ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 07:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-04-2008, 04:59 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق




    ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (1)



    تمهيد لا بد منه :

    الأخوة الأعزاء في هذا الحوش الكبير، المحبب إلى النفس والذي ندلف إليه بلا طرق على باب، لنؤنس وحشتنا فيه كل يوم. ما كنت أرغب في العودة إلى هذا المقال الذي كتبته مؤبناً واحداً من أعز أصدقائي عشية رحيله عن دنيانا الفانية، وهو الراحل المقيم الزعيم، إبن الزعيم، محمد إسماعيل الأزهري. فقد كان محمد من تلك القلة من الأحباء الذين يرحلون عنك وأنت لا تريد أن تذكر حتى مجرد فكرة رحيلهم عنك، وقد دأبنا نحن زمرة خلصائه المقربين على الحديث عنه وكأنه حاضر بيننا. هذا لا يحدث إلا مع قلة قريبة وعزيزة على النفس والخاطر، قلة من أولئك الذين وصفهم الشاعر بقوله:

    الناس صنفان أموات في حياتهم ... وآخرون ببطن الأرض أحياء

    من هؤلاء المرحوم الوالد كرار إبراهيم فرح الذي هو معلمي الأول في الحياة والذي لا يزال الناس في كردفان وغيرها يذكرونه وكأنه حي يرزق، خاصة كلما جاءت حوبته في واحدة من هموم العمل الطوعي والعمل العام. وذاك هو حالي مع الراحل المقيم الدكتور جون قرنق دي مبيور، وهو أيضاً قامة سامقة استقيت من فكرها معنى أن تدرك قيمة الإنسان في نفسك وفي الآخرين، وقد لاحظت أن أغلب الأوفياء له في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان يتفادون الحديث عنه بصفة الغائب، وتغرورق أعينهم بالدموع كلما اضطرنا الموقف إلى ذكر سيرته ولو بشكل عابر. وهكذا الحال مع الراحل محمد أزهري.
    ألح الأخ عبدالله الشقليني في طلب المقال مني بعد أن جاءت السيرة إياها، بل وأصر على إعادة طباعته بعد أن عزَّت علينا استعادة نسخته من أرشيف مقالات سودانيز أونلاين لأسباب فنية ليس هذا محلها. وعبدالله الشقليني أديب أريب، وهو زميل دراسة وصديق لتلك الثلة المبدعة في جامعة الخرطوم في ذلك العهد الزاهي. وقد تمسك بضرورة طرح الموضوع في المنبر العام، الذي لا أملك عضويته، توثيقاً لما اعتبره هو شأناً يتعلق بشخصية عامة من حق الناس أن يعرفوا بعضاً من فيض نبلها الذي لا حصر له، فطاوعته وأنا على تردد لاعتبارات ليس أقلها علمي بأنني سأفتح أحزاناً أخرى لدى آخرين أعزهم وهم في شتات منافيهم القصية والقريبة ولذا ألتمسهم العذر، فضلاً عما أشعر به على المستوى الشخصي من حزن شديد كلما أتت ذكرى هذه السيرة، سيرة حبيبنا "محمد أزهري" كما كنا ندعوه، له الرحمة والمغفرة الواسعة وقد اقتربت ذكرى رحيله الفاجع في ذلك اليوم من شهر إبريل...،،،

    فخرالدين كرار، دبلوماسي سابق.

    وإلى النص :

    ***
                  

03-04-2008, 05:07 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)




    ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (2)
    ترانيم الوداع الأخير
    إلى "محمد أزهري": فارس الزمن الجميل



    أبريل يا أقسى الشهور…قالها من قبل شاعر الحداثة تي. أس. إليوت، أو لعله قصد أن يقول "أشدها قسوة"، في منظومته "دفن الموتى" (The Burial of the Dead) الواردة ضمن باقة "الأرض البور" (The Waste Land)! يقول إليوت:

    April is the Cruelest Month, breeding
    Lilacs out of the dead land, mixing
    Memory and desire, stirring
    Dull roots with spring rain

    أنظر كيف تكون لحظة امتزاج الذكرى بالرغبة الجامحة، الرغبة في الاستعادة والرغبة في الإطلالة والرغبة في الديمومة والرغبة في امتداد الأيام الجميلة وهكذا.. وهل هناك ذكرى صديق أكثر عطراً وأعز إلى النفس من ذكراك أنت يا فارس الزمن الجميل؟

    إيه يا حبيب الروح، أربعون يوماً خلت، ما بالك تختار الرحيل فجأة من دون أن تسمعنا لحن الحياة الأخير في حضرة المحبة والصفاء والنقاء، ومن دون أن تتلو علينا ترانيم صلوات الوداع في بحيرات الهدوء. وكيف سنصدق يا "محمد أزهري" أن الابتسامة الدائمة والضحكة إياها.. تلك المليئة بروحك الرهيفة قد انقطع صداها الفريد إلى الأبد؟ نعلم أن الموت حق وأن الحياة باطل وأن كل نفس ذائقة الموت لا محالة، غير أننا نرى الآن كل تلك الأشياء الجميلة تنوس وتنسرب الظلمة إلى مسرى اعتدناه إلى دارك العامرة كلما جئناك من منافينا القصية، تقذفنا إليك حضارة الظلام كل عام، كما يقول شاعرنا الفذ محمد الفيتوري، لنستظل بوارف دفئك ومؤانستك التي لا تُمل. وهل سنأتي لندون على باب دارك العامرة وغرفتك الأنيقة "حضرنا ولم نجدك"؟..يا محمد، ما بالها الخطى التي كانت تلهث متلهفة إلى لقائك لتنعم بالضحك والحديث العذب والنقاش المشبع للعقل، ما بالها تتثاقل هذه المرة؟ أربعة أيام بحالها وأنا أصل عند باب الدار نفسها التي دخلتها مئات المرات وأعود أدراجي متردداً ومتسائلاً: هل سأدخل لأعزي فيك يا صديق الروح ومن سأعزي، بل وماذا سأقول لمن أعزي عن الذي بيني وبينك، أولست أنا نفسي من يستحق أن يتلقى العزاء فيك، أنا وهذه الكوكبة الفريدة من الأصدقاء الأوفياء المنتشرين في أركان الدنيا الخمسة؟ هذا ميرغني هجام يفتح سرادقاً للعزاء في قلب كاليفورنيا بأمريكا، وآخرون في لندن وأبوظبي وألمانيا وفرنسا وهولندا وأستراليا وحتى في فنزويلا! وذاك عصمت قباني في واشنطن، حبيبك الذي ما فتئت تشاغبه بممازحاتك له، يكتب كما لم أره يكتب من قبل بإنجليزية طليقة، ليت الذين أحالوه إلى صالحهم العام، بلا ذنب جناه، يقرؤونها ليدركوا كيف أنهم حرموا السودان من الاستفادة من قدرات دبلوماسي فذ وهو في قمة الشباب وعلو الهمة. سيف الدولة التجاني في جمارك دبي يتلقى الخبر مني ويرسله إلى حبيبك وجارك الدكتور إسماعيل أبو وإلى صديقك المحبب نديم عبد المنعم الاقتصادي الشاطر في مسقط، ثم يلوذ الجميع بالصمت، كأن صاعقة قد خرت عليهم فاخرستهم بغتة واحدة. انقطعت بعدك يا محمد كل أحاديث الصبا الجميلة، ووجم الجميع من هول الصدمة. إنما ولأنك كنت فيهم الركيزة التي يستندون إليها والحبل السري الذي يربطهم وحلقة الوصل التي تجمعهم، يأتونك وكأنهم يردِون نبعاً صافياً ينهلون منه ليخفف عنهم رهق دنياهم وعناء "غربتهم اليقظى في الزمن النائم" على حد وصف بلند الحريري في رثاء تشيكايا أوتامسي الشاعر الكنغولي الذي رحل عن الدنيا في منفاه الإجباري.

    "محمد أزهري"، هكذا كانوا ينادونك، يلغون عنك اسم إسماعيل الأزهري ويسقطونه بكل إرثه وحسبه ونسبه الصالح وثقله المعروف في ساحة الوطن الكبير. وهكذا كنت أنت تقبل منهم ذلك التجاوز وتجد راحة في التحرر لبرهة من ثقل ذلك الإرث الذي لم تغفله يوماً. لكنك أيضاً سيد الرزانة الذي نهل من معين الأدب الوافر والتواضع الجم والكياسة ورؤية الناس في إطار من الود وحسن الصحبة التي هي من شيمنا والتي نهلتها من معين ذلك الطود الأشم، والدك الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري ووالدتك المبجلة الحاجة مريم مصطفى سلامة أطال الله في عمرها ومتعها بالعافية.

    حياتك كلها كانت تجسيداً لشيم السوداني الأصيل، ولقيم التسامح والألفة ومخالطة الناس بالخلق الحسن، فقد كان من بين أصدقائك الشيوعي الملتزم وابن حزب الأمة، وكانت بينهم ابن الجنوب والغرب والشرق وأهل الشمال والوسط.

    أتذكر مداعباتك لصديقنا وزميلنا منوا اليقو دونقا ابن ياي الظريف وتبادل المزاح مع حسن هاشم فاشر الذي قضيت برفقته عاماً في الداخلية بجامعة الخرطوم، وهو من تعرف وأعرف، سليل سلاطين دارفور وصاحب الذكاء المدهش، حسن فاشر يا محمد نال درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد وعاد للتدريس في جامعة الخرطوم، ثم خرج كغيره وهو الآن خبير مرموق في مجال المساحة ببلدية دبي، كرمه حاكم إمارة دبي قبل أيام بوصفه من أميز العاملين في بلدية دبي ولو كان في السودان للقي مصيراً آخراً، هذا وهو الذي تخصص في علم الفلك والمساحة. أتذكر قولتة المشهورة ونحن نتسلى بلعب الورق في غرفتنا المتواضعة بداخلية جامعة الخرطوم ويفاجئنا حين يفتح ويغلبنا فيقول بلغة أهل دارفور الكرام "ألمي حار ولا لعب قعونج"! حتى هو اتصلت به فوجدته حزيناً عليك وقد ملكته العبرة في الهاتف.

    أحسست وأنت مسجى في نعشك كأن ملايين الأرحام قد ولدتك، وأن ملايين الأعين قد فاضت دموعها حزناً عليك، وأن ملايين الأكف قد ضرعت للخالق تدعو لك بالرحمة والمغفرة وحسن المآب في دار الخلود. إنما حزننا نحن عليك مختلف عن كل هذا، فما أقل الأضواء عندنا من بعدك وما أحلك هذه العتمة التي خلفها رحيلك، فكل قبسة فرح أشعتها بيننا نتلمسها الآن فإذا هي حزن ممتد لا تنطفئ نيرانه المتوهجة أبداً.
    نحزن عليك لأنك ترحل دون أن تهدي رحيق عذوبتك ورقة معشرك إلى عذارى أضناهن طول الانتظار، ونحزن عليك لأن دعاش الخريف الذي حلمت بتنسم عبيره لم يهل بعد ليغسل ضهب الصيف الكالح، ولأن الحقول الجديبة ما تزال ترنو لرداء أخضر، ولأن أغنيات الحصاد الضاجة بالفرح ما تزال دندنات خافته في صدور المغلوبين الذين كرست حياتك كلها لكي تهديهم "كنوز المحبة". أنت الذي ثابرت وكافحت لكي لا يستديم الشخوص في ليل العشم الزائف، ولكي يستريح الكل من لهث الزمن الغائر ولكي لا يستحيل الوطن مختبراً للتجارب الفطيرة، ولكي لا يهيم أبناؤه وبناته في أرصفة المدن البعيدة ولكي لا يعيش أهله أغراباً فيه.

    ونحزن يا حبيبنا لأنك دوحتنا التي نجتمع عندها فتفئ علينا بظلها الوارف حين ينأى الخلان، وحين تتباعد الدروب وحين تنحسر المسافات الصديقة، وحين تضمحل العدائل السمحاء وسط مغرب مُجللٍ بالحسرة والدموع والقنوط. أنت متكأنا حين كانت معطيات الحاضر تعجز عن الوفاء وحين تتسع الشقة بين الممكن والمأمول.

    كنت بلا شك أبعد الناس عن الأنفة وتضخيم الذات، وها هي إحدى إشراقاتك تقف شاهداً على ذلك. في العام 2002، جئت أنا مرافقاً طبياً لوالدي كرار إبراهيم فرح عليه رحمة الله، بعد أن أجرى عملية جراحية في دار الجراحة بالخرطوم. جاء محمد أزهري، برفقة أمين الشوافعة، وهو من خلصائنا الأوفياء، قدمت الضيوف لوالدي فأصابته دهشة وفرح غامر ما لبث أن أستعاد تماسكه بعدهما بفضل أدب محمد وتواضعه الجم. قضى محمد أزهري وقتاً طويلاً في تلك الأمسية استمع فيه باهتمام بالغ وطول بال لحكايات والدي المفصلة عن دوره في ضمان فوز الحزب الوطني الاتحادي بدوائر المنطقة الشمالية من مديرية كردفان الكبرى. وكيف كان يدير المعركة الانتخابية مع قيادات الحزب في بارا ودار حامد وديار الكبابيش لصالح الحزب حيث أصبحت تلك الدوائر شبه مغلقة للحزب الوطني الاتحادي، وحكى والدي عن نضاله في مقاومة الاستعمار البريطاني في أربعينات القرن العشرين، وكيف دخل المعتقل بعد أن أحرق بيديه علم المستعمر البريطاني، وكيف أن الأزهري قد كان ملهمة في كل ذلك النضال.

    ذهبنا يومها أنا ومحمد أزهري وأمين الشوافعة لحضور حفل الفنان محمد وردي في أرض المعارض ببري بعد عودته من منفاه. عدت فوجدت والدي فرحاً بهذه الصحبة، فسألني هذا ابن الزعيم، قلت نعم ألا ترى التواضع والأدب والكياسة؟ بلى يا أبي هذا الذي زارك هنا هو صديقي الوفي محمد أزهري وهو مثل سائر أصدقائي في كل شيء لكنه ابن الزعيم الذي ما زلت تعلق صورته على جدار غرفتك منذ تفتحت عيناي على الدنيا وحتى اليوم، وهو ابن الأزهري الذي طلب الدَين ليكمل بناء منزله ولم يأخذ حاجته من المال العام. نعم هو ابن رافع علم استقلالنا وهو رئيس الدولة المستقلة التي قال عنها آخر سكرتير إداري بريطاني وهو يغادرها. "أرحل عن السودان وأنا مطمئن لأحواله، دولة تنعم بالسلام وبميزانية متوازنة"

    “I am leaving the Sudan, a peaceful country with a balanced budget.”

    كان المال العام وفيراً والخير فائضاً والخزينة العام لا يثقل كاهلها دَين عام أو ديون أجنبية، ومع ذلك كتب الأزهري لصديقه النفيدي يطلب ديناً بمائة جنيه ليكمل بها بناء المنزل الذي نشأ في كنفه هذا الصديق، محمد هذا يا أبي هو نتاج ذلك الإرث الناصع البياض.

    حفظ محمد أزهري – كعادته – علاقته بوالدي فلم يزر الأبيض أو بارا، إلا وزار منزلنا وأنا في غربتي البعيدة، يسلم على والدي ووالدتي ويستزيد من نصائح وخبرة والدي عليه الرحمة ومعرفته الوثيقة بكردفان وأهلها. هكذا تكون الصحبة والرفقة والصداقة الحقة، وأنا من سوى ابن هذا الأستاذ الفقير إلى الله الذي لا يملك مالاً ولا جاهاً. لم أكن وحدي قطعاً ممن عاملهم محمد بوفائه الفريد، كل واحد من أصدقائه له احترامه الخاص، ولدى كل منهم حكايات وحكايات في حب محمد أزهري وحسن معشره ووفائه لهم.
    هي ثلة فريدة من الأصدقاء، جمعتهم سنوات الدراسة في جامعة الخرطوم في أوج مجدها وأواخر عهدها الذهبي، يوم أن كانت تسمى "الجميلة" ومستحيلة" بين طلاب السودان. في منتصف سبعينات ومطالع ثمانينات القرن العشرين التأم شمل ذلك العقد الفريد من الأصدقاء. كان محمد أزهري، أيقونة تلك الثلة المبدعة في كل شيء، ذكاء وشطارة في العلم ومواهب وخفة دم وأنس بجذب الجميع. فيهم العالم والأستاذ الجامعي المتميز كالدكتور عبد المحسن مصطفى صالح أستاذ الاقتصاد السياسي وعلم التخطيط الفذ، والدكتور روني شاؤول عبقري علم الكيمياء، وفيهم رفيق درب محمد وصديقه الروحي صلاح حسن أحمد الذي شكل مع محمد ثنائياً في العزف على العود والجيتار وأخرجا روائع ما أظنها تكرر، ومنها تلك المقطوعات المميزة في أمسية وداع البروفيسور تيم نبلوك بحديقة شعبة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم. لم يسمعها الناس للأسف، لكنها كانت فناً راقياً في التأليف والأداء والإبداع الموسيقي الراقي. كان من تلك الثلة المتألقة المرحوم المهندس مأمون التوم حسن أبو (خبير الفوكرز في سودانير) ورفيقه المهندس الأمين ميرغني الأمين والمهندس مأمون حسن، والمهندس الهادي الرشيد دياب والدكتور ياسر سيد أحمد الجراح الشاطر، وطبيب الأسنان الدكتور حسين حمو ورجل الأعمال محمد جريس في مدني والمهندس الزراعي عمر سعيد المقيم في هولندا، والفنان التشكيلي الشفيف سامي المك والدكتور أشرف بدري والدكتور مصطفى صادق بدري والأستاذ حسن النور سوار الذهب المستشار القانوني في جامعة الدول العربية، وزميلنا الدبلوماسي وجدي مصطفى، ورفيق درب محمد أزهري وحبيبه الدكتور إسماعيل أبو أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم والدكتور الفاضل كرار أستاذ علم الاجتماع السابق بجامعة الجزيرة وصديقه حسن تختخ ، والمصرفي الشاطر صلاح أبو حجل وثنائي الفرح "سيف وعكود" وزميلنا منوا أليقو دونقا، ابن ياي المرح، وعمر قيلي وعاصم سيد أحمد (موسسا فرقة جاز البلوستارز، ونديم عبد المنعم الذي أطلق عليه محمد اسم "مستر ديم بكسر الدال" لإجادته الإنجليزية وكثرة تحدثه بها، والشريف الأمين الهندي " أو هندي كما كنا نناديه ونحن ننزع عنه شرافته بكل أبهتها" وصلاح جادالله جبارة وزميلتنا نايلة في كلية الاقتصاد التي كانت الأقرب إلينا من زميلاتها الطالبات وأختنا أميرة فريد طوبيا، وحبيبتنا هِبة التي أحبها محمد والتي كثيراً ما أربكناها بعباراتنا وقفشاتنا "الرندوقية"، كما التسمية الجارية هذه الأيام. وفي الرفقة أيضاً زاري اسكندريان، ذلك الأرمني المليح الذي لم تطأ قدماه مدرجات الكلية لحضور محاضرات علم الإحصاء الذي تخصص فيه إلا لماماً ومع ذلك تخرج بتفوق، وهناك أزهري وقيع الله سيد أحمد وكمبال وحيدر عطا الله، والمهندس المحبوب لدى الكل منير لمعي، والمهندس ميرغني هجام الرجل الأنيق، وأولاد مكي حسن أبو، الدكاترة صلاح ونصر الدين والمهندس حسن وجلال وسعد أبو، ثم كوكبة مجلة سوداناو في أوج مجدها، الأستاذ محمد عبد الماجد أبو حسبو، وشقيقته ماجدة والأستاذة عواطف سيد أحمد، والأستاذ عبد الباري وعبد الهادي الصديق، وألفريد تعبان لاكو وروفائيل تكلا وغيرهم.

    اقتباس أول: حسن ساتي "ابن الزعيم رفقاً بنا 2006"، الرأي العام 25/4/2006:
    "محمد أزهري، ابن الزعيم فنان ضل طريقه إلى محاريب السياسة، وثقل الانتماء بالنسب والحسب إلى من هو في قامة والده الأزهري، كأن "كلابيش" أصرت على إخفاء ذلك الوجه الآخر للفنان، وذلك المستودع من ملكات في العزف والتلحين .. بل والنقد والحديث السلس عن عيون الإبداع" انتهى الاقتباس
    كنا نحن أصدقاء محمد أزهري الأوفر خطأ في الاستمتاع باشراقات ذلك الوجه الآخر للفنان، وقد مارس محمد أزهري السياسة بحس الفنان وذوقه المرهف ولذلك أرهقته وعجلت برحيله، وهل في الدنيا ما هو أعذب وأمتع من تأليف لحن وعزف قطعة موسيقي تغسل مشاغل العقل وتجدد حياة الروح؟ تنداح الذكريات الآن: يا محمد، لنغني معاً رائعة عوض أحمد خليفة وأبوعركي البخيت، "لو كنت ناكر للهوى زيك" سأعزف يا فخري، ولكن من أين لك بهذه الدرر؟ ويتدفق النغم الجميل على أوتار الجيتار الوتري ونصدح معاً:

    لو كنت ناكر للهوى زيك كنت غفرت ليك
    كل العذاب الشفتو في حبك وكل حقي عليك
    لكني عايش للهوى وكل يوم أترجا فيك
    وريني كيف أغفر وإنت شقاي سببتو بإيديك

    ثم أقول ورائعة جيمس تايلور التي أحبها، ويرطن الجيتار بموسيقى الفرنجة:
    When you are down and troubled
    and you need a helping hand
    and nothing, oh nothing is going right
    close your eyes and think of me
    and soon I will be there
    to brighten up even your darkest night

    ويطلب صديقنا الدكتور عبد المحسن مصطفى رائعة الفنان التاج مصطفى "يا روحي أنصفني" ويعلق إسماعيل أبو همساً أن محسن مغبون من "شاكوش قديم" منذ أيام بعثة الدكتوراه في ليدز بإنجلترا وما يزال يطلب الإنصاف، وأمازحه أنا "تلقاه في الجنة أم نعيم يا دكتور" ثم يرددها محسن وكأنه يلقي محاضرة عن نظرية القيمة من "رأس المال" لكارل ماركس، رافعاً سبابته اليمنى في حماس بالغ مع كل مقطع يلقيه، ويضحك محمد ملء شدقيه! أو ذلك اليوم الذي أخرجنا فيه الفنان الراحل أحمد الجابري من عزلته وحزنه الدفين عقب وفاة والدته وتلقيه العلاج النفسي وجعلناه يغني ويضحك وينكت وينسى حزنه الكبير ولو إلى حين. يطلب د. محسن الاستماع مكرراً إلى أغنية "الطاؤوس" للراحل المقيم عبد الرحمن الريح ويهيم سارحاً بفكره الثاقب في المقطع الذي يقول:

    في رياضك النضرات ... النور يسيل قطرات

    محمرة العبرات، الروعة تستكمل يبدو المكان أجمل من لوحة الفنان.
    ويستغرق عبد المحسن في عقد مقارنة بين هذا المشهد المُحمَر لملك الطيور الذي هو "الطاؤوس"، أو ربما "الهُدهد"… والدولة الطوباوية التي كان محسن يحلم بها ولم تتحقق في أرض المليون ميل مربع، الوطن الطويل العريض المُنشر، كما كان يقول. هاجر عبد المحسن أيضاً إلى ديار لم يألفها وهو من الطيور التي احتفى بها الجابري وغنى لها "لا بترحل من ديارا ولا بتعرف الغربة حاشا" وله العذر في هجرته مثنى وثلاث ورباع، فقد فعل ما في وسعه للتنبيه بأخطار برامج "إعادة الهيكلة" ووصفات البنك الدولي المدمرة للاقتصاد السوداني وحفيت قدماه في غدوه ورواحه إلى بنك السودان لينبه المختصين إلى أخطار طباعة أوراق نقدية لا تساوي حتى قيمة طباعتها، وكتب وحاضر وجادل في كيفية المخرج من مآزق اندياح دائرة الفقر وتكريس الطبقية، ثم بلغ منه السأم والقنوط مبلغه فخرج ولم يعد إلى يومنا هذا! هو الآن ينصح وزراء التخطيط في دول "تشن وترن"!

    اقتباس ثانٍ: حسن ساتي، المصدر السابق:
    "ابن الزعيم كما والده يملك "طولة بال" تقترب من صفات أُولي العزم، على قلتهم، ولذلك صبر على مزايدات السياسة، وحين تزدحم في داخله مراراتها، يستعين بالأصفياء الخُلص من الأصدقاء، لا ليبثهم شكوى، أو يحشد أذهانهم بمواعظ، وإنما ليستصحبهم في ما يبقى بعد أن يفنى الوجود، ذلك النغم والشعر، والأنين الصامت، كذلك الذي تحمله صدور العصافير..." انتهى الاقتباس
    نعم، كان لدى محمد هذا الرصيد الكبير من الأصدقاء الذين يركن إليهم حين يحاصره سخف السياسة، هم وحدهم الذين يبرهم بالمعنى الذي يعتمل في خلجات صدره فيدركون ما يريد ويُذهبون عنه ذلك الغم، وهم الذين واصل محمد صلته بهم حتى لحظة الوداع الأخير. مشهد آخر: الساعة الثانية بعد منتصف الليل في مدينة دبي، وأنا مستغرق في نوم عميق بعد عناء يوم عمل شاق. يرن الهاتف الجوال، أصحو مرتعباً، فأنا أخاف هواتف الهزيع الأخير من الليل التي لا تأتي إلا بالمصائب الجلل، أولم يقل الشاعر

    يا نائم الليل مغتراً بأوله ... إن المصائب يطرقن أسحارا

    يفاجئني محمد أزهري بمكالمة قبل أسبوعين من رحيله وقد قابل ابن عمي إبراهيم محمد إبراهيم في مناسبة اجتماعية برفقة الصديق المهندس عزالدين (صاحب سودانيزساوند). يسأل عن أخباري ثم يتصل، هو هكذا كما قلت، يداوم على الاتصال في أي وقت ليتلمس أحوال أصدقائه المقربين، كأنه يجدد إحساسه بالحياة ويحرر نفسه من الهموم العامة وأثقالها التي أضنته كثيراً، يبادرني "إزيك ياجايزوم" وهذه واحدة من رموز دعاباتنا أيام الجامعة، أهلاً يا محمد، يا أخي بكرة دوام عندنا والليل قد "أليل" هنا، يرد "الدوام لله" وأبادله القفشة فأقول "وعندنا هنا لأولياء النعمة وآخرين غيرهم" تتدفق الضحكة إياها وتمتد الونسة لنحو نصف ساعة، يسأل عن سيف الدولة التجاني و "عصاة الألفة" المرفوعة فوق رأسه منذ زواجه، وصلاح جاد الله هل تقوس ظهره من كثرة التحديق في الكاميرات أثناء التصوير التلفزيوني، أقول لم يصل بعد إلى حد شراء عصاة ليتوكأ عليها، لكنه قد يكون ركب طقم أسنان ولحق "بت قضيم"، الضحكة إياها تجلجل في ذلك الوقت، ثم السؤال عن الهادي الرشيد وأخبار ناس إسماعيل أبو ونديم وعصمت قباني، وأخيراً وداع واتفاق على لقاء قريب في أم درمان لحضور "زفاف القرن"، كما قلت له، فيضحك.. هذا زفافه الذي قدر الله أن لا يتم، تلك إرادة الله التي لا راد لها.

    قال صديقنا عصمت قباني: "لم يكن محمد أزهري يعبأ كثيراً بالشهرة التي لازمته من اسم والده، بل كان يتجاهلها قدر ما استطاع، ومع ذلك فقد تمكن محمد بقدراته ومواهبه الفذة أن يرتقي إلى مستوى المسئولية التي اقتضاها ذلك الإرث". ينطبق على محمد حديث كريس ريدمان رئيس تحرير مجلة تايم في تأبين الأميرة ديانا عند رحيلها الفاجع في حادث مشابه، إذ قال عنها: "كانت نبيلة ولا طبقية بطبعها وأثبتت إنها لم تكن بحاجة إلى ألقاب الشهرة لكي تواصل فرض سحرها وألقها الخاص".
    ولكي لا أفسد المعنى الذي أراده الكاتب بهذه الترجمة فإني استميح القارئ في نقل النص الذي يصف تلك الجوهرة بأنها.

    “Someone with a natural nobility, who was classless, who proved that she needed no celebrity title to continue to generate her brand of magic.”

    وحين جد الجد دخل محمد إلى دهاليز السياسة، عمل فيها بكل علمه ومواهبه ولن أتحدث كثيراً عن الجهد الذي بذله محمد أزهري، الذي أعرفه في توحيد شتات حزبه، ذلك أمر يهم الحزب ولا يجوز لي التطفل وإقحام نفسي فيه، يكفيه أنه رحل وهو منخرط في ذلك الجهد، بل كان على أعتاب تحقيق حلمه التاريخي في توحيد الحزب الذي تفرقت به السبل. في آخر زيارة قمت بها في إلى محمد أزهري في منزله خلال شهر فبراير الماضي وجدته في صومعته المحببة، غرفة المكتب، أمام جهاز الحاسوب وبرفقته عدد من شباب الحزب. ما أن دلفت حتى قام مسرعاً نحوي، عناق وسلام حار ثم استئذان للحضور في بعض الوقت الخاص مع هذا القادم، الصديق العزيز فخر الدين كرار إبراهيم فرح، هكذا قالها وزاد: وله كنية لا داعي لها هنا. ضحكنا سوياً ثم قلت: أراك مشغولاً بالعمل السياسي قال نعم، هناك مشروع كتاب عن الوالد وشغل الحزب الذي تعرفه. قالها باقتضاب وفهمت. أعرف إنه إذا أراد حل إشكالية أو معضلة إنكب على دراستها بمنهجية وتؤدة، فقد كان أبعد ما يكون عن العشوائية والانفعال التلقائي تجاه الأحداث، وكان صاحب مبادئ لا يتزحزح عنها قد أنملة، تناقشنا قليلاً في الهم العام. قال إن تدخل العسكر في السياسة هو أس البلاء في السودان. قلت وأنت الصادق، إذا تدخل الجيش في السياسة فهو يلغي قيمة التنافس والتداول السلمي للسلطة، أو ليست القوة وحدها هي مدخله إلى معترك السياسة، وإذا دخلت السياسة صفوف الجيش، ألغت نظامه ونسقه وانضباطه وفتحت المجال لمغامرات لا يحمد عقباها، وعلى كل فالدكتاتورية ليست لها فضائل. قال اتفق معك، قال والحل، قلت كما رأيته أنت: الديمقراطية. قال إن الذي يدعو إلى إصلاح الفضاء العام يبدأ بترتيب بيته من الداخل. هكذا فعلت يا عزيزي محمد واشهد أنك كنت مهموماً بأمر وحدة رفاقك في الحزب، وأشهد أنك قد بذلت في سبيل ذلك كل ما في وسعك، حتى الديمقراطية عندك لم تكن مجرد وسيلة للوصول إلى كراسي الحكم الذي كنت زاهداً فيه على نحو لا تخطئه عين، كنت تريدها مؤسسات متجذرة يقيمها الناس كل الناس لتحمي حرياتهم وتصونها من التغول وتحرس حقوقهم، وتدفعهم إلى الإبداع الذي يفضي إلى تأسيس مجتمع النماء والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

    أسألك بوصفك عضو في الحركة الشعبية التي هي شريك في الحكم، كيف ترى الوضع السياسي الراهن في السودان، قلت ينطبق عليه قول الشاعر مبارك بشير: "لا البروق هطلت ولا السحاب جاد بالمطر". قال، خلينا من الأشعار، أنا جادي، ما هي انطباعاتك حتى الآن، قلت أنا متشائل كما قال أستاذي الدكتور منصور خالد، قال كيف؟ قلت الأمر بيد الحاكمين بأمر الله هؤلاء والشعب السوداني قاطبة بكل فئاته وتنظيماته للخروج من عنق الزجاجة الحالي. أعني إن الحل في إقامة دولة الوطن بدلاً من دولة الحزب وفك هذا الارتباط بين حزب المؤتمر الوطني والدولة. قال هذا مفتاح الحل، وبعدين، عدنا للهزل، قلت وبعدين "كراع جادين" ضحك وقال أتفضل أشرب الشاي. هكذا هو محمد، يفهمها طايرة كما يقولون، ذكاء سياسي لماح لا نظير له.

    كان محمد أزهري يتمتع بشخصية توفيقية وبوسطية ظاهرة حتى على المستوى الشخصي. أذكر أنه في سنوات الدراسة الأولى بجامعة الخرطوم أحب ابنة القيادي الشيوعي البارز (حينذاك) أحمد سليمان المحامي، وكان جاداً في طلب يدها للزواج. وكانت تلك العلاقة مبعث ارتياح حتى في أوساط بعض زملائنا من كوادر الحزب الشيوعي بالجامعة، غير أن جُرح الأزهري كان ما يزال حديثاً، ولعل أسرته قد حالت دون تلك الزيجة التي لم تتم، لا أدري فقد كان محمد كتوماً في أموره الشخصية وهو أيضاً يحترم خصوصيات الآخرين ولا يتدخل فيها أبداً. ولو قدر لتلك الزيجة أن تتم فربما أزالت قدراً كبيراً من الاحتقان الذي ساد علاقة والده الزعيم "أبو الزهور" بالشيوعيين منذ الحادثة المشهورة التي انتهت بإخراج نواب الحزب الشيوعي من البرلمان السوداني عقب الاستقلال، أقول ربما ….. والعلم عندالله.

    هل كان سبب الفاجعة تلك الغفوة يا محمد أو ربما الهفوة التي تغافلك فلا تقوى عليها وأنت خلف مقود العربة عقب يوم شاق من الحركة والتحركات والزيارات والاجتماعات؟ كنا دائماً إلى جانبك، نتولى القيادة عنك حين نشعر بأن الإرهاق قد نال منك، منذ أيام الفورد تاونس والفورد (أم جضوم) كما أسماها حبيبنا عكود. هل كانت حقاً واحدة من تلك الغفوات يا محمد وأنت الذي تحديت قطاراً بأكمله فخرجت سالماً إلا من رضوض خفيفة بعد أن جرف مؤخرة سيارتك؟ وما بالك يا حبيب الروح لا تصمد، كما قالت هبة، أمام سيارة قمامة صماء؟

    أن رحيلك الفجائي يوحي لنا بأن كل قبضة نغنمها تذوب على عجل، وأن حياتنا كلها هي هذه اللحظة العابرة، هي هذا الحلم الناهض بين الزهر والزهر، ثم المفاجأة! الرحلة الممتدة لا تصل إلى نهايتها والأشياء، كما كل الأشياء في السودان، لا هي صحو ولا احتمال صحو، والعاقل في هذه البسيطة من لاذ بالصمت والصبر، فلا ينام القلق في عينيه ولا يتركه النزف أسيراً لنشيد الألم الأبدي، ذلك كما ينبغي أن يكون وإنه لأمر عسير كما تعلم!

    الموت لا يفني خلود حقائق الأشياء ولذلك تختلط الرغبة بالذكرى، الرغبة في استدعائك واستحضارك بألقك ودعاباتك وضحكاتك، ولنردد الآن تلك المقولة الخالدة التي أعجبتك مني.
    In the vast emptiness of your absence, I feel your presence” "
    وفي موروث الأدب العالمي الكثير من الذي يعيننا على تخفيف الحزن وإلقاء بعض من ثقل عناء التمعن في تجربة الشهرة وتبعاتها أيها الحبيب الغائب، فلنقرأ معاً الاقتباس الوارد في خاتمة رائعة جورج إيليوت "المسيرة الوسطية" “ Middlemarch”:

    For the growing good of the world is partly dependent on unhistoric acts; and that things are not so ill with you and me as they might have been, is half owing to the number who lived faithfully a hidden life, and rest in unvisited tombs”.
    وصدق من قال:

    الناس صنفان أموات في حياتهم ... وآخرون ببطن الأرض أحياء

    نم قرير العين يا حبيب الروح، وستبقى كما والدك في سجل الخالدين، لك الرحمة والمغفرة الواسعة ولوالدتك وشقيقاتك وأهلك ومحبيك وأصدقائك الكُثر في كل مكان الصبر والسلوان.

    "إنا لله وإنا إليه راجعون".

    ***
                  

03-04-2008, 05:20 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)




    ترانيم وداع محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (3)



    الحبيب الأستاذ فخري كرار .
    تحيات ناضرات وقد خصصتني برفيع المكانة ، نرجو أن نكون بُرهة في زمانها ،
    فهي من خيرك الممدود ، وذكرى من أحببت وهي تُغسل أعيُننا بملح الطُهر .

    لا المسافة ولا الخيال يأخذان بأيدينا بعيداً عن طعم الرحيل المُر .

    لم تكُن أنتَ سيدي ناكراً للهوى ، فقد نضحت رغوة زفير القلب وصعدت قلنسوة الرحيل المهيب لكتلة محبة اسمها " محمد الأزهري " ، نفثتها الإنسانية برهة في زماننا فقطفت زهرة نضيرة وهي في كامل رونقها من بساتيننا التي تختبئ الشمس من وهج ضوئها الساطع. نجمٌ يخفت في وهج الأسحار، نشرب من ضوئه أيام الفأل القادمات في أحلامنا ، فننكسر في انعطاف الطريق .
    إنه رحيل أصحاب الرؤى ،فما تنضج ثمارهم عندنا و تمتد شرايينهم لتُُغذينا بصباح مُشرقٍ ، إلاو يعاودنا الأسى في منتصف المسافة إلى العافية ، فقد كُتِبَتْ على أوراق الوطن ألا ينضج عجينه إلا على نار هادئة تُفل الحديد .


    عبد الله الشقليني
    ***

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 03-04-2008, 08:40 PM)

                  

03-13-2008, 03:45 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote: April is the Cruelest Month, breeding
    Lilacs out of the dead land, mixing
    Memory and desire, stirring
    Dull roots with spring rain
                  

03-17-2008, 05:02 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote: وصدق من قال:

    الناس صنفان أموات في حياتهم ... وآخرون ببطن الأرض أحياء

    نم قرير العين يا حبيب الروح، وستبقى كما والدك في سجل الخالدين، لك الرحمة والمغفرة الواسعة ولوالدتك وشقيقاتك وأهلك ومحبيك وأصدقائك الكُثر في كل مكان الصبر والسلوان.
                  

03-04-2008, 05:07 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote: الناس صنفان أموات في حياتهم ... وآخرون ببطن الأرض أحياء

    في الانتظار ورحم الله الفقيد أبن الأزهري
                  

03-04-2008, 05:55 AM

Ahmed Yousif Abu Harira
<aAhmed Yousif Abu Harira
تاريخ التسجيل: 10-19-2005
مجموع المشاركات: 2030

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عاطف عبدالله)

    (لم تكُن أنتَ سيدي ناكراً للهوى ، فقد نضحت رغوة زفير القلب وصعدت قلنسوة الرحيل المهيب لكتلة محبة اسمها " محمد الأزهري " ، نفثتها الإنسانية برهة في زماننا فقطفت زهرة نضيرة وهي في كامل رونقها من بساتيننا التي تختبئ الشمس من وهج ضوئها الساطع. نجمٌ يخفت في وهج الأسحار، نشرب من ضوئه أيام الفأل القادمات في أحلامنا ، فننكسر في انعطاف الطريق .
    إنه رحيل أصحاب الرؤى ،فما تنضج ثمارهم عندنا و تمتد شرايينهم لتُُغذينا بصباح مُشرقٍ ، إلاو يعاودنا الأسى في منتصف المسافة إلى العافية ، فقد كُتِبَتْ على أوراق الوطن ألا ينضج عجينه إلا على نار هادئة تُفل الحديد .)


    للفقيد الكبير الرحمة والمغفره ولاصدقائه ومحبيه ورفاقة الصبر والسلوان



    (عدل بواسطة Ahmed Yousif Abu Harira on 03-04-2008, 05:58 AM)

                  

03-04-2008, 10:01 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: Ahmed Yousif Abu Harira)

    Quote: للفقيد الكبير الرحمة والمغفره ولاصدقائه ومحبيه ورفاقة الصبر والسلوان


    شكراً لك عزيزنا : أحمد يوسف


                  

03-04-2008, 06:39 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عاطف عبدالله)

    Quote: في الانتظار ورحم الله الفقيد أبن الأزهري





    الحبيب الروائي : عاطف عبد الله
    تحية طيبة

    دوماً أنت سباق .. واليوم نفتح ورداً لنٌزيح عن القلب ثقل
    الرحيل ونحيله رفقة روح في زمان صعب .
    أفسح الحبيب الكاتب : فخر الدين كرار لمداد القلب أن يتحدث ،
    سنحيل الذكرى بُستاناً لنرى كيف نستعيد البطل من الأستار الكثيفة
    التي بيننا وبين الجسد ، والشمس التي تُشرق بوجود الروح .

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 03-04-2008, 11:57 AM)

                  

03-04-2008, 06:16 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)




    ترانيم وداع محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (4)



    إلى محمد الأزهري

    عندما نغمض أعيننا لنحلم أن علم الوطن يُرفرف في سماءٍ صافية . تحمله أسراب الفراش . الشمس بمقدار الرُمح . العُشب الأخضر ممدٌ على بساط الأرض .
    عندها نذكر الوطن بالخير . وهب لنا أرضاً فسيحة ونيلاً يمتد ستة آلاف وثلاثمائة كيلومتر ونيّف من منبعه إلى مصبه . عندنا آلاف السحنات والألوان واللغات وثقافات التنوع المُبهرة ، وكنوز في باطن الأرض ...

    في مثل تلك الأعياد نفتقدك سيدنا برحيلك إلى المكان العالي ، بين البساتين الخُضر تجلس أنت مع رفاق أُخر على أرائك وسائدها من الفرح المأمول .

    عبد الله الشقليني
    ***

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 03-04-2008, 06:19 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 03-04-2008, 08:39 PM)

                  

03-04-2008, 10:19 AM

Mutwali Malik
<aMutwali Malik
تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 2720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)

    لك الشكر استاذ عبدالله الشقليني علي ايراد هذا السرد الرائع روعة كاتبه صديقي فخر الدين كرار
    ومن هذا المكان نطالب سيد الحوش بكري بان يمنحنا عضوية هذا الاريب والتي اعتبرها ملزمة ونحن في اشد
    الحوجة لامثاله هنا
    رحم الله الفقيد محمد الازهري وانزل عليه شأبيب رحمته
                  

03-04-2008, 12:04 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: Mutwali Malik)

    Quote: لك الشكر استاذ عبدالله الشقليني علي ايراد هذا السرد الرائع روعة كاتبه صديقي فخر الدين كرار
    ومن هذا المكان نطالب سيد الحوش بكري بان يمنحنا عضوية هذا الاريب والتي اعتبرها ملزمة ونحن في اشد
    الحوجة لامثاله هنا
    رحم الله الفقيد محمد الازهري وانزل عليه شأبيب رحمته


    عزيزنا الأستاذ / متوكل
    تحيات زاكيات

    كنا نعرف أن جروحنا تريد أن تغتسل ،
    ونعرف أن الأرواح تود الألفة من بعد فؤاق للأجساد لا وصال بعده .
    كان الراحل على وشك لملمة خيوط تآلف للجميع ..
    ويد المنون هبطت كنسؤ جائع كاسر ..

    لنرفع في ذكرى محمد كل ما يمكننامن ورد الدُنيا
    وروائحها الملوكية ..

    **

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 03-04-2008, 04:30 PM)

                  

03-04-2008, 10:25 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)




    ترانيم وداع محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (5)




    محمد الأزهري يا بهياً بزينة القُرى والمَدائن.


    لن يُضير العُمر إن جلس قليلاً و انتظر.
    لن يُضير العُمر أن يبقى حتى ينفُخ في وجهِها حليب الفأل ،
    ويبدأ العُرس المُؤجل ونَفرح لهما وللوطن.
    للفواجع أن تهنأ فقد نسجت عُشاً لغُربانها وأسكرنا رجز الثواكِل .
    ها هوَّ الحُزن يصُب العلقم في الحُلوق عُنوةً.

    جاء الصباح بشمسه المُحتقِنة ،
    واسودَّت مصابيح العُيون على فراقكَ يا سيد النضار .
    مآقي الدمع تنـزف بالفراق، أ هذا ما وعدتنا به يا زمان البؤس :
    ذبح قديم في جُمعة عظيمة ، ثم عيد للقيامة مُفرِحٌ ،
    ثم سفر لك سيدنا بلا عودة ! .

    هذا ربيع الجمر حَط على مضاربنا.
    هدَّ المسير رواحلنا وتكالب الطير ينتظر الوليمة.
    في وداعك التفَّت الأجساد برايات قديمة ، ونزفت الطرقات بالأفواج رَذْماً .
    أول الرؤساء عندنا جال في الخاطر ،
    و تذكَّرنا الآن كيف كان رحيله المقهُور فادحاً .
    كنت سيدي خرزة عُنقود تمجد،
    يصلُح لريح الزَّعامة أن تركُض في أثره بنفيس أثوابها،
    وثقيل ملحها، وعسير أيامها تَطلُب الرضا.

    الوطن و قد أعيته التضاريس، يسير حافياً.
    ما أن تنهض فكرة تُطوِّر حتى يتخطفها الكواسر من كل صوب.
    تستعصِم هي بالشرنقة ، ويستَقوي غلافها عليها فتحتَجب .
    رأيتُك أول مرة وأنتَ في منتصف عُمرك الجامعي،
    وكانت الأغُصان يافعة تلهو بها الريح.
    كستكِ الوداعة من بساتينها. كنـز الروائح من دواخلنا يفوح
    وأنتَ ببساطة طبعك كُنت :

    ( سيد نفسك مين أسيادَك ؟ ) .

    أتذكرني سيدي وتذكر رفقتي، أم أن الروح يشغلها هوى جديد ؟
    كنتَ على اليمين والصديق صلاح حسن أحمد على اليسار،
    ولا تصلُح هُنا إلا كلمات الشاعر أحمد محمد علي :

    همسات من ضمير الغيب تُشجي مَسمعي
    و خيالات الأماني رفرفت في مضجعي
    .............

    لم يشغلك الإرث العظيم، ولم يُخامرُك التعالي.
    حديثك بيننا يُطرب، وأصابع يديك تُمسِك بأحاسيس الدواخل .
    كنتَ شمعة أكبر من كل المصابيح التي عهدنا، ثم صعدت فرعاً باسقاً،
    وها أنتَ الآن نجماً يومِض من بعيد .

    إنها الخسارة الفادحة.

    حلَّ علينا زمان الفرقة ، شرٌ مستطير.
    أُقنوسة المُلكْ الحزينة جلست على رؤوس لا تستحق ! .
    كان موعدك على قارب في اليَّم، وحولك سُفن القراصنة مُشرعة.
    هذا زمان آسن يُغرِق أحباءنا ويُنجِي الثعالب ! .
    الأشقياء دوماً يطول عُمرهم،
    وأنت طيب مثل أبيك ترحل قبل إنجاز المُراد .

    الدهر صوَّب سهمه وتكسرت النِصال على النِصال.
    تفككت الأصفاد عن الروح، وغادرت جسدك البديع إلى عوالم أرحب.
    رحلتَ مُبكراً سيدي والجُرح مفتوحا على سَفح الهزيمة و الملف الآن ينتظر.
    لك السلام في أرائك العُلا،
    و لكَ المَحبة منذ كانت،
    والقلب يركُض في أثر الهوى وإن رحَلتَ.

    عبد الله الشقليني
    27/04/2006 م

    محمد الأزهري : يا بهياً بزينة القُرى و المدائن .


    ****
                  

03-04-2008, 04:33 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote: الأخوة الأعزاء في هذا الحوش الكبير، المحبب إلى النفس والذي ندلف إليه بلا طرق على باب، لنؤنس وحشتنا فيه كل يوم. ما كنت أرغب في العودة إلى هذا المقال الذي كتبته مؤبناً واحداً من أعز أصدقائي عشية رحيله عن دنيانا الفانية، وهو الراحل المقيم الزعيم، إبن الزعيم، محمد إسماعيل الأزهري. فقد كان محمد من تلك القلة من الأحباء الذين يرحلون عنك وأنت لا تريد أن تذكر حتى مجرد فكرة رحيلهم عنك، وقد دأبنا نحن زمرة خلصائه المقربين على الحديث عنه وكأنه حاضر بيننا. هذا لا يحدث إلا مع قلة قريبة وعزيزة على النفس والخاطر، قلة من أولئك الذين وصفهم الشاعر بقوله:

    الناس صنفان أموات في حياتهم ... وآخرون ببطن الأرض أحياء
                  

03-04-2008, 08:13 PM

الحارث سرالختم عبد الله
<aالحارث سرالختم عبد الله
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 602

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: عبدالله الشقليني)

    رحم الله الأخ الصديق العزيز محمد الأزهرى ولأهله واخوته وجميع محبيه الصبر والسلوان وشكرا اخى

    فخر الدين وجزيت خيرا فقد كان الفقيد نعم الصديق ونعم الأخ ولكنها ارادة الله فى خلقه

    وانا لله وانا اليه راجعون


    الحارث ابو ختم
                  

03-04-2008, 08:35 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: الحارث سرالختم عبد الله)




    ترانيم وداع محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (6)



    أيام تقطِّر من الذاكرة .

    كنتُ برفقة الصديق صلاح حسن أحمد ، تلك النـزوة حلوة المذاق في دُنيانا ذات منعطف من العُمر تبدو كالوشم على الخد لن تنمحي . عرَّفني ذات مساء على زميل لنا يصغرني بعدة سنوات في مُقتبل العُمر الجامعي :

    ـ محمد الأزهري !

    قلت :
    ـ أذاك الطفل النجم الصغير الذي كان يُرافق والده الرئيس الأزهري عند تجواله خارج الوطن ؟
    قال صلاح :

    ـ نعم .

    قلت أخاطبه :

    ـ كنتَ سيدي وسيماً ساعة طفولتك ، واليوم نهض بُنيانك وأحتاج زماناً لربط الطفل الوسيم من الذاكرة البعيدة التي كنا نراها والرئيس يغادر سلم الطائرة مودعاً ، وبين الماثل أمامي بلباس الود والتواضع والبسمة المُذهبة.

    عرفت أني أمام من لن أنساه أبد الدهر ، فقد خط رسمه ببُهار حضوره البهي .
    جلسنا ثلاثتنا على الدرج بين الطابق الأرضي والأول في أحد مباني كلية الآداب من بعد الثانية عشر مساء . فوقنا في الطابق الأول قسم اللغة الإنجليزية . الأضواء خافتة ، ولم يبق سوى سُمار الليل من الذين تنضر معدنهم وهجروا البداوة التي تقبع في الذاكرة .
    أمسك محمد بالجيتار وبأصابعه الساحرات وهي تقلبُ أقدار النغم . صلاح يُدوزن العود حتى بدأ الرنين يصفع بعضه : " الدو " في العود تُلاقي " الدو " في الجيتار .

    يبدآن شيئاً من موسيقى المُبدع إبراهيم الكاشف " رحلة " للشاعر سيد عبد العزيز :
    اجتمع التوافق مع التفاوت والتماوج والتلاقُح وكل عبير الأسماع . جديدٌ هو على مسامعنا ، فلم تعتاد آذاننا في منتصف السبعينات على طعم " الكاونتر بوينت " أو نفحات " الهارموني " في الموسيقى السودانية . نصف " التون" يأتيك خجولاً فقد كنا لم نعتد بعد على تلك الذائقة المُترفة ونحن في ريعان قبول الجديد .كُنا نولع بالتجريب بذهن مفتوح ، وكنا مغرمين بفك الحُجب التي وقفت بيننا وبين الآفاق المفتوحة والفضاء الرحيب .

    بدأت الموسيقى بطعم جديد غير ذاك الذي عهدنا ، وبدت ملامح الأغنية التُراثية من خلف إيقاع غير الذي نعرف ، توافق موسيقي غير الذي كنا نسمع في ذلك الزمان :
    وبدأنا نهمُس الأغنية كمن يخاف ألا يتناسب صوت الغناء مع فخامة الموسيقى ، والصدى يضرب أرجاء المكان :

    داخل روضة غناء
    وانحنا جماعة كُنا
    يوم في الدَهر فنا
    شهِدنا الدهر غنى
    **
    جلسنا مكان نـزلنا
    و قُلنا لمن عزلنَا
    أنِحنا هِنا انعزلنا
    بعدنا عن المظنة
    وعلى نخب المحبة
    كُل زول حَبة حَبة
    حسونا الود صافي
    سمَونا وما نزلنا
    .....

    نعم ، كان الود حساء المساء وسمونا سماء لم تطاولها سماء .
    قلت لنفسي وأنا الشاهد الذي يُحلق في أركان الكون بلا هُدى وقد ضرب الشجن صفحاً عن الماضي ،
    وغسلت نفسي وعمداني رسولا يسوع بماء نهر القلب ...

    كان هذا أول لقاء لي به

    عبد الله الشقليني
                  

03-04-2008, 08:47 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: الحارث سرالختم عبد الله)

    هذا حديث الروح للروح
    انه دفق الانفاس الصادقة لصديق نفيس ومتنفس يفيض حميمية
    لك التقدير أخى عبدالله الشقلينى وعبرك عاطر الاشواق للصديق
    العزيز فخرالدين كرار فقد كان إحد النسمات التى عطرت سماء
    الدوحة




    تنهدات: سعيد من له مرقد ذكرى في دنيا محمد الازهرى
                  

03-05-2008, 04:48 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: هذا حديث الروح للروح
    انه دفق الانفاس الصادقة لصديق نفيس ومتنفس يفيض حميمية
    لك التقدير أخى عبدالله الشقلينى وعبرك عاطر الاشواق للصديق
    العزيز فخرالدين كرار فقد كان إحد النسمات التى عطرت سماء
    الدوحة

    تنهدات: سعيد من له مرقد ذكرى في دنيا محمد الازهرى



    العزيز بدر الدين
    تحية طيبة
    ومن تبدو طلعته اللغوية الناضرة ...إنه ابن الأمير .
    كما وصف الكاتب المبدع : الأستاذ فخر الدين كرار ،
    فإن للحظة صناعتها ، وخير لنا ألف مرة أن نعيش وجود الراحل بيننا بروحه المتألقة
    الشفيفة تراوح مكانها بيننا . كثيرون لم يعرفوا هذا الإنسان .. أبطالٌ كٌثر
    بيننا لم نعرفهم حق عرفانهم إلا من بعد الرحيل !!

                  

03-05-2008, 09:04 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترانيم الوداع الأخير إلى محمد الأزهري ـ بقلم فخر الدين كرار ـ دبلوماسي سابق (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: تنهدات: سعيد من له مرقد ذكرى في دنيا محمد الازهرى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de