|
Re: الكلاكلة (تاريخ الهجرة) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
النساء العواجيز يُخلصن في عملهن في المناحات التي تقيمها القرية عند موت أحدهم. يذكرن شجرة العائلة والمآثر والخصال التي كان يتمتع بها، ويفعلن ذلك بلحنٍ موّحد. لكن في حالة هذا العجوز، كانت كل النساء حاضراتٍ في المأتم، وبكينه بحرقة بالغة. ورغم أنّ النائحات لم يجد له شجرة عائلة ليذكرنها في نياحتهن إلا أنهن نُحْنَه بأكثر مما نُحْنَ شخصاً آخر؛ ظللن يكررن: "أيها العجوز المسكين المرتحل، لقد أفنيتَ شبابك في حفر الآبار بحثاً عن ماء للشرب لهؤلاء العطشى" واستغفرت كل واحدة منهن سبعين مرّة بعد انتهاء المناحة علّ الله أن يغفر لهن كذبهن ذلك.
كان له قنّ يربي فيه ثلاث دجاجات، وديك أعرج لا يُلقّح ولا يُؤذن، وكلب أسود بذيل مقطوع، يُذاع عنه أشياء مريبة ويُشكّ في أمره. عندما عضّ ابنة العمدة ليلة عيد أضحى، لم يجرؤ – حتى حكيم القرية – على إمساكه وحقنه بالسم. قيل أنّه لم يحن يومه بعد، وتركوه. العمدة نفسه كان يقرأ المعوذتين وينفث عن شماله ثلاثاً كلما رآه، ويردّد بصوتٍ عالٍ ليسمعه الكلب "أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق!" وظنّ أن ذلك ما كان يبقيه في حرز منه، وسرّ نجاته من هجماته العدوانية. اكتسب شهرة واسعة لاسيما بعد عضّه لابنة العمدة. فكان حديث المجالس وفاكهة الليالي الخمرية التي اعتاد عليها الشباب في القرية. جاء الناس راجلين وراكبين من كل الأصقاع البعيدة والقريبة ليحمدوا للعمدة سلامة ابنته.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الكلاكلة (تاريخ الهجرة) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
بعض الفتيان، من بينهم هارون عبد الجليل، قرروا مطاردة الكلب العجوز وقتله، واعتبروا ذلك واجباً مدنياً مقدساً، وشرفاً سوف يستحقون عليه الثناء والمجد من أهالي القرية. هارون وجدها فرصة مناسبة لكسب احترام الأهالي الذين نبذوه بعدما وست به مجموعة من الأطفال بأنه كان يختلس النظر إلى فتاة بالغة وهي تستحم في النهر، فكان أكثرهم حماسة وتفانٍ في مطاردة الكلب، وأكثرهم شراسة في الفت به. كانت دماء الكلب الأسود خلاصه من العار الأبدي.
أوصى إمام الزاوية اليتيمة للقرية بتعليق الكلب بعد موته على سارية كانت فيما مضى جزءاً من ساقية أنشأها طيّب الذكر "الشيخ إسماعيل دهب" قال "يمكننا استخدامه كطُعم للتماسيح والضباع التي تهدد أبناء القرية" وأصبح ذلك فيما بعد سُنّة سارية، فكانت تُعلّق البهائم المريضة، بعد قتلها، والضباع النافقة، والكلاب السوداء على السارية؛ حتى أنّ البعض أطلق على القرية اسم "أرض الميّت"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الكلاكلة (تاريخ الهجرة) (Re: هشام آدم)
|
________________________
العجوز الذي دُفن دون مناحة تليق بسنوات عمره السبعين، لم يترك وراءه ما يجعل الآخرين يتذكرونه به غير كلبه المعلّق على السارية، وبعض الحُفر المتفرقة في جسد القرية الحجرية. لا أحد يعرف اسمه الثلاثي، كل ما يعرفونه عنه أنّ اسمه "جلال التمتام"، وتمتام هذا لقب أُطلق عليه لكثرة تمتمته. جاء إلى القرية قبل عشر سنوات، ولم يكن يحمل معه غير حقيبة قماشية يجملها على ظهره، وتميمة معدنية يضعها في يده اليسرى، سكن أطراف القرية وأقام بيته الذي من شعر الماعز على تلّة يستخدمها كَلَس لآذان المغرب في المواسم الرمضانية، ورغم أنّ جلال تمتام جاء في غير مواعيد رمضان؛ إلاّ أن أهالي القرية اعتبروا ذلك مساساً بمقدساتهم، وقرروا طرده وحرق خيمته، وكادوا أن يفعلوا لولا تدخل العمدة وحكيم القرية.
رسم التمتام ابتسامة ترحيبية حذره على وجهه، وهو يستقبل العمدة وضيوفه. وبميكانيكية تقليدية أحضر كؤوس الماء البارد، وسقى الجميع "يمكنني أن أجيبكم عن أيّ سؤال تشاءون إلاّ فيما يتعلّق بجهة قدومي. أنا بينكم الآن لأن العالم انتهى بي هنا، وهذه التلّة طيّة العالم الكبيرة. أحببتُ أن أموت في هذا المكان الجميل. فماذا يضيركم إذ بقي بينكم رجل عجوز مثلي!" أخرج التمتام بعض الأدوات المعدنية من جرابٍ معلّق على عارض الخيمة ونثرها أمام الجميع. "هذا كلّ ما أحمله"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الكلاكلة (تاريخ الهجرة) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
نظر الناس بدهشة للخردوات التي يحملها، وكتموا ضحكاتهم، بينما قال العجوز الغريب "هذه آخر أسرار الفيزياء الحديثة. الإنسان ينوي أن يطوي العالم ينطوي في كفّه. الراكضون وراء الإبل والأغنام سيجدون ذلك مضحكاً" كلماته المتعجرفة جاءت موافقة لبريق ماكر لمع في عينيه. رفع حاجبه الأيمن الكث حتى ظنّ الناس أنه سيقع، كانوا يستغربون كيف يكون شعر حاجبٍ أكثر كثافة من الآخر، وملامحه تلك كانت تشعرهم بالخوف منه. مدّ التمتام يده إلى إحدى الأدوات، وأبدا اهتماماً بالغاً بما يفعل. تجمهر الناس حوله وهو لا يفعل شيئاً غير الإمساك بتلك الأداة غريبة الشكل. بدت لهم كقرص زجاجي تافه لا جدوى منه. وانتفضوا مذعورين عندما بدأ اللهب يشتعل في الأوراق اليابسة. سبحلَ البعض بصوتٍ عالٍ "سبحان الله .. سبحان الله" ونظروا إلى بعضهم البعض وهم يضحكون. قال أحدهم "لقد عاد عصر المعجزات!" الوحيد الذي لم يعجبه الأمر هو الشيخ إسماعيل دهب؛ إذ نهض مفزوعاً من مكانه كالملدوغ وهو يقول "هذا سحرً، هذا أمر شيطاني، لا يجوز .. حرام" وغادر المكان وهو يكرر "استغفر الله العظيم .. استغفر الله العظيم!"
عمدة القرية لم يكترث كثيراً لفزع الشيخ دهب، وشغله اندهاشه عن ذلك. تقدّم التمتام منه، وهو يمسك أداة أخرى "أمّا هذه فتسمى (عين الشيطان). خذ أمسكها يا عمدة وانظر من خلالها". لبعض الوقت؛ تردد العمدة. خاف أن يؤدي ذلك إلى فقدانه بصره، خاف أن يخرج منها مارد شيطاني ويتمكن من الدخول إلى جسده عبر عينيه فتحرقهما. "ماذا تريدني أن أرى بهذا الشيء فأنا لا أؤمن بالسحر" ضحك العجوز وأخذ ينظر من خلالها على القرية "سترى القرية -كلّ القرية- بين يديك، لا يحق لغيرك أن يراها كذلك" قفز العمدة مدفوعاً بشغف السلطة والفضول، نظر إلى القرية، فرأى البيوت وكأنها أمام عينيه تماماً. رأى الشيخ دهب راكباً حماره وقد تعلّقت ورقة نبتة شوكية بعباءته. أزاح الآلة عن عينيه فرآه بعيداً عنه، فصرخ مجدداً "سبحان الله!" وتهافت البقية على العمدة يريدون أن ينظروا من خلال الآلة العجيبة، فنهرهم "لا أحد يحق له النظر من هذه العين الشيطانية إلاّي؛ وإلا ستحتقرون" ابتسم التمتام في سخرية وقال "حضرة العمدة، هذه الآلة تسمى (المنظار)، وهي إحدى منجزات الفيزياء الحديثة". مسح العمدة أنفه وسأل "وما الفيزياء؟"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الكلاكلة (تاريخ الهجرة) (Re: محمد عبدالغنى سابل)
|
______________________
الأخ : محمد عبد الغني سابل
للكلاكلة عشقها الخاص، وفكرة الكتابة عنها راودتني منذ أمد بعيد وكانت الفكرة ككرة مطاطية تتقافز في ذهني كلّ مرّة، وربما حاولت الكتابة عنها من قبل، ولكنها لم تكن كتابة موفقة.
أتمنى أن يكون هذا التناول أجود من سابقه
لك التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الكلاكلة (تاريخ الهجرة) (Re: هشام آدم)
|
ياخي بديت ليك رواية كدا عن الكلاكلة فيها واحد مسطول بكشف لي مراة الجيران وركب مع صاحبو المواصلات وحنك كدا في البص كانت ممتعة لكن فجأة كدا ما لقيتها
دلني علي رابط ليها
بالمناسبة لم اقرأ الرواية المنشورة حتي الان لعدم اكتمالها فما حدث المرة السابقة جعلني لا ابدأ في القراءة الا بعد ان تكملها يعني ما تجهجهنا زي المرة الماضية
| |
|
|
|
|
|
|
|