|
الدكتور/أحمد الربعي موت الإنسان وليس موت القلم
|
الدكتور/أحمد الربعي موت الإنسان وليس موت القلم
رحل عن دنيانا الفانية الدكتور أحمد الربعي ، الوزير السابق ، وعضو مجلس الأمة الكويتي ، وفارس الصحافة الذي يتسلح بالقلم ، كهذا عرفنا دكتور الربعي ، الرجل الهادئ الذي ينطق لسانه بالحكمة في مجتمع مضطرب سادت فيه ثقافة العنف والضجيج ، يمثل الدكتور الربعي جيلين من المثقفين العرب ، فهو من الجيل الأول الذي عاصر القضية العربية بمختلف تقلباتها ، بحكم أن الكويت كانت تستقبل أكبر جالية فلسطينية في العالم العربي ، وقد أعطت دولة الكويت أكثر مما أخذت ، هذا العطاء لم يشفع لها في عام 1990 عندا أقدم صدام حسين على إجتياح هذا البلد ، فوجد تصفيقاً حاراً من الذين ساعدتهم الكويت وأوتهم عند الضيق ، فأنتقل الدكتور الربعي من الجيل الأول الذي كان يتحمس ويدافع عن القضايا العربية ، فأصبح من الجيل الثاني الذي يتعامل مع الوطن الجغرافي الذي يحيط به قبل أن يغرق في محيط وطن ، إفتراضي كبير ، لا يعرف له قرار أو مستوى ، ما فعله صدام جعل الدكتور الربعي لا يثق في الصنم الجديد الذي تولى قيادة قضايانا في العالم العربي ، فقد قضى منظر الدبابات العراقية وهي تجتاح الكويت على الأمل في التوحد ورص الصفوف ، فقد تمزق شعار الوحدة العربية ، رغماً عن ذلك بقى الدكتور الربعي مهموماً بالقضايا العربية ويحس بها ولكن على طريقته ، قام بإجراء تغيير طفيف في الوسائل ولكنه لم يغير الأهداف ، سلاحه في هذه المعركة الفكر والقلم ، حاول – عليه رحمة الله – أن يعلمنا سبل الحوار وتطليق لغة الضجيج والتشنج ، فقد كان نعم المعلم ونعم الأستاذ ، فالرجل خريج هارفارد ، وهارفارد تعني النخبة في الولايات المتحدة ، لكن الربعي عاش كل التقلبات الإجتماعية الحادة التي سادت في العالم العربي ولم يعش في برج عاجي يحبسه عن هموم الناس في المشرق والمغرب ، ونجح في أن يبحر بزورق الفكر من غير أن يصطدم بصخور " "Peak و " Trough" ، فالصعود والنزول هي سمة الساسة في عهدنا الحالي ، فقد كان الرجل متوازناً في أفكاره ، وعندما يحدثك عن الدين تجد نفسك أمام فقيه يلازمه الكتاب أينما حل ، وعندما يحدثك عن السياسة تشعر بتغلبه عليك ، فهو يرى الشجر السائر من عدة أميال ، كمن يغرف من بحر مقارنةً بمن ينبش في الصخر . عاش الدكتور الربعي مأساتنا في دارفور ، عاشها ليس كمثقف يثرثر فوق النيل ويمد هامته لمن يريدها من الحكام ، أو كمثل ذلك النوع من المثقفين الذين زاروا دارفور على صهوة السمتيات الحكومية ، فعاينوها من قمرة الطيار ، فعادوا إلي أهلهم وقد أزدادوا كيل بعير ، فكتبوا في الصحف ..كلوا سليم يا بشا .. وتمام التمام ، بل عاش هذه الرواية وقرأها بفصولها المفزعة ، طاف بقلمه حول ظلم الإنقاذ ، ورثى المشردين في المعسكرات ، وسخر من الذين قالوا أن أزمة دارفور سببها بعير هائج ، ضل طريقه في القفار فقتله الزنج ، فهب لثأره مائة ألف سيف مضري ، فكان الجواب كما رأيناه وليس كما سمعناه ، وقد رأينا الجواب في موت 500 ألف شخص ، ونزوح أكثر من أربعة ملايين إنسان ، الكارثة الإنسانية الوحيدة التي تفوقت على نكبة الفلسطينيين في عام 1948 ، نعم رحل الدكتور الربعي الإنسان ، ولكن فكره واسلوبه في الحوار لم يرحلا معه ، نال السرطان من جسده وأنهكه ولكنه لم ينال من إرادته كإنسان مفكر ، يعيش هواجس الأمة وينصف هذا ويقتص لذاك ، في زمنٍ عاشت فيه الصحافة على رزق القلم ، الحواجز والمحيطات والدم العربي الأصيل ، كلها لم تحذره من الوقوف مع أهل دارفور ومصارحة السلطان بسوء ما يعمله مع أبناء شعبه ، هذه التعازي لأبناء الشعب الكويتي ، ولأسرة الدكتور الربعي ، ومحبي قلمه – وأنا منهم – في كل مكان في المعمورة ، وتعازي موصولة لكل الذين فقدوا هذا الرجل ، بإسمي وبإسم كل من وقف معهم بقلمه ضد البطش والعدوان ، أتقدم بحزني وشجني ..اللهم أرحمه ..آمين . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|