 أصدرت حكومة عبود قانوناً جديداً لتنظيم نشاط الهيئات التبشيرية الأجنبية العاملة في جنوب السودان. وأتبعته في نفس العام بقرار طرد المبشرين الأجانب من جنوب السودان. اتهمت حكوة عبود الهيئات التبشيرية بأنها تعمل لتقويض الأمن والاستقرار الداخلي. وأنها تبذر بذور العداء في نفوس الجنوبيين ضد إخوانهم الشماليين وذلك بغرض تشجيع إقامة دولة سياسية منفصلة مما يعرض وحدة السودان للخطر.
ومن النقد الذي وجه لحكم عبود أنه حاول التقريب بين الشمال والجنوب وجدانياً وثقافياً فقام من وراء الستار بتشجيع محاولات للتبشير الاسلامي غير مدروسة. ورد هذا في تقرير لجنة تقصي الحقائق عن المديريات الجنوبية التي شكلتها الجمعية التأسيسية في عام 1966. وقد كانت برئاسة محمد يوسف محمد (دوائر الخريجين)، وعضوية بدر الدين يوسف هباني (الدويم الخامسة)، وعبدالله محمد أحمد (دار حامد والبديرية)، وحسن حامد مهدي (الأبيض)، وقمر حسين رحمة (تقلي الجنوبية)، وأحمد محمد عواص (ريف كسلا). إستثمر المبشرون الإجراءات المتقدمة داخلياً وإقليمياً ودولياً. فداخلياً أعطت هذه الإجراءات المبشرين دليلاً على صدق ما كانوا يقولونه للجنوبيين من أن الشمال سيمحو مسيحيتهم وسيرغمهم على الاسلام. أما دولياً فقد استند المبشرون على تلك الاجراءات لتصوير ما يجري في الجنوب على أنه حرب دينية عنصرية بين العرب المسلمين والزنوج المسيحيين الأمر الذي أكسب التنظيمات الجنوبية في الخارج عطف ودعم المسيحية الإقليمية والدولية. وقد كان إخفاق حكومة عبود في معالجة مسألة الجنوب أحد أسباب إندلاع ثورة 21 أكتوبر 1964. فإزاء تصاعد العمليات العسكرية في الجنوب واستنزافها لموارد البلاد المادية والبشرية ومناداة الرأي العام في الشمال بالحل السلمي للقضية، قررت حكومة عبود تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول مسألة الجنوب، وأعلنت عن ترحيبها بتلقي أي مقترحات أو آراء بشأن تسوية المسألة. وما كانت حكومة عبود تدري أنها بذلك مهدت لثورة 21 اكتوبر.
ففي الندوات التي أقيمت في جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة (فرع الخرطوم) إتفق المتحدثون على أن قضية الجنوب ليست مسألة أمنية عادية يمكن حلها بالعنف والقوة، وطالبوا بالحل السلمي. ولكنهم أعربوا عن شكوكهم في أن يتوفر الحل السلمي في غياب الديمقراطية في الشمال والجنوب. وتواترت نفس الآراء في الندوة التي أقامها إتحاد طلاب جامعة الخرطوم وهي الندوة التي حاولت قوات الأمن تفريقها بقوة السلاح فسقط شهداء وجرحى وتفجرت ثورة 21 اكتوبر 1964 التي أطاحت بنظام انقلاب 17 نوفمبر. 2- حكومة اكتوبر الانتقالية والجنوب أقامت ثورة 21 اكتوبر 1964 وضعاً انتقالياً مؤقتاً وفقاً لاحكام دستور عام 1956 المؤقت. نص على ذلك الميثاق الوطني الذي أعلنه رئيس وزراء الحكومة الانتقالية سر الختم الخليفة في 30 اكتوبر 1964. ونص الميثاق كذلك على أن الوضع الانتقالي ينتهي بإجراء انتخابات حرة عامة تشرف عليها لجنة مستقلة في تاريخ لا يتعدى شهر مارس من عام 1965 لقيام جمعية تأسيسية يقع على عاتقها وضع الدستور الدائم وإقراره وقيام حكومة يختارها الشعب. وضُمنت في الميثاق المبادئ الذي تم الاتفاق عليها بين ممثلي الجبهة القومية الموحدة وممثلي القوات المسلحة وقد كانت كما يلي: أولاً: تصفية الحكم العسكري الحالي. ثانياًً: إطلاق الحريات العامة، كحرية الصحافة والتعبير والتنظيم والتجمع. ثالثاً: رفع حالة الطوارئ وإلغاء جميع القوانين المقيده للحريات في المناطق التي لا يخشى فيها من اضطراب الأمن. رابعاً: تأمين استقلال القضاء. خامساً: تأمين استقلال الجامعة. سادساً: اطلاق المعتقلين السياسيين والمسجونين من المدنيين في قضايا سياسية. سابعاً: أن ترتبط الحكومة الانتقالية بانتهاج سياسة خارجية ضد الاستعمار والاحلاف. ثامناً: تكوين محكمة استئناف من عدد من القضاة لا يقل عن خمسة تؤول إليها سلطات رئيس القضاء، القضائية منها والإدارية. تاسعاً: أن تكون لجنة لوضع قوانين تتمشى مع تقاليدنا.
كما سبقت الإشارة أعاد الميثاق الوطني العمل بدستور عام 1956 المؤقت وأُدخلت عليه تعديلات اقتضى بعضها الوضع الانتقالي ليصبح دستور السودان المؤقت المعدل سنة 1964. وقد كان من بين ما أستحدث من مواد المادة 108 التي أعفت رجال وهيئات إنقلاب 17 نوفمبر من المحاكمة أمام أي محكمة جنائية أو مدنية أو إدارية بشأن أي حكم أو أمر أو فعل صدر «أثناء تأدية الواجب أو بغرض حماية القانون والنظام أو حفظ الأمن وفقاً لأي تكليف من القوات المسلحة السودانية على أي صورة عسكرية كانت أم مدنية». ويبدو أن استحداث هذه المادة قد جاء تنفيذاً لاتفاق تم بين ممثلي الجبهة القومية وممثلي القوات المسلحة. في أول خطاب له في 10 نوفمبر 1964 عن قضيــة الجنــوب، أعلن سر الختم الخليفة رئيس وزراء حكومة اكتوبر الانتقالية أن حكومته تعتقد إعتقاداً راسخاً أن القوة ليست حلاً لمشكلة الجنوب، وتشعر بأن استعمال القوة قد زادها تعقيداً. ثم قال إن حكومته «تعترف بكل شجاعة ووعي بفشل الماضي وتواجه صعوباته، كما أنها تعترف بالفوارق الجنسية والثقافية بين الشمال والجنوب التي تسببت فيها العوامل الجغرافية والتاريخية». وعلى أساس الاعتراف بمثل هذه العناصر في المشكلة، أعلن رئيس الوزراء أن حكومته تنوي اتخاذ سياسة تهدف إلى إعادة الثقة في الجنوب، وستأخذ بعين الأعتبار آراء المثقفين من أبناء الجنوب.
من ثم فتحت حكومة اكتوبر الانتقالية قنوات اتصال مع القيادات الجنوبية بالخارج وأعلنت في 10 ديسمبر 1964 العفو عن جميع السودانيين الذين هاجروا للخارج من أول يناير 1955. وتبنت الحكومة الانتقالية إقتراح حزب سانو بالدعوة إلى مؤتمر مائدة مستديرة للنظر في موضوع العلاقة الدستورية بين الشمال والجنوب. ولكن قبل الاسترسال في الحديث عن مؤتمر المائدة المستديرة، نرى أنه من الاوفق أن نتناول بعض العوامل التي طرأت خلال تلك المرحلة داخلياً وإقليمياً والتي نعتقد أنها أثرت بقدر أو آخر في توجيه قضية جنوب السودان. 3- العوامل الإقليمية أ- في نوفمبر 1959 وقعت حكومة 17 نوفمبر مع الحكومة المصرية إتفاقاً بشأن الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل. ولم تدع دول الهضبة الاستوائية ولا اثيوبيا للمشاركة في المفاوضات أو التوقيع على الاتفاقية. ولا حاجة بنا للتذكير بأن الهضبة الاثيوبية ترفد نهير النيل بحوالي 85 في المائة من ايراده السنوي وذلك عبر النيل الازرق ونهر سوباط ونهر عطبرة. وفور إبرام اتفاقية عام 1959 تلقت حكومة السودان والحكومة المصرية مذكرة من الحكومة البريطانية باعتبارها المسؤولة آنذاك عن كينيا ويوغندا وتنجانيقا. حددت بريطانيا في تلك المذكرة الاحتياجات المائية آنذاك لدول شرق افريقيا النيلية واحتفظت بالحق في المطالبة بالمزيد إذا نشأت الحاجة إلى ذلك مستقبلاً.
وخلال المفاوضات السودانية - المصرية التي سبقت اتفاقية عام 1959 بعثت اثيوبيا في 23 سبتمبر 1957 بمذكرات إلى كل من مصر والسودان عبرت فيها عن تحفظاتها بشأن تلك المفاوضات الثنائية، وأكدت حقوقها في المياه التي تنبع في إقليمها. كما أشارت إلى أنه بعد استيفاء الاحتياجات القومية من الموارد المائية الموجودة في إقليمها، فإنها - أي اثيوبيا - ستساهم في رفاهية سكان الدول النيلية المجاورة. وخشي البعض آنذاك أن تكون اثيوبيا قد قصدت بتلك المذكرات التحلل من الاتفاقيات التي تقيد إستخدامها للأنهار التي تنبع في إقليمها. ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية 15 مايو 1902 بين الامبراطور منليك الثاني وبريطانيا والتي تلزم اثيوبيا بعدم القيام أو الإذن بإقامة أية أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو على السوباط إلا بعد الاتفاق مع الحكومة البريطانية وحكومة السودان.
ب- في النصف الأول من الستينيات انتقل الشعب الارتيري إلى مرحلة الكفاح المسلح لتحقيق المصير والاستقلال. وذلك بعد أن ألغت اثيوبيا في 15 نوفمبر 1962 المؤسسات الفيدرالية وضمت اريتريا إلى اثيوبيا. ونذكر هنا بأن الأمم المتحدة كانت قد اتخذت في 2 ديسمبر 1950 قراراً بأن تصبح اريتريا وحدة متمتعة بحكم ذاتي في إطار اتحاد فيدرالي مع اثيوبيا تحت سيادة التاج الاثيوبي. أيدت الولايات المتحدة ودول الحلف الغربي الاتحاد الفيدرالي. ولكن الاتحاد السوفييتي عارضه بحجة أنه يتجاهل حق الشعب الأريتري في تقرير المصير.
ج- في مايو 1963 أعلن رؤساء الدول والحكومات الافريقية - وكان إبراهيم عبود بضمنهم - في أديس أبابا عن مولد منظمة الوحدة الافريقية. أثار قيام المنظمة تساؤلاً حول مفهومها لمبدأ حق تقرير المصير. يبدو أن المنظمة بإعلانها مبدأ احترام سيادة كل دولة وسلامة أراضيها واستقلالها، وإبقائها على الحدود القائمة وقت استقلال الدول الافريقية، قد استبعدت من مبدأ حق تقرير المصير حق الأقليات العرقية أو الدينية أو اللغوية في الانفصال عن دولة قائمة. وذلك لأن حق الانفصال هذا يتعارض مع تطلعات افريقيا للوحدة، ولأن تطبيقه سيؤدي في نهاية الأمر إلى تفتيت القارة إلى دويلات تعوزها المقومات السياسية والاقتصادية. ونورد هنا أن منظمة الوحدة الافريقية لم تعترف بمحاولة بيافرا الانفصال عن نيجيريا في 20 مايو 1967 كممارسة لحق تقرير المصير. ففي قرار إتخذه مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الافريقية في سبتمبر 1967 أكد المؤتمر تمسكه بمبدأ إحترام سيادة كل دولة وسلامة أراضيها. وكرر استنكاره للانفصال في أي من الدول الأعضاء واعتبر الوضع الناشئ عن محاولة بيافرا الانفصال من الشؤون الداخلية لنيجيريا. يتفق التفسير المتقدم مع مفهوم الأمم المتحدة لمبدأ تقرير المصير. فعند دراسات الحالات التي طبق فيها مبدأ حق تقرير المصير في ظل الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، نجد أن حق تقرير المصير قد طبق في نطاق تصفية الاستعمار، وأن الشعوب المستعمرة كان لها أن تختار بين الاستقلال أو الاتحاد أو الاندماج مع دولة قائمة، ولكنه لا يعطي الأقليات العرقية أو الدينية أو القبلية الموجودة داخل دولة قائمة حق الانفصال. وقد نصت الفقرة السادسة من إعلان تصفية الاستعمار الذي أصدرته الجمعية العامة في ديسمبر 1960 على أن كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية أو سلامة إقليم أي بلد تعتبر منافية لاهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
خلاصة القول إنه ما لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف المعنية على خلاف ذلك، فإنه لا القانون الدولي ولا الممارسة الدولية تعترف للكيانات داخل الدول بحق الانفصال سواء كان ذلك بإعلان آحادي الجانب أو بأي طريق آخر. فتقرير المصير للشعوب أو الجماعات المقيمة داخل دولة يتم عبر تقرير المصير الداخلي، وذلك بالمشاركة الفعالة في النظام السياسي لتلك الدولة. ولا جدال في أن المشاركة لن تكون فعالة إلا إذا كان هذا النظام يقوم على مبادئ الديمقراطية التعددية، وحكم القانون، واحترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية.
سنلاحظ عندما نعرض لمؤتمر المائدة المستديرة أن المذكرة التي قدمتها الأحزاب السياسية الشمالية للمؤتمر قد تأثرت بمفاهيم الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية لتقرير المصير. د- باندلاع الكفاح المسلح للشعب الاريتري وقيام حركة الأنيانيا بدأ التوتر والتأزم في العلاقات السودانية - الاثيوبية. إتهمت اثيوبيا السودان بمساندة حركة تحرير اريتريا. وبالمقابل إتهم السودان اثيوبيا بإيواء ودعم حركة الأنيانيا والسماح لها بممارسة نشاطها ضد السودان من داخل الأراضي الاثيوبية. ومن خلال دعمها لحركة الانيانيا ومطالبتها بالسيادة على إقليمي الفشقة وأم بريقة السودانيين، مارست اثيوبيا ضغطاً على السودان لسحب مساندته لحركات التحرير الاريترية وإغلاق حدوده أمام الأسلحة والمؤن التي ترد إلى تلك الحركات عبر السودان. وتدريجياً تحولت قضية جنوب السودان وقضية اريتريا إلى عنصري مساومة ومقايضة في العلاقات السودانية - الاثيوبية. وللتدليل على ذلك نسوق بعض الأمثلة. ففي إطار ثورة أكتوبر، قام وفد سوداني برئاسة رئيس الوزراء آنذاك محمد أحمد محجوب بزيارة اثيوبيا لشرح التغييرات التي حدثت في السودان بعد ثورة اكتوبر وشرح سياسة السودان الخارجية. وفي البيان المشترك الذي صدر في 29 يوليو 1965 أعلن الطرفان تمسكهما بالمبادئ الخاصة بالمحافظة على الوحدة والسلامة الاقليمية للبلدين وأدانا الأعمال التي من شأنها تهديد وحدة البلدين.
واتفقا على الأتي: (1) حظر الدعاية المضادة ونقل الأسلحة والذخائر للمتمردين أو الانفصاليين في البلد الآخر، وكذلك حظر الأعمال الانفصالية والتخريبية الموجهة ضد البلد الآخر. (2) إغلاق أي مراكز تدريب إنفصالية، وأي مكاتب تباشر أعمالاً تخريبية ضد البلد الآخر. (3) إبعاد أي لاجئ يقوم بأعمال تخريبية ضد بلده. وفي مارس 1971 إتفق وزيرا خارجية اثيوبيا والسودان على تحريم كل أنشطة المنظمات التخريبية، وعلى تجريد العناصر المتمردة من أسلحتها، وإزالة معسكراتها، وطرد كل المتمردين، وقادة المعارضة، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع عودتهم.
وإبان عهد حكومة انتفاضة ابريل 1985 الانتقالية، أعلن وزير الخارجية إبراهيم طه أيوب في مستهل عام 1986 أن السودان يعترف بالنظام القائم في اثيوبيا، ولم يحدث أن اعترف بأن اريتريا شئ منفصل ومستقل. ومضى للقول إن قضية اريتريا قضية داخلية في اثيوبيا مثلما الجنوب قضية داخلية في السودان. 4- العوامل الداخلية أ- طالبت أقاليم دارفور والبجة وجبال النوبة بالتعبير عن ذواتها وتطلعاتها في إطار نظام إقليمي. فقد أفضى التخلف والإهمال والتوزيع غير المتوازن للسلطة والثروة إلى قيام جبهة تنمية دارفور واتحاد جبال النوبة ومؤتمر البجة. وسنرى من بعد أن الافكار التي طرحتها هذه الكيانات قد وجدت تعبيراً في المذكرة التي قدمتها الأحزاب السياسية الشمالية إلى مؤتمر المائدة المستديرة. ب- طُرحت خلال المرحلة التي نحن بصددها بصورة أكثر جدية وأكثر تحديداً من ذي قبل مسألة العلاقة بين الدين والدولة. وبدأ الحوار حول علمانية أو إسلامية الدستور. فبعد ثورة 1964 أعلنت الأحزاب السياسية الرئيسية أنها تسعى لإقرار دستور إسلامي. كما برزت إلى حيز الوجود جبهة الميثاق الاسلامي كتنظيم يدعو إلى إقامة جمهورية إسلامية على أساس دستور إسلامي.
ج- أدركت الحكومات الوطنية في السودان أن صعوبة التحكم في التسلل من وإلى السودان عبر حدود اثيوبيا مع المديريات الجنوبية يعود إلى طبيعة الحدود نفسها. فخلال مفاوضات تحديد حدود السودان مع اثيوبيا اتفق الامبراطور منليك الثاني مع ممثل بريطانيا على مراعاة الوحدة القبلية. وبالفعل نلاحظ أن الحدود التي اتفق عليها بموجب معاهدة 15 مايو 1902 تابعت شمال خط عرض 9 درجة شمال خط الجرف الاثيوبي بقصد فصل القبائل التي تقطن السهول السودانية من القبال التي تسكن الهضبة الاثيوبية. ولكن جنوب خط عرض 9 درجة شمال انحرفت الحدود عن الجرف الاثيوبي وتابعت أنهر بارو وبيبور وأكوبو مكونة بذلك بروزاً أو نتوءً Salient داخل السهول السودانية التي تقطنها قبائل النوير والأنواك النيلية. ومن المعلوم أن قبيلة النوير تقضي ثلثي العام في الجانب السوداني من الحدود، ومنذ أمد بعيد إعتادت النزوح إلى نتوء البارو - أي إلى إثيوبيا - في فترة الجفاف. بل إن أجزاء من النوير إستقرت في نتوء البارو داخل الأراضي الاثيوبية. وبالنسبة للانواك فإن اتفاقية 15 مايو 1902 تركت ثلثي القبيلة في اثيوبيا والتلث الآخر في السودان.
وفي مارس 1939 بدأت بريطانيا مفاوضات مع الحكومة الإيطالية بشأن تعديل الحدود الاصطناعية في هذه المنطقة بحيث تُدخل كل مراعي النوير في السودان وتُضم كل قبيلة الأنواك للسودان. ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون استمرار تلك المفاوضات. ويبدو أنه في مقابل ذلك كانت الحكومة البريطانية مستعدة للتنازل لإيطاليا عن الإقليم الواقع جنوب نتوء بارو ويشمل ذلك هضبة بوما. لا غرابة إذن في أول عمل عسكري قامت به حركة الأنيانيا في سبتمبر 1963 كان الهجوم على مركز للشرطة والجيش في فشلا على الحدود السودانية - الاثيوبية. وورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الجمعية التأسيسية في عام 1966 وسبقت الإشارة إليها ما نصه: «أما في حدودنا مع اثيوبيا خاصة مراكز الناصر وأكوبو والبيبور فإن المتمردين أقاموا معسكراتهم في الأراضي الاثيوبية ويجدون الحماية من مراكز البوليس الاثيوبي». وورد في التقرير أيضاً أن بعض القساوسه الذين طُردوا من مراكز الناصر وأكوبو حصلوا على تصديقات بإقامة مراكز نشاطهم في الحدود المتاخمة لحدود المراكز السودانية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
مع السودان والربيع العربي في ضيافة أشيبي في رود آيلاند د. عبدالوهاب الأفندي 2011-12-05
قضيت عطلة نهاية الأسبوع الماضية في ضيافة عميد أدباء افريقيا البروفيسور شينوا أشبي في ثاني زيارة لي للولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما. كانت المناسبة هي ملتقى أشيبي الثالث حول افريقيا الذي تعقده سنوياً جامعة براون، إحدى أهم الجامعات الأمريكية، في مقرها بمدينة بروفيدنس في ولاية رود آيلاند. ولسبب لا يخفى، فإن جزءاً كبيراً من مداولات هذا الملتقى قد خصصت لمناقشة قضايا 'عربية'، حيث استغرق اليوم بأكمله في جلسات لمناقشة 'الربيع العربي' ثم قضايا السودان.
ناقش الملتقى قضايا أخرى مهمة، من أبرزها دور الصين المتصاعد في افريقيا إضافة إلى فرص التحول الديمقراطي في زمبابوي. وقد خاطب الملتقى ضيوفا كبارا، كان من أبرزهم أمين عام منظمة الكومنويلث السابق إيميكا أنيوكا وسفير ليبيا في واشنطن علي سليمان العجيلي، ورئيسة جامعة براون، روث سيمونز، أول امرأة أمريكية من أصل افريقي ترأس إحدى جامعات أمريكا الثمان الأبرز المعروفة بجامعة 'رابطة اللبلاب'. خاطبها أيضاً جون شرام، سفير كندا السابق في عدد من الدول الافريقية، ونظيره الأمريكي السفير الأسبق دايفيد شين، (عمل في السودان واثيوبيا وبوركينا فاسو).
ولا يمكن هنا إحصاء كل الأكاديميين والدبلوماسيين والكتاب البارزين الذين شاركوا في هذه المداولات، والذين جاءوا من افريقيا وأوروبا وكندا والصين وكل أنحاء الولايات المتحدة، وإن كان اسم البروفيسور علي مزروعي يستحق إشارة عابرة. ولكن أولى الملاحظات حول الجلسات التي خصصت للسودان هي أن الجلسة التي خصصت لدارفور كان فيها متحدث سوداني واحد، هو الدكتور علي بحر الدين علي دينار من جامعة بنسلفانيا، بينما لم يشارك في الجلسة التي خصصت لمناقشة مستقبل جنوب السودان بعد الانفصال اي متحدث من جنو ب السودان. وقد علل منظمو المنتدى هذا الخلل البادي بإشكالات وقعت في اللحظة الأخيرة حالت دون مشاركة المتحدثين من الجنوب.
سأركز في هذه المداخلة على المناقشات التي دارت حول السودان (رغم أنني لم أشارك فيها بسبب ضيق الوقت وكثرة المتداخلين)، على أن اعود في مقالة قادمة إن شاء الله إلى النقاش حول ربيع العرب، وهو الموضوع الذي وجهت لي الدعوة للمشاركة في حلقات النقاش التي تناولته. تركز السؤال الذي طرح حول دارفور على طرق تحقيق السلام المستدام في ذلك الإقليم السوداني المضطرب، وانحصر السجال فيه بين قطبين، الأول يرى أن تحقيق السلام في دارفور غير ممكن بدون إجراء إصلاحات شاملة في هيكل الدولة السودانية، بينما يرى الثاني أن الأولوية هي لإصلاح الشأن الداخلي في دارفور. وبحسب دعاة الرأي الأول فإن لب الأزمة يكمن في تهميش إقليم دارفور وبقية أقاليم السودان الطرفية، وهو تهميش اقتصادي في جوهره. وفي هذه المقولة فإن جزءاً من الإشكالية يعود إلى بداية الثمانينات حين فرض صندوق النقد الدولي سياسة التقشف على الحكومة السودانية، ومن بينها خفض الانفاق الحكومي الإداري والتنموي المخصص للأقاليم. أدى هذا بدوره إلى تململ واجهته الحكومات المتتابعة إما بالإهمال أو بالقمع. وعليه فإن إصلاح هيكلية الدولة والاقتصاد السوداني وإنهاء التهميش هو المفتاح لحل القضية.
أما أصحاب الرأي الثاني فقد رأوا، بالعكس، أن مشكلة دارفور حالياً تكمن في تمزقها الداخلي، وأن إصلاح أو حتى تغيير النظام تحت ظروف دارفور الحالية سيجعل الإقليم في وضع أشد حرجاً، وأعجز عن انتزاع التنازلات من المركز. وعليه فإن الأولوية أمام أهل دارفور والحريصين على مصلحتها هي في المبادرة إلى معالجة أسباب التمزق في دارفور وتحقيق أكبر قدر من المصالحة والانسجام بين أهلها. وقد انتهج الموقف الرسمي الأمريكي الذي عبرت عنه متحدثة باسم المعونة الأمريكية موقفاً وسطاً بين المنزلتين، مؤكداً حرص الولايات المتحدة على دعم عملية السلام وضمان انسياب المعونات الإنسانية، بينما شكت المتحدثة مما وصفته بتعنت الحكومة السودانية في السماح لموظفي المعونة بالسفر إلى دارفور لمتابعة المشاريع التي تنفذها هناك.
أما النقاش حول جنوب السودان، الذي اتخذ لنفسه عنوان 'التحديات والمعوقات التي تواجه أحدث دول العالم'، فقد اتسم بقدر كبير من التشاؤم حول مستقبل الدولة الوليدة. فمن جهة علق البعض بأن دولة الجنوب تستعيد كل متلازمات الدول الافريقية الوليدة في فجر الاستقلال، ومن أبرزها شعور النخبة الحاكمة بعدم الأمان وتخيل مؤامرات لا حصر لها تحاصر الكيان الجديد وتهدده، إضافة إلى التركيز على بناء الجهاز التنفيذي-العسكري على حساب بقية أجهزة الحكم من قضاء وبرلمان وغيرها. وفي حالة الجنوب فإن هذا التخوف وجه باتجاه الشمال، ويهدد حالياً بانتهاج سياسات تعيد أخطاء دول افريقيا حديثة الاستقلال وأدت إلى نتائج كارثية وعقود طويلة ضائعة من عمر القارة وشعوبها.
هناك وجهة نظر أخرى ذهبت أبعد من هذا، ورأت أن أحد أسباب العلة هو التأثير الخارجي، خاصة من الدول المانحة والخبراء الغربيين، ومطالبهم ببناء مؤسسات الدولة الحديثة من شرطة وقضاء وخدمة مدنية، إلخ... استناداً على النموذج الغربي، بدون النظر إلى وجود المقومات الحقيقية محلياً لقيام مثل هذه المؤسسات. وعليه قد تكون النتيجة هي خلق مؤسسات صورية لا تؤدي مهامها، إلا أن مجرد وجود هذه الكيانات الوهمية يعطل الجهد المطلوب لإنشاء المؤسسات الحقيقية والفاعلة. وعليه فمن الأفضل العمل بصبر لإنشاء مؤسسات فاعلة تستند إلى واقع البلاد وتقاليدها، بدلاً من الاستعجال لبناء مؤسسات صورية على أسس مستوردة. أثار هذا المقترح عاصفة من النقاش بين مؤيد يؤكد صوابه، ومعارض يرى أن هذا المقترح يدعو إلى خلق فراغ مؤسسي ويبالغ في الفوارق المفترضة بين الدول. وقد ثار نقاش مماثل حول طرح تناول وضع المرأة في الجنوب، والتناقض القائم بين الخطاب الرسمي الملتزم بإنصاف المرأة ومساواتها في الحقوق، والواقع والممارسة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتقاليد. فهنا أيضاً نشهد التمسك الصوري ببعض الالتزامات، مثل منح المرأة ربع المقاعد في البرلمان وعدد من مؤسسات الدولة، مع إفراغ هذا الالتزام من محتواه عبر التمثيل الرمزي فقط. وهنا تدخل مرة أخرى بعض أنصار المقترح أعلاه ليعترضوا بأن هذه التصورات حول تطلعات المرأة تعكس المؤثرات الخارجية أكثر من عكسها لواقع المجتمع.
ورغم غياب التمثل الجنوبي في اللقاء إلا أن بعض أنصار حكومة الجنوب صبوا اللوم على حكومة الشمال في الصعوبات التي يواجهها الجنوب، مرددين مقولة أن نظام الخرطوم لا يلتزم بأي تعهدات، ولا ينوي أصلا الالتزام. وندد أصحاب هذه المقولة بما وصفوه بتعنت الخرطوم في السماح بمرور الإغاثة إلى المناطق المتضررة في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال قائلهم إن الحرب التي يتخوف منها الناس بين الشمال والجنوب قد اشتعلت فعلاً، وأن نقطة اشتعالها كانت المواجهة حول أبيي في مايو الماضي، وهي مواجهة أدت إلى تشريد أكثر من مائة ألف مواطن من أبيي ما يزالون بلا مأوى دائم.
وبحسب أصحاب هذا الرأي فإن ما قيل في الجلسة السابقة حول احتمالات السلام في دارفور لا محل له من الإعراب، لأن النظام الذي يشعل الحروب في كل مكان ويعوق الإغاثة لا يعبر عن نية سلام. تقاطعت هذه الحوارات مع سجالات اليوم التالي حول دور الصين في افريقيا واحتمالات الوفاق أو الصدام بينها وبين الولايات المتحدة على هذه الخلفية. وقد غلب في هذه السجالات الرأي الذي يتحفظ على النظرة السلبية لدور الصين، ويرى أن هذا الدور، رغم سلبياته، يصب في مصلحة افريقيا بتوفير الخبرات والتمويل والدعم التنموي والتعاون التجاري بدون الشروط المعوقة التي يفرضها الغرب. وقد علق أحد الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين قائلاً إن الغرب كان ينتقد الصين بسبب عقيدتها الشيوعية ويريدها أن تتحول إلى الرأسمالية، وعندما فعلت وأخذت تضاهي الغرب بل وتنافسه في الممارسات الرأسمالية، طفق ينتقدها ويشنع عليها.
إلا أن المنتقدين ضربوا دور الصين في السودان مثلاً، مشيرين إلى أنها دعمت نظام الخرطوم، وصدت عنه مساعي العقوبات الدولية، كما أنها زودت النظام بالسلاح الذي يؤجج الحرب. ولا يكاد نزاع يقع في افريقيا، بحسب هؤلاء القائلين، وإلا والسلاح الصيني وقوده وأداته. تسلل موضوع السودان عموماً ودارفور خاصة إلى الجلسة الأدبية الختامية التي أحيتها مجموعة من الشعراء على رأسهم أشيبي نفسه الذي افتتح الجلسة بقراءة قصيدة مؤثرة نظمها بلغته الأصلية (الإيبو) في رثاء صديق له مات في الحرب الأهلية النيجيرية في نهاية الستينات. وقد ثنت شاعرة من المدعوين بقراءة قصيدة في ذم وهجاء 'الجنجويد' الذين يقتلون الأبرياء ويغتصبون النساء بدوافع عنصرية بغيضة، وأيضاً في ذم 'حكومة الشمال' الدكتاتورية البغيضة التي تريد أن تعرب الأفارقة السود قسراً.
لم نكن في حاجة إلى مداخلات الشعراء والغاوين لنتذكر أن اسم السودان قد أصبح عند القاصي والداني عنواناً للأزمات والكوارث، ومثلاً يضرب على نقائص الحكم غير الرشيد وعواقبه الوخيمة. فلم يقع بين الحضور جدل حول ما وقع في دارفور من جرائم يشيب لهولها الولدان، وإنما كان السجال في تقصير الغرب في التصدي لها والمساهمة في معاقبة من تولى كبرها، وكذلك حول درجة تواطؤ الصين في الجرائم سكوتاً، ودعماً وتمويلاً وحماية.
من جهة أخرى فإن التشاؤم حول مستقبل جنوب السودان يبدو أيضاً محل إجماع المراقبين من الحادبين على ذلك البلد الوليد، وإنما الخلاف يتركز حول من يستحق اللوم على هذا المصير المظلم. فمن قائل أن حكومة الشمال هي من يستحق اللوم، ومن قائل أن الذنب هو ذنب النخبة الجنوبية نفسها، ومن مصر على توجيه اللوم إلى أنصار الجنوب المزعومين من مانحين وخبراء تنمية هم من يدفعون بالإقليم نحو الهاوية. وكان هناك، فوق هؤلاء من يقول إن الدرس هو أن انفصال الدول يؤدي بالضرورة إلى العنف والخراب، حيث لم يقع قط انفصال سلمي في التاريخ الحديث إلا ذلك الذي وقع في يوغسلافيا. ولنا عودة إن شاء الله إلى كل هذه القضايا.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
أينما يمم الشعب وجهه صفعته خيبة أمل!!
سعاد ابراهيم عيسى
أرجو ان أستميح القارئ الكريم عذرا في أن أستعير بعض الأسطر من هذا المقال، للرد على من ظل يهاجم نقدى لحكومته ودون مناقشة للموضوع، ومن بعد يأسى على عدم امتلاكي «لسبحة» ورغم جهلي لعلاقة المسبحة بالثورات العربية التي أوردها في مقاله، أردت أن أطمئن سيادته بأن «الشيخة سعاد إبراهيم عيسى» تمتلك مسبحة، ربما لم تتم مشاهدتها، لعدم حملي لها في الطرقات أو بمواقع العمل، كالذين يودون إظهار تدينهم للسلطة عسى ولعل. وسؤال بسيط ان كان كل الذين ينتقدون الحكومة هم شيوعيون بما فيهم كبار ألاسلامين، الذين ينتقدون بعمق درايتهم بشعا? مكة؟.
ومن بعد نعود لموضوعنا الأهم. يعتبر الشعب السوداني من أكثر شعوب العالم صبرا على فواجع السياسة والسياسيين، التي تزيد ولا تنقص. لقد مضى على فاجعة انفصال الجنوب قرابة الخمسة أشهر، وما زال الشعب في انتظار التغيير الذى أملاه الوضع الجديد للسودان بعد انتقصت مساحته، وتعداد سكانه، إضافة إلى أخطر نقصان يمثله فقدانه لعائدات النفط، التي سرح النظام ومرح بها كثيرا، ودون تحسب لمثل هذا اليوم. وبصرف النظر عن التغييرات العالمية والجذرية التي انتظمت حكومات الدول العربية، ما يستوجب أخذها في الحسبان أيضا، فان الحكومة استمرت طيلة هذه الأشهر تتحدث عن تغيير?واحد يتصل بالجهاز التنفيذي بصورة أساسية، يتمثل في إفساح المجال للأحزاب الأخرى والمعارضة بالذات، للمشاركة فيه، وذلك عبر حكومتها التي أسمتها ذات القاعدة العريضة. وحتى هذا التغيير الذى تم اعتماده استعصى الوصول إليه حتى الآن.
فالحكومة لم تقدم دعوتها للمشاركة دون قيد أو شرط، لكنها ربطتها بشرط قبول من يرغب من الأحزاب فيها، بأن يقبل بشرط استمرارها في تنفيذ خططها وبرامجها التي خاضت بها الانتخابات الأخيرة، الأمر الذى يعنى بأن تقوم كوادر الأحزاب التي تقبل بذلك الشرط، فقط بتنفيذ المهام التي تحددها لها خطط وبرامج المؤتمر الوطني ودون ان يكون لها يد فيها، مثلها مثل أي موظف في أي من دواوين الحكومة. هذا بجانب الشرط الآخر والأكثر إذلالا لتلك الأحزاب، الذى يستوجب قيامها بتأديب قياداتها التي ترفع شعار إسقاط النظام، حتى تتخلى عنه، قبل أن يؤذ? لها، بإمكانية المشاركة. فقد رأت بعض الأحزاب المدعوة للمشاركة، أن اشتراطات الحكومة عليها بمثل تلك الصورة، فيها تقليل من قيمتها وامتهان لكرامتها، ومن ثم لا تمنح لمن يقبل بها فرصة مشاركة حقيقية في السلطة. فرفض البعض تلك الدعوة جملة وتفصيلا، وبقى آخرون في حالة جدل بيزنطي، وشد وجذب بين ما يرونه أنه الطريق الأفضل للخروج من مآزق السودان الحالية، وبينما تراه الحكومة أنه محاولة لخلخلة سلطتها، ومن بعد الانقضاض عليها. فسارع حزب الأمة القومي بالخروج من اللعبة ومن بدايتها، رغم انه عاد إليها ولكن عبر طرق أخرى، وبقى ال?تحادي الديمقراطي الأصل وحيدا يقاتل من أجل إقناع جماهيره الرافضة رفضا باتا للمشاركة، ثم كيفية إرضاء قياداته الراغبة فيها، الأمر الذى جعله يعلن عن قبوله للمشاركة اليوم وعن رفضه لها غدا.
لقد فشلت الحكومة في استمالة الأحزاب المعارضة لمشاركتها بالصورة التي تخيلتها، نسبة للمعارضة الحادة والشرسة التي أبدتها غالبية جماهير تلك الأحزاب ولمجرد التفاوض مع المؤتمر الوطني ودعك من مشاركته. ومن ثم يصبح التشبث بأمر مشاركة الأحزاب، أو قل الحزبين الذين اصطفاهما المؤتمرالوطنى دون غيرهما، وفى ظل رفض جماهيرهما لتلك المشاركة، التي وصلت حد العنف بين الجماهير الرافضة والمؤيدة، أمرا لا ندرك كنهه. فإذا كانت الحكومة ذات القاعدة العريضة تعنى اتساعها بجماهيريتها، فان رفض الجماهير القاطع للمشاركة فيها ينفى ذلك الهدف.?وان كانت الحكومة عريضة بمقدار ما توفر للقادمين إليها من خارج حزبها المؤتمر الوطني، من مواقع، بجانب الاحتفاظ بكل القدامى من عضويته، كان ذلك بذات مواقعهم القديمة، أو الانتقال إلى مواقع جديدة، فان ذلك ينفى شعار خفض الإنفاق الحكومي الذى تم تبنيه قولا والتخلي عنه فعلا. ويبدو أن السلطة يئست من مشاركة سلسة وشاملة، حتى من جانب الحزب الوحيد الذى قبل مشاركتها، فتوكلت وبدأت في إعلان ما رأت انه التغيير الممكن، والذي اختصر على بعض الوجوه دون مساس بالبرامج والخطط التي أعلنت بداية إنها غير قابلة للمساس بها. كما عملت الس?طة على مرحلة تعييناتها، ربما كسبا للوقت. لكنها أفلحت تماما في إشراك الحزبين المدعوين معها في الحكومة، من رفض المشاركة، حزب الأمة القومي، ومن لازال متأرجحا بين الرفض والقبول، الاتحادي الديمقراطي الأصل، ولكن بطريقتها الخاصة.
فبعد أن بدأت السلطة تعييناتها من القمة بالقصر الجمهوري، بتعيين نواب للرئيس، رأت أن تعمل على توريط الرافضين للمشاركة بالحزبين المعنيين بالدعوة لها، فسارعت بتعيين نجلى قيادة الحزبين، وفى مواقع متقدمة، كمساعدين للسيد الرئيس بالقصر الجمهوري، وهو تعيين يخص الطائفتين، طائفة الختمية وطائفة الأنصار، أكثر من جماهير الحزبين الاتحادي والأمة. وربما يقود العمل على تكريس الطائفية هذا، إلى المزيد من تمرد الجماهير الرافضة للمشاركة من الحزبين على قياداتها، ولكنه قد يكسب الحكومة ولاء بعض المؤيدين للمشاركة من جماهير الأنصا? والختمية، ان وجد من يؤيد طبعا، خاصة بين شباب الختمية الذى مازال مستمرا في مقاومته الشرسة لهذه المشاركة.
لكن ما أثار دهشة الجميع في هذه التعيينات حتى الآن، بجانب احتفاظ الحرس القديم من قيادات الإنقاذ، بذات مواقعهم القديمة كثوابت لا مجال للعبث بها، هو تعيين نجلي الإمام المهدي والسيد الميرغني، وبموقعين قياديين بالقصر الجمهوري كما أسلفنا. فحزب الأمة، وعلى لسان الإمام الصادق المهدي، قد أعلن بأنهم قد نفضوا أيديهم من تلك المشاركة وبصورة قاطعة وبأسبابها الوجيهة، فيصبح تعيين ابنه مشاركا في السلطة، وفى أعلى مستوياتها بالقصر الجمهوري، فيه الكثير من تقليل قيمة ذلك الرفض. وبالطبع ليس معقولا القول بأن نجله العقيد عبد الر?من، قد استقال من كل مواقعه بحزب الأمة، وبالتالي فهو لا يمثل في موقعه الجديد، إلا نفسه. ونسأل بداية، أن لو كان العقيد عبد الرحمن ابن غير الأمام الصادق المهدي، هل كانت السلطة ستقدم على تعيينه في هذا الموقع؟ ولذلك نرى ان الحبكة قد تكون مبلوعة، أن لو كان التعيين للعقيد عبد الرحمن بوزارة الدفاع كما أشيع من قبل، فربما كان التبرير لمثل ذلك التعيين ممكنا، باعتبار أن عبد الرحمن ربما هو الأفضل في مجاله، رغم ثقتنا في أن التعيينات السياسية لا تنظر إلى الكفاءة والتميز، بقدرما تمعن النظر في مدى خدمتها لأي من أغراض السلط?.
أما تعيين ابن السيد الميرغني، فهو الآخر لم يكن خيار الحزب ولا اختياره، فجماهير الحزب بل قل غالبيتها وحتى يوما هذا، تمتلئ الصحف بإعلانات رفضها لمجرد التفاوض مع المؤتمر الوطني كما أسلفنا القول، ولكن فرضت عليها المشاركة من قيادتها أو قياداتها، والآن وبعد أن أصبح نجل رئيس الحزب داخل القصر الجمهوري، يصبح من العسير على الأب أن يعلن عن رفضه للمشاركة، ومهما تعزر حصول حزبه على الغنائم التي يحلم بها.ما دام ممثله جالسا بالقصر الجمهوري، ومساعدا لرئيس الجمهورية، ومن ثم يمكن أن تتحدث الحكومة عن التغيير من شموليتها القدي?ة إلى سعة المشاركة مع كل الأحزاب الأخرى، ولو كانت تلك المشاركة بعينات من تلك الأحزاب. يكفى إنها مثلت أحزابها في قمة السلطة. طبعا ما عدا الحزب الشيوعي والشعبي اللذين تم استثنائهما من دعوة المشاركة التي كانا رافضين لها من أصلها.
هذه التعيينات تعتبر صفعة موجعة تلقاها الشعب السوداني، وخيبة أمل كبيرة أصابته في إمكانية التغيير الذى ينشد. فان كانت بداية التغيير في أمر الحكومة ذات القاعدة العريضة بمثل الذى بدأ به، فلن ينتظر الشعب خيرا فيما تبقى من تعيينات لمواقع الجهاز التنفيذي، الذى ستسير كما سابقتها، في أن يستمر الثوابت من كوادر الاسلاميين، الذين يتم تحريكهم من موقع إلى آخر بصرف النظر عن ان كانوا افلحوا في ملء الموقع السابق أو فشلوا فيه، هذا بجانب ضرورة الموازنات والترضيات بين المؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى، خاصة التي قيل بأنها وقفت م?ه وساندته في حالات الزنقة. نعود لصفعة أخرى ظل يتلقاها الشعب السوداني في كل عام، ويبدو أنها أصبحت هي الأخرى من ثوابت الإنقاذ، فما أن يقوم المراجع العام بعرض تقريره السنوي أمام المجلس الوطني، وما يكشف عن فساد ينمو بوتيرة متصاعدة، حتى نسمع جعجعة لعضوية ذلك المجلس تدعو لمحاربة ذلك الفساد، ودون أن نرى طحنا لتلك الحرب. فقد سمعنا أكثر من مرة بأن هنالك مجموعات من عضوية المجلس رأت تقديم نفسها ككيان خاص بمحاربة الفساد، ومن بعد لم نسمع لتلك الحرب صوتا، ولا للعدو المقصود تراجعا. فقد كشف تقرير المراجع العام الأخير، عن أشكال وألوان من الفساد، من ?هب للمال العام وضعف في استرداده، ومن بدع تجنيب أموال الدولة، وعدم إيداعها في مكانها الصحيح، وزارة المالية، ومن ثم عدم اخضاعها للمراجعة العامة. ويقال ان الأموال المختبئة عن أعين المراجعة، قد تصل لمليارات الجنيهات، وهى أموال أحق بها خزينة الدولة بدلا من خزائن الذين أغراهم تساهل الدولة في أمر فسادهم، وعجز وزارة المالية عن تحمل كامل مسئوليتها في الحفاظ على موارد الدولة، فأصبحت لبعض المؤسسات وزارة ماليتها الخاصة.
أما آخر صيحة في الفساد ما لحق بوزارة الاستثمار التي اغتصبت عصابات السماسرة مهامها وواجباتها، فأصبحت تقوم باصطياد المستثمرين قبل ان تطأ أقدامهم وزارته، وعقد الصفقات معهم بما يمكنها من جني الثمار الذى ينشدون. ومن بعد يتعرض المستثمرون للعديد من التعقيدات والمشاكل التي تقود إلى خسائر المستثمر ومن بعد تدفع بعضهم إلى هجر استثماراتهم ومغادرة السودان. وتقول الصحف ان الدولة خسرت كثيرا في مجال الاستثمار بسبب هذا الفساد. وليس أدل على سوء حال الاستثمار أكثر مما صرح به أحد المستثمرين العرب الذى حمل الحكومة مسئولية إحجا? المستثمرين عن الاستثمار بالسودان، بسبب سياسات الحكومة، التي وصفها المستثمر بالاختلال والذبذبة في خططها وبرامجها، بجانب تأرجح السياسات المالية والاقتصادية والسياسية، واختلال علاقات العمل وعدم ضبطها بالقوانين، وفقدان المصداقية والتراجع عن العقودات وعدم الالتزام بها. كما قال بأن الحكومة تنظر إلى الضريبة كأداة لملء الخزينة، وسد الثغرات في الموازنة العامة. انتهى حديث المستثمر المغبون، الذى أعطى صورة واضحة لموقف الاستثمار وحدد بدقة متناهية مواقع الخلل والعلل التي تساعد من يبحث عن علاجها.
لكن كل هذا النقد الموجع للاستثمار الذى شوه صورته، ومن بعد صورة السودان، ومن مستثمر أجنبى، لم يدفع الحكومة للبحث عن الأسباب والمتسببين فيها، ومن بعد معالجة كل ذلك قبل القفز لمعالجة النتائج. لكن الحكومة رأت غير ذلك فكان قرار إلغاء الوزارة وتحويل مهامها للقصر الجمهوري حتى يتم ضبطها، ان شاء الله. وبهذا القرار أغلقت الحكومة هذا الملف ما يعنى، عفا الله عما سلف. ولكن سيظل السؤال عن من هو المسئول الذى قاد الوزارة إلى كل هذا الفشل، ونخشى أن يكون قد تم ترفيعه لموقع أرفع مكافأة على فشله، كما ظل يحدث عندما تسعى الحك?مة لمداراة أخطاء بعض منسوبيها
-----------------------
الحكومة السودانية وفقدان البوصلة ..
بقلم: بارود صندل رجب-المحامي الثلاثاء, 06 كانون1/ديسمبر 2011 19:59
في الوقت الذي يبشر فيه رئيس الجمهورية بأن بلادنا سوف تكون نموذجاً يحتذى به في الحوار والسلام والتنمية مما يعني أن الحكومة رتبت أمرها ورسمت طريقها بصورة دقيقة ومدروسة لإدارة شأن الحوار والسلام والتنمية في هذه البلاد فهذه الحكومة و التي ظلت تتربع علي كرسي الحكم علي مدى أكثر من عشرين عاماً وبالضرورة لاتنقصها الخبرة والدربة اللازمتين في إدارة شئون الدولة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن ما واجهتها البلاد في الفترة السابقة من المصائب حرباً وحصاراً وإعلاماً ، علمت الحكومة كيف تدير أمرها ولكن الواقع المعاش مغاير لكل ما ذكرنا فهذه الحكومة ظلت تمشي مكبة علي وجهها وتضرب خبط عشواء بصورة أذهلت الجميع !! لا نكاد نعرف كيف يدار أمر البلاد ، لا يحسبن أحد أن المؤسسات القائمة السياسية منها والاقتصادية أوالتشريعية هي التي تقرر أمر البلاد فهذه المؤسسات أصبحت هياكل لا قيمة لها هل سمعتم يوماً أن مجلس الوزراء المتضخم بالوزراء ووزراء الدولة و المستشارين والمساعدين وهلمجرا ...... قد ناقش أمرا نقاشا مستفيضا تباينت الآراء فلجأ المجلس إلي التصويت !!
هذا المجلس مجرد مجلس يتلقي التنويرات ويبصم علي قرارات الرئيس بل يبررها حتي لو كانت بائنة الخطأ أما المجلس الوطني المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء كما يكررها رئيس هذا المجلس بمناسبة وبغير مناسبة , فحدث و لا حرج هذا المجلس في موات !! كل أمرنا أصبح هرجاً ومرجاً ... غاب التخطيط والدراسة وغاب الحوار والنقاش .... قبل أيام قليلة وبعيد العيد الاكبر مباشرة أطل علينا السيد/ كمال عبيد وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة بتصريح تناقلته أجهزة الإعلام مفاده أن لا قضايا عالقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في الجنوب وأن كل من يتحدث عن ذلك فهو واهم بحسبان أن العلاقة بين السودان وجنوب السودان تحكمها القوانين الدولية باعتبارهما دولتين مستقلتين ولم يمر علي هذا التصريح إلاّ أياماً معدودات حتى أطل علينا رئيس الجمهورية نفسه ليعلن موافقة الحكومة علي مناقشة القضايا العالقة وبوساطة أفريقية وبالفعل ذهب وفدنا إلي أديس أبابا وناقش تلك القضايا العالقة .... لم يحدثنا الوزير المحترم صاحب التصريح الأول كيف نوفق بين ما قاله هو وما قاله الرئيس وما فعله الوفد الحكومي في أديس أبابا الذي رجع من المفاوضات بخفي حنين بل بحنين نفسه !! صمت الوزير صمت الموتي .... وبلع تصريحه .... في بلاد العلوج يحترم الوزراء أنفسهم ويحترمون شعوبهم فيقدمون علي الاستقالة في مثل هذه الحالات حفاظا علي ماء الوجه ولكن الوجوه النيرة عندنا لا ماء لها ولا يحزنون....
ويمضي مسلسل التهريج والتخبط فيطل علينا السيد المحترم وزير النفط علي أحمد عثمان ليقول لنا في مؤتمر صحفي مشهود أن بلادنا أوقفت تصدير حصة حكومة الجنوب من البترول عبر خط الأنبوب الواصل إلي بور تسودان وقدم الوزير المسكين مبررات لهذه الخطوة ورغم أندهاشنا حسبنا أن الأمر تم دراسته من كل النواحي وقتل بحثا وأن الحكومة تحسبت لكل الآثار التي سوف تنتج عن هذا القرار كان هذا التصريح بتاريخ 19/11/2011م وبعد يوم واحد تراجعت الحكومة عن هذا القرار بل ذهب بعض المسئولين إلي القول بعدم صحة الايقاف من أساسه وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم يخرج علينا سعادة وزير النفط والذى بلع تصريحه أيضا بتفسير معقول بل أختفي تماماً وكأن الأرض انشقت وأبتلعته لا أحد يطالبه بتقديم الاستقالة فهذا الأدب السياسي لم يجد طريقه بعد إلي عقول المصطفين الأخيار ، أقدمت الحكومة علي قرار لا تعرف عواقبه .... فحليفها الصين صدمت من هذا القرار فخرج سفيرها عن المعهود فاستنكر هذا القرار (إغلاق خط الأنابيب) هذا التصريح كان كافيا لترتعد فرائص النظام فتراجعت بصورة مذلة وبدلاً من السكوت علي هذه الفضيحة أقدمت الحكومة علي تصرف أبله آخر الا وهو السطو علي بترول الجنوب ونهبه بحجة سداد مستحقاته!! بأي عقل تفكر هذه الحكومة ....
المعلوم دولياً ووفقاً للمعاهدات أنه لا يجوز حجز النفط كما وأن سعر النقل مرتبط بكمية النقل فاعلي سعر لنقل البترول عبر الأنابيب هو دولار واحد لكل برميل والمثال علي ذلك الخط الناقل للبترول العراقي عبر تركيا ,ماذا يحصل لو أن دولة الجنوب طالبت بالملكية المشتركة للخط الناقل باعتبار أن هذا الخط تم تموييل بناءه من بترول الجنوب والشمال ؟ مالكم كيف تحكمون !! تصرفات النظام دفعت دولة الجنوب إلي البحث عن بديل لتصدير نفطه بعيداً عن أنبوب المؤتمر الوطني وأن حدث ذلك فستضطر الحكومة إلي تحويل الأنبوب لنقل مياه النيل العزبة إلي أهلنا في بور تسودان !!
المسلسل مستمر والمصائب لا تأتي فرادي .... صدر قرار من قاضي كيني يقضي بإيقاف سعادة رئيس الجمهورية داخل الاراضي الكينية إنفاذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية..... هذا القرار القضائي أقامت دنيا الحكومة ولم تقعدها ..... اتهامات وتهديدات وعنتريات وتحديات انتهت إلي قرارات ثورية بطرد السفير الكيني وسحب السفير السوداني وقطع العلاقات الاقتصادية وطرد الكينيين من السودان شر طردة ومطالبة الحكومة الكينية بإلغاء القرار القضائي والا ... فاتت علي الحكومة أن هذا القرار ليس قرار الحكومة الكينية بل قرار صادر من قضاء يفترض جدلاً أن يكون مستقلاً ... كما القضاء السوداني المستقل !! فكيف لحكومة تحترم قضاء بلادها في الاستقلال والحيدة أن تطالب حكومة بالغاء قرار قضاءها هكذا ، هذا التصرف دليل دامغ علي أن حكومتنا لا تعترف بقضاء مستقل وهذا الأمر سوف يصيب اجهزتنا العدلية في مقتل ....
اي حكومة عاقلة كان يمكن أن تتصرف بغير هذه الطريقة ..... مثلاً ان تتقدم بطعن قانوني أمام محاكم كينيا لإلغاء هذا القرار أو حتى اللجؤ إلي المحكمة الأفريقية ؟؟ أو الطلب من الحكومة الكينية أن تتقدم باستئناف ضد هذا القرار لدى المحاكم الآعلي ... تصرفت الحكومة الكينية بتعقل وأوضحت ان هذا القرار قضائي وليس حكومي وأنها سوف تسعي لاستئناف هذا القرار وأنها حريصة علي الحفاظ علي العلاقات مع السودان ... هذا التصريح أعاد عقل حكومتنا وأدركت سوء فهمها وقلة حيلتها ، فتراجعت عن القرارات البلهاء وهي تجرجر أزيال الخيبة والهوان .... ولا حول ولا قوة إلا بالله ..... حقا ومن يضلل الله فلا تجد له ولياً مرشداً .... أصبحنا أضحوكة العالم ومحل تندر الإعلام العالمي........
أما الصراع مع أوكامبوا فحدث ولا حرج وسوف نفرد مقالاً لذلك ، مسكين الطيب مصطفي الذي هلل وكبرّ باستعادة هيبة الدولة بالقرارين العظيمين
طرد السفر الكيني وإيقاف تصدير بترول جنوب السودان ولكن الحكومة خذلته بتراجعها عن القرارين قبل أن يجف مداد قلم الطيب مصطفي ولله في خلقه شئون
Barood Ragab [[email protected]] /////////////////
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
تحسسوا مقاعدكم!! .. «واشنطن تريد إصلاح النظام»
خالد التجانى
من خارج سياق حالة التوتر الدائم السائدة في العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، ومن غير سابق إنذار أو تمهيد، بدأ مسؤولون رفيعو المقام في إدارة الرئيس باراك أوباما في الإعلان عن مواقف سياسية تجاه تطورات الأوضاع في السودان من الواضح أنها بقدر ما أراحت أعصاب حزب المؤتمر الوطني وانعشت آماله في البقاء، فقد أثارت سخط ويأس خصوم الحزب الحاكم من رؤيته خارج لعبة السلطة في وقت قريب.
جاء الموقف الأول غداة زيارة دينس ماكدوناه نائب مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي برفقة المبعوث برنستون ليمان للخرطوم وجوبا في مطلع الاسبوع الثالث من الشهر المنصرم، والذي طالب فيه بيان صادر عن البيت الأبيض حكومة جنوب السودان «بضرورة احترام سيادة السودان، بما في ذلك التوقف عن دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال في جنوب كردفان والنيل الأزرق»، في محاولة لتوفير السبل الكفيلة لإحراز تقدم في حل ما تبقى من مسائل عالقة في اتفاق السلام الشامل.
وما من شك أن هذا الموقف الامريكي سجل نقاطاً مهمة لصالح الخرطوم التي تحاول جاهدة حسم التمرد في «الجنوب الجديد» بأقل تكلفة ممكنة قبل ان تتورط في حرب شاملة تحقق أسوأ مخاوفها من الوقوع في براثن «السيناريو الاسوأ» وخسارة رهان «الانفصال مقابل السلام». الموقف الآخر الذي أثار ارتياح النخبة الحاكمة، وأقض مضجع خصومها، تصريحات المبعوث الرئاسي الأمريكي برنستون ليمان في حواره مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، التي استعاذ فيها من أن تغشى ثورات الربيع العربي السودان قائلاً بلا مواربة « ليس هذا جزءاً من أجندتنا في السودان. بصراحة، لا نريد إسقاط النظام، ولا تغيير النظام. نريد إصلاح النظام بإجراءات دستورية ديمقراطية». الخبر الجيد الآخر للخرطوم في مواجهة تحالف الجبهة الثورية السودانية، إعادة ليمان للتأكيد بأن «حكومة الولايات المتحدة تعارض العمل العسكري ضد حكومة السودان، وتراه مثيراً لمزيد من الحروب والمشاكل، ومهدداً لكيان ووحدة السودان، ويمكن أن ينتقل إلى الجنوب، ويهدد كيانه ووحدته. لهذا، نحن حريصون على وحدة السودان «الشمالي». وندعو كل الأطراف إلى العمل لتحقيق ذلك سلمياً». وبعيداً عن ارتياح الطبقة الحاكمة، أو ابتئاس معارضتها، كيف يمكن قراءة ما وراء التصريحات الأمريكية المعلنة أخيراً تجاه الوضع في السودان بشقيه الشمالي والجنوبي، وهل تحمل تحولاً جديداً على صعيد المواقف السياسية لواشنطن بحيث نرى لها انعكاساً على الوضع في المستقبل المنظور، أم لا تعدو أن تكون مجرد لغة جديدة ناعمة تغلف مواقف سابقة معلومة؟. في الأسبوع الماضي اجتمع دان سميث نائب المبعوث الامريكي والمسؤول عن ملف دارفور في واشنطن بممثلين لأحزاب وجماعات المعارضة السودانية المقيمين في الولايات المتحدة، وهو اجتماع حسب وصف أحد السودانيين المعنيين به أنه غير مسبوق، وكان لافتاً بجانب تأكيده للمواقف الأمريكية السابقة بشأن رفضها للعمل العسكري المعارض ورفضها التدخل على غرار النموذج الليبي والمطالبة بفرض حظر جوي على الرغم من إلحاح بعض أطراف الاجتماع السودانية، استمزاجه لرأي المجتمعين في إمكانية لعب الولايات المتحدة دوراً مؤثراً في تشكيل دستور جديد للسودان? ويبدو من سياق ما سبق أن سياسة الولايات المتحدة ليست في وارد القبول بتكريس سلطة الأمر الواقع في السودان، كما ذهب إلى ذلك المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الوطني الذي صرح في تعليق له على حوار المبعوث الأمريكي بأن «واشنطن فشلت طوال 22 عاماً في إسقاط الحكومة الحالية، وربما توصلوا الآن إلى قناعة بالأمر الواقع». وما أعلنه المبعوث الرئاسي الأمريكي صراحة لا يؤكد على هذه الفرضية، أي القبول بالنظام الحاكم بوضعه الراهن، بل يدعو إلى إصلاحه وهي درجة من درجات التغيير ولكن لا تصل بالطبع إلى حد القبول بالأمر الواقع أو الإطاحة الكاملة بالنظام. والخيار الذي تحدث عنه ليمان هو المفاضلة في اسلوب التغيير وليس عن الحاجة إليه من ناحية مبدئية، فواشنطن لا ترغب في تغيير عنيف يخلط الأوراق، بل تريد تغييراً سياسياً سلساً يضمن لها السيطرة على مجريات الأمور في بلد لا تنقصه الأزمات ولا التعقيدات. وليس صعباً تحليل دوافع واشنطن في عدم تحبيذها لحدوث تغيير خارج السيطرة، فمن جهة لا تريد لنموذج الربيع العربي أن يكون وسيلة التغيير في السودان لأنها ببساطة لا تريد تكرار تجربة تلك البلدان العربية التي فوجئت بإندلاع الثورات فيها ووجدت نفسها مضطرة للتعامل مع مخرجاتها ولم تملك إلا خيار التعاطي معها والقبول بها على مضض، وهو ما أفقدها بالطبع القدرة على التأثير على مجريات الأحداث وتوجيه أجندتها والتحكم في مصائرها. وكان ليمان صريحاً وهو يقول إن تكرار نموذج الربيع العربي «بصراحة ليس من أجندتنا في السودان». والمشكلة ?نا بالطبع أنه فات على واشنطن أن الثورات عندما تندلع فإنها لا تأخذ إذناً من أحد، فالثورة لا تصنع من عدم، فالمعارضة لا تستحدثها كما أن الحكومة لا تفنيها، والخارج لا يمنعها. والمسألة الأخرى أن رفض واشنطن للخيار العسكري للإطاحة بالنظام، والذي بلا شك أثلج صدر الخرطوم وأوغر قلوب حلفاء الجبهة الثورية، لا يعني بأي حال رأفة أو حرصاً أمريكياً على النظام بقدر ما يشير إلى أن الأمر متعلق بخشيتها من تبعات وتداعيات هذا النهج العنيف على أجندتها في السودان، وثمة سبب صريح هنا لذلك أورده ليمان حين أعرب عن خشيته من أن العمل العسكري المعارض سيولد المزيد من الحروب والمشاكل التي سيتم بالضرورة تصديرها إلى دولة الجنوب الوليدة، وبهذا المعنى فإن محاولة التغيير العنيف ستكون تداعياتها أكثر إضراراً بجوب?، من ضررها على الخرطوم على الأقل من واقع خبرتها في التعايش مع التمردات المتعددة، ورسوخها في مقاليد السلطة وفارق الإمكانيات، في حين يتعين على الحركة الشعبية أن تبدأ عملية بناء دولة من الصفر. ولذلك فإن أية محاولة من واشنطن لتشجيع العمل العسكري المعارض ستدفع ثمنه جوبا قبل الخرطوم، فضلاً عن احتمال انزلاق السودان، بشماله وجنوبه، في أتون حالة تمزق وحروب أهلية وفوضى لا يسلم من شرورها حلفاء واشنطن الكثيرون في المنطقة. بيد أن الدافع المهم في معارضة واشنطن للعمل المسلح ضد النظام ربما يعود في الأساس إلى أنه يتقاطع مع حساباتها ويخلط أوراق ترتيبات أعدتها ل»إصلاح النظام بإجراءات دستورية ديمقراطية» وفق الخيار الذي افصح عنه ليمان. من المهم هنا الإشارة إلى أن المبعوث الأمريكي لم يحدد طبيعة هذا الإصلاح وحدوده وكيفيته وإن مضى إلى تحديد وسائله عبر إجراءات دستورية ديمقراطية، وإن بقي السؤال كيف سيتم ذلك أو بواسطة من؟. عند هذه النقطة بالتحديد تبدو الأمور في أجندة واشنطن بشأن «إصلاح النظام» الذي تقصده غامضة إلى حد كبير، ويحيط بها الكثير من الإلتباس، ولكن يمكن تلمس بعض جوانبها من ثنايا إجابة ليمان عند سؤاله عن توقع الحركة الشعبية الشمالية المعارضة لدعم أمريكي لإسقاط النظام، وكان جوابه «كما قلت، ليس في مصلحتنا إسقاط النظام في السودان وزيادة المشاكل. تكفينا المشاكل الحالية، مصلحتنا هي تطوير النظام ديمقراطياً. نعم، ساعدناهم«أي الحركة الشعبية» في الماضي بما فيه مصلحتنا. ومصلحتنا الآن هي الاستقرار في السودان وفي جنوب السودان». ويثور السؤال هنا كيف تتحقق مصلحة لواشنطن بتطوير النظام ديمقراطياً عبر إجراءات دستورية؟. من المفترض حسب هذا السيناريو أن تقبل الإدارة الأمريكية بشرعية النظام الحالي كما هو بتركيبته وتوازناته الحالية، وأن تحظى بموافقته للمساعدة في عملية سياسية للحوار تفضي إلى دستور جديد حتى يحين موعد الانتخابات القادمة، أو يتم الاتفاق على وضع انتقالي، وأن تجرى انتخابات مبكرة مثلاً. ولكن تطوير النظام ديمقراطياً حسب هذا السيناريو بتوافق واتفاق معه يصطدم ب»الفيتو» الأمريكي الذي تضعه واشنطن على المشير عمر البشير الذي أعلنه المبعوث ليمان صراحة بقوله «نحن لا نتعامل مع البشير مباشرة، خاصة بسبب اتهامات المحكمة الجنائية الدولية له بخرق حقوق الإنسان وجرائم الحرب والإبادة في دارفور». وعند سؤاله كيف تتعاملون مع حكومة البشير، ثم ترفضون التعامل معه ، اجاب برد مراوغ « موقفنا واضح من اتهامات المحكمة الجنائية الدولية، لكننا نركز الآن على الاستقرار في كل من السودان وجنوب السودان، وعلى تأسيس علاقات ودي? بينهما بعد سنوات الحروب الطويلة». وبالنظر إلى طبيعة السياسة الأمريكية وتوازناتها وتعدد مراكز صناعة القرار، ثم صعوبة الركون إلى قراءة التصريحات العلنية كمحدد صريح بالضرورة لحقيقة مواقفها، فثمة احتمالين هنا، استمرار الاتفاق الضمني في التواصل بين الخرطوم وواشنطن شريطة أن يغض الحزب الحاكم الطرف عن «الفيتو» الأمريكي على البشير ورفض التعامل معه وتفادي الاجتماع به ، كما ظل يحدث من قبل كل المسؤولين الأمركيين والغربيين الذين ظلوا يزورون السودان منذ صدور قرار التوقيف، وهو ما ظل سارياً من دون إعلان أمريكي صريح برفض التعامل مع البشير والاكتفاء بتفاديه? وسكتت عنه الخرطوم رجاء أن يتم تجاوز ذلك بتمرير عملية الاستفتاء وفصل الجنوب، وأن يكون عائد تسهيل تمرير الأجندة الأمريكية بشأن الجنوب، هو التطبيع الكامل بما في ذلك معالجة مسألة البشير. وهو ما لم يحدث، والمطلوب أمريكياً الآن إكمال الاتفاق مع الجنوب حول القضايا العالقة وعدم تهديد استقراره، وتحصل الخرطوم في مقابل ذلك على عدم تشجيع أو دعم واشنطن للجماعات المسلحة الراغبة في الإطاحة بالنظام. الاحتمال الآخر قد يشير إلى تبلور «صفقة ما» مع أطراف فاعلة للمضي قدماً بإتجاه تطوير النظام ديمقراطياً، وهو ما يعني إعادة تركيبه على توازنات جديدة برعاية أمريكية على غرار تسوية نيفاشا تضع في الاعتبار مطالب الأحزاب والحركات المسلحة المعارضة وتؤسس لوضع دستوري جديد، وهو ما يحتاج طبخه على نار هادئة لأنه يقتضي بالضرورة خروج أو عزل بعض مراكز القوة الحالية بأقل الخسائر الممكنة. ما من شك أن النفوذ الطاغي ل»المكون العسكري» في نظام الحكم يمثل العائق الأساسي أمام تطلع واشنطن ل»إصلاح النظام وتعديله» ب «إجراءات دستورية ديمقراطية»، ولعل ذلك هو ما دعا ليمان لمغادرة مربع التحفظ الأمريكي عند التعاطي مع شرعية البشير ليصرح بلا مواربة في سابقة نادرة ب»الفيتو» الذي تضعه واشنطن بعدم التعامل معه على خلفية مسألة المحكمة الجنائية، وهو ما يشير إلى أن الأمر يتعدي مجرد عدم التعامل إلى اعتباره أيضاً خارج أطراف سيناريو «إصلاح النظام»، وما يؤكد التوجه الأمريكي لعزل «المكون العسكري» الإنقاذي استدعاء المد?ي العام للمحكمة الجنائية الدولية ملف وزير الدفاع، أحد أضلاع هذا المكون، في توقيت خارج السياق ولا يمكن إلا أن يفهم في إطار الترتيبات الجديدة ومحاصرة البعد العسكري في اللعبة. وما يعزز هذا الاحتمال أن معارضة واشنطن للعمل العسكري المعارض ضد الخرطوم تهدف أيضاً إلى التقليل من «عسكرة السياسة» السودانية لأن تشجيع تصعيد التمرد عسكرياً من شأن ردة الفعل عليه أن يقوي من نفوذ المؤسسة العسكرية ويعزز دورها، وهو ما سيكون بالضرورة خصماً على سيناريو التغيير تحت عنوان الإصلاح الدستوري الديمقراطي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
والميرغني اذا شارك! ..
بقلم: فائز الشيخ السليك الثلاثاء, 06 كانون1/ديسمبر 2011 06:55 Share [email protected] كنتُ قد سألتُ الدكتور رياك مشار خلال مفاوضات نيفاشا عام 2003 عن تجربته مع الخرطوم في اتفاقية " السلام من الداخل"، وكيف كان التنفيذ؟ ، ولماذا خرج من الحكومة، فاعتذر الرجل بأدبٍ جمٍ ، وأكد أنه سيتحدث بعد انتهاء جولة المفاوضات ومعرفة التفاصيل بعد ذلك لكي لا يُفسد أجواءَ التفاوض، وصرتُ كلما قابلته أسأله ذات السؤال، وأنا أعرف رده، ، لكنني أخذت الموضوع " مزحة" معه، فيبتسم ابتسامته المعروفة تلك، لكنه ذات يوم فاجأني قائلاً" أنت طوالي بتسال عن تجربتي في السلام مع الانقاذ، لكن ببساطة أقول لك ذهبنا موحدين في حركة واحدة، لكن نظام الانقاذ قسم حركتنا ونحن حلفاؤه، وهو فعل معنا ما فعله مع الصادق المهدي، ومع غيرنا ، وفي يقيني أنك لو ذهبت وحدك كشخص للتفاوض مع المؤتمر الوطني فإنه أول ما يفكر قبل التوصل معك لاتفاق هو أن يقسمك إلى نصفين".
وهو تلخيص لتفكير حزب البشير، ولا أدري إن كان مولانا محمد عثمان الميرغني، أو السيد الصادق المهدي يعلمان بهذه الحقيقة، وهي أنّ المؤتمر الوطني لا يحاور سوى ساعة ضيقه، وحين الدخول في التفاوض يمارس كل أساليب المناورات، وسياسات كسب الوقت لتطويل أمد التفاوض، مثلما كان يفعل في مفاوضات نيفاشا، حيث كان يتعلل تارةً بأن الوفد غير مفوض للتوقيع النهائي على أي بروتكول، أو أنّ "شيخ علي عثمان ينوي أداء فريضة الحج"، أو أنّ شهر رمضان قد جاء، وبالطبع فهو معذور في الأخيرة لأنّ في هذا الشهر ستحبس الشياطين في قماقمها، وهو أمرٌ جديرٌ بهزيمة مفاوضي الحزب "الاسلامي". لأنّ " شياطينهم ستكون قد طارت، أو حبست، وسيفقدون أهم الداعمين لهم في مشاريعهم التخريبية، والاستبدادية؛ مع أنّ ذات الشياطين هي التي وسوست لأنفس الانقاذيين الأمارة بالسوء، بقتل 28 ضابطاً في نهار رمضان الكريم، ودون أن يرجف جفنٌ، أو يرق قلبٌ من أجل طفلٍ صغير أو أمٍ، أو زوجةٍ كانوا في انتظار " عيدية "، فسمعوا بعد ذلك مقتل فلذات الأكباد عبر الاذاعات. ومعروف أن احدى ميكانيزمات استمرار الانقاذ في السلطة هي " التخريب من الداخل، أو الاحتواء" ، ودوننا عشرات التجارب، فمشار انقسم بعد دخوله الخرطوم ، إلى فصائل عدة،وحركات دارفور نالت نصيب الأسد، مثلما كان مصير جبهة شرق السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان هي الأخرى ذاقت من ذات الكأس، وحزب الأمة القومي انقسم بعد توقيعه على اتفاق " نداء الوطن" في عام 1999، ثم توالت الانشطارات داخل الحزب الجريح حتى بلغ خمسة او ستة أحزاب، ولا نستبعد أن ينقسم الحزب مرةً أخرى بعد تشكيل الحكومة، إما بسبب خيبة أمل " المهرولين"، أو بسبب غضب " الديمقراطيين". وربما لأنّ مسألة التشبث بكرسي الحكم هي غاية البشير الأولى والأخيرة؛ فإن حالة التشظي الحزبي هذي لم يسلم منها حتى حزب المؤتمر الوطني نفسه حين ركل المشير البشير شيخه الدكتور حسن الترابي، لينفرد بالسلطة مع التيار الأمني، وجماعة ادارة الأزمات، بقيادة علي عثمان محمد طه، ودكتور بيوت الأشباح نافع علي نافع، إلا أنّ فيروس التشظي هذا انتقل إلى داخل ذات التيار ، ليتجلي الصراع هذه المرة بين القبائل!، ويستمر البشير في سلطته، لكنه لا يتخلى عن سياسة التقسيم هذي، حتى قسم الوطن كله - شمالاً وجنوباً، وها هو يواصل في غيه، وفي سياساته التقسيمية، وبرضاء أميركي كبير، عبر عنه مبعوث الرئيس ألأميركي للسودان ليمان قبل يومين بقوله؛ إنّ واشنطن ترفض اسقاط نظام البشير، أو حتى " تغييره" لكن تريد تطويره، ويبدو أنّ تطويره هذه المرة سيكون عبر جعفر الصادق، وعبد الرحمن الصادق، أو نجلي الزعيمين " الكبيرين". والنتيجة ستكون مزيداً من التقسيم، ولو بعد حين، لأن البشير هو أكبر المتآمرين على السودان، وبالطبع فإن نتاج سياساته كفيلٌ باثارة شكوك حول تنفيذ الرجل لأجندة تقسيم السودان، ولذلك علينا البحث عن تلك القوى التي تحركه كي يقتل الناس، ويقسم البلاد، ويذل العباد. وبمناسبة " نيفاشا"؛ فقد كان مولانا الميرغني -" الشريك الخفي" على حسب وصفه لنفسه إبان المفاوضات- واحداً من أسباب خروج الاتفاق بشكله "
الثنائي" شمال وجنوب/ أو مؤتمر وطني وحركة شعبية،وأذكر هنا أنّ الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي ، وقتها الأستاذ فاقان أموم كان قد أخبرني أنه تلقى خطاباً من السفير الأميركي في العاصمة الاريترية اسمرا يفيده برغبة الادارة الأميركية في توحيد منابر التفاوض، ووقتها كانت هناك مبادرة ايقاد، والمبادرة المصرية الليبية المشتركة، وكذلك مجهودات اريترية لتحقيق تسوية سلمية بين الفرقاء السودانيين، وكان القصد هو وقف التبضع في سوق المبادرات. وذهب زعيم الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق ديمبيور حينها إلى واشنطن في مارس 2002، وأجرى مباحثاتٍ مع مسؤولين رفيعين بينهم وزير الخارجية الأسبق كولن باول، وكانت رؤية الزعيم الكبير قرنق تقوم على اجراء مفاوضات مع الحكومة تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي، وقد بذل مجهوداً كبيراً لاقناع الادارة الأميركية برؤيته، لكن الأميركيين كانوا يشددون على حصر التفاوض " شمال / جنوب" ، وكانت حججهم تتمثل في أنّ الصراع هو بين الشمال والجنوب، وأنً قضية الجنوبيين هي السلام، فيما تتركز قضايا الشماليين في الحريات، وهم لا تأثير لهم في دائرة الصراع .
إلا أنّ باول اضطر للاذعان لرغبة قرنق، واصراره ، بعد أن سحره بقوة منطقه، ووافق على مقابلة الميرغني زعيم التجمع، فقدم له الدعوة للحضور في أبريل من ذات العام، لكن ؛ وللمفاجأة الكبيرة ذهب الميرغني إلى لندن بدلاً عن واشنطن، ليضع "صديقه" قرنق في وضع حرج للغاية، ويمكن للقارئ أن يتخيل رأي الادارة الأميركية بعد ذلك، فكولن باول وضع ضمن أجندة أعماله مقابلة الميرغني وقرنق، والأخير مدد رحلته لأكثر من عشرة أيام في انتظار " رئيسه"، حيث كانت حجة قرنق تقوم على أنّ الأزمة هي أزمة شاملة، وأنه يعمل مع قوى معارضة ذات تأثير كبير، بل أنه شخصياً يعمل تحت قيادة أحد الزعماء الشماليين المسلمين، وهو أمر يعكس أن طبيعة الصراع في السودان؛ ليست كما يتصوره الأميركيون، إلا أنّ تصرف الميرغني نسف كل حجج قرنق، لتروح مجهوداته أدراج الرياح، ولتنطلق بعدها مفاوضات مشاكوس بعد حوالى شهرين ونصف من انتهاء زيارة قرنق لأميركا.
ولك أن تعرف عزيزي القارئ سبب عدم ذهاب الميرغني، فالبعض فسر "الموقف الغريب " لضغوط مصرية"، وآخرون فسروه بعدم اهتمام الرجل بالشأن الوطني الكبير، فيما كشفت مصادر قيادية رفيعة في التجمع والحزب الاتحادي الديمقراطي بعد ذلك أن سبب موقف الميرغني هو ضغوط الخرطوم، وتؤكد ذات المصادر أن السلطات هناك اتصلت بالميرغني وحذرته من السفر إلى أميركا؛ لأنّ وجوده مع قرنق في الولايات المتحدة يعني نسفاً لنظام الانقاذ، وحسب رواية مصدري فقد هدد الانقاذيون الزعيم المعارض بتصفية شقيقه "الراحل" أحمد الميرغني الموجود هناك " تحت رحمة " أوباش الانقاذ، فآثر الرجل سلامة شقيقه على سلامة الوطن، ولذلك لا غرو أن يفسر الميرغني اليوم مشاركته في سلطة الانقاذ بسبب " المصلحة الوطنية"، وهو يقصد وضع أولى اللبنات في عملية توريث ابنه جعفر الصادق، والذي لم يسمع به كثيرون وأنا منهم برغم قربي من المعارضة في الخارج لحوالى ثمان سنوات!. وبالتالي ليس غريباً على فتى الميرغني أن لا يفرق بين النيل الأيض والنيل الأزرق، وجنوب كردفان وشمالها ساعة أدائه القسم مساعداً للرئيس، ويكفي أن الشاب يُفرِّق بين الخرطوم " 2" والخرطوم " 3"، فالانقاذ هي محل صناعة النكرات، لدرجة أن يصبح القصر الجمهوري مكاناً لتجميع الفاقد التربوي، والسياسي، وبالطبع فإنّ؛ أول النكرات كان العقيد عمر البشير؛ ولولا الانقلاب لما سمع به أحدٌ غير أهله ، أو زملائه في القوات المسلحة، ويبدو أنّ الميرغني يعد ابنه لخلافته، وها هو يدربه في العمل العام للمرة الأولى بتولي منصب " رفيع" ولو " شكلياً"، لكن ما لا يدركه الميرغني هو أن البشير لن يترك الورثة للميرغني أو غيره، فها هو شقيقه عبد الله حسن البشير يتحدث باسم السودان، دون أن يحمل أي منصب سيادي أو دستوري سوى "
شقيق الرئيس" على طريقة سيف الاسلام القذافي، أو جمال مبارك، وبالمناسبة فقد سبق أن استقبل عبد الله البشير نجلي مبارك في مطار الخرطوم عند قدومهما لمشاهدة مباراة مصر والجزائر الشهيرة في نوفمبر 2009. ولو عدنا لقصة رياك مشار الشهيرة ، فإنّ حزب الميرغني كان أصلاً منقسماً على نفسه قبل التفاوض مع المؤتمر الوطني، إلا أن التفاوض قسمه إلى ثوار ومناضلين، وهو تيار قوي وعنيف وعريض، ويرفض تلويث تاريخهم، وحزبهم و أياديهم بدماء الأبرياء، والمشاركة في سلطة تقوم على القمع، والقتل، والحرب ، وسفك الدماء، وبين مجموعة من المتهافتين على السلطان الزائل، ونخشي من أن تنطبق عليهم قصة جورج، الذي أعلن اسلامه إلا أنه مات بعد يوم واحد من دخوله الاسلام، فبكت والدته وهي تقول " لا محمد سمع بيك، ولا عيسى راضي عليك".
وقد برر الميرغني مشاركته "بالمصلحة الوطنية"؛ لكنني لا أستيع معرفة طبيعة تلك المصلحة التي تدفع من كان معارضاً "باسم اتستعادة الديمقراطية"، لأن يضع يده في يد ملوثة بالدماء، ولا تزال تقتل الناس في النيل الأزرق، وجنوب كردفان، ودارفور، وكجبار، وأمري، والجزيرة، ومن كان يدعو "لتهيئة المناخ" يشارك اليوم في حكومة يقوم منهجها على الغاء الآخرين، ومصادرة الحريات، واغلاق الصحف، ومحظر حتى النشاط الثقافي مثلما يحصل لصديقنا جفعر خضر بالقضارف، وقصة منتدى الشروق، إلا أنّ " المصلحة الشخصية" وفق فقه أهل الانقاذ - وصار الميرغني منهم - ؛ تجعل الفرد فوق الجماعة، وتجعل الجماعة فوق الحزب، وتضع الحزب فوق الدولة، وبالطبع فإنّ مصلحة الميرغني وجماعته فاقمت الأوضاع داخل حزبه، لينشطر، ويتشظى، وبالضرورة هنا ليس من الحكمة التعامل مع هذا الحزب ككتلة صماء، فالميرغني هو أحد أسباب أزمته، فبذهابه سيقوي التيار الوطني، بقيادة التوم هجو، وعلي محمود حسنين، ومجموع الشباب الثائر ، وبينهم أصدقاء أقوياء، لهم مواقف مشرفة في مقاومة الاستبداد، وهناك مئات من خرجوا على حزب الميرغني، وأعتقد أنّ مشاركة الميرغني في السلطة هي فرصةٌ ذهبية للتيارات الوطنية الاتحادية كي تتوحد تحت مظلة واحدة، وقيادة جديدة واعدة، تنضم إلى تيار التغيير ، والثورة التي سوف تنتصر يوماً ما.
ربما ظن الانقاذيون أنّ مشاركة حزب الميرغني ستفك عزلتهم، وأنّ الجنرال سيجد من يكاتبه؛ إلا أنّ تقديرهم هذه المرة لن يكون صحيحاً؛ فبل فإنّ العكس هو الصحيح، فمشاركة حزب الميرغني ستزيح الستار ، وتطلق الشباب المسجون في قمقم السيد من زمن بعيد، ومعروف أنّ الميرغني كان واحداً من أسباب ضعف المعارضة في الخارج، وهو احد علل الحزب الاتحادي الديمقراطي، ولما عاد إلى الخرطوم جاء على طريقة " دخل القش ما قال كش"، ولا نسمع منه سوى " اكليشيهات" جامدة مثل " الوفاق الوطني"، والوحدة، فيرفض المشاركة في حلف المعارضة ، ويصمت دهراً فلا ينطق سوى ذات العبارات القديمة التي تدخل الملل في النفوس، وفي ذات الوقت فإنّ المشاركة تنسف " دعايات " آلة المؤتمر الوطني حول " البديل" أهو الميرغني أم المهدي؟. فلماذا تلجأ اليهما الانقاذ في الوقت الذي تسعى إلى احباط الحراك المضاد بالقدح في أهليتهما في خلافتها؟. ثم أنّ الانقاذ هي التي اختارت ما تخيف به الآخرين، في وقت تخلصت فيه المعارضة من عبئ أحدهما. يقيني أنّ مشاركة الميرغني ستكون فرصةً ذهبيةً ؛ يجب اغتنامها من قبل الشباب الطامحين للتغيير، وليبدأ التغيير بقيادة الحزب العتيق، ومن ثمّ الانخراط مع قوى الجبهة الثورية والديمقراطيين لاسقاط كل رموز وسياسات وقوانين الانقاذ ومن دعمها لا سيما في وقت ضعفها
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
تمخض جبل المؤتمر الوطني
الطيب زين العابدين
يقول المثل العربي القديم «تمخض الجبل فولد فأراً»، أي أن الجبل الكبير يخرج من أحد شقوقه فأر صغير فكأنه أنجب هذا الفأر الصغير، ويضرب المثل لمن يتوقع منه الكثير لكنه يأتي بالشئ القليل والحقير الذي لا يتناسب مع حجمه الحقيقي أو المتوهم. وأحسب أن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذي خرج علينا مساء الأربعاء «7/12»، في مؤتمر صحفي جامع خاطبه نائب رئيس الحزب الحاكم، بتشكيل حكومة جديدة هي الفأر الصغير بعينه، فقد ظل الحزب الحاكم يمنينا لشهور عديدة بأنه سيأتي بحكومة قاعدة عريضة رشيقة التكوين وشبابية الوجوه تستبدل تلك ال?ديمة التي مكثت طويلا في المقاعد التنفيذية بأخرى شابة وطازجة. ولم يحدث شئ من ذلك فبعد مفاوضات استمرت لأكثر من خمسة شهور لم ينضم للوزارة الجديدة سوى الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل على غير رضى من قاعدته الجماهيرية ومن أكثرية قيادته المركزية عدا السيد الزعيم ومعاونيه الأقربين، مع تمثيل محدود لحركة التحرير والعدالة التي وقعت مؤخراً مع الحكومة وثيقة الدوحة للسلام في دارفور،
ولا يمكن أن تسمى مثل هذه الحكومة بأنها ذات قاعدة عريضة حتى ولو ضمت 14 حزبا كما جاء في رواية نافع لأنهم جميعاً من الأحزاب المتوالية أو المنش?ة أو الصغيرة جداً. وهي ليست رشيقة بمعنى أنها صغيرة العدد تخفيفاً على موازنة الدولة المنهكة ومراعاة لمقتضيات النظام الفدرالي الذي أنشأ حكومة في كل ولاية آلت إليها كل مسؤوليات الخدمات والمرافق العامة مما يفترض تقليص حقائب السلطة المركزية، ولكن الحكومة ضمت 66 وزيراً بالتمام والكمال و 5 مساعدي رئيس جمهورية و7 مستشارين لرئيس الجمهورية والناس تعلم أن كثيراً من هذه الوظائف لا حاجة لها بل قصد بها تقديم عطايا سياسية لتأليف القلوب النافرة.
أما الوجوه الشابة الجديدة فلم نر منها شيئاً يذكر رغم الوعد الذي قطعه رئيس الج?هورية لشباب وطلاب الحزب الحاكم عندما فاضت شوارع وميادين بعض العواصم العربية بشباب الربيع العربي التي تطالب بإسقاط الأنظمة المتكلسة في كراسي السلطة منذ عقود. وكانت خيبة الأمل شديدة عند معظم الناس بمن فيهم كثير من عناصر المؤتمر الوطني نفسه التي انتظرت بتفاؤل مقدم الحكومة الجديدة بعد ميلاد متعسر. وقد عكست تلك الخيبة جريدة الأحداث في استطلاعها رأي الشارع حول الحكومة الذي نشر بعدد الجمعة «9/12». قال أحدهم: مجرد إحلال وإبدال للمقاعد وليس الأشخاص، وقال آخر: الحكومة الجديدة هي هي فلا جديد يذكر وقد أصابني الإحباط ع?دما أعلن التشكيل الوزاري، وقال ثالث: الوجوه هي الوجوه وأتوقع أن تكون السياسات كما هي! وحق للأستاذ عثمان ميرغني أن يتساءل في عموده الراتب بالتيار: هل الهدف من هذه الوزارة التي استغرق بناؤها أكثر من خمسة أشهر حل مشكلة السودان أم الأحزاب أم الوزراء؟ صاحب العقل يميز! وكأني بلسان حال شباب التيوتر والفيس بوك يقولون بما اعتدنا عليه في الصبا الأخضر: بالله دي حكومة يطلعوا بيها السوق!
ويبدو أن اجتماع المكتب القيادي الذي انتظر الصحفيون نهايته لأكثر من ساعة ونصف كان ساخناً شيئاً ما حول إجازة مرشحي المؤتمر الوطني للوزارة، وهذه نقطة إيجابية تحسب له بدلاً من البصمة المعتادة على ترشيحات اللجنة الرئاسية المصغرة بالتهليل والتكبير دون نقاش! ولكن الدكتور نافع الذي خرج بعد الاجتماع مباشرة لتلاوة أسماء الوزراء أمام المؤتمر الصحفي لم يكن في أحسن حالاته المزاجية، فقد أخطأ في عدد من أسماء الوزراء ومناصبهم وعنّف بعض المسؤولين بالدار لسوء الإعداد للمؤتمر حتى نبهه أحدهم على أن البث التلفزيوني على الهواء ?باشرة، ولم يمنح الصحفيين الموجودين فرصة واحدة للأسئلة والاستفسارات على غير ما جرت به العادة، وأجاب على أحد الصحفيين الذي تابعه حتى باب عربته سائلاً: هل تعتقد أن الحكومة جاءت رشيقة؟ «رشيقة ولا ما رشيقة نحن وريناكم ليها شوفوها»! والسؤال الذي يهمنا من صناعة الوزارة الجديدة التي أخذت عدة شهور قبل أن تتخلق مولوداً كسيحاً يعلن على الملأ: ما هو المغزى السياسي لدرامية هذه الوزارة؟ نحسب أنها تعني الآتي:
* أن المؤتمر الوطني بدأ يشعر بحالة ضعف شديدة أمام التحديات والمخاطر التي يتعرض لها بعد انفصال الجنوب مما جعله يصر على استصحاب الأحزاب ذات الوزن الجماهيري داخل حكومته لذلك جرى خلف الأمة القومي والاتحادي الأصل كل تلك المدة عله يقنعهما بالمشاركة معه في حمل «الشيلة» التي اكتشف مؤخراً أنها ثقيلة على حزب واحد، فقد تساقطت سنون الإنقاذ الحادة التي كانت تعضدها دفعة أيدولوجية مثالية تظن أنها قادرة على قهر الدول الامبريالية الكبرى وتستسهل الموت في سبيل الثبات على المبدأ. ولا يعني هذا أن سياسة التمكين قد انتهت فالمشار?ة لا تعني تغييراً في مركزية اتخاذ القرار من داخل الحزب الحاكم. * ان المجموعة الرئاسية العليا في الحزب الحاكم التي تدير كل شئون البلاد ما زالت قابضة على الأمور ومن بينها التعيينات الدستورية، لم يحدث فيها اختراق يغير موازين القوى لذلك جاءت التعيينات الجديدة هي ذات التعيينات القديمة، فمعايير التوزير لم يطرأ عليها تغيير وكذلك حصص الشللية الداخلية بين مراكز النفوذ بالإضافة للاعتبارات العشائرية والجهوية ثم محدودية معرفة الشخصيات من الأجيال المختلفة لدى أصحاب القرار.
* ان منهج الحكم وأساليبه وسياساته الأمنية والاقتصادية وعلاقاته الخارجية لن تتغير لأن اليد القابضة ما زالت ماسكة على زمام الأمور، والعصبة المتنفذة لا تجرؤ على محاولة التغيير فالمخاطرة أكبر من جرأتها ومقدراتها. وسيظل السودان يدفع ثمن ذلك العجز في شكل نزاعات داخلية لا تنتهي، وهدر للمال العام في الصرف الأمني والبذخي والفساد المنتشر في أروقة السلطة، ومشاكسات لا تنتهي مع حكومة الجنوب، وعلاقات متوترة مع الدول الغربية وبعض دول الجوار الإفريقية. وربما يكون المخرج للمؤتمر الوطني ولأهل السودان من ذلك النفق المسدود هو تحرك قواعد الحركة الإسلامية الغافلة عن واجبها والمؤتمر الوطني النائمة في العسل حركة جماعية متماسكة لتحدث سلمياً التغيير المطلوب في قيادة السلطة الحاكمة التي بقيت في موقعها أطول مما ينبغي، وليس لديها الرغبة أو الإرادة في التنحي لأن حواء لم تنجب مثلهم في كل تاريخ السودان!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
الصافي جعفر وثمرات إبراهيم !! .. بقلم: منى عبد الفتاح السبت, 10 كانون1/ديسمبر 2011 19:01 Share كيف لا
قد تبدو مسألة مدح الشخص لنفسه سمجة بتخصيصها ، لذا فقد استعضنا عن المدح المباشر بالمدح الجمعي الذي اشتهرنا به كسودانيين دون سائر الشعوب. والمثير أيضاً أن المادح عندما يزجي ببعض الأخلاق الكريمة والصفات المجانية على بني وطنه يردد حديثه في تجرد تام وكأنه ليس من ضمن الزمرة الممدوحة بالأمانة والكرم والشجاعة. وقد لا يكتفي بذلك بل يحاول تثبيت قوله وترسيخه في أذهان مستمعيه من بني جلدته، وذلك بنفي هذه الصفات الحميدة عن جنسيات أخرى. في البدء كنا نأخذ مثل هذه الأحاديث المتكررة في بلاد الغربة عرضاً ولكن كثرتها لدرجة الملل ،خاصة في دول الخليج حيث تلعب المنافسة على الكوادر البشرية المؤهلة أكاديمياً وعملياً دوراً كبيراً في الاستحواذ على الوظائف وكسب رضا الجهات المخدّمة . ثم صرف كثير من الأدبيات المنقولة شفاهة والمكتوبة فيما لا ينفع لا الممدوح ولا المادح بل أتى علينا بشر ووبال. وقد تكون هذه الصفات أصيلة ولكنها لا تحتاج لكل هذا الترويج الرسمي والشعبي . ولا تحتاج لأن نستغرب عندما يردّ مواطن سوداني في المهجر مبلغاً من المال دخل حسابه المصرفي عن طريق الخطأ. ولا تحتاج منا أن ننصرف إلى مضغ هذه الأحاديث وغيرها عندما يقوم أحد كوادر الدفاع المدني بواجبه في إنقاذ أسرة من الحرق وغيرها من الواجبات والسلوك القويم الذي نسميه شجاعة نادرة. كل ما يقال من هذا الكلام المجاني قد يتم تبريره بتوق السوداني إلى كسر حاجز عدم الثقة في نفسه في الخارج . وهو في مجمله قد لا يتجاوز مجتمعات السودانيين العاملين بالخارج ، وفي أحيان أخرى يرددها بعض الأشخاص من البلد المضيف ، لا لشيء إلا لأنهم يعلمون أن هذا المدح سيسعد هذا السوداني الطيّب. أما عندما يأتي نفس الحديث على لسان داعية ومفكّر رائد في مجاله مثل المهندس الصافي جعفر ، فلا بد من أخذ وقفة مع النفس لتقييم هذه الصفات المنطوق بها ، ومعرفة كيف نرى أنفسنا وكيف يجب أن يرانا غيرنا.قال المهندس الصافي جعفر في محاضرة أقامتها رابطة الإعلاميين السودانيين بالرياض :"إن وجود الكوادر والخبرات السودانية في المملكة العربية السعودية ، من ثمار دعوة سيدنا إبراهيم " واستدل بالآية الكريمة:"وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات". ثم أوضح أن الخبرات السودانية التي تعلمت وتدربت حتى بلغت هذه المرحلة ، وقدمت إلى السعودية وهي تسهم في الإعمار ، تعتبر ثمرة لدعوة سيدنا إبراهيم. هب أننا ركنا بالكامل وسلّمنا لرأي المهندس الصافي جعفر ، وهو بالتأكيد سيكون قد صادف هوى الكثيرين من أبناء هذا الوطن الذين ينامون ويستيقظون على الإطراء وتمجيد الأخلاق السودانية والخبرات حقيقها ووهمها . نحن في غنى من أن نذكر أن الغالبية العظمى من المهاجرين طوعاً أو كرهاً ، ذوي خبرات أو عديميها هم ممن ضاق بهم السودان. أما الشيء الأكثر أهمية هو أن سوق العمل يولي الأهمية الكبرى للمؤهلات والخبرات ، وإذا تساوى المتنافسون سودانيين وغيرهم يتم تفضيل بعض الجنسيات العربية الأخرى لأسباب ترتبط باللباقة والكياسة وأسباب أخرى يعلمها الجميع . إذن الخبرات ليست حكراً على السودانيين وإنما ينافسهم فيها كثرٌ عرب وعجم من كل حدب وصوب . أما إذا وقفنا في الجانب الآخر من حديث المهندس الصافي جعفر فيبرز السؤال البريء ، وهو ماذا نسمي الخبرات السودانية في أوروبا وأمريكا واستراليا مثلاً ، هل هناك دعاء ما أصاب تلك البلدان جعلها تنتفع بالخبرات السودانية ؟ الحقيقة المرة هي أنّ جموع العاطلين هنا والذين تفيض بهم ما يسمى "ببيوت العزابة" ، يستجدون ثمن تجديد إقاماتهم حتى لا يتم طردهم.وهؤلاء في نظر كثير من شعوب الخليج همّ وبلاء يتمنون زوالهم حتى لا يكونوا عالة على مجتمعاتهم وعلى الخدمات المقدمة لهم . عن صحيفة "الأحداث"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
السيد نصر الله والدفاع عن النظم الاستبدادية د. عبدالوهاب الأفندي 2011-12-12 استمعت بكثير من الحزن لخطاب السيد حسن نصرالله زعيم حزب الله في يوم عاشوراء هذا العام، لدفاعه المستميت عن النظم الاستبدادية الآيلة للسقوط عهدناه من قبل من قامات أقصر بكثير، مثل أحمد ابو الغيط في مصر، وموسى إبراهيم في ليبيا، وبرهان بسيس في تونس وعبده الجندي في اليمن وغيرهم من أصحاب الأصوات إياها، ممن يغالطون في الحقائق الساطعة، وإن يهلكون إلا أنفسهم. وهو مقام ما كان يليق بالسيد ومكانته، فهو لا ينتمي لهذه الفئة.
وكان أول ما لفت في التصريحات الدفاعية المسارعة إلى الاستشهاد بتصريحات نسبت للدكتور برهان غليون حول انتهاج التفاوض وسيلة لاستعادة الجولان، واعتبار هذا التصريح بأن المطلوب في سورية لم يكن الحرية، وإنما نظام موالٍ للغرب. وقد ذكرني هذا بتصريح سابق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أشار فيه إلى خبر بث عن هجوم على مركز أمني سوري، مسارعاً فيه بالقول بأن هذا يؤكد أن الثورة السورية تحولت إلى حرب أهلية، مما يصدق مزاعم النظام حول وجود عصابات مسلحة تستهدفه. الملفت هو أن نفس الوزير ظل وحكوماته يكذبان كل الأخبار التي فاضت من سورية عن قتل المدنيين وتعذيب المعتقلين والتمثيل بالأطفال، وغير ذلك من الكبائر التي ظل النظام السوري وشبيحته يرتكبونها يومياً. وكان القادة الروس يقولون، كما يقول النظام السوري: هاتوا الإثبات، نحن لا نصدق، هذه فبركات، إلخ. ولكن ما أن لمع خبر الهجوم على المركز الأمني، حتى نسي كبير الدبلوماسية الروسية كل مطالب الإثبات ومزاعم التثبت والتوثيق، وبادر بتصديق ما سمع وبنى عليه.
بنفس القدر فإن قادة حزب الله لم يسمعوا على ما يبدو بتصريحات أحد أركان النظام السوري، رامي مخلوف، الذي هدد بأن أمن إسرائيل مرتبط بأمن نظام الأسد، ولم يسمعوا بمفاوضات النظام مع إسرائيل، سراً وعلناً، ولم يبلغهم خبر 'وديعة رابين' المقدسة التي يتغنى بها الأسد. فكيف إذن يصبح تصريح معارض يقيم في الخارج عن المفاوضات مع إسرائيل فجأة الدليل الذي لا يداخله شك حول الهوية المشبوهة للمعارضة؟ إن ما جاء في تصريحات مخلوف كان نسخة من محاولات سيف القذافي ابتزاز الغرب بالزعم بأن نظام ابن أبيه هو الوحيد القادر على ضمان أمن أوروبا، أي أنه عرض مكشوف للخدمات. وهو دليل لم تكن إليه حاجة على أن الأنظمة اليائسة مستعدة لبيع كل شيء مقابل البقاء في السلطة.
الحديث عن نظام ممانعة في هذه الظروف، فضلاً عن نظام ممانعة وحيد وأوحد، هو ضرب من الوهم أولاً. ذلك أنه حتى لو كان النظام جاداً في ممانعته، وهو أمر فيه شك، فإن الحرب التي دخلها مع شعبه، والحصار الذي أطبق عليه من كل جانب، يجعله مشغولاً بضرورات البقاء عن أي ممانعة. ومن قبل شاهدنا كيف حول الحصار على العراق النظام هناك من نظام كان يفتخر بالذود عن كل العرب إلى نظام لا يستطيع الدفاع عن حرمة غرف نوم الرئيس التي أصبح المفتشون الدوليون مخولين بزيارتها في أي وقت شاؤوا. وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى أهم، ألا وهي لماذا لم نسمع من حزب الله من قبل إشادة بصمود وممانعة نظام صدام في العراق؟ ألم تؤيد نفس الأصوات التي نسمعها تصدر من بغداد اليوم دفاعاً عن النظام السوري الحصار على العراق ثم الحرب عليه عام 1991 ثم غزوه عام 2003؟ فلماذا تصبح الممانعة الصورية سبباً مخففاً في حالة سورية، ولا تشفع لصدام الذي دخل فعلاً في حرب مع أمريكا؟ ثم أليس غريباً أن نسمع في خطاب عاشوراء احتفالاً بإخراج القوات الأمريكية من العراق، مع العلم بأن الحرب على أمريكا في العراق قادتها القاعدة وأنصار حزب البعث، بينما كان قادة الحكومة العراقية الحالية وما زالوا يحاربون مع أمريكا كتفاً بكتف؟ فأي استخفاف بعقول الناس أن يزعم من باركوا الوضع السياسي الذي أقامته أمريكا في العراق بأنهم أصحاب الفضل فــي إخـــراج القوات الأمريكية التي لم تخرج إلا بعد التـــأكد من أن الوضــع القائم يحافظ على مصالحها؟
هناك نقطة ثالثة تنبثق مما سبق، وهي حتى بافتراض أن النظام السوري هو الضمانة الوحيدة والأخيرة للدفاع عن مصالح الامة الإسلامية ضد الاستعمار وقوى البغي والعدوان، هل يبرر هذا للنظام ما يأتيه اليوم من قتل وقمع وتجويع وإصرار على تركيع الشعب السوري؟ هل بشار الأسد هو 'سوبرمان' سيقاتل إسرائيل وحده كما تساءلنا من قبل، بعد أن يهزم الشعب السوري، ثم يدك عروش العرب ويخضع تركيا لسلطانه، ويفرض على أوروبا دفع الجزية؟ ولنفترض أنه قادر على كل ذلك، بل لنفترض فوق ذلك أنه كان ولياً من أولياء الله وإماماً معصوماً، هل يبرر ذلك لنا السكوت على مساعي إذلال الشعب السوري وبربرية من يعذبون المعتقلين حتى الموت، ويجبرون الناس على الهتاف: 'لا إله إلا بشار'؟ هل يساوي ذلك انتزاع حنجرة منشد، أو اقتلاع عيون مصور، أو التمثيل بجثة طفل؟ هل انحدرت إسرائيل إلى هذه المنحدر السحيق من اللاإنسانية، ام فعل ذلك الغزاة الأمريكان أو قبلهم المستعمرون الفرنسيون، بل حتى المغول؟
لم نكن نملك، حين أدنا فظاعات نظام صدام حسين، أي صور توثق للتعذيب وعمليات القتل والإبادة، ولكنا لم نكن نملك كذلك إلا أن نصدق شهادات الضحايا والناجين ممن فروا بجلودهم من بربرية ذلك النظام. وما كان لنا أن نقبل عذراً لمثل تلك البربرية مزاعم الممانعة والدفاع عن الأمة ضد أعداء الخارج. فهذه حجة قديمة لم نسمعها من سلفنا الصالح، وإنما تفوه بها في القرن السابع عشر الفيلسوف البريطاني توماس هوبز حين زعم بأن رأس السلطة في أي بلد يجب أن يكون حاكماً بأمره لا يسأل عما يفعل، لأن الدولة هي الضمانة الوحيدة ضد الحرب الأهلية والخطر الداخلي والخارجي. وقد رد عليه فيما بعد مواطنه جون لوك قائلاً: إن هذه أشبه بنصيحة تقول للفرد إنه لا بأس بأن يسمح للسبع أن يلتهمه هنيئاً مريئاً، لأن ذلك أفضل من أن تنهشه الضباع!
ما نعرفه بالطبع أن 'السبع' المعني يأكل ويطعم الضباع معه من لحم شعبه. فدول الممانعة إياها هي التي حاربت مع أمريكا في الخليج، وهي التي سلمت مواطنيها للأجانب ووشت بهم ورحلتهم إلى غوانتنامو، بل أصبحت من أكبر متعهدي التعذيب لصالح دول الاستكبار. ومن ينكرون ما تشاهده أعيننا كل يوم من قتل وتعذيب ونهب وتهديم يعرفون جرائم النظام السوري كما يعرفون أبناءهم، حتى قبل أن تأتي الصور. فلا يمكن أن يكون لحزب تعاون أمنيا مع النظام السوري لسنوات طويلة دون أن يكون مطلعاً على ما يجري في سجون النظام، وعلى وسائله في التعذيب والإذلال، وبالتالي شريكاً كامل الشراكة في إثمه المبين. وحين يتحصن هؤلاء وراء مزاعم أن أحداً لم يثبت أن سورية هي من خطف المعارضين من لبنان، ولا هي من قتل المعارضين في مدن سورية، فهم يعلمون ويعلم الله أنهم كاذبون.
كل هذا كان يمكن أن يعامل على أنه دليل آخر على انحطاط السياسة والسياسيين في لبنان، لولا أن البعض سعى لأن يربط بين هذه المواقف ورمزية عاشوراء. فهل كان الحسين عليه سلام الله يقبل الانحياز إلى يزيد دمشق بدعوى أنه كان وأبوه على ثغر يواجه فيه الروم ويمارس 'الممانعة' (وهي بالمناسبة حجة استخدمها معاوية حين انتقد عمر الخطاب حياته الباذخة، قائلاً: نحن بأرضٍ جواسيسُ العدوِّ بها كثير، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يرهبهم!)؟ ألم يكن الحجاج سيد الممانعة، حين أرسل قواته لفتح السند وبلاد ما وراء النهر؟ ألم تفتح الأندلس على أيام بني أمية وتتسع الامبراطورية شرقاً حتى بلغت حدود الصين؟ فلماذا لا نغفر إذن للحجاج وزياد ابن أبيه وبني أمية كل ذنب؟
وفي حقيقة الأمر إنه يلزمنا اعتذار للحجاج وزياد لتشبيههم بابن أبيه الآخر بشار الأسد، لأنهم لم يعذبوا الأطفال حتى الموت أو يغتصبوا النساء، وقبل ذلك وكله لم يكونوا يكذبون. لقد كانوا يفتخرون بجرائمهم علناً، كما أنهم كانوا بالفعل يواجهون 'عصابات مسلحة'، لأن خصومهم كانوا في كثير من الأحيان يحملون السلاح ضدهم ولا يخفون ذلك ولا ينكرونه. ولكن كل من يزيد اليوم وعماله ######## كذاب أشر، يستأسد على العزل من النساء والأطفال، ويتخفى وراء شبيحته ثم يتنصل من أعمالهم بدعوى أنه لم يأمرهم!
إن ما نشهده في سورية ليس كربلاء الأسد كما نوه السيد، وإنما 'ثيرميدور' الدكتور، على طريقة ثورة شهر ثيرميدور (الموافق يوليو 1794) ضد فظاعات 'إرهاب الدولة' الذي تولى كبره روبسبيير وشيعته ممن أمعنوا في سفك الدماء وترويع الآمنين، فكان مصيرهم أن انقلبت عليهم لجنة السلامة العامة التي كانوا يقودونها وأمرت بإعدامهم، فأعادت بعض الأمن والاستقرار إلى فرنسا الثورة. أما كربلاء فيعاد تمثيلها اليوم، وعلى الهواء مباشرة، في حمص وتل كلخ ودرعا وجسر الشغور وغيرها، حيث يستغيث المدنيون العزل: 'هل من ناصر ينصرنا؟'، وينادي المستضعفون من النساء والولدان: 'ربنا اجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً.' ولو كان إمامنا الحسين عليه السلام حاضراً بين ظهرانينا، لما وقف إلا في بابا عمرو والبياضة، شاهراً سيفه، حاسراً رأسه، طالباً الشهادة في رضا الله مع المظلومين.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
في الشأن العام
ماكياج سياسي لتجميل وجه الحكومة وتشويه صورة المعارضة
سعاد ابراهيم عيسى
قلت في مقال سابق ان الشعب أينما يمم وجهه صفعته خيبة أمل، فكانت الصفعة الكبرى هي ما تمخضت عنه المفاوضات المتطاولة، بين الحزب الحاكم والأحزاب الطامعة في الحكم، والتي امتدت لقرابة الخمسة أشهر من اجل ان يتفق الجانبان على مشاركة في الحكومة التي حدد المؤتمر الوطني شروط المشاركة فيها، فرفضها حزب الأمة وقبلها الحزب الاتحادي الديمقراطي. وبعد لأي خرجت تشكيلة الحكومة الجديدة اسما والقديمة فعلا، كأكبر خيبة أمل لمن ظلوا يعشمون في غير ذلك. فالتعيينات التي بدأ بها الحزب الحاكم حكومته، كانت اصدق مؤشرا لما سيكون عليه الحال?بالنسبة للحكومة المنتظرة. ولعلكم لاحظتم أن إعلان هذه الحكومة، قد تم على استحياء وبصوت خافت على غير العادة في إعلان الحكومات السابقة، مما يدل على قناعة المسئولين بأنها جاءت لا كما يجب.
قيادات المؤتمر الوطني التي لا تعجزها الحيل في تبرير اى إخفاق لها، وتجميل اى قبيح، أعلنت بان هذه الحكومة، التي أبقت على شكلها ومضمونها القديم، قد ضمت أربعة عشر حزبا،ولا ندرى ان كان من بين هذه الأحزاب غير المعلومة، حزبا الاتحادي الديمقراطي الأصل الذى قبل المشاركة على علاتها، أو حزب الأمة الذى تنصل عنها وتمسكت بمشاركته حكومة المؤتمر الوطني رغم انفه. فكثرة الأحزاب هذه التي تشارك في الحكم ليست محمدة، فالحكمة ليست بالكم. ولكن بالكيف، خاصة بعد أن أكثرت الحكومة ذاتها الشكوى من ضعف الأحزاب الكبيرة والعريقة التي وصف?ها بالعجز عن منافسة حزبها، فما بالك بالأحزاب الفكه ومنها من هو مجرد لافتة أو قيادة بلا قاعدة. ففي كل دول العالم المتقدم الذى لا نمل الرجوع إليه، لا يوجد بالساحة السياسية أكثر من حزبين رئيسين، أو قد لا تتعدى جميعها أربعة أو خمسة أحزاب على الأكثر. كما ولا توجد حكومة تضم كل الأحزاب، كما تسعى حكومة المؤتمر الوطني فعله، وبالتالي تحرم حزبها من المنافسة التي تأسو على افتقار الساحة السياسية لمن يقودها بالندية معه.
اعتقد ان الدعوة التي قادها المؤتمر الوطني وبإصرار عجيب، للمشاركة في حكومته ذات القاعدة العريضة، والتي جاءت فاقدة لذلك العرض، قد أتت بما لا تشتهى سفنه. فجماهير الأحزاب التي دعيت للمشاركة، ظلت رافضة لتلك الدعوة ودون ادنى اتجاه للتنازل عن ذلك. ورغم ذلك خذلت قيادات تلك الأحزاب جماهيرها، فأقبلت على المشاركة المهزلة وقبلت بفتات السلطة الذى القي لها به صاحب اليد العليا، المؤتمر الوطني. وقد تجلى مدى رفض تلك الجماهير في غضبها خاصة شبابها، والذي أدى إلى الانفلات والخروج على المألوف من السلوك الذى عرفت به تلك الجماهي? وصل حد العنف بين من يعارضون المشاركة ومن يؤيدونها ولعل في معركة «جنينه السيد على الميرغني» أكبر دليل على ذلك. بل ولم يقف العنف عند هذا الحد، فقد وصل مرحلة الاعتداء على قيادات المؤتمر الوطني التي ينظرون إليها وكأنها المتسببة في جرجرة أحزابهم لمشاركة حزبها وبكل الطرق والسبل، خاصة الرافضين لها. ونأخذ على تصرفات هذه المجموعة التي اختارت أن «تفش غبينتها» بالحصب بالحجارة والقذف بغيرها، ورغم رفضنا لمثل ذلك المسلك غير الحضاري، فان المجموعة قد زادت الطين بله، باختيارها القيادي الخطأ من بين قيادات المؤتمر الوطني،?لتمارس فعلتها تلك عليه. وكل ذلك يدل على مدى وحجم الغضب الذى انتاب تلك الجماهير بسبب دعوة المشاركة تلك، حتى ما عادت ترى الخطأ من الصواب.
وتلاحظ أيضا، ان الأحزاب التي تمت دعوتها للمشاركة، من قبلتها وشاركت، ومن رفضتها ولكنها كتبت عند المؤتمر الوطني مشاركة، بعد ان التف عليها عن طريق آخر. قد أثار تعيين أبناء قياداتها جدلا كثيفا بين المواطنين، لم يوقفه أو يقلل من كثافته كل التبريرات التي أرسلت بها تلك القيادات، خاصة قيادة حزب الأمة. فالسيد الإمام الصادق المهدي، لا زال يرى ان تخلى ابنه عن كل مسئولياته بالحزب، قد تسمح له بالمشاركة في السلطة دون ان يؤثر ذلك على موقف الحزب منها. لكن الابن وان تخلى عن حزب الأمة، فانه لم يتخل عن حسبه ونسبه الذى لولاه ?ما تم تعيينه في موقع رفيع بالقصر الجمهوري. كما وان حزب الأمة لا زال يتوارى خلف المزيد من التبريرات التي بموجبها يخلى ساحته من نقضه للعهد بعدم المشاركة في حكومة المؤتمر الوطني. فقد صرح الإمام الصادق بأنه من حق أي عضو بحزب الأمة، متى رغب في المشاركة في السلطة أن يفعل، ولكن بصفة شخصية. وبالطبع لا يستطيع الحزب الوقوف أمام أي راغب في المشاركة أو منعه، لعلمه بأن ردة فعل ذلك الشخص هي السؤال «واشمعنى ابن الإمام؟»
والسيد الصادق لمزيد من تبرير تعيين الابن، أضاف بأن «الحزب ليست زريبة تحوش طبعا الخارجين للمشاركة». بينما نرى أن لو فتح الحزب أبوابه لكل راغب في السلطة أن يفعل، اعتقد « يا دوب» سيجعل من الحزب زريبة. والكل يعلم ان كلمة زريبة هذه، عادة ما تستخدم عند الفوضى في الدخول والخروج بلا ضابط أو رابط،. فيقال للفاعلين «فاكرينها زريبة». لكن ما أدهش الجميع تصريح سيادته بأن ابنه عبد الرحمن عندما كان معارضا للنظام، وقائدا لجيش الأمة بالخارج، كان يصدد تفجير الخرطوم بحالها. ودون ان نعلم السبب الذى جعل الابن يستدير 180 درجة ل?شترك في ذات الحكومة التي كان بصدد نسف عاصمتها؟ ومن بعد نسأل، عن ما الذى سيناله د. خليل إبراهيم، من مناصب ان قرر العودة للخرطوم مسالما بعد ان دخلها غازيا، فهل سيؤهله ذلك ليصبح نائبا لرئيس الجمهورية أم ماذا؟. فقد كدنا نصدق بان اقصر الطرق إلى القصر الجمهوري هو عبر البندقية قبل صناديق الاقتراع.
نعود لحساب الربح والخسارة للمشاركين في الحكومة الأخيرة وبأي قدر من المشاركة. مباشرة كانت أو غير ذلك. ففكرة المشاركة ذاتها قد تم رفضها من أساسها بين الغالبية الغالبة من جماهير الأحزاب المعارضة، خاصة جماهير الاتحادي الديمقراطي الأصل الذى كان الأكثر ميلا لها. وكلما استمر الجدل حولها كلما زاد الرفض لها وباعد بين الرافضين والمحبذين لها. ومن بعد بدأت بعض القيادات في الانسلاخ من حزبها والانضمام لحزب آخر، كالذين هجروا الاتحادي الديمقراطي الأصل ليلتحقوا بفرعه الاتحادي المسجل. كما وأخذت بعض القيادات الفاعلة والهامة ?ذلك الحزب في الابتعاد عنه. وقطعا ستصحو قيادة هذا الحزب بالذات، لتجد أنها قد فقدت أضعافا مضاعفة أكثر مما كسبت من تلك المشاركة. وقد لاحت بوادر تلك الخسارة في عجز الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل،عن تقديم دعم لجماهير المناصير الصامدة بولاية بنهر النيل، ورغم ان ذلك الدعم لم يكن سلاحا، فقد منعه الحزب الشريك الذى بيده المنح والمنع، من أن يفعل. فأي شراكة هذه؟ أما المؤتمر الوطني، الذى يسعده كثيرا كلما أفلح في إحداث شروخ في الأحزاب المعارضة، فهو الآخر لم يربح من هذه المشاركة، بقدرما خسر بإثارته الزوابع والبراكين ا?سياسية داخل تلك الأحزاب والتي أخذت ترسل بحممها إلى ساحته باستهداف قياداته، بدأ بالحجارة وغيرها من المقذوفات، والتي قد تتطور إلى ما هو اشد فتكا.
وليت المؤتمر الوطني يعلم بان شباب الأحزاب المعارضة، الذين يشاهدون أندادهم بالدول الأخرى، وهم يسجلون انتصاراتهم في مقدرتهم على إزالة كل الحكام والحكومات الباطشة، مستخدمين لذلك الكلمة،شفاهة كانت أو كتابة، ومن بعد يفرضون على الحكام سماعها وقراءتها. ومن الحكام من فهمها وغادر سلطته سريعا، وآخرون حاولوا غض الطرف عنها، فتم اقتلاعهم من جذورهم وقسرا. فشباب السودان يشاهد كل ذلك بينما هم مكبل بأصفاد قياداتهم الحزبية، التي لا تجعل لرأيهم وزنا أولا، ومن بعد مقيدين بقيود السلطة التي لا يسمح لهم بالتحرك ولا الفعل، حتى لل?عبير عن رأيهم في أحزابهم، ومن بعد تصفهم بالعجز، وتزيد من حنقهم عندما تصفهم بالمؤيدين لها ولسياساتها التي قيدتهم، ونخشى أن يصل هؤلاء الشباب حدا من الغبن والغضب فيخرجوا بسببه على أحزابهم، التي أصبح البعض ينظر إليها وكأنها جزء من المؤتمر الوطني يجب أن ينطبق عليها كل ما ينطبق عليه. فالحكومة وبيدها وحدها تعمل على تعبئة المواطنين ضدها، فما قيمة دعوتها للمشاركة وهى تعلم بأنها لن تسمح بها فعلا، كالذي فعلته مع شريكها الحزب الاتحادي الديمقراطي ومنع قافلته من ان تصل مقصدها للمناصير، فأحرجته أمام جماهيره أيما حرج. كم?
وأحرجت مساعد الرئيس ابن الميرغني الذى تأبط ملف المناصير لمعالجة مشاكله فكانت البداية إضافة مشكلة. وشباب المؤتمر الوطني ذاته لم يكن أفضل حالا من شباب الأحزاب الأخرى. فقد أعلن هؤلاء الشباب وفى نهاية مؤتمرهم الأخير، بأنهم قد وفقوا في إقناع قياداتهم بجعل سن التقاعد السياسي لا تتعدى الستين عاما. كما أعلنوا بأنهم طالبوا بأن يصبح لهم في الحكومة الحالية نصيبا مقدرا من مقاعدها. فإذا بالتشكيل الوزاري يخيب آمالهم هم أيضا وفي الجانبين. فلا المؤتمر الوطني تقيد بسن المعاش لسياسيه، ومنهم من بلغ من العمر عتية، ومن بعد تمت أعادت تعيينهم، بل واستعانت حكومة ولاية الخرطوم بالمعاشيين حتى من خارج تشكيلتها القديمة. كما وان م?ح الشباب نصيبا أوفر في المقاعد الوزارية، لم نجد له وجودا، لان الحكومة الجديدة هي ذاتها القديمة مع بعض التعديلات التي أدخلت عليها لصالح الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فلا هي حسنت من صورة الحكومة القديمة، ولا حمت الاتحادي الديمقراطي الأصل من تشويه صورته بين جماهيره التي تمردت عليه بسببها. ونخشى ان تكون الحكومة قد رأت في تعيين نجلى الإمام الصادق والسيد الميرغني ما يكفى تمثيلا للشباب.
أما آخر صيحة لمآخذ الحكومة الجديدة، هي إقبالها على زيادة طينها بله. فوزارة المالية بوزيرها القديم بدأت أولى خطوات مشوارها الجديد، بتبشير المواطنين برغبتها في زيادة سعر البنزين، والذي أعلنت من قبل نفى إشاعة تلك الزيادة. وبهذه البداية غير الموفقة، تعمل الحكومة على دفع المواطن دفعا للوقوف ضدها بعد ان تضاعف من ضيق الحياة التي حشرته فيها، وقد نبه رئيس اتحاد نقابات العمال من مغبة هذه الزيادة وآثارها الكارثية على العمال وغيرهم. أما الحديث عن قصة الاحتجاجات التي قيل بأن بعضا من أعضاء المجلس الوطني قد أثارها في هذا?الخصوص، فمن ذا الذى سيثق في انه باستطاعة هذا المجلس تغيير أي شيء ترغب السلطة في تنفيذه؟. ولا أظن أن المواطنين قد نسوا الضجة التي أثارها ذات المجلس حول التقاوي الذى وصفها بالفاسدة، ومن بعد محاولته دفع وزير الزراعة للاستقالة «كمان» بسببها. فاستهزأ سيادته بهم وشبه ضجتهم تلك «بالكلام الفارغ» وقد برهنت الأيام أنها كذلك. فوزير الزراعة الذى «فلقونا» بالحديث عن فساد يتصل بوزارته بسبب فساد تلك التقاوي، تم تجديد الثقة فيه من قبل الرئاسة ليظل وزيرا في ذات وزارته، بتقاويها الفاسدة ان كان المجلس صادقا، أما ان كاذبا ف?صبح السؤال ان كانت تلك الزوبعة مقصودة ومصوبة ضد الوزير بلا وجه حق، وحينها لم لم نسمع بان هنالك من تمت مساءلته في ذلك الخصوص حتى لا ينظر للمجلس كمؤسسة يمكن استغلالها لتصفية الحسابات، أما ان كانت بحق فلم صمت المجلس على عدم احترام رأيه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
في الشأن العام
ماكياج سياسي لتجميل وجه الحكومة وتشويه صورة المعارضة
سعاد ابراهيم عيسى
قلت في مقال سابق ان الشعب أينما يمم وجهه صفعته خيبة أمل، فكانت الصفعة الكبرى هي ما تمخضت عنه المفاوضات المتطاولة، بين الحزب الحاكم والأحزاب الطامعة في الحكم، والتي امتدت لقرابة الخمسة أشهر من اجل ان يتفق الجانبان على مشاركة في الحكومة التي حدد المؤتمر الوطني شروط المشاركة فيها، فرفضها حزب الأمة وقبلها الحزب الاتحادي الديمقراطي. وبعد لأي خرجت تشكيلة الحكومة الجديدة اسما والقديمة فعلا، كأكبر خيبة أمل لمن ظلوا يعشمون في غير ذلك. فالتعيينات التي بدأ بها الحزب الحاكم حكومته، كانت اصدق مؤشرا لما سيكون عليه الحال?بالنسبة للحكومة المنتظرة. ولعلكم لاحظتم أن إعلان هذه الحكومة، قد تم على استحياء وبصوت خافت على غير العادة في إعلان الحكومات السابقة، مما يدل على قناعة المسئولين بأنها جاءت لا كما يجب.
قيادات المؤتمر الوطني التي لا تعجزها الحيل في تبرير اى إخفاق لها، وتجميل اى قبيح، أعلنت بان هذه الحكومة، التي أبقت على شكلها ومضمونها القديم، قد ضمت أربعة عشر حزبا،ولا ندرى ان كان من بين هذه الأحزاب غير المعلومة، حزبا الاتحادي الديمقراطي الأصل الذى قبل المشاركة على علاتها، أو حزب الأمة الذى تنصل عنها وتمسكت بمشاركته حكومة المؤتمر الوطني رغم انفه. فكثرة الأحزاب هذه التي تشارك في الحكم ليست محمدة، فالحكمة ليست بالكم. ولكن بالكيف، خاصة بعد أن أكثرت الحكومة ذاتها الشكوى من ضعف الأحزاب الكبيرة والعريقة التي وصف?ها بالعجز عن منافسة حزبها، فما بالك بالأحزاب الفكه ومنها من هو مجرد لافتة أو قيادة بلا قاعدة. ففي كل دول العالم المتقدم الذى لا نمل الرجوع إليه، لا يوجد بالساحة السياسية أكثر من حزبين رئيسين، أو قد لا تتعدى جميعها أربعة أو خمسة أحزاب على الأكثر. كما ولا توجد حكومة تضم كل الأحزاب، كما تسعى حكومة المؤتمر الوطني فعله، وبالتالي تحرم حزبها من المنافسة التي تأسو على افتقار الساحة السياسية لمن يقودها بالندية معه.
اعتقد ان الدعوة التي قادها المؤتمر الوطني وبإصرار عجيب، للمشاركة في حكومته ذات القاعدة العريضة، والتي جاءت فاقدة لذلك العرض، قد أتت بما لا تشتهى سفنه. فجماهير الأحزاب التي دعيت للمشاركة، ظلت رافضة لتلك الدعوة ودون ادنى اتجاه للتنازل عن ذلك. ورغم ذلك خذلت قيادات تلك الأحزاب جماهيرها، فأقبلت على المشاركة المهزلة وقبلت بفتات السلطة الذى القي لها به صاحب اليد العليا، المؤتمر الوطني. وقد تجلى مدى رفض تلك الجماهير في غضبها خاصة شبابها، والذي أدى إلى الانفلات والخروج على المألوف من السلوك الذى عرفت به تلك الجماهي? وصل حد العنف بين من يعارضون المشاركة ومن يؤيدونها ولعل في معركة «جنينه السيد على الميرغني» أكبر دليل على ذلك. بل ولم يقف العنف عند هذا الحد، فقد وصل مرحلة الاعتداء على قيادات المؤتمر الوطني التي ينظرون إليها وكأنها المتسببة في جرجرة أحزابهم لمشاركة حزبها وبكل الطرق والسبل، خاصة الرافضين لها. ونأخذ على تصرفات هذه المجموعة التي اختارت أن «تفش غبينتها» بالحصب بالحجارة والقذف بغيرها، ورغم رفضنا لمثل ذلك المسلك غير الحضاري، فان المجموعة قد زادت الطين بله، باختيارها القيادي الخطأ من بين قيادات المؤتمر الوطني،?لتمارس فعلتها تلك عليه. وكل ذلك يدل على مدى وحجم الغضب الذى انتاب تلك الجماهير بسبب دعوة المشاركة تلك، حتى ما عادت ترى الخطأ من الصواب.
وتلاحظ أيضا، ان الأحزاب التي تمت دعوتها للمشاركة، من قبلتها وشاركت، ومن رفضتها ولكنها كتبت عند المؤتمر الوطني مشاركة، بعد ان التف عليها عن طريق آخر. قد أثار تعيين أبناء قياداتها جدلا كثيفا بين المواطنين، لم يوقفه أو يقلل من كثافته كل التبريرات التي أرسلت بها تلك القيادات، خاصة قيادة حزب الأمة. فالسيد الإمام الصادق المهدي، لا زال يرى ان تخلى ابنه عن كل مسئولياته بالحزب، قد تسمح له بالمشاركة في السلطة دون ان يؤثر ذلك على موقف الحزب منها. لكن الابن وان تخلى عن حزب الأمة، فانه لم يتخل عن حسبه ونسبه الذى لولاه ?ما تم تعيينه في موقع رفيع بالقصر الجمهوري. كما وان حزب الأمة لا زال يتوارى خلف المزيد من التبريرات التي بموجبها يخلى ساحته من نقضه للعهد بعدم المشاركة في حكومة المؤتمر الوطني. فقد صرح الإمام الصادق بأنه من حق أي عضو بحزب الأمة، متى رغب في المشاركة في السلطة أن يفعل، ولكن بصفة شخصية. وبالطبع لا يستطيع الحزب الوقوف أمام أي راغب في المشاركة أو منعه، لعلمه بأن ردة فعل ذلك الشخص هي السؤال «واشمعنى ابن الإمام؟»
والسيد الصادق لمزيد من تبرير تعيين الابن، أضاف بأن «الحزب ليست زريبة تحوش طبعا الخارجين للمشاركة». بينما نرى أن لو فتح الحزب أبوابه لكل راغب في السلطة أن يفعل، اعتقد « يا دوب» سيجعل من الحزب زريبة. والكل يعلم ان كلمة زريبة هذه، عادة ما تستخدم عند الفوضى في الدخول والخروج بلا ضابط أو رابط،. فيقال للفاعلين «فاكرينها زريبة». لكن ما أدهش الجميع تصريح سيادته بأن ابنه عبد الرحمن عندما كان معارضا للنظام، وقائدا لجيش الأمة بالخارج، كان يصدد تفجير الخرطوم بحالها. ودون ان نعلم السبب الذى جعل الابن يستدير 180 درجة ل?شترك في ذات الحكومة التي كان بصدد نسف عاصمتها؟ ومن بعد نسأل، عن ما الذى سيناله د. خليل إبراهيم، من مناصب ان قرر العودة للخرطوم مسالما بعد ان دخلها غازيا، فهل سيؤهله ذلك ليصبح نائبا لرئيس الجمهورية أم ماذا؟. فقد كدنا نصدق بان اقصر الطرق إلى القصر الجمهوري هو عبر البندقية قبل صناديق الاقتراع.
نعود لحساب الربح والخسارة للمشاركين في الحكومة الأخيرة وبأي قدر من المشاركة. مباشرة كانت أو غير ذلك. ففكرة المشاركة ذاتها قد تم رفضها من أساسها بين الغالبية الغالبة من جماهير الأحزاب المعارضة، خاصة جماهير الاتحادي الديمقراطي الأصل الذى كان الأكثر ميلا لها. وكلما استمر الجدل حولها كلما زاد الرفض لها وباعد بين الرافضين والمحبذين لها. ومن بعد بدأت بعض القيادات في الانسلاخ من حزبها والانضمام لحزب آخر، كالذين هجروا الاتحادي الديمقراطي الأصل ليلتحقوا بفرعه الاتحادي المسجل. كما وأخذت بعض القيادات الفاعلة والهامة ?ذلك الحزب في الابتعاد عنه. وقطعا ستصحو قيادة هذا الحزب بالذات، لتجد أنها قد فقدت أضعافا مضاعفة أكثر مما كسبت من تلك المشاركة. وقد لاحت بوادر تلك الخسارة في عجز الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل،عن تقديم دعم لجماهير المناصير الصامدة بولاية بنهر النيل، ورغم ان ذلك الدعم لم يكن سلاحا، فقد منعه الحزب الشريك الذى بيده المنح والمنع، من أن يفعل. فأي شراكة هذه؟ أما المؤتمر الوطني، الذى يسعده كثيرا كلما أفلح في إحداث شروخ في الأحزاب المعارضة، فهو الآخر لم يربح من هذه المشاركة، بقدرما خسر بإثارته الزوابع والبراكين ا?سياسية داخل تلك الأحزاب والتي أخذت ترسل بحممها إلى ساحته باستهداف قياداته، بدأ بالحجارة وغيرها من المقذوفات، والتي قد تتطور إلى ما هو اشد فتكا.
وليت المؤتمر الوطني يعلم بان شباب الأحزاب المعارضة، الذين يشاهدون أندادهم بالدول الأخرى، وهم يسجلون انتصاراتهم في مقدرتهم على إزالة كل الحكام والحكومات الباطشة، مستخدمين لذلك الكلمة،شفاهة كانت أو كتابة، ومن بعد يفرضون على الحكام سماعها وقراءتها. ومن الحكام من فهمها وغادر سلطته سريعا، وآخرون حاولوا غض الطرف عنها، فتم اقتلاعهم من جذورهم وقسرا. فشباب السودان يشاهد كل ذلك بينما هم مكبل بأصفاد قياداتهم الحزبية، التي لا تجعل لرأيهم وزنا أولا، ومن بعد مقيدين بقيود السلطة التي لا يسمح لهم بالتحرك ولا الفعل، حتى لل?عبير عن رأيهم في أحزابهم، ومن بعد تصفهم بالعجز، وتزيد من حنقهم عندما تصفهم بالمؤيدين لها ولسياساتها التي قيدتهم، ونخشى أن يصل هؤلاء الشباب حدا من الغبن والغضب فيخرجوا بسببه على أحزابهم، التي أصبح البعض ينظر إليها وكأنها جزء من المؤتمر الوطني يجب أن ينطبق عليها كل ما ينطبق عليه. فالحكومة وبيدها وحدها تعمل على تعبئة المواطنين ضدها، فما قيمة دعوتها للمشاركة وهى تعلم بأنها لن تسمح بها فعلا، كالذي فعلته مع شريكها الحزب الاتحادي الديمقراطي ومنع قافلته من ان تصل مقصدها للمناصير، فأحرجته أمام جماهيره أيما حرج. كم?
وأحرجت مساعد الرئيس ابن الميرغني الذى تأبط ملف المناصير لمعالجة مشاكله فكانت البداية إضافة مشكلة. وشباب المؤتمر الوطني ذاته لم يكن أفضل حالا من شباب الأحزاب الأخرى. فقد أعلن هؤلاء الشباب وفى نهاية مؤتمرهم الأخير، بأنهم قد وفقوا في إقناع قياداتهم بجعل سن التقاعد السياسي لا تتعدى الستين عاما. كما أعلنوا بأنهم طالبوا بأن يصبح لهم في الحكومة الحالية نصيبا مقدرا من مقاعدها. فإذا بالتشكيل الوزاري يخيب آمالهم هم أيضا وفي الجانبين. فلا المؤتمر الوطني تقيد بسن المعاش لسياسيه، ومنهم من بلغ من العمر عتية، ومن بعد تمت أعادت تعيينهم، بل واستعانت حكومة ولاية الخرطوم بالمعاشيين حتى من خارج تشكيلتها القديمة. كما وان م?ح الشباب نصيبا أوفر في المقاعد الوزارية، لم نجد له وجودا، لان الحكومة الجديدة هي ذاتها القديمة مع بعض التعديلات التي أدخلت عليها لصالح الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فلا هي حسنت من صورة الحكومة القديمة، ولا حمت الاتحادي الديمقراطي الأصل من تشويه صورته بين جماهيره التي تمردت عليه بسببها. ونخشى ان تكون الحكومة قد رأت في تعيين نجلى الإمام الصادق والسيد الميرغني ما يكفى تمثيلا للشباب.
أما آخر صيحة لمآخذ الحكومة الجديدة، هي إقبالها على زيادة طينها بله. فوزارة المالية بوزيرها القديم بدأت أولى خطوات مشوارها الجديد، بتبشير المواطنين برغبتها في زيادة سعر البنزين، والذي أعلنت من قبل نفى إشاعة تلك الزيادة. وبهذه البداية غير الموفقة، تعمل الحكومة على دفع المواطن دفعا للوقوف ضدها بعد ان تضاعف من ضيق الحياة التي حشرته فيها، وقد نبه رئيس اتحاد نقابات العمال من مغبة هذه الزيادة وآثارها الكارثية على العمال وغيرهم. أما الحديث عن قصة الاحتجاجات التي قيل بأن بعضا من أعضاء المجلس الوطني قد أثارها في هذا?الخصوص، فمن ذا الذى سيثق في انه باستطاعة هذا المجلس تغيير أي شيء ترغب السلطة في تنفيذه؟. ولا أظن أن المواطنين قد نسوا الضجة التي أثارها ذات المجلس حول التقاوي الذى وصفها بالفاسدة، ومن بعد محاولته دفع وزير الزراعة للاستقالة «كمان» بسببها. فاستهزأ سيادته بهم وشبه ضجتهم تلك «بالكلام الفارغ» وقد برهنت الأيام أنها كذلك. فوزير الزراعة الذى «فلقونا» بالحديث عن فساد يتصل بوزارته بسبب فساد تلك التقاوي، تم تجديد الثقة فيه من قبل الرئاسة ليظل وزيرا في ذات وزارته، بتقاويها الفاسدة ان كان المجلس صادقا، أما ان كاذبا ف?صبح السؤال ان كانت تلك الزوبعة مقصودة ومصوبة ضد الوزير بلا وجه حق، وحينها لم لم نسمع بان هنالك من تمت مساءلته في ذلك الخصوص حتى لا ينظر للمجلس كمؤسسة يمكن استغلالها لتصفية الحسابات، أما ان كانت بحق فلم صمت المجلس على عدم احترام رأيه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
أنصار «الوطني» والبحث عن حائط مبكى
خالد التجانى
ربما كان الوحيدون الذين فوجئوا وصدموا حقاً ب»إعلان التشكيل الوزاري الجديد- قديم» بعد مخاض عسير وولادة متعثرة هم غلاة ومؤيدو المؤتمر الوطني الذين ظنوا أن تطاول أمد تصنيع «حكومة الجمهورية الثانية» يحمل لهم أملاً ولو ضئيلاً في الإصلاح والتغيير الذي طالما تمنوه، بل وطفق كبار قادة الحزب يبشرونهم به منذ مطالع هذا العام الذين حمل لنا أكبر خيبات الوطنية بتقسيم البلاد، في وقت أطلت فيه على شعوب المنطقة آفاق الحرية والانعتاق والتحرر وانفتحت أمامهم طاقات الأمل في غد أفضل وقد دارت عليها نسائم الديمقراطية.
لم يفاجأ المرء بما حدث سوى أنه لم يتوقع أبداً أن «المؤتمر الوطني» سيكون عند حسن سوء الظن به إلى هذه الدرجة!! ليست المشكلة على الإطلاق فيمن تم توزيرهم، أو بالأحرى إعادة توزيرهم، وبينهم أصدقاء أعزاء كثر تلزمني العلاقة الشخصية أن أبسط لهم التهنئة الخالصة والدعاء بالتوفيق وأخلص لهم النصح، بيد أن أخطر ما كشفته عنه هذه الخطوة، التي انتظرت طويلاً، أنها تبين المدى الذي وصلت إليه حالة الإرهاق غير الخلاق ل «العقل السياسي» ومدى تدهور «الحساسية السياسية» عند « الطبقة الحاكمة». فالمبررات التي سيقت لتمرير التشكيلة الحال?ة ليست مقنعة حتى لمروجيها. ناهيك عن الاضطراب والارتباك الواضح الذي رافق الإعلان عنها.
وتشكيل الحكومة، أي حكومة، هي عملية سياسية بإمتياز تعكس بلا شك مدى التطور، أو التدهور لأي نظام سياسي، فهي ليست مجرد تمرين خامل لتحريك قطع الشطرنج، أو عملية ترقيع أو ترتيق كحال «شملة كنيزة الثلاثية ذات القد الرباعي»، بل يجب أن تفصح عن رسائل سياسية بليغة يفهمها عامة الناس كما يدركها خاصتهم، خلاصتها أن عليكم أن تنتظروا غداً أفضل ليس بشعارات فضفاضة مما تلوكه ألسن قيادة «الطبقة الحاكمة» بلا طعم أو لون لأكثر من عقدين، ويعيد إنتاج الأزمة الممسكة بخناق البلاد بلا أمل، بل ببرنامج سياسي للإصلاح والتغيير جرئ واضح الم?الم، وبعدة من جهاز تنفيذي قوي أمين قادر على تحقيق ما تعد به من إصلاح.
رسالة «التشكيل الحكومي» الأخير التي التقطها، منسوبو المؤتمر الوطني قبل خصومهم، هي ألا تحلموا بغد أفضل، وهو حكم لا نعتسفه تبكيتاً على الحزب الحاكم أو بغرض إثارة عكننة قادته أو الافتئات عليه، فهم يعرفون ردة الفعل المحبطة لقاعدتهم أكثر من غيرهم، ولا يحتاجون لإجراء قياس رأي عام علمي لإدراك ذلك. والرسالة الآخرى التي وصلت هي ذلك الاكتشاف المتأخر لمنسوبي الحزب الحاكم بأن «ثوابت الإنقاذ» التي طالما بشروا بأنها ستظل باقية أبد الدهر ليست هي تلك «الشعارات البراقة» المرتدية لباس الإسلام التي ظلوا مستعدين للتضحية بأنفس?م من أجلها، حيث اكتشفوا ان «ثوابت الإنقاذ الحقيقية الوحيدة» هي أعضاء ذلك «النادي المغلق» لطبقة سياسية جديدة تشكلت بعد الإنقلاب احتكرت السلطة والقرار والتحكم في مصائر البلاد والعباد لعقدين من الزمان بلا محاسبة ولا مساءلة ولا معقب لما يحكمون، لأن عامة وخاصة من يتحدثون باسمهم آثروا الجلوس على مقاعد المتفرجين، والاكتفاء بالتحسر والبكاء على أطلال المشروع الإسلامي والنميمة السياسية في صوالين المدينة، فيما آثر آخرون الانخراط في لعبة السلطة بلا «هدى أو كتاب منير» ويا دار ما دخلك شر!!
لندع جانباً بكائيات «إسلاميي المؤتمر الوطني» على فقدان أملهم، ورقة حالهم التي لا تسر عدواً ولا صديقاً، والتي ما كنا لنشير إليها لولا أنهم طفقوا يبحثون عن «حائط مبكى» يبثون شكواهم ونجواهم عند من يظنونهم من «ذوي الشوق القديم»، والعجيب أن بعض الباحثين عن النجوى من ذوي الشأن حتى يحار المرء في حالة هذا الحزب ويثير الشفقة عليه من مصير بئيس وقد بلغ به الحال أن كثيراً من منسوبيه يلعنونه سراً، ولا يجدون حرجاً في الدفاع عنه بألسنة حداد علانيةً. فما أغنى المؤتمر الوطني عن الوقوع في هذه الورطة لولا أن قادته أسرفوا، غداة اشتعال غضب شباب الربيع العربي، في بذل الوعود بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد لطائفة من شباب الحزب الذي انبروا في مواجهة نادرة مع قادتهم يستحثونهم لإدراك مركبهم من الغرق في لجة الثورة التي أغرقت نظماً عريقة في المنطقة أشد باساً وأكثر علواً وأغنى عدة وعتاداً مما لم يغن عنهم شيئاً.
وأكبر مأزق يواجه قادة «المؤتمر الوطني» أنهم تراجعوا من تلقاء أنفسهم عن الوفاء بوعود براقة بذلوها لقاعدتهم، تبرعوا بها أو أجبرهم عليها الإنحناء للعاصفة، فإذا جاءت ساعة الحقيقة لم يكد شيئاً منها يتحقق، فلا تجديد في شرايين الحزب قد حدث، ولاشئ من الوعود المغلظة من قبيل عدم توزير من مضى عليه أكثر من عشر سنوات في المنصب، أو فاق الستين من العمر، أو تلك الحكومة الرشيقة الموعودة اللهم إلا إذا استغاثت بالوصف الشعري الشهير «هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة»، ولا شئ من الوعد بمحاربة الفساد الذي تسير به الركبان وأصبح مؤسساً ومق?ناً وتفضحه «الدنانير التي أبت إلا ان تطل برأسها»، ومع ذلك تغابت عنه أو عادت تنفي حدوثه اصلاً أو في أحسن الأحوال تكتفى بمحاربته بالتصريحات الصحافية القاطعة التي لم يرها أحد تبتر شيئاً، حتى ضاقت بها صفحات الصحف، ونشط في النشر عن فضائحها والتنديد برائحتها التي تزكم الأنوف حتى بعض غلاة مؤيدي الحزب الحاكم. لقد استعصت الإجابة السهلة على سؤال محاربة الفساد البسيط لأن سؤالاً أكثر تعقيداً لا إجابة ممكنة له بلا توابع زلزالية قد برز «من يحاسب من؟»!!
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه لماذا يبدو «المؤتمر الوطني» عاجزاً إلى هذه الدرجة عن الوفاء بتعهدات قطعها قادته على أنفسهم علانية، ولا يمكنهم التنصل عنها بدون أن يقدموا أجوبة مقنعة لشباب الحزب المتململ، ولعامة منسوبيه ممن يرون التغيير والإصلاح يجتاح المنطقة، ثم يقفون متفرجين حائرين خشية أن تجتاحهم غائلة الربيع العربي من حيث لا يحتسبون، وما تصريحات مسؤولي الحزب المتواترة والملحاحة من أنهم محصنون ضد موجة الثورة العربية، أو ذلك التبرير المهزار من أنهم مخترعوها قبل عقدين، إلا دليل على قلق عميق ينتابهم، وانعكاس ?خشية حقيقية من أن تدق أبوابهم على حين غرة بغير استئذان.
من المؤكد أن قادة «المؤتمر الوطني» ليسوا أغراراً ومدركون بلا شك أن الحاجة للتغيير والإصلاح أصبحت قدراً لا دافع له ومسألة وقت لا أكثر، ليس بدافع من محاكاة تيار الثورة الجارف في المنطقة وهو بلا شك عامل شديد التأثير، ولكن لأن هناك حاجة حقيقية لذلك تقتضيها التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وهي ليست مخاطر جديدة ولكنها ظلت تتفاعل طوال عهد الحكم الحالي لأنه آثر أن يتعاطى معها لا بمنطق حسن السياسة ولكن بمنطق الاستبداد الذي قدم له عبد الرحمن الكواكبي تعريفاً مذهلاً «إدارة الشأن ?لمشترك للأمة بمنطق الهوى»، ولم يكن تقسيم البلاد وفصل الجنوب إلا القشة التي قسمت ظهر البعير.
يدرك قادة الحزب نظرياً بأن الحاجة للتغيير حقيقية وماسة ولا راد لها مهما ادعوا غير ذلك، ولكن مع ذلك يقفون عاجزين مكتوفي الأيدي لا يستطيعون سبيلاً حتى إلى تحقيق ولو درجة محدودة ومقبولة لقواعده، وقد رأينا كيف أن المؤتمر الوطني اصبح عصياً على الإصلاح أو حتى لا يمكن إصلاحه مما جرى في مؤتمره العام الأخير الذي كان يظن أنه سيفعل شيئاً ولو محدوداً على طريق الإصلاح، خاصة وأنه اول انعقاد له بعد التقسيم ومخاطر التمزق التي تهدد ما بقي من البلاد وإعادة إنتاج الحرب وتبدد معادلة «الانفصال مقابل السلام» وأوضاع اقتصادية لا ?حسد عليها، لقد تجرأت بعض نخبته على الكتابة علانية في الصحف السيارة داعية للمراجعة والتغيير وراحت دعواها سدى، إن لم تكن قمعت، وبقي الحال على ما عليه وربما أسوأ وقد انقطع الرجاء والأمل.
وثمة حاجة لإعطاء تفسير لحالة العجز ليس فقط عن الإصلاح، بل عدم القدرة على التطور، والأهم من ذلك الفشل حتى في الإدارة التنفيذية لدولاب الدولة الذي يشهد تراجعاً خطيراً غير مسبوق مما يلمسه المواطن بغير عناء في ما يليه، فالأداء السياسي والتنفيذي للحكم الحالي متواضع بدرحة لا تتسق إطلاقاً مع ما يفترض من تراكم خبرة وتجربة لحزب أمضى أكثر من عقدين قابضاً على زمام السلطة منفرداً، وقد توفرت له فرصة كافية للدربة والتمرس في إدارة شؤون الحكم على نحو يكسبه رضاء مواطنيه، ويبعد عنه سخطهم، ولكن المفارقة أنه بعد عشرين عاماً ل? يزال الحكم مفتقداً لرجال دولة من ذلك الطراز الذين يدركون عظم مسؤوليتهم ومحورية الدور الملقي على عاتقهم ليس فقط لإطفاء الحرائق، ومعالجة الأزمات بل قيادة بلدانهم إلى أرفع المراتب بين الأمم.
تتلفت حولك فلا ترى بعد أكثر من عقدين أن اسلوب الحكم الوحيد المعتمد هو الاستمرار في إدارة شؤون الحكم بالشعارات والتعبئة والحشود والمهرجانات والمؤتمرات والهتافات، ولا تتقن سوى اسلوب شراء الوقت والهروب المستمر إلى الأمام من أزمة إلى أخرى، قد يكون ذلك مفهوماً في أول سنواته في الحكم وهو يبحث عن تثبيت موطء قدمه ويحاول تعلم فن إدارة الدولة والحكم، لنقل خمس أو حتى عشر سنوات كانت كافية لذلك، ولكن لا يمكن أن يظل الحال كذلك لعشرين عاماً ونيف، ولا يمكن لدولة أن تتقدم بدون مؤسسات حكم حقيقية قوية وفاعلة.
لعل التشخيص الدقيق لحالة المؤتمر الوطني تشير إلى أنه يعاني من «متلازمة أمراض خلقية» أي انه أسير لطبيعة النظام الذي ولد ولادة غير طبيعية بانقلاب ظاهره عسكري وباطنه مدني، فقد تلاشى تنظيم الحركة الإسلامية الذي كان مقدر له أن يضبط التناغم بين المكونين العسكري والمدني للنظام حين حله زعيمه واستبدله بطائفة من خلصائه، تحولت إلى طبقة متحكمة ما لبثت أن أطاحت به في نزاع مشهود، وغابت الفكرة وضاع المشروع وتاه الإسلاميون، واحتكرت الطبقة الجديدة «لعبة السلطة» صنعت مؤسسات صورية، إلا أنها ظلت أسيرة توازن الثنائية الباطنية ?لتي انجبت النظام وتوزعت مراكز قواه بين العسكريين والمدنيين، وتعددت بين المدنيين أنفسهم، وفي غياب رؤية كبيرة جامعة ومشروع طموح لم تبق إلا لعبة البقاء في السلطة، لقد خلقت حالة تعدد الأقطاب داخل المؤتمر الوطني وتباين مطامحها صراعاً خفياً على السلطة يعلو حيناً ويخفت حيناً حسب حالة توازن قوى ريثما تتوفر ظروف كتلك التي أطاحت بالترابي لتعديل الموازين لصالح هذا الطرف أو ذاك، لقد جعلت هذه الطبيعة المركبة للنظام أي محاولة للإصلاح غير ممكنة، لأن كل طرف ينظر إليها إن كانت ستعزز نفوذه او تكون خصماً عليه، ولأن حالة تواز? الاقطاب لا تزال سائدة فقد كانت النتيجة هذا الجمود، ولذلك كان طبيعياً أن تبدد آمال الذين كانوا ينتظرون تغييراً أو إصلاحاً تعبر عنه التشكيلة الوزارية الأخيرة.
ولأن السياسة لا تعرف الجمود ولا الفراغ يبقى الاحتمال ضئيلاً في استمرار حالة التوازن الراهنة هذه لأمد طويل سواء جراء عجز الحزب الحاكم عن مخاطبة التحديات الخطيرة التي تواجه الحكم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتبعاتها وتداعياتها المحتملة لان تكتيكات التعاون بين الفرقاء على الحد الأدنى للحفاظ على السلطة لن يكون كافياً، أو بسبب ضغوط وتدخلات دولية لإعادة ترتيب «البيت السوداني من الداخل» في ظل ضعف القوى الوطنية، خاصة وأن تأثير تبعات حالة السيولة القيادة في الحكم سيمتد إلى المنطقة برمتها، ولعل التطورات المثيرة التي?رافقت زيارة الرئيس البشير إلى الدوحة اخيراً تفصح عن مؤشرات غاية في الأهمية في قراءة اتجاهات التحولات المنتظرة في البلاد في المستقبل المنظور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
النظام اللقيط ..
بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
تنويه:- هذا العنوان ليس المقصود به العنف اللفظي،أو سببه قلة في الأدب أو تطاول حسب لغة النقاش السائدة هذه الأيام.هذا عنوان يمثل مطالبة فكرية،وسياسية، وقانونية صادقة باثبات نسب هذا النظام الجاثم علينا.ماهي مرجعيته؟وماهي القيم والمبادئ التي يستند عليها في حكم البلاد؟وماهي الشرعية التي تحصل عليها منذ الانقلاب؟ فالنظام لا يمتلك شرعية دستورية لأن الدستور ليس قوميا ولم تقره أي جمعية تأسيسية منتخبة.وليست لديه شرعية شعبية لأن الانتخابات مزورة ولكن الاحزاب والقانونيين تقاعسوا عن الوقوف في المحاكم لكشف التزوير.وليست لديه شرعية ثورية لأنه جاء عن طريق الإنقلاب والتآمر ليلا،وليس ثورة شعبية مثل ثورة اكتوبر 1964 أو أبريل1985.
ماهي الايديولوجيا التي ينتسب اليها؟هل هي إسلامية؟ليبرالية؟ اشتراكية؟ رأسمالية؟ يدعي الإسلامية،ولكن- ولهذا استحق صفة اللقيط-لان كل الاحزاب الإسلامية تبرأت منه مثل التبرؤ من الأجرب.وقد غضب(راشد الغنوشي)صديق وصهر الاسلاميين السودانيين ،حين سئل عن امكانية تكرار التجربة السودانية في تونس،كان رده:-"ذلك هو المشروع الإسلامي في السودان؛ هو امتداد لعجز أصيل في تاريخنا السياسي، العجز عن إدارة الاختلاف سلمياً والمسارعة إلى سيف الحَجاج، أو أدوات الدولة العنفية والإقصائية لإقصاء الآخر". وفي تعليق علي فوز الاسلاميين في المغرب ومصر،يكتب(خالد الخروب):-"وعلى رغم أن تجربة الاسلاميين العرب في الحكم ليست مشرقة، على الأقل في الحالتين اللتين شهدناهما في السنوات الماضية في السودان وغزة، إلا أن ذلك لم يقلل من التأييد الشعبي لهذه التيارات." أما في مصر،يغضب الاخوان المسلمون-الحرية والعدالة،بل يشعرون بالإهانة حين تقارنهم بالتجربة السودانية.بحكم العادة المصرية بالاضافة للرغبة في البعد عن تجربة الانقاذ.و لم يقدم الإسلامويون السودانيون نموذجا وقدوة لبقية الإسلاميين،بل صاروا مصدر حرج كبير لأي دعوة إسلامية للحكم.واثبتوا انهم ناجحون في المعارضة ولكنهم حكام فاشلون. هل لديكم – أيها الإسلامويون السودانيون الحاكمون- أي شجرة نسب تثبت انتماءكم للإسلام أو الفكر الإسلامي؟هل لديكم أي وثيقة فكرية أو سلوك يسمح لكم بادعاء القربى للحركة الإسلامية؟ لا اعتقد،أما أنا فلديّ الأدلة والحيثيات الدامغة.
(1) تتأكد حقيقة أن أن هذا نظام لقيط ،مواجهة المهندس الشاب محمد حسن،لمٌنظر ودرع النظام نافع علي نافع.فإذا كان محمد البوعزيزي قد احرق نفسه- شجاعة وفداءأ كشرارة للحرية؛ فقد أحرق محمد حسن رمزا للطاغوت وعنجهية النظام،فبهت نافع الفصيح المسيخ ولم يرد واكتفي بلحس كوعه فقط! لأن هذا النظام لقيط لأنه فاسد بامتياز،ولم يفعل (محمد) شيئا غير ذكر هذه امام الملأ وفي مواجهة فاسد مباشرة. وهذا النظام ليس سودانيا ولا إسلاميا،لأن الفساد عيب سودانيا وحرام إسلاميا،ومع ذلك ولغ النظام فيه بلا رادع ولا ورع.فصار قائما علي ايديولوجيا الفساد فقط، والذي اصبح دينه الجديد.وتقول الرواية الشعبية ان محيي الدين بن عربي قتل لقوله لبعض المسلمين: معبودكم تحت قدمي. فهجموا عليه وقتلوه ولكن بعض المشككين حفروا مكان قدميه فوجدوا كنوزا من الذهب.
فالنظام يجمع المؤيدين علي دين المال والذهب ،وايديولوجيا الفساد.وهم لا يكتفون بفسادهم ولكنهم يحرصون كثيرا علي افساد الآخرين بقصد تعميم الفساد ليكون ظاهرة منتشرة وعادية وليست سلوكا شاذا ومدانا.فالجالسون علي كراسي السلطة لا يجمع بينهم أي فكر أو عقيدة أو دين(تابيتا بطرس) ولكن يوحدهم اللحاق بما تبقي من الامتيازات والتمرغ في وحل الفساد.فالقادمون الجدد لا يتميزون بكفاءات مبهرة ولا قواعد شعبية ولا حزبية بل هم انشقاقات عن انشقاقات (مسار ونهار مثالا).فهي ليست مشاركة في السلطة والحكم بل مشاركة في الفساد.فهم لا يستطيعون ولا يريدون الحكم لأن الانقاذيين يعتبرونهم اجراء لا شركاء-حسب القذافي.كلنا يتذكر كيف كانت مشاركة الحركة الشعبية رغم انها جاءت من فوهة البندقية ومن ضمانات اتفاقية السلام الشامل.فالنظام يدرك تماما أن أي مشاركة حقيقية هي مقدمة لتفكيك النظام وهذا كما عبر عنه احد الانقاذيين انتحار ذاتي.وعلي القدامي والقادمين ان يحمدوا ويشكروا وان يكرروا دعاء ركوب السلطة:سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.
وأخطر ما في الظاهرة هو تواطوء شخصيات حاكمة توصف بأنها نظيفة اليد بمعني لا تختلس ولا تسرق ولكن لا تمانع في الوجود داخل حكومة واحدة مع فاسدين ولا يطالبون بمحاسبتهم ليظلوا افضل منهم!منتهي الخبث واللؤم وتوريط لمن يرغب في مزيد من الانحطاط.كيف نفهم جلوس طاهرين وشرفاء مع ملوثين،الساكت عن الحق شيطان أخرس.نعلم بوجود ساقطين في النظام اللقيط ينطبق عليهم قول طه حسين عن جهل الورداني-مع التحوير-:ساقط رضي بسقوطه ورضي سقوطه، لماذا يتمسك الطاهر والنبيل بالملوث والسافل في نظام واحد؟هذا سؤال يحتاج الي اجابة شافية للتأكد من صدق الطهارة وأنها ليست تمثيلا فقط. فالفساد لا يحتاج لسيوف-كما قال علي عثمان- بل فقط لقوانين رادعة وقدر من الصدق والجدية وارادة حقيقية لمحاربة الفساد.وهذا الاستخفاف بمشكلة الفساد تتسبب في استمراره المعارضة فهي تمتلك مئات المحامين الديمقراطيين الذين عجزوا عن القيام بمبادرة تلاحق الفاسدين والمفسدين.وبامكانها تفعيل تقارير المراجع العام فقط.
(2) يتهم النظام أي معارض له بالعلمانية والدعوة لفصل الدين عن الدولة.ولكنهم كاسلاميين حاكمين فصلوا الدين عن الدين أي روجوا لدين شكلي ومظهري وطفيلي بقصد اماتة أو إضعاف الدين الحقيقي.هناك حديث كثير عن الدين القصد منه افراغ الدين من مضمونه وتقديم صورة مشينة للمتدين وبالتالي تنفير الناس بالذات الاجيال الجديدة عن الدين.وللمفارقة اقبال الشباب غلي الصوفية والسلفية،فقد رأوا دينا طفيليا تحكم افراده شهوات البطن والفرج والسلطة والمال.فقد اقصوا الدين الذي تكون وظيفته تنمية الضمير والاخلاق الانسانية .وفي نفس الوقت ابعدوا اخلاق الاخوة لتحل مكانها اخلاق التنافس والحقد والعنصرية.ومن مظاهر فصل الدين عن الدين الحق،الصاق خزعبلات وخرافات من السياسة والمعتقدات الشعبية، وحتي اغاني الحماسة والدلوكة،والمديح بالجيتار.وكادوا أن يجعلوا تعدد الزوجات فرضا أو ركنا سادسا من اركان الإسلام خاصة لو كانت تصغرك باربعين عاما.ومن مظاهر تخليف الدين أي جعله متخلفا، العودة للقبلية في دولة تدعي الإسلام وتطبيق الشريعة.ومن أجل اضعاف الاحزاب السياسية عادت الادارة الاهليةوسميت القيادات التقليدية بالامراء وتم ترفيعهم الي مواقع احتماعية وسياسية تمكنهم من السيطرة محليا.ومن انماط فصل الدين عن الدين،تحويل أي صراع سياسي الي آخر ديني مما يعرض الدين للابتذال والافساد.وقد انتقل الفساد المستشري في السياسة الي الدين ايضا.والنظام ينفي عن نفسه كونه دولة ثيوقراطية أو دينية،وهو محق ففي الدولة الدينية المسيحية الدين أو الكنيسة يوجه الدولة وتتدخل فيه.ولكن دولة الانقاذ اللادينية في جوهرها توجه إن لم نقل توظف الدين.فالدين لا يسيطر عليها بل هي التي تسيطر علي الدين وتقوم بتجريفه. (3) ادي فصل الدين عن الدين الي ما يمكن تسميته علمانية مستوحشة وهي كذلك لانها ابعدت العقلانية عن العلمانية واخذت منها ماديتها فقط.فقد عملت الانقاذ بطريقة منهجية تدمير الروح، وتفكيك ما يجمع الناس من وشائج نبيلة أو ما اسميه حيونة الانسان أي تحويله الي مجرد غرائز وباحث عن لقمة العيش فقط.كما يقدم قادة الانقاذ نموذجا للكيان الاستهلاكي والمترف ،ومظاهر ذلك واضح في المباني الشاهقة والسيارات الضخمة ،والاثاثات،وحفلات الزفاف،والسفر وغيره.ومن أوضح أوجه غلبة المادية علي الروحية في عقل وفلسفة الاسلامويين،الحديث عن الانجازات.فهم يتفاخرون بانجازات بعيدة عن الروح والثقافة.فمثلا تقول مارأيكم في اطفال المايقوما؟يرد عملنا كوبري المك نمر.او تتحدث عن إجلاس التلاميذ في المدارس،يقولوا استخرجنا البترول.والسؤال يعود:هل تم صرف دخل البترول علي التعليم والصحة ام علي الامن؟وهكذا لا يفاخر النظام الاسلاموي باي منجز يتعلق بالروح.فهم لا يتحدثون عن مجتمع المعرفة ولا عن تزايد الحريات،ولا عن الصدق أو العدل.
تتمثل علمانية الاسلامويين المستوحشة في براقماتية بلا ضفاف ديدنها الكذب المطلق،والخداع غير المحدود منذ الذهاب الي السجن والذهاب الي القصر.ويتطلب الأمر قدرا كبيرا من التميثل ومسرحة السياسة الدينية،وآخر العروض كان تمثيلية اسقاط قرار دعم البنزين في البرلمان"الحر" دون تقديم بدائل أي كيف سيغطي العجز؟وكانت المسرحية من اخراج غازي صلاح الدين ،كان يعتبر خيار ام الخير أو آخر الرجال المحترمين قبل المسرحية.وفي نفس الاسبوع اسقط البرلمان اقتراحا من نائبة يقضي بخفض مستحقات النواب مساهمة في تخفيف الأزمة الاقتصادية. (4) يتبرأ الاسلاميون العرب من الاسلاميين السودانيين لأن نظام الانقاذ في السودان عجز عن تقديم اسلام العدالة والكرامة والحرية والاستقلال بل مارس مسرحية معاداة امريكا التي دنا عذابها ثم قدم للمخابرات الامريكية، قوائم كاملة باسماء الاسلاميين النشطين والمعارضين الذين"استجاروا" بالدولة الإسلامية،أو الذين شاركوا في المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي"المناضل" ضد الامبريالية. وهذه الايام ينبطح النظام بصورة كاملة تحت الولايات المتحدة من أجل رفع العقوبات ليواجه الأزمة الاقتصادية.وعلي المستوي الاقتصادي كان الخيار الرأسمالي هو الكاسب.والاقتصاد الاسلامي نتج عنه ما هو اسوأ بمراحل من النظام الربوي من استغلال وفساد ،ويشهد علي ذلك سجناء الشيكات والمرابحات الذين تمتلأ بهم السجون.النظام السوداني- سياسيا واقتصاديا نسخة مشوهة لاردأ ما في الرأسمالية الامريكية والاستبدادات الشرقية.ويريد من هذا الخليط أن يقدم الاسلام الامريكي أو الإسلاموبيرقر .فهو نظام راسمالي،استهلاكي وفي نفس الوقت قمعي،وضد الحرية لا في الاقتصاد ولا السياسة ولا الحياة.فهو يبعث اسلام (يزيد)في القرن الحادي والعشرين مما يضاعف من احراج الحركات الإسلامية الصاعدة التي تسعي للتكبف مع متغيرات العصر وبالذات الديمقراطية والحريات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
صناعة المشاكل وعدالة التوزيع.. مواقف المواصلات مثالاً
سعاد ابراهيم عيسى
قرر المسئولون بمطار هيثرو بلندن ان تتوقف حركة هبوط وإقلاع الطائرات منه عند الساعة الثانية عشرة منتصف الليل وان تستأنف عند السادسة صباحا. سبب هذا القرار استجابة لشكوى المواطنين ممن تقع مساكنهم بالقرب من المطار وما تسببه لهم حركة إقلاع وهبوط الطائرات من إزعاج يحرمهم من حقهم في نوم هادئ. ليس ذلك فحسب، بل وبسبب تأكدهم من ان الإزعاج لم يقتصر على المواطنين وحدهم، بل تعداهم ليصيب حتى (الكلاب) وبنوع من الذعر لم يكن مألوفا، تم أخذه في الحسبان أيضا. نقول ذلك لندلل على تقدير واحترام رأى المواطن وحقوق الإنسان وغيره م? مخلوقات الله، وكيفية تقديم مصالحهم على كل ما عداها. فتوقف حركة الطيران لست ساعات يوميا بذلك المطار، قد تفقد السلطات المعنية الملايين من الجنيهات الإسترلينية، لم تكن عزيزة في نظرهم على التضحية بها من اجل خاطر ومصلحة المواطن. ولا نذكر بمطار الخرطوم الدولي الذى قبع في حلق المدينة، حيث تهبط وتقلع الطائرات به ومنه وعلى بعد أمتار من مساكن المواطنين، وبعد خطوات من سقوف منازلهم ورؤوسهم، وعلى امتداد ساعات اليوم، عليهم تحمل ضجيجها والصبر على مخاطرها، فقد سقطت إحدى الطائرات بأحد المنازل بامتداد الدرجة الثالثة كانزا? لخطورة موقع المطار وسط الأحياء السكنية، ولا زلنا في انتظار نهاية مسلسل المطار الجديد.
عندما قررت حكومة ولاية الخرطوم، في وقت مضى، ان تعمل على نقل موقف مواصلاتها من موقعه بالقرب من أبو جنزير والسوق العربي وبالقرب من مؤسسات الدولة المختلفة، وهو المكان الصحيح والمناسب لها، إذا كان ولابد من موقف لمواصلات داخلية، قررت ونفذت دون اخذ رأى احد، فانتقلت بها إلى الموقع غير المناسب والخطأ بمنطقة جاكسون، حيث سكن المواطنين وما يمكن ان تسببه لهم زحمة ولخمة المواصلات من مشاكل، قد يكون أقلها ضررا ضجيج السيارات والبشر. فقد كتبنا وكتبت الكثير من الأقلام حتى جف مدادها، حول ذلك الأمر الذى سعى لعلاج مشكلة فخلق ?كثر من مشكلة. ولا حياة لمن تنادى. أما التبريرات التي ساقتها سلطات الولاية لضرورة ذلك الفعل الانفرادي، فإنها لا تخرج عن التحوطات الأمنية التي تحمى سلطتها وتريحها من احتمالات زعزعتها، بسبب وجود مثل تلك الكتل البشرية وبالقرب من أماكن يمكن ان تضاعف من أعدادهم وما في ذلك من خطورة عليها. فالسلطة اتخذت قرارها ذاك لصالح أمنها وحماية سلطتها، بصرف النظر عن أمن وسلامة المواطن.
وتقدمت الولاية خطوة أخرى في محاولتها لمعالجة مشكلة مواصلاتها، فأنشأت لها موقفا خاصا وهو موقف كركر، الذى أثارت عملية تشييده الكثير من اللغط خاصة حول الأموال الهائلة التي صرفت عليه، والأخطاء التي لازمته، مما عطل تاريخ افتتاحه أكثر من مرة. وقد كشفت أمطار أول خريف بعد افتتاحه، عن تلك الأخطاء. عندما غرق الموقف حينها في (شبر موية) قبل ان ينتقل للمرحلة التالية عندما غرق في برك المياه التي اختلطت بالصرف الصحي، فجعلت من الوصول إلى المواصلات بداخله مشكلة. هذا الموقف الذى قصد منه علاج مشكلة تجمهر المواطنين وخطورت?ا على أمن الولاية، قد عزز من تلك المشكلة. فقد أصبح بجماهيره المحتشدة داخله والمتجهة إليه من كل حدب وصوب، أفضل نواة لأي تجمع جماهيري، خاصة إذا التأمت معه جماهير الجامعات المجاورة له فيصبح مهددا امنيا بحق وحقيقة، ليست للولاية ولكن للحكومة ذاتها، وربما لهذا السبب رأت سلطات الولاية ان تبطل مفعوله بالانتقال به أو ببعض من جماهيره إلى موقع آخر، تقرر أن يكون غرب جامع شرونى بالخرطوم 2. فالمواصلات الداخلية بكل دول العالم لا مواقف لها تتكدس بداخلها وسائل المواصلات ويسعى المواطنون إليها من مختلف الاتجاهات فيتسببوا بموجب ذلك في التجمهر الذى يخشاه المسئولون فالمواصلات الداخلية جميعها تعتبر مواصلات دائرية لا تتوقف عند الموقف المحدد لها، إلا بعد انقضاء ساعات عملها اليومية كانت في منتصف الليل أو غير ذلك. وقلنا أكثر من مرة ان تكدس المواصلات بمواقف محددة ومطالبة المواطنين بالذهاب إليها، يعني مضاعفة مشاكلهم، إذ ربما يحتاج الأمر للبحث عن وسيلة مواصلات أخرى تحملهم إلى الموقف، أو ان يتكبدوا مشاق السير?إليه راجلين، بينما الوضع الطبيعي هو أن تذهب المواصلات إلى المواطن بالقرب من مسكنه لا ان يذهب المواطن إليها حيثما تقرر السلطات موقفها.
الذين زاروا المملكة المتحدة قطعا شاهدوا وسائل مواصلاتها المتمثلة في قطارات الأنفاق، والتاكسي أو المينى كاب، ثم البصات ذات النسق الواحد والتي تتم مشاهدتها أينما حللت، وبجانب ذات مواقفها وخطوط سيرها، التي لم تتغير ومنذ نشأتها وليومنا هذا. هذه البصات هي التي تعمل بطريقة دائرية فعلا. حيث تستمر في دورانها بالطرق المحددة لها ذهابا وإيابا، حتى الوقت المحدد لها مساء، وحينها فقط تتجه إلى مواقفها المحددة لها لتقضى الليل بها وتبدأ جولتها المعتادة صباح اليوم التالي. فالمواطن الذى يريد الذهاب إلى اى بقعة في لندن مثلا، ?ا يكلفه ذلك أكثر من النظر في خريطة مواصلات المدينة التي توضح له تماما طريقة الوصول إلى مقصده، بتحديد أرقام ومواقف المواصلات التي تحمله لمقصده. ولذلك نشاهد ان تلك البصات تنتشر بكل طرقات لندن الرئيسة منها والفرعية، ورغم ان أعدادها قد تصل المئات وربما الآلاف، إلا أن حركتها تنساب دون اى عرقلة أو تأثير على حركة المرور الأخرى، خاصة وهى لا تتوقف إلا في المواقع المحددة لها، ولا تتوقف لأكثر من ثوان معدودة..
المواصلات بولاية الخرطوم أصبحت من أكثر المشاكل استعصاء على الحلول، ويرجع السبب بصورة كبيرة إلى الاعتماد على طريقة المحاولة والخطأ التي تهدر الوقت والجهد والمال. فالمحاولة الأولى كانت بفتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة في معالجة مشكلة المواصلات، ولكن دون تحديد نوع تلك المشاركة وشروطها. فتم جلب العربات المستعملة من كل بلدان العالم ومن مختلف أشكالها وألوانها، فكانت الحافلات والهايس والأمجاد، وتم تتويجهم بالرقشة، التي أصبحت في مقدمة معوقات الحركة. ثم أطلت علينا بصات الوالي كما يسمونها، والتي أعطت مواصلات العاصم? شكلا مميزا وارتفعت بها لمستوى مواصلات العالم المتقدم، بعد ان ارتفعت بمستوى راحة المواطن بها درجة. وبما انه لم تحدد لها مواقف خاصة تلتزم بالوقوف عندها وحدها، ذابت هي الأخرى في محيط وسائل المواصلات الأخرى وأمواج هرجلتها المتلاطمة، حتى فقدت الكثير من أبهتها التي بدأت بها. ومن بعد زاد من الطين بله ما تم جلبه من بصات عبارة عن نفايات هالكة جيء بها من مدينة دبي، بعد ان تم الاستغناء عن خدماتها هنالك، ليتم استخدامها هنا، وقد برر المسئولون ذلك الفعل، بأن البصات قد قدمت لمن اشتراها بأسعار زهيدة، لم تقلل من ما سيدفعه?المواطن عند استخدامها، بما يجعل سلطات الولاية تصادق على استجلابها، فهذه النفايات لم يتم حتى تحسين صورتها التي تماثل أقفاص الحيوانات المتوحشة، أو حتى إزالة الإعلانات التي زادتها قبحا، فعملت على تشويه صورة مواصلات الولاية.
فمشكلة المواصلات لا زالت متأزمة وتزداد تأزما كلما تمت محاولة معالجتها بسبب نوع العلاج. وما دامت وسائل المواصلات ستظل متكدسة بالمواقف المحددة لها في انتظار المواطن كي يأتي إليها، بينما يتكدس المواطنون بالطرقات في انتظارها أن تأتى إليهم، فلا مجال لانفراج لازمتها. فبجانب موقف كركر الكارثة، فان هنالك مواقف أخرى بامدرمان والخرطوم بحري تتراص الباصات داخلها ولأوقات طويلة، حتى يتم شحنها لتخرج ومن بعد يفقد الواقفون في الطرقات انتظارا لها، فرصة الاستفادة منها. فالمشكلة إذن، في كون ان وسائل المواصلات محصورة في أماك? بعينها لا يمكن الاستفادة من خدمتها إلا لمن يستطيع الوصول إليها.
ورغم أن المشكلة تكمن أساسا في المواقف التي تحتجز وسائل المواصلات بداخلها، فان الولاية تصر على ان تستمر في طريق ذات المشكلة، فتعلن عن نيتها تحويل بعض أو كل وسائل المواصلات المحتشدة بموقف كركر أو جاكسون لا أدرى، من موقعها الحالي إلى موقع جديد حددته بالمساحة الواقعة غرب جامع شرونى كما سلف ذكره. غير ان الولاية عملت على تحديد ذلك الموقع دون الرجوع إلى المواطنين الذين يسكنون في الأحياء القريبة منه لترى رأيهم في مثل ذلك القرار الذى سيقضى على بيئتهم وأمنهم وهدوئهم وسكينتهم. وهذا من حقهم، إذ هم الذين سيتعرضون لكل م?اكل ومآخذ مواقف المواصلات، خاصة وقد ضرب لهم موقف كركر أسوأ مثل لما سيؤول إليه الحال. ولا أود أن أضيف إلى الصورة الشاملة التي رسمها الأستاذ عثمان ميرغنى في عموده الناطق، لما يمكن أن يصبح عليه حال هذه المنطقة ان ابتلتها الولاية بموقف للمواصلات في قلبها.
ثم هنالك من الوسائل التي تضمن للولاية إمكانية تنفيذ قراراتها دون ان يتعرض تنفيذها للنقد والنقض، كما وتضمن للمواطن حقه في إبداء الرأي حول كل القضايا التي يتصل به، وذلك عبر قياس الرأي الذى يكشف للسلطة المعنية مدى قبول أو رفض أي من قراراتها. لكن حكومة ولاية الخرطوم قررت أن تنتقل بالموقف من كركر إلى شرونى دون أن تكلف نفسها مجرد إخطار مواطني تلك المنطقة بالأمر قبل أن يطلعوا عليه عبر الصحف. وبما أن ذلك القرار سيقلب أمن وسلامة وبيئة تلك المنطقة رأسا على عقب، وقف غالبية مواطنيها ضده، إلا قلة نعجز تماما عن رؤية ح?متها في قبول مثل ذلك الأمر. ولذلك أرى ألا تتعجل الولاية في تنفيذ ذلك القرار في ظل هذه المشاكل وهى ما ناقصة.
لكن ما أدهشني حقا، استطلاع للرأي أجرته جريدة الصحافة خلصت منه إلى أن سكان المنطقة يوافقون على الموقف الجديد بل ويتلهفون للبدء في التنفيذ، في حين أن الذين تم استطلاع رأيهم لم يتعد عددهم خمسة أشخاص، بينهم أصحاب لمحلات تجارية، قد يكونوا من غير سكان المنطقة، يعتقدون بان نقل الموقف بالقرب من متاجرهم سينعش تجارتهم، ولم نرَ رأيا لأصحاب الحق والمصلحة في ذلك الأمر بين من تم استطلاع رأيهم. فالولاية ليست عليها ان تعيد النظر في تحويل مواصلات كركر أو غيره إلى شرونى أو غيره، والتي قد تفجر لها مشكلة لا أول لها ولا آخر، ?ل عليها إعادة النظر في فكرة المواقف ذاتها، بالسعي لجعل جميع مواصلاتها تسير في حركة دائرية، تقوم برسم خريطة لها تعمل على ضرع طرقات الولاية طولا وعرضا دون أن تتوقف إلا في المواقف المحددة لها بكل طريق، ولا تتوقف عن العمل إلا في نهاية اليوم والذي يحدد لها أيضا. أما كيفية توحيد شكل ولون البصات الذى ظننا أن بصات الوالي ستكون نواة لها، لا ندرى ان كان إلى تحقيقها من سبيل مع تعدد وتنوع المواصلات الحالية، وهى مطلوبة؟. ثم لماذا لا تجعل الولاية من هذا الموقع، غرب جامع شرونى ، متنزها يتم المزيد من تشجيره ثم تنجيله وتزهيره وليصبح هايد بارك الخرطوم، الذى سيذهب إليه المواطنون (ليكوركوا) فيه بدلا من موقف كركر الذى اقترحه السيد الوالي؟.
الصحافة 21/12/2011
-------------------
قراءة فى قضية ابعاد الهندى بواسطة مزمل ابو القاسم! ..
بقلم: تاج السر حسين الأربعاء, 21 كانون1/ديسمبر 2011 10:00 Share [email protected]
دون شك لا يمكن أن ادافع عن (لهندى عزالدين) ودماء الشهداء فى جبال النوبه والنيل الأزرق لا زالت ساخنه وهو لازال موال للنظام الفاسد والقاتل .. ولا يمكن أن ادافع عن (الهندى) وهو من ظل يساند الأنقاذ ويزود عن حياضها منذ أن بدأت نفراتها الجهاديه التى يقتل فيها اصلاء السودان ابناء الجنوب العزيز ثم تحولت فوهات البنادق والمدافع نحو أهل دارفور وشرق السودان فحصدت من هنا وهناك الملايين وعذب الشرفاء فى بيوت الأشباح من مثقفين وسياسيين وصحفيين وأعلاميين وظل (الهندى) مواصلا دفاعه عن النظام ومحاولة تجميل وجهه القبيح حتى بعد انفصال الجنوب وهذا أمر لا يمكن أن يقبله صحفى ومثقف أو جندى صاحب ضمير حى، دوره الاساسى الحفاظ على وحدة بلاده وتماسكها مهما كان الثمن.
لكن فى الآونه الأخيره بدأ (الهندى عزالدين) ينتقد النظام على طريقة (اهل البيت) ويعارضه معارضة (الأرانب) أو ما يعرف بالمعارضه (المدجنه) وهو يظن بأن ما يقوله أو يكتبه سوف يقبله النظام وهو يواجه حصارا ضاريا وكشفا للفساد بجميع اشكاله من القوى الوطنيه الشريفه فى الداخل والخارج منه بعد أن ظل (الهندى) مؤيدا للنظام فى اسوأ مواقفه ، ولو كان يتحدث من زمان بهذه الطريقه لما عرفه أحد فى السودان (كصحفى) ولما اصبح رئيس تحرير لصحيفة فى بلد تمنع خصومها من تقديم برنامج رياضى أو حتى المشاركه بمداخله فى قناة رياضيه! ومن هم أكثر من (الهندى) موهبة وثقافة لم يجدوا فرصه الكتابه والتعبير عن وجهات نظرهم، لأنهم ظلوا ثابتين على مواقفهم وأنحيازهم للوطن لا للحاكم الفاسد المستبد. وحينما سمعت (للهندى) ينتقد النظام قبل عدة ايام على أحدى القنوات الفضائيه بخصوص رضوخ فئة (هلاميه) محسوبه على الأتحادى الديمقراطى فى حكومة الفساد، توقعت أن يجد الرد على هذا الشكل وربما اشد منه، فمن اخذ بالسيف ، بالسيف يؤخذ ومن رضى بقمع زملاء المهنه ومنعهم من الكتابه، لا بد أن يشرب من ذات الكاس.
وكان لا بد أن يقوم بهذه المهمه (كالعاده) شخص (مؤيد) للنظام ويبدو من خارجه ، وكان ذلك الشخص هو الصحفى الرياضى (مزمل ابو القاسم) الذى يذكرنى بمواقف الصحفى المصرى (مصطفى بكرى) نصير وصديق القادة الديكتاتوريين فى المنطقة بدءا من صدام حسين مرورا بالقذاقى وقوفا عند (عمر البشير) وفى ذات الوقت يدعى (مصطفى بكرى) رئيس تحرير صحيفة (الأسبوع)، الوطنيه والنضال وهو يعارض بطريقة ذكيه تضعه فى مصاف المعارضين وفى ذات الوقت تجعل (النظام) راضيا عنه لأنه يقف الى جانبه عند اللحظات الفارقه، وهذا الدور قام به فى آخر ايام (مبارك) وواصل نفس الدورالآن لكنه فضح نفسه بالشك فى مصداقية الصوره التى تناقلتها الصحف المصريه ووكالة الأنباء العالميه والقنوات الفضائيه والمواقع الألكترونيه والتى اظهرت فتاة مصريه تسحل وتجر بصوره مهينه فى ميدان التحرير.
والصحفى الرياضى (مزمل ابو القاسم) الذى كشف الهندى عن انه الى جانب شريك آخر يمتلكون مطبعة قيمتها (مليون دولار) كان يدعى فى الماضى بأنه ينتمى (للحزب الأتحادى الديمقراطى)، لكنه معجب (بالبشير) قبل أن يدخل حزبه فى الحكومه الأخيره ويبيع (الشعب) وكوادره الشريفه، بل كان (مزمل ابو القاسم) من ضمن الذين اختارهم وزير الشباب والرياضه (حاج ماجد سوار) ضمن (مستشاريه) وكان كذلك ضمن من ايدوا حملة (رئيس أمن النظام) برفع العلم السودانى بدلا من تنكيسه يوم انفصال الجنوب وجند صحيفته الرياضيه وعموده من أجل هذا العمل الخائب. لذلك فأن الخلاف مع (الهندى) ومحاولة ابعاده عن صحيفة (الأهرام اليوم) المأخوذ أسمها من صحيفة (الأهرام) المصريه، لا علاقة له بضعف مهنية (الهندى) أو بسبب (تعاليه) على شركائه وأنما بسبب تطاوله على النظام فى الفترة الأخيره - لسبب يعلمه الله- فكان لابد من (قرصة) على ألذن من خلال شخص (متوافق) مع النظام ويبدو معارض له، حتى لا تضار مصالحهم مع نظام لا يمكن أن يسمح (لمعارض) أن يرتاح حتى لو كان من بين زمرة الطبالين وحتى وقت قريب جدا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
ما هذا الهراء ولماذا تكرم الجامعه العربيه شخصيه بهذا السوء؟
تاج السر حسين [email protected]
كثيرا ما أندهش وأتعجب حينما أجد شخصية (ما) وقد تم تكريمها بوظيفة دبلوماسيه مرموقه أو مهمه انسانيه، من قبل مؤسسه دوليه تعمل فى مجال حقوق الأنسان وتدعو لسيادة القانون فى الدول وافشاء الديمقراطيه، ولا أعرف ما هى المعايير التى يتم من خلالها ترشيح تلك الشخصيات ومن يرشحهم ويعمل على تعيينهم مع ان تاريخهم ملئ بالسوء والنقائص أو تجدهم قد عملوا من قبل ضمن انظمه ديكتاتوريه وشموليه أجرمت فى حق شعوبها وارتكبت جرائم بشعه يندى لها جبين كل حر شريفوالأمثله كثيره ولا حصر لها. لكنى توقفت عند التعيين الأخير للفريق / محمد مصطفى الدابى "رئيسا لبعثة مراقبى الجامعة العربية التى ستتوجه إلى دمشق". وكأن الجامعه العربيه التى تتدعو للحفاظ على حياة المواطنين السوريين وغيرهم من مواطنى الدول العربيه التى تشهد ثورات وأنتفاضات وأحتجاجات، تقول من جهة أخرى وبلسان آخر (ظز) فى ثوار السودان وفى الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن نعيش أحرارا كرماء .. وثوار السودان كانوا دائما سباقين فى المنطقه ومبادرين رغم القهر والعنف الذى يواجهونه من نظامهم والمدعوم بتآمر من بعض الأنظمه والأعلام العربى.
فما هذا الهراء الذى حدث بتعيين هذا (الفريق)؟ وهل تعلم الجامعه العربيه تاريخ هذا الشخص (القريب جدا)، وأنه كان مديرا للأستخبارات العسكريه السودانيه فى بداية ايام انقلاب الأنقاذ بقيادة المطلوب للعداله الدوليه (عمر البشير) ... وأن الفريق (محمد مصطفى الدابى) شارك فى جريمه كبرى ضد ألأنسانيه لا يمكن أن تقارن بما يجرى فى سوريا الآن حيث كان وهو (مدير للأستخبارات العسكريه السودانيه)، على راس لجنة التحقيق التى حققت مع ضباط وجنود حركة رمضان البواسل وتم ذلك التحقيق على عجل ولم يزد عن ساعة واحده وسؤال واحد أدين بعدها اؤلئك الأبطال وأرسلوا للسجن الحربى وتمت تصفيتهم بالأعدام خلال ساعات قلائل وفى نهار شهر رمضان الكريم وقبيل العيد. والشهداء الأبرار هم :- 1- الفريق طيار خالد الزين على نمر مواليد رفاعه 1938 الدفعه 12 2- اللواء عثمان أدريس بلول تنقاسى 1939 الدفعه 13 3- اللواء حسين عبدالقادر الكدرو موليد الكدرو 1942 الدفعه 15 4- العميد طيار محمد عثمان حامد كرار حلايب 1943 الدفعه 18 دفعة البشير
5- العقيد محمد أحمد قاسم بحرى 1945 الدفعه 18 دفعة البشير
6- العقيد عصمت ميرغنى طه الخرطوم1953 الدفعه 24
7- العقيد بشير مصطفى السجانه 1953 الدفعه24
8- العقيد صلاح السيد بحرى 1953 الدفعه 24
9- المقدم عبدالمنعم حسن على كرار الأبيض 1951 الدفعه 25
10- المقدم بشير الطيب محمد صالح الدفعه 25
11- المقدم بشير عامر أبوديك الدفعه 25
12- المقدم محمد عبدالعزيز
13- المقدم سيد حسن عبدالرحيم
14- الرائد نهاد أسماعيل حميده ولد بحلة حمد الدفعه 25
15- الرائد الفاتح أحمد الياس ولد بالقضارف الدفعه 28
16- الرائد عصام ابو القاسم ولد بالخرطوم الدفعه 29
17- رائد الشيخ الباقر الشيخ الدفعه 30
18- رائد بابكرعبدالرحمن نقدالله الديم الشرقيه الدفعه 29
19- رائد صلاح الدرديرى الكاملين ــ الدفعه 29
20- رائد سيدأحمد صالح النعمان الدفعه 30
21- رائد تاج الدين فتح الرحمن أمدرمان ــ الدفعه 29
22- رائد معاويه يس على الشجره الخرطوم ـ الدفعه 32
23- رائد القاتح خالد خليل كوستى ـ الدفعه 28
24- رائد اسامه الزين عبدالله أمدرمان ـ الدفعه 29
25- رائد طيار أكرم الفاتح يوسف أمدرمان ـ
26- نقيب طيار مصطفى عوض خوجلى الخرطوم
27- نقيب مدثر محمد محجوب القرير ـ الدفعه 34
28- نقيب عبدالمنعم خضر كمير كسلا 1962 الدفعه 34
29- رقيب أول حسن محمد اسماعيل
اضافة الى اؤلئك الشهداء تم سجن عدد آخر من الضباط والجنود وطردهم من العمل.
فعلى (الجامعه العربيه) اذا كانت جاده أن تعدل هذا القرار وأن تعتذر للشعب السودانى وللاسر الشهداء الذين ينتظرون القصاص، وأن تختار شخصيه جديره بالأحترام والتقدير لهذه المهمه، لا شخصيه تلطخت اياديها بدم شهداء السودان الذين ضحوا بارواحهم حتى لا يصل السودان الى ما نشهده اليوم من حال لا يرضى عدو أو حبيب أقله الأنفصال الذى تسببت فيه زمرة (الأنقاذ) التى من بين رموزها وقادتها الفريق/ محمد مصطفى الدابى، وكيف تثق (الجامعه العربيه) فى نجاح هذه المهمه الصعبه، وهى تضع على راس تلك البعثه شخصية سودانية تاريخها بهذا السوء؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
أسرار صفقة ( الكيزان ) المشبوهة لبيع جزيرة ( مقرسم ).. الصفقة ..ملايين من الدولارات وزعت كهبات ورشاوي - عمر موسي عمر - المحامي
لا يكاد الوطن يستعيد عافيته من (صدمة ) من صدمات الفساد الذي برعت فيه العصبة الحاكمة من ( كيزان ) حكومة الخرطوم والتي غدت بعد ( تمطيطها ) حكومة لقيطة مليئة بالترقيع و(الرتق واللفق) حتي تفاجيء العصبة الحاكمة الشعب (المصدوم ) بضربة قاصمة أخري من ضربات الفساد والجرأة علي إستباحة المال العام وتمزيق لحمة الوطن في مواقف تحكي إنعدام الضمائر وصورة بشعة للعيون الجشعة والنهمة والتي لن يملأها إلا التراب عندما ينتقلون من سعة الدنيا والوجود إلي الموت وضيق اللحود وإلي ذلك الميعاد المحتوم فلن تنقصهم الإستهانة بالقدرة الإلهية القادرة علي طمس هذه الفئة الضالة المضلة ومحوها من خارطة الكيان الوجود الإنساني علي وجه البسيطة .
ما تحكيه الأخبار أن ما قامت به العصبة في جزيرة (مقرسم ) يفوق بمئات المرات ما جاء بتقرير المراجع العام الذي حكي أن الفساد أصبح يمشي علي أقدامه في هذه الدولة حتي ختمت برواية أن الفساد يحلق بجناحيه في هذه الصفقة المشبوهة للنظام التي تضم بين ملفاتها العديد من الأسرار والخفايا والإتفاقات المشبوهة والسرية والحوافز ( تحت الطاولة ) حتي بلغت قيمة الصفقة المعنية ( عشرة مليارات دولار أمريكي ) بالتمام والكمال .
وقبل الخوض في تفاصيل هذه الرواية التي تشيب لها الرؤوس وتبصم بالعشرة علي دهاء هؤلاء ( الكيزان ) وقدرتهم الفائقة علي الفساد للذين لا يعلمون عن جزيرة ( مقرسم ) نقول إنها جزيرة تقع جنوب مثلث حلايب ( المحتل ) وشرق بلدة (محمد قول ) وجنوب ما يسمي ( برأس أبوشجرة ) وبينها وبين بلدتي ( محمد قول ) و( دنقناب ) خليج بحري غنياً بالأسماك والأحياء البحرية وتبلغ مساحتها مئات الكيلو مترات المربعة وتمتاز بالشواطيء الرملية التي تخلب الألباب ويقطنها عدد محدود من الصيادين البسطاء الذين لا يعرفون عن المدنية والحياة في الولاية غير أنهم يتبضعون من البلدات المجاورة للجزيرة .
بتاريخ سابق لهذه الصفقة المشبوه والمملوءة بعلامات الإستفهام تقدم أحد مواطني الولاية بطلب للوالي وعرض لإستئجار الجزيرة وتحويلها لمنتجع سياحي وقوبل طلبه بالرفض وأتبعه أحد المستثمرين العرب بطلب مماثل وقوبل بالرفض أيضاً وذهب مغاضباً . وعلي حين غرة وبدون أي مقدمات أو تناقل لوسائل الإعلام في زمان سابق فوجيء المواطنين ( و أنا منهم ) برئيس الجمهورية يقف أما ( مجسم ) مليء بالمباني والعمارات والشوارع والمدارج و( الشاليهات ) الفاخرة ذات ( الخصوصية ) ويحيط به مجموعة من ( أصحاب العقالات ) و( التابعين ) والواقفين ( بلا معني ) والمحملقين ( بلا فهم ) وخبر صوتي مصاحب أن ( المجسم ) هو المدينة العالمية التي تبلغ تكلفتها ( عشرة مليارات دولار أمريكي ) فوق الجزيرة المفتري عليها .
الصفقة مشبوهة بكل المقاييس المعلومة للمشروعات الوطنية التي ينتظر أن تدر خيراً وعائدات مالية لمواطن الولاية أولاً والسودان ثانياً ... لم يسمع أحدٌ من سكان هذه الولاية عن مشروع بجزيرتهم وخلي المشروع من أي عطاء حكومي لمن يرغب في إستئجار الجزيرة كما خلت الصحف اليومية من أي إشارة من قريب أو بعيد لمشروع يسمي مشروع ( جزيرة مقرسم ) كما تناقلت مشروع ( بروج الفاتح ) ومشروع ( سندس الزراعي ) وخلت القنوات الفضائية من أي ندوة أو مقابلة إقتصادية مع مجموعة من المتخصصين في المجال لإبداء وجه نظرهم المجردة عن المشروع ومساوئه أو فوائده للشعب السوداني ...وتتناقل الأخبار التي إنتشرت كالنار في الهشيم أن إخوة الرئيس بالإشتراك مع متنفذين في الدولة وبعلم كامل من والي ولاية البحر الأحمر هم من سعوا لإتمام الصفقة مع المستثمر الخليجي صاحب ( الأموال التي لا تأكلها النار ) وأن جملة ( المظاريف ) التي وزعت كهبات ورشاوي للجهات المسئولة عن التصديق ( ملايين ) من الدولارات في الوقت الذي يشتري مواطن الولاية مياه الشرب بالمال حتي تستمر رئتاه في التنفس وجحافل الذباب والناموس تدخل بيوته بلا إستئذان وتقلق مضجعه بلا هوادة .
كثيرٌ من التحليلات الذكية تربط هذا المشروع المشبوه بدولة قطر والكيان الصهيوني مما يدلل علي مشاهدة (طائرات الجيش الإسرائيلي ) وهي ترابط في طمأنينة غريبة فوق الجزيرة ومشاهدة ( شهود عيان ) من الصيادين المحليين لغواصة من الجيش الصهيوني وهي تتمخطر بالقرب من شواطيء الجزيرة دون أن تنطلق قذيفة واحدة من المضادات الأرضية التابعة للجيش السوداني والموجودة شمال ولاية البحر الأحمر بمحلية ( أوسيف ) .
ختام القول علي المراقبين أن لا يعيروا إلتفاتاً إلي ملفات الفساد التي شملت كما جاء بتقرير المراجع العام وزير الدفاع والزراعة ووالي ولاية الجزيرة وحال المراجع العام الذي تعبت أصابع يديه من كتابة التقرير ولا حياة لمن تنادي أو الحروب التي تشتعل نيرانها في أطراف البلاد وتحصد الأرواح المسلمة بلا شفقة أو رحمة .. علي المراقبين الإلتفات لهذه (الكارثة ) القائمة في شرق البلاد .. والله وحده يعلم ماذا يخبيء المستقبل في هذه الجزيرة المعزولة عن البلاد تماماً وفي منأي عن الصحف السيارة وعيون السلطات والتي ستمتليء في القريب العاجل عند إكتمال البناء لهذه الجزيرة بأصحاب ( العقالات ) الحمراء والطائرات الخاصة وما خفي سيكون أعظم .
عمر موسي عمر - المحامي [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اخترت لك .....مقالات ..وكتاب ...ادخل (Re: الكيك)
|
الحركة الاسلامية وفشل المشروع الحضارى .. بقلم: الرشيد جعفر على الإثنين, 26 كانون1/ديسمبر 2011 20:21 Share
[email protected]
ثلاثة وعشرون عاما مضت من بداية المشروع الحضارى للحركة الاسلامية التى تستند فى ايدلوجيتها عليه وبررت استلامها للسطة وبقاءها طيلة كل تلك الحقبة الماضية لتطبيق معالم وادبيات ذاك المشروع الذى جعلته الحركه من الثوابت التى لا تقبل الجدال او التغير من تحويل السودان الى دولة اسلامية ترفل تحت تعاليم الدين الحنيف وتطبق تعالمية فى المجتمع .
وتحت راية ذلك المشروع حاربت الانقاذ فى كل الجبهات وجعلت دونه المهج والارواح واعلنت الجهاد فى الجنوب واراقة كل الدماء مما ادى اهل الجنوب لتحويل مطالبهم البسيطة فى السلطة والثروة الى رفع سقف مطالبهم الى الانفصال الذى يعتبر اول سقطة للمشروع الاسلامى , لان ارض الاسلام لاحدود لها بل يدعو فى معانية ومفاهيمة الى الوحدة وعدم التفرق والتشرذم حتى وان كانت مع غير اهل الملة , فرسولنا (ص) عندما طبق معانى الدين بحق وحقيقة دينا سمحا وعلى اصول تعاليمه الحقة دخل المشركون والكفار افرادا وجماعات فيه لانهم راواء المعاملة الحسنه وهى اصل الدين واساسة دون ادعاء وكذب باسمه فدخلوا فى رحابه فى كثير من سيرة معلم البشرية وصحابته الكرام , وليس بمثال وتعاليم واقوال (الحس كوعك والداير يستلم السلطه يجينا بالسلاح, والراجل يطلع الشارع , ونعت الخصوم من اهل المله باقذع واسواء الالفاظ من اعلى مستويات الحكم تعبر عن مدى المفاهيم التى يدار بها المشروع الاسلامى فحتى تعاليم السودانيون البسيطة فى التعامل لا تقبل ذلك دع عنك المشروع الذى صنوا اذاننا بترديد تعاليمه ,فالم يسمعوا بالايه الكريمه (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى احسن ان ربك هواعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) من تلك المفردات التى تصيب المرء بالغى وتمنى عن العقلية التى تتحكم فى امورنا فتلك ابسط معانى الاسلام سقطوا فيها دع عنك اسلمة المجتمع وبنا دوله اسلامية تحمل فى طياتها اسس الشريعة الاسلاميه من العدل والشورى والمساواة بين الناس .
فقد قدمت الانقاذ طيلة فترتها السابقة مسخا مشوها لتعاليم الدين فى كل اوجه الحياة فقد كان المجتمع السودانى مدركا ومطبقا لتعاليم الاسلام قبل الانقاذ واكثر تمسكا بحبل الله المتين باكثر مما يسود ويجرى الان من انتشار للرشوة والفساد فى كل معاملات المجتمع , وارتفاع معدلات تعاطى المخدرات بصور مخيفة بين الشباب فى كل محفل وركن وزاوية حتى تخال ان السودان يدار بواسطه دعاة التقسق والمجمون فلا حياة لمن تنادى فاصبحت الموسسات التعليمة بكافة مستوياتها عبارة عن مدخنة كبيرة للحشيش وتعاطيه وفق احصاءات المسوؤلين التى ذكروزير الداخلية فى احداها بان راس مال المخدرات المستخدم فى السودان يساوى دخل البترول السنوى قبل انقطاعه بمعنى انه يساوى ميزانية السودان كاملة .
فلماذا اذا لم تفعل القوانين الصارمة والقوية من اجل وقف هذا المهدد لعقول الشباب الذين هم عمادة البلاد فى اى تغير , ام ان برامج الدولة ومالها معقود فقط للبرامج السياسية الفارغه التى تحافظ على بقاء النظام وليكن ما يكن داخل اورقه المجتمع والدولة التى انتشر فيها الفساد يصورة لا يخالها العقل ابدا فضاعت هيبة حرمه المال العام فاصبحت تتراءى قصص الفساد فى كل محفل وموقع وتتبارى الصحف فى الكشف عن ذلك دون ان تتم محاسبة او مساءلة اى مسوؤل اثيرت حوله قضية فساد طيلة حكم الانقاذ كانما يحكمنا الملائكة او ان تلك القصص فى بلد غير السودان المحكوم بتعاليم الشريعة الاسلامية فما حدث فى السودان من تعدى على المال العام لم يحدث فى كل الحقب السياسية التى حكمت السودان منذ الاستقلال .
فبلاد تعانى مدارسها من عدم توفر مقومات العملية التعليمة من طباشير وكرسى وفصل دراسى , بل وصل بنا الحال الى ان يدفع الطلاب رسوم الكهرباء والمياه والصيانة من الرسوم الاسبوعية المفروضة عليهم , بينما تجد موظفى الدولة الاسلامية فى كثير من المواقع المحسوبة على اهل المشروع يرفلون فى رغد من العيش ونعمة الحياة فى مخصصات لا تتوفر لموظف دولة خليجية كانهم اصحاب شركات خاصة رووس اموالها مليارات الجنيهات, بينما يموت المرضى فى المستشفيات الحكومية لعدم المقدرة المالية ولعدم توفر المعدات الطبية اللازمة وللاخطاء الطبية الشائعة والمنتشرة , فيهرب اهل السودان فرارا بارواحهم للعلاج بالخارج ويوكد ذلك وزير الصحة الولائى الجديد بان تكلفة علاج المرضى بالخارج تساوى ميزانية الدولة من قيمة الصادرات الاخرى غير البترولية .
فهل بعد كل هذه السنين الطويلة المتدة سطع نور الاسلام بالسودان وهل بذقت ثمار المشروع الحضارى بتقديم النموذج الامثل بتطبيق مبادى الاسلام عدلا وشورى ومساواة وطهارة يد وعفة لسان , وتاسيس لكل حركة الدولة والمجتمع وفق مبادى الدين الحنيف وتطبيقا لتعاليمة فى الحياة العامة وعبر تقديم القدوة الحسنة حكاما متنزهين عن عرض الدنيا الفانى ومغريات السلطة الواسعة تثبيتا لما يدعون له من مبادى قولا وفعلا وهل احس واقتنع الشعب السودانى بل حتى قاعدة الحركة الاسلامية التى ضحت بارواحها من اجل سيادة وتطبيق المشروع بان هنالك تغيرا واختلافا فى النهج والممارسة من الحقب والانظمة التقليدية السابقة التى لم تحكم باسم الاسلام . فالمشروع الاسلامى او الحضارى لا وجود حتى داخل اورقه واذهان اهل السلطه اصبح نسيا منسيا يلجى له عند الملمات الضيقه عندما تشعر السلطه بانها فى حالة مهدد خارجى او داخلى فتعلن الجهاد باسم الاسلام لحماية الدين الحنيف المهدد من قبل العلمانيون ودول الكفر بالخارج, فبذلك تم تحويل اى صراع سياسى الى صراع دينى مما يعرض الدين الى الابتذال والاستغلال .
بينما نجد ان القدوة السئية التى قدمتها الانقاذ هى اكبر خدمة لدعاة العلمانية وتشويه لصور الدين الحنيف فقدموا باسم الدين حكم مظهرى وشكلى فافرغ الدين من مضمونه وظهر الشكل الحقيقى للمشروع الحضارى الذى يحكم افراده لإغتنام مغانم الدنيا وشهواتها وظهر الغرض الحقيقى للسطه ولم تظهر هى لله كما يدعون . فبدلا من تصبح مقدرات الحكم ومكتسبات السلطة الواسعة معولا نشطا وقويا لحركة الاسلام فى المجتمع اصبحت مغريات الحكم ومظاهره اداة إفساد وهدم لكثير من اهل الحكم حسب ما اوضح تقرير المراجع العام الاخير ونسبة الاعتداء المتزايده عاما بعد الاخر دون محاسبة صارمة تقلل او توقف تلك الانتهاكات بل يتم التعامل بفقه السترة والتانيب الداخلى كانها لست اموال عامة.
فالمشروع الاسلامى المتبنى من قبل اهل الحكم وجد فرصة التعبير عن نفسه واصبح نتاجا جاهزا للحكم عليه فهو واقع عينى متحقق ملى بكثير من صور الفشل والتناقض والبعد عن مبادى وقيم الاسلام التى كان من المفترض ان تحى الحركة الاسلامية لقيمه وتزكى من قيم العمل الاسلامى والدعوي لتعمق من مصداقية مطرحها لكنها فشلت فى اثبات اول ابجديات ومظاهر الحكم الاسلامى فى ممارسة الشورى فى ما يجرى الان من قتل ودمار بدارافور وضع لبناته الاولى عبر معالم الكتاب الاسود الجزء المنشق من الحركة الاسلامية والمحسوب على المشروع الحضارى , فالصراع بين فصيلى الحركة الاسلامية هو صراع حول السلطة السياسية وكراسى الحكم , وهو نزاع عبثى وغير مجد لانه لا يتوق الى نهضة وبناء البلاد او تطبيق الاسلام فهم يذكرون بانه لا اختلاف لهم حول الثوابت فعلاما الصراع اذا . فكيف يكون كل معاول الفناء للدولة والشعب وسيلة للسطوة والاحلام الشخصية الضيقة للزعيم فى ان يبقى فى الساحة السياسية باى وسيلة ولاطول فترة ممكنة فقد قاد الصراع بين اهل المشروع السودان الى التمزق والى ان تصبح قضية دارافور المادة الاولى فى كل جلسات مجلس الامن مما عرض مصالح البلاد الى ان تكون لعبة فى ايدى الدوائر الاجنبية الغربية وقاد الى وضع البلاد تحت الوصاية الاجنبية والمساءلة الدولية فى تهديد وانتهاك لسيادة البلاد لم تتعرض له من قبل. ومما يبين مدى مأساة المشروع الحضارى المؤود الذى نعاه مفكره وراعيه الاول الدكتور حسن الترابى بعد الانفصال فذكر فى كثير من اقواله بانه لا يوجد اسلام, فالبنوك ربوية والحريات مغيبة والفساد مستشر فى اجهزة واورقة الدولة والسلطان جائر والسلطة ما هى الا ملهاة دنيوية لا تاتمر بالاسلام , فحقا ان المشروع فشوش وفشنك لم يعد له داعم حتى من مخططه ومفكره وراسم خطاه الاول.
فحتى الشورى داخل التنظيم الحاكم مغيبة فليس هنالك اوعية تنظمية حقيقية لتبادل الرأى واتخاذ القرارات المهمة فالدولة تحت قيادة اشخاص يعدون على اصابع اليد الواحدة والاخرون ما هم الا فريجة وهتيفة وكورال يردد ما ينظر ويخطط من قبل النافذين فالحركة الاسلامية غائبة ولا وجود لها داخل الموتمر الوطنى الذى اصبح عبارة عن تيارات تصترع داخله من اجل غلبة تيار على الاخر لمزيدا من الاستحواذ والنفوذ فالبلاد تسير وفق مركب لا تعرف الى اين تسير تتقاذفها امواج الصدفة وطريقة العمل برزق اليوم باليوم . ومما يوضح غياب المشروع الاسلامى بجلاء تصريح رئيس الجمهورية بعد انفصال الجنوب بانهم سوف يطبقون القوانين الاسلامية من الان ولكنه لم يخبرنا بماذا كنا محكمون طيلة الفترة الماضية من عمر الانقاذ .
فالانقاذ فى حركتها وبرامجها لا يضبطها الا مثلث محكوم بقبضة حديدية هو مثلث الامن والقبلية والمال وهو المسير والمحرك الحقيقى لكل برامج وفكر الحكومة للسيطرة على البلاد , لذلك اصيبت البلاد بداء العنصرية والجهوية والقبلية فاصبح خنجرا مسموما على خاصرتها لن ينسل منها ابدا, فعمدت الحكومة فى ذلك الى ضرب الاحزاب فى مقتل باستخدام كل ادوات الحكم فى التفريق وشق الصفوف والاغراء بالمال اتباعا لسياسة فرق تسد لتاتى فى نهاية المطاف بعد المهددات الامنية المتعددة تبكى على اللبن المسكوب وهو ضعف الاحزاب وتقول بدون خجل الموتمر الوطنى ياسف ويحزن لغياب المعارضة فمن حول العميلة السياسية النشطة الى مزبلة التاريخ , ومن الذى تسبب فى ان تصبح واجهاتنا السياسية واحزابنا عبارة عن اموات لا حياة لها , لا تدرى هى معارضة ام مشاركة فى الحكم . فهل هذا هو التطبيق الامثل لمعنى الاية الكريمة التى ما برح اصحاب النظام يرددونها دائما (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) فالفاتحة على المشروع الحضارى وطوبى لاهل الموتمر الوطنى بسيادة البلاد طولا وعرضا وكان الله فى عون الشعب السودانى المغلوب على امره .
| |
|
|
|
|
|
|
|