دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا
|
الصحفى الكبير الاستاذ حيدر طه له اسلوب مميز فى الكتابة الصحفية فهو صاحب كتاب الاخوان والعسكر احسن ما كتب فى شان علاقة الاخوان المسلمين السودانيين بالجيش السودانى وهو كتاب مهم ومرجع والان له كتاب تحت الطبع بعنوان عندما يضحك التاريخ قمت باستعراض جزء من فصوله من قبل فى صحيفة اخر لحظة ... كسبته صحيفة الصحافة كاحد كتابها الاسبوعيين الرسميين وهذا المقال الذى نبدا به ما دفعنا لفتح مثل هذا البوست المهم .. اترك لك القراءة والتامل وانت تتابع رصانة الصياغة وغزارة المعلومة ودقة وصف ماحصل و يحصل فى وطننا العزيز ...
اقرا
الانتخابات في زمن الفوضى حيدر طه الصحافة 1/12/2009
لا يحتاج أي متابع مهتم ومشغول بشأن الانتخابات إلى جهد كي يصل إلى نتيجة أولية بأن البداية ليست مشجعة، والاستهلال غير مرضٍ، عندما يرى عملية التسجيل تسير ببطء مريع أقرب إلى الكساح، على الرغم من المنشطات والمقويات التي ظلت مفوضية الانتخابات تحرص على منحها لها كل حين لتحريكها قليلا ودفعها إلى الأمام لبلوغ نسبة معقولة تسمح بإجراء انتخابات «دستورية» في موعدها المقرر.
جرعات المنشطات وعمليات التدليك المستمرة منذ أول يوم للتسجيل توحي بوجود علل كثيرة وأمراض خطيرة، ليست هي بنت اليوم، ولا أعراض طارئة جراء فيروس سياسي داهمها فجأة أو انتقل إليها بالعدوى من دول مجاورة، إنما هي قديمة نسبيا، يعود تاريخها عندما حدث نوع من الشرود السوداني والهروب الجماعي من ساحة النشاط السياسي، نتيجة الآثار المدمرة للإجراءات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية على المجتمع السياسي عامة، منذ عشرين عاما بالتحديد.
عشرون عاما ليست مدة قصيرة قياسا بالأحداث التي جرت خلالها، وهي أحداث خلقت واقعا جديدا ومختلفا، كانت سمته الأساسية والظاهرة الاضطراب، وما تلاه من فوضى مست كل تفاصيل المجتمع وخلاياه، بدءاً من الأسرة إلى الخدمة المدنية، مرورا بالأحزاب والنقابات والجيش، فلم تستثن فردا ولا جماعة، بمن فيهم جماعة «الإنقاذ» نفسها، حيث وجد أفرادها أنفسهم في مكان مختلف عما عهدوه، ووجد الآخرون أنفسهم في مكان لم يألفوه.
حدث انقلاب فعلا في المجتمع، انقلاب دمر نسيج الحياة السودانية، فكانت ردة الفعل الأولى أن هاجر السودانيون إلى المنافي الإجبارية والاختيارية، عندما شعروا بعدم إلفة مع نوع جديد من الانقلابات التي لا ترحم، شعاره العنف والعذاب والدم. كأنه جاء لينتقم من عامة السودانيين دون سبب معلوم أو حتى ذريعة مجهولة. لم يقل قادة «الانقلاب» حتى الآن لماذا لجأوا إلى كل تلك الأساليب والإجراءات غير الإنسانية، على الرغم من أنهم كانوا يملكون خيارات أخرى أكثر إنسانية وأكثر رأفة بالسودانيين. ولكن هل كانت تصورات جنون بأن الشعب السوداني لا يمكن حكمه إلا بقوة السلاح ونزف الدم والسجون؟ قد يعود السبب إلى تلك التصورات المسعورة المستولدة من فكر مصاب بلوثة السلطة والاحتكار والسطوة والنفوذ والتأله والتعالي، لينعكس على شكل انتقام على شيء لم يقترفه السودانيون وجريمة لم يرتكبوها.
جنون السلطة مثل جنون الفرد، يهابه الناس، يفرون منه ويتجنبون مصاحبته، فيهربون حيث يشاء لهم الاستقرار والسكينة والأمان. فاختارت أكثرية السودانيين الهروب الداخلي عندما لم تتح لها فرصة الملاجئ والمنافي. أما الأقلية القليلة فظلت تصادم وتعارض وتشاكس، قابلة بعواقب التضحيات، فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا..
ولكنهم قلة قليلة، لم تؤثر في الغالبية الغالبة المغلوبة على أمرها التي تركت السياسة وشأنها لـ «جماعة الإنقاذ» يلهون بها كيفما أرادوا ويعبثون بها كيفما رغبوا. في مثل هذه المناخات المضطربة، فقد السودانيون الثقة في السياسة، وابتعدوا عن «وجع القلب ودوشة الرأس»، وهو ما كانت تريده سلطة الإنقاذ، بضرب الحصار على النشاط السياسي الحر، فاتقنت فنون هذا الحصار ثم اتقنت فنون الاحتكار، فأيقن السودانيون أن الأمر كله بيد «الجبهة» التي تحولت بخدعة سينمائية إلى «المؤتمر الوطني»، في محاولة لتبرئة النفس من جرائم ارتكبتها «الجبهة الإسلامية» ولم يرتكبها المؤتمر الوطني، دون ممارسة فضيلة الاعتذار.
فكان عزاء السودانيين الانغماس في البحث عن «الذات»، فطرقوا كل أبواب الرزق من أجل لقمة عيش شحيحة ومفقودة. وطرقوا أبواب السفارات وتسللوا من الحدود، وبحثوا عن مواطنة جديدة، بعيدة وآمنة. ومن لم يجد لجأ إلى «لحية» تمنحه جواز السفر إلى دخول المؤتمر الوطني، ففيه استقرار وأمان ولقمة هنية.. ومنهم من أبى وآثر البقاء بعيدا عنها كرها في الجبهة وذكرها، ومنهم من ظل عاطلا عن العمل، يقتات من سنامه أو سنام أخوانه المهاجرين واللاجئين والمنفيين جبرا أو اختيارا.
فمنهم من طرق أبواب السلاح ليقول للنظام «أنا هنا»، فهؤلاء كانوا أكثر حظوة، فقد عرفوا الطريق السريع نحو البقاء أحياءً وانداداً لقادة الإنقاذ، فمنهم من استحق زمالة السلطة ومصاحبتها في خانة مساعد أو مستشار، أول والٍ أو نائب والٍ، أو صاحب رتبة رفيعة في الجهاز، أو ملحق في سفارة. وغالبيتهم بقي حاملا السلاح لا يرضى بـ «فتات السلطة»، إنما يريد من الكعكة زبدتها. هذا المشهد الاجتماعي البانورامي لا يوحي بالاستقرار بقدر ما يوحي بالفوضى الاجتماعية، التي خلطت الأوراق بين الدين والسياسة والاقتصاد وصلة القربى والمنافع والرشوة والفساد والنفوذ والسلطة. فلم تعد هناك حدود فاصلة بين الفئات والطبقات والشرائح، فهي تكوينات متبدلة ومتغيرة دوما. ومن المؤكد أن تضرب هذه الفوضى أعماق الأحزاب السياسية بدءاً بالمؤتمر الوطني نفسه الذي لم يعد يعرف ما هو المطلوب وماذا يريد من السلطة. فهل يملك برنامجا انتخابيا لخوض انتخابات وهو الحاكم عشرين عاما متواصلة أصبح فيها عاريا، يستطيع السودانيون وغيرهم أن يروا عوراته بلا أدنى استحياء. ماذا يمكن أن يقول المؤتمر في برنامجه الانتخابي؟
هل يستطيع أن يعد الناس بغير ما عرفوه عنه.. وهل يستطيع أن يأتي بما لم يأتِ به خلال عشرين عاماً..؟ هل استطاع أن يحافظ على وحدة بنائه وروحه ومجموعاته وفق رؤى فكرية محددة أم أصابته الانقسامات الداخلية، المسكوت والمكشوف عنها..؟ ألا يعيش المؤتمر الوطني فوضى عارمة، في بنيانه وفكره وقواعده وقياداته رغم مؤتمراته الحاشدة..؟ والمتابع الفطن لحالة المؤتمر الوطني يكتشف بلا أدنى جهد أنه حزب لا يعرف ما هو المطلوب وطنيا، واجتماعيا وسياسيا.. وإلا لكان قد نفذ المطلوب خلال العشرين عاما الماضية دون أن يطلب منه أحد ذلك، ولكن حال السودان يدل على أن الحزب الحاكم لا يعرف ما هو المطلوب وطنيا ولا اجتماعيا بدليل أحوال السودان الحالية.. فإذا قرأنا بعيون مفتوحة وقلب تقي نسبة الفقر والجوع في السودان نعرف التقاعس عن أداء الواجب الاجتماعي والاقتصادي. وإذا قرأنا حال الوطن المبعثر والمفتت فعليا دون أية بارقة أمل تلوح في الأفق تطمئن بوحدته، ندرك الأخطاء والخطايا السياسية التي جعلت الجنوب ودارفور على حافة الانفصال.
قد يجزم بعض المحللين بأن كل ما يعرفه المؤتمر الوطني نتيجة لخبرته الطويلة في الحكم هو البقاء في السلطة واحتكار النفوذ. وحب البقاء في السلطة ليس مقياسا لفعالية الحزب ولا الحكومة، إنما قد يكون مقياسا صحيحا لاتقان الحزب في استخدام أدوات السلطة والدولة للحفاظ على السلطة. أما الفوضى الفكرية فتتمثل في أن الحزب الحاكم يريد أن يعبر عن مصالح كل الطبقات والفئات والشرائح والجماعات في آن واحد، وهو أمر مناقض لمفهوم الأحزاب التي تعبر في حقيقة الأمر عن مصالح فئات مختلفة ومتناقضة في معظم الأحيان. فالحزب الحاكم يعبر عن مصالح طبقة حاكمة الآن، طبقة أخذت تتكوّن، ولم تكتمل، خلال عشرين عاما استطاع أفرادها الحصول على ممتلكات وأموال ومصانع ومزارع وأطيان ومنازل وثروات أخرى لا تحصى ولا تعد.. فلينظر الحكام إلى طعامهم وسكنهم وارصدتهم وممتلكاتهم وعلاقاتهم ووظائفهم وأعمالهم، ورغم ذلك مازالت طبقة غير مكتملة، إذ تحتاج إلى غربلة وانتقاء كي تصبح مكتملة البنيان، فهي مازالت في مرحلة تكوين وانتقال.
هذه الطبقة الحاكمة يصعب أن يتجاهل برنامجها الخاص والخفي مسألة الحفاظ على هذه المصالح بحيل كثيرة ووسائل متعددة، منها وسيلة السلطة والحكم، وستستميت من أجل هذه المهمة. وقد كشف وزير المالية الأسبق حمدي في برنامج تلفزيوني كثيرا من الوسائل والأساليب التي اعتمدها الحزب الحاكم في التعامل مع المال العام.. والوظيفة العامة. ومن المؤكد أن لجنة تقصٍ مستقلة ستكشف خفايا خطيرة عن سوء استخدام المال العام لمصالح حزبية أو شخصية. والمهم في هذا الجانب أن الطرق التي تكونت بها هذه الطبقة الحاكمة خلقت فوضى في التكوينات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، دون أن تسلم هي من هذه الفوضى.
وإذا كان الحزب الحاكم نفسه يعيش حالة اضطراب، فإن معظم الأحزاب تعيش حالة فوضى، انقسامات وتكتلات ومشاحنات ومكايدات، وهذا إفراز طبيعي لسنوات تخريب طويلة فعلت فعلها في كل الأحياء والأشياء. وفي ظل هذه الفوضى كيف يمكن أن تنجح عملية التسجيل الانتخابي، على الرغم من التوعية والدعاية وشحذ الهمم للإسراع بالتسجيل..؟ والمشكلة واضحة، وهي ان الدوافع غير موجودة والحوافز مفقودة. فإذا كانت الدوافع التي تدفع الافراد نحو التسجيل هي الأحزاب التي لها مصلحة في اكتمال التسجيل بما يضمن إجراء انتخابات حقيقية وسليمة، فإن الأحزاب باستثناء المؤتمر الوطني تشك مسبقا في نتيجة الانتخابات، حيث أنها تأتي في ظروف تضرب فيها الفوضى عميقا في تكويناتها وإمكانياتها وقواعدها، وقد ساهم الحزب الحاكم في كل تلك المآلات. أما الحوافز فمفقودة حتى الآن، حيث أنها تمثل معاني أكثر من حركات. الحوافز هي العناصر الجاذبة لاصحاب المصلحة الحقيقيين في نظام ديمقراطي سليم وحقيقي.
فليس هناك من يثق بأن الانتخابات ستكون تعبيرا حقيقيا عن ديمقراطية تتكافأ فيها الفرص، كما ليس مضمونا أن يفوز أي حزب معارض بمقاعد في ظل الاحتكار السياسي والأمني والمالي والإداري الذي يُحظى به المؤتمر الوطني. وفي ظل هذه الشكوك والفوضى لم تكن الاستهلالات الانتخابية مطمئنة، ولذلك ستظل مفوضية الانتخابات تصارع الزمن من أجل تسجيل اعداد إضافية من الناخبين، أو أن تلجأ القوى الحاكمة إلى الأساليب المجربة لديها في تغذية قوائم التسجيل بما يضمن مستوى من الحراك السياسي الذي يوفر لها بطانة ناعمة لـ «شرعية الحكم» دون ان يكون الشاغل استئصال الفوضى الاجتماعية والسياسية التي خلطت الأوراق، وأضاعت الفوارق والتمايزات، ومسحت الحدود بين الفئات والشرائح والطبقات حتى بدأ السودان بلا تكوينات غير تكونين عامين متقابلين ومتعارضين هما «من يملكون كل شيء ومن لا يملكون أي شيء». والذين لا يملكون أي شيء لا يملكون القدرة على تنظيم أنفسهم، ولا يملكون حق البقاء لا داخل سلطة ولا خارجها، فهم هائمون في متاهات البحث عن لقمة عيش شحيحة... لا يأبهون بالتسجيل ولا بالانتخابات ولا بمن في الحكم ومن في المعارضة، وتاركون كل شيء لله، مستسلمون لقدرهم أو يائسون ممن ينقذهم أو يأخذ بيدهم. هؤلاء هم الأغلبية الصامتة التي لا يعبر عنها أحد.
التعليقات
1/ د. محمد الجمري عطا المنان - (السودان - الخرطوم) - 1/12/2009 اسئلوا الله ياناس ان ينقذنا وينقذ السودان من ناس الانقاذ. اللهم يا كريم يا اكرم الاكرمين انقذنا منهم وولي علينا من يخافك ويرحمنا
--------------------------------------------------------------------------------
2/ هاشم علي الجزولي - ( السودان ) - 1/12/2009 لقد تم التدمير الممنهج لكيانات المجتمع في سبيل البقاء في السلطة وضربوا الادوات الفاعلة في المجتمع في مقتل والتي كانت هي أداة التماسك الاجتماعي وهما الطبقة الوسطي والتي كانت تمثل النموذج للشباب الطموح باالاعتماد علي روح المثابرة والاجتهاد معلية من قدر الكفأة المهنية ومساهمة في بناء المجتمع في أزكاء روح العدالة وبث القيم والاخلاق والعنصر الثاني كان هو عنصر الدين فلقد كان لرجال الدين أحترامهم لما لهم من تمسك بقيم الدين وليست شعارات هي الي الله وشعارات التمكين التي حورت الي تمكين العشيرة والقبيلة علي حساب الكفأة والوطن الان المطلوب هو أن يعمل المسؤلين علي محاولة الاصلاح بقرارت شجاعة وجريئة قبل فوات الاوان وأن يتذكروا أن هذة مسؤلية تاريخية وأن الوطن مهدد في بقائة ونسأل الله اللطف
--------------------------------------------------------------------------------
3/ مجاهد عبدالله - (السعودية) - 1/12/2009 صدقت اخى وانت بمقالك هذا أصبت عين الحقيقة فهذه الحكومة تعرف اشياء معينة اولها الحفاظ على نفسها وهذا ما فشلت فيه الاحزاب ..وتعرف ايضا ان تخدع الناس بالحديث عن الانجازات والاصلاحات مثل التعليم والصحة والبترول وهكذا ... وكلها ياليتها لم تكن موجودة لانه لم يستفد منها المواطن ... فكيف تحسب انجازات والبترول اغلى فى الثمن مما كان والخريج الجامعى اسوا مماكان وكيف تتحدث عن الاصلاحات وحتى اليوم تجد معظم السودانيين يشربون من الحفاير والترع ويعانون من عدم توفر لقمة العيش . اللهم لا اله الا انت فاصرف عنا من لايخشاك فينا يارب
الانتخابات في زمن الفوضى حيدر طه الصحافة 1/12/2009
لا يحتاج أي متابع مهتم ومشغول بشأن الانتخابات إلى جهد كي يصل إلى نتيجة أولية بأن البداية ليست مشجعة، والاستهلال غير مرضٍ، عندما يرى عملية التسجيل تسير ببطء مريع أقرب إلى الكساح، على الرغم من المنشطات والمقويات التي ظلت مفوضية الانتخابات تحرص على منحها لها كل حين لتحريكها قليلا ودفعها إلى الأمام لبلوغ نسبة معقولة تسمح بإجراء انتخابات «دستورية» في موعدها المقرر. جرعات المنشطات وعمليات التدليك المستمرة منذ أول يوم للتسجيل توحي بوجود علل كثيرة وأمراض خطيرة، ليست هي بنت اليوم، ولا أعراض طارئة جراء فيروس سياسي داهمها فجأة أو انتقل إليها بالعدوى من دول مجاورة، إنما هي قديمة نسبيا، يعود تاريخها عندما حدث نوع من الشرود السوداني والهروب الجماعي من ساحة النشاط السياسي، نتيجة الآثار المدمرة للإجراءات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية على المجتمع السياسي عامة، منذ عشرين عاما بالتحديد. عشرون عاما ليست مدة قصيرة قياسا بالأحداث التي جرت خلالها، وهي أحداث خلقت واقعا جديدا ومختلفا، كانت سمته الأساسية والظاهرة الاضطراب، وما تلاه من فوضى مست كل تفاصيل المجتمع وخلاياه، بدءاً من الأسرة إلى الخدمة المدنية، مرورا بالأحزاب والنقابات والجيش، فلم تستثن فردا ولا جماعة، بمن فيهم جماعة «الإنقاذ» نفسها، حيث وجد أفرادها أنفسهم في مكان مختلف عما عهدوه، ووجد الآخرون أنفسهم في مكان لم يألفوه. حدث انقلاب فعلا في المجتمع، انقلاب دمر نسيج الحياة السودانية، فكانت ردة الفعل الأولى أن هاجر السودانيون إلى المنافي الإجبارية والاختيارية، عندما شعروا بعدم إلفة مع نوع جديد من الانقلابات التي لا ترحم، شعاره العنف والعذاب والدم. كأنه جاء لينتقم من عامة السودانيين دون سبب معلوم أو حتى ذريعة مجهولة. لم يقل قادة «الانقلاب» حتى الآن لماذا لجأوا إلى كل تلك الأساليب والإجراءات غير الإنسانية، على الرغم من أنهم كانوا يملكون خيارات أخرى أكثر إنسانية وأكثر رأفة بالسودانيين. ولكن هل كانت تصورات جنون بأن الشعب السوداني لا يمكن حكمه إلا بقوة السلاح ونزف الدم والسجون؟ قد يعود السبب إلى تلك التصورات المسعورة المستولدة من فكر مصاب بلوثة السلطة والاحتكار والسطوة والنفوذ والتأله والتعالي، لينعكس على شكل انتقام على شيء لم يقترفه السودانيون وجريمة لم يرتكبوها. جنون السلطة مثل جنون الفرد، يهابه الناس، يفرون منه ويتجنبون مصاحبته، فيهربون حيث يشاء لهم الاستقرار والسكينة والأمان. فاختارت أكثرية السودانيين الهروب الداخلي عندما لم تتح لها فرصة الملاجئ والمنافي. أما الأقلية القليلة فظلت تصادم وتعارض وتشاكس، قابلة بعواقب التضحيات، فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.. ولكنهم قلة قليلة، لم تؤثر في الغالبية الغالبة المغلوبة على أمرها التي تركت السياسة وشأنها لـ «جماعة الإنقاذ» يلهون بها كيفما أرادوا ويعبثون بها كيفما رغبوا. في مثل هذه المناخات المضطربة، فقد السودانيون الثقة في السياسة، وابتعدوا عن «وجع القلب ودوشة الرأس»، وهو ما كانت تريده سلطة الإنقاذ، بضرب الحصار على النشاط السياسي الحر، فاتقنت فنون هذا الحصار ثم اتقنت فنون الاحتكار، فأيقن السودانيون أن الأمر كله بيد «الجبهة» التي تحولت بخدعة سينمائية إلى «المؤتمر الوطني»، في محاولة لتبرئة النفس من جرائم ارتكبتها «الجبهة الإسلامية» ولم يرتكبها المؤتمر الوطني، دون ممارسة فضيلة الاعتذار. فكان عزاء السودانيين الانغماس في البحث عن «الذات»، فطرقوا كل أبواب الرزق من أجل لقمة عيش شحيحة ومفقودة. وطرقوا أبواب السفارات وتسللوا من الحدود، وبحثوا عن مواطنة جديدة، بعيدة وآمنة. ومن لم يجد لجأ إلى «لحية» تمنحه جواز السفر إلى دخول المؤتمر الوطني، ففيه استقرار وأمان ولقمة هنية.. ومنهم من أبى وآثر البقاء بعيدا عنها كرها في الجبهة وذكرها، ومنهم من ظل عاطلا عن العمل، يقتات من سنامه أو سنام أخوانه المهاجرين واللاجئين والمنفيين جبرا أو اختيارا. فمنهم من طرق أبواب السلاح ليقول للنظام «أنا هنا»، فهؤلاء كانوا أكثر حظوة، فقد عرفوا الطريق السريع نحو البقاء أحياءً وانداداً لقادة الإنقاذ، فمنهم من استحق زمالة السلطة ومصاحبتها في خانة مساعد أو مستشار، أول والٍ أو نائب والٍ، أو صاحب رتبة رفيعة في الجهاز، أو ملحق في سفارة. وغالبيتهم بقي حاملا السلاح لا يرضى بـ «فتات السلطة»، إنما يريد من الكعكة زبدتها. هذا المشهد الاجتماعي البانورامي لا يوحي بالاستقرار بقدر ما يوحي بالفوضى الاجتماعية، التي خلطت الأوراق بين الدين والسياسة والاقتصاد وصلة القربى والمنافع والرشوة والفساد والنفوذ والسلطة. فلم تعد هناك حدود فاصلة بين الفئات والطبقات والشرائح، فهي تكوينات متبدلة ومتغيرة دوما. ومن المؤكد أن تضرب هذه الفوضى أعماق الأحزاب السياسية بدءاً بالمؤتمر الوطني نفسه الذي لم يعد يعرف ما هو المطلوب وماذا يريد من السلطة. فهل يملك برنامجا انتخابيا لخوض انتخابات وهو الحاكم عشرين عاما متواصلة أصبح فيها عاريا، يستطيع السودانيون وغيرهم أن يروا عوراته بلا أدنى استحياء. ماذا يمكن أن يقول المؤتمر في برنامجه الانتخابي؟ هل يستطيع أن يعد الناس بغير ما عرفوه عنه.. وهل يستطيع أن يأتي بما لم يأتِ به خلال عشرين عاماً..؟ هل استطاع أن يحافظ على وحدة بنائه وروحه ومجموعاته وفق رؤى فكرية محددة أم أصابته الانقسامات الداخلية، المسكوت والمكشوف عنها..؟ ألا يعيش المؤتمر الوطني فوضى عارمة، في بنيانه وفكره وقواعده وقياداته رغم مؤتمراته الحاشدة..؟ والمتابع الفطن لحالة المؤتمر الوطني يكتشف بلا أدنى جهد أنه حزب لا يعرف ما هو المطلوب وطنيا، واجتماعيا وسياسيا.. وإلا لكان قد نفذ المطلوب خلال العشرين عاما الماضية دون أن يطلب منه أحد ذلك، ولكن حال السودان يدل على أن الحزب الحاكم لا يعرف ما هو المطلوب وطنيا ولا اجتماعيا بدليل أحوال السودان الحالية.. فإذا قرأنا بعيون مفتوحة وقلب تقي نسبة الفقر والجوع في السودان نعرف التقاعس عن أداء الواجب الاجتماعي والاقتصادي. وإذا قرأنا حال الوطن المبعثر والمفتت فعليا دون أية بارقة أمل تلوح في الأفق تطمئن بوحدته، ندرك الأخطاء والخطايا السياسية التي جعلت الجنوب ودارفور على حافة الانفصال. قد يجزم بعض المحللين بأن كل ما يعرفه المؤتمر الوطني نتيجة لخبرته الطويلة في الحكم هو البقاء في السلطة واحتكار النفوذ. وحب البقاء في السلطة ليس مقياسا لفعالية الحزب ولا الحكومة، إنما قد يكون مقياسا صحيحا لاتقان الحزب في استخدام أدوات السلطة والدولة للحفاظ على السلطة. أما الفوضى الفكرية فتتمثل في أن الحزب الحاكم يريد أن يعبر عن مصالح كل الطبقات والفئات والشرائح والجماعات في آن واحد، وهو أمر مناقض لمفهوم الأحزاب التي تعبر في حقيقة الأمر عن مصالح فئات مختلفة ومتناقضة في معظم الأحيان. فالحزب الحاكم يعبر عن مصالح طبقة حاكمة الآن، طبقة أخذت تتكوّن، ولم تكتمل، خلال عشرين عاما استطاع أفرادها الحصول على ممتلكات وأموال ومصانع ومزارع وأطيان ومنازل وثروات أخرى لا تحصى ولا تعد.. فلينظر الحكام إلى طعامهم وسكنهم وارصدتهم وممتلكاتهم وعلاقاتهم ووظائفهم وأعمالهم، ورغم ذلك مازالت طبقة غير مكتملة، إذ تحتاج إلى غربلة وانتقاء كي تصبح مكتملة البنيان، فهي مازالت في مرحلة تكوين وانتقال. هذه الطبقة الحاكمة يصعب أن يتجاهل برنامجها الخاص والخفي مسألة الحفاظ على هذه المصالح بحيل كثيرة ووسائل متعددة، منها وسيلة السلطة والحكم، وستستميت من أجل هذه المهمة. وقد كشف وزير المالية الأسبق حمدي في برنامج تلفزيوني كثيرا من الوسائل والأساليب التي اعتمدها الحزب الحاكم في التعامل مع المال العام.. والوظيفة العامة. ومن المؤكد أن لجنة تقصٍ مستقلة ستكشف خفايا خطيرة عن سوء استخدام المال العام لمصالح حزبية أو شخصية. والمهم في هذا الجانب أن الطرق التي تكونت بها هذه الطبقة الحاكمة خلقت فوضى في التكوينات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، دون أن تسلم هي من هذه الفوضى. وإذا كان الحزب الحاكم نفسه يعيش حالة اضطراب، فإن معظم الأحزاب تعيش حالة فوضى، انقسامات وتكتلات ومشاحنات ومكايدات، وهذا إفراز طبيعي لسنوات تخريب طويلة فعلت فعلها في كل الأحياء والأشياء. وفي ظل هذه الفوضى كيف يمكن أن تنجح عملية التسجيل الانتخابي، على الرغم من التوعية والدعاية وشحذ الهمم للإسراع بالتسجيل..؟ والمشكلة واضحة، وهي ان الدوافع غير موجودة والحوافز مفقودة. فإذا كانت الدوافع التي تدفع الافراد نحو التسجيل هي الأحزاب التي لها مصلحة في اكتمال التسجيل بما يضمن إجراء انتخابات حقيقية وسليمة، فإن الأحزاب باستثناء المؤتمر الوطني تشك مسبقا في نتيجة الانتخابات، حيث أنها تأتي في ظروف تضرب فيها الفوضى عميقا في تكويناتها وإمكانياتها وقواعدها، وقد ساهم الحزب الحاكم في كل تلك المآلات. أما الحوافز فمفقودة حتى الآن، حيث أنها تمثل معاني أكثر من حركات. الحوافز هي العناصر الجاذبة لاصحاب المصلحة الحقيقيين في نظام ديمقراطي سليم وحقيقي. فليس هناك من يثق بأن الانتخابات ستكون تعبيرا حقيقيا عن ديمقراطية تتكافأ فيها الفرص، كما ليس مضمونا أن يفوز أي حزب معارض بمقاعد في ظل الاحتكار السياسي والأمني والمالي والإداري الذي يُحظى به المؤتمر الوطني. وفي ظل هذه الشكوك والفوضى لم تكن الاستهلالات الانتخابية مطمئنة، ولذلك ستظل مفوضية الانتخابات تصارع الزمن من أجل تسجيل اعداد إضافية من الناخبين، أو أن تلجأ القوى الحاكمة إلى الأساليب المجربة لديها في تغذية قوائم التسجيل بما يضمن مستوى من الحراك السياسي الذي يوفر لها بطانة ناعمة لـ «شرعية الحكم» دون ان يكون الشاغل استئصال الفوضى الاجتماعية والسياسية التي خلطت الأوراق، وأضاعت الفوارق والتمايزات، ومسحت الحدود بين الفئات والشرائح والطبقات حتى بدأ السودان بلا تكوينات غير تكونين عامين متقابلين ومتعارضين هما «من يملكون كل شيء ومن لا يملكون أي شيء». والذين لا يملكون أي شيء لا يملكون القدرة على تنظيم أنفسهم، ولا يملكون حق البقاء لا داخل سلطة ولا خارجها، فهم هائمون في متاهات البحث عن لقمة عيش شحيحة... لا يأبهون بالتسجيل ولا بالانتخابات ولا بمن في الحكم ومن في المعارضة، وتاركون كل شيء لله، مستسلمون لقدرهم أو يائسون ممن ينقذهم أو يأخذ بيدهم. هؤلاء هم الأغلبية الصامتة التي لا يعبر عنها أحد.
التعليقات
1/ د. محمد الجمري عطا المنان - (السودان - الخرطوم) - 1/12/2009 اسئلوا الله ياناس ان ينقذنا وينقذ السودان من ناس الانقاذ. اللهم يا كريم يا اكرم الاكرمين انقذنا منهم وولي علينا من يخافك ويرحمنا
--------------------------------------------------------------------------------
2/ هاشم علي الجزولي - ( السودان ) - 1/12/2009 لقد تم التدمير الممنهج لكيانات المجتمع في سبيل البقاء في السلطة وضربوا الادوات الفاعلة في المجتمع في مقتل والتي كانت هي أداة التماسك الاجتماعي وهما الطبقة الوسطي والتي كانت تمثل النموذج للشباب الطموح باالاعتماد علي روح المثابرة والاجتهاد معلية من قدر الكفأة المهنية ومساهمة في بناء المجتمع في أزكاء روح العدالة وبث القيم والاخلاق والعنصر الثاني كان هو عنصر الدين فلقد كان لرجال الدين أحترامهم لما لهم من تمسك بقيم الدين وليست شعارات هي الي الله وشعارات التمكين التي حورت الي تمكين العشيرة والقبيلة علي حساب الكفأة والوطن الان المطلوب هو أن يعمل المسؤلين علي محاولة الاصلاح بقرارت شجاعة وجريئة قبل فوات الاوان وأن يتذكروا أن هذة مسؤلية تاريخية وأن الوطن مهدد في بقائة ونسأل الله اللطف
--------------------------------------------------------------------------------
3/ مجاهد عبدالله - (السعودية) - 1/12/2009 صدقت اخى وانت بمقالك هذا أصبت عين الحقيقة فهذه الحكومة تعرف اشياء معينة اولها الحفاظ على نفسها وهذا ما فشلت فيه الاحزاب ..وتعرف ايضا ان تخدع الناس بالحديث عن الانجازات والاصلاحات مثل التعليم والصحة والبترول وهكذا ... وكلها ياليتها لم تكن موجودة لانه لم يستفد منها المواطن ... فكيف تحسب انجازات والبترول اغلى فى الثمن مما كان والخريج الجامعى اسوا مماكان وكيف تتحدث عن الاصلاحات وحتى اليوم تجد معظم السودانيين يشربون من الحفاير والترع ويعانون من عدم توفر لقمة العيش . اللهم لا اله الا انت فاصرف عنا من لايخشاك فينا يارب
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
مجاهد عبدالله - (السعودية) - 1/12/2009 صدقت اخى وانت بمقالك هذا أصبت عين الحقيقة فهذه الحكومة تعرف اشياء معينة اولها الحفاظ على نفسها وهذا ما فشلت فيه الاحزاب ..وتعرف ايضا ان تخدع الناس بالحديث عن الانجازات والاصلاحات مثل التعليم والصحة والبترول وهكذا ... وكلها ياليتها لم تكن موجودة لانه لم يستفد منها المواطن ... فكيف تحسب انجازات والبترول اغلى فى الثمن مما كان والخريج الجامعى اسوا مماكان وكيف تتحدث عن الاصلاحات وحتى اليوم تجد معظم السودانيين يشربون من الحفاير والترع ويعانون من عدم توفر لقمة العيش . اللهم لا اله الا انت فاصرف عنا من لايخشاك فينا يارب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
Quote: فمنهم من طرق أبواب السلاح ليقول للنظام «أنا هنا»، فهؤلاء كانوا أكثر حظوة، فقد عرفوا الطريق السريع نحو البقاء أحياءً وانداداً لقادة الإنقاذ، |
وهذه هي النتيجة الطبيعية للاستحواذ على السلطة والثروة بقوة السلاح . ولا يحلم الحالمون بنصيب في سلطة او ثروة أو عيش كريم بغير السير في طريق انتزاع الحقوق بالقوة مثلما فعل الانقاذيون . لك الشكر أخي الكيك على نقلك للمقال .. والتقدير للأستاذ حيدر .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=6922 -------------------------------------------------------------------------------- بتاريخ : الخميس 03-12-2009
: التحية لسلفا .. والعار على جلاديها !!
: د. عمر القراي
حين سقط على ظهرها السوط الأول، والثاني، والثالث، لم يتحمل جسدها البض، وارتعدت فرائصه دون ارادتها، وقد شغلها عن الألم الشديد، محاولتها ان تكتم في صدرها صراخها، وآهاتها، في شجاعة ، لعلها استمدتها من تفكيرها في أهلها، وفي ابطال وبطلات الزاندي، الذين كانت تسمع وهي صغيرة، قصصهم من أمها، وهي تهدهدها لتنام على حجرها .. ولكنها مهما جاهدت، لم تستطع ان تخفي دموع غزيرة انسابت من عينيها، ولم تستطع ان تثبت في مكان واحد، فتحركت هنا وهناك، تحاول ان تتقي لهب السياط، والشرطية الصارمة، تطاردها وتضربها، حتى أكملت خمسين سوطاً !! وإذ رجعت بذاكرتها لساعة ، تحاول ان تدرك ماذا حدث قبل ان تحضر امام القاضي، ويأمر بجلدها خمسين جلدة ، ترى نفسها، وقد خرجت من بيت أهلها، وكانت أمها قد ارسلتها لتشتري اشياء من سوق الكلاكلة ، فإذا برجل يسير خلفها لمسافة طويلة ، وهو يعاكسها بعبارات نابية ، سمعتها كثيراً ، في المواصلات العامة ، من كثير من الصعاليك .. وحين التفتت اليه، وواجهته بسوء فعلته، لابد انها قالت له كلمات اوجعته، ولابد ان الشارع انتبه الى ذلك الكلام ، فما كان من الرجل -الذي لا يلبس أي زي عسكري- الا ان يمسك يدها، ويصرخ بأنه من شرطة النظام العام، وانه سيفتح عليها بلاغاً .. ثم اخذ يمسكها ويجرها بيده، وسط دهشة المارة، وعدم مقدرتهم على التدخل، لأنه قال انه من الشرطة، وان هذا البنت ارتكبت جريمة .. ويبدو انه حتى تلك اللحظة ، لم يحدد ما كان يود ان يلصقه به، الا حين وصل الى زملائه في القسم ، فرأوا انسب ما يبرر دعواهم، ويخرج صاحبهم من جريرته، ان يفتحوا البلاغ تحت قانون النظام العام، الفضفاض، وتحت مادة الزي الفاضح وخدش الحياء .. لقد ذهبوا بها الى قاضي محاكم النظام العام الايجازية، فلم يعطها حق استدعاء محامي، بل منعها حتى من الاتصال بأمها، التي تعمل في القضائية ( والدها متوفي) .. ولم يأبه هذا القاضي العجيب لما ذكرته له من انها ليست مسلمة، وانها جاءت من الجنوب قبل أيام، ولا تعرف لماذا يشكل لبسها هذا جريمة تستحق عقوبة .. ولم تجعله كل هذه الملابسات يتردد، فيتحرى عن دينها أو عمرها، ولو فعل لعلم انها تعتبر بحسب القانون طفلة، لا ينطبق عليها موضوع الزي الفاضح، ولعلم انها مسيحية، لا تقييد بشريعة المسلمين واعرافهم .. إن سلفا أويل الفتاة الجنوبية المسيحية التي عمرها دون الثامنة عشر كانت ترتدي (اسكيرت) طويل ( وبلوزة) نصف كم، ولم تكن تغطي رأسها .. فما هي مرجعية القاضي، التي بموجبها قام بجلدها؟! إن القاضي الذي حكم على لبنى الصحفية المشهورة، قال ان مرجعيته لتحديد الزي الفاضح، هي الشريعة الإسلامية، وقرأ من القرآن آية ( وليضربن بخمرهن على وجوههن ) ، فهل كان من الممكن ان يقول ما قال، لو لم تكن لبنى مسلمة ؟! ثم ما هو مبرر قاضي سلفا، لجلدها خمسون جلدة ؟! إن حد السكر في الشريعة الإسلامية اربعين جلدة .. وعقوبة الزي الفاضح في قانون النظام العام الجلد اربعين جلدة كحد أفقصى فلماذا تجاوز القاضي ما علم من الدين بالضرورة وما ورد في القانون الذي امامه وجلد سلفا خمسين جلدة ؟! ترى ما هي الصورة، التي رسمتها سلفا بنت الستة عشر عاماً ، للشرطية الذي قامت بجلدها، والقاضي الذي حكم عليها، وكل المواطنين الشماليين الذي حضروا ولم يستنكروا هذه الجريمة النكراء ؟! هل يتوقع من سلفا، أو أهلها، واصدقائها، أن يصوتوا في الاستفتاء للوحدة أم لانفصال الجنوب ؟!
إن روح فلسفة العقاب في الدين، وفي القانون الوضعي، هي ان يفهم المعاقب جرمه، ويقتنع بانه يستحق العقوبة المقررة عليه، وانها تناسب ما ارتكب من خطأ .. وذلك حتى تنشأ في نفسه بجانب خوف العقوبة، قناعة تساعده على عدم تكرارها .. ويجب ان تتم المحاكمة، بصورة علنية ، تحقيقاً لهذا الغرض، ويمنح المتهم كافة الفرص، التي تعينه على الدفاع عن نفسه مباشرة او بواسطة محامي .. ويجب ان تستمع أي محكمة محترمة، بصبر وأناة ، الى دفاع المتهم مثلما استمعت الى قضية الإدعاء، وشهادة الشهود ، ثم تأخذ الوقت الكافي، الذي يمكنها من المقارنة وتحليل الادلة، والترجيح بينها، حتى تخلص الى الحكم الصحيح، الذي يكون أقرب الى تحقيق العدالة . وهي في عملها هذا، ترعى الى جانب تحقيق العدالة، الكرامة الانسانية للمتهم، فلا تحط من قدره ، ولا تحكم عليه سلفاً، ولا تقضي بغير البينات .. فماذا تم في محاكمة سلفا ؟! لقد قبض عليها، وحكم عليها، واعطى القاضي الأمر بالتنفيذ ، ونفذ الحكم، ورجعت الى بيتها بالمواصلات العامة، خلال ساعتين فقط !! فهل يبرر هذه العجلة، المهدرة للحقوق، والمهينة لانسانية الإنسان ، كون محاكم النظام العام محاكم إيجازية سريعة، تلاحق ما يجري في المجتمع بسرعة قبل ان ينفرط عقد الأمن ؟!
إن ما حدث للإبنة سلفا، ليس حماية للنظام أو الاخلاق، وانما هو اهدار للقيم، واستبداد على الناس، وتشفي، واستغلال للقانون لتغطية أمراض النفوس، وحماية المتورطين في التحرش الشهواني، الذي أصبح اصحابه يملكون سلطة، بعد ان التحقوا بحزب الحكومة، ودخلوافي قواتها النظامية . ولقد طال هذا الظلم الفادح، قبل سلفا الكثيرات، من بنات جنسها وها هي تلحق بركب طويل ، ضم في عام 2008م وحده 43 ألف إمراة سودانية، جلدن، وغرمن، وحبسن، بتهمة الزي الفاضح .. وكان معظمهن يلبسن ( البنطلون)، ولم يعف كثير منهن، انهن كن يغطين رؤوسهن، كما رأينا في قضية لبنى، كما لم يعف كثير منهن، انهن غير مسلمات، ولا ينتمين الى التراث العربي الاسلامي، الذي يفرض على المرأة ان تغطي جسدها ..
إن قانون النظام العام، إنما يشوه الشريعة، ويشوه الإسلام، وينفر عنهما أشد التفير .. ولو كان النظام حريصاً على الإسلام، لألغى هذا القانون، من هذا الباب وحده ، واعاد شرطته، الى اقسام الشرطة الأخرى.. أما تشويهه للشريعة ، فإنما يجئ من ان عقوباته القاسية تتشبه عقوبات الشريعة، من حيث شدتها ، ولكنها لا تشبهها .. وذلك لأن الشريعة تحرص على دقة تحري للعدالة ، وعلى اظهار الحق ، وتطبق على جميع الناس دون تمييز بينهم .. وكان الخلفاء الراشدون – وهم وحدهم من طبق الشريعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم - يبدأون بتطبيق العقوبات على أهلهم، وذويهم قبل بقية الناس .. وأما تشويهه للاسلام، فإنه يجئ من الجهل باهداف الاسلام السامية ، التي عبرت عنها أصوله، بأكثر مما عبرت عنها الشريعة .. هذه الأصول، التي تركز على الحرية الفردية، والكرامة الانسانية، بصورة لا يدانيها فهم آخر .. وفي أمر الاخلاق، فإن التربية يجب ان تتم بالنموذج، لا بالخطب الرنانة، والمواعظ المكرورة . وفي حالة سلفا، فإن النموذج الذي ضربه لها شرطي النظام العام - حسب روايتها- قد كان نموذج معتدي ، ومتحرش جنسي، لا علاقة له بالدين ، أو الاخلاق .. أما القاضي، فلم يكن نموذجاً للعدالة والانصاف، وانما كان عكس ذلك تماماً .. ولما كانت سلفا، قد افهمت ان جلدها، وإهانتها، قد تم وفق قوانين، مرجعيتها الإسلام ، فإنها بلا شك ، قد انطبعت في عقلها ، صورة قاتمة لهذا الدين، الذي يجلد الأطفال، بسبب ما يلبسون !! فلمصلحة من تفعل الحكومة كل ذلك ؟ هل يتم لمصلحة الاسلام، أو لمصلحة حزب المؤتمر الوطني، وهو مقبل على الانتخابات ، التي يريد ان يكسبها بكل سبيل، حتى يقنع المجتمع الدولي، بالتفاف الشعب حول قادته ؟!
لقد واجهت الصحفية الشجاعة، لبنى أحمد حسين، هذا القانون البشع، وشرطته، مواجهة كبيرة .. فقد اصرت على ان زيها ليس فاضحاً ، وجاءت به الى قاعة المحكمة ، ورغم ان القاضي قال ان مرجعيته هي الشريعة ، فإنها لم تسعفه، لأن لبنى كانت تغطي شعرها، ونحرها ويديها ولم يجد في الشريعة أي نص يمنع لبس البنطلون .. ولقد افلحت لبنى، في تعبئة الرأي العام الداخلي والخارجي، حتى صارت سيرتها في كل صحف، واذاعات، وقنوات العالم .. فتعاطفت معها الأمم المتحدة، ورؤساء بعض الدول، وثار الحديث عن الجلد كعقوبة مهينة للانسانية ، فلم يملك القاضي الا ان يتجاوز الجلد ويحكم بالغرامة !! ولو كان أمر قانون النظام العام، أمر دين، يقوم على الصدق، لأصر القاضي على جلد لبنى، مهما تعاطف العالم معها ، ولما حاول ان يجد مخرجاً ساهلاً بالغرامة .. ولكن لبنى لوعيها بالصراع، رفضت دفع الغرامة، وفضلت السجن .. وبالفعل رحلت الى سجن كوبر، ولم تمكث فيه الا يوم واحد، ثم اطلق سراحها ، رغم ان قرار القاضي هو شهر سجن .. فمن الذي اطلق سراح لبنى وكسّر قرار القاضي ؟! ولماذا قبض عليها أصلاً ؟! ولماذا جلدت سلفا ولم تجلد لبنى ؟! وكيف تخاف هذه الدولة ولا تختشي ؟! وأين هي سيادة حكم القانون ؟! وهل يجوز ان يبقى مثل هذا القانون، مسلطاً على رقابنا، ومهدداً لأمن وسلامة بناتنا، وأولادنا، ويصر المؤتمر الوطني على عدم تغييره، أو تعديله ، ويبقي على القوانين المماثلة كالقانون الجنائي، وقانون الأمن الوطني ، ثم نوافق على الانتخابات التي يديرها، والتسجيل الذي زيفه كما شاء، ظناً منا ، اننا برغم كل هذا ، يمكن ان نهزمه في الانتخابات ؟!
إن أسرة سلفا لم ترض بهذا الظلم، وكلفت محامي لرفع قضية تسترد بها بنتها حقها، فقد حوكمت كشخص بالغ، وهي لا تزال طفلة، وحكم عليها وفق مرجعية إسلامية وهي مسيحية .. ومن حيث العرف، فإن قبيلة الزاندي، التي تنتمي اليها، لا تستنكر زيها، ولا ترى فيه أي مفارقة للاخلاق . ولكن هل ستجد هذه الأسرة المكلومة ، في محكمة الاستئناف، من يقف بجانب الحق، ويدين قاضي النظام العام ؟! إن كل التجارب مع محكمة الاستئناف، منذ مجئ حكومة الانقاذ، في عام 1989م، أنها كانت تقف باستمرار، في القضايا العامة، وقضايا النقابات، والحريات، مع الحكومة، فهي مسيسة تماماً. وقد درجت على شطب قضايا الاستئناف، منذ قضية اساتذة جامعة الخرطوم، وحتى قضية الرقابة القبلية على الصحف. فقد استأنف بعض الصحفيين، قرار الرقابة القبلية ، وطالبوا برفع الرقابة ، لتعارضها مع إتفاقية السلام الشامل ومع الدستور الانتقالي . فشطبت محكمة الاستئناف الطلب، وذكر قاضيها في حيثياته، انه نظر الى القوانين السودانية فلم يجد فيها ما يمنع الرقابة على الصحف !! هذا بدلاً من ان ينظر الى ابواب الحريات في الدستور، ويجد منها حرية التعبير، فيأمر برفع الرقابة لتعارضها مع الدستور .. ولقد ظن قاضي محكمة الاستئناف، انه بقراره هذا، سيفرح الحكومة ، ولكن الحسابات السياسية، كانت خارج نطاق تصوره، ومتعلقة بمسائل خارج السودان .. ولهذا قام رئيس جهاز الأمن، برفع الرقابة على الصحف، وقال انه يعلم ان قرار محكمة الاستئناف، يعطيه الحق في الاستمرار في الرقابة، ولكنه قرر رفعها، لأنه لا يريد ان يكون ( متعسفاً ) مثل المحكمة !!
إن التغيير الذي تحتاج اليه بلادنا، حتى تتجنب ما يهددها الآن من مجاعة، ومن صراعات وحروب، وانفصالات تشير الى تمزق الوطن، واهدار طاقاته وموارده، ليس اصلاحاً قانونياً، في نظام أكل الفساد لحمه وعظمه، وانما اصلاح سياسي، يغير هيكل السلطة ، وطبيعتها ، وأهدافها وممارساتها، ويضبطها بما تم الاتفاق عليه من تحول ديمقراطي .. ولأن المؤتمر الوطني لا يريد هذا التغيير، فإنه لن يجعله يتم من خلال انتخابات، هو المشرف الوحيد عليها .. لهذا ليس أمام الأحزاب السودانية، إن كانت جادة، وغير طامعة في فتات المؤتمر الوطني، الا مقاطعة الانتخابات، ورفض نتائجها منذ اليوم، إذا خاضها المؤتمر الوطني وحده، ثم رفض ما يترتب على هذه النتائج ، وعدم الاعتراف بالحكومة ، التي تجئ في اطار القوانين المقيدة للحريات، لأن قوانينها هذه ، لا تعترف بالشعب، فلماذا يعترف الاشعب بها ؟!
والاحزاب السياسية ، يجب ان توعي جماهيرها، بالمقاطعة، واسبابها، وتحثهم على التأكد من انها شاملة ، بدلاً من ان تدعوهم للتسجيل، رغم علمها بما جرى من تزوير في التسجيل، رفضت مفوضية الانتخابات تصحيحه، بعد ان رفعت اليها الاحزاب شكواها .. فقد جاء ( استنكر فاروق أبو عيسى البطء في الوفاء باستحقاقات الانتخابات الحرة النزيهة ومنها تعديل قانون الانتخابات كما استنكر تجاهل مفوضية الانتخابات لمذكرة القوى السياسية حول خروقات التسجيل الانتخابي ) ( اجراس الحرية 2/12/2009م ) . فإذا كانت الاحزاب ترى ان التسجيل به خروقات، وتزوير، فلماذا تدعوا جماهيرها للاستمرار فيه ؟! إن واجبها هو رفع قضية الوطن فوق خدعة الانتخابات، وتكثيف النشاط حول قضايا الوطن الكبرى، مثل عدم تنفيذ اتفاقية السلام، والاستفتاء وحق تقرير المصير، وقضية الانفصال السلمي ، وقضية دارفور، وشبح المجاعة التي تهدد البلاد، وقضية الحريات العامة ، ومواجهة المؤتمر الوطني، بدوره السالب، في كل هذه القضايا الجوهرية، وفقده بذلك مبررات بقائه .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
معضلة إختيار الجنوب للوحدة في ظل استمرار قوانين الإنقاذ!!
السودانى
السبت, 05 ديسمبر 2009 07:19 يقلم: طه إبراهيم المحامي
لقد قامت الدنيا ولم تقعد بسبب تصريح نائب الرئيس السيد سلفاكير الذي قال فيه للجنوبيين ما معناه اذا اردتم ان تستمروا مواطنين درجة ثانية في السودان فاختاروا الوحدة، ثم جاء تصريح دينق الور من انهم لن يختاروا الوحدة في ظل دولة اسلامية. حقيقة الامر ان الجنوبيين اذا اختاروا الوحدة في ظل استمرار سريان قوانين الانقاذ التي زعموا انهم اخذوها من الشريعة فانهم سيحكمون على انفسهم باستدامة وضعهم كمواطنين درجة ثانية، ذلك ان اختيار الوحدة يعني صيرورة الجنوبي مواطنا سودانيا، ويكون السودان كله وطنه، وعاصمة بلده ستكون الخرطوم، وسيكون الجنوبيون موجودين في كل مكان في السودان وخاصة العاصمة حيث المؤسسات الدستورية التي لهم فيها عضوية، وفي الخدمة المدنية في كل السودان، والآن تعالوا نستعرض اوضاعهم في السودان الشمالي عامة وفي عاصمتهم القومية بشكل خاص.
**معروف ان الاغلبية الساحقة من الجنوبيين غير مسلمين وحتي القلة المسلمة منهم اسلمت في اطار ثقافتها المحلية واعرافها وتقاليدها التي لم تتخل عنها. وتعرفون ان النظام المصرفي هو اهم ذراع في الاقتصاد، ولا يمكن الاستغناء عنه او تجاهله، الآن في السودان جميع غير المسلمين مقهورون وملزمون للخضوع لما سمي بالنظام المصرفي الاسلامي، اي ان الجنوبي في شمال السودان- وطنه اذا اختار الوحدة- مجبر بان يتعامل بالصيغ التي سميت اسلامية من مرابحة مشاركة ومضاربة الخ...
والمشكلة الاكبر ان هذا القهر جاء بطلب من قلة من الناس هم فقهاء النظام الذي وبغرض تمكين النظام واهله من الثروة والسلطة اعتبروا ان هذه الصيغ التجارية هي عين الشريعة الاسلامية الواجبة التطبيق في كل زمان ومكان بالرغم من ان اغلبية فقهاء المسلمين والاغلبية الساحقة من الدول الاسلامية لا تأخذ بهذه الفتوي، لان هذه الصيغ التجارية هي صيغ تجارة عرب الجاهلية وقد اقرهم عليها النبي الكريم لان الله لايكلف نفسا الا وسعها، ولأن هذه الصيغ كانت تعبر عن اقصى ما في وسعهم الاقتصادي في القرن السابع الميلادي، وحتي تحريم الربا لم يأت بعيدا عن رؤية المجتمع العربي الجاهلي، اذ كان عليه القوم واشرافهم يعتبرونه من اقبح المنكرات لانه كان استغلالا بشعا لفقراء الناس وضعفائهم. والآن وقد تغير وسع المجتمع الاقتصادي وتجاوز صيغ تجارة رحلتي الشتاء والصيف الا ان فقهاء نظام الانقاذ رفضوا ان يستمعوا لهدير صناعات العصر الحديث وتجارته الالكترونية فمنعتهم مصالحهم من ان يروا مصالح تنمية السودان وتشجيع الاستثمار وزيادة خيراته ومقتضيات وحدته فابقوا على نظام تجارة القرن السابع الميلادي.
فلماذا يختار المواطن الجنوبي ان يقهر على الخضوع لهذا النظام؟! ومن الاقتصاد ننتقل الى الثقافة بما فيها من عادات وتقاليد وزي، وما يشربه الناس ويأكلونه، وطرق تعبيرهم عن الفرح الخ.... فاننا نلحظ بصفة عامة ان القانون الجنائي وقانون النظام العام بولاية الخرطوم يجرمان كل ثقافات الجنوبيين، واكثر ما نلحظه بالنسبة مثلا للاشربة المكسرة، فاهل الجنوب يعتبرون بعضها طعاما، ولا يحرمون ايا منها، ولا يستقبحون شربها او صنعها او تداولها او الاتجار فيها، فاذا بنا نشاهد كل يوم عشرات الشباب الجنوبي يضربون بالسياط على ظهورهم في المحاكم، وعشرات النساء يرسلن الى السجون بسبب ممارستهم الثقافية. ويبلغ الاستعلاء ضد هذه الممارسات ان القانون الجنائي في مادته78 يقول(ان من يشرب الخمر يجلد اذا كان مسلما) اي ان شرب الخمر لغير المسلم ليس جريمة وانها مباحة له، فكيف يتحصل غير المسلم على هذا الشراب؟).
القانون وبدلا من ان يسمح لغير المسلم ان يتعامل في الخمر حتي يتمكن من شربها اذا به في المادة79 يقرر بان (من يتعامل في الخمر بالبيع او الشراء او يقوم بصنعها او تخزينها او نقلها او حيازتها بقصد التعامل فيها مع الغير او يقدمها او يدخلها في اي طعام او شراب او مادة يستعملها الجمهور او يعلن عنها او يروج لها باي وجه يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة كما يجوز معاقبته بالغرامة). ويلحظ هنا ان النص واجب التطبيق على الجميع مسلمين وغير مسلمين، وان السجن فيه الزامي، فلماذا يصوت الجنوبي ليبقي مواطنا في بلد تصادر كل عاداته وتقاليده في الاشربة التي يتعامل معها يوميا؟ بل ويكون عرضة للسجن وهو ما يجري تطبيقه يوميا على النساء الصانعات لهذه الاشربة البلدية. وتعالوا نرى الامر بالنسبة لمشروعية السلوك او الزي او ما يقدم في المسارح او الملاهي او دور العرض او اي مكان عام من موسيقى ورقص مختلط فان القانون يرجع مشروعية كل ذلك الى الدين الذي يعتنقه الفاعل او عرف البلد الذي يقع فيه الفعل، وتجدر الملاحظة هنا ان دين الشخص لو خلا من حكم في المسألة فان الامر ينتقل الى عرف البلد، والعرف المقبول في قانون اصول الاحكام القضائية هو العرف الذي لايخالف الشريعة الاسلامية ومن ثم فاننا سنحكم على كل ممارسات اهل الجنوب في احتفالاتهم وطقوس افراحهم واختلاط نسائهم مع رجالهم بانه رجس من عمل الشيطان.
اذا صوت الجنوبي للوحدة فان عاصمته القومية ستكون الخرطوم، وهي محكومة بقانون النظام العام حيث تم تجفيف منابع الفرح وتمت مصادرة الحريات الشخصية وقولبة سلوك الانسان في قوالب الشريعة السلفية بغض النظر عن دينه او معتقده. وتعالوا نفحص هذا القانون ونقارنه مع اعراف وتقاليد اهل الجنوب. المادة الخامسة تمنع اقامة حفل غنائي خاص الا بتصديق، واذا حصلت على تصديق فعليك ايقاف الحفل في الساعة الحادية عشرة مساء، وعليك الا تسمح بالرقص المختلط او برقص النساء امام الرجال وعلى الجميع مسلمين وغير مسلمين الا يقيموا حفلا غنائيا خلال الفترة من الساعة الثانية عشرا ظهرا حتي الساعة الثانية مساء من يوم الجمعة.
في حقل المواصلات العامة يفرض فصل كامل بين الرجال والنساء وحظ النساء من مقاعد الجلوس كحظهن في عدد الزوجات فقد خصص لهن25% من المقاعد. وفي اماكن تصفيف شعر النساء حكمت الضوابط الشرعية في التعامل بين الرجال والنساء، وهي ضوابط لا يأخذ بها غير المسلمين، فقد حظرت المادة14 على المحلات استخدام اي رجل في العمل، كما حظر دخول الرجال لاي محل لتصفيف شعر النساء. وحول شروط العاملات قرر انه لايجوز استخدام عاملة بالمحل الا بعد التأكد من استقامتها وحسن سيرتها، كما قرر انه يجب الا يقل عمر مديرة المحل عن خمسة وثلاثين عاما. ويلاحظ ان كل هذه القواعد بخلاف انها تصادر حقوق وحريات غير المسلمين انها بالنسبة للمسلمين غير دستورية.
ويمضي القانون في مادته20 ويلزم على كل جهة تتعامل بطريقة اصطفاف المواطنين ان تفصل بين النساء والرجال. ويتكرر حكم قفل المحلات التجارية في المادة21 مابين الساعة12 ظهرا والساعة الثانية ظهر يوم الجمعة وهذه مصادرة تامة لحقوق غير المسلمين، وتكتمل المصادرة في المادة24 التي تقول بانه لايجوز لاصحاب المطاعم والبوفيهات والكافتيريات وكل من يعمل في بيع الطعام او الشراب مزاولة عمل البيع خلال نهار رمضان. ومن يخالف هذه الاحكام معرض للسجن لمدة خمس سنوات او الغرامة او الجلد او مصادرة الادوات المستخدمة في المخالفة او سحب الترخيص او اغلاق المحل لمدة سنتين، ويبلغ التعالي على غير المسلمين وفي الواقع هو تعالٍ حتي على المسلمين الذين يخالفون اهل الانقاذ الراي في تطبيق الشريعة، نقول يبلغ التعالي مداه في تطبيق العقوبات الحدية على غير المسلمين واولها عقوبة الجلد التي يصنفها دستور 2005م في مادته33 بانها تعذيب ومعاملة قاسية ولا انسانية ومهينة. وكل هذه العقوبات لا مصدر لها سوى الشريعة، ويقهر بها غير المسلمين، وبطبيعة الحال فان المواطن المقهور باحكام دين لا يعتنقه يشعر بالاذلال الذي يحوله الى مواطن درجة رابعة وليس الثانية فقط، فضلا على ان كل هذه العقوبات تخالف صراحة دستور2005م.
قلنا اذا اختار الجنوبي الوحدة فان شمال السودان كله يعتبر وطنه وليس الجنوب وحده، هذا الجنوبي غير المسلم اذا ارتكب في شمال السودان جريمة الزنا وكان محصنا يعاقب بالاعدام رجما (م145) والكارثة الكبرى بالنسبة للجنوبي غير المسلم انه يطبق عليه مفهوم الاحصان الشرعي، بمعني انه لايعتد بزواجه اذ (لايعتبر النكاح المجمع على بطلانه رباطا شرعيا) (م145)(3) اذ(يقصد بالاحصان قيام الزوجية الصحيحة وقت ارتكاب الزنا على ان يكون قد تم فيها الدخول) (م146)(3) ومعروف ان الجنوبيين من اتباع الديانات الافريقية هم الغالبية لهم طقوس في الزواج يجمع فقهاء السلف بانها اباطيل وبدع، ومنها ان الدخول قبل دفع البقر لا يشكل جريمة ولا هو عيب، وهذا الوضع يخلق مفارقة غريبة اذ الجنوبي المسيحي الذي يتزوج في الكنيسة سيعتبر محصنا ويعاقب بالاعدام، اما اذا كان متزوجا بمفهوم الديانات والاعراف الافريقية فانه لن يعتبر محصنا فيجلد مائة جلدة.
اما نفس الجنوبي اذا ارتكب جريمة الزنا في الجنوب فانه يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز سنة او بالغرامة، ونص المادة146(4) لايستخدم كلمة احصان، وانما يقرر بان الجاني لو كان متزوجا فانه يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز ثلاث سنوات او بالغرامة او بالعقوبتين، فاهل الانقاذ يريدون من الجنوبيين التصويت للوحدة بغرض ان يخضعوا لعقوبة الاعدام في عاصمتهم القومية بل وفي كل مكان في شمال السودان، اما اذا اختار الاستقلال فاقصي عقوبة الزاني المتزوج ثلاث سنوات. اذا ادين الجنوبي غير المسلم في اي مكان في السودان بجريمة السرقة الحدية يعاقب بقطع اليد اليمني من مفصل الكف، اما اذا ادين بالسرقة غير الحدية فانه يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز سبع سنوات كما يجوز معاقبته بالغرامة او بالجلد او بما لايجاوز مائة جلدة (م173،174). ولا اعرف مصدر الاصرار على اهانة الناس بالجلد، ويجدر ان نلحظ هنا ان السجن الزامي فكيف يضاف اليه الجلد.
واذا ارتكب الجنوبي غير المسلم جريمة القذف يعاقب بالجلد ثمانين جلدة، وهذا نص قرآني فكيف يطبق على غير المسلمين (م157). اما جريمة الحرابة وينبغي ملاحظة انها حد قرآني فاذا ارتكب الجنوبي غير المسلم هذه الجريمة في شمال السودان فانه يعاقب بالاعدام او بالاعدام مع الصلب اذا ترتب على فعله القتل او الاغتصاب، ويدهشني هذا الحكم الذي يقضي بالاعدام اذا ارتكب الجاني اغتصابا بينما عقوبة الاغتصاب في المادة (149) هى الجلد مائة جلدة والسجن مدة لاتجاوز عشر سنوات، ويعاقب الجاني بقطع اليد اليمني والرجل اليسري اذا ترتب على فعله الاذي الجسيم اوسلب مالا يبلغ نصاب السرقة الحدية، ويعاقب بالسجن مدة لاتجاوز سبع سنوات في الحالات الاخري.
والمفارقة في هذه المادة ان الجنوبي غير المسلم وكذلك المسلم شماليا كان او جنوبيا او ارتكب الجريمة في الجنوب، فان العقوبة هى الاعدام اذا ترتب على فعله القتل او بالسجن المؤبد اذا ترتب على فعله الاغتصاب، وبالسجن عشر سنوات اذا ترتب على فعله الاذى الجسيم او سلب المال وبالسجن سبع سنوات في الحالات الاخرى. واخيرا نذهب الى القصاص حيث تنص المادة139 جنائي بان (من يرتكب جريمة تسبيب الجراح عمدا يعاقب بالقصاص..) اي السن بالسن، والعين بالعين، واليد باليد، واللسان باللسان، والعضو التناسي بمثيله وهكذا، وتطبق هذه العقوبة على كل من يوجد بشمال السودان سواء كان مسلما او غير مسلم جنوبيا او شماليا.
اما اذا ارتكبت الجريمة في جنوب السودان- وهنا تتكرر مفارقة الحرابة- سواء ارتكبها مسلم او غير مسلم، جنوبي او شمالي، فان العقوبة هي السجن مدة لاتجاوز خمس سنوات او بالغرامة او بالعقوبتين معا، ذلك دون المساس بالحق في الدية، وبالرغم من ان تطبيق الحدود في هذا الزمان امر مختلف حوله بين المسلمين خاصة ان الغالبية الساحقة من الدول الاسلامية لاتطبقها، ومنهج الوسع القرآني يرفع تطبيقها في هذا الزمان لانها جاءت على قدر قامة وسع العرب في القرن السابع الميلادي الذين لم يكن يعرفون السجون ولايقدرون على اقامتها وتحمل تكاليفها ونظامها، ولهذا لم يكن هناك سجن في المدينة حتي وفاة الخليفة الاول، كما ان العرب لم تكن تعرف عقوبة الغرامة لان انعدام السجن لايكفل وسيلة لاجبار المحكوم عليه على دفع الغرامة، ولهذا اقتصرت العقوبات على ما افرزته اعراف العرب في العقوبات، وقد اقرهم عليها القرآن عملا بقاعدته التي تأمر بالاخذ بالعرف خاصة وان الاعراف تعتبر النموذج الذي يعبر عن وسع الناس الذين انتجوا هذه الاعراف.
نقول بالرغم من هذا الخلاف الا ان تطبيق الحدود على غير المسلمين امر يعبر عن قهر ديني يمارس على غير المسلمين خاصة اذا كان غير المسلمين هم من السكان الاصليين للسودان، وان الاسلام وفد عليهم قبل حوالي خمسمائة عام بينما كانت المسيحية سائدة في السودان طوال الف عام قبل الاسلام، وحقيقة الامر ان فرض هذه الاحكام على غير المسلمين هو امر مقصود به الجنوبيين خاصة لان الحركة الاسلامية ومنذ الستينيات كانت تري ان بقاء الجنوب كجزء من السودان سيعيق تطبيق الشريعة ان لم يجعله مستحيلا، وقد واجهوا الجنوبيين في لجان الدستور بعد ثورة اكتوبر حيث كانوا يطرحون الدولة الاسلامية واهل الجنوب طرحوا الدولة المدنية، فتنفير الجنوبيين من البقاء في السودان الموحد سياسة ثابتة للحركة الاسلامية، ولهذا كانوا اول من عرض تقرير المصير للجنوب في مفاوضات فرانكفورت، ولهذا ايضا يصرون على الابقاء على هذه الاحكام المنفرة لغير المسلمين للبقاء في السودان رغم علمهم انها جميعا صارت غير دستورية بموجب دستور2005م.
ولابد ان اختم هنا بنموذج من الاقتدار النبوي الذي يعطينا كل العبر والدروس العميقة التسامح بالتنازل في سبيل اقرار السلام وحقن الدماء واستمرار فرص التعايش والتعامل المشترك بين كل الناس. في صلح الحديبية وعندما جاءت لحظة كتابة شروط الصلح بين النبي الكريم ومندوب قريش، بدأ النبي يملي على الكاتب صيغة الصلح فقال ابدأ بسم الله الرحمن الرحيم، فصاح مندوب قريش بانهم لايعرفون الرحمن الرحيم فقال النبي امحوها واكتب باسمك اللهم، ثم واصل النبي الاملاء فقال هذا من محمد رسول الله فصاح مندوب قريش لماذا نتحارب اذا كنا نقر بانك رسول الله، فقال النبي امحوها واكتب هذا من محمد بن عبدالله. هذه هى الاصالة والاقتدار عندما تناقش القضايا الكبرى، مع ملاحظة انه كان هناك بعض الصحابة قد رفضوا هذه التنازلات التي قدمها النبي لمندوب قريش. فلماذا لاتقتدون بنبينا يا فقهاء الانقاذ؟ الامر المدهش ان كل ردهم ينحصر في مواجهة المطالبين بالغاء هذه القوانين بان يقولوا لهم انكم تريدون منا ان نتنازل عن ديننا واخلاقنا ولا يتذكرون ان نبي الاسلام وفي سبيل اتمام الصلح تنازل عن نبوته، وفي المدينة ترك اليهود يطبقون اعرافهم وتوراتهم ويمارسون ثقافتهم، ويشربون اشربتهم، حتي ارتكبوا الخيانة فحق عليهم العذاب.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=7030 -------------------------------------------------------------------------------- || بتاريخ : الأحد 06-12-2009
: قراءة في أداء ومسيرة رئيس مرشح
: أبوذر على الأمين ياسين
تواترت الدلائل على أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني يكاد يكون حاكما فعليا للبلاد ليس آخر تلك الدلائل أوضاع صحيفة ألوان التي اشيع أن الرئيس أطلق قراراً بإعادتها للصدور ورفض قائد جهاز الأمن الوطني القرار وتنفيذه!!. هذا الوضع ظل يلازم الرئيس البشير منذ فجر قدوم الانقاذ للسلطة. فقد جاءت به الحركة الاسلامية لتنفيذ وتمرير حركة استلامها المسلح للسلطة فكان دوره الأول هو التمويه بأن أحرار المؤسسة العسكرية هم من قادالانقلاب على الديمقراطية هذا خارج المؤسسة العسكرية، أما داخلها فقد نجح الانقلاب لان الاعتقاد الذي ساد وقتها بين العسكريين أن انقلاب الانقاذ هو انقلاب القيادة الشرعية ضمن أجواء مذكرة الجيش الشهيرة لمجلس رئاسة الدولة ورئيس الوزراء وقتها السيد الصادق المهدي. وعالمياً انطلى الانطباع بأن التغيير اضطلعت به القوات المسلحة فكان مرحبا به كونه المخرج من فوضي الاحزاب التي لم تحسن حتى ادارة الصراع فيما بينها. وهكذا حقق قائد الانقلاب أهداف حركة ادارت كل تفاصيل الاعداد والتنفيذ لانقلاب عسكري وبقوة ينتمي فقط (بعض) قادتها للقوات المسلحة ولا أحد من الذين نفذوا وقادوا عملية الانقلاب واستلام السلطة كان من بين ضباطها أو حتى جنودها. ظلت مهمة الرئيس هي توفير الغطاء وتنفيذ جملة مشروعات لصالح الحزب الوليد (المؤتمر الوطني) بلا تخطيط منه أو حتى وقوف على التفاصيل أو المآلات وما يمكن أن تقود له من إفرازات غير محسوبة أو منظورة قد تعود عليه شخصياً أو بصفته الرئيس المسؤول الرسمي عن كل كبيرة أو صغيرة تجري ضمن مملكته وحكمه. وجاءت أولاً التصفيات في صفوف القوات المسلحة عبر آلية (الإحالة للصالح العام) لصالح الحركة والحزب الوليد أيضاً على ذات النهج يقوده من هو أحد أبنائها والمنتمين لها بعد أن آلت له قيادتها بحكم نجاح الانقلاب ولكن بترتيب وتنفيذ آخرين هو بعيد عنهم وعن ما يفعلون ضمن المؤسسة العسكرية التي تحولت بفعل ذلك السند الداعم والحامي للنظام الجديد وللقائد الجديد لكن مفاتيحها ليست بيده تماماً. ونتيجة لأن الرئيس أصبح طرفا في الصراع ضمن الحركة الاسلامية داعماً مجموعة ضد أخرى، وكان في ذلك السبب الاساسي الذي ادى لقسمة الحركة الاسلامية لشقين وطني وشعبي، وأيضاً بترتيب وتنفيذ بعيداً عنه رغم تصديه وتوليه لكل ذلك. وبعد توقيع اتفاقية السلام تولى أيضاً الرئيس وبصورة علنية قيادة الحملة ضد ثوار دارفور برغم من أنه لم يكن المخطط ولم يحيط بتفاصيل الترتيب الجاري والفعل على الارض، لكنه رغم ذلك دعم التنفيذ وتولى كل ما يصاحب ذلك من مسؤولية كبرت أو صغرت وعلناً على رؤس الاشهاد. انتهت تفاصيل هذه المسيرة باتهامات محكمة الجنايات الدولية. التي هي الاخرى تحولت من 51 متهم ليتولى الرئيس وعلى ذات المنوال والمنهج الذي ظل عليه منذ قدوم الانقاذ، ليتولى كبرها ويفدي الآخرين ضمن لائحة الاتهام ويحمل هو كل (الشيل)، ويتحول رمزاً مرة أخرى لإنفاذ وتطبيق (الحماية) من العقاب، بينما الآخرون (الذين هم كل شئ وكل ما دار وصار) يرتبون لما بعده كون كل الطرق والمآلات الآن تفصح عن أن الرهان على الرئيس البشير يقود إلى طريق مسدود أمام أي طموح أو حلول ولو مؤقته يكون هو مصدرها أو رهانها. والاسوأ من ذلك أن الرئيس البشير بات بعد العمر الطويل على رأس الدولة السودانية لايملك خياراً ولا مجال له للدفاع عن نفسه لا داخلياً ولا خارجياً كونه قد تصدي (وعلناً) لكل ما قام به الآخرون بعيداً عنه. وهكذا أضحى الرئيس البشير بداية كل عملية تغيير واجبة. كونه أصبح يمثل العقبة التي ترفض وتأبى أي حل أو تسوية، بل يمثل الرئيس البشير عالمياً الآن كل مشاكل نظامه الذي لا يقبل بحلول داخلية ويرفض كل الحلول الدولية، وهو فوق ذلك أكبر وأول المتصدين للدفاع والتمترس خلف كل سياسة جرت وتجري وتضر بالداخل السوداني قبل أن تلحق الاضرار بالاقليم من حول السودان والعالم. بل أصبح البشير عنوان الاصرار على استمرار كل السياسات والتجاوزات وترسيخ عدم المحاسبة والمساءلة حتى فيما يصدره من قرارات لا تنفذ وهو الرئيس.
والآن يتصدى النظام وربما على ذات المنوال والقاعدة التي سارت وسادت منذ قدوم الانقاذ للإطلاع بذات الدور عالمياً. نقصد توفير الغطاء لتمرير وتنفيذ شئ بأدوات وتحكم بعيداً عن السلطة ولكن بعلمها. فقد أشار المبعوث الامريكي قرايشن ضمن مرافعته أمام الكونغرس أن السودان سمح لاسرائيل بضرب وملاحقة مهربي الاسلحة الايرانية ضمن اراضيه. وهذا يفسر لماذا سكتت حكومة السودان ولم تشر لما جرى بشرق السودان ولو تلميحاً، في الوقت الذي كان كل العالم يتداول ما حدث بشرق السودان من غارات جوية وقعت هناك، بل منعت الرقابة الامنية أي ايراد له ولو على سبيل الاخبار ضمن الصحافة المحلية. لتعود بعد مرور أكثر من ثلاث شهور على الحدث، لتتحدث عن لجان تحقيق وتدفع بالامر لتداول داخلي محدود ضمن منهج (التقية) بأكثر مما هو تعاطي جاد تجاه ما حدث بشرق السودان، كون التصريحات الرسمية والمتصدية بعد كل هذه المده كانت هي المادة الاعلامية المسموح بنشرها بامتياز. فعدم مقابلة المبعوث الأمريكي قرايشن منذ بداية مهمته للرئيس البشير، وما كشف عنه حول الغارة الاسرائيلية على شرق السودان وحول التنسيق والخدمات التي وفرها ويوفرها جهاز الامن السوداني ضمن الحملة (الامريكية على الارهاب) تستدعي وقفه نضع فيها يدنا على من يحكم حقيقة هل هو الرئيس أم سياسيو سلطة المؤتمر الوطني، أم هو جهاز الأمن منفرداً. كون خلاصات ما قدم قرايشن للكونغرس الامريكي تشير وبقوة أن المدخل والاداة للتغيير والتعامل مع السودان ليست هي السلطة التنفيذية والرئيس البشير، ولا هو حزب المؤتمر الوطني، بل هو جهاز الأمن السوداني. فجهاز الأمن هو الجهة الوحيدة التي تفعل كل شئ لأمريكا لدرجة تستحق رفع اسم السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب كون جهاز الأمن بات أقوى الدعامات الامريكية لمحاربة الارهاب ووفقاً لأولويات وخطط أمريكا وليس لأولويات ومصالح وخطط جهاز الامن السوداني أو دولة السودان، بل وليس داخل حدود صلاحيات جهاز الامن نعني داخل السودان، بل حتى خارج السودان اقليماً وضمن العالم العربي والاسلامي. ولكن كيف ينظر ويقيم الامريكان تعاملهم مع جهاز الامن السوداني من جهة؟، وكيف ينظر الامريكان ويقيمون الرئيس البشير الذي يمثل البعد السياسي والتنفيذي للسلطة القائمة بالسودان؟. وهل ستنجح أمريكا في قيادة التغيير عبر جهاز الامن؟ تلك أسئلة ترسم شكل ومنهج السياسية الامريكية تجاه السودان وإن لم يصرح بها ويعلن عنها. فإذا عرفنا أن أمريكا تضع الرئيس البشير على قمة ( قائمة أسوأ ديكتاتوري العالم) وفقاً للتقرير السنوي الذي تصدره صحيفة واشنطن بوست والذي أورد أن هناك أكثر من سبعين دولة في العالم تحكم من قبل طغاة يتبنون نظم حكم سلطوية استبدادية ضد مواطنيهم، (ولا يمكن التخلص منهم عن طريق الوسائل الشرعية أو الديمقراطية). ومن صفات هؤلاء طبقا لواشنطن بوست (قمعهم لحرية التعبير والدين وحق المواطنين في تلقي محاكمات عادلة). بعض هؤلاء الطغاة يسمحون (بممارسة التعذيب وتصفية معارضيهم وتجويع شعوبهم).-راجع موقع تقرير واشنطون تحت عنوان : خمسة زعماء عرب بين أسوأ طغاة العالم ... واذا علمت أن الرئيس البشير بقي على رأس هذا التقرير منذ العام 2006م ب حتى الآن. واذا كان البشير هو أول رئيس يتهم وتطلب محكمة دولية مثوله أمامها، وكان هو أخيراً رئيس دولة وفي عهده يختفي مواطن (محمد الخاتم موسى يعقوب) لأكثر من ثلاث سنوات، و تجري محاولة لاغتيال رئيس دولة مجاورة ، ويجري كل ما جري ومايزال لأهل دارفور . إلا أن تعتقد بأن الرئيس البشير رهان انتخابي خاسر. وهذا يستوجب التفكير فيما سيجره ترشيح البشير واعادة انتخابه على البلاد من إشكالات و أهل المؤتمر الوطني أنفسهم يفكرون (وعملياً) في كيفية الخروج من هذا المأزق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
دُبر الزمان ..
بقلم: عبد الجبار محمود دوسه الاثنين, 07 ديسمبر 2009 10:20
Abdul Jabbar Dosa [ jabdosa
ذكر مولانا أبيل الير رئيس مفوضية الإنتخابات ان ميزانية المفوضية حتى نهاية ديسمبر 2009 تبلغ 315 مليون دولار هذا يعني أن هذه الميزانية حتى نهاية الإنتخابات ستزيد بلا شك، وأن 180 مليون منها توفرها الحكومة السودانية والباقي توفره وكالات ومنظمات الأمم المتحدة والمانحين.
بعد توقيع اتفاقية أبوجا التي جاء فيها تخصيص مبلغ 700 مليون دولار كمبلغ مبدئي لتنمية وإعمار دارفور يدعمه مؤتمر للمانحين، على إثر ذلك تم تأسيس صندوق دارفور للإعمار والتنمية ليتولى تنفيذ مشروعات الإعمار والتنمية في دارفور كمعالجة جزئية للحرمان الذي عاشته دارفور ردحاً من الزمان، وكذا ليكون عاملاً مكمّلاً لإطفاء نار الحرب التي اندلعت هناك، وكان انعدام التنمية احد عواملها، وفي تلك الإتفاقية تعهدت الحكومة واغلظت الإلتزام وهي التي لم تكن يوماً وفيّة لعهد قطعته إلا لعهدها بالتشبث بإبقاء السلطة أحادياً لها، كما تعهد المجتمع الدولي والمانحون منهم على وجه الخصوص، وما اوفوا بذلك العهد بعد. لقد سبق أن القيت بعض الضوء على ما كان ينوي صندوق دارفور للإعمار والتنمية أن يقوم به فيما إذا التزمت الأطراف بتعهداتها، وكيف أن ذلك كان يمكن أن يساعد في معالجة جانب مهم من جوانب الأزمة، وبالتالي يساهم في المعالجة الشاملة لها.
التحول الديموقراطي الذي نص علية الدستور الإنتقالي كما نصّت عليه الإتفاقيات المرحلية، يعتبر أحد الأهداف المنشودة للتداول السلمي للسلطة، لكن هذا الهدف كما يعلم الجميع لن يتحقق بتاتاً ببقاء السكون الذي يلف أعناق الجميع بينما تشرف الإنقاذ على العملية برمّتها، لأنه ببساطة يستهدف العهد الوحيد الذي اوفت به مع نفسها وهو أن تبقى هي الحاكمة ابد الآبدين، لهذا ليس غريباً أن تؤخّر الإحصاء عامين والإنتخابات عامين وتمتنع عن تعديل القوانين المقيدة للحريات وأن يتم تزوّير الإحصاء السكاني وأن تتشكّل مفوضية الإنتخابات وفق رؤيتها، وأن يتواصل عملها كما تشتهي سفنها، وأن يمضي التسجيل كيفما ترغب وأن تخرق الدستور متى شاءت وكيفما يتّفق مع أهوائها، فهي الدستور والدستور هي، والشعب كله تحت حذائها، ألا ينشد الشعب كله العدالة بينما قالت قيادتها أن كل من ينشدها تحت حذائها.
أعود إلى موضوع ميزانية مفوضية الإنتخابات، إذا كانت دارفور سابقاً تساهم ضمن تسعة مصادر من جملة إثني عشر مصدراً هي مصادر الصادر لدعم الدخل القومي آنذاك، في الوقت الذي نجد فيه بعد عشرات السنين أنه ما زال في دارفور أن نصيب الفرد من المياه في اليوم الواحد لا يتجاوز ستة لترات بينما الحد الأدنى المنشود حسب الأهداف الألفية للامم المتحدة هو بين عشرين إلى خمسين لتراً، كما أن نسبة الفقر بلغت 95% وأن 2.7 مليون من مواطنيه ما زالوا يسكنون في مخيمات اللجوء والنزوح، يعني بلا مأوى، وأن هذا هو حصادهم من الحكومة التي فرضت نفسها عليهم لعشرين سنة واجبرتهم على خوض حرب فقدوا فيها مئات الآلاف من الشهداء. ثم بعد ثلاثه سنوات ونصف من الإتفاقية الجزئية التي تم توقيعها في أبوجا لم تلتزم من المبلغ المخصص وهو 700 مليون دولار سوى ب عشرين مليون فقط، وأن دارفور بعد عشرين سنة من حكم الإنقاذ قد بلغت هذا الدرك المتدني في كل شيء، وإذا كان صندوق دارفور للإعمار والتنمية الذي كان قد اعدّ برامج عمله بما يستوعب المبلغ المخصص في الإتفاقية والمبالغ المتوقعة من مؤتمر المانحين ليعالج جزء من أزمة الإقليم التنموية ويقلل من تفاقم الأزمة بل ويساعد في حلها يقف الآن مكتوف الأيدي، كيف بأهل دارفور أن يهضموا توفير 315 مليون دولار لمفوضية الإنتخابات فقط لتأمين شرعيه لتلك الحكومة لتبقى وتزيدهم فقراً وقهراً وذلّة، بل كيف يمكن لأحزاب السودان بعد كل الذي ذاقته أن تقرر وتشارك وتقول للعالم (نحن نريد أن نؤمّن الشرعية لمن انتهك الشرعية ونوفر له المزيد من الآليات ليذيقنا المزيد بها، لأنه لو استمر حاكماً أحادياً كما كان غاصباً لشرعيتنا لا يضيرنا أكثر مما كان، ولكن أن نُشرعن له هذا يعني الكثير بالنسبة له لذلك فنحن ننزل عند رغبته ونشارك في الإنتخابات التي اشرف عليها ولا بد أن يفوز بها). نحن حقاً في زمن أقل ما نقول عنه أنه دُبر الزمان فكيف لنا أن نتوقع طيباً.
06/12،2009
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
السودان ومأزق التدويل بقلم : حيدر إبراهيم علي وضع المؤتمر الوطني ـ الحركة الإسلامية سابقاً ـ السودان منذ انقلاب يونيو 1989، في موقع شديد الشذوذ في العلاقات الدولية، حيث أصبح وزن الخارج أكثر قوة في تحديد مجمل سياسات البلد الداخلية والخارجية. وقد تأتي هذا من صميم فكر الحركة التي ترى أنها تنتمي إلى أمة إسلامية، أكثر من انتمائها إلى وطن يسمى السودان.
وقد سمعت أحد القياديين الإسلامويين يقول في إحدى الندوات، حين سئل عن المواطنة، بأن الله يوم القيامة سوف يسأله عن دينه وماذا فعل به، وليس عن وطنه! لذلك اعتمدت الحركة في فترتها الأولى، على الإعلام الإسلاموي والقومجي في الخارج لتمرير وتلميع انقلابها، والترويج له كثورة إسلامية معادية للامبريالية. ودفعت أموالا طائلة مكنت بعضهم من إنشاء قناة فضائية من أموال اليتامى السودانيين.
واكتمل هذا الاتجاه بتأسيس «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي» في الخرطوم، والذي ضم جورج حبش إلى جانب الشيخ الزنداني. واهتم النظام ـ عموما ـ بصورته في الخارج، أكثر من رأي مواطنيه في أدائه وسياسته.
ولكن مع انحسار الحماس الإسلامي والعروبي للنظام بعد أن تكشف عدم مصداقيته، استمر النظام في التعويل على الخارج على أصعدة أخرى ولأسباب جديدة. فقد استمات النظام في إيجاد القبول في المجتمع الدولي الذي أدان الأسلوب الانقلابي، حتى وإن لم يقم به إسلامويون.
وبما أن نظام الإنقاذ إعلامي بامتياز وكثير من قياداته درسوا الإعلام وتدربوا في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، فقد قام بعملية تقسيم عمل للبقاء وكسب القبول؛ جهاز الأمن في الداخل، والإعلام في الخارج. فالمواطنون لا يحتاجون إلى إقناع وحوار سلميين «فالسيف أصدق أنباء». ومن ناحية أخرى هدف من الانفتاح على الخارج، إبعاد المعارضة من أي نوع عن المشاركة معه في حل القضايا السودانية.
كانت نتيجة هذه السياسة والمخطط أن كل المسائل المهمة والحيوية تم الاتفاق عليها خارج السودان. فقضايا النزاع في الجنوب ودارفور والشرق، تنقلت في نيفاشا ونيروبي وأبوجا ونجامينا والدوحة وطرابلس وأوسلو. وحتى الاتفاقات مع المعارضة كانت تحمل أسماء خارجية: اتفاق جيبوتي (حزب الأمة)، واتفاق القاهرة (التجمع الوطني الديمقراطي).
ولكن، لأن كل شيء يحمل ضده في داخله، فقد فلت الأمر من يد المؤتمر الوطني وحكومته، وصار في حالة هرولة مستمرة إلى الخارج يستدعي الوساطات والتدخل، بالذات من أميركا التي كان يردد ضدها شعارات: أميركا قد دنا عذابها.
ففي يوم الخميس الماضي (3/12/2009) استدعى، وليس دعا، الجنرال غرايشن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلى واشنطن، للعمل على الإسراع في حل الخلافات العالقة. وسبق أن كتبت كثيرا عن غياب السيادة الوطنية السودانية في التعامل مع الإدارة الأميركية. وهذا السلوك السياسي يقوم به حزب ما زال يصر على أنه معاد للامبريالية، ويستضيف قادة حركة حماس ويساند شافيز. وكثيرا ما أتساءل؛ هل يمكن أن يحدث مثل هذا الاستدعاء لمسؤولين إيرانيين؟
لقد فرط السودان، رغم الشعارات، في سيادة الوطن، وعجز عن بناء علاقات متوازنة ومتكافئة مع الدول الأخرى، وفي نفس الوقت يتعرض باستمرار للضغوط الخارجية. ويمكن اعتبار أن وصول السودان ممثلا في الرئيس السوداني، إلى المحكمة الجنائية الدولية، هو إحدى النتائج الطبيعية التي لم يحسبها النظام جيدا.
فالنظام في هرولته للخارج، سمح للعالم بالتدخل في كل تفأصيل الشأن الدارفوري. كذلك اعتمد على الإغاثة الدولية في إبقاء أهل دارفور أحياء. ثم يأتي في النهاية شاكيا من تجسس منظمات الإغاثة في دارفور، وأنها زودت المحكمة الجنائية بمعلومات مضللة، رغم أن الوجود الكثيف لمنظمات الإغاثة الأجنبية في دارفور، هو من مظاهر التدويل التي اختطها النظام.
والمحكمة الجنائية تعتبر أحد التحديات الخطيرة التي واجهت السياسة الخارجية السودانية. ورغم أن المحكمة لا تملك الوسائل العملية لتنفيذ قراراتها، إلا أن حكم المحكمة الجنائية سبب الكثير من الأضرار لسياسة السودان الخارجية، ووضعه في موقع المدافع باستمرار، ونزع عنه القدرة على المبادرة. وقد حرم القرار السودان من مشاركات قمم هامة، غاب عنها رئيس الجمهورية تحسبا من حدوث مفاجآت وتواطؤ، وهذه وضعية مضرة.
وجاءت مبادرة حكماء إفريقيا كمخرج، ولكنها دخلت في سراديب المماطلات والمناورات السودانية، ولم نفهم هل قبلها السودان أم رفضها. ومن مصلحة السودان أفرقة موضوع دارفور والمحكمة، وهذا ما سعى إليه في نزاعه مع الأمم المتحدة حول القوات الهجينة، وليست دولية. ووجد السودان في ذلك الحل مخرجا حفظ له ماء وجهه. والآن يمكن للمبادرة الإفريقية أن تقلل من مضار قرار المحكمة الدولية الجنائية.
وأتمنى ألا يحاول السودان اللعب بالزمن أو الصهينة، فهذه سياسة تؤجل وتجمد الأمور، ولكنها تبقيها بلا حل. ويبدو أن هناك من يعتقد بوجود معجزات، لذلك يميلون للتأجيل.
وتوجد أكبر سقطات السياسة الخارجية السودانية في الأمم المتحدة. فالممثل هناك يصر على لغة ضلت طريقها إلى الدبلوماسية والمحافل الدولية، فهي لغة أماكن أخرى لا تحتاج للثقافة والذوق، وحتى الحس العام.
فالصهاينة يخاطبون ياسر عرفات أو محمود عباس بصفة «مستر»، بينما يصر ممثلنا على «هذا الرجل» أو المدعي في مخاطبة أوكامبو. ولا أستبعد أن يكون أوكامبو قد أعطى لقضيته مع الرئيس السوداني بعدا ذاتيا، بسبب أسلوب الممثل السوداني.
ومن مضحكات السياسة الخارجية السودانية، المبكية، إصرار السودان على التوسط لحل خلافات بعض الدول! فقد كان مصطفى عثمان إسماعيل يقوم برحلات مكوكية إلى بيروت للتوسط بين الفرقاء، رغم قيام الأمين العام لجامعة الدول العربية بنفس المهمة وفي الوقت ذاته. وقبل أيام تحرك السودان للتوسط بين مصر والجزائر.
كذلك لم ينس السودان التوسط بين الحكومة اليمنية والحوثيين! ويستقبل السودان الوسطاء ويصدّرهم بالتزامن. والدولة الوسيطة لا بد أن تكون ذات وزن ولها دور مؤثر، وقبل كل هذا أن تكون خالية من المشاكل، وليست من الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة.
مدير مركز الدراسات السودانية البيان 8/12/2009
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
صحيفة أجراس الحرية http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=7070 -------------------------------------------------------------------------------- || بتاريخ : الثلاثاء 08-12-2009
إنقلاب دستوري!
: قرشي عوض
ما حدث أمس من ضرب لقوات الشرطة والقوات الأمنية لمظاهرة سلمية كانت غايتها المعلنة تسليم مذكرة للبرلمان تطالب فيها بمواءمة القوانين مع الدستور، وما صاحبها من اعتقالات طالت تنفيذيين في الحكومة الاتحادية والمجالس التشريعية رغم تمتعهم بالحصانات الدستورية ،،كل هذه الأحداث تعتبر بكل المقاييس انقلاباً دستورياً لأن الانقلاب هو تعطيل المؤسسات الدستورية القائمة وخرق مواد الدستور .
هذا ما حدث بالضبط صبيحة أمس حيث قامت القوات الأمنية والشرطية باحتلال البرلمان في مشهد يعيد للأذهان يوم الثلاثين من يونيو 1989م، ويوم المفاصلة بين جناحي الحركة الإسلامية وانقسامها إلى ركبان ومشاة.الآن الحياة الدستورية في البلاد شبه معطلة، إذا كان النائب البرلماني لا يستطيع أن يجهر بصوته ولا يأمن على نفسه من الإعتقال والتعذيب على النحو الذي تعرض له ياسر عرمان، وإذا كان وزير اتحادي يمكن أن تعتقله قوات تتبع له دستورياً، والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت قوات الشرطة تستطيع أن تعتقل عضو هيئة قيادة جيش نظامي برتبة فريق وآخر برتبة لواء ، بل وتعتقل وزيرها ،وإذا كانت الحكومة يعارضها شريك في قامة حزب النائب الأول ،وآخر في قامة حزب كبير مساعدي رئيس الجمهورية فما هي المؤسسات التي تدير هذه الدولة؟ وبامر من تأتمر هذه القوات التي ظهرت في شوارع أم درمان مطلقة السراح؟ نريد أن نفهم فقط؟!.
لكن المؤشرات الايجابية لما حدث تتمثل في أنه لم يعد يراود الحركة الشعبية أدنى شك في أن المؤتمر الوطني ليس هو الشريك الأمثل الذي يمكن أن يطبق معها إتفاقية السلام ،وأنه لا مناص من التفاهم مع أهل السودان ممثلين في أحزابهم وكياناتهم الأهلية إذا أريد لهذه الاتفاقية أن تنفذ.. بل أن العمل على وضع اشتراطات للوحدة إذا كانت مستحيلة مع الوطني ،لكنها ممكنة مع بقية أهل السودان مما يشكل سداً منيعاً امام شرذمة الوطن. هذه حقيقة يؤكدها التلاحم الذي حدث في الشارع ومواجهة الخصم المشترك الذي لم يفرق بين الألوان والكيانات المختلفة وهو يرسل جنوده يتعقبون الأحرار ،،أيضاً حضور قضية دارفور منذ إعداد المذكرة ،وحتى ضرب المسيرة في الخرطوم ربما للمرة الأولى ،،وهذه حقيقة لاشك ان حركة تحرير السودان وبقية أحرار دارفور قد توقفوا عندها ملياً ، الأمر الذي يفتح الطريق أمام الحل الوطني لقضية دارفور حين يتعلق الأمر باهل السودان ، بعد أن يستعيدوا سلطتهم المختطفة . اتضح الآن بجلاء أن من يريد الانفصال أو الوحدة أو التحول الديمقراطي أو حلّ قضية دارفور، أو من يريد أن يغلق عليه باب منزله، فانه يتعين عليه أن يقاوم الأوضاع المأزومة الحالية في السودان عبر ممارسة الضغط الجماهيري الذي يعيد الأمور إلى نصابها.
إتضح أيضاً من خلال ما حدث صبيحة الاثنين الأغر أن الطريقة الوحيدة لتجنب عودة الحرب هي ليست الإستجابة لإبتزاز المؤتمر الوطني باشعال الأرض تحت أقدام الحركة السياسية السودانية، ولكن بممارسة العمل السياسي لأن الحرب تعود إذا توقفت السياسة وانفلقت الأبواب أمامها وهذا ما لا يجب أن نسمح به، وأن كانت ممارسة العمل السياسي السلمي تنطوي على بعض المشقة وربما تستلزم بعض التضحية ،لكنها الطريق الوحيد لحقن دماء الملايين التي ترهقها عودة الحرب. على القوى السياسية الآن ان تحمي شعبها بتعريض نفسها هي للمخاطر نيابة عنه، لا أن تختبي خلفه كما يفعل البعض، ثم يدعون البطولة بلا حياء.
وحسناً فعل ياسر عرمان وهو يقرن القول بالعمل حينما أعلن في ندوة التعبئة للمسيرة بدار الحركة الشعبية عشية الإعداد لها من أنهم لن يعودوا للحرب لأنهم الآن يملكون قوة الشعب السوداني وتعرض للتعذيب من قبل خصوم ما كان لهم أن يطالوه لو أنه اختار التخندق وسط جنوده،الشيء الذي يؤكده فشلهم في الوصول إليه طوال سنين الحرب.. فالرجل لا يبحث عن السلامة الشخصية وهي في متناول يده ولكنه يبحث عن سلامة الوطن وهذا موقف سوف يحفظه له التاريخ، عموماً الحركة الشعبية ومعها القوى السياسية الموقعة على إعلان جوبا قالت لا للحرب نعم للممارسة السياسية رغم أي استفزاز يمكن أن تتعرض له، ولا أظن أن هنالك استفزاز يمكن أن يصبر عليه جيش يتم اعتقال إثنين من هيئة قيادته يحملون أعلى الرتب مثل الذي حدث مع باقان أموم وياسر لأنهم مناضلين في الأساس قبل أن يكونوا قيادات عسكرية ومدنية فى كيان يعرف المؤتمر الوطني أن الاستهانة به ليست مما يشير به العقل. الشيء المهم أيضاً هو العطاء المنقطع النظير لقوة التحالف التي أكدت إلتحامها مع المهمشين في الشارع في إشارة لملامح السودان القادم الذي وصفه الراحل قرنق بانه لا ينبغي له أن يتراجع للوراء بعد توقيع اتفاقية السلام، الشيء الذي أكده ياسر عرمان في ندوة الإعداد للمسيرة قائلاً: "إن السودان الذي يدار من الخرطوم قد انتهى"، كما يؤكد المشهد البطولي للخرطوم ذلك الصباح أن القوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني قد تعافت تماماً من أوهام الوصول إلى إتفاق سلام على شاكلة أديس أبابا ،وأن المركز الذي يراد له أن يقيم علاقات ديمقراطية مع أطرافه لن يستطيع أن يقوم بهذه المهمة إلا إذا كان هو الآخر ديمقراطياً وبالكيفية التي تحددها مذكرة إعلان جوبا ورفض الوطني أن يستجيب لها. حقاً هذه المسيرة كانت درساً وطنياً في الإنتقال إلى الأزمنة الحديثة والإندراج في المدنية المعاصرة لكل القوة السياسية لأنها تجاوزت الأوهام، وخاطبت حقائق الواقع الصلدة فأنتجت معرفة منبعثة من إحتياجات الناس الحقيقية وتشكل في ذات الوقت إستجابة متبصرة لها..
هكذا هتفت جماهير حزب الامة المتخندقة في دارها وهي تحيّ جماهير الحركة الشعبية التي رأت أن من الواجب عليها تحية الأحباب مهما كانت الصعاب فرد عليهم الأنصار: "باقان قائد وطني".. وياسر عرمان قائد وطني".. مما يعني تبخر الحساسية التي شابت العلاقة بين الكيانيين ردحاً من الزمن إلى الأبد أو على الأقل حتى يسقط المؤتمر الوطني. كما تؤكد مسيرة الاثنين أيضاً أن المؤتمر الوطني فشل في أن يخاطب الشمال كشمال من الناحية الجغرافية والسياسية ،كما كشفت إنتفاضة 7/12 والتي أكدت في الوقت نفسه أن إزالة هذا النظام عبر التظاهرات أسهل من إزالته عبر الإنتخابات كما يرى الدكتور محمد جلال هاشم، وأكدت الإنتفاضة أيضاً على أن التعود على مراء أدوات العنف بالكثافة التي إعتادت عليها الإنقاذ يجعلها غير ذات جدوى فالجماهير قد إختبرت بنفسها ،، أن الأسلحة الثقيلة التي إكتظت بها شوارع العاصمة في ذلك الصباح فقط كانت للعرض وإشاعة الرعب في النفوس أكثر من كونها للاستخدام الفعلي، لكن نفوس الجماهير قد تيقنت من أنه لم يعد هناك من سبيل غير المواجهة مهما كان الثمن ،بعد أن توصلت إلى أن هذا النظام أضعف من أن يعطي شرعية عبر الانتخابات. إذاً الجماهي
ر كسرت حاجز الخوف وإخترقت الأطر الوهمية والمصطنعة وتشابكت أياديها لتؤكد للعالم أن هنالك ألف طريقة لكي يسع الوطن الجميع، ومن لا يعجبه هذا الوضع عليه أن يحزم حقيبته ويسافر إلى أي مكان يمارس فيه أوهام التعالي على الآخرين، فنحن الشعب السوداني نرفض ذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
عاء 9 ديسمبر 2009م، 22 ذو الحجة 1430هـ العدد 5912 لم تعد رمادية.. فهي معركة بين وحدة وانفصال حيدر طه يصدق على الانتخابات بمقدماتها الراهنة التي نراها ضمن المشهد العريض الكلي الممتد من حلفا إلى نمولي، ومن كسلا إلى الجنينة، جميع الأوصاف التي يبدعها الكتاب والمحللون والإعلاميون، بمن فيهم الساخرون، والسياسيون الذين يقفون في مواقع متباعدة ومتناثرة ومتقابلة ومتخاصمة بعدد أحزابهم وتنظيماتهم ومؤسساتهم وصحفهم وجماعاتهم و» دكاكينهم «، وبمختلف أحجامهم وأدوارهم وتأثيراتهم. وبالطبع لن تحوز الانتخابات على أي أوصاف إلا إذا أصبحت « معركة « بالفعل تشارك فيها أحزاب المعارضة ضد أحزاب الحكومة، وإذا لم تقرر مقاطعتها يأسا من «خير فيها»، لأن المقاطعة ستسقط تلقائياً صفة المعركة عن الانتخابات عندما تترك قوى المعارضة المؤتمر الوطني « يعرض لوحده» في الساحة. وهذا أمر ستقرره قوى تجمع جوبا بعد إجراء الحسابات الدقيقة لتطورات ما بعد مظاهرة الإثنين ورصد نتائجها وتداعياتها وآثارها على الشارع ومن الشارع. وليس في وارد التوقعات أن تحتجب أو تنسحب قوى المعارضة الشمالية من الانتخابات، لسبب واحد جوهري وبسيط هو أن الحركة الشعبية لن تقاطع، بحكم مسؤولياتها في جنوب السودان، كحكومة عليها واجبات دستورية وسياسية وأخلاقية، وأيضاً كحركة لها تاريخ طويل في صياغة حاضر الإقليم ومستقبله، حركة لها معارضون أشداء في الجنوب وإن كانوا قلة ولكنهم ليسوا قليلي حيلة، فلهم ارتباطاتهم وتحالفاتهم مع المؤتمر الوطني خاصة عندما يدخل التنافس القبلي في قلب الصراع السياسي، فيكون المدد من الخارج مقبولا ومستساغا، والمؤتمر الوطني قد احتاط للأمر منذ وقت طويل ببناء تحالفات استراتيجية مع قادة سياسيين ومثقفين جنوبيين وشخصيات قبلية لها وزن بين الناخبين في الجنوب. وفي الانتخابات يكون للمال كلمة لترجيح موازين وكفات. وللمؤتمر الوطني خبرة طويلة ووسائل مجربة في استمالة انصار وحلفاء ومتعاطفين، بإغرائهم بالوزارة والوظيفة والمكانة والمال الذي يتنزل في شكل استثمارات وشراكات حقيقية أو وهمية، أو في شكل قروض وتسهيلات غير واجبة السداد إلا إذا عصى وتمرد وخرج عن الاتفاق. وبالطبع لا ينقص المؤتمر الوطني المال، ففي الخزائن ما يفيض للانتخابات والاستمالات، وفي ريع البترول « خمج» يستهوي من له فكرة وخبرة عن مصارف المال العام في غير محله، وإنفاقه في غير موضعه ما دام القسمة جائزة وجاهزة. والتجارب كثيرة والمغريات لا حدود لها، فالقلب يميل حيث يميل السلطان، والحلفاء على دين من يملك الحل والعقد. ورغم تلك التحديات فلا يظن أحد أن الحركة الشعبية ستترك الميدان لخصومها الظاهرين والمستترين، وإلا تكون قد نقضت غزلها بيدها من بعد قوة. فهي أحرص على الانتخابات، إذا كانت نتائجها موجبة أو سالبة، فالأمر سيان بالنسبة لها، إذ انها تضمن دوائر الجنوب، وهذا يكفي كذريعة للانفصال، حيث لا مصلحة لها في شمال يختار أهله مرشحي المؤتمر الوطني. هذه الوضعية السياسية تكسب الانتخابات صفة « المعركة « وتضيف إليها صفات مثل الساخنة والحامية والحاسمة، كما تضيف إليها نعوت، قد يكون أبرزها أن تكون معركة مصيرية، تؤدي إلى وحدة أو انفصال، لأن الفرز الجاري الآن يضع بصورة تلقائية الأحزاب في قوائم بدأت تتضح معالمها ودقائق ملامحها منذ مؤتمر جوبا، الذي أثار في بعض المطامح إمكانية بناء تحالفات تسترجع ما كان قبل خمسة عشر عاماً عندما تكتلت أحزاب المعارضة في « التجمع الوطني الديمقراطي» الذي نادى بتبني الانتفاضة المسلحة لإسقاط النظام عبر البندقية وقتما كان النظام لا يعترف إطلاقاً إلا بالبندقية ولغة المنازلة المسلحة، فاستجابوا لدعوته فنازلوه طويلا وعنيفاً. ولم يذهب جهدهم وكدهم هباء، على الرغم من ضآلة المردود، إذ انحنت الحكومة قليلا لمقتضيات السلام، وتنازلت عن كل سلطتها للحركة الشعبية في الجنوب وعن نسبة متواضعة من هوامش سلطتها في الشمال، استفادت منها أحزاب المعارضة في مجالين التعبير والتنظيم. ومعركة الانتخابات اليوم بالنسبة للمعارضة التي تجمعت في جوبا هي استكمال لما بدأ قبل خمسة عشر عاما، بالغاء الهامش، ليكون الصراع على « السلطة الثنائية في الشمال والجنوب « التي تحدد أمرين في غاية الأهمية: الأول، تحديد مصير السودان في المرحلة المقبلة، وتحديد ما إذا كان يمكن أن يسير في اتجاه الوحدة أم الانزلاق إلى هاوية الانفصال. والثاني، العودة إلى الديمقراطية بإزالة المظاهر الشمولية التي رسخها نظام المؤتمر الوطني خلال عشرين عاما استفرد فيها بالسلطة. فيما يتعلق بالأمر الأول فقد أصبح لدى الناخبين المفترضين - بالتسجيل- قناعة بأن معركة الانتخابات، التي بدأت رسميا وفعليا، منذ إعلان مفوضية الانتخابات عن الجدول الزمني لخطوات وإجراءات التسجيل والطعن والتصويت، اجرت فرزاً سريعاً للقوى المتنافسة والمتصارعة ورتبتها في قوائم، بدأت معالمها تتضح شيئا فشيئا، مع افتراضات سياسية وتخيلية أن قائمة المؤتمر الوطني وحلفائه هي قائمة الانفصال، أما قائمة المعارضة بتحالفاتها القزحية فهي قائمة «الوحدة». هذه الافتراضات جاءت ثمرة لمراقبة ورصد سياسة ومواقف كل حزب من الأحزاب المنضوية تحت هذه القائمة أو تلك، وقد يكون التطابق بين التخيل والواقع كاملاً وتاماً، بالنسبة للمؤتمر الوطني الذي تشيء ممارساته عن توجه نحو جعل الانفصال جذابا لأهل الجنوب، وهي ممارسات قد لا تتفق مع الخطاب الرسمي للمؤتمر الذي كان في دواخله يريد الوحدة ولكن ساقه قدر السلطة والحرص عليها إلى طريق آخر.. وبالإضافة إلى الرقابة والرصد، فإن الافتراضات جاءت أيضا ثمرة لآمال ومطامح الحريصين على وحدة البلاد، أكثر منها تعبيراً عن وقائع وحقائق. وتقول تلك الآمال والمطامح أنه في حالة فوز المعارضة فإن ذلك سيسقط عن الحركة الشعبية مبرر الدعوة إلى فصل الجنوب، إذ ستكون هي عراب ذلك الفوز وراعيته، وهو ما يضمن انحياز غالبية الجنوبيين إلى خيار الوحدة التي تكون قد حازت على جاذبيتها تلقائيا من النتائج الايجابية للانتخابات. هذه حسابات لها دلالات عميقة رغم بساطتها، يقاربها عقل المواطن العادي الذي يؤمن بقناعة صافية وصادقة وعفوية بأنه ليس هناك ما يبرر انفصال الجنوب عن الشمال إذا أخفق المؤتمر في تولي الحكم وذهب إلى غير رجعة « غير مأسوفٍ عليه»، بمنطق أن الساحة حينذاك ستكون ساحة أشقاء بلد وأخوة مواطنة، لا خلافات جوهرية بينهم، بعد أن وضعوا في وقت سابق أفكارهم ورؤاهم في وثيقة « القضايا المصيرية» ثم ما أكدته اتفاقية نيفاشا، ثم ما جسدته علاقة الجنوب بالشمال خلال المرحلة الانتقالية عقب اتفاقية السلام..ثم ما سيأتي من نوايا تعلمت من التجربة، لتصبح موثقة في دستور يضمن حقوق المواطنة في كل شبر من تراب السودان، ومصبوبة في وثائق واتفاقات وتفاهمات تحظى بالاحترام والتقديس بعد الانتخابات. ذلك المنطق البسيط يرى أن الأشقاء يتخاصمون فيما بينهم على الكبيرة والصغيرة، والجنوب ليس استثناء بحربه الطويلة، فقد شهد الشمال صراعات متكررة تكاد تكون دورية بين طوائف وأحزاب وقبائل وطبقات ومدارس فكرية وأدبية، لأن طبيعة العلاقة بين أبناء الوطن في مرحلة « الطفولة أو في لحظة تقسيم الميراث « تحتم أحيانا نوعاً من الخلافات الحادة إلا إذا كان هناك ما يحكمها وينظمها ويضبطها، وحتى الحرب الأهلية التي دار رحاها لأكثر من عشرين عاما كانت حرب حقوق وليست حرب حدود، كانت حرب داخلية تصارعت فيها الرؤى والأفكار والممارسات عندما كان السودان طفلاً لا يميز بين الحقوق والواجبات التي تشكل عقد المواطنة.. ولكن الآن جاء عهد تحوّلت الحرب إلى صراع حول تقسيم الميراث بعد خمسين عاما من خروج الاستعمار..والجنوب ليس هو المطالب الوحيد بهذا التقسيم، فجاء مطالبون آخرون في دارفور، وترهص كردفان بسيرة السابقين. وعلى الرغم من المنطق البسيط فإن الأمر ليس بهذه البساطة والتبسيط، فالعلاقة بين الشمال والجنوب مرت بمراحل مختلفة، وطويلة في مجملها، وبمستويات عديدة من التعقيدات القانونية والثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية، كان السبب في معظمها عدم الثقة بين الطرفين الناتج عن اختلاف رؤى أو سوء تصرف بجانب افتقاد لغة سياسية واحدة، وهو ما حاول الحريصون على الوحدة معالجته بوسائل « مختلطة « وعملية وواقعية، استطاعت مؤخراً جداً من وضع أسس تبنى عليها ثقة حقيقية ومخلصة تضمن ليس فقط وحدة السودان، ولكن خروجه نهائيا من النفق الدائري المظلم الذي لا يفتر من إعادة انتاج وتدوير أزماته باحجام دولية. أما فيما يتعلق بالأمر الثاني الخاص بالعودة إلى الديمقراطية بإزالة المظاهر الشمولية التي رسخها نظام المؤتمر الوطني خلال عشرين عاما استفرد فيها بالسلطة والدولة والثروة، فقد أصبح لدى الناخبين المفترضين - بالتسجيل- قناعة بأن فوز قائمة المعارضة سيتيح فرصة هائلة للعمل على إرساء مبادئ ظلت مفقودة منذ عشرين عاماً منها الفصل بين السلطات، والتدول السلمي للسلطة، واستقلال وحياد الخدمة المدنية، واستقلال القضاء والجامعات.. وتحرير المواطن من كثافة قيود الأمن والرقابة والملاحقة، ليشعر بحريته وآدميته وإنسانيته، متحررا من الخوف من الجوع ومن « جماعات الأمن» المتعددة. هذه الافتراضات والمتخيلات هي التي تعطي الانتخابات معنى أن تكون مصيرية، لأنها ترتبط في ذهن الناخب سواء مؤيد للحكومة أو مناصر للمعارضة، بالقضيتين الجوهريتين، اللتان تضعان السودان في بداية طريق مرحلة جديدة أو إبقائه « محلك سر» تحت قبضة المؤتمر الوطني الذي يصعب عليه الانتقال إلى شرعية غير الشرعية التي يهضمها ويستوعبها واعتاد عليها ويجد في حضنها الطمأنينة. وعلى هذا الأساس تستمد التحالفات الحزبية والنقابية وضوحها، بعد أن عاشت مرحلة رمادية كان فيها التسابق بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حاميا، وسط ارتباك الأحزاب المتولد من حسن الظن أو سوء بأي منهما، حتى جاءت لحظة الحقيقة ليعرف كل حزب وجهته ومرساه. ورغم تلك القناعات فسيظل سؤال واحد يطغى طيلة الشهور المقبلة، قبل الانتخابات وبعدها، حول مدى التزام أطراف المعارضة ببرنامج سياسي موحد يحمل أمل التغيير حتى ولو فازت القوى الحاكمة بالانتخابات..؟ وهل هو تحالف « وطني ديمقراطي وحدوي « مؤقت أم استراتيجي يتجاوز « تقرير المصير « متبنياً رؤى أبعد من أبريل 1911، لتصل إلى عام 2025 حيث يمكن أن يطمئن القلب إلى أن الأجيال المقبلة لا تحمل في ذاكرتها إلا تاريخ عن مرحلة فاصلة انتصرت فيها إرادة الوحدة على الانفصال، وإرادة الديمقراطية على الديكاتورية. وربما في ذلك الوقت البهي ستكون كل الحركات السياسية قد بلغت رشدها بنضوج فكرها، فلم تعد احزاب كثرة، إنما أحزاب نوع تحتمه نظرية التطور الطبيعي التي شهدتها الديمقراطيات الراسخة في العالم.. وتكون بذلك قد تجاوزت عهد الطفولة الطويل، وتخطت لحظات الألم الصعبة المصاحبة لمراحل الانتقال والاختيار بين وحدة وانفصال. الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
الخميس 10 ديسمبر 2009م، 23 ذو الحجة 1430هـ العدد 5913 النزاهة في الانتخابات البرلمانية .. حالة السودان «3ــ3» حيدر ابراهيم
مستقبل نزاهة الانتخابات في السودان: ستجرى الانتخابات القادمة، غالبا في عام 2010م، في ظروف استثنائية، وفي مناخ معادٍ للحريات والديمقراطية، اذ يشرف عليها نظام جاء أصلا عن طريق الانقلاب العسكري، ويرى فيها أحدى وسائل تفكيك نفسه. وكان من الطبيعي ان تطالب الاحزاب السياسية بأولوية استكمال اجراءات التحول اليمقراطي. اذ مازالت القوانين الشمولية والمقيدة للحريات سارية المفعول رغم أن الدستور الانتقالي لعام 2005 نصَّ في كثير من أجزائه على الغاء هذه القوانين التي تتناقض مع الدستور الانتقالي. ويشمل ذلك أكثر من ستين قانونا حسب تقدير خبراء القانون، ومن أهمها قوانين: الأمن الوطني، الصحافة والمطبوعات، العمل والنقابات، قانون الاحزاب، التنظييمات الطوعية وقوانين أخرى. ويضيف احد الباحثين الى ذلك: «استمرار سيطرة نخبة الانقاذ علي جهاز الدولة بكامله في المركز والولايات الشمالية على الأقل، وفي ظل هذه الأوضاع لا يمكن الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة تؤدي الى تغيير وضعية النظام الشمولي القائم في الواقع العملي الى نظام ديمقراطي حقيقي. وذلك لأن القوى والفئات المستفيدة من الوضعية القائمة لن تسمح بذلك». وتم هذه المرة تشكيل المفوضية القومية للانتخابات وفقا لنص المادة «141» من الدستور الانتقالي لسنة 2005م، وتتكون من تسعة أشخاص «مشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد في العمل العام ويراعى في اختيارهم اتساع التمثيل، يرشحهم رئيس الجمهورية بعد التشاور داخل رئاسة الجمهورية، ويتم اعتمادهم بواسطة الهيئة التشريعية القومية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلسين» «المادة «4» من مشروع قانون الانتخابات القومية». ومن مهام المفوضية تنظيم انتخابات رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب والولاة والهيئة التشريعة القومية «البرلمان» ومجلس جنوب السودان والمجالس التشريعية الولائية. وهذه مهام كبيرة وضخمة تحتاج الى قدر من الكفاءة العالية والنزاهة. ومن الجدير بالذكر، أن الانتخابات القادمة تنص على الرقابة الدولية، وهذا وضع طبيعي، لأن الاتفاقية نفسها جاءت تحت متابعة ومراقبة دولية. وبدأت تحديات انجاز هذه المهمة من الآن، فمن المفترض- حسب الاتفاقية- أن تجرى الانتخابات قبل نهاية العام الرابع من توقيع الاتفاقية. ولكن رغم اقتراب الموعد مازالت هناك اجراءات مطلوبة للاعداد للانتخابات لم تبدأ بعد. فالقانون الجديد المقترح يواجه معارضة ويدور حوله كثير من الجدل والاختلاف. لذلك لا بد من الوصول الى قانون انتخابات جيد وشامل يتجاوز كل أوجه القصور الماضية، وأن يتمتع باجماع قومي، وعدم عزل أية قوى سياسية عن المشاركة في وضع قانون الانتخابات. إذ تطالب بعض القوى السياسية بضرورة تطبيق نظام التمثيل النسبي، باعتبار أن النظام الفردي والأغلبية المطلقة يحابي الاحزاب الكبيرة. كما أن كثيرا من الاصوات تضيع لو فاز المرشح بصوت واحد مثلا، بينما يمكن أن يكون الحزب الآخر قد أحرز أكثر من عشرين ألف صوت، أما لو حسبت الاصوات عن طريق قائمة الحزب فإن الحزب قد يحرز مقاعد تبين قوته الحقيقية. كذلك ترتفع أصوات مطالبة بنظام الكوتة للنساء ولبعض الفئات المهمشة، باعتباره شكلا من أشكال التمييز الايجابي الذي يمكن أن يثري الحياة البرلمانية، وأن يحقق قدرا من المساواة. ونصَّت الاتفاقية على وجوب إجراء تعداد سكاني شامل يتم حسب نتائجه وضع السجل الانتخابي العام، وتحديد عدد الدوائر والمقاعد الانتخابية. وأشارت الاتفاقية الى ان يتم التعداد قبل نهاية العام الثاني للفترة الانتقالية أي قبل منتصف عام 2007م، وهذا لم يحدث حتى الآن. اذ من شروط حق المشاركة في الانتخابات «أن يكون الضم للسجل قد تم قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الاعلان عن الانتخابات المعنية» «المادة 12» ومازالت الأحوال الامنية غير مستقرة في دارفور، كما توترت العلاقة بين شريكيّ اتفاقية السلام الشامل. ومن الضروري ادماج الحركات المسلحة في العملية الانتخابية، وهذا يعني تحولها من جيوش ومجموعات مسلحة الى أحزاب أو تنظيمات سياسية. ويلاحظ أن عملية الإحصاء السكاني تسير ببطء شديد، ولم تتم عملية استنفار شعبي ورسمي رغم الميزانية الضخمة التي رصدت لها. وتتهم أحزاب المعارضة النظام بأنه ينوي افشال اجراء الانتخابات من خلال التسبب في عدم الوصول الى تعداد سكاني دقيق وشامل. وحاول الحزب الحاكم ابعاد الاحزاب من المشاركة في عملية الاحصاء وكأنه أمر سري مقصور على الحكومة فقط، رغم أهمية الاحصاء السكاني ليس للأغراض الانتخابية، اذ يستخدم في الامور المتعلقة بالتنمية والاقتصاد والدفاع. من الواضح أن كل الأحزاب، عدا المؤتمر الوطني، لم تبدأ استعدادها للانتخابات. وهى في حالات خطيرة من الانقسامات والتشرذم، فالحزب الاتحادي الديمقراطي وصل الى خمس مجموعات، وحزب الامة ثلاث مجموعات، وكذلك حزب البعث العربي السوداني. أما الحزب الشيوعي فقد تأجل مؤتمره العام طويلا «آخر مؤتمر عقد عام1967م» تجنبا للانقسامات. وفصائل دارفور تفوق الثلاثين. ولا تعرف هذه الاحزاب كيف سوف تمول الانتخابات، كما ذكرنا أعلاه. اذ نلاحظ أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يتصرف في المال العام في الصرف على نشاطه الانتخابي والسياسي. وتعاني الاحزاب المعارضة من صعوبات مالية بسبب بعدها الطويل عن السودان، بالاضافة الى اخراج كوادرها العاملة في الاقتصاد من السوق، مع الانحياز الحكومي السافر للعناصر المؤيدة أو المتعاطفة مع النظام، في أية منافسة اقتصادية. ويرى كثير من المراقبين أن هذه الانتخابات تواجه مجموعة من المخاطر لا تجعلها تبشر بتحولات ديمقراطية حقيقية: 1/ احتمالات التدخل الاجنبي في سير ونتائج الانتخابات. فالسودان، الذي تم تدويله، لن تكون الانتخابات فيه بعيدة أو محصنة ضد التدخلات الخارجية. 2/ تنامي ظاهرة القبليَّة والاثننة. وسيكون ذلك على حساب ظهور أحزاب قومية حديثة وقوية. وستلجأ الاحزاب إلى مساومات مضرة بالتطور الديمقراطي. 3/ يقف الجنوب على حافة الانفصال، فمن غير المعلوم كيف ستكون مشاركة الجنوبيين في عملية انتخابية سودانية. 4/ كان التطور المعهود، انتفاضة شعبية، حكومة انتقالية، ثم انتخابات. لذلك يبقى الطرح القائل بانتفاضة انتخابية هذه المرة. وهل ستعني الانتفاضة الانتخابية تحولاً في التصويت الزبائني مقابل الطبيعة السياسية للتصويت في الديمقراطيات الغربية، كما يتساءل بعض العرب والأفارقة؟ ? خاتمة: لازمت التجربة السودانية منذ الاستقلال مشكلات مزمنة كادت تكون جزءاً من العملية الديمقراطية. ولاحظنا أنه لم تحدث تغييرات جذرية في الانتخابات رغم محاولات محدودة تحاول إصلاح الخطأ. وهنالك شروط بنيوية تجعل قيام انتخابات حرة وعادلة وشاملة، عملية شديدة الصعوبة. إذ لا بد من توفر افتراضات أساسية في ضمان مبدأ حكم الأغلبية الذي يرتكز عليه نظام الديمقراطية الليبرالي وهى: تمتع المواطنين بكفاءة سياسية عالية تمكنهم من المشاركة في الحياة السياسية العامة بوعي كامل لمصالحهم وتطلعاتهم، الاتفاق الواضح حول معظم القضايا الوطنية الكبيرة وكيفية معالجتها، والمساواة بين المواطنين والجماعات السياسية المختلفة. ومن الخطأ اعتبار وجود قوانين ونظم جيدة ضمانة مطلقة لنجاح الانتخابات والوصول الى برلمان أكثر ديمقراطية وتمثيلية. إذ يمكن القول إن المجتمعات المتخلفة تنتج برلمانات منتخبة، يكون أداء المنتخبين فيها متدنيا، وكثيرا ما يغرق النواب في قضايا محلية ومطلبية وتقديم خدمات للدائرة، ويكون الناخبون شديدي الالحاح. لذلك من شروط الديمقراطية تحقيق مستوى حسن للمعيشة للمواطنين عامة. وقد يتحدث البعض في هذه الحالة عن الديمقراطية الاجتماعية وقرنها بالديمقراطية السياسية أو الليبرالية. وتشمل الشروط السابقة محو الأمية الأبجدية والسياسية. فهنالك نسبة أمية عالية لا توجد احصائيات دقيقة لها. وذلك لوجود أعداد كبيرة من الذين يرتدون إلى أميتهم بعد مغادرة المدارس. اما محو الأمية السياسية، فيعني قدرة الناخبين على التمييز بين الأحزاب والمرشحين حسب برامجهم وإيديولوجياتهم ومواقفهم السياسية. وهذا ما يحقق أهم شروط الانتخابات وهو التغيير والتجديد والتداول. وهذا يعني حرية واستقلالية الناخب، ووصوله إلى درجة معينة في التعليم المدني. فمن معايير الديمقراطية الفهم المستنير، أي: «يجب أن تتاح لكل مواطن في حدود معقولة للوقت، فرص متساوية وفعالة لمعرفة السياسات البديلة الملائمة وآثارها المحتملة». وهذا أمر مشروط بقدر من التعليم الرسمي، على الأقل إجادة القراءة والكتابة. ويزداد فهم المواطنين السياسي بالحصول على المعلومات الملائمة، وبتكلفة منخفضة. وأن تشارك الأحزاب المتنافسة ومنظمات المصالح في تقديم المعلومات للناخبين التي يحتاجونها ليكونوا على إطلاع واسع ويساهموا بنشاط في السياسة وليكونوا فعّالين سياسياً. ورغم التجارب الطويلة للديمقراطيات التقليدية الراسخة، إلا أنها لا تتوقف عن البحث عن نظام انتخابي أفضل أو أمثل، مع التطورات التي تعيشها مجتمعاتها ويعيشها العالم حصراً. ونحن في السودان باعتبارنا دولة عالمثالثية ضعيفة الأسس الديمقراطية، يتوجب علينا عدم التوقف عن إجراء الإصلاحات والتغييرات اللازمة في النظام الانتخابي بعيداً عن «هندسة» القوى السياسية ذات الأغراض، ويدور حديث مع مناقشات قانون الانتخابات حول تغيرات في البنيوي (intra system change) والتغير التحولي (inter -system change) الأول يحمل تعديلا لنص قانوني انتخابي أو اكثر بغير تغيير النمط الأساسي للنظام الانتخابي، أما الأخير فيتضمن تعديلات تؤدي في النهاية للتحول من نمط نظام انتخابي إلى آخر. ويبدو أن السودان يبحث عن نظام مختلط يجمع بين القائمة الفردية والتمثيل النسبي. فقد واجه نظام القائمة نقداً شديداً. ولكن التمثيل النسبي نظام متقدم يصعب تطبيقه وسط الأغلبية الأمية، ويمكن قصره مثل دوائر الخريجين بين المتعلمين فقط. ويرى البعض أن قياس قوة الانتخابات ليس انعكاساً لقوة الديمقراطية، ولكن قوتها في قدرتها على تقوية وتطوير النوعية الديمقراطية. وهنا نفرق بين الديمقراطية الإجرائية (Procedural Democracy) التي نمارسها، والديمقراطية الديمقراطية (Democrtic Democracy)، التي نتوق إليها ونتخذها مثالاً. ويتم تقييم ديمقراطية الانتخابات بمدى قدرتها على تحقيق بعض النتائج مثل: تقوية الإحساس بالدولة والمواطنة الاجتماعية معاً (stateness and social citizenship) أي الاتفاق حول الأمة والدولة وعلاقة المواطن بهما، دور حكم القانون والوصول الى العدالة، الحقوق المدنية والسياسية. وهنا تأتي شروط الانتخابات والاحزاب الديمقراطية المؤهلة لتحقيق هذه النتائج. ولكي تكون الانتخابات حرة وعادلة ومجدية عليها أن تجيب على أسئلة مثل: لأية درجة يتم التعيين في المناصب الحكومية والتشريعية من خلال تنافس انتخابي؟ وهل تقود الانتخابات إلى تغييرات في دوراتها المختلفة؟ إلى مدى تتاح اجراءات التسجيل والتصويت لكل المواطنين؟ وهل هذه الاجراءات مستقلة عن التدخل الرسمي والسيطرة الحزبية؟ والى أي مدى هى بعيدة عن سوء الاستخدام والإكراه؟ كيف يعكس التشريع التكوين الاجتماعي للناخبين؟ وهل تكتسب تأييداً من الاحزاب والجمهور. واخيراً، يمكن القول بأن الانتخابات المرجوة التي تفيد عملية الدمقرطة في ظروفنا الحالية، لا بد لها أن تتميز بـ: الاستمرارية «الانتخابات غير المتقطعة»، وهذا ما لم يحدث في التجربة الديمقراطية، اذ لم يكمل أي برلمان دورتين متتاليتين. وشرط التنافسية مع ضمان استقلالية وحرية الناخب، مع المشاركة والتداول والتجديد، ثم القبول بالنتيجة سلمياً. دور الفقراء والاقليات والمهمشين في المشاركة الانتخابية. ويطرح موضوع الكوتة بالنسبة للمرأة. وهنا يبرز لماذا تناضل القوى الحديثة من أجل تحسين شروط الانتخابات ثم تستفيد القوى المحافظة التي كانت معادية لهذا التغيرات؟ فعلى سبيل، استغل المحافظون والتقليديون مشاركة واصوات المرأة، رغم معارضتهم لفكرة دخول المرأة في العملية الانتخابية. وضرورة شفافية مصادر التمويل، وفي هذا المجال لا بد من دور غير مشروط للدولة في مساعدة الأحزاب والمرشحين. ووجوب توفير الوسائل الاعلامية. الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
اللعب الخشن على حافة الهاوية ...
بقلم: د. الطيب زين العابدين الأحد, 13 ديسمبر 2009 14:11
وصلت العلاقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني إلى أسوأ حالاتها في مواجهة الشرطة بالقوة المفرطة لموكب يوم الإثنين (7/12) الذي دعت له الحركة الشعبية من خلال أحزاب مؤتمر جوبا وتقدمته قياداتهم في الحزب وفي المجلس الوطني، وقد طال الضرب والاحتجاز في حراسات الشرطة بعض تلك القيادات. وقد كان الموكب هو الخطوة الأخيرة في سلسلة الخطوات التصعيدية التي جرت بين الشريكين المتشاكسين منذ بداية اختلافهما على عدد من القوانين الهامة (استفتاء جنوب السودان، استفتاء تبعية أبيى، المشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الأزرق، الأمن الوطني، النقابات والاتحادات. وأضيفت لهم من باب المزايدة والمساومة القانون الجنائي والإجراءات الجنائية والنظام العام والدفاع الشعبي والشرطة الشعبية)، ولم تنجح جولات المبعوث الأمريكي اسكوت غرايشن المتعددة بين واشنطن والخرطوم وجوبا في اقناع الطرفين بالوصول إلى حلول وسطى، ومن ثم بدأ التصعيد من جانب الحركة بالانسحاب من جلسات المجلس الوطني ومن جلسات مجلس الوزراء، ورد المؤتمر الوطني بخطوة تصعيدية لا تخلو من الغباء السياسي وإن كانت مبررة لائحياً وهي وقف مرتبات نواب الحركة المقاطعين لجلسات البرلمان ومخصصاتهم من الوقود والاستمرار في أعمال المجلس التشريعية بما في ذلك إجازة الموازنة العامة في غياب أعضاء الحركة. وأحسب أن الخطوة الأخيرة كان لها دور في إقناع قيادات الحركة بالدعوة لموكب الإثنين.
وإذا عيب على الحركة أنها تلعب دور الشريك في الحكومة ودور القيادي في المعارضة في وقت واحد، فيعاب على المؤتمر الوطني أيضاً أنه يعامل الحركة بدونية لا تليق بشريك في اتفاقية السلام الشامل وفي الحكومة الاتحادية. فلم تكن المعاملة الاستفزازية لموكب الحركة هي المرة الأولى فقد سبق لوزير الداخلية السابق، الزبير بشير، أن أمر بتفتيش دور الحركة وبيوت كبار ضباطها في مجلس الدفاع المشترك بحثاً عن سلاح مخبأ فيها بناءً على معلومات أمنية خاطئة، وهي سابقة لا مثيل لها في تعامل الحكومات المؤتلفة تحت أنظمتنا العسكرية أو الديمقراطية.
كما درج المؤتمر الوطني على اتخاذ بعض القرارات الهامة في الدولة دون مشاركة الحركة أو اعتبار لرأيها إن كان معلناً مثل ما حدث في رفض مجئ القوات الدولية لدارفور والذي تراجع عنه المؤتمر فيما بعد تحت ضغوط دولية، وعدم الاعتراف أو التعامل مع المحكمة الجنائية، وأخيراً طرد بعض المنظمات الدولية من دارفور دون علم وزير الشئون الإنسانية الذي ينتمي للحركة. وكأنما يريد المؤتمر الوطني أن يقول للحركة إن نصيبها من السلطة في الشمال هو الرواتب والعربات والمكاتب والمخصصات الأخرى ولكن ليس من حقها المشاركة في صنع القرارات المهمة، ويكفيها ما تمارسه من سلطة مطلقة في الجنوب فإتفاقية السلام كلها بنيت على قسمة الشمال للمؤتمر والجنوب للحركة! وقد يقول بعض فصحاء المؤتمر الوطني إن الحركة أيضاً لا تأبه لمعاملة المؤتمر الوطني في الجنوب بصورة تليق بالشراكة بينهما أو تعطيه نفس القدر من الحرية التي تجدها في الشمال، وهذا قول فيه الكثير من الحقيقة ولكنه يغفل الفرق الكبير بين واقع الشمال السياسي والإداري وواقع الجنوب، ويعني ذلك الفرق أن المتوقع والمطلوب من المؤتمر أن يكون أكثر نضجاً سياسياً فهو يعتمد على قاعدة حزبية لها نصف قرن من الممارسة السياسية ولأن مسئوليته هي الأكبر في شراكة الحكم وتجربته طويلة في السلطة (أكثر مما ينبغي!) مع وجود أجهزة مدنية ونظامية عريقة تحت تصرف الدولة، في حين ما زالت الحركة تعاني مصاعب جمة في التعامل مع واقع الجنوب القبلي المعقد دون تجربة تذكر أو أجهزة معينة أو كوادر مقتدرة أو نظم مستقرة للإدارة أو خدمات أساسية توفر الحد الأدنى الذي يتطلع إليه سكان المدن في الجنوب.
إن رفض التصديق لموكب الإثنين ومواجهته بذلك القدر من القوة المفرطة وسوء معاملة قادته والشتيمة المعلنة للحركة الشعبية والأحزاب المتوالية معها من بعض المتنفذين في المؤتمر الوطني وأدواتهم الإعلامية خطأ سياسي فادح وقبيح، يتناسى التوجيه الرباني الحكيم «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». ورفض التصديق يعني استمرارية المؤتمر الوطني في منهجه الشمولي فهو لم يحدث أن سمح مرة واحدة لأي موكب في الشارع يحتج على بعض سياساته أو يطالب ببعض الحقوق ولو كان يضم بضع عشرات من المعاشيين يطالبون بمرتباتهم الهزيلة التي لا تفتأ تتأخر عليهم، وقد تدفع هذه المعاملة غير اللائقة الحركة الشعبية لمحاولة عقد تحالف انتخابي مع المعارضة الشمالية ضد المؤتمر الوطني، وتقنع من لم يقتنع حتى الآن أن الشمولية المستبدة ما زالت قائمة وستبقى ما بقي المؤتمر في السلطة، وستجر عليه انتقادات دولية تزيد الطين بلة! وليس صحيحاً أن الحركة الشعبية أو الأحزاب الأخرى المشاركة معها في الموكب - باستثناء المؤتمر الشعبي- تريد إسقاط الحكومة عن طريق تسيير المواكب والمظاهرات لأن ذلك ليس في مصلحتها ولأن القراءة الموضوعية لموازنة الحشد السياسي في الشارع تجعل ذلك أمراً غير ممكن، ولكن المؤتمر الوطني مرعوب من أية حشود جماهيرية تسير في الشارع ولا يسيطر عليها شأن كل نظام شمولي معتق!
وأحسب أن الأزمة الحالية ستحل قريباً (إن شاء الله) من خلال الاجتماعات الرئاسية التي بدأت نهار الخميس (10/12) وتستمر يوماً أو اثنين، لا لأن الشريكين أصبحا أكثر تعقلاً أو نضجاً ولكن لأن اللعب الخشن بينهما وصل إلى حافة الهاوية ولم يتبقَ لهما إلا السقوط وهما أحرص الناس على الحياة السياسية والتشبث بالحكم مهما كانت التضحيات بالقيم والمواقف. وفي نهاية المطاف سيستجيب المؤتمر الوطني إلى ما تريده الحركة في قانون استفتاء الجنوب واستفتاء تبعية أبيى ويصلا إلى حل وسط بشأن قانون المشورة الشعبية، وتستجيب الحركة بدورها إلى ما يريده المؤتمر الوطني في قانون الأمن الوطني وقانون النقابات، وستنسى الحركة الشعبية تماماً أنها طالبت بتعديل القانون الجنائي والإجراءات الجنائية وإلغاء قانون الشرطة الشعبية والدفاع الشعبي والنظام العام، فتلك قوانين تهم القوى السياسية الشمالية والحركة - كما سبق أن قالت- لن تحارب معارك الآخرين! لعل المعضلة التي تستعصي على الحل هي مطالبة الحركة بالسماح لها بموكب جماهيري احتجاجي يرد لها بعض كرامتها التي أهدرت، وربما يجد المؤتمر نفسه مضطراً للتصديق بموكب يسير وفق شروط مشددة في الحركة والشعارات والمخاطبة! ويبقى لدى الحركة أهم أسلحتها وهو كرت التحالف الانتخابي لمرشح رئاسة الجمهورية الذي ستطالب بثمن باهظ له، فليستعد المؤتمر الوطني وإلا خسر الفوز من الجولة الأولى!
الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
Quote: أما الفوضى الفكرية فتتمثل في أن الحزب الحاكم يريد أن يعبر عن مصالح كل الطبقات والفئات والشرائح والجماعات في آن واحد، وهو أمر مناقض لمفهوم الأحزاب التي تعبر في حقيقة الأمر عن مصالح فئات مختلفة ومتناقضة في معظم الأحيان. فالحزب الحاكم يعبر عن مصالح طبقة حاكمة الآن، طبقة أخذت تتكوّن، ولم تكتمل، خلال عشرين عاما استطاع أفرادها الحصول على ممتلكات وأموال ومصانع ومزارع وأطيان ومنازل وثروات أخرى لا تحصى ولا تعد.. فلينظر الحكام إلى طعامهم وسكنهم وارصدتهم وممتلكاتهم وعلاقاتهم ووظائفهم وأعمالهم، ورغم ذلك مازالت طبقة غير مكتملة، إذ تحتاج إلى غربلة وانتقاء كي تصبح مكتملة البنيان، فهي مازالت في مرحلة تكوين وانتقال. |
الاخ الكيك ســـــــــلام.
بعد دا كلة نافع بقول هم بـسـتعدو الى العـشــــــرين ســــــــنة القادمة
شوف الزول دا مفترى كيف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
الثلاثاء 15 ديسمبر 2009م، 28 ذو الحجة 1430هـ العدد 5918 دلالات «الإثنين».. مواصلة العنف المزدوج والتخويف المتبادل حيدر طه مظاهرة الإثنين الشهيرة لم تنته خالية من الدلالات والنتائج، فهي ككل حدث له أثر في تصرفات الحكومة والمعارضة، يجسد مظاهر ومضامين الصراع السياسي بما فيها من تحالفات وفرز قوى وتخويف وترغيب وترهيب.. كوسائل لخلق نوع من التوازن أو التفوق. وإذا كانت النتائج قد تجلت في الاتفاق السريع بين الشريكين اللدودين على عدد من القوانين التي كانت «متجلطة» في شرايين الشراكة المعتلة الأول والآخر، فإن الآثار مازالت باقية لم يمحها الاتفاق، كما أن الدلالات ستظل قائمة وفاعلة في تحليل الحدث والنتائج والآثار. وليس المهم الأخطاء التي ارتكبتها السلطة الحاكمة في التعامل مع الحدث، إنما الأكثر أهمية هو لماذا تأجل الاتفاق على القوانين إلى وقت متأخر من عمر المجلس الوطني حتى تحركه مظاهرة يستخدم فيها العنف المزدوج، المادي والمعنوي؟ ومن الرابح بعد جرد الحسابات الختامية للحدث وما بعده؟ ومن يضع جدول الأولويات واجندة الصراع السياسي؟ وما آثار الحدث على «التحالفات الانتخابية»؟ كلها أسئلة تنتظر الأيام المقبلة لتكون الإجابات شافية ووافية.. ولكن الحدث أفرغ كل دلالاته في طريقة التعامل معه، في حينه أو بعده. وربما صورة من تلك الدلالات التي لها صور متعددة، هي طريقة استخدام السلطة وجماعاتها الإرهاب والتخويف التي صاحبت الحدث أو تلته. والإرهاب أنواع كثيرة، لا حصر لها إذا تمادى المرء في تتبع المعاني والسياقات والأدوات والوسائل والأساليب في كل شيء له ظلال وأشباح تثير الرعب وتولد الخوف وترهب العقل والقلب وتوتر الأعصاب وتقلق المضاجع. وذلك ليس حصراً على دنيا السياسة وحدها، إنما في كل الدنياوات، في العشق والشوق والفراق والرزق والمال والاستثمار والرياضة والفن من أوله إلى سابعه، وما تلى ذلك من فنون حديثة. ولكن أخطر أنواع الإرهاب ذلك الكامن في الكلمات والمعاني التي يتألف منها خطاب سياسي، يسعى إلى شل حركة الأفراد أو الجماعات وإصابتهم بهزة معنوية أو نفسية لإشاعة عدم الثقة والاضطراب والخوف والتردد ثم الانهزام والاستسلام. وفي كثير من الدعاية «البروبجاندا» التي تتبناها الأنظمة السياسية والأحزاب والمنظمات العقائدية والجماعات الدينية، يجد المرء استخداما للمفاهيم والتعابير والمصطلحات والأفكار والمقولات والأمثال فيها خلط مقصود وتحوير مصطنع لخلق أثر سلبي في نفوس من هم مستهدفون بهذا الخطاب والكلمات التي تشكل في مضمونها إرهابا معنويا ونفسيا وعقليا. وكل سلطة في الماضي والحاضر لها مثل هذه الأساليب التي تساعدها على إدارة الحكم في كل المجتمعات، ولكن تختلف كل منها في طريقة استخدامها والهدف من استخدامها، فتتفاوت حظوظ المواطنين باختلاف نوعية الأنظمة الحاكمة، فيكون سعيدا من يعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، يأمن فيه على نفسه وأسرته ورزقه وماله وأبنائه ومستقبله ومستقبل أبنائه، ويحس بآدميته كونه مواطنا له حقوق واضحة وواجبات معلومة، يحق له التفكير والتعبير دون رهبة أو خوف من اعتقال أو انتقام، وله الخيار الحر في الانتماء إلى مجتمعات صغيرة مهنية أو سياسية أو خيرية أو غيرها من المنظمات التي يبدع من خلالها دورا صالحا للمجتمع. وفي المقابل يكون سييء الحظ من يعيش تحت ظل نظام تسلطي قمعي يحتكر الحقيقة لنفسه، والحقوق لأهل الثقة من أهله، يصادر الرأي ويؤذي الخصوم ويلاحق من يراهم أعداءً ويخنق صوت من يصفهم معارضة. هذا النوع من الأنظمة المتسلطة لا تعرف للأمن طريقا، ولا للطمأنينة دربا، تظل خائفة من كل همسة ومرتابة من كل تجمع، ومنزعجة من كل صوت غير صوتها، فيعلو صوتها ويرتفع سوطها ويجهز سيافها، للتصدى لكل خصم وعدو محتمل. فتهتم بحماية نفسها في مبالغة وتزيد، فتخصص الميزانيات العراض لتعزيز أجهزة الأمن، بحجة مملوءة بالوهم متخمة بالمخاوف، مدججة بالذرائع التي أضخمها أن الوطن مهدد في هويته وماله وعرضه وأرضه وأهله ونظامه الأمين على كل القيم والمقدرات. وفي السودان مثل هذه الأنظمة التي تتمثل في سلطة خائفة منذ مجيئها بانقلاب عسكري وحتى اليوم. تخاف من الليل فتحشد النواطير، بأسمائهم المختلفة، لمراقبة كل حركة ورصد كل سكنة، وتسيِّر الدوريات في كل شارع وتغير كلمة السر كل ساعة، وتفتخر بأنها لا تنام وعينها يقظة ورجالها ساهرون..وتنفق ما لا طاقة لميزانية السودان به على هذه الجيوش المجيشة لحفظ الأمن عندما يخيم الظلام. وعندما ينبلج الفجر تظهر عين النظام العام «الحمرة» لتأديب الناس في حلهم وترحالهم أثناء ساعات النهار، وتحذير من تسوِّل له نفسه بالخروج على «النظام»، فتبسطه بين الأحياء والأحياء، فلما لم تجد ضحية تؤكد بها «يقظة أمنها» تطارد الحلقات الأضعف في المجتمع لتفرض هيبتها بحشر السودانيات في النيابات ليعرفن «حدود الله». والغريب في الأمر أن السلطة الخائفة منذ انقلابها ظلت تعمل جاهدة على إرهاب السودانيين وتخويفهم بكل وسيلة وأداة على ألا يقربوا السياسة كي لا يندموا. وهو ما يستدعي سؤالا منطقيا يقول: إذا لم تكن السلطة الحاكمة خائفة ومرتعبة هل كانت ستمارس الإرهاب على الناس.. أم ستكون أكثر تفاعلا معهم وحضنا لهم وسكينة بينهم؟ ومن الممكن أن تتداعى كثير من الأسئلة المشابهة مثل: كيف يساعد السودانيون السلطة الحاكمة على اقتلاع الخوف من قلبها كي تتخلى عن تخويفهم وإرهابهم؟ وهل الخوف طبع فيها أم الإرهاب طبيعة في تكوينها؟ والحكومة دون أن تنتبه زرعت فكرة خوفها عميقا في نفوس السودانيين، فكثرة السلاح ومظاهر القوة ليست في كل الأحوال دليل على القوة، إنما على الخوف والرهبة.. ففطن الذين يملكون مساحة من حرية الحركة «في الهامش» أن السلطة الحاكمة خائفة ومرعوبة، على الرغم من ادعائها امتلاك القوة والمنعة.. فعملوا على زيادة تخويفها بنظرية الهمباتة أصحاب القيم والنخوة في أحسن الأحوال، و«قطاع الطرق» في أسوأ الأحوال. والتخويف يعادل في بعض الأحيان الابتزاز.. وفي معظم الأحيان يعني الإرهاب والردع. وكما مارست الحكومة الإرهاب على الشعب، مارس المتمردون عليها الردع والتخويف.. فأصبحت السمة البارزة في المجتمع هي سياسة التخويف، والترهيب دون التخلي عن الترغيب كوسيلة أخيرة غير مضمونة النتائج وهناك حالات وشواهد عديدة للحالتين. ونظرة متمعنة للصدام الذي جرى أثناء المظاهرة وما تلاه من تصريحات، تكشف عمق سياسات التخويف التي تمارسها الحكومة ويمارسها بعض معارضيها. وهذا ما وضح جليا خلال الفترة الماضية عندما بدأت الأحزاب خطوات للتجمع تحت شعار «الوفاق الوطني» لبحث افضل السبل لتجنيب البلاد خطر التفتت باحتواء أزمة دافور قبل أن تصل إلى نهاياتها المحزنة. ولم يكن ذلك التجمع يستدعي الهجمة الشعواء والسعار الأرعن الذي يفضح خوفا مجلجلا داخل عقل وقلب النظام الحاكم. فخطوات الأحزاب المتجمعة كانت عبارة عن تحرك طبيعي وجماعي للبحث عن وسيلة للتصدي للمخاطر التي تهدد وحدة البلاد، بل وتهدد المكاسب التي تحققت أخيراً بما فيها أجواء الحرية النسبية التي تتمتع بها الأحزاب الآن. فقد فسّرت الحكومة هذه التحركات بأنها ضد النظام وتعمل على «تغييره»، فعملت ضده على الرغم من أنها كان يمكن أن تتفاعل معه لصالحها ولصالح السودان.. ولكن طبيعة الخائفين، أن يروا في كل تحرك تهديداً لوجودهم، وكل اتفاق بين معارضيهم خصما من سلطتهم. وبلغ هذا الخوف ذروته عندما أعلن تجمع الأحزاب عن نيته للخروج في مظاهرة سلمية تسير إلى المجلس الوطني لتسليم النواب مذكرة حول استكمال ما اتفق عليه في اتفاقية نيفاشا. الخوف لم يكن مبررا والتحرك الذي كان دافعه الخوف كان أرعن، لا يدل على أن النظام خفف من مشاعر الخوف التي صاحبته منذ انقلابه قبل عشرين عاما. ونتيجة لهذا الخوف مارست الجماعات والافراد المنتسبون إلى السلطة بحزبها الحاكم نوعين من الإرهاب خلال الأسبوع الماضي وبكثافة ليست بالطبع استثنائية ولا مخالفة للاعتياد والتقليد الذي ظلت القوى الحاكمة حريصة على الالتزام به، منذ انقلابها قبل عشرين عاما، في مختلف مسؤولياتها ومواقعها ولو كانت مواقع مدنية صرفة لا تحتمل مثل هذه الممارسات. فقد شنَّ المسؤولون في حزب المؤتمر الوطني هجوما على القوى التي رغبت في تسيير مظاهرة سلمية، بحجة أنهم «ينوون» تغيير النظام بالقوة.. وعلى ضوء هذه الحجة استخدمت الشرطة «صلاحياتها» في تفريق المظاهرة واعتقال بعض قادتها بدعوى عدم الحصول على تصريح مسبق بتنظيم المظاهرة. والمهم في تلك الحجة القول إن المظاهرة تريد «تغيير النظام» .. وما الغضاضة في ذلك..؟ تغيير النظام ليس جرما ولا خطيئة. فمشروعية أية معارضة تعتمد على خطابها لتغيير النظام سلميا في نظام ديمقراطي مكتمل الهيئة والبناء والممارسة، أما إذا كان نظاما مازال يقبض بكل قوته واجهزته ومؤسساته على السلطة بحيث لا يسمح لمعارضة الفوز بها، فإن ذلك لا ينتمي إلى الأنظمة الديمقراطية التي سمتها تدوال السلطة، عندما تكون المؤسسات محايدة ومستقلة كي لا يطعن في النظام. وهذا بالطبع لا يحتاج إلى محاضرة أو «درس عصر»، ولكن يحتاج إلى روح ديمقراطية حقيقية كي تميز بين نظام ونظام. فإذا كانت المعارضة مؤمنة بالنظام القائم كما هو لما دعت إلى مظاهرة تعمل على تغيير القوانين وتعديلها، وهي قوانين توضح مدى عدم ديمقراطية النظام. وتغيير النظام سلميا ليس سبة ولا كفراً، فإذا تمسك أهل المؤتمر الوطني بهذه الحجة، فإن ذلك سيقودهم إلى محاكمات جنائية بتهم لا تسقط بالتقادم، يوم تعود روح الديمقراطية الحقيقية إلى البلاد. فتغيير النظام واجب وطني بلا شك، والقول بغير ذلك يعني دفن الرؤوس في الرمال. أما الحديث عن أن التغيير يستهدف الشريعة فإن ذلك خطل وتسفيه لعقائد السودانيين ورؤاهم، بل لحقائق الأحوال ووقائع المشهد. وهذه واحدة من وسائل التخويف التي استخدمها النظام، ويستخدمها حتى الآن. وربما في بيان «الافتاء»، ما يدلل على ذلك عندما يتحدث الذين افتوا عن أنهم لا يقرون المظاهرة إذا منعتها السلطات، ويقرونها إذا سمحت بها السلطات. إنه خطاب موجه إلى العامة لتخويفهم من أن الدين مع الحاكم، ومع السلطة ولو كانت جائرة.. هذا فهم مغلوط للدين وللسياسة. فإذا كان الترابي «عراب» النظام ومنظر الانقلاب ومرشد الجماعة وأستاذ الحكام القاعدين بأحوال البلاد، قد خرج من ملتهم وناصبهم العداء وقال فيهم ما لم يقله مالك في الخمر، وندم على ذلك الفعل وتاب توبة نصوحة.. فكيف يمكن تجيير الافتاء إلى موقف السلطة إذا لم يكن لتخويف البسطاء الذين «يسمعون كلام الحكومة» إن كان صحيحا أو خاطئا. لقد تغير النظام فعلا وقولا بدرجات مقدرة، لم يصل بعد إلى «100» درجة، ولكنه تغير بيد أهله وأصحابه وجماعاته ومؤسساته وقياداته. ولم يجرم النظام نفسه بل اعتبره سيراً في الطريق السليم والقويم. وكان السودانيون سعداء بهذا التغيير وفرحوا له وقدروه تقديرا عاليا، ولكنه تغيير مازال دون الطموح وقاصراً عن الآمال، لأنه مازال متخما بأساليب التخويف والترهيب، التي مارسها أخيراً، وهو في نفس الوقت خائف من انتفاضة تخيلها أقرب من حبل الوريد. حالة التخويف المتبادل لا تبني وطنا مستقرا، ولا بلدا موحدا. فالأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء.. ولذلك يظل الجميع يستقوي بالغير في صراع يُدار بأسلوب «الردع المعنوي» بعد الردع المادي. الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
حلمي شعراوي
عن الكاتب أرشيف الكاتب العصا والجزرة في المشهد السوداني آخر تحديث: الإثنين 14 ديسمبر 2009 الساعة 04:47PM بتوقيت الإمارات يبدو أن شعار "العصا والجزرة " مقدر على المصائر السودانية، بما يتوجب التفكير، والأمل في توقف هذه الآلية المرهقة التي تبلغ قمتها في هذه الأيام، في الموقف الأميركي والداخلي على السواء. ولابد أن الجمهور السوداني قد تعب بما فيه الكفاية، وبما يلمح للكثير من التوقعات المتضاربة!
وتبدو "الحكومة الذكية" في السودان، مركزة شطارتها دائماً في عبور "المفارق" بين "العصا والجزرة " خارجياً وداخلياً بما لا يمنح أملًا كبيراً في استقرار قريب، لأن أطراف "العصا والجزرة " أنفسهم ليسوا مستقرين، سواء كانت الإدارات الأميركية، أو القوى السياسية الداخلية!
النظام السوداني الذي قاتل بحدة في الجنوب، هو الذي بادر أوائل التسعينيات بإعلان "حق تقرير المصير"، ثم ذهب ليعبر مفرق "العصا والجزرة " في نيروبي مع "الإيجاد" والأميركان، وعاد سالماً على أي حال وإن كان السودان ليس سالماً تماماً عقب هذه الرحلة إلى "الجنوب" عبر "نيروبي". وهو نفسه الذي ذهب إلى "أبوجا" مهدداً بعصا التمردات والتدخلات، وأملاً في الاستقرار بعد رحلة الجنوب، وإذ بالتوتر يعلو هنا أيضاً، لكن النظام يعبر "المفرق" بين "العصا والجزرة " عبر تنافسات القوى الدولية المتنافسة على البترول، والقوى الداخلية المتصارعة في"دارفور" ...وهكذا فعل في الشرق، بل وفعل مع قوى التجمع في القاهرة والخرطوم...لكن أقوى الضربات كانت في مجلس الأمن والمحكمة الجنائية، كما كانت في إعلانات الحملة الانتخابية نفسها للرئيس أوباما، بل وبعد انتخابه حول القول بجناية "إبادة الجنس" في دارفور، مما يعرض السودان كله، وليس رئاسته فقط للتدخل العنيف.
و"بعصا" هذا الاتهام، بعدت الشقة في المسافة بين العصا والجزرة هذه المرة، لأن القوى الداخلية أيضاً باتت أمام خيارات التحرك بالعصا أمام النظام استفادة من هذه الظروف "التاريخية " الميسرة لحركتها الشعبية، خاصة وأن الموقف لم يسمح بتحركات
"شعبوية " ناجحة من قبل القيادة السودانية وحزبها، مما احتاج لآليات جديدة لعبور "المفرق" بين "العصا والجزرة "...لم يكن سهلاً على أي حال وإنْ ظل ممكناً!
كان تعيين الولايات المتحدة بقيادة أوباما للمبعوث الجديد،
"الجنرال سكوت جرشن"، بروحه "التفاوضية" العالية، إشارة إنقاذ أولى للنظام السوداني. ويا للطرافة في إعلانه أنه لا يتعامل مع الرئيس البشير المطلوب للمحكمة! ، ولكنه يسعى بحكمة بين القوى السودانية والأطراف المشاركة الخارجية. ونجح خلال جولاته بين الزعامات السودانية، وبين عواصم مثل القاهرة وطرابلس وأديس أبابا، بل وعبر محادثات لـ"أوباما" مع الصينيين والروس، والاتصالات مع الاتحاد الأوروبي، مما جعل عنده الفرصة ليبدو مهدداً للحكم من جهة بـ(المحكمة) ومقبلاً على السودان لاستمرار دفع مقولة الحل الشامل بـ"التعاون" مع الأطراف الداخلية، وليس بعزلها من جهة أخرى (الجزرة ). ويبدو أن تلك هي العناصر الرئيسية، أو المنتج الرئيسي لورقة الاستراتيجية الجديدة الأميركية التي أعلنتها إدارة أوباما في 19 نوفمبر 2009 .
الأميركيون في مستنقع أفغانستان والعراق، لا يستطيعون المغامرة في"دارفور" الآن بأي حال، لكن شعارات "الحرب الكاسحة " في أفغانستان، والسيطرة باسم الأمن في العراق لم تتراجع بأي مسافة عن نغمة الرئيس بوش نفسه، كما لم تتراجع نغمة مواجهة إبادة الجنس في"دارفور". لكن الفشل العسكري الذي يحيط "برئيس نوبل في آسيا، لابد أن تواجهه نزعة إنسانية نسبياً في أفريقيا، ولذا تظل الاستراتيجية الأميركية تتحدث عن حقوق الإنسان والاستقرار والسلام في"دارفور" وجنوب السودان، وعينها على ضمان توزيع مناطق البترول باسم الحق في توزيع الثروة، والحديث في الحقيقة هو عن ضمانات من الأطراف المشاركة ، لضمان المصالح الأميركية، وإلا بقيت جماعة "إنقاذ دارفور" والكونجرس على سطح الإعلام الأميركي ولاشك أن النظام السوداني، الذي بدأ يشعر بأمان رئيسه النسبي تجاه نغمة المحكمة الجنائية، كما يشعر بألفة نسبية مع وجود المبعوث
"الجنرال جريشن" في الخرطوم دون تصريحات مزعجة، بل وتلميحات الاستراتيجية الجديدة أكثر من مرة إلى توفير فرص
"الحوافز إلى جانب إشارات عن فرص العقاب"، أي التلويح الهادئ بالجزرة والعصا في آن واحد وليس تتابعاً. والإيحاء بأن الحوار يجري في اتصال مع أطراف عربية وأفريقية مطمئنة للنظام السوداني، وفي الوقت نفسه يظل مطلب حل مشكلة "أبيي" وكردفان ملحاً... كل ذلك يجعل لـ"العصا والجزرة "احتمالات الفعل في المشهد السوداني الحاكم، مع طمأنة النظام إلى إمكان تمرير الانتخابات، والاستفتاء عامي 2010-2011 بأقل قدر من الازعاجات.
الانزعاج الأكبر الآن، في المشهد السوداني الداخلي، السياسي والشعبي، الذي تتحرك فيه قوى تناقض غريبة سيسعد بها النظام السوداني بالتأكيد. فما معنى كل هذه التصريحات والتمظهرات الصارخة للخلافات في "الحركة الشعبية" أو ما حولها؟ الحركة التي جمعت القوى السياسية المعارضة في مشهد جديد وقوي تماماً في جوبا منذ أسابيع، تمضى الآن وحدها تقريباً في تظاهر احتجاجي في الخرطوم (الاثنين القاسي 7 ديسمبر)، وبعد إعلان عن حوار "الشريكين" حول "القضايا العالقة " يوم الأحد 6 ديسمبر ! والأدهى من ذلك هو قرار – بدا جماعيا – من جماعة جوبا أنفسهم للقيام بالمظاهرة، ثم لا يحضر المظاهرة زعماء "الأمة" و"الوطني الاتحادي" والشيوعي.... والروايات عن الواقعتين مستفزة بالفعل لأية جماهير تأمل في تحرك ديمقراطي حقيقي . فلا زعامة حزب "الأمة" تستطيع تبرير الموقف الذي بدا قوياً في جوبا بل وعلى لسان المناضلة "مريم الصادق المهدي " في اجتماع أهل جوبا في الخرطوم، ثم الغياب في اليوم التالي، ولا تنسيق تفهمه الجماهير في أحداث الاثنين التي بدت معزولة عن "الفعل السياسي" الجامع لكل أطراف المعارضة، ولا تفسير لـ"لقاء زعماء الشمال وحدهم" (الرئيس البشير والسيدان الصادق والميرغني) بما يعيد المشهد السوداني كله لذكريات لا أريد أن أشيع الأسى حولها، من مؤتمر جوبا 1947، إلى مفاوضات الاستقلال، إلى المائدة المستديرة 1965، إلى مفاوضات ما بعد انتفاضة 1985! ويظل السؤال الآن كئيبا بالفعل: هل يريد الشماليون أن يمضوا وحدهم، ما داموا بعد كل هذا التفاعل يعملون من أجل سودان جديد؟
إن الجنوبيين الآن في حاجة للبقاء في هذا التحالف الشمالي الجنوبي مهما تعددت أطرافه، ومصالح المعارضة الجنوبية تبدو ملحة مع الجنوبيين.
ويستطيع موقف منسق أن يجلب بعض "الجزرات" لكل الأطراف، لو لم يُترك الأميركيون في مأزقهم الحالي يصيغون الموقف وحدهم للإيحاء بالتهدئة في الساحة الأفريقية ولو مؤقتاً. ولكن ما يبدو في الجعبة ما زال قائماً في ثوابت إدارتهم السابقة حول "دولة واحدة ونظامان"، وهذا هو المرجح الذي بدأت إشاراته بين السياسيين أنفسهم في جوبا، وما زالت رياح "الكونفيدرالية " مطروحة لحل هذه التعقيدات بين السياسيين جميعاً على الجانبين. كما يوحي تمسك النظام الحاكم ببقائه كما هو وبأي ثمن، وقدرته المستمرة على النفاذ بين "العصا والجزرة " حيث لا يريد "شراكة حقيقية" في حلول تفاوضية هادئة ولا يساعد الحكم في ذلك إلا وجود قيادات حزبية تقليدية تعودت الحضور في فراغات السلطة. ويبدو كل ذلك محيلًا إلى تحضير تقليدي للانتخابات والاستفتاء نأمل أن تجنب السودان انفجارات لا تنفع معها حتى الكونفيدرالية المتوقعة. الاتحاد 15/200912/
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
نحو حوار هادئ مع فقهاء السودان (الحلقة الاولي) ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي الأربعاء, 16 ديسمبر 2009 13:29
يثير التدخل المستمر لرجال الدين في الشؤون العامة للناس، لابصفة المواطنة والحقوق الاساسية في التعبير عن الرأي، بل كسلطة دينية تمتلك الحقيقة المطلقة؛ كثيرا من الخلاف والاستهجان احيانا. فقد اصدرت المجموعة المسماة: هيئة علماء السودان فتوى اشكالية حول مسيرة يوم الاثنين السابع من ديسمبر2009 والتي سيرتها القوى التي شاركت في مؤتمر جوبا.والمقال الحالي هو محاولة لفتح حوار هادئ وجاد مع هذه المجموعة،رغم شكي المسبق في جدوي هذا الحوار. إذ أن إي حوار يفترض وجود طرفين بينهما احترام . ولكن رجال الدين يرون بأن رأيهم نهائي لا يحتمل اي جدل فهم قد ثبتّوا انفسهم كمرجعية دينية مطلقة تحتكر حق تفسير الدين،واي نقاش معهم يدخل صاحبه في زمرة الكفر وعداء الاسلام والردّة. فقد قصروا صفة: أهل الذكر،علي مجموعة تلقت تعليما دينيا واحتلت مواقع في مؤسسات دينية.فهي – حسب لغتها – ختمت "العلم" وبالتالي لا يحتاج ما تلقته من معارف دينية الي أي تطوير أو اضافة أو مراجعة.ومن المفترض ان تكون مناقشة المسلمين مهما كان مستواهم الفكري أو وضعهم الاجتماعي،جزءا من امانة التكليف وبيان الحق الذي يتصدي له من يفتي.وهذا يمكن ان يكون ضمن معني الآية الكريمة:-" واذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه".(سورة آل عمران:187) لان الأمر لا يتوقف عند أن يقول المفتي كلمته ويمضي، بل عليه ان يقف الي جانب كلمته ويدافع عنها. واخشي ان يكون تجاهل الفقهاء للنقاش والحوار نوعا من الاستعلاء غير المبرر ومن صفات اي عالم أو فقيه التواضع.
يشتمل هذا الحوار علي محورين أو مجالين، الأول خاص بجوانب شكلية واجرائية والثاني متعلق بالمضمون والمنهج. ففي المحور الاول تساؤلات حول هوية هذه الجماعة وكيف ولماذا تكونت؟ هل برزت حاجة واقعية حقيقية لقيام مثل هذا الكيان مع وجود عدد من المؤسسات تقوم السياسي؟ومن يحق له أن يفتي وكيف نوقف فوضي الفتوى حيث يتصدي الكثيرون في القنوات الفضائية واجهزة الاعلام؟ والموقف من التسيب والتهيب في اصدار الفتوى. وفي المحور الثاني، يهمنا معرفة الاضافة الاجتهادية أو التجديد الذي تساهم به هيئة علماء السودان من خلال نشر مثل الفتوى الاخيرة.فالمسلمون يعانون من حالة تخلف وفوات تاريخي،جعل شكيب ارسلان يتساءل مبكرا ماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ وان يكتب ابوالحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ هناك حاجة الي اجتهاد يبحث في سبل اللحاق بالعصر ورفع التناضات بين الاسلام ومنجزات الانسانية المادية وغير المادية.فماهو اسهام هيئة علماء السودان في هذا المجال؟ هل تسببت فتاوى الهيئة في ادراجها ضمن ما يسمي فقهاء السلطان أو علماء السوء أم أن الهيئة مستهدفة؟ هل تفضل وجود السلطان الجائر علي غياب السلطان أو تأجيله؟هل يمكن ان يكون الافتاء مستقلا تماما ولايقف الا مع الحق أم أن جاذبية السلطة او هيبتها يستحيل مواجهتها ومقاومتها؟
المحور الاول: - الشكل
اول الاسئلة هو: ماهي المعايير المعتمدة للاختيار هل هي قدراتهم وكفاءاتهم أم حسب الوظيفة والانتماءات الايديولوجية مضافة اليها؟هل تمثل الهيئة كل علماء السودان بمعني هل العلماء الذين ينتمون الي حزب الامة والحزب الاتحادي والاحزاب والطرق الصوفية الاخري؟ولو فرضنا وجودهم في عضوية الهيئة فهل وافقوا علي ادانة احزابهم حسب مضمون الفتوى الصادرة هذا الاسبوع؟ لماذا لم يصدر المجمع الفقهي السوداني فتوى بخصوص المسيرة وهو الجهة الرسمية المنوط بها؟ وهل يتم التنسيق بين المنظمات ذات الطابع الديني مثل مجمع الفقه والمجلس الاعلي للدعوة الاسلامية،والمجلس القومي للذكر والذاكرين؟ كيف تم تسجيل الهيئة هل هي منظمة مجتمع مدني ذات عضوية مفتوحة وطوعية أم هي نقابة مهنية؟
يري البعض ان فكرة وجود هيئات للفتوى هي أقرب الي البدعة والاستحداث،لأنه لم يوجد في الاسلام منذ الخلافة الراشدة ما يسمي بالمفتي. ظلت عملية ابداء الرأي والاجتهاد وتفسير ما يغمض،عملية فردية، وتتطلب توفر صفات صعبة من العلم والاخلاق.ومع الزمن وتباعد الناس عن البداية وظهور قضايا جديدة احتاج الناس لمن يجيب عن اسئلتهم.وتقدم الفقهاء لبيان وتوضيح الدين من خلال التأويل والتفسير.وهنا ظهرت حاجة حقيقة لما درجنا علي تسميته :الفتوى. فقد خشى المسلمون على الأحكام الدينية نتيجة التطورات التي أصابت مجتمعاتهم وحكامهم الذين لم يعودوا متفقهين في العلم الدينيه. وكان الفقه- في البداية- ينمو ويتطور بواسطة عمل شعبي بعيداً عن نشاط الدولة وأجهزتها أي من وظائف المجتمع المدني وليس الدولة. ويفرض المجتهد نفسه من خلال الاعتراف العام الذي يكسبه بعلمه وتدريسه ومناظراته، وتسعى الناس إلى من تتوسّم فيه الصلاحية للفتوى فيستفتونه. وصنّف بعض الأكاديميين المهتمين بالسوسيولوجيا المهنية أو السياسية، الفقهاء: "كفئة اجتماعية ذات وظيفة أيديولوجية تتمثل في نوع من الوساطة الدينية التي تقوم على تقديم الخدمات الروحية والدينية لعموم المؤمنين سواء في أداء الشعائر أو في إصدار الأحكام وفي الإرشاد والتوجيه المعنوي والأخلاقي على وجه العموم. وأخذت هذه الفئة الاجتماعية تتميز تنظيمياً ووظيفياً وأيديولوجياً مع ازدياد الحاجة إليها للفصل والإفتاء في القضايا التي جاءت مع التحديث والتغيرات الاجتماعية.
لم يعرف الإسلام فكرة فصل السلطات الثلاث، فمنذ عهد النبوة وحتى الخلفاء وأمراء المؤمنين والسلاطين وحكام المسلمين عامة، تركزت السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، في يد الحاكم، باختلاف التسميات والألقاب. لذلك ربطت ممارسة الفتوى- في البداية- بالسلطة العامة بطرق متعددة، فقد سيطرت الدولة على ممارسة المهمة- هذه السيطرة كانت من وظائف القاضي- الذي يستطيع في حالة الضرورة أن يحجر على المفتي. رغم انه من المتعارف عليه، هو أن القاضي يمكن أن يسأل المفتي أي يستفتيه، والعكس غير ممكن.
ظهرت الصفة الرسمية للاثنين مع خروج منصب الإفتاء من السلطة التشريعية بالإضافة لمنصب القضاء من السلطة القضائية، لأول مرة في عهد السلطان سليمان القانوني عام 926هـ (1520م). ويسمي القانونيون وضعية الفتوى هذه: التشريع من الدرجة الثانية أو التشريع غير المبتدأ. وفي التطبيق الإسلامي في الماضي خرجت هذه الوظيفة عن الإمامة وخرجت عن إطار الولايات والإمارات أي ليست من الوظائف الاجتماعية التي يصدق عليها وصف سلطات الدولة ورجالها ليسوا أهل قرار إنما هم أصحاب رأي وفتوى بمعنى إن لم تكن لهم ولاية على غيرهم ينفذون بها ما ينتهون إليه من حقوق الآخرين وأوضاعهم. حاولت الدولة العثمانية التي اهتمت بوجود المنصب، ربط وظيفة المفتي بوظيفة القاضي، وكان حاملو المنصب يمنعون من إعطاء فتوى. وفي عهد مراد الثاني (824- 855هـ/ 1421- 1451م) وضع حق إصدار الفتوى حصراً في يد شخص عرف باسم شيخ الإسلام، ورغم تعيينه من قبل السلطان،ولكن ليس له دور في مجالس الدولة، ولا مرتب مقابل قراراته، إشارة إلى أنه فوق الاعتبارات الدنيوية.
أما في مصر فقد كان لتاريخها الإداري ودولتها المركزية العتيقة التي امتدت الآف السنين، أثره على قيام مؤسسات دينية قوية ومؤثرة على مستوى العالم الإسلامي ككل. فقد زود الأزهر مؤسسة الفتوى في مصر وخارجها بكوادر وموظفين، بالإضافة لرجال الدعوة الذين انتشروا في انحاء العالم. لذلك كان من الطبيعي أنّ الجهة التي تمتلك أكبر وأقوى مؤسسة هي دار الإفتاء، لأنها احتضنت طبقة واسعة للعلماء اشتبكت مصالحهم مع الدولة في تعايش سلمي استفاد منه الطرفان كثيراً. عند مجيء العثمانيين الذين أرادوا تحويل النفوذ الدني إلى الآستانة. ولكنهم كانوا أول من أنشأ منصب شيخ الأزهر عام 1101هـ/1690م ليتولى رئاسة العلماء ويشرف على شؤونه الإدارية والعامة. وخطورة هذه الخطوة هي أن شيخ الأزهر أصبح موظفاً رسمياً تعينه الدولة بعد أن ينتخب ناظر من كبار العلماء الأزهريين تأثيرها، فقد ساعد العلماء محمد علي باشا (1805م) بعد خروج الفرنسيين من مصر ومكّنوه من السلطة، ولكن رفض وصاية الأزهريين حتى كمستشارين، فهو حاكم مطلق وقام بفصل- ضمني- للدين عن الدولة. إذ لم يقبل تدخل الأزهر في الشؤون العامة، وفي نفس الوقت اهتمت أسرة محمد علي الحاكمة بتطوير دور الأزهر العلمي والديني داخل مصر وخارجها فهم الذين ابتدعوا فكرة الرواق للدارسين القادمين من خارج القاهرة ومصر.
أصدر الملك فؤاد الأول القانون رقم 46 لسنة 1930 حيث افتتحت كلية أصول الدين عام 1933 وكلية الشريعة ومساكن الطلبة والإدارة العامة للمعاهد. واستمر الملك فاروق في نفس خطى والده في رعاية الأزهر وعلمائه وكان يحضر الاحتفال بمطلع العام الهجري، وإن شهد عهده في بعض الأحيان خلافات مع شيوخ الأزهر، فقد عزل الشيخ عبد المجيد سليم عام 1951 لرفضه التدخل في شؤون الأزهر.ولاحقا اهتمت ثورة يوليو 1952 بالأزهر وقد كان بناء مدينة البعوث الإسلامية الذي بدأ عام 1954 بأمر من جمال عبد الناصر. وفي محاولة الدولة الشمولية للسيطرة على كل المجتمع والمؤسسات والفضاء السياسي، واحتكار وتوجيه الحركة والنشاط، صدر قانون تطوير الأزهر عام 1961. ومن أول خطواته تعيين شيخ الأزهر، مع ملاحظة أن الملك فاروق وافق على صيغة توفيقية حيث تنتخب هيئة كبار العلماء (30 عالماً يمثلون كل المذاهب) شيخ الأزهر ويرسل الترشيح إلى القصر فيصدر أمر ملكي بتعيينه. وتم- حسب القانون الجديد- إلغاء هيئة كبار العلماء نفسها والتي أنشئت حسب القانون رقم 10 لعام 1961 لتنظيم شؤون الأزهر، وحل محلها مجمع البحوث الإسلامية.
هذا هو تاريخ مأسسة الفتوي وربطها بالسلطة السياسية. وفي السودان حافظت الادارة الاستعمارية علي القضاء الشرعي رسميا،وظل الافتاء مهمة تطوعية يقوم بها الفقهاء كامتداد لدور الفقرا التاريخي في السودان. وكان البريطانيون يستعينون بهئية شرعية تمثلت في نائب السكرتير القضائي للحاكم العام والذي يتولي مهمة الافتاء في الاحوال الشخصية للمسلمين.ولكن كان أول من تولي منصب مفتي الجمهورية الشيخ عوض الله صالح بقرار جمهوري عام1978.وفي العام التالي صدر قرار انشاء مجلس للافتاء الشرعي.واعيد تشكيل مجلس الافتاء مرتين في عامي1988و1991.
ارتباط الفتوى بالسلطة السياسية،اضر بشروط المفتي الصحيحة. وقد كان الرسول(ص) يخشي كثيرا من عدم التمسك بشروط الافتاء والعلم الديني.لذلك كان يقول:-"إن أخوف ما اخاف عليكم بعد: كل منافق عليم اللسان."(رواه احمد عن عمر) وفي موضع آخر يقول عليه السلام:-"إن الله قال: خلقت خلقا السنتهم أحلي من العسل، وقلوبهم امر من الصبر، فبي حلفت...لاتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران فبي يغترون ام عليّ يجترئون".(رواه الترمذي عن عمر) وفي حديث آخر:-"أربعة يبغضهم الله تعالي:البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والامام الجائر".(رواه النسائي والبيهقي عن ابي هريرة).وعرف الاسلام تشديدا قويا علي من يحق له الفتوى وكان الكثيرون من الفقهاء في الماضي يتهيبون الفتوي.وظل سؤال من يحق له ان يفتي يشغل المسلمين علي الدوام. وكان عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه،رغم كل علمه لم يكن يميل الي الفتوي. ويعتقد أحمد أمين- أن عقل عمر عقل قضائي ورويت له أحكام كثيرة في مشكلات المسائل حتى في حياة رسول الله (ص)، بالإضافة إلى فراسته في الناس وفيمن يوليه الأعمال فقد كانت في منتهى الصدق. فالفتوى لا تحتاج إلى علم ديني فقط، والدليل هو أن ابنه عبدالله، كان من أميز علماء الصحابة ، ولكنه كما قال عنه الشعبي: "كان جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه" حمله الورع والخوف من الله ألا يكثر من الفتوى وألا يدخل في شيء من الفتن. ويقول عتبة بن مسلم: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً، فكان كثيراً ما يُسأل فيقول: لا أدري. (القرضاوي، 1992: 21).
ويُكثر العالم الورع من لا أدري، تجنباً لأي موقف يجعله مذنباً أو مخطئاً، رغم معرفته.
وعُرف عن أئمّة المذاهب المعروفة إكثارهم من: لا أدري، رغم علمهم وإنجازاتهم الفقهية العظيمة. روي عن الشافعي: "أنه سئل عن مسألة، فسكت، فقيل له ألا تجيب رحمك الله؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب". وروي عن أبي بكر الأثرم، قال: "سمعت أحمد بن حنبل يُستفتى فيكثر أن يقول لا أدري، وذلك فيما قد عَرفَ الأقاويلَ فيه". وعن الهيثم بن جميل (ت 213هـ)، قال: "شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمانٍ وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري". وعن مالك أيضاً: "أنه ربما كان يُسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة. وكان يقول: "من أجاب في مسألة فينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنّة أو النار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة؟ ثم يجيب فيها". وعنه: "أنه سئل عن مسألة؟ فقال: لا أدري فقيل له: إنها مسألة خفيفة سهلة. فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قوله جل ثناؤه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}. فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يُسأل عنه يوم القيامة". وعن سعيد بن المسيب: "أنه كان لا يكاد يفتي فتيا ولا يقول شيئاً إلا قال: اللهم سَلمني، وسَلم مني"
كان بعض السلف إذا أفتى يقول: "إن كان هذا صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني"
وردت مواقف كثيرة حول أجرة المفتي وهل يجوز له شرعا ان يطلب أو يقبل اجرا عن الفتوى أم لا؟
رغم كل هذه المحاذير،تكثر فتاوى هيئة علماء السودان في قضايا خلافية وسياسية غالبا.
اذ يبدو ان الهيئة تريد تمتين علاقاتها مع السلطة علي حساب رصانة ومسؤولية العلم الديني.وكثيرا ما تستغل الهيئة الاسم الضخم في ارهاب المعترضين علي مواقفها. وهي تسمية - بالفعل – غير دقيقة والاصح: هيئة فقهاء السودان أو علماء الدين. فهي تسمية توحي وكأن العلم هو الفقه وحده، وهنا يخرج من التصنيف علماء الفيزياء والرياضيات والطب.وهذا ما يفسر لماذا صار اي شيخ يفتي دون ان يرمش له جفن في نقل الاعضاء أوعلوم الفضاء أو الاستنساخ أوالشيزوفرنيا. فقد نصّب المفتون من انفسهم سدنة المعرفة والحكمة والقائمين عليها.فقد تراجعت كل انواع العلم التجريبي ليحل محلها العلم الديني.فالفقهاء هم الذين يحتلون شاشات القنوات الفضائية ويتحدثون بلا تردد عن موضوعات لم يدرسوها.وهم يساهمون في افقار المعرفة والعلم بسبب خروجهم عن تخصصاتهم والتعدي علي ميادين معرفة تحتاج لتأهيل مختلف لا يملكه الفقهاء.
مجال الفتوى شائك ومثقل بالاختلافات لاسباب موضوعية وذاتية. فقد لاحظنا كيف بادر الشيخ يوسف القرضاوي سريعا الي معارضة فتوى هيئة علماء السودان وقال بحق المسلمين في التظاهر والاحتجاج. كيف يكون الاختلاف جذريا من اصحاب مرجعية دينية واحدة؟يرجع هذا الامر الي التكوين الفقهي والاكاديمي للشيخ القرضاوي والدكتور محمد عثمان محمد صالح الامين العام لهيئة علماء السودان.اذ أن الامين العام للهئية حاصل علي الدكتوراة من جامعة ادنبرة باشراف المستشرق مونتقمري واط ،وهوعالم متمكن ولكن يتهم بالميول الكنسية القوية.وبالتأكيد استفاد د.عثمان من المناهج العديدة والجديدة مما جعله واثقا من آرائه ولذلك يقتحم مجال مثل السياسة بلا تردد.ومن الناحية الاخري اقتنع الشيخ القرضاوي بمبدأ الوسطية وصار يسعي باستمرار الي تجنب الصدام والتطرف في مواقفه.
(نواصل)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: قلقو)
|
الاخ قلقو تحياتى لك اشكرك واضيفلك وللقراء ما فصله فيصل محمد صالح فى الاخبار عن منبر السلام العادل وما قاله بشانه ... اقرا
حكاية المنبر والحزب الكاتب/ أفق بعيد: فيصل محمد صالح Wednesday, 16 December 2009
يقول أهل منبر السلام العادل إنه حزب قائم بذاته، وكيان مستقل عن حزب المؤتمر الوطني، وإن كان مؤسسو المنبر في معظمهم أعضاءً "سابقين" بالمؤتمر الوطني. أكثر من هذا فقد عقد المنبر مؤتمراً، وسجل نفسه لدى مسجل الأحزاب والتنظيمات. ومعروف لدى الجميع أن المنبر يتبنى فصل شمال السودان عن جنوبه، كهدف استراتيجي نظَّر له الأستاذ الطيب مصطفى عبر سلسلة مقالاته الشهيرة "رسالة لقبيلة النعام".
ومن المفترض أن حزب المؤتمر الوطني يتبنى ويدعو لوحدة السودان على أساس اتفاق السلام الشامل الموقع عام 2005 بين حكومة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، بينما يعارض منبر السلام العادل اتفاقيات نيفاشا ويهاجمها بقسوة، قائلاً إنها أعطت الجنوب أكثر من حقه، بل ويدعو لإسقاطها. يعني هذا أن من المفترض لو كانت المواقف المعلنة هي المواقف الحقيقية، فإن المنبر يقف في خط مواز للمؤتمر الوطني، وأن القوى السياسية التي تؤيد وتعترف باتفاق السلام الشامل هي الأقرب للمؤتمر الوطني من القوى التي تناهض الاتفاق وترفضه.
وما انفك المؤتمر الوطني يعلن تبرؤه من المنبر كلما سُئل مسؤول وطني عن ذلك، وينفي أي دعم وتمويل من المؤتمر الوطني ومؤسساته وأجهزته لمنبر السلام العادل وصحيفته "الانتباهة". يحدث هذا رغم أن الدكتور قطبي المهدي عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني من مؤسسي المنبر، ومن كتاب صحيفته، وكذلك الدكتور ربيع عبد العاطي، وإسحاق فضل الله وآخرين.كما أن "الانتباهة" هي الصحيفة الحزبية الوحيدة التي تتلقى إعلانات حكومية، بما في ذلك الشرطة
إلا أن أعجب ما في علاقة المنبر والمؤتمر هو أن الناطق الرسمي الحقيقي باسم المؤتمر هو صحيفة الانتباهة"، فهي صاحبة القدح الأعلى في الدفاع عن المؤتمر وسياساته، وهي التي تتبنى الهجوم على المعارضة، وهي التي ظلت تحمل إعلانات المؤتمرات القاعدية للمؤتمر الوطني خلال الشهور الماضية، فهل رأيتم حزباً ينشر إعلانات لقاعدته الجماهيرية في جريدة حزب آخر؟.
وبالأمس أفردت صحيفة منبر السلام العادل صفحة كاملة "بالصورة والقلم" لحدث انضمام مجموعة من قيادات منطقة المتمة وقبيلة الجعليين لحزب المؤتمرالوطني، وهم كانوا في الأصل، أوهكذا يفترض، أعضاءً بالحزب الاتحادي الديمقراطي، وهذا لعمري شئ عجيب! لم ينضم هؤلاء لمنبر السلام العادل، الحزب المسجل والشرعي، وإنما ذهبوا للانضمام لحزب آخر هو المؤتمر الوطني، فلماذا الفرحة والزيطة والزمبليطة؟ أو ليس الأولى بهذا الاحتفاء هو صحيفة حزب المؤتمر الوطني"الرائد"؟.
الأدهى والأمر أنه كان من بين مستقبلي المنضمين لحزب المؤتمر الوطني والمتحدثين الأساسيين في الاحتفال الدكتور بابكر عبدالسلام القيادي بمنبر السلام العادل، والمدير العام لصحيفة الانتباهة، ولا أعلم لِمَ لمْ يحاول الدكتور عبد السلام إثناء المنضمين وتعديل مسارهم لينضموا لمنبر السلام بدلاً عن المؤتمر الوطني؟
الحقيقة أن الرجل لم يفعل ذلك؛ لأنه في حقيقة الأمر قيادي كبير بالمؤتمر الوطني، وكذلك الطيب مصطفى، وبقية العقد الفريد، أما منبر السلام العادل فهو عبارة عن "دكان بعد الضهر"، مهمته زيادة الرزق، وتأدية بعض المهام الأخرى لحزب المؤتمرالوطني، بنظام المقاولات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
أي مستقبل للسودان في ظل الدولة المازوخية؟ .. بقلم: د. الوليد أدم مادبو الخميس, 17 ديسمبر 2009 19:59
] كنت محتشداً بالصبابة أكتب في ورق الورد
بعض الحروف عن الوجد تنثال من خطوط السلام
منذ عشرين عاماً أعانق في دورة الحكم هذا الظلام
وطني باعه الناخبون بأغنية من ردئ الكلام
فقد القلب عنوانه تحت ظل الخيام![
جابر حسين، ص:27، كجراي: عاشق الحرية والقول الفصيح
أفلحت الحركة الشعبية إذ أيقنت أنه ما من سبيل لتفعيل إيما إتفاقية إلاّ إذا تفاعلت معها الجماهير قاعدياً، بل ما من جدوي سياسية للتعامل مع نظام ينشد التسابق النيابي ويرفض دفع إستحقاقات الإنتماء الوطني. إن القوي الوطنية إذ تحاصرهذا النظام أخلاقياً وفكرياً فهي تفوت عليه فرصة إستخدام القوة، وإذا فعل فأن ذلك حتماً سيكون وبالاً عليه لأن أعضاء القوات النظامية قد ادوا القسم ليكونوا حماة الشعب وليست قساة عليه. لكن النظام المفتقر الي أي مشروعية أخلاقية قد أعد العدة بمليشيات قد عبأها معنوياً بتضخيم جرعة العنصرية وإنتقاها إثنياً لتقنين مادة التدافع العرقي. لكنها لن تكون أجدي في التراجع من السافاك، الحرس الثوري أو جهاز الأمن القومي - إحتكاماً للقرب الزماني والمكاني. إنني أخطئ خطاءًا مفاهيمياً وأضل القارئ معي حين أرمز إلي هذه "العصابة العنصرية" علي أنها دولة، وإلي الأعيبها علي أنها تقنيات مؤسسية ودستورية. وليست هذا سبب الإستبداد، فإن هنالك بلاد كثيرة مترعة بذلك لكنه بسبب غياب المؤسسات وتغليب الفهلوة علي الإستراتيجيات.
لقد ابرمت "الدولة" عهوداً أخرجتها (ولو إلي حين) من دائرة (اللا) شرعية إلي مصاف القانونية، فكانت إتفاقيات الشرق، الغرب والجنوب، التي جعلت اولي اولوياتها إستحداث إصلاحات مؤسسية وبنيوية تمهد الطريق نحو دمقرطة، ثقافية، إجتماعية، إقتصادية وسياسية. لكننا لا يمكن أن نقول أن التطبيق الحرفي لهذه الإتفاقيات كان يمكن أن يمثل مخرجاً للسودان، لأنها أُبرمت تحت ظروف إستثنائية وبمحددات تتغير بتغير الظروف السياسية المحلية منها، الإقليمية والدولية. مثلاً لقد شكلت إتفاقية السلام الشامل القاعدة الدستورية لممارسة حكم الجنوب من الناحيتين السياسية والقانونية (واني تونبي، ٢٠٠٨م)، لكنها لم تخلو من مطبات هوائية أو نوافذ شيطانية، إعتمد اللاعبين الرئيسيين -- قرنق وعلي عثمان -- في تصريفها علي مهارتهما الشخصية (الكاريزما في حال الأول والحنكة في حال الثاني) عِوضاً عن التعويل علي آلية محددة ومقننة يمكن بموجبها تجاوز ما قد يطرأ من ازمات فكانت المصيبة أن قد غيب الموت جون قرنق، كما قد غيبت الغيرة السياسية قرينه. ولم يبق إلاَّ الإستشفاف الواعي لروح النص، فهل يكفي ذلك؟ لا، لأن تعويل أي بند من بنود الإتفاقية يعتبر خرقاً إلاَّ إذا سانده وفاق أشبه بالإجماع الوطني. كما لا يمكن لاي إتفاقية أن تصبح شأناً ديوانياً، إلا إذا أبطلت فاعليتها جماهيرياً. ولا يمكن لأي جهة أن تبطل فاعليتها جماهيرياً إلا إذا قنعت بالإستبداد كحيلة سياسية، لكنها لا تعتبر حيلة ناجعة أو وسيلة ذات مردود إيجابي في تربية المواطن وترقيته ليستيقن أن التدافع بالطرق السلمية والحضارية مهما تبيانت فيه الأراء من شأنه أن يضفي قيمة علي مسيرة التقدم الوطني. ثانياً، إن إحترام المواثيق شأن منصوص عليه قرآنياً لحد قوله تعالي "ياأيها الذين اوفوا بالعقود"، ولحد قوله (صلي)
"المسلمون علي شروطهم." إن الإخلال بشرط من شروط التعاقد يضعف الرابطة الرأسية بين الدولة والمجتمع، كما يفل من عضد المجتمعات إذ يحيلها إلي كتل متنافرة تتجاوز الرابطة المدنية أفقياً وتضمحل إلي حضيض العصبية القبلية، الأثنية أو الدينية. إن التعلل بأمن المواطن أمر مستهجن ومستقبح، لانه إلي كونه فرية القصد منها الحفاظ علي أمن "المؤتمر الوطني"، قد أصبح فرمالة القصد منها وأد الدينامية الشعبية والتلقائية الجماهيرية التي ساعدت السودان من التخلص من كافة الطواغيت عبر التاريخ.
إن التظاهرات ليس المنوط بها فقط تنفيس الغضب الشعبي لكنها أيضاً تعتبر القناة التي يمكن ان توجه من خلالها المطالب مدنياً، إذن هي رافد حضاري يتوخي فيه توليد طاقة سياسية من جراء الإحتشاد مع الروافد الأخري.
إن الإنتكاسة الحضارية التي حدثت في ظل "الإنقاذ" قد احدثت الإشكالية الآتية (فيما يتعلق بضمان العمل الجماهيري المتسق وجهة وتنظيماً):-
1. قضت سياسة "التحرير الإقتصادي" علي الطبقة الوسطي التي ظلت هي العمود الفقري للمجتمع المدني، لأن من يكابد شظف العيش لا يسعه أن يجد الوقت أو الهمة لتحمل أي أعباء إضافية.
2. جيرت كل النقابات المهنية والعمالية لصالح النظام مما أفقدها صبغتها القومية، بل أشد، أفقدها بوصلتها الأخلاقية. فهي لم تعد تمثل عضويتها ناهيك ان ترافع عن حقوقها المشروعة، المادي منها والمعنوي.
3. أنهكت الاحزاب وشلعت رواكيبها حتي لم تعد تطمح في أكثر من لافتة يستظل تحتها القادة الذين إفتقروا إلي بصيرة تجنبهم الوقوع في المهالك وإذا وقعوا فيها لم يملكوا رؤا تخرجهم منها.
4. بالرغم من إفتقارها إلي مشروع سياسي ذو عمق فلسفي وفكري، فإن "الحركات" قد نالت من عضوية هذه الاحزاب في الهامش-- الامر الذي أحال الأخيرة إلي قعيد إذ حرمها من القدرة التمثيلية بعد أن خسرت الذات التفعيلية.
5. أمّا القوات النظامية، التي تعتبر حجر الزواية في هذا المعترك (غير المتكافئ) فهي لا تمثل القوات إلاّ بما تمتلكه من معدات، لانها ببساطة تفتقر إلي الإحترافية والمهنية، تئن تحت وطئة الشخصانية التي تتعارض مع المؤسسية التي تغلِّب مصلحة الجماعة علي فردانية الأنا، وتؤثر حيوية المبدأ علي إعتباطية الغلبة. إن مصطلح "النظامية" لم يعد ينطبق علي قوات أوكلت مهامها الضبطية إلي مليشيات قبلية، كما أحدث التمايز المادي غير المبرر وظيفياً هوة شعورية بين كبار الضباط ومرؤسيهم وبينهم وبين رصفائهم في الخدمة المدنية. فاللواء يصرف بدل معاش يساوي أضعاف ما قد يؤول إلي الرقيب في عقود من الازمنة، كما يستبدل معاشه بعشرة أضعاف ما قد يناله رصيفه في وزارة المالية أو غيرها من وكالات الخدمة المدنية. لكن ذلك كله -- أي تضافر الضغوط المادية والمعنوية -- لايلغي تعمق الغيرة الوطنية عند بعض الشخصيات القيادية.
6. السؤال يبقي ما الذي يملك ان تفعله هذه الاخيرة في ظل التكالب الإستخباراتي (من قبل القوة الإقليمية والدولية يعينها جهاز الأمن "الوطني") علي "مشروع السودان الوطني"،
7. بل ان سمات هذا المشروع لا تكاد تستبين في ظل الغيوم الملبدة بروح الإستعلاء العرقي في الشمال ودعوي الإنفصال المخدرة في الجنوب؟ وليت الأمر كان بهذه البساطة فيسهل علينا مشقة التحليل الذي يلزم التعرض للديناميات الآتية:-
أ. إن عجز الاحزاب، كما الحركة الشعبية، ناجم عن الإزدواجية الأخلاقية عند كليهما، فالأحزاب مع النظام وضده، مع النظام إذا شعرت بزحف قوي الريف السوداني، التي تنشد الإصلاح، إبطال الهرمية العرقية والإستخفاف بخرافة الأشراف الذين ما فتئوا يستثمروا محنة هذا الشعب حتي تردوا في خانة المغضوب عليهم، وحسياً بإثبات الوجود الإجتماعي والتوسع الديموغرافي الذي طالما تم إنكاره أو تجييره لصالح القوي التقليدانية (وإذا شئت الرجعية). فهي، أي الأحزاب، إذ تسعي لمصادمة النظام لا تعمل علي تقويمه (لأنها أنكي منه وأتعس، خاصة إذا عاينا المقارنة بين الزعيم "الإله" والمشير "الباطش")، إنما تتخذ من المصادمة مهرباً من المنازعة لها التي فاقت طور المناشدة بالإصلاح). إنهم يحسنون المطالبة بحسناء لا يألون جهداً في التخلص منها عندما تغشاهم غارة، ليس أدل من وزير داخلية الديمقراطية الثالثة الذي هربته الإمبريالية الإسلامية.
ب. إن الحركة الشعبية تُعالج إنقساماتها الداخلية في شكل التدافع مع هذا النظام (وهذا امر حيوي)، فقد واجهت منذ اليوم الاول الإنفصاليين الشماليين الذين ينظرون إلي شعب الجنوب نظرة مجازية، ومشكلة تنتهي بترسيم الحدود دونما إعتبار لحقائق التاريخ الدالة بوجود حضارة في الشمال ساهمت فيها بإمتياز قبائل الجنوب وشرفات ظللت قبور ابائهم، أو حتي إفتخار بإسهاماتهم الحضارية الباهرة. إن الإنفعال الوجداني بين الشعوب السودانوية قد كان داعماً للتداخل الأيكولوجي الذي ينكره الإنفصالييون الجنوبيون الذين طالما عانوا من الحمولات الدينية الشائهة للشمال، فلم يهولهم إستجداء الولاء السياسي الذي ظل مرادفاً لذاك القبلي أو تغشاهم رهبة من هول الإعتماد علي المعونات الخارجية وقد تنحي المركز عن دفع المطلوبات المادية لتنمية الجنوب حسياً ومعنوياً لمجرد أن تم إمضاء الإتفاقية.
أمَّا العنصرييون الشماليون فقد رأوا في الإنفصال وسيلة للتخلص من بعبع يتطلب تضمينه في العقد الإجتماعي تعديل لمورثاتهم الإيدولوجية التي لا تحترف بالإنتقال من طور الدولة الدينية إلي مصاف الدولة المدنية، فهنالك مفهوم الولاية الكبري التي لا تُعطْ للعبيد، النساء، الكفار أو الذميين وهنالك مفهوم الولاية الصغري التي تُعط بشروط دقيقة خطها فقهاء أقل ما يقال عنهم أنهم خلطوا المفهوم البشري للدين بالغاية الإلهية التي تظل فوق الزمان والمكان. إذن فالوحدوييون في الحركة وفي الأحزاب الشمالية يواجهون تحدياً يتطلب منهم إدارة المعركة السياسية بحنكة تمنع هذا التجاذب الإيدولجي الخافت من إحداث إنقساماً وجدانياً مدوياً تكون المجموعات الإنفصالية المنتصرة فيه. بإختصار يلزم تضافر جميع الوحدوييون لمحاصرة اولئك الإنفصاليين. إن ذلك لا يكون بترديد دعاوي السودان الجديد (إذ لايُعقل أن يُصنع سودان جديد برموز قديمة) او السودان العريض (إذ لا يجدي ان تقف حدوده عند بيت المال)، إنما بإستحداث وسائل حديثة تسعي لإستنطاق الأغلبية الصامتة وفق مبادئ بسيطة (مثلاً: نعم للتكافل لا للتناحر)، لكنها عميقة، تسمو فوق النوازع الأولية ولا تشطط إلي الشعارات الهلامية أو تلكم الوهمية.
ج. إن الإستغناء عن المنهجية العلمية في مخاطبة الشعوب يعني التعويل علي الغوغائية التي هي رصيفة الرجعية التي تعني بإنتاج التخلف ولا تحتفي بإستثمار ما توفر من وعي نسبي للمواطنيين دعمته الثورة الإعلامية ورعاه تعدد الفضاءات الإثيرية. عليه فإن التلويح بكرة الإنفصال (أو إحالة الوحدة إلي أماني وظنون) لايفضي إلاَّ إلي الفوضي او الإنضباط المخل (الذي طالما وأد روح الإبداع). يَفضُل هذه السبهللية إتخاذ تدابير قانونية ومؤسسية تسعي لتقنين الكونڨدرالية وفق برنامج زمني محدد ترعاه القوي الوطنية التي يعوذها حتي الان تفعيل رؤاها في الهامش الذي برهن إستعداده، بل تلهفه لإستقبال الحديث من الرؤا والناطر من المفاهيم.
ليس أدل من الجزيرة آبا ((فاتيكان العقيدة الإسلامية)) التي إستخفت بمحاولات الكهنوت للإلتفاف مؤخراً حول المبادئ وإستقبلت منافستو الحركة الشعبية التي إنضم إلي عضويتها أربعة الآف من أحفاد اولئك الأفذاذ الذين رفضوا الظلم متدثراً باللياقة الأفرنجية، فحريُّ بهم أن يرفضوه مستتراً وراء الجبة الأنصارية.
عِوضاً عن طلب النصرة من الفرنجة وإستجداء الهيئات الدولية، لزم علينا تفعيل الأغلبية الصامته في دارفور الجغرافية -- الأمر الذي عجز عنه كبير مساعدي الرئيس لمحدوديته الفكرية وتقوقعه الوجداني، فلجأ إلي التحالف مع ذات المجموعة التي رعت الإستخفاف بأقليمه لمدة سبع قرون-- وتطويق القوي الرجعية بإستنفار دارفور الإجتماعية.
إن الحليف الإستراتيجي لباقان (فتي الشُلك العظيم) هو الريف السوداني متمثلاً في دارفور، كردفان، الشرق، الشمالي النوبي، إلي آخره، وليست هذه المجموعات الإنتهازية والطفيلية التي راعها الحب المستبطن بين المستضعفين فسارعوا إلي الإخاء المعلن بين المتجبرين الذين لم يألوا جهداً في تقتيل أبناء الجنوب حتي دبروا فتنة إحترقت بموجبها دارفور. لقد وقف كبيرهم مندداً بالإستبداد الذي رعاه زهاء عشرة اعوام، فلم يكلف نفسه الإعتذار لشعب الجنوب الذي طالما اعلن حرباً مقدسة ضده! لماذا يعتذرهو وقد سبقه إلي المنصه من تقلدوا يوماً منصباً تنفيذياً درجت من تحت طاولته اقدام الفتنة العنصرية التي بدات بتسليح المراحيل؟ بل، لم يروغ له مقاومة الفاشية الدينية في ١٩٨٩م فناشدها بإسم الشرعية الثورية المكملة لتلكم الديمقراطية. كيف نرضي لانفسنا الإصطفاف مع هؤلاء أو الوقوف معهم في خندق واحد؟ كيف لنا أن نتبع هذا الحلف اليميني الذي أدخل السودان في ازمته الحالية؟ وهل لنا بديل؟ بالرغم عن بؤسهما السياسي فإن لديهما أريحية فكرية تبرئ الإسلام من تهمة التؤاطو العقدي مع الطاغوت؟ بل كيف يسعنا التفريق بين اليسار الذي يقود معركة التنوير-- دون ادني نصير-- وذاك الذي دشن حكمه المايوي بجل الإدارة الاهلية في وقت لاحت فيه بودار المجاعة مما أدي إلي كارثة حكم صَعُب معها إدارة الموارد البشرية والبيئية؟ الذي أود ان اقوله أن هذا المعترك يختلف عن سابقاته، بل أخرياته (إبريل وأكتوبر)، في انه يمثل لحظة إنتقال أنتولوجي لا تصلح معه التدابير التكتيكية، بل الإستراتيجية المستوحاة من رؤا أخلاقية وروحية نافذة.
لايسعني في هذه اللحظات غير الإستعانة بكجراي: عاشق الحرية والقول الفصيح كما اسماه الأستاذ جابر حسين:
"يا خطانا في الدروب المبهمة
هذه لحظة عمر مظلمة
أتراها عودة أخري إلي كبح الخيول الملجمة
عودة أخري إلي عصف الرياح المجرمة!"
يجب ألا تنحسر مقاومتنا للطاغوت في محاولتنا للتخلص من نظام، ولا أن ننجرف وراء شهوة عارمة لتكسير الأصنام، إنما في محاولتنا المنهجية العلمية، والرسالية لنفيها جميعاً في قلوب عبادها، وهنا يكمن التحدي. أولاً، لأننا نجد أنفسنا في مواجهة دولة مازوخية. الكائن المازوخي هو ذاك الذي يستبطن خصائص الشخصية الأنثوية (التي تضعها الثقافة الشرقية في مصاف المتلقي للفعل الإرادي)، حتي إذا ما إستجمعت قواها الفعلية إستحالت إلي كائن إرادي يتعامل مع الأجساد كحقول يجب فتحها، إقتحامها أو إحتلالها بالمسدس أو غيره من الأدوات مستحدثة البروز.
لقد تمت عسكرة المجتمع بطريقة لايمكن مقارنتها باي لحظة سابقة في تاريخ الامة السودانية بإستثناء المهدية، لأننا اليوم نتعامل مع اناس يعانون من علل إجتماعية وعاهات أخلاقية لا يرعوا البتة في التضحية بأرواح البسطاء لتنجية انفسهم وقد توفر لديهم إمكانات باهظة يسهل بها إجتياح الفضاء، بعد ما تمكنوا من الخلاء. تقول روبينا سايغول: "العسكرة، بالمعني الأوسع والأشمل تستتبع لزوماً فرض تأثيرات التفكير العسكرتاري علي المجتمع برمته. وهذا يحدث حين يصبح المجتمع بكليته مخترقاً بالخيال، والفكر، والإنفعال، والإدراك، والتصور العنيف، بحيث يتوهم أن حل أي صراع أو نزاع دون اللجوء إلي قوة السلاح أمرُ لا يمكن تصوره أو تصديقه. وتصبح كافة مؤسسات المجتمع متشربة حتي الإشباع بالعنف، وتغدو أفكار الصراع، والقتال، والدم، والإستشهاد، والنصر، والهزيمة، والأبطال، والخونة جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية المعاشة حتي في الأمور المدنية" (المرأة والجنسانية في المجتمعات الإسلامية - بينار إيلكاركان).
من هنا ندرك عدم التكافؤ بين الدولة والمجتمع، لكننا لا نقول بإستحالة التغيير إلاَّ إذا قبعنا في المربع الأول وإقتبسنا الأساليب التقليدية (غير الخلاقة وغير المستحدثة) للتدافع. لقد كانت الآلية في السابق ثورات أشبه بلعبة الكراسي التي كانت حِكراً لنخب المركز، أمَّا اليوم فالآلية هي الدمار الشامل لان العصابة العنصرية قد صممت علي تجيير إرادة الشعب وعزمت علي خوض المعركة مستبطنة الحيلة فيما ضمنته من تصميم عقيم لنظام سياسي (أقل ما يقال عنه أنه مسخ لم يراع الخصائص الثقافية والمجتمعية -- ناهيك عن الأخذ في الإعتبار التجارب السياسية السابقة -- لشعب السودان). ثانياً، إن هندسة الدوائر والتي لم تسترشد بهدي التحول الديموغرافي الذي سطره التعداد السكاني، رغم علته البائنة، قد أريد بها إحدي إثنتين: إستبداد الأقلية أو الاغلبية حسب ما تقتضيه لحظات القرب أو البعد للمزاج السياسي من المؤتمر الوطني. ثالثاً، تأتي مرحلة التسجيل التي تستتبع ما قبلها من مراحل غابت فيها الرقابة للقوة السياسية، والتي يراد بها فرز الأصوات مُسبقاً حتي لا يكون هنالك مجالاً للمغامرة. فأيَّ نتيجة ترجي بعد هذا؟ لماذا لايُعلن الفوز منذ الان؟ لماذا التأرجح بين إستهلاك الطاقة الذهنية والعاطفية للشعب وتهديده من ناحية أخري؟ إذ يقول أمثلهم طريقة، "لقد قدمنا أربعون الف شهيد، ونحن مستعدون لتقديم مائة الف آخرون". سيبهت هؤلاء الشهداء يوم ان يبعثوا علي نياتهم فيجدوا ان مشروعهم الحضاري الذي ضحوا من أجله قد إستحال إلي "أسلمة للكذب" عانت بسببه الضعفاء وإستقوت بعلته الأقوياء، فيالها من حسرة!
ختاماً، إذا كان المحفز في الثورات السابقة (التي وللعجب عدلت ميزان القوي لصالح الدولة) هو الحرية فإن المحفز اليوم هو الجوع. لقد تضاءل دخل الفرد فيما زادت أسعار الأغذية ب ٨٣ %، فماذا نتوقع غير الإنفلات؟ وإذا حدث فيجب ألا ننزعج لان الفوضي مطلوبة لزعزعة مراكز القوي الإقتصادية والسياسية، خاصة إذا توفرت إرادة لإعادة تخليقها بحيث تفي بغرض التكافل (وليست التمايز)، قيمياً ومؤسسياً. مهما تبعثرت قوانا فإن هنالك روحاً سامقة تربطنا كشعب ينشد الإنسانية كغاية ويفضل السبل المدنية للكفاح. لعلي لا شعورياً ارسم صورة وردية للثورة الفرنسية أو الإيرانية، لكنني موقن بإستحالة إستبقاء شعب في العبودية وإلي الأبد. بالقدر الذي يبدو فيه هذا النظام متحكماً، فإنه لا يخلو من لاعبين محليين، إقليميين ودوليين يتحكمون فيه "قد مكر الذين من قبلهم فأتي الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون." (سورة النحل- الأية 26)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
الأحد 20 ديسمبر 2009م، 4 محرم 1431هـ العدد 5923 الحركة الشعبية تكسب في كل الأحوال د. الطيب زين العابدين خرجت الحركة الشعبية بعد تظاهرة واحدة مع أحزاب المعارضة الشمالية أمام البرلمان في يوم (7/12) فائزة بما تريده من الاتفاق مع المؤتمر الوطني على أهم مشروعات القوانين التي تهمها وهي: قوانين استفتاء أهل الجنوب حول تقرير المصير، واستفتاء سكان منطقة أبيى في استمرار تبعيتهم لجنوب كردفان بالشمال أو انضمامهم إلى بحر الغزال في الجنوب، والمشورة الشعبية لمجلسي جنوب كردفان والنيل الأزرق التشريعيين حول اتفاقية السلام الشامل، وهل أدت إلى إنهاء النزاع السياسي في أي من الولايتين أم أن هناك قصورا في ترتيبات الاتفاقية يحتاج إلى تصحيح يتم التفاوض حوله مع الحكومة المركزية. ولم تستطع الحركة أن تحقق ذلك الفوز الكبير عندما انسحبت من البرلمان ومن مجلس الوزراء لذات السبب المتعلق بعدم إجازة تلك القوانين، ولم يأبه المؤتمر الوطني حينذاك لغياب الحركة بل ذهب رئيس البرلمان إلى حد تطبيق حرفية اللائحة على النواب المتغيبين من الجلسات بقطع رواتبهم الشهرية، واستمر المجلس الوطني في أعماله المعتادة وكأن شيئاً لم يكن، بل أجاز الموازنة العامة لسنة 2010م وهي أهم قانون مالي للدولة في غياب نواب الحركة. فما الذي حدث في مظاهرة الاثنين حتى دفع رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني لمهاتفة رئيس الحركة الشعبية في جوبا ودعوته لاجتماع عاجل بمجلس الوزراء لمناقشة مشكلة القوانين العالقة والتي سبق أن استعصت على الاتفاق في اللجنة المشتركة وفي حضرة المبعوث الأمريكي اسكوت غرايشن عبر عدة اجتماعات في واشنطن والخرطوم وجوبا؟ وبعد أن تمنع رئيس الحركة الشعبية أن يحضر بالطائرة العادية حديثة الصيانة التي أرسلت إليه، سارعت الحكومة بإرسال طائرة رئاسية في اليوم الثاني، وتأجل الاجتماع يوماً كاملاً بذلك السبب. وعندما حضر رئيس الحركة قابل أولاً أحزاب المظاهرة أو «أحزاب الإجماع الوطني» كما يسمونها قبل أن يلتقي بالرئيس ومساعديه مساء الجمعة (11/12)! واستمرت المفاوضات المكثفة بين الفريقين ثلاثة أيام حسوما خرجت منها الحركة فائزة بما تريده من مشروعات القوانين وبنسب مئوية متواضعة لتسجيل الناخبين في استفتاء الجنوب (60%) واعتماد نتيجة الانفصال بنسبة (50% + 1)، وقد كان المؤتمر الوطني يطالب من قبل بنسبة (75%) للتسجيل ومثلها لإمضاء الانفصال فهو يريد جعل الانفصال أمراً صعباً كما جاء على لسان رئيس المجلس الوطني. فما هو الجديد في مظاهرة الاثنين الذي دعا المؤتمر الوطني لاستعجال حل المشكلة والتنازل عن مواقفه الماضية بشأن تعقيد قانون الاستفتاء؟ هناك شيئان يخشاهما المؤتمر الوطني خشية الموت أولهما: نزول الجماهير غير الموالية إلى الشارع العريض خارج سيطرته واحتجاجاً على بعض سياساته؛ فهو يخشى أن تتحول مثل هذه التجمعات الجماهيرية إلى تيار واسع يطالب بسقوط النظام لذلك دمغ المظاهرة قبل أن تخرج بأن القصد منها هو إسقاط النظام، وتلك مخاطرة لا يحتملها النظام الحاكم بحال من الأحوال شأن كل نظام شمولي معتق. الغريب في الأمر أن الحزبين الشقيقين المتناحرين (المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي) هما وحدهما المهووسان بسقوط النظام عبر انتفاضة شعبية (الأول يخشاها والثاني يريدها) في حين تخلت عنها بقية الأحزاب! وثانيهما: تحالف الحركة الشعبية سياسياً وانتخابياً مع أحزاب المعارضة الشمالية، فهو يعتقد أن الحركة ملزمة أخلاقياً وسياسياً بالتحالف معه دون غيره لأنها شريكته في اتفاقية السلام الشامل وفي السلطة وقد حاول جاهداً أن يعقد معها شراكة تحالفية سياسية منذ أن هبط وفد مقدمتها في الخرطوم في 2004م فرفضت بحزم وذكاء، وليس في اتفاقية السلام ما يلزمها بذلك ولا في تقاليد العمل السياسي السوداني فكل الأحزاب المؤتلفة في الحكومات الديمقراطية السابقة كانت تكشر عن أنيابها لحلفائها عندما تحين الانتخابات. ربما ظن المؤتمر الوطني أن اتفاقية السلام بنيت على مفهوم غير مكتوب يجعل الجنوب من نصيب الحركة مقابل أن يصبح الشمال من نصيب المؤتمر، ومن ثم لا يحق للحركة أن تعبث في منطقة نفوذ المؤتمر (والعكس ليس صحيحاً!). وكان ينبغي على المؤتمر أن يتنازل عن مفهومه الاحادي هذا عندما وجد أن الحركة تبني تنظيماً ناشطاً في الشمال يدعمه وجود جنوبي مقدر بالإضافة إلى حلفاء الحركة من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن الأقليات الأخرى «المهمشة». وقد عرفت الحركة الآن نقطة ضعف المؤتمر تجاه المسيرات الجماهيرية والتحالف مع المعارضة الشمالية، فليستعد المؤتمر للمزيد من مثل هذه التظاهرات عندما يحتدم الخلاف بينه وبين الحركة حول قضايا ما بعد الانفصال! وليست أحزاب المعارضة الشمالية بأحسن حالاً من المؤتمر الوطني في تعاملها مع الحركة الشعبية. فقد سبق للحركة أن نفضت يدها من التجمع الوطني الديمقراطي عندما لاحت لها فرصة مفاوضات جادة مع حكومة الإنقاذ في يوليو 2002م، وقبلت طائعة أن تكون المفاوضات ثنائية بينها وبين المؤتمر الوطني في نيفاشا إلى أن ختمت بنجاح في نهاية عام 2004م، وقبلت أن يكون اقتسام السلطة ثنائياً أيضاً بينها وبين المؤتمر رغم عبارات المجاملة التي وردت في الاتفاقية تتحدث عن المصالحة الوطنية والوفاق الوطني وحكومة الوحدة الوطنية. ولم تنسحب الحركة رسمياً من التجمع الوطني لكنها تجاهلته تماماً بعد أن حققت غرضها بعقد الاتفاقية وتسلم السلطة كاملة في الجنوب. وألجأتها بعض خلافاتها الحادة مع المؤتمر الوطني لمغازلة أحزاب المعارضة الشمالية بين وقت وآخر، مثل ما حدث عندما رفض المؤتمر الوطني تنفيذ تقرير الخبراء حول حدود منطقة أبيي وعند ظهور نتيجة التعداد السكاني وأخيراً عند الاختلاف حول قوانين الاستفتاء للجنوب وأبيي والمشورة الشعبية. وعندما ينتهي الخلاف مع الشريك المشاكس تنتهي المغازلة مع الحليف الضعيف! وفي الجولة الأخيرة لم تتردد الحركة في التنازل عن موقفها من تعديل قانون الأمن الوطني الذي تتمسك به أحزاب المعارضة بعد أن قبضت الثمن في قوانين الاستفتاء والمشورة، ولا بأس من تكتيك مكشوف يحفظ ماء الوجه وهو أن تعارض القانون من داخل البرلمان ولكن تدعه يمر بالأغلبية الميكانيكية للمؤتمر الوطني، ولتحارب أحزاب المعارضة المتشظية بعد ذلك معاركها بأي أسلوب تشاء! ولن يكون حظ قانون النقابات والاتحادات مختلفاً عن قانون الأمن الوطني، فهذه قوانين وضعت وتطبق على أهل الشمال وليصنع أهل الشمال (حكومة ومعارضة) فيها ما يريدون! الغريب في الأمر أن سبب قوة الحركة الشعبية الخفي الذي يمكنها من اللعب الماكر على الحزب الحاكم وعلى أحزاب المعارضة الشمالية هو موقف المؤتمر الوطني الثابت من رفض أي تقارب جاد مع أحزاب المعارضة والاستجابة لمطالبها في بسط الحريات وقومية الخدمة المدنية والقوات النظامية وأجهزة الإعلام الرسمية، لذلك لم ينفذ اتفاقية واحدة عقدها مع حزب أو تنظيم شمالي معارض. أما أحزاب التوالي فتعرف قدرها ولا تتطلع لأكثر مما وجدته من غنيمة في ظل حكومة الوحدة الوطنية. ولذا تجد أحزاب المعارضة نفسها مضطرة للاستجابة إلى دعوات الحركة الشعبية بالتحالف قصير المدى (مثل زواج المتعة) رغم معرفتها التامة بأن الحركة ستتخلى عنها في أول منعطف تحل فيه مشكلتها مع المؤتمر الوطني. ويكمن تفسير سلوك المؤتمر الوطني قصير النظر في اعتباره أن أحزاب المعارضة هي التي ستنافسه في حكم الشمال وليس الحركة الشعبية لذلك ينبغي أن تظل في أضعف حالاتها وأن تقمع بالقوة إذا دعا الحال كما جاء على لسان بعض المتنفذين في قيادة المؤتمر الوطني. وبهذا التفكير الحزبي الضيق سيجد المؤتمر الوطني نفسه مضطراً للتنازل أكثر وأكثر من حقوق الشمال الذي يتحدث باسمه دون تفويض شعبي استجابة للضغوط الداخلية والخارجية، وسيبقى معزولاً عن تأييد القوى الشمالية المعتبرة إذا دخل في مواجهة مع الحركة الشعبية أو مع المجتمع الدولي أو حتى مع دول الجوار الإقليمي؛ لأنه أحرق مراكبه مع الآخرين. ولات ساعة مندم!
الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
الشياطين الخرساء .. بقلم: عبد الجبار محمود دوسه الأحد, 20 ديسمبر 2009 10:41
الشعب السوداني الذي تميز بنقاء السريرة حتى وقت قريب، هذا الشعب أصيب في مقتل في مكنوزه من هذه القيم، من حيث المبدأ لا يجب لأحد أن يُسقِط ضرورة القيم التي تنظّم كيفية التعامل مع المال العام من حيث الحفاظ عليه والإحادة عن اي تفكير في التعدي عليه. وحيث أن رقابة الضمير يمكن أن تكون مبرئة في كثير من الأحيان، إلا أنها وحدها ليست الضمانة، هناك مجموعة حِزم ينبغي أن تُطبق متوازية، فالعمل على تأصيل سياسات إقتصادية تحفظ بين موازنة الدخل المحدود والمتطلبات الحياتية الضرورية يُعدّ أحد أهم مرتكزات النجاح عند تطبيق أي حٍزمة رقابه. ونجاح الرقابة السلطوية يعتمد كثيراً على ذلك، لا يمكن أن نطلب ممن تنشغل كل جوارحه الحسية والمعنوية مع كيفية تأمين ضرورات حياته اليومية من مأكل ومشرب وعلاج أن يكون رقيباً منزّهاً. نحن نقتل في دواخله مكامن الإبداع بدلاً من تنشيطها، نحن نجعل من جملة جوارحه مستعبداً يؤدي وظيفة بدائية ومكررة داخل حظيرة محكمة الإغلاق لا تتيح له إلا مساحة متسخة بالتلوث لا تسمح للعقل أن يتفاعل ويبدع، وحيث أن الحال كذلك فلا يمكن أن نحصد سوىَ ما زرعنا.
مصطلحات مثل المراجعة العامة وحُرمة المال العام ورقابة الضمير والحكم الراشد تجد نفسها في صدام دائم مع الراغبين في هيمنة مصطلحات أخرىَ كالمال السائب واستغياب الضمير تحت قهر الحاجة أو بغيرها وإهمال تقرير المراجعة العامة وانعدام المساءلة، وإذا كان هناك من يرغب في تعميم المصطلحات السالبة وترسيخها وجعلها قاموساً بديلاً للنزاهة والتعامل الراشد مع المال العام، فإن مرد ذلك يعود إلى وجود عمل مواز للترويج لها من خلال التعامل بإسقاط القيم النبيلة وإحلال الفوضى والفساد الإداري محلّها، والتعامي عن متجاوزي القوانين ومنتهكيها. لم يُسجّل حكم الإنقاذ في هذا السياق سوى رُزم من ذلك الفشل. سيأتي اليوم الذي تذهب فيه الإنقاذ بغير اسف، ولكن سيبقى ما زرعته من زقّوم أخلاقي يثخن لبّ الأمة قبل ظاهرها زمناً قبل أن تتمكن من التخلص منه نهائياً.
لنا من النماذج الإفتخارية الكثير. حري بنا أن نعيد حكاية الرئيس الأسبق الراحل الفريق إبراهيم عبود وهو العسكري الذي أتى بانقلاب بغض النظر عن ملابسات ذلك. ويحكىَ عنه أنه في ذات يوم كان ينوي القيام بزيارة إلى رومانيا، وضِمن ترتيبات الزيارة فقد أحضر له مدير مكتبه مظروفاً يحوي 150 جنيهاً هي مخصصات رئيس الجمهورية لتلك الزيارة وفق اللائحة المالية للدولة، ورغم أن ذلك من حقه المخصص قانوناً فقد سأل مدير مكتبه فيما إذا كانت الدولة المضيفة ستتولىَ كافة فروض الضيافة حتى عودتهم، فلما عرف أن ذلك هو ما سيحدث، طلب من مدير مكتبه إعادة المبلغ إلى الخزينة العامة لأنه ليس في حاجة له، ولما حاول مدير المكتب إثنائه بحجة أن ذلك حقه وفق اللائحة المالية، وهو ديدن سفر كل الدستوريين، طلب منه الذهاب إلى وزير المالية بان يُعدّ له قائمة بكل ما سبق أن صُرف للوزراء للحالات المماثلة وامر وزير المالية باستقطاعها منهم. هذا المثال هو مدرسة عميقة في معانيها عن الضمائر الحية، ومفهوم الحفاظ على المال العام. اسوق هذا المثال ولا اغفل أن الحكم كان عسكرياً، لكنه لا يلغي ان نذكر عنهم أي جزئية عبّرت عن الحفاظ على قيم الأخلاق، ذهبوا بفقرهم ولم يأخذوا معهم أخلاق الشعب ولا قيمه ولا امواله، أين هؤلاء مِن أؤلئك.
إن أكبر ما يهدد الوطن هو الإستلاب المبادئي الذي تتعرض له الأجيال الناشئة، اجيالنا تنشأ في مناخ يتباهى فيه أثرياء المال العام بالتمايز الرفاهي، وهو ثراء قائم على التعدي والنهب للمال العام، فهي إذاً حالة تضخ أطناناً من السموم المعنوية في أجسادهم وعقولهم وتحيلها إلى إنفصام دائم، وحوار مؤلم ينازع دواخلها ويلهب بواطنها بنار ينهش فيها كالهشيم. إنها لجريمة يوثّقها التاريخ تلك الحالة التي نعيش فيها استحقاراً منظّماً للذّمة في حياتنا العامة وفي معاملاتنا وفي علاقاتنا. إن ثقافة التمكين التي تجاوزت كل الحدود الأخلاقية وقفزت فوق كل المُثل، واتكأت على فضحاء بلا ستر من الجميع تفرّخ بلا حياء ارتالاً من حاضنات الموارثة الرثّة للقيمة الاخلاقية لتملأ بها عقول الناشئة، هي ثقافة قاتلة لهذا الوطن، ليس غريباً أن يتغرّب الحياء في مدينتها العارية، وليس مستعجباً أن يمشي الفساد المستعهر مرحاً كما لو كان قد خرق الأرض وبلغ الجبال طولاً.
كيف لنا أن نعوّل على أجيالنا وهي تنشأ في ظلّ مفاهيم تشرّبوها تمجّد الإعتداء على المال العام وتفتخر به، وفوق ذلك تزدري المتعففين عنه وتخنق عبراتهم وتُقيّد محاولاتهم للجم الباطل وتُعرقل مساعيهم في التقويم والتصحيح. كيف نستمريء انتهاك مُثل وأخلاقيات إبراء الذمة. مفاهيم اُجبِروا على تعاطيها قهراً وتنسّموا غبارها كرهاً وتدثروا بردائها غُلباً. إنها معادلة مختلّة من معادلات التنشئة، لا يتبناها إلا الذين اختلّت لديهم موازين الكياسة وأصاب الضهب بؤر البصيرة لديهم وتاهت بوصلتهم مِن جراء تنظيمات يشكّل الخطأ في منظومتها رقماً دائماً وعاملاً اساسياً في معادلاتها للتخطيط واتخاذ القرارات. نحن أمّة مثلها مثل كل الأمم، تتداول الأجيال مسئولية الحفاظ عليها وعلى تراثها وصيانة أخلاقياتها في عالم يتسارع فيه التغيير كما يتسارع المرعوبون من مرعبهم. غداً سيكون شبيبة اليوم حكّاماً ورجال خدمة، تُرىَ كيف ترون غُربة الحُكم الراشد بينهم، ولا يفوت عن بالكم أن الذين ولدوا يوم شقّت دبابات الإنقاذ طريقها لإسكات صوت الحرية قد بلغوا من العمر عشرين عاماً وقريباً سيبلغون الثلاثين وليس لهم مِن رصيد سوى حصاد الهشيم معيناً، بل كيف تنظرون إلى صورة الوطن وهو تحت حكمهم، حينها يكونون فاقدي كل شيء، لأن الفطيرة التي عجنتها الإنقاذ لم تورّثهم من الزاد ما يعضد مسيرتهم ويرفد قدرتهم على مواجهة التحديات ومواكبة العصر ومقتضياته، سيفعّلون ماكينة الخراب التي تشرّبوها من النظم الشمولية، وهي ماكينة تحطّم كل شيء، وتحيل العام إلى خاص، وتُعربد بالمثل كما يعربد الرخم بجيفته.
جيل الإنقاذ الذي نهب السلطة واستأثر بها شكلاً ومضموناً، جيل نشأ وتربّى في كنف وطن وفّر له كل شيء، بل رعاه منذ نعومة أظافره، وطن كانت تغلب عليه الطبقة الوسطى، وهي طبقة يتناسب دخلها مع حاجتها، طبقة قانعة لقناعتها بما يتوفر لديها من عطائها. في ظل ذلك المناخ المتعافي نشأ جيل الإنقاذ وتعلّم على خزينة الدولة، وفّرت له الدولة كل شيء من مأكل وملبس ومسكن وكتاب مدرسي وأدوات، بل ومصروفات شهرية، وكان ذلك نهجاً متّبعاً من المرحلة الإبتدائية وحتى الجامعة، بل كثيرون منهم دفعت الدولة مصروفات ابتعاثهم لأرقى الجامعات العالمية ليعودوا بالدرجات العلمية أملاً في إعلاء شأن الوطن. من جانب آخر وفّرت لهم حرية التنظيم والتعبير والتظاهر بمختلف الوسائل وفي كل المنابر، لقد وفّرت له كل ما تنادي به وثائق حقوق الإنسان. لا يمكن لأي عقل أن يتصور بعد كل ذلك قيام مَن نشأ وتربّى في كنف مثل هذا التخيير والدلال ويكافيء وطنه بالجحود الذي نراه نهجاً طاغياً حاقداً انعكس في الإعتداء على كل الحريات، والإعتداء على الحق العام وتخصيصه لعُصبة ونشر القمع والفساد الإداري بكل قواميسه، بل والإرتقاء بالفقر إلى أعلى مستوياته، ووضع السودان في المرتبة الثالثة قبل الإخير في قائمة الدول الفاشلة في العالم باكمله. هذا حصاد قادة الإنقاذ، وهذا هو ما كافأوا به الشعب والوطن على السواء عبر عشرين عاماُ عجاف، هذا اقزع ما يمكن أن يوجد في قواميس رد الدين بنقيضه. إذا كان للعقوق من معنى قاطع فهو ما فعلته عُصبة الإنقاذ في الوطن السوداني حتى بلغوا به الآن مقيّداً ومطروحاً على مقصلة التقسيم في أن يكون أو لا يكون. من يفعل كل هذا لا يكون مستغرباً منه أن يقمع الذين خرجوا في تظاهرة يوم الإثنين حتى وإن كانت تظاهرتهم غاية في السلمية ومسنودة بحقوقهم الدستورية. ليس مدعاة للدهشة عندما يتردد صدىَ ما قاله الأديب الراحل الطيب صالح " مِن أين أتى هؤلاء" في مسامع كل مواطن بعد كل حدث.
ما يحتاجه السودان الآن يتجاوز كل مستويات التقييم الطبيعية للأمور، لم يعد الحديث عن ترويض للنظام عبر ذاته بتراجعه أمر ذي جدوىَ، وليس هناك من مساحة في أن النظام ربما يعمل على إنفاذ إيٍ من البنود المتبقية لإي من الإتفاقيات القائمة، ناهيك عن الإعتقاد في أنه يمكن أن يعمل جاداً لتحقيق سلام عادل وشامل ودائم في دارفور. ما عاد الحديث عن استحقاقات لتحول ديموقراطي يمكن أن يساهم فيه النظام أمراً يمكن أن يكون ملموساً أو قابلاً للتحقيق. ليس في مخيلة النظام لمفهوم التبادل السلمي للسلطة إلا صورة واحدة لا تقبل التلوين، وهي صورة استمراريته في أحادية السلطة بالإنتخابات أو بغيرها. النظام يعمل بجد الآن إلى إحكام مصيدة الإنتخابات التي نصبها للقوى المعارضة حتى تقع فيها بإرادتها لاستكمال ما يسعى له مِن استخدامها لإضفاء الشرعية له، علماً بانه ظل يقود عملية التنفيذ لإستراتيجية إنجاح هذه المصيدة عبر مراحلها المتنوعة مستغلاً في ذلك بنود اتفاقية نيفاشا والإتفاقيات الموازية. النظام قرأ تماماً ردود الإفعال الشعبية المحلية والدولية لما بعد الإنتخابات التي تمت في موريتانيا وافغانستان وزمبابوي وكينيا وإيران وغيرها حيث افرزت الإنتخابات واقعاً داخلياً أخذ طريقه إلى الهيمنة رغم الإحتجاجات على صحّتها، كما لقي قبولاً دولياً مصحوباً بإهداء دولي لتلك الشعوب عبر إحتجاجات تطيب من خلال تصريحات خجولة سرعان ما يبتلعها النسيان وسط تسارع ذات المجتمع الدولي إلى التعامل مع النظام كأمر واقع.
الحقيقة التي لا تقبل نقاشاً هي أن النظام قد بلغ من الكِبر والعنجهية ما لم يبلغه غلاة المتسلطين والدكتاتوريين، وهو يوجّه كل أمانيه وجوارحه للحظة التي توافق فيها القوىَ السياسية المشاركة في الإنتخابات، ولا تندهشوا إذا جاء النظام في منتصف شهر فبراير 2010 وأعلن موافقته على تعديل كل القوانين وأطلق الحريات وافرد مساحة من الحريات للقوى السياسية بأن تمارس حملتها في الوقت الضائع لاستكمال فرائض المصيدة، ذلك هو شبيه بأنياب الليث الذي يحسبه البعض مبتسماً، ذلك في حقيقته سيكون تماماً كالسجان الذي يُخرج مسجونيه من زنازينهم إلى ساحة السجن ليتنسموا بعض الهواء النقي لأنه يهيئهم لحبس أكثر غلواً وأحكم قيداً ذلك الذي سيأتي بعد النتائج المرسومة نهايتها للإنتخابات التي اشرف منفرداً على كل مراحلها، لأنه حينها لا يكون لتلك القوانين أي أثر أو مفعول. إزاء هذا الوضع يصبح حديث الإستبشار برؤية السراب حديثاً لا يمكن أن يحيل أمل العطاشىَ إلى ارتواء، ليس أمام القوىَ السياسية الآن الكثير من الوقت لإضاعته في إعطاء الصورة الضبابية حول موقفه من الإنتخابات ومن النظام نفسه والذي يواصل استبداده بكل قيم الحرية ويُصر على أن يقبله الآخرون ويلاطفوه ويبتسموا له عندما يتجهم في وجوههم، ويعمل على أن يتقبّلوا مراوغاته ويمرروها له ويرقصوا مع نغماته رغم نشاذها. القوى السياسية والشعب كلهم مطالبون بأن يعلنوا اليوم قبل الغد موقفهم بوضوح بأنهم لن يشاركوا في إنتخابات تُزيّف فيه إرادتهم وتنتهي لتصبح إكليلا زائفاً لتزيين جيد المؤتمر الوطني. ليس هناك جهد لإضاعته في "ربما أو إذا ما". الجهد الحقيقي هو الذي يجب أن يتواصل الآن في شكل تظاهرات ومسيرات متواصلة لانتزاع واسترداد الحقوق والشرعية وليس لذلك سوى اسم واحد هو " الإنتفاضة ". أما في المساق الموازي فنحن في حاجة إلى صياغة منقّاة لجرعة تربوية تعالج ما افسده النظام في تنشئة الاجيال، وجرعة أخرى نُحصّن بها الأجيال الناشئة ونمهّد لهم ارضية القدرة على ارتياد ساحات التنافس بين الأمم وقد توفرت لديهم أدوات الحكم الراشد. ذلك قطعاً لا يتأتى تحت إشراف نظام حكم فرض نفسه وعرض تجارة بائرة لا تُغري ولا تجذب فلفظها الشعب فأصبح يُغنّي ويَطرب لنفسه. أما على مستوىَ مزج الفكر الإجتماعي مع المخرج الإقتصادي وطمعاً في مشروع نهضوي يستطيع الشعب أن يتشبث به ويدفع في إتجاه إنجاحه، نحن في الحقيقة محتاجون إلى أن يجوع الأثرياء لدينا ساعة لإشباع الجياع إلى يوم الساعة، الشياطين الخرساء ليست فقط تلك التي تصنع الباطل وتسكت عنه، بل هي تلك التي تصنعه وترعاه وتسكت عنه وتبطش بكل مَن يسعىَ للحديث عنه أو إزالته.
19/12/2009
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
دولة (المخابرات) السودانية ...!!! .. بقلم: نادر يوسف السيوفى الثلاثاء, 22 ديسمبر 2009 22:47
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم نادر يوسف السيوفى المملكة المتحدة – مانشستر قطعت جهيزة (المؤتمر الوطنى) قول كل خطيب وذلك بإجازة مواد قانون جهاز الأمن الوطنى بالأغلبية الميكانيكية لنواب المؤتمر الوطنى وذلك رغم الإجماع والإصطفاف الوطنى القومى النادر من قبل كل القوى السياسية ضد هذا القانون ,حيث صوتت( الحركة الشعبية) ضده كما إنسحبت الكتل البرلمانية لكل من ( التجمع المعارض) – (جبهة الشرق , مؤتمر البجا )– (كتلة سلام دارفور) فى معارضة سافرة لهذا القانون , أما الأحزاب المعارضة ( احزاب الاجماع الوطني) التى يضمها منبر جوبا فقد اعلنت رفضها الصريح والقاطع للقانون وتوعدت بمناهضته والعمل على إجهاضه .. لقد أعطى قانون جهاز الأمن والمخابرات لسنة 2009م صلاحيات واسعة لجهاز الأمن والمخابرات فى سلطات الإستدعاء و الاعتقال والقبض والتفتيش والمراقبة بالإضافة إلى حجز الأموال حيث أعطى القانون الحهاز سلطة القبض دون الإعلان عن الجريمة التي ارتكبها الفرد لفترة تمتد إلى 4شهور ونصف وذلك بموافقة مجلس الأمن القومى, كما منح القانون أعضاء ومنسوبى الحهاز حصانات قانونية واسعة مما أثار غعتراض حتى حلفاء المؤتمر الوطنى كالإخوان المسلمين والحزب الوطنى الإتحادى ... . لعله من الحسنات القليلة لهذا القانون هذا الحراك السياسى الذى إنتظم الساحة السياسية بالسودان قبل وخلال إجازة هذا القانون المثير للجدل .. لقد اتاح عرض القانون للإجازة فرصة نادرة قد لاتتكرر قريباً فى إدارة حوار جاد ومسئول حول جهاز الأمن والمخابرات السودانى بماله وماعليه وذلك لما لهذا الجهاز من تأثير خطير على أمن وسلامة ومسارات حياة المواطنين .. لقد كان دوماً من محظورات السياسة السودانية عبر الحقب السياسية المختلفة الحديث أو مجرد إدارة الحوار حول جهاز الأمن والمخابرات السودانى بشتى مسميات , بل لقد أصبح جهاز المخابرات السودانى واحداً من تابوات السياسة السودانية المحرمة مثله مثل رصيفه القوات المسلحة , فالداخل فى خضم لجتهما مفقودٌ .. مفقودٌ .. مفقود ...!!! لقد إرتكز رفض القوى السياسية السودانية المختلفة للقانون على أساس أنه يطلق ايدى جهاز الأمن ويعطيه سلطات واسعة فضفاضة تمكن الحكومة من ترويع المواطنين والتكنيل بالخصوم مما يقفل الباب تماماً نحو التحول الديمقراطى المنشود بل يقنن لدبكتاتورية سافرة لحزب المؤتمر الوطنى ... أما المؤتمر الوطنى فقد تولى لوحده عبء الدفاع والتبرير للقانون فى ظل إدبار ومعارضة من حتى حلفائه فى حكومة الوحدة الوطنية , لقد إرتكز دفاع المؤتمر الوطنى على أن السودان مستهدف وأن التحديات التى تحيط بالبلاد من الخطورة والتعقيد بمكان مما يستدعى جهاز أمن فاعل ذو صلاحيات تنفيذية عملياتية لدرء المخاطر المحيطة بالبلاد .. أما غلاة الشموليين امثال بدرية سليمان , غازى سليمان وسبدرات فقد إنضافوا للسجال الذى تم حول القانون ودعوا لإيجاد جهاز فاعل للأمن والمخابرات بأظافر وأنياب وذلك بحسبان التحدبات الجسام الداخلية والخارجية التى تكتنف البلاد وتأخذ بخناقها ..... لقد كانوا ملكيين أكثر من الملك ...!!! أما فى الساحة السياسية السودانية فقد سادت الأصوات المؤيدة لتقييد صلاحيات الجهاز وإخضاعه للرقابة القضائية والبرلمانية المسئولة .. ومن أفضل ماقرات حول هذا الموضوع المقال القيم للأستاذ الدكتور الأفندى بعنوان: عن الأمن والوطن وسلطة القانون: من أجل نقاش هادئ حول موضوع ملتهب , والذى أوضح فيه رؤيته عن صلاحيات الأجهزة الأمنية بحيث رأى إبداء قدر من المرونة تلقاء عمل الجهاز فى الساحات الخارجية درءاً للإستخبار المضاد أوجلباً للمنافع للبلاد أما فى موضوع الداخل فهو يقترح "إعطاء أجهزة الأمن سلطات محدودة للاعتقال في الحالات التي تهدد الأمن الوطني ولا تكون مشمولة بالقوانين الجنائية، وذلك مقابل إلغاء أي حصانة قانونية لمنسوبي الجهاز والخضوع الكامل للرقابة القانونية والقضائية على أي حالة اعتقال" كذلك إستوقفنى المقال الساخن للأخ الثائر سلبل آل الإمام الصديق أبوذر الأمين والذى أوضح فيه رؤية مختلفة تتركز فى أن القضية ليست بالبساطة التى يتخيلها الكثير من الناس بل وربما الكثير ممن يتعاطون السياسة , فالأمر فى نظر أبوذر الأمين يتعدى سلطات إلقاء القبض وفترتها , بل أن الأمر يتعلق فى تغلغل جهاز الأمن والمخابرات الوطنى فى مفاصل الحياة السياسية السودانية , مما أعطاه المزيد من القوة المضافة والتى جعلته لايأبه حتى بقررارات رئيس الجمهورية مستشهداً بحادثة الإختفاء الغامض لمحمد الخاتم موسى يعقوب نجل السيد موسى يعقوب الصحفى المرموق المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام والتى تشير كل الدلائل على ضلوع بعض الأجهزة الأمنية فيها ...!!! فى واقع الأمر ماكان لجهاز متخصص وذو طبيعة مهنية خاصة كجهاز الأمن والمخابرات أن ينال منا حظاً فى الحوار ووالتداول العام على الملأ لولا أنه فى واقع الأمر يلعب دوراً أكبر بكثير من أدوار أجهزة المخابرات الرصيفة فى معظم دول العالم المعروفة والمحكومة بمجموعة من الأعراف والقوانين المنظمة لأدائها والمراقبة لصلاحياتها من فبل القضاء والبرلمان المنتخب والسلطة الرابعة (الصحافة) ...!!! إبتداءاً يتمتع جهاز الأمن والمخابرات السودانى بميزانيات مهولة بالقياس إلى ميزانيات قطاعات خدمية مهمة كالصحة والتعليم أو حتى قطاعات إقتصادية إستراتيجية كالزراعة والثروة الحيوانية , ولقد إطلعت على دراسة تبين بأن الجهاز يتفوق فى ميزانيته على الأجهزة الرصيفة فى بعض الدول المجاورة ككينيا ويوغندا التى لا يتجاوز فيها الصرف على الاجهزة الأمنية والعسكرية14- 16% من الميزانية العامة للبلاد .. فضلاً عن ذلك فقد تكاثرت شركات ومؤسسات الجهاز داخل وخارج البلاد بحيث أصبح منافساً حقيقياً للقطاع الخاص بل متفوقاً عليه بما يملك من إمتيازات ومعاملات تفضيلية , لقد أصبج الجهاز بمثابة الذراع الضارب لحكومة المؤتمر الوطنى أمنياً وإقتصادياً وسياسياً , ففضلاً عن تكوينه المرتكز على صفوة من الملتزمين العقائديين فهو – وفق رؤية إستراتيجية للقائميتن على إدارته – قد تغلغل فى كافة مفاصل الحياة السياسية والإقتصادية بالسودان .. لقد أصبح جهاز الأمن والمخابرات بمثابة الدولة داخل الدولة فهو بتسليحه العالى قد أصبح رديفاً للقوات المسلحة فى إنقلاب سافر على كل المدارس والنظريات المنظمة والمحددة لدور الأجهزة الأمنية والعسكرية , كما أن الجهاز فضلاً عن ذلك قد تغلغل فى كافة مفاصل الحياة السياسية السودانية ومؤسسات البلاد الخدمية العامة, فاصبح مالكاً للقرار فى كافة الوزارات والمؤسسات والشركات العامة , فقلما تجد موقعاً قيادياً مفصلياً خالياً من وزير مركزى أو وزير دولة أو وكيل وزارة او مدير عام من منسوبى جهاز الامن والمخابرات الحاليين أو السابقين , ولايحتاج المرء لضرب الأمثلة فهى من المشهود المعروف للعامة قبل الخاصة .. إذن فإن القضية الأساسية والتى ينبغى أن يصوب حولها الحوار الممتد حول صلاحيات وسلطات جهاز الأمن والمخابرات هى ليست القانون –على أهميته – ولكن ينبغ أن تكون هى الصلاحيات الأسطورية غير المحدودة للجهاز والميزانيات الخرافية غير الخاضعة للمراقبة والتى جعلت الجهاز يتحكم فى مصائر البلاد والعباد بشكل لامثيل له فى عالم اليوم بما يذكر بأزمان إدجار هوفر أسطورة المخابرات المركزية الأمريكية والكى جى بى لدى حقبة الإتحاد السوفياتى قبل سقوطه .. إذن فإن الذى يحتاجه الجهاز ويحتاجه الوطن قبل ذلك هو ضرورة الرجوع بالجهاز من أدواره المتمدده المتعدية اللانهائية إلى ادواره المهنية المعروفة والمعمول بها لدى كل الاجهزة الرصيفة فى الدول التى تحترم مواطنيها فنحن لانحتاج لجهاز يهدد مديره المعارضين جهاراً بتقطيع أوصالهم أو جهاز يقوم مديره بقصف الأقلام الحرة ومصادرة الدور الصحفية والممتلكات بعيدا عن مراقبة القضاء والإحتكام إليه , مانحتاجه هو جهاز امن ومخايرات وطنى ولاؤه الأول والأخير لله والوطن وليس لحزب أو جماعة مهما سمت أهدافها .. نريد جهازاً مهنياً متخصصاً بضم ويستقطب خيرة العقول والكوادر الوطنية التى تتميز بالذكاء والفاعلية والوطنية ولايكون الإنتساب إليه من باب الولاء الحزبى أو الإثنى او القرابة .. أقول ذلك وأنا أعلم علم اليقين أن العديد من كوادر الجهاز الحاليين يتمتعون بهذه الصفات فالمطلوب إذاً هو إزالة الأوشاب وإعمال يد الإصلاح المؤسسى فى إدارة وميكانيزمات وإسترتيجيات عمل الجهاز.... إذن فإن مانحتاجه وتحتاجه البلاد هو إصلاح مؤسسى شامل للجهاز وفق رؤية إصلاحية شاملة لمؤسسات البلاد التنفيذية والتشريعية والقضائية ... ماتحتاجه البلاد ليس محض جراحات تجميلية أو ترقيع هنا أو هناك ولكن ماتحتاجه البلاد وبصورة عاجلة إصلاح شامل لكل أوجه الحياة بها وهنا فقط يمن أن يمارس جهاز الامن والمخابرات دوره المعروف والمقدر فى الحفاظ على أمن البلاد السياسى والإقتصادى والبئيى ومصالح المواطنين وسلامة مجتمعاتهم بعيداً عن مخاطر الإستخبار المضاد ومحاولات الإختراق والتهديد لمقومات المجتمع وأمنه وتماسكه ... نادر يوسف السيوفى المملكة المتحدة - مانشستر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
الأخ الكيك.. تعرف واحدة من مشاكل المؤتمر الوطنى هو افتراض الهبل فى الشعب السودانى كما يفترضون انهم وحدهم الأذكياء (والتفاتيح)مع ان الحاصل هو عكس هذا تماما..فمنذ اول يوم صدرت فيه الصحيفة الصفراء المدعوة الأنتباهة ومنذ تقديم الطيب مصطفى مستندات تكوين حزبه لمسجل الأحزاب عرف كل الشعب السودانى وحتى ستات التسالى والمررو وبائعات الشاى عرفن بأن الأنتباهة ماهى الا بوق من ابواق المؤتمر الوطنى وان الحزب ماهو الا مولود خلاقة للمؤتمر الوطنى وموكول به ان يقول كل مايريد ان يقوله المؤتمر الوطنى ولكنه يخشى ردود الفعل المحلية والعالمية. وحسنا تفعل الجنائية الدولية ان صدق الخبر الذى اورده الأستاذ محمد سليمان فى هذا المنبر بأن العنصرى البغيض المدعو الطيب مصطفى قد يكون مطلوبا ايضا لدى المحكمة الدولية بتهمة اثارة الضغائن والكراهية العرقية . مع تحياتى .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: عبدالرحمن الحلاوي)
|
الاخ قلقوا تحياتى
مشكور على المرور والتعليق القوى وفعلا هم بيفتكروا ان كل الناس اغبياء وهم اذكى الناس فى كل شىء الى ان اتضحت الحقيقة وطلعوا ابلد ناس واجرم بعد ان بارت كل الشعارات ووصل السودان الى مجلس الامن على البند السابع ودى ما بتحصل لوكان عندهم قليل من الذكاء والوطنية الى ان اتهم الرئيس نفسه وهو فى السلطة ودى برضه طيش العالم ما بتحصل ليه حصلت والناس القائمين بامر الدبلوماسية واوصلونا لهذا الحال من الغباء المكشوف تمت ترقيتهم اولهم وزير الخارجية الذى اصبح مستشارا سياسيا واقتصاديا واعلاميا فى نفس الوقت .. شفت نحنا كيف ؟..
الاخ حلاوى اشكرك واتمنى ان اراك هناك ايضا فى بوست الخيانة العظمى لمن يشارك فى بيع مشروع الجزيرة وانت من المتحمسين معنا فى هذه الحملة اراك هناك الى ان نوقف هذا الاستهتار باهم ما نملك
عبدالله علي إبراهيم: ماذا تبقى من رحيق الماركسية؟ .... بقلم: صلاح شعيب الأربعاء, 23 ديسمبر 2009 13:52
سجال مع الذهن الملتبس "2" د.عبدالله على إبراهيم: ماذا تبقى من رحيق الماركسية؟ صلاح شعيب لم ينل أكاديمي، غزير الإنتاج، هجوما كاسحا، وحملات من التعنيف مثل ما نال الدكتور عبد الله علي ابراهيم في السنين الأخيرة. ولعل كل ذلك النقد الذي ربما آذاه نفسيا، أو عكر صفاءات أيامه، أو أثار نقعات هدوءه، يؤكد قيمة العمل المجتهد الذي ظل ينمي به الحقل الثقافي منذ الستينات. لقد عرف الأكاديمي الفاخر بكتابة القصة القصيرة، والمسرحية المفارقة، والمقال السياسي، والإسهام بالحوار الصحفي، والندوة السياسية، والمحاضرة في حجور الأكاديميا وعرصاتها، وفي أندية ثقافية في العاصمة والأمصار، وجحورهما. على أنه ومقابل ذلك التجريح الشخصي نهض نقاد كثيرون في تبيين أخطاء تصورات الدكتور بموضوعية، وبلا إنكار لتاريخه الثقافي. ولقد بدأت هذه الإنتقادات منذ مشاركته في ما سمي بـ"مؤتمر الحوار الوطني" في أيام الإنقاذ الأولى. وما كانت الإنتقادات الكثيفة لمسار الدكتور عبدالله،من قبل أصدقاء وزملاء كثر له، إلا من قبيل إحساسهم بعظم أدواره كمثقف إلتزم، وفق قناعاته السابقة، تجاه وطنه إبان عمله النظامي بالحزب الشيوعي، ومساهماته الفردية المتميزة في الحقلين الثقافي والأكاديمي. إذن لا بد أن ناقدي الدكتور المقربين إليه، منطلقين من ماضيه، توسموا فيه بأن يقوم بإستمرار بدور المثقف الملتزم. وما هذا المثقف إلا هوالناقد بجرأة لمثالب، وطحالب، ومخالب، بعض السلطات السياسية، والثقافية، والدينية، والإجتماعية، في ظروف تساقط الرموز دون الثبات أمام هذه السلطات التي سببت الإنهيار القومي. بذلك الماضي الشيوعي حفظ د.إبراهيم، مكانا عليا في وقائع (السياسة، والإجتماع، والثقافة، والصحافة، والأكاديميا المناضلة). فقد مارس الرجل قناعة بالمنهج الماركسي، وقدم تطبيقا له لمحاشاة جور وتخلف هذه السلطات المجتمعية. وهذا حق لا يغمطه إلا جاهل بتاريخ الرجل الذي خدم الثقافة، والأدب، والصحافة. إذ سعى وفق تلك القناعات إلى إشاعة معاني الفكر في لجة الظلام السياسي الذي لا يزال يستهدف بمهارة حتى محاولة التدشين البريئة للحملة الرئاسية للأستاذ الذي عاد إلى بلاده ليحركها بجدل أفكاره. وبرغم فاجعة الكثيرين إزاء ما يرون من رؤى إرتدادية، ومواقف رمادية، يسير عليها الدكتور عبدالله في السنين الأخيرة إلا أن كثيرين أيضا يرون أن الأمل لا يزال قائما، بأن يتضام جهده مع الناشطين في تخوم تلك (الوقائع) التي خبرها وسعى لتشذيبها، وما كان له أن يفارقها ليحيل عليها التراب. وإذ أن الدكتور ما برح يصرح بأن العلاقة بينه والشهيد عبد الخالق محجوب كانت قائمة على الندية المعرفية، وليست هي علاقة متحزب برئيسه، فقد آليت على نفسي أن أتمثل هذه الندية في نقاشي معه في ذلك الحوار الذي نشر بصحيفة (ظلال) في النصف الأول من التسعينات. كما وجدتني عبر التلفون أساجله حين كان بالولايات المتحدة، أو في الندوات التي أقامها وتيسر لي حضورها في واشنطن. وبرغم أن (حصاد معرفة) الرجل من ما لا يجعل لنشطاء مثلنا في مجال الإعلام موازاته، إلا أن إحتفاظي بموقف نقدي من أعماله كثيرا ما أفرز نقدا للمنهجية التي يتخذها في دراساته ومقالاته الأخيرة. وكذلك في الخلاصات التي يتوصل إليها مثل أن الدكتور منصور خالد جاسوس دون أن يخجل من إعترافه أن الحشمة الأكاديمية غابت حين إستهدف شخص خالد بغير تثبت أو أمانة بحثية، أو أن ما حدث في دارفور إنما هو ثورة لبرجوازيتها الصغيرة المغبونة، دون أن يرد الأسباب إلى خلل في الإبداع السياسي المركزي، أو أن المعارضة تحترف لغة التشكي، دون أن يدري أنه نفسه يستبطن تشكيا نظامية تجاه المعارضين مقابل إهمال الحكوميين!، أو أن ترشيحه للرئاسة يمثل عملا مفارقا لم يبتدره المثقفون من قبل لتنوير الأهل إنتخابيا بشؤون الديمقراطية، والإنتخاب، والثقافة. ولقد آمن الدكتور بكل هذه القناعات دون أن يضرب بقلمه الرشيق على ابواب مغلقة بالضبة والمفتاح لا يريد من هم خلفها أن تسبق فترة إنتخابه للرئاسة إجازة لقوانين مستحقة لخلق الشفافية أثناء ممارسة ديموقراطية التصويت، وهكذا وجدتنا نختلف مع طريقة التفكير الفكري التي يتوسل بها الدكتور شغل حيزه الوطني. إن الدكتور عبدالله علي إبراهيم، حين انتبذ ملاذا غربيا من أهله المغلوب على أمرهم، كان المتوقع فيه ـ على الأقل ـ أن يثري معلومات العامة، والمثقفين، والمكتبة السودانية بإهمية الفصل النظامي بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والإعلامية، والذي شاهده عيانا بيانا هناك، وإنتفع به أيما إنتفاع. ولكنه آثر أن يترك كل محاصيله الأكاديمية، والمعرفية، والحياتية المتراكمة، وراء البحار ليغوص في المصير الذي إنتهى إليه شيبون، ويصب جام غضبه على الدكتور منصور خالد، عبر حلقات تفوق الثلاثين، ويتخذ بعض المواقف العدائية المستمرة ضد المعارضة بدعوى نقد الذهن المعارض. وبدلا عن فحص تشريع وقضاء الإنقاذ، واللذين عليهما يتم التسنيد للشمولية المؤدلجة التي أذهقت أرواح السلام والأنام في البلاد، فضل الدكتور الكريم أن ينفض الوثائق المغبرة لتعينه على بحث أمر القضاء الشرعي في زمان الإستعمار، وقوانين البغاء في ذلك العهد.! ثم إذا ألهمته هروبيته مبحثا جديدا، لا تسبب خلاصته قطعا للرقاب، أو تنكيدا للتقاعد المريح، وجد في الترابي علما يستحق الدرس، لا من زاوية أن فكره الماحق ترك البلاد في وضع لا تحسد عليه، وإنما من زاوية أنه زعيم للتجديد الإسلامي في السودان! بهذه المجهودات الأكاديمية ترك الدكتور خلفه القضايا/الأولويات التي تقض مضاجع شعبه ليل نهار، وتستهلك طاقته في التفكير.وإذا كان د. عبدالله قد إهتم بأولى أوليات شعبه لتخلى عن المباحث التي لا تبطل سحر الإستبداد الإسلاموي، ومن ثم وظف كل محمولاته الفكرية، عبر مقالات راتبة عن كيف أن حقوق المواطنة المتضمنة في البلاد التي تركها قد أعطت ريادة العالم لشعب متسامح، متضام، وجعلت دولته نموذجا للتفوق في كافة ميادين الحياة، حيث يحصد علماؤها جوائز نوبل في الكيمياء، والإقتصاد، والفيزياء، والأدب، ويعلمون الآخرين الآتين من وراء البحار جدوى الحرية، والديمقراطية. لو أن شيئا من عشمنا المظنون في الدكتور كان قد قبله كتحد حقيقي له، دون أن يستكثر علينا جدوى (التناصح) ومن ثم يتقبل ملاحظاتنا، لقلنا إن ضمير مثقفنا الوطني نزاع دائما للإستلهام من تجارب الشعوب المتحضرة. فلو كان الدكتور الذي قدرته تلك البلاد حق تقديره قد أفصح لشعبه المساق بفعل فاعل أحمق أشر نحو القبلية عن كيف أن أسطورة العرق "الدساس" صائرة إلى إنحسار بعد تحقق مكاسب لنضال الحقوق المدنية ــ لأفصحنا وقتها أن الدكتور أحدث تطورا متساميا لعقله، وربما من خلال هذا التطور الجديد توفر لدارس سيرته سببا للقول إن الأديب الأريب بنى فوق مجهوداته الفكرية السابقة، والصائبة، والتي قصدت سد فجوات الوئام الجهوي التي كبلت تطور بلادنا، وجاءت الإنقاذ لتوسع الفتق على الراتق. كل ذلك العشم ذرته رياح الأيام فما كان من أستاذنا الجيل الجليل إلا أن يزاور البلد من حين إلى آخر ليحدث تجمعاتها المحكومة بشريعة النبوت، والسوق، والأمن، والفساد، عن مسائل فرعية لا تصيب سياسة الإنقاذ المدمرة في مقتل. بل أن غوصه في هذه المسائل ربما جعل الإنقاذيين ضاحكين على هذا التخاذل المشهدي لمثقف إستسهل أن يبتعد عن التفكير بلا إلتواء حول القضايا الساخنات. بلى إن الدكتور فضل في غالب أعماله الصحفية والفضائية الأخيرة أن يسوق لشعبه ما يريد النافذون سماعه وقراءته، حتى إن إنتشر خبر ترشيحه للرئاسة وجد مدحا من عل، وقابله بمدح مدبج أبرزته الصحف. ويا لتعاسة ضمير المثقف حين يقابل ود (السلطان الجاهل، الجائر) بود غير مستحق. والحقيقة أننا لا ندري كيف يمكن للمفكر المحدث، والوطني الحادب، أن يخوض حملة للإنتخاب الرئاسي، ولا يقدر على تبيين قصور الإجراءات التي تمر بها الإنتخابات، وهو القصور الذي يفت حتما عضد مشروع الاستاذ الذي لا يزال سعيه في إحتراف السياسة الواقعية لبلوغ المنصب العام طفلا. وهكذا هو مرشح الحقل الأكاديمي الذي إستأنس بنفسه، ثم رأى عظم الكفاءة لحلب تيس السودان الهائج. إنه لا ينشغل بأخطال مفوضية الإنتخابات وقسمة دوائرها الضيزى مثل إنشغاله بـفريق"الأمل العطبراوي"، ولا يهتم بتجاوز المفوضية لجيرانه المهاجرين السابقين، في مدن أمريكا، والذين أهمل تسجيلهم في ربوعهم المتعددة مثل همه بالكتابة عن زيارة "سيدي الحسن في كسلا"، ولا ينزعج لما رصده تحالف المعارضة من خروقات وتجاوزات للحزب الحاكم في معمعة التسجيل للإنتخابات مثل إنزعاجه ب"قرش الرطانة". ولا تتواصى نفسه بقراءة ونقد مسودتين لقانوني الأمن والإستفتاء ـ واللذين ينبني عليهما نجاح أو فشل حاضره الإنتخابي ومستقبله الرئاسي، لو قدر الله ـ مثل تواصيه المستمر بتناول قضايا فرعية لا علاقة لها بجوهر الأزمة الوطنية. وهكذا لا يفيدنا صاحب الحملة الإنتخابية وقائدها في الآن ذاته، والعاملون عليها، إن وجدوا، برأيهم الناقد لميزانية د.الجاز الكارثية المجازة، والتي فصلت وفضلت بأن إجراء الأمن والدفاع يأخذ 60 من المئة منها، مقابل 4 من المئة للتعليم و5 من المئة للصحة. إنه لا يفيدنا بكل هذه الفشل الإنقاذي ـ إذ هو صاحب البرنامج البديل ـ مثل إفاداته الواثقة عن منازلة ترسانة لمحور الأفك والتضليل والتكبير الزائف دون خريطة طريق، أو تخطيط ملموس منه. ومع كذلك هو العائد من تجربة متابعة لإنتخابات الرئاسة الاميركية، والتي إن إنبنت وتبنى على شئ إنما على التخطيط، والدراسة، والدبارة، والبصارة، وكل تلك العبارات الدالة على وجوب مهل ونجاعة التفكير، والتي ما فتئ الدكتور يعمق ترديدها. وبينما أن المرشح الناقد يخوض في كل شئ منذ حين إلا مقاومة السلطة بالشكل الذي يردع إستبدادها، فإنه إذن يضع نفسه الخصم المباشر، وغير المباشر، للقوى الوطنية التي تأتمر في جوبا لتؤكد على نزاهة شؤون الإنتخابات وأشياء أخرى. وإذ يخاصم الدكتور عبدالله هذه القوى إنما ليثبط همتها من خلال إستهداف مؤتمر جوبا، والذي كان ينحو إلى الحوار، والبحث عن حلول لقضايا البلاد في ظل التعنت الإنقاذي. ويدرك الدكتور عبدالله تمام الإدراك أن ذلك المؤتمر الذي ضم معظم الأحزاب السودانية فرضه الإحتقان الوطني المسؤول عنه المؤتمر الوطني. وتتوالى خصومة الدكتور نحو الذين يقولون بأن ما تعرض له يوم تدشين حملته من أسى بالغ، غير متوقع، هو جزء أصيل من سياسة نظامية لا تحترم الإنسان، ولا حقوقه منذ عقدين من الزمان. فالدكتور عبدالله يختزل بهاء الأجهزة النظامية في توقيرها لشخصه حين يقول "أنا لم أكف منذ الحادثة من الإشادة بمهنية الشرطة والأمن. فلم أقف ببابهما إلا حيوني بأحسن من تحيتي ب "يابروف". وأكرموني بالبارد وبالحديث عما أكتب أحياناً". وهكذا يمنحنا الدكتور الموقر منهجا في تقييم العام بما هو خاص. وهنا ما على طلابه الذين تضعهم الظروف في موضع التكريم بالبارد في داخل مباني الشرطة الإنقاذية إلا أن يشيدوا توا بمهنيتها، تاركين كل إرثها التليد في حماية جند الفساد، والتستر على جرائم بيع المؤسسات العامة، والسهر على حياة الجوكية الذين ساموا الشعب سوء العذاب. وإن كان لا بد لهذه الشرطة التي تقودها فئة مؤدلجة فإنها موجهة ومأمورة بجلد النساء السودانيات بسبب إرتداء "البنطلون"! إن هذا المنهج البائس في شخصنة الحكم على أجهزة الدولة لا يليق برجل مثل الدكتور عبدالله أن يضمره في وعيه، ولا وعيه، ثم يستشغل به حيازاته المنشورة. نعم لا يليق به لمجرد أنه كان ماركسيا، وقد لا يزال، يعرف موقع هذه الشرطة عند التحليل الماركسي للبنى الفوقية التي توئد خيارات البلوتاريا، وترفع في وجهها الهروات الكهربائية إن هي عبرت عن ثورة الجوع، وعن الجوع الديمقراطي. ولا يليق به المنهج أيضا لمجرد أنه كان دارسا لاحقا للقضاء الشرعي في الدولة الإستعمارية. حسبه في ذلك أنه تدور ودار، في مشروع العثور على مراجع لمباحثه، علي المذاهب والملل والنحل فتدرب علي الفرق والتفريق بين معنى الظاهر والباطن، وألم، لا مناص، بطرف من اخبار علم الكلام في الاسلام الذي يشدد بأن الحكم علي الشيء جزء من تصوره. ولئن كان الدكتور الموقر لا يكف عن الإشادة بهذه الأجهزة الامنية التي لها تاريخ في "اللا رفق بالانسان السوداني" فأن هذه الأجهزة، من المؤكد، ستبقي علي ما هي عليه وزيادة "في اللا رفق" إذا اتفق للرئيس الملهم عبدلله علي إبراهيم ان يجلس في مكان سلفه البشير! واذا كان ذلك هو الرئيس البديل فما الذي يحملنا على إختبار رؤيته الإنتخابية عن ما ينبغي أن تكون عليه أجهزة الشرطة والأمن من حرفية وإنضباط في بلد تقوم فية الشرطة بجلد 43000 أمرأة في أقل من نصف عقد، ولا يجلد رجلا واحدا من المفسدين؟ ثم ما الذي يدفعنا علي أخذ الدكتور الموقر محمل الجد في كل شيء إذا كان يقذف بأفكاره هكذا في ملعب السياسة، كما يقذف لاعبو "كرة الشراب" في الازقة الخلفية بكراتهم في البيوت المجاورة للملعب فتصيب أربابها في أنوفهم، وصلعاتهم، وأحيانا تنكد عليهم مرقدهم العاطفي الظليل. لقد زارنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم في بداية النصف الثاني لهذا العام السائر إلى الإنقضاء، وحول ايام واشنطن ومجالسها إلى حوارات ساخنة حول رؤاه التي تنثر غموضه أكثر من الوضوح المؤمل فيه. وقدم الدكتور ندوة عمها حضور كبير بدار الجالية السودانية بواشنطن، وهيأنا له عبر إتحاد الصحافيين السودانيين بالولايات المتحدة جلسة بنادي الصحافة القومي بواشنطن، حضرها ممثلون لألوان طيفنا السياسي. كما نظمنا له حوارا إستمر لأربع ساعات مع ناشطين من دارفور. مثلما تلقى دعوات للإحتفاء به من اصدقاء له تحولت إلى لحظات للحوار حول برنامجه للسباق الرئاسي، وكذلك حول أفكاره المثيرة للجدل. وكالعهد إستطاع الدكتور عبدالله علي إبراهيم أن يدافع ويدفع بكثير محاججة عن منطلقاته الفكرية، والسياسية، والثقافية. وكذا دافع ودفع بفكرة خوضه للإنتخابات، ومع ذلك لم يشف غليل الباحثين عن حق وتحقق في فلوات ذاته المضمرة بالإلتباس المنهجي، والفكري، في الآونة الأخيرة. إن تزكية د.إبراهيم نفسه للإنتخابات ممارسة لحق اصيل للعامة والمثقفين منحته له نيفاشا، والتي آمنا بروح نصوصها، إذ هي توقف الحرب المدمرة، من جهة. ومن الجهة الأخرى تمثل الإختبار الأكيد لأسس التحول السلمي الديمقراطي الذي أقره الفرقاء، وباركته القوى السياسية، وضمنه المجتمع الدولي كخطوة إجرائية متقدمة في التسوية الوطنية. ولو أن الدكتور نال حق المواطنة بهذا الصنيع، كما يتصور ونحن، فإن المرء لا يسعه إلا التأكيد أن الدكتور قادر في حملاته الإنتخابية التي بدأت بطيبة برس على طرح بعض قضايا. هذا برغم أن تلك البداية شابها ما شابها من إحراج لأهل الدار، والجمهور الذي أتي ليتعلم شيئا محددا، ولكن الرائد ضنى بالوفاء نحو عنوان محاضرته، فأحرج الاستاذ فيصل محمد صالح، مدير الندوة، وأغضب الدكتور حيدر إبراهيم علي الذي ظن أنه جاء مصدقا لما بين يديه من دعوة، ووعد!. ولتكن تلك (الكعبلة الثقافية) مبلوعة، بيد أن السؤال الجوهري هو ما هي فرص مرشحنا الأكاديمي، وهو الذي ظل يناور هنا وهناك برؤى ملتبسة اثارت جدلا وسط المثقفين طوال العقد الماضي. فمنهم من وصفه بأنه فتر عن مضاعفة مشاوير إنجاز الحداثة التي كان أحد رواد تثبيت مصطلحاتها، ومعانيها، وعاد إلى مهادنة غلاة دعاة وسدنة الحكم الشمولي، والذين يعايشون مجابهات سياسية وفكرية تتعلق بقدرتهم على صون البلاد وتحقيق أسس التطور القومي. ومن الناس من أحتد مع الدكتور في النقاش، ووصفه بالغموض الضال، وتغبيش الفكر والفهوم في وقت أصبحت فيه مسائل مثل الموقف الحازم من الإنقاذ، والرؤية حيال مسائل مثل الشريعة الإسلامية، والعلمانية، وحقوق الهوامش المناطقية، والثقافية، والآيدلوجية، والجندرية، لا تحتمل إلا صفاء الفكر، والثبات المبدأي، وبذل الجهد لتسويتها إذا كنا نرمي إلى نصيب من الإصلاح للدولة السودانية، والتي ما تواضع غالب نخبها على شئ مثل تواضعهم على تغذية التآكل التدريجي للبنى التي تقوم عليها هذه الدولة. صحيح أن للدكتور إبراهيم تراكماته العلمية والأدبية والثقافية التي كان من المتوقع أن تنعكس على شكل معالجاته للقضايا محل الخلاف. وصحيح كذلك أن لكل إنسان الحق أن يتلمس إمكانية التحول في مبادئه، تارة نحو اليمين، وتارة نحو الوسط، أو الإستقلال والعكس، ما دام أنه يلتزم الصدق الفكري في هذا التحول الباحث عن خيوط للحقيقة، وما دام أنه لا يزال بعيدا عن الإستفادة المادية الدنيا أو القصوي من شكل تحولاته الفكرية، والثقافية. سوى أن الاصح أكثر هو أنه يجب على من يحوز على هذه المكانة العلمية المرموقة والتجربة الحياتية المنظورة سياسيا، أو ثقافيا، أن تقارب معاييره بأخرى، بصرف النظر عن إتفاق أو إختلاف الدكتور مع نتائج هذه المقاربة. فمهمة نقدة الدكتور هو إفتراع جداول للحوار، وتعزيز سريان الخلاف الخلاق فيها. وما أقل من بناء مدارك للسجال الموضوعي ليتوفر القراء على نهج في الحوار مع الآخر أكثر صرامة وموضوعية.والحال هكذا، فإن المواقف المتصلة بالحقول السياسية والإجتماعية والثقافية مهما سدرت في غيها، أو ضعفها، أو بهلوانها، أو مكرها، أبعد أن تكون مواجهة بالسباب، مثل الذي تعرض له د.إبراهيم في غير ما مرة عند حواف الأسافير، ليس ذلك فحسب فإن السباب لا يحل قضية أو يفتح أفقا للمعرفة. وما دام أن النشطاء في مجال الفكر والفنون عموما ينطلقون من القناعة النسبية بصحة إفتراضاتهم، فإن وجود التصورات الناقدة، أو المضادة، موضوعيا لمحاولاتهم هذه ينبغي أن ينظر إليها على إعتبار أنها إثراء للتجارب الحياتية، وطرح للمعارف، وردم للفجوات والثقوب التي يخلفها الناشطون وراء ظهورهم، مهما غلظ النقد أو قسى في لغته. ولئن كانت هناك مواقف ملموسة للدكتور المبجل نحو تكنيك مقولات الزعيم عبد الخالق، أو تكتيكه الحركي، وفق ما يقول، فإن ذلك ينبئنا أنه يؤمن أن وظيفة الأجيال اللاحقة أن تبني على معاني هذه الندية حتى تتم مراجعة ملهمة لزعاماتنا السياسية والفكرية والثقافية دون الإحساس بأن أمرا كهذا يسيئ إلى ذواتهم، أو يقطع الطريق أمام ترقيهم في مدارج العمل السياسي، أو الإجتماعي المنظم، أو الحر من كل قيد نظامي. على أنه يجب لنشطاء الحكومة، والمعارضة، أن يطلعوا على هذه المراجعة برحابة صدر من أجل ألا يستفردوا بالقرارات داخل التنظيم ومن أجل أن تقوم للعمل السياسي قوائم الإستقامة، والشفافية، وأيضا من أجل أن يلجم المفكرون والقادة بعض وساوس في أنفسهم قد تحض على تغييب الآخرين، أو تغبيش المعاني، والمعارف، ومن أجل إرساء ممارسة رشيدة للديمقراطية المفتقدة داخل هذه التيارات والمرافق، وداخل ذهن الفرد الناشط. أما وإن كان د. عبدالله علي إبراهيم قد بين لنا أن علاقته السابقة مع زعيم الحزب كانت قائمة على الندية الخلاقة ما يعني أنه يستبصر مناح أخرى للتشكيك في التوجه النظري، والعملي لحزبه، والذي قد يتبعه بالتيقن، فإن المرشح للرئاسة السودانية أحق بأن يستمع برحابة صدر لمن ينتقدون حرثه، وذلك في مقابل كثير من مريدين يكيلون الثناء نحوه، ونحو حراكه، ولا بأس أن يعطيه ذلك المدح المثني سببا لمراكمة إجتهاداته في جبهات عمله التي إختارها، على أن يعطيه الإنتقاد البناء أيضا مجالا للمراجعة، والإستبصار، والإستلهام، هذا إذا كان الدكتور الناقد يؤمن بأن لا كبير على النقد، ويستيقن إهمية أن يرى نفسه بإضطراد في مرآة الآخرين. يقول الدكتور عبدالله في ورقته المعنونة ب"ملامح برنامجي الإنتخابي": (لعل أصعب ما أواجهه من ذوي النية الحسنة تجاه ترشيحي لرئاسة الجمهورية هو سؤالهم عن برنامجي. ومصدر الصعوبة ليس لأن كتابة برنامج إنتخابي من الأمور العصية. بل لأنني شديد الاقتناع بفساد أي برنامج من هذا النوع نكتبه على عجل وبحكم العادة. فالبرنامج في مثل ظروف الأزمة الوطنية العامة هذه ليس "تفنيط" لما يزعم المرشح انجازه للناخبين. إنه صنو تخييل جديد للوطن الذي وقف حماره في العقبة. وهو شغل للمعارضة بشكل رئيسي. وللأسف لم يقع لنا هذا التخيل أو إعادة التخيل للوطن لأن المعارضة خلال دولة الانقاذ وما قبلها لم تنشغل ببناء هذا الوطن الجديد في الخيال أولاً. فقد كان أكثر همها التخلص من النظام القائم كيفما اتفق. أما تخيل الوطن السعيد المستعاد من الظالمين فهي مهمة لاحقة قد لا تأتي أصلاً..) إن على الدكتور ألا يضيق الواسع بقوله إنه لا ينوي طرح البرنامج الذي يخوض به مضمار الإنتخاب. فبوسعه أن يقعد نظاميا، وفكريا، وعمليا، لإستراتيجيا حملته الرئاسية وأن يسعى، عبر كراسات فكرية، إلى التوضيح لدافع (الذكوات، والضرائب، والجبايات) عن رؤيته المفصلة في الإسلاموية التي أطبقت على البنادر والوهاد، وأحالتها إلى خراب. وما الذي يمنع الدكتور أن يوضح رأيه بكل سماحة، وتواضع، للناخبين الباحثين عن الخلاص، ما دام أنه يحترم حقهم في المعرفة عامة، والمعرفة السياسية خاصة.؟ وما ضره لو أنه مارس تخييلا، وخرج برؤوس أفكار عن الشريعة الإسلامية، أو العلمانية، أو حقوق المواطنة، أو كيفية حكم البلاد إداريا، أو تطوير السلم التعليمي، وربما الخماسي، أو تمديد مساحات الصحة العامة، أو إعادة الشفافية للخدمة الحكومية، أو التعامل مع العالم الخارجي، أو كيفية إقامة قسطاط العدل والمساواة في فسطاطي الزمان والمكان السودانيين، أو مكافحة النهب المسلح والمصلح، أو تحقيق السلام في دارفور، أو مقاومة سرطان الايدز الذي إستشرى في بيئتنا، وأيدز السرطان الذي خطف فلذات كبد مواطنينا.؟ وهل لا بد للدكتور الموقر ـ ونحن على أبواب الإنتخابات المشكلة أصلا في مستحقاتها ـ أن يوضح للناخبين موقفه من قرارات محكمة الجنايات الدولية المتعلقة بدارفور، وذلك حتى يثق المواطنون أن (الرئيس الجديد) قادر ليطوق الأزمة بحنكته وينجي العباد من مؤثرات الصدام الدولي مع العالم، وفي ذات الوقت تلعب حكمته دورها في تعزيز القصاص، والذي هو الركن الركين المكمل للتسوية السياسية للأزمة التي إستهلكت طاقة السودانيين.؟ ألا يسهم مرشح الحقل الأكاديمي، والثقافي، إن أعمل ذهنه في تلك القضايا، في تثرية وعي المواطنين وتخييرهم بين الوقوف خلف مرشح (الدولة الدينية)، أو خلفه وهو مرشح (الدولة...........)! وإذا فسد أولئك القساة في معاملة شعبهم ببرنامج شيخهم، فمن قال للدكتور بفساد البرنامج السياسي المجرد الذي يتيح للناخبين تخير أيهم الأقدر على الإصلاح من المتقديمن لشغل هذه الوظيفة العامة؟ أهو من غير العرف الوطني أن يتعرف السواد الأعظم على رؤى هؤلاء الذين يذكون أنفسهم للناس؟ أم هو من العرف الإنساني أن يتقدم السياسيون، أينما ومتى ما برزوا، بأفكارهم الشجاعة والمفصلة لحل الأزمات التي أجبرتهم على خوض غمار العمل العام؟ ثم كيف يجوز للدكتور، هكذا، أن يجرد المعارضة من سوابقها في إعمال التخييل لبناء الوطن.؟ ألم يقف، على سبيل المثال، على مقررات القضايا المصيرية بأسمرا، والتي بذل التفكير فيها جماع المعارضين، وتوصلوا إلى تلك المقررات التي لا يقدح عدم تبنيها في إهميتها كمخرج للمشكل السياسي؟ أيكون من المنطق أن تبقى تلك المداولات التي سبقت هذه المقررات وشارك فيها بالراي شماليين وجنوبيين نوعا من اللا تخييل؟ وهل من الحق أن نرمي بكل الأنشطة الفكرية التي قام بها الأفراد المعارضين الذين يحتفظون بعلاقات طيبة مع الدكتور في سلة المهملات؟، وإذا جاز له أن يعطي الإسهامات الفكرية لأحزابنا، مهما إختلفنا حولها، صفرا كبيرا، فهل يجوز له أن يضرب بمساهمات معارضين أكفاء في التفكير السياسي، مثل د. حيدر إبراهيم علي، وكمال الجزولي، وفرانسيس دينق، وتيسير محمد أحمد، وكل مساهمات الإخوة الجمهوريين، ود.حسن موسى، ود. عبدالله بولا، ود.عبدالسلام نور الدين، وعبد العزيز حسين الصاوي، والاستاذ محمد علي جادين، والدكتور محمد جلال هاشم، والأستاذ الشفيع خضر، إلخ، وهل يمكن أن تغيب الإمانة العلمية في تقدير كل هذه المساهمات من التخييل السياسي لمجرد الإختلاف معها، أو مهما كان الدكتور يرى في ذاته بأنه وحيد زمانه، وفارس أوانه الذي يملك التخييل السياسي.؟! وعلى أي اساس علمي، أو معرفي رصين إنبنى قول الأستاذ الجامعي بأن (المعارضة تريد أن تزيل النظام بأعجل ما تيسر لتعود إلى الحكم فوراً. وفي شفقتها هذه ترى الرياضة والفن نوعاً من "أفيون الشعوب" فأجتنبوها.)، ولعلنا لم نجد معارضا واحدا من من هو في مقام التفكير السياسي المستنير يرى في الرياضة والفن أفيونا للشعوب. ولكن ما ندركه، ويدركه دكتورنا الكريم، أن الذين جثموا في صدر شعبنا حاربوا الفن والرياضة، وأوقفوا تسجيل الأغاني العاطفية، وإندسوا في الإتحادات، والأندية الرياضية ليجيروها لصالح مشروعهم الحضاري النافق. ولعلنا ندرك محاولات إبراهيم نايل إيدام، ويوسف عبد الفتاح، ودز شمس الدين زين العابدين، وحسن عثمان رزق، ومحمد يوسف، وأمين حسن عمر، لإفساد ديمقراطية العمل الرياضي حتى أن (الفيفا) تدخلت، في غير ما مرة، لصالح لجم الشطط السياسي الجاهل الذي يريد تحوير قوانين اللجنة الأولمبية الدولية والإتحاد الدولي لكرة القدم؟ والحقيقة إن المرء لا يجد إتساقا في قول الدكتور:"أما تخيل الوطن السعيد المستعاد من الظالمين فهي مهمة لاحقة قد لا تأتي أصلاً". فما نعرفه أن التخيل لما يكون عليه الوطن، أو أي شئ، يقوم على رؤيا وبرهان لها حتى تنشحذ همم الناس للبناء والعمار، فإذا كان المرشح الرئاسي يضع العربة أمام الحصان ويقول لنا عليكم أن تستعيدوا الوطن من الظالمين، ولاحقا عليكم أداء مهمة تخيل قد تأتي ولا تأتي، فلماذا الجناية على المعارضة، وإدانتها بأنها تريد إسقاط النظام كيفما إتفق؟! إن القارئ لورقة (ملامح برنامجي الإنتخابي) والتي خرج بها الدكتور على الناس ـ هاتفا وجدتها، وجدتها ـ لا يجد فيها سوى الشبه بمقالة صحفية، غير مترابطة السياق، والهدف، ولا ترقى أن تقدم لشعب يريده الدكتور أن يمايز بين خطاب متوقع فيه الوضوح السياسي، وخطاب سلطوي أصابته الممارسة بالبوار. وإذا كررت قراءة الورقة لإتضح لك أنها فقرات تضج بالشكوى من المعارضة لتستهدفها، أكثر من أن تكون ملمحا لخطاب فيه من جزالة الأسلوب السياسي ما يغني، وعنده من نضج الوعي ما يبشر. يقول الدكتور عبدالله "توخيت في امتناعي عن تأبط برنامج انتخابي في هذا الطور من مسعاي لأكون رئيس السودان القادم حكمة أمريكية تقول إنك ستزيد الطين بلة متى عالجت أزمة ما بنفس الفكر الذي ورطك فيها. وربما جاء العرب بمعنى قريب من هذا بقولهم "وداوني بالتي كانت هي الداء". وحين أنظر ما حولي من أفكار لصياغة برنامجي لشفاء الوطن لا أجد إلا تلك التي كانت هي الداء. وبيت الداء في منظومة هذه الأفكار الرديدة هو الذهن النوستالجي المستولي على عقل النادي السياسي المعارض بالذات. والنوستالجيا هي النزوع إلى شيء في الماضي (ربما لم يوجد أصلاً) ولكن الجماعة تحس بفجيعة فقده بحق وحقيق" والثابت أن الدكتور ما كان بحاجة ليجد في امريكا، بعد كل هذا التطواف العلمي، الحكمة التي قال بها. فكلنا يعرف أن من المسلمات هو أن الأزمات تعالج بمزيج الروية، والرؤية، والتفكير، والتدبير، والتحرير، وما إلى ذلك من مستلزمات التبصر. فمتى ما تحررت من فكر الأزمات أعانك تأملك، لا أفكار الآخرين الذين من حولك، في وضع الحلول. ولو عاد ناقدنا لبسطامه الذي تركه وراءه لوجد ببساطة أن الأنبياء والمصلحين جاءوا من المستقبل بمناهج الحلول من خارج دوائر التفكير السائدة، وأحدثوا النقلة في حيوات شعوبهم والبشرية. أما إذا كان الدكتور يرى النادي السياسي المعارض وقد تلبسته الأفكار النوستالجية الرديدة فحسبه، وهو وقد أدرك ذلك، أن يقارب أفكارها بأفكاره البديلة، إذ هو قد شرح خزعبلاتها، ووقف عند بوار حيلها. وإذا أنجز الدكتور شيئا من تلك المقاربة، أو فقط توعد، فإن ما يتبقى له هو مقاربة أفكاره بأفكار الحكومة التي هي (رأس الحية) التي تلدغ من يمارسون في خطأ وصواب العمل الوطني. ذلك ما دام أنها أشعلت أمامه نيران الفتنة، وذهبت ببلاده إلى نذر التمزق، وأحرجته أمام العالمين. أما وإن لم يلهج لسان الدكتور بعبارات تقوم إعوجاج حكومة بلاده، لا بحد السيف طبعا، وفضل أن يهاجم الذهن المعارض، فإنه ربما يصبح يوما ولن يجد، بسبب عدم قول الحق أمام السلطان الجائر، معارضة بريئة من فعل يودي إلى فناء الوطن. ولقد كان المتوقع من الدكتور المبجل أن يولي في خطاباته الإنتخابية الإهتمام بتطوير الأنشطة الرياضية، أو كيفية توفير مدخرات المغتربين، أو توفير اسس جديدة للإستثمار التجاري، أو تنمية مدخلات الصناعة، أو الإكثار من الصادر وتقليل الوارد، أو إقامة أنظمة محاسبية للخدمة العامة وتفعيل وظيفة المراجع العام، أو محاربة الملاريا والأوبئة المستوطنة، إلخ المجالات التي تتطلب إعمالا للفكر من قبل كل المرشحين لرئاسة الجمهورية.وعلى الدكتور أن يهتم بمصادر دعم حملته الإنتخابية والذين يستعين بهم كمستشارين يعززون برنامجه الإقتصادي والإجتماعي والتربوي حين يجد جد الإنتخاب. وإنه أيضا مطالب بالإجابة على سؤال التحالفات السياسية التي سيشارك فيها، على أن يبرز لنا الكيفية التي بها يكون هناك ضمان لإنتخابات نزيهة، لا تمتد إليها أيادي التزوير، وإلا فإننا نخشى على الأستاذ السابق بجامعتي الخرطوم وميزوري أن يكون قد قام بدور المهرج السياسي الذي لعبه ببراعة السلطان كيجاب من قبل. وفي إطار المتوقع، فإننا لا ندرك حتى هذه اللحظة إن كان الدكتور عبدالله علي إبراهيم حافظ على مرجعيته الماركسية أم تخلى عنها، ولنفترض أنها لا زالت المرشد التي يستهدي بها فما هي فرص إقناع الداخل بضرورتها القصوي في حل المستعصي من قضايا الوجود التي يستورد لها البعض البضاعة الوهابية؟ ثم هل إستطاع أن يبشر بهذه الماركسية، بلسان نظري مبين لا لعثمة فيه، بأنها المخلصة لهذه المنهجيات التي يتعايش معها وتثني عليه، وذلك في زمان ينحسر فيه التسامح النسبي لصالح قوى دينية تكفيرية؟ نصدر بهذا والدكتور قد غادر بلادا، أكرمته وأكرمتنا. عرفت معني ومقتضيات الترشيح للرئاسة، وما يستتبع ذلك من إعداد منهجي لخوض غمارها، وحيث التجارب الماثلة من هذه التجربة الغربية تبرز إهمية التخطيط لحملات الإنتخابات عبر بيوت الخبرة السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، لا عبر إحتراف الكتابة في الصحف بوصفها كل ما لدى المثقف (البرنجي). فالجدية في إحترام الناخبين تستلزم أن يكون المرشح قادرا على أن يقدم مشروعا للكفاح السياسي لنيل الرئاسة، وأولى مراحل هذه الجدية تتعلق بالإستقامة في توظيف العلم، ونقد ممارسات أجهزة الدولة، وتبيين قصورها بما يستلزم إصلاحها، وفك الشفرات التي تقنن لها جلد النساء وإذلال كرامة المتظاهرين. أما وإن كان مرشحنا الهمام قد تخلى عن ماركسيته ضمنيا، لا تصريحا، فما هي المرجعية الفكرية التي يتبناها في تصوراته، وبها يريد أن يقود بلادنا إلى طريق الحكم الرشيد، وإذا كان قد تخلص من كل المرجعيات،وإستهتدى إلى نظرية جديدة مستقلة بنفسه، فما هي إذن فرصها لجعله قادرا بالتمام والكمال للفوز بالديربي وتعميم فائدة خطابه وعمله وإنقاذ البلاد من حروب الموارد..؟ وإذا كان مرشحنا الرئاسي لا يني من التجوال في مناطق السلم في القضارف، كسلا، فمتى نراه وهو المرشح البديل يزور أهله في دارفور، لجنوب، كجبار، النيل الأزرق،وجبال النوبة وهي المسارح التي شهدت خيبة سياسة الدولة المركزية، وحيث أن الدكتور عبدالله يعرف المأساة في دارفور والتي إستلزمت زيارات من زملائه الاكاديميين الأمريكان للأقليم، قاطعين البحار والمحيطات، فكيف يتسنى لمواطني هذه المناطق أن يثقوا، وهو مواطنهم، في شفقته عليهم بأكثر من شفقة زملاء أجانب حركتهم المشاعر الإنسانية للوقوف على حجم المآسي هناك. على أن المثقف الرئاسي لا بد أن يفطن ـ من جانب آخر ـ إلى أنه كان هناك رضا في الداخل عنه، رغم حادثة تعطيل فكرة إحتفاله يومذاك، وما كان لهذا الرضا أن يضرب مكانه لولا أن (الجوكية السياسية) رأوا أن الدكتور يغذ السير في إتجاه مختلف عن مواجهة أفك السلطان بصرامة ووضوح، كما يفعل المثقفون الذين يعايشون في الداخل موجات عسف الحكم ويناضلون بالكلمة الشجاعة والقوية التي ترتعد لها فرائص السلطة. وتلك الحركة يجب أن تعزز تشكيكنا ــ وربما تشكيكه أيضا ــ في (دور المثقف) الذي يلعبه اليوم، فالمثقف تاريخيا وحاضرا ظل مطاردا من قبل السلطات السياسية ولا تحفل به سلطة ما حتى تفتح له أبوابها على مصاريعها. وإلا فحسبه أن يتخفى في المناطق الرمادية أحيانا ليغازل أطرافا هنا وهناك حتى يضمن إستمرارية لحياة ثرة من الأضواء والنجومية، وبالتالي يتم الإنقلاب على مواقف ماضية لا يزال بعض الناس يتذكر جدوى تأثيرها الإيجابي على الأجيال. ملحوظة: تهدف هذه السلسلة إلى نقد مواقف، ومقولات، لرموز السياسة، والثقافة، والإبداع. وآمل أن تجد محتوياتها مجالا للمراجعة النقدية من قبل الراغبين، لما قد تثيره من رؤى للخلاف حول هذه الرموز، أو قصور، أو أخطاء في المعلومات. وأرى أنه ما دام أن المنطلق من هذه السجال تعميق الحوار مع رموزنا، فإن المتوقع أن مادة هذا السجال مطروحة للرأي الآخر. على أنني آمل أيضا أن أضم هذه السلسلة يوما في كتاب، وكذلك ضم الرؤى الناقدة لها. salah shuaib
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
إنقلاب ثاني للاستاذة بدرية سليمان لكن تحت قبة البرلمان .. بقلم: سارة عيسى الخميس, 24 ديسمبر 2009 13:40
لا يمكن وصف ما حدث داخل البرلمان السوداني بأقل من كلمة الإنقلاب ، أنه إنقلاب على المواثيق والإتفاقيات مع فرض الوصايا الجبرية على أهل الجنوب ، من دون مشاركة نواب الحركة الشعبية صوّت حزب المؤتمر الوطني منفرداً على قرارات إدارة الإستفتاء في الجنوب ، فهو هذه المرة مع المواطن الجنوبي قلباً وقالباً ومع حرية تنقله ، ولا أظنهم قد تناسوا الخوف من تنامي ظاهرة الحزام الأفريقي حول العاصمة الخرطوم الذي دنس هويتها العربية ، ولا أظن أن أهل الجنوب في الشمال قد نسوا أنهم يعيشون في أصقاع العاصمة النائية ولا تغيثهم سوى المنظمات الأجنبية ..فلماذا يرفع حزب المؤتمر الوطني الآن شعار حقوق حق تنقلهم وهو الذي جعلهم يهيمون في بقاع العالم ولم يكن يرسل لهم غير الدبابين ؟؟، قلت في مقال سابق أن إتفاقية نيفاشا قد نصبت حزب المؤتمر الوطني كممثل للشمال ، وبنفس المستوى نصبت الحركة الشعبية عن الجنوب ، وقد نبهنا إلى ذلك الدكتور منصور خالد ، فكل إتفاق يتم بين الشريكين قاعدته التوافق وليس الأغلبية الميكانيكية التي مصدرها برلمان تم تعيينه وليس إنتخابه ، فنحن أمام ديمقراطية على الطراز اللبناني حيث تملك بعض الأطراف حق الفيتو لنقض حتى القرارات الرئاسية ، طوال عشرين عاماً من حكمه لم يكن حزب المؤتمر الوطني يقدم للجنوبيين سوى الحرب والدمار ولا أعتقد أن الجنوب كان ممثلاً في حكومته ، ويمكن أن اسأل حزب المؤتمر الوطني كم عدد نواب الجنوب الذين شاركوا في كل برلماناته السابقة ؟؟ وما هي مواقف هؤلاء النواب - إن وجدوا - من شعيرة الجهاد التي أعلنتها الإنقاذ ضد أهلهم في الجنوب ؟؟ ما حدث في البرلمان في يوم الثلاثاء كان إنقلاباً بحق وحقيقة وقد كشف الدكتور الغازي صلاح الدين عن وجهه الحقيقي عندما ذبح بقرة إتفاق طه- مشار المقدسة ، الدكتور غازي صلاح الدين ليس فقط وصياً على أهل الجنوب بل هو يلعب دور الوصي على كل أهل السودان ، ولا ننسى أنه صاحب نظرية الثوابت الشهيرة التي أسس لها بمقولة : ان الشعب السوداني حسم خياراته نحو العروبة والإسلام والإنقاذ ، وقد ذهبت مقولة " حكيم الإسلاميين " أدراج الرياح ، فبعد التصويت هرع الأستاذ غازي لوسائل الإعلام وبدأ يغمز في مواقف الأستاذ/علي عثمان طه مما يعطي الإنطباع أن موقفه قد تشخصن إلى درجة بعيدة . فأكبر خطأ أرتكبه حزب المؤتمر أنه مرر قانون إستفتاء الجنوب في البرلمان ، وبعد خروج نواب الحركة الشعبية بدأ نواب حزب المؤتمر الوطني كأنما هبطت على روؤسهم الطير ، بدأ عليهم الذهول وتملكتهم الحيرة وأعتبر غازي صلاح الدين أن القانون أصبح نافذاً من يوم التصويت عليه ، ردة الفعل كانت سريعة من حراس نيفاشا ومن أولهم الولايات المتحدة التي سارعت لإدانة التصويت ، وكنت أتوقع مواقف مساندة من الإتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وفرنسا ، لكن حزب المؤتمر الوطني حاول تدارك الخطأ ، نواب " البصمة " سوف يصوتون من جديد على النسخة المعدلة من قانون إستفتاء جنوب السودان ، هذا يدل على عدم أهلية هؤلاء النواب في إتخاذ القرار الصحيح لأنه يتم توجيهم حسب الطلب ، نعم ، لقد فشل إنقلاب بدرية الثاني الذي قادته في البرلمان ، وأعضاء خليتها هم الأستاذ/أحمد إبراهيم الطاهر ، غازي العتباني ، محمد الحسن الأمين ، عبد الباسط سبدرات ، أما الخامس فهو الشخص الذي وقع على وثيقة القانون قبل التوصيت ، فقد عرضت الأستاذة/بدرية الوثيقة على كاميرة قناة الجزيرة ، لكن الصورة لم تكن واضحة ، فهناك من زعم أن التوقيع يخص الأستاذ/غازي سليمان ، لكن من دون وجود التاريخ لا نستطيع الجزم هل وقعها قبل عام أو عامين ، وهناك من يملك عيون زرقاء اليمامة أيضاً وقد زعم أن التوقيع يخص الاستاذ/ياسر عرمان ، وهنا علينا إستعارة خبير خطوط للمقارنة ، كما أننا رأينا ذيل الصفحة فقط ولم نرى المادة المكتوبة ، فربما يكون الأستاذ/ياسر عرمان قد كتب مذكرة للأستاذة بدرية وذيلها بتوقيعه وهو يعتذر عن وصفها بترزية القوانين ، كل ذلك جائز لكن ما تجهله الأستاذة/بدرية أن الفضائيات ليست مثل دور المحاكم ، فوثائق البرلمان يجب ان تبقى في البرلمان ، كما أن فالأدلة والوثائق التي تعرضها القنوات الفضائية ليست مقبولة لدى المحاكم وذلك لتقاطعها مع مصلحة الترويج والإثارة ،إن رفض شيوخ الإتجاه الإسلامي فكرة مشاركة الأستاذة/بدرية في إنقلاب الإنقاذ عام 89 وتوليها قيادة خلية عسكرية ، فالآن عليهم تقبل هذه الفكرة ، وللذين شككوا في أعضاء خليتها عليهم أن يراجعوا أنفسهم . سارة عيسي ]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
[B]في الاحتفال بذكرى ميلاده أمس ...
الصادق المهدي: أنا حزين ولست يائساً
السودانى
السبت, 26 ديسمبر 2009 06:52 تنشر (السوداني) بتصرف كلمة الإمام الصادق المهدي في ذكرى ميلاده التي ألقاها أمس في الاحتفال الذي أقامته أسرته ومكتبه الخاص بمنزله بحي الملازمين
أنا حزين ولست يائسا هذا العام. حزين لأن عصا موسى في الشأن السوداني تكمن في مائدة مستديرة تجمع شمل الوطن حول ما يجنبه الهاوية ولكن عوامل ذاتية تدفع بالبلاد في الاتجاه الآخر. اتجاه التنافر والاستقطاب. أليس مدهشا أن كل قفزات السودان في الظلام المصيري مرتبطة بالرقم "9": - 1969م المغامرة المايوية. - 1989م المغامرة "الإنقاذية". - 1999م انشطار الحاكمين. - 2009م علامة استفهام حبلى بالوعيد: * كل اتفاقيات السلام تحتضر. * الموقف السياسي الداخلي يندفع نحو استقطاب حاد. * كذلك الموقف الدولي حول العدالة الجنائية. * وأشباح المجاعة والمحل والعطش تلوح في الأفق. ولكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! الحقائق التي قد تدفع قوما لليأس والقنوط تدفع آخرين للتفاؤل على حد تعبير ابن زريق: أضيق الأمر إن قدرت أوسعه! الحقائق الموضوعية يقرؤها الناس بعقولهم ومشاعرهم قراءات مختلفة. لذلك قال حكيم الشعراء المتنبي: وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى وما الأمن إلا ما رآه الفتى آمنا ومفردات الحياة نفسها يقرؤها بعض الناس عابسة كالحة كما قال حكيم المعرة: كل من لا قيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن؟ أو تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد ولكن يجيب فيلسوف الشعر الحديث إيليا أبو ماضي أيهــا الشاكــــي الليالـي إنمــا الغبطــة فكــرة ربمـا استوطنت الكـوخ وما فـي الكوخ كسرة وخلت منهــا القصــور العاليــات المشمخــرة تلمس الغصن المعرى فإذا في الغصن نضـرة وإذا رفـت على القفـر استوى مــاء وخضـرة وإذا مســــت حـصـــــاة صقلتهــا فهـــي درة كثيرون يسألونني ما سر الشباب في الشيخوخة؟ أقول أمران: مادي ومعنوي: أما المادي: فأسلوب حياة كما أحصي مختصون: بلا تبغ، ولا كحول، ولا سمنة، وبنوم هادئ، وتمارين رياضية. أما المعنوي: فعلاقة رأسية (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أي الإيمان وعلاقة أفقية تقوم على المحبة: إن نفسا لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدر ما معناها! لقد تعود أحبابي إحياء ذكرى الميلاد على سنة الحبيبة العظمى أمي رحمة. وأقول: إذا كان الاحتفال لمجرد المباهاة فبئس الاحتفال، ولكن إذا أتاح فرصة حولية لوقفة مع الذات والمناجاة المثمرة مع الأحبة فأنعم بها وأكرم. إذن على حد تعبير المسيح عليه السلام بثمارها تعرفونها. هذا الصباح سوف أطوف معكم على سبعة محاور. هذا الرقم العبقري الذي ميزه تراثنا الديني والثقافي مثلما ميزته الطبيعة فطواف الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، والجمرات، ومثاني القرآن سبعات، وعدد البحار، والقارات، وأيام الأسبوع، وألوان الطيف، كذلك سبعات وما خفي أعظم. أهم أحداث العام من اهم أحداث العام أننا حاورنا ووقعنا مذكرات تفاهم مع خمس من حركات دارفور المسلحة. مذكرات أخذت علينا مع أننا نعتقد أنها ساهمت في كسبها لخيار الحل السلمي بما عزز التهدئة في دارفور. تهدئة في مجال الاقتتال بين الحركات وقوات الحكومة. ولكن غياب اتفاقية سلام أفسح المجال لنوع آخر من العنف والنهب والاختطاف. البوابة الجنوبية للتراضي الوطني: في الفترة (26-31 سبتمبر 2009م) عقد مؤتمر جوبا الذي دعت إليه الحركة الشعبية. كنا نرى أن ثمة أجندة وطنية تتمثل في: تطوير وتنفيذ اتفاقية السلام، كفالة الحريات العامة، حل أزمة دارفور، التصدي القومي للمسألة الاقتصادية والمعيشية، إجراء الانتخابات الحرة النزيهة، عقد ملتقى جامع للاتفاق على مفردات هذه الأجندة ولإقامة آلية مناسبة لتنفيذها. هذه البنود هي نفس بنود التراضي الوطني الذي أبرمناه مع المؤتمر الوطني في 20 مايو 2008م وأجهضه الصقور. كان مؤتمر جوبا البوابة الجنوبية للتراضي الوطني ولكنه قوبل بالعناد والانفراد فاتجهت البلاد نحو استقطاب حاد زادته الأيام حدة. الانتخابات العامة (أكتوبر 2009م) يحمد لاتفاقية السلام النص الصريح على التحول الديمقراطي وإجراء انتخابات عامة حرة. الانتخابات في كثير من البلدان العربية والأفريقية هي تمارين لمباركة استمرار الحكام وهي في هذه الحالات مباركات لاستمرار الحكومات. الانتخابات التي تستحق هذا الاسم لها مقاييس واستحقاقات ووظيفتها الاحتكام للشعب وتحقيق التداول السلمي على السلطة. المرحلة الأولى كانت التسجيل الذي كان من حيث الكم مقبولا، ولكن من حيث الكيف محملا بعيوب أحصينا منها عشرين. وشكت أحزاب أخرى من عيوب في التسجيل في الجنوب. لقد طالبنا بلجنة تحقيق في المخالفات. التعامل مع هذه المطالب علامة فارقة بين النزاهة والتزوير. *سنة عجفاء: كان موسم أمطار هذا العام ضعيفا. هذا مع عوامل أخرى جعل تقدير المحاصيل الغذائية أقل كثيرا من حاجة السكان الاستهلاكية. ولنفس السبب تمحلت المراعي وكان تدفق مياه النيل دون المتوسط. هذا العامل مع ضعف الشتاء سوف يؤثر سلبا على المحاصيل الشتوية. كما أن كثيرا من الحفاير لم تمتلئ بالقدر المطلوب والمياه السطحية في الآبار غارت. ودون تردد ينبغي الاعتراف بحجم هذه المشاكل والاستعداد قوميا لمواجهتها وإلا وجدنا أنفسنا في حائط المبكى مع مظفر النواب: مولاي، لا تلم الجوع الكافر في هذا الزمان الكافر أنا في صف الجوع الكافر ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار. نكسة أوباما: أنا وآخرون حملنا حملة شعواء على سياسات الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وبشرنا بالتغيير المطلوب وكان كتابي "أصم أم يسمع العم سام" جزءا من هذه الحملة. وأنا وآخرون رحبوا بانتخاب الرئيس أوباما باعتباره رئيس التغيير ومع أن القوى الاجتماعية التي انتخبته تتطلع حقيقة للتغيير والإصلاح فإن لجوءه لتعيين عدد كبير من رجال ونساء الحرس القديم وخضوعه للوبيات الكونغرس وضعا حدا لتجديده. ومثلما خاطبنا بوش قبل غزوه العراق بأنك سوف تهزم القوات العراقية عسكريا ولكن مهمتك سوف تفشل سياسيا، فإننا الآن نقول أن تعامل أوباما مع أفغانستان سوف لن يحقق مقاصده. بل سوف تكون له أفغانستان مثلما كانت فيتنام لجونسون. ومع كل ما بشر به آل قور من وعي بمخاطر البيئة كأحد زعماء الحزب الديمقراطي فقد كان الدور الأمريكي في مؤتمر كوبنهاجن سيئا. وفي مقال تحت النشر قدمت تحليلا وتعليقا على هذا المؤتمر حلو اللسان قليل الإحسان بعنوان "تظاهروا واستعلوا ولم يستمعوا ويتعاهدوا في كوبنهاجن". أهم أفكار العام القرآن لا يبرح يذكر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)i ولكن أصحاب الاعتقاد المعلب ينبذون التفكير. قال قائلهم: التفكير كالتكفير تطابقت الحروف وتطابق المعنى. والحقيقة أن كل خطى الإنسانية للأمام تعود لفكر جديد أو إلهام جديد عاملان جمع بينهما فيلسوف شعراء السودان التجاني يوسف بشير: فتخير وصف وصور رؤى الوحي وصغ واصنع الوجود المغاير ومن أهم أسباب تراجع أمتنا أننا أفسدنا الإلهام إذ خلطه كثيرون بالدجل والخرافة. وقيدنا العقل البرهاني مع أن الاحتفاء بالأمرين من مقاصد الشريعة الإسلامية، قال تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)ii. وقال إشادة بالعقل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)iii لذلك قال الإمام الشاطبي "كل ما حكم به الشرع حكم به العقل". الصفاء يلد الإلهام: عبقري يريك الرأي كأن قد رأى وقد سمع والنشاط العقلي يلد الأفكار الجديدة. هذا العام نضج فكري في عدد من القضايا أهمها: حول المهدية: هنالك مدارس كثيرة تراثية في المهدية أهمها اثنتان: شيعية اثنى عشرية وسنية آخر زمانية. عقيدة المهدية ضرورية بحجة نقلية وحجة عقلية. أما النقلية فأحاديث كثيرة رويناها عن النبي (ص) وآيات كثيرة تشير للمعنى كقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)iv وقوله (مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)v أما الأدلة العقلية فبيانها: * الحكام أوغلوا في الاستبداد والفساد والتمسوا لواقعهم هذا قدسية بأن هذه إرادة الله التي لا راد لها. بل رووا أحاديث: كل عام ترذلون بمعنى هذا الواقع أفضل حتما مما سوف يليه. العقيدة المهدية تبطل قدسية التسليم للأمر الواقع بقدسية الثورة عليه. أهم مدرسة سنية تتطلع للمهدية في آخر الزمان. أي أنه مهما كان الاستبداد والفساد فعلى الأمة أن تنتظر حتى آخر الزمان. ثم ما جدوى الاهتداء بعد أن تظهر علامات آخر الزمان ؟ والله تعالى يقول (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)vi أهم مدرسة شيعية هي الاثنى عشرية ومفادها: - أن الإمامة كالنبوة باختيار من الله وأن الإمام معصوم وطاعته واجبة على المسلمين. - أن الإمامة تناسلت من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى وصلت حفيد الإمام الحسين محمد الحسن العسكري الذي توفي عام 260هـ. - أن للإمام محمد الحسن العسكري ابن اسمه محمد اختفى لأسباب غير معلومة يومئذ أي قبل ما يزيد عن ألف عام وهو ذاته سوف يظهر مهديا. - والمعلوم أنه بشر على نحو قوله تعالى (قلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ)vii. قانون البشرية لا يسمح بهذا العمر ولكن استشهدوا بعمر نوح. أكد كتاب الله أن ما تحقق من معجزات قبل الرسالة المحمدية بطل بعدها بقوله (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ)viii . وعندما نسبت هذه الصفة للإمام موسى الكاظم نفاها الإمام علي بن موسى الرضا "سبحان الله يموت رسول الله ولا يموت موسى" وقال "لو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمد الله في أجل رسول الله"ix وقال مشيرا لما ادعاه بعضهم من غيبة الإمام موسى "إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حي يعرف"x أما المهدية المحمد أحمدية فتقوم على حجة لا ترد: * المسلمون هجروا الكتاب والسنة واتبعوا اجتهادات بشرية فنشأت الحاجة لتحريرهم منها. * بلاد المسلمين صارت خاضعة لسيطرة أجنبية امبريالية. * أقدم شخص معروف بالصلاح والصدق وقال إنه كان يسعى للإصلاح ما استطاع حتى هجم عليه خطاب غيبي مهدوي لإبطال سلطان الاجتهادات الوضعية عودا للكتاب والسنة، وتحرير ديار المسلمين من السلطان الأجنبي وتوحيدها بلا انتظار لآخر الزمان ولا لغائب الزمان. لمن أراد أن يؤمن بغير ذلك فلا إكراه في الدين ولكن علينا أن نحرر عقيدة المهدية من جهل بعض أتباعها ومن إنكار خصومها والدعوة إليها بما في دفاترها. ومهما أصابها في الواقع فإنها وضعت نهجا لا يبلى مع الزمن ورسالة لا تتقادم مع الأيام: فإن لكل وقت وزمان حال ولكل زمان وأوان رجال. المصير السوداني: لقد نشأنا نقول بالسودان الواحد الحر المستقل. ولكن الظروف التي نعيشها الآن نحرت جزءا كبيرا من السيادة الوطنية وجعلت انفصال الجنوب أكثر احتمالا. عالم اليوم عالم عمالقة: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوربي، الصين، الهند، ... الخ هذا مناخ لا يسمح للأقزام بالقدر المطلوب من السيادة. ويزيد الطين بلة أن عوامل كثيرة جعلت المحافظة على وحدة السودان بحجمه الحالي غير واردة. فما العمل؟ الفكرة التي خطرت على هي التطلع لكيان كنفدرالي يضم دولتي السودان، ودول الجوار العربي مصر وليبيا، ودول الجوار الأفريقي سيما أثيوبيا، وأريتريا، ويوغندا، وتشاد في كنفدرالية ديمقراطية عربية أفريقية. وحدة السودان في كنفدرالية ثنائية غير واردة. وتنافس السودان الندي في عالم العمالقة غير ممكن وعوامل كثيرة تدفع في اتجاه الكنفدرالية الجديدة التي يمكن أن تبدأ بنواة ثلاثية أو رباعية ثم تتمدد. رؤية في حوار الحضارات: كنت مشغولا بهذا الملف ومفرداته في نظري: حوار الأديان، حوار الثقافات، حوار المصالح الاقتصادية بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، ولكنني بعد تفكر عميق في هذه الموضوعات رأيت أن النهج الصحيح هو أن نعترف جميعا بمواثيق حقوق الإنسان الدولية، وبأسس العدالة لشراكة تنموية عالمية،وبالأسس الصحيحة لسلامة واستدامة البيئة الطبيعية، وأن تقوم الحضارات والأديان ببيان تماهيها مع تلك المواثيق أو بأقلمة معطياتها معها تحقيقا لمواكبتها لتلك الكليات الإنسانية. وهذا يغني عن أية حوارات ثنائية ويحقق استنارة إنسانية. * رحلاتي الخارجية: العالم اليوم مترابط بصورة غير مسبوقة حتى وصفه بعض الناس بالقرية الواحدة. ثورة الاتصالات، وسرعة المواصلات، وانفتاح الأسواق على بعضها، وأسواق السندات والأوراق المالية، تضافرت لتصنع ظاهرة العولمة. ولأسباب مختلفة بدأت بالاغتراب في الستينات، ثم اللجوء لأسباب سياسية واقتصادية في التسعينات تكاثر عدد السودانيين بالخارج واستقروا في أركان العالم الأربعة كمستوطنين حتى صار عدد السودانيين بالمهجر يبلغ 20% من سكان البلاد. كذلك يوجد عدد كبير من السودانيين العاملين في المؤسسات الدولية. وتعرض السودان لظاهرة التدويل بحيث صار يستقبل ثلاثين ألف جنديا تحت مسمى أونميس وأونميد ويستقبل عشرات المنظمات الإغاثية الدولية وتقع البلاد تحت أكثر من عشرين قرار مجلس أمن. وكل مبادرات سلام السودان القديمة والقادمة مدولة. ومع هذا السودان المهاجر وهذا التدويل المستحكم فإن السودانيين العاملين بالسياسة يسجلون غيابا تاما من أية أنشطة دولية، ولا يخرجون من السودان إلا لعلاج أو في وفود رسمية. ما زال نهجهم هو نهج ساسة الستينيات والسبعينيات والثمانينات في عالم التسعينيات والقرن الجديد الذي اختلف اختلافا نوعيا، ويبدون دهشتهم عندما يواكب بعضنا المناخ الجديد، ويستلقون على قفاهم يرمونهم بالقدامى ويطلقون على أنفسهم أوصاف التجديد! تمشياً مع هذه المستجدات صارت لي علاقات عضوية بحوالي عشرين منشط إقليمي ودولي ولذلك صار لي في كل عام رحلات متعلقة بتلك المناشط. عدد رحلاتي هذا العام أقل من العام السابق إذ بلغت حتى الآن تسعة إلى قطر، برلين، واسطنبول، ومدريد،واربيل، وداكار، مدريد مرة أخرى، وعمان، والقاهرة. تناولت موضوعات الديمقراطية في العالم العربي، المجلس العربي للمياه، التحول الديمقراطي في العراق، أفريقيا والأزمة العالمية المالية، العلاقات العربية الأوربية، المرأة وتحديات العصر، وحضور مؤتمرات لأحزاب سياسية. لم يعد من الممكن مواكبة السياسة ما لم يقدم الساسة على محو أميتهم الإقليمية والدولية. ولكن لأن هذه الأمية السياسية ما زالت غالبة على كثير من الساسة فإن فهم كثير منهم لأثر النفوذ الدولي في السودان ومتابعة الشأن السوداني في المجالات الدولية يظهر لدى كثير من ساستنا أمية غافلة. لذلك صار التعامل مع كثير من القضايا يظهر سذاجة مضحكة ويدفع السودان الثمن غالياً. مفاهيم حقوق الإنسان طفرت طفرة نوعية خاصة في مجال المساءلة وعدم الإفلات من الجرائم فتمكنت المحكمة الجنائية الدولية. ومكنت بلدان كثيرة محاكمها الوطنية من محاكمة متهمين بجرائم حرب أو ضد الإنسانية. وتطور اهتمام الأمم المتحدة بحالة حقوق الإنسان في البلدان المختلفة عبر مجلس حقوق الإنسان التابع لها. وإسرائيل الدمية المدللة صارت في خط النار عن طريق تقرير جولدستون وفتح بلاغات في محاكم وطنية. وجرت ملاحقة عدد من الرؤساء وهم ميلوسوفيتش، وشارلس تيلور، ورئيس كمبوديا السابق وأقدمت المحكمة العليا الباكستانية على إلغاء العفو الرئاسي عن الرئيس الحالي. وهنالك تدابير لملاحقة بوش وبلير على جرائم الحرب. هذا التطور يتعامل معه ساسة القطرية المنكفئة في السودان على أنه مجرد آليات للتدخل الاستعماري لذلك يتعاملون مع حقائقه بالإدانة والانفعال ولكن الظن لا يغني عن الحق شيئاً. * فساد العلاقات الرجالية النسوية. لو أن أحداً أراد أن يصف علاقة محبة مثالية بين الرجل والمرأة لما استطاع أن ينافس قوله تعالي:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)xi وآية أخرى تفوق على قول القائل: أنا من أهوى ومن أهوي أنا نحن روحان حللنا بدنا هي قوله تعالي:(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)xii لو أن أحداً بحث عن علاقة محبة مثلى لما وجد مثلاً أكثر دلالة من علاقة النبي محمد(ص) بالسيدة خديجة ثم بالسيدة عائشة رضي الله عنهما. الآيات القرآنية والسنة النبوية تصف علاقات تقوم على الندية والمؤازرة لا الاستعلاء والدونية. ثقافتنا الدارجة تكاد تتهم الحب في العلاقة بين الرجل والمرأة لتقوم على الأحكام والطاعة بصورة جعلتها مجدبة حتى لا يكاد الرجل يعبر عن مشاعره نحو زوجه إن كان شاعراً، ويحمل مشاعره نحو أخريات. قال إيليا أبو ماضي يصف هذا التجريم للمحبة: قــال قـــوم إن المحبة أثــم ويح بعض النفوس ما أغباها أنا بالحب قد عرفت نفسي أنـا بالحــب قـــد عـــرفت الله لذلك صار التعبير عن المحبة حتى للزوج نادرا جداً على نحو ما وجدنا في شعر ود الرضي شاعر الحقيبة المشهور قال: ست البيـت بريــدها بــراهـا ترتاح روحي كل ما أطراها قـالــت جارتهـا مجـاوراهــا مــا قوالــة بـس حـاشـاهــا مــا قـالــــت بقيـت حبــوبة وخلــت بـوختـه المحبـوبـة مهــما أبقــي مـــر بالعانــي حافظة مــن الأنوثة معانــي هذا موضوع طويل سوف أتناوله في مجال آخر. هذا موضوع كتابي بعنوان "أيها الجيل" ينسب الخلل في علاقاتنا الاجتماعية وتربيتنا الجنسية لصورة دونية للمرأة هي في حقيقتها مرحلة من الجاهلية: توقــوا النساء فإن النساء نقصن حظوظاً وعقلا ودينا التوازن الاجتماعي يتطلب نظرة ندية للمرأة على القاعدة القرآنية (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)xiii والتوازن الأسرى يتطلب معاملة على أساس (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا). بل العلاقة الجنسية نفسها ذات أبعاد روحية وعاطفية وإلا غاصت في الطين: الحب ما لم تكتفه شمائــل غـــراء كان معـــرة وآثاما والحب من سر الحياة فسمه وحيا إذا ما شئت أو إلهاما ولكن أكتفي هنا ببعض المسائل الخفيفة: أولاً: استقباح عبارات راجلي ومرتي. والصحيح زوجي وهي عبارة تنطبق على الرجل والمرأة. ثانياً: الإمساك عن الأسماء التي تصف الرجل بالعدوانية مثل أسد ـ فهد صقر...الخ؛ والإمساك عن الأسماء التي تصف المرأة بالشهوانية مثل فاتن وميادة أو أسماء المأكولات مثل موزة وغيرها. ثالثاً: تبرئة الحب لأنه صمغ العلاقات بين الناس وخير بناء للعلاقات ما دامت لا تقوم على معصية. في الثقافة الأوربية أعياد للأم وللحب وغيرها وهي أنماط ثقافية ربما أعجبنا بها، ولكن لا يجوز أن تثير فينا حملات عدائية شعواء فعيد الحب المتعلق بالقديس فالنتاين يعود لقصة جميلة فحواها أن الحاكم الروماني منع الزواج لكي يتفرغ الشباب للحرب. وهذا القديس عصى أمره وصار يزوج الشباب سراً. واكتشف أمره وأعدم. إن في ذكرى هذا العمل معان إنسانية طيبة يمكننا أن نعجب بها ولكن عندما نعرف المناسبة وما فيها من خير لا يجوز أن نواجهها كما يفعل بعض الناس بهجوم كاسح بل نصحح ما علق بالمناسبة من مساوئ لأنه في حقيقته احتفاء برابطة الزواج. هذا موضوع سوف أتناوله في مؤلفي القادم عن تطهير العلاقة بين الرجال والنساء من معاني الاستعداء والدونية ومحو أمية التربية الجنسية التي تعاني منها ثقافتنا وتقاليدنا. في مطالعتي لمؤلفات نساء عربيات ومسلمات وفي أشعارهن ألمس ثورة عارمة تبرماً بحالهن وهي ثورة إن لم تجد علاجا حاسما يزيل أسبابها ستكون لها عواقب خطيرة. إليك هذه الأبيات المرة: كنـت فـــي الرحـــم حزينا دون أن اعرف للحزن سبب لـــم أكن أعرف جنسية أمي لـــم أكن أعرف ما دين أبي لــــم أكن أعرف أني عربي آه.. لــــو كنت على علم بأمري. كنت قطعت بنفسي "حبل سري" خــــــوف أن تمخــض بـــــي. خوف أن تحبل من بعدي بغيري. ثــم يغدو شقيـــقي دون ذنب عربيـــا فــــي بـــلاد العرب (ابتســـام حمـــود آل سـعـد)
أخيراً كانت الحبيبة سارا من أهم مهندسي هذا المشهد وقد انضم إليها هذا العام عدد من الأحبة رحمهم الله جميعاً. أما الراحلة فما برحت بصماتها معنا في أشياء كثيرة: إن غيبت عني فلي بصر يرى محاسنها في كل إنسان وكم أنا سعيد بأن ظروف الشدة التي ما زلنا نعيشها قد جمرت وغربلت علاقاتي بمن حولي فأبعدت من أبعدت: إذا المرء لا يلقاك إلا تكلفاً فدعه ولا تكثر عليه التأسفا بينما قربت من قربت: إن أخاك الصدق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا أبصرا أمرا أفظعك شتت شمله ليجمعك فجزيل الشكر لمن أحيا هذه الذكري مخططا أو منفذا أو ملبيا رعاكم الله بالخير وصرف عنكم الضير وأبقي بيننا عنقود محبة قال نبي الرحمة: (الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ)xiv
قلت أخي، قالوا أخ من قرابة؟ فقـــلت لهم إن الشـكول أقارب نسيبي في رأيي وعزمي وهمّتي وإن فرّقتنا في الأصول المناسب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: احسن ما كتب عن واقع السودان الحالى.... وحال اهل الانقاذ فى الحكم ...اقرا (Re: الكيك)
|
تداعيات انفصال جنوب السودان بالنسبة للشمال .. . بقلم: د. الطيب زين العابدين الأحد, 27 ديسمبر 2009 13:28
تشير معظم الدلائل على أن أهل جنوب السودان عندما يحين موعد الاستفتاء على تقرير المصير في يناير 2011م سيصوتون بأغلبية كبيرة لمصلحة الانفصال، قال بهذا كبار القياديين في الحركة الشعبية بما فيهم الفريق سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب وعدد من زعماء الأحزاب الجنوبية الأخرى وعدد من المسئولين الدوليين المتابعين للشأن الجنوبي كما قال به زعماء الأحزاب الشمالية الذين زاروا الجنوب في نهاية شهر سبتمبر الماضي 2009م بمناسبة انعقاد مؤتمر جوبا للقوى السياسية المعارضة. وفي ظل هذه المؤشرات الواضحة يصبح من الحكمة أن يناقش المراقبون للشأن السوداني تحديات هذا الوضع الجديد خاصة بالنسبة لأهل الشمال. السؤال الهام هو: هل سيتم الانفصال بصورة قانونية وسلمية وسلسة تسمح بالتعايش وحسن الجوار فيما بعد أم سيكون الأمر عكس ذلك. إن التصعيد الذي حدث في الآونة الأخيرة بسبب الاختلاف على إجازة قوانين الاستفتاء وجهاز الأمن الوطني والمشورة الشعبية والنقابات بالإضافة إلى ترسيم الحدود وأدى إلى انسحاب الحركة الشعبية من جلسات البرلمان ومن مجلس الوزراء، وما أعقب ذلك من مسيرات جماهيرية تصدت الشرطة لتفريقها، ينذر بأن الانفصال قد يكون متوتراً وغير سلمي مما يزيد من التحديات والمخاطر التي يواجهها السودان في مرحلة ما بعد الانفصال. وحتى بعد أن توصل الشريكان المتشاكسان في الأيام الماضية إلى اتفاق حول مشروعات قوانين استفتاء الجنوب واستفتاء منطقة أبيى والمشورة الشعبية، ما زالت احتمالات الخلاف واردة حول العديد من القضايا التفصيلية والمؤجلة، وبدأت تتضح لكثير من المراقبين داخل السودان وخارجه خطورة سيناريوهات ما بعد الانفصال المتوتر، وتقدمت بعض الجهات بمقترحات ومبادرات مختلفة من أجل معالجة المخاطر المتوقعة منها: تمديد الفترة الانتقالية لبضعة سنوات قبل الانتخابات، إقامة انتخابات جزئية للمناصب الدستورية الرئيسة (رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وولاة الولايات) وتأجيل انتخابات المجالس التشريعية لسنة أو اثنتين، إلغاء الاستفتاء والاستعاضة عنه بنظام كونفدرالي يعطي الجنوب حق تأسيس دولة كاملة الصلاحيات وتربطها بالشمال علاقة رأسية لا تمس كافة شؤونها الداخلية، في حالة التصويت للانفصال تمدد الفترة بين نتيجة الاستفتاء وبين تأسيس الدولتين المنفصلتين لسنة أو أكثر. وهكذا يتضح مدى الإحساس بحقيقة مشكلات ما بعض الانفصال والتي تتطلب حلولاً واضحة يتراضى عليها الطرفان واستعدادات مسبقة تتم قبل وقوع الانفصال. فما هي المخاطر والتحديات التي يمكن أن تواجه شمال السودان في حالة الانفصال؟
التحديات الأمنية
هناك ستة تحديات أمنية متوقعة يخشى منها على استقرار السودان في الشمال والجنوب إذا ما وقع الانفصال بين الإقليمين:
1- حرب بين الشمال والجنوب بسبب الاختلاف على ترسيم الحدود في منطقة أبيى أو غيرها من حدود 1956م التي لم تحسم بعد، أو تنفيذ قانون الاستفتاء حول تبعية أبيى أو القبول بنتيجته، أو عدم الاتفاق على حل قضايا ما بعد الانفصال التي نصّ عليها قانون الاستفتاء: الجنسية، العملة، الخدمة العامة، الوحدات المدمجة والأمن الوطني والمخابرات، الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، الأصول والديون، حقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره، العقود والبيئة في حقول النفط، المياه، الملكية، أية مسائل أخرى يتفق عليها الطرفان. المشكلة في منطقة أبيى أن قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي ليس مرضياً عنه من كلا المجموعتين الأساسيتين في المنطقة: دينكا نقوك والمسيرية، فالمجموعة الأولى تظن أن حقول البترول في هجليج قد أخذت منها بغير حق، والثانية تعتبر أن الحدود الشمالية التي ضمت إلى أبيي قد توغلت كثيراً في مناطقهم وحرمتهم من الأراضي ذات المياه الوفيرة التي يعتمدون عليها في سقي بهائمهم وقطعانهم زمن الخريف. وفي ذات الوقت فإن إضافة المنطقة الشمالية لا يخلو من مشكلة بالنسبة للدينكا لأنه يعطي المسيرية الذين يعيشون في تلك المواقع حسب تفسير الحكومة حق التصويت في الاستفتاء حول تبعية المنطقة لبحر الغزال أو إلى جنوب كردفان، فهم يخشون من تصويت المسيرية لصالح الانضمام إلى كردفان. ولكن الحركة الشعبية لا تقر بهذا الحق للمسيرية على أساس أنهم رحل ولا يقيمون في المنطقة بصورة دائمة فلا ينطبق عليهم ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل «السودانيون الآخرون المقيمون في منطقة أبيى»، ورغم الاتفاق على قانون استفتاء أبيى إلا أن تحديد من سيصوت في الاستفتاء بجانب «أعضاء مجتمع دينكا نقوك» ما زال عالقاً وأحيل البت فيه إلى مفوضية الاستفتاء التي ستحدد معايير الإقامة التي تؤهل صاحبها لحق التصويت في الاستفتاء. وقد يبدأ تمرد مسلح جديد في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق بسبب عدم الرضى عن تنفيذ الاتفاقية التي تخصهما وستقوده عناصر الحركة الشعبية التي جاءت إلى السلطة في الولايتين بقوة السلاح، وربما تدعم الحركة مثل هذا التمرد خاصة إذا كان الانفصال متوتراً ومضطرباً بين طرفي الاتفاقية.
2- أن تسري عدوى الانفصال من الجنوب إلى حركات التمرد في دارفور إذا لم تحل المشكلة قبل الاستفتاء، وإذا لم تشارك الحركات المسلحة وأهل دارفور بصورة كاملة في انتخابات أبريل 2010م.
3- وربما يندلع عنف قبلي في الجنوب أكثر مما هو واقع حالياً، وستتهم الحركة الشعبية كما فعلت في الماضي المؤتمر الوطني بدعم ذلك العنف ومن ثم تجد العذر لدعم أي تمرد يقع في الشمال خاصة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
4- ومن المرجح أن يزداد الانفلات الأمني والنهب المسلح في مناطق التوتر (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق) بسبب الاضطراب السياسي وانتشار السلاح والفقر وازدياد العطالة خاصة في أوساط الشباب والخريجين.
5- وفي حالة الاضطراب السياسي والانفلات الأمني سيكون السودان أكثر عرضة للتدخلات الخارجية من دول الجوار (تشاد، ارتريا، ليبيا) وربما من قبل القوات الدولية في السودان التي ستكلف بحماية المدنيين ولو ضد القوات المسلحة السودانية.
التحديات السياسية
من المؤكد أن انفصال الجنوب سيؤدي إلى تداعيات سياسية في الشمال، خاصة إذا ما كان انفصالاً متوتراً صحبته عمليات عسكرية أو انفلات أمني، وأهم تلك التداعيات المحتملة هي:
1- زيادة وتيرة الاضطرابات السياسية في أقاليم السودان الشمالية مطالبة بالمزيد من الحكم اللامركزي ومن اقتسام الثروة مع المركز واحتجاجاً على معالجة الحكومة لبعض القضايا مثل تنفيذ اتفاقية الشرق أو توطين المتأثرين بسد مروي أو إنشاء خزان كجبار أو غيرها، وربما تشتط بعض الجماعات لتطالب بتقرير المصير أو الانفصال كلية عن السودان مثل ما فعل الجنوب. ولعل مناطق التوتر الأولى في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وربما شرق السودان تأتي في مقدمة من قد يرفع مثل تلك المطالب من خلال آلية المشورة الشعبية التي قد تستغل سياسياً ضد الحكومة المركزية، كما أن ضعف الموقف الاقتصادي للبلاد المتوقع بعد خروج عائدات بترول الجنوب من موازنة الدولة وتأثر تلك المناطق بالوضع الاقتصادي الجديد سيشجع على مثل تلك الاضطرابات.
2- سيزداد الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة، وستحمِل المعارضة الشمالية حزب المؤتمر الوطني الحاكم مسئولية انفصال الجنوب واشتعال الاضطرابات في مناطق أخرى، ومن ثم فانه غير جدير بالاستمرار في الحكم حتى ولو فاز في الانتخابات القادمة لأن استمراره يعني المزيد من التفكيك والانشقاقات. وربما تستغل المعارضة الاضطرابات السياسية لمحاولة تغيير السلطة في الخرطوم خاصة إذا ما بقيت خارج الحكم عن طريق انتفاضة شعبية ظلت ترددها لسنوات عديدة.
3- مقاطعة أحزاب مؤتمر جوبا - كلها أو معظمها- للانتخابات أو عدم الاعتراف بنتيجتها بدعوى التزوير وعدم النزاهة، وبالطبع فإن تأثير مثل ذلك الموقف يستمر حتى موعد الاستفتاء وإلى ما بعد الانفصال وسيضعف الحكومة في مجابهة تداعيات الانفصال التي قد تحدث من جانب الحركة الشعبية.
4- ازدياد الضغوط الدولية على السودان في مجالات التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ورعاية حقوق الإنسان وتحقيق بنود اتفاقيات السلام وغيرها، وذلك بقصد الضغط على الحكومة حتى تستجيب لمطالب أهل الجنوب ودارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أو يتغير النظام.
التحديات الاقتصادية
لعل أهم هذه التحديات هي:
1- خروج نصيب حكومة السودان من عائدات بترول الجنوب والتي تساوي حالياً حوالي 80% من كل عائدات البترول (تبلغ عائدات البترول بصورة عامة حوالي 60% من موازنة الدولة الاتحادية، وأن الانفصال يعني خروج أكثر من نصف هذه النسبة من الموازنة العامة بعد 2011م)، وهذا نقص كبير سيتسبب في كثير من المشاكل الاقتصادية لشمال السودان. وربما تعوض الحكومة هذا النقص إلى حدٍ ما من أجرة ترحيل بترول الجنوب وتصفيته عبر أنبوب ومصافي الشمال إذا جاء الانفصال بصورة تسمح بذلك، ولكن لن يستمر ذلك طويلاً لأن الحركة الشعبية بصدد تشييد خط للسكة حديد من الجنوب إلى ميناء ممبسة الكيني وتنوي بناء مصفاة لتكرير البترول خاصة بها في الجنوب حتى لا تعتمد على الشمال غير المؤتمن في نظرها، ولكن إنشاء مثل تلك المشروعات يستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات حتى لو أتيح له التمويل اللازم.
2- إذا وقعت عقب الانفصال نزاعات عسكرية أو انفلاتات أمنية واضطرابات سياسية، فإن الوضع الاقتصادي سيكون في حالة متردية ولن يحتمل مقابلة تكلفة تلك النزاعات والاضطرابات مما يزيد الأمر تعقيداً وسوءاً. وفي تلك الحالة سيتوقف ضخ الأموال من أجل الاستثمار في البلاد.
3- لن تستطيع الحكومة مقابلة تعهداتها الداخلية في اتفاقيات السلام تجاه تعمير وتأهيل وتنمية مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، وسيجر عليها ذلك بعض المشكلات والاحتقانات السياسية أو النزاعات المكشوفة. وقد لا تتمكن الدولة من الوفاء بمستحقاتها تجاه الديون الخارجية مما يشكل عليها بعض الضغوط وربما يحرمها من أية قروض جديدة.
4- وإزاء مثل هذه الأوضاع المتقلبة قد تضطر الدولة لزيادة الضرائب والرسوم الجمركية دون أن تزيد الأجور بنفس النسبة، وهذا يعني زيادة العبء المعيشي على الطبقات المتوسطة والضعيفة التي ظلت تعاني لسنوات من الضائقة المعيشية ولم تتحسن أحوالها حتى بعد تدفق عائدات البترول. وسيصب ذلك في اتجاه زيادة الاضطرابات السياسية.
كيفية المعالجة
ليس هناك من مخرج آمن للحكومة سوى أن تسعى إلى تمتين علاقاتها مع المعارضة الشمالية حتى تقف معها في صف واحد إذا ما وقعت مواجهة سياسية أو عسكرية مع حكومة الجنوب، وأن تصل مع الحركة الشعبية إلى كلمة سواء في المسائل العالقة بينهما خاصة فيما يتعلق برسم الحدود وإجراء الاستفتاء ومشكلات ما بعد الانفصال حتى يأتي الانفصال سلمياً وسلساً لا يمنع من حسن الجوار والتعايش السلمي والتعاون المشترك في القضايا التي تهم الطرفين. وأن ترمم علاقاتها مع دول الجوار والمجتمع الدولي حتى لا يتحرش بالسودان ويقف مع كل طرفٍ معادٍ له من داخل البلاد أو خارجها. وتستطيع الحكومة أن تفعل ذلك بتبني بعض الإجراءات والسياسات المناسبة التي توفق أوضاعها مع الجهات المعنية مثل:
1- الاستجابة للعديد من مطالب أحزاب مؤتمر جوبا خاصة الأحزاب الشمالية الكبيرة التي تتعلق بإدارة الانتخابات حتى تكون حرة ونزيهة وعادلة وتغري هذه الأحزاب بالمشاركة فيها وقبول نتيجتها. ولا بأس على الحكومة أن تعلن دعماً للأحزاب في تمويل الحملة الانتخابية كما يسمح بذلك قانون الانتخابات، التراضي على قبول التعداد السكاني أساساً للانتخابات مع الموافقة على إجراء تعديلات طفيفة إذا أثبت التسجيل الانتخابي مفارقة كبيرة مع نتيجة التعداد. بذل كل جهد ممكن للوصول إلى اتفاقية سلام مع فصائل دارفور المسلحة تتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار وتسمح لتلك الفصائل بالمشاركة في الانتخابات ولو تتطلب الأمر تعديل قانون الأحزاب. تنفيذ الاتفاقية التي عقدت مع حركة تحرير السودان (فصيل مني أركو مناوي) وتسجيلها كحزب يستطيع أن يخوض الانتخابات. التشاور مع الأحزاب في وضع قوانين استفتاء الجنوب واستفتاء أبيى والمشورة الشعبية بالمشاركة مع قيادات الولايتين المعنيتين بالمشورة الشعبية. تهدئة الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق وتنفيذ ما يمكن من تعهدات التنمية والإعمار التي وردت في اتفاقية السلام، والتحالف مع كل العناصر الوحدوية من كل الأحزاب في الولايتين لخوض الانتخابات بقوائم مشتركة حتى تأتي المشورة الشعبية في صالح الوحدة والسلام.
2- تأهيل القوات المسلحة من حيث التدريب والمعدات وتوزيع القوات ووضع الخطط اللازمة حتى تكون في وضع جيد للتعامل مع أية نزاعات أو انفلاتات أمنية تنشأ كنتيجة للانفصال. وينبغي وضع خطة إستراتيجية للتنسيق والتعاون بين كل أذرع القوات النظامية للتعامل مع وضع استثنائي ينشأ في أنحاء البلاد.
3- معالجة المشكلات العالقة مع الحركة خاصة ما تبقى من قوانين حتى تقبل على المشاركة في الانتخابات برضى تام وحبذا التحالف معها في خوض الانتخابات خاصة في مستوى رئاسة الجمهورية. واستعجال ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ولمنطقة أبيى وفق قرار هيئة التحكيم الدولية. الإصرار على عقد الانتخابات كاملة في كل أجزاء البلاد قبل إجراء الاستفتاء ولو تعذر ذلك تؤجل الانتخابات إلى وقت يتفق عليه. مساعدة الحركة في تهدئة العنف القبلي في الجنوب دون اللجوء إلى استعمال القوة، قبول مشاركة الحركة في السلطة الاتحادية التنفيذية ولو بأكثر من نسبة تعداد أهل الجنوب حسب الإحصاء السكاني ولكن دون التنازل عن قيام الانتخابات وفقاً لنتيجة التعداد خاصة في الجنوب، كشف اتفاقيات البترول وإنتاجه والعائد منه ونصيب الجنوب من الإنتاج والعائد للشعب السوداني عبر وسائل الإعلام. مناقشة مشكلات ما بعد الانفصال التي جاءت في قانون الاستفتاء في وقت مبكر بواسطة لجنة قومية متفرغة ليست مشغولة بقضايا الانتخابات أو الاستفتاء حتى تطمئن الحركة على أن الحكومة ستقبل بنتيجة الاستفتاء لو جاءت بالانفصال، إكمال تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاقية السلام الشامل.
4- وبالنسبة للعلاقات الإقليمية والدولية: إصلاح العلاقة مع دول الجوار خاصة تشاد وارتريا ويوغندا، تبني تقرير لجنة ثامبو أمبيكي عن دارفور تقديراً لموقف الاتحاد الإفريقي الداعم للسودان ومساهمة في حل مشكلة دارفور، محاولة لعب دور أكبر في بناء وتطوير الاتحاد الإفريقي. تقوية العلاقة مع كل من الصين وروسيا وتطوير العلاقة مع بريطانيا وفرنسا وتطبيع العلاقة مع الولايات المتحدة، تجنب الدخول في أي محاور عربية (الاعتدال أو الممانعة)، وتقوية العلاقات الثنائية مع مصر والسعودية والجزائر وتركيا والإمارات وسوريا. تقوية العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار الإفريقي ومد جسور التعاون الثقافي معها خاصة في الثقافة العربية والإسلامية الصحافة
| |
|
|
|
|
|
|
|