|
الرأسمالية السودانية وانعدام التفاعل مع قضايا المجتمع
|
يتساءل المتتبع للمشكلات التي يتفاعل معها المجتمع السوداني بكل أطيافه، والتي تكون في الغالب الأعم بسبب المرض وعدم مقدرة أهل المريض على علاجه في الخارج، بعد أن يكونوا قد أنفقوا كل ما لديهم في محاولة علاجه في الداخل، يتساءل في نفسه أين دور الرأسمالية السودانية في تبني والإسهام في حل تلك المشكلات؟ قد لاحظنا ذلك في حالات الطفل محمد والطفل عبد الله والسيدة أميرة الموجودة الآن في السعودية، وها نحن نعايش هذه الايام مشكلة الشابة سناء، ورغم أنها وجدت تفاعلاً وتعاطفاً من الجميع، لكننا لم نسمع بأن رأسمالياً سودانياً قد تكفل بعلاجها، مع أن علاجها ربما لن يكلف أكثر من 100 ألف دولار. الكل تعاطف مع حالة سناء ومد لها يد العون بقدر ما يستطيع، لكننا نلاحظ غياباً لهذه الفئة المسماة بالرأسمالية، والتي تسمى زوراً وبهتاناً بالرأسمالية الوطنية. الجميع يتصل ويناشد ويحاول هنا وهناك لعله يتمكن من أن يقدم ولو القليل لعلاج سناء، والبعض يقتطع من قوت عياله ليساعد من هو أحوج منه، والمجتمع السوداني ما زال بخير ولم تسلبه الظروف السيئة نخوته وتكاتفه، ولكننا لا نسمع صوتاً للرأسمالية السودانية وسط هذه الأصوات، لماذا لا يتكفل أحد الأثرياء بعلاجها، وهناك الآلاف الذين يستطيعون علاجها في أرقى المستشفيات العالمية ؟ لماذا نستعين بالغرباء ليساعدونا في مثل هذه الحالات؟ لماذا يترك البعض من أبناء الشعب الأخيار أعمالهم ومكاتبهم ويلهثون طلباً للمساعدة من الأفراد والمنظمات والهيئات الخيرية؟ إلى متى يظل المواطن السوداني شيئاً مهملاً في وطنه ولا يجد أية عناية أو رعاية من الدولة؟ تعمدت أن أصف هذه الفئة بالرأسمالية السودانية ولم أصفها بالوطنية لأن المنتمين إليها لا يتصفون بالوطنية. الرأسمالية الوطنية التي تتفاعل مع بني شعبها ويؤلمها ألم أبناء الشعب قضت عليها الإنقاذ منذ مجيئها، أما الموجودة الآن فهي عبارة عن لصوص الجبهة اللا إسلامية الذين سرقوا ونهبوا أموال الشعب بمختلف الطرق بعد استيلائهم على السلطة، فأصبحنا نسمع بأسماء لم نسمع بها من قبل في دنيا المال ورجال الأعمال، ومعظمهم كون ثروته من الاختلاسات والتسهيلات البنكية والاستيلاء على موارد الدولة بطرق ملتوية وبالتهرب من الجمارك والضرائب وبمنافسة الفقراء المحتاجين في أموال الزكاة التي أصبحت ذكرى من الماضي. قرأت في هذا المنبر في أحد البوستات أن ديوان الزكاة رفض مساعدة أحد المقعدين لشراء عجلة لتعينه على الحركة لكنه تبرع لدعم قناة فضائية. ما زال الكثير من السودانيين يحافظون على خصالهم الكريمة ويتفاعلون مع أبناء شعبهم، يتألمون لألمهم ويفرحون لفرحهم، يحاولون بشتى الطرق أن يساعدوا ويدعموا، ونحن نفتخر ونعتز بأبناء السودان الأنقياء الشرفاء من أطباء وإعلاميين ومحامين، الذين يفعلون المستحيل للمساهمة في علاج وإيصال صوت المرضى والضعفاء والمحتاجين. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تصرف الدولة على مسؤوليها في حجهم وعمرتهم وعلاجهم وعلاج أبنائهم وأسرهم، وتصرف كذلك على عطلاتهم خارج السودان ولا تتكفل بعلاج الطفلين محمد وعبد الله وعلاج أميرة وسناء والآلاف غيرهم من أبناء الشعب السوداني الصابر الذين يصبرون على الجوع والفقر والعدم ولكن أمرهم يفتضح عندما يمرضون ويعلم بمرضهم الأهل والجيران وأبناء الشعب أجمعين، لذلك يجدون أنفسهم محتاجين لنصرة أهلهم وأبناء شعبهم رغم أن ذلك يؤلمهم ويجعلهم يحسون وكأنهم افتقدوا عفتهم وكرامتهم؟ هل نسى إمام المسلمين في السودان قول خليفة خليفة رسول الله الفاروق عمر بن الخطاب (والله لو عثرت بقرة في العراق لكان عمر مسؤولاً عنها). ربما نكون لا نأمل ولا ننتظر من هؤلاء الرأسماليين أي تفاعل وتكاتف وتراحم مع مجتمعهم، لكن ذلك لا يمنع من أن يمدوا يد العون للمحتاجين، لعل ذلك يخفف عليهم عذاب يوم القيامة، أو يحاولوا على الأقل تجميل صورهم القبيحة في أعين الناس.
|
|
|
|
|
|