في مقاربات الإسلام والحداثة *

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 10:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-23-2008, 10:29 AM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في مقاربات الإسلام والحداثة *

    حين نتساءل اليوم عن مفاعيل الحداثة منذ لحظتها التاريخية الأولى في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، لا يعوزنا التأشير على رأس جبل الجليد الذي ظهر لنا حتى الآن من بنيتها في حياتنا الفكرية والسياسية الهشة ، أي عجزها عن نسج واقعنا المعاصر بصورة كشفت عن ذلك الاكتئاب الذي أصاب المفكرين العرب، كلما تلاحق الارتداد عن مكتسباتها (المنجزة) ، عما كان عليه الحال في النصف الثاني من القرن العشرين حتى نهاية الحرب الباردة ، التي كانت نهاية القرن الفعلية ، بحسب المؤرخ البريطاني (إيريك هابسباوم) . وهي نهاية زجت بنا في واقع عار عن الآيدلوجيا وأنظمتها العتيدة وبصورة لا تعيننا على الإفلات منه سوى الإدراك المعرفي للعديد من المفاهيم .
    ضمن هذه المفاهيم يدور جدل طويل حول أنطلوجيا الإسلام والحداثة ، لا ينفذ في الغالب الأعم إلى الجذر الإشكالي لخطاب نقدي جاد يتطلب ،إلى جانب عدة البحث ، شجاعة فكرية تعوز أغلب مثقفينا في هذا الصدد. خصوصا عند مقاربة فهم الإسلام بعيدا قوالب الوعي المكرسة والمسبقة .
    ذلك أنه بينما كان مجاز الحداثة عندنا يتشاكل (من المشاكلة اللفظية) مع الحقيقة اللامعة للحداثة الأوربية ، ويتحايث معها ـ ومازال ـ من مقعد المستهلك في بدايات القرن الماضي ، بدا للمتأمل أن ثمة وعيا نزع إلى مطابقة مثال الحداثة الأوربية مع واقعنا مطابقة فوتوغرافية مبنية على( قياس فاسد) قطعت مع التراث دون أن تهجس بالإسلام إلا في سياق اعتذاري مرد وف بالتأويل والحرج .
    والحال أن ذلك الشرط الإقصائي للإسلام في وعي المفكرين العرب الذين أعرضوا عن قراءة الإسلام ، وإعادة تأويله بلغة معرفية معاصرة ـ مأخوذين بآيدلوجيا الحداثة ـ في وعيهم ؛ هو ما أدى إلى بروز قراءات متطرفة للخروج من مأزق الأزمة ، نشط فيها التأويل عند (القاعدة) إلى غداة ، كغداة كارثة 11 أيلول 2001 في نيويورك.
    من هنا ربما كان البحث في موضوعتي (الإسلام) و(الحداثة) من أهم المحاور التي يجب أن تـُعنى بتفكيك البُـنى المركبة والملتبسة لكشف وسبر إشكاليات الفهم المتعلقة بهما . وبالرغم من الكتابات التي تراكمت في هذا الحقل إلا أن الكثير مما كُـتب كان يصدر بعيدا عن جوهر القضية . والأدهى من ذلك أن هذه الكتابات لم تتجاوز الفضاء الآيدلوجي الذي تزامنت فيه حيثيات الكتابة مع وقائع متحولة (الاستعمار ـ الحرب الباردة) وهي مزامنة غالبا ما تلتبس بالقراءة المؤدلجة ، فيما الضغوط التي تستعيد الحاجة إلى مقاربة الإسلام والحداثة مقاربة معرفية في زمن المعلوماتية والعولمة هي الأكثر إلحاحا! ومن أسف أن محاولات الفهم الموضوعي للإسلام والحداثة ظلت تفتقر إلى شجاعة ضرورية حجبتها حساسيات قاتلة بين كل من المهتمين على الصعيد الفكري من الطرفين .
    إزاء ذلك لعبت مفاهيم مكرسة ، ومقولات عتيدة في غياب الوعي بـ(جغرافية المصطلح) ــ بحسب علي شريعتي ــ دورا بارزا في تتريس عجلة الوعي المتحرر من قيود تلك المقولات. فكل من دعاة الإسلام والحداثة عجزوا عن اكتشاف وتحرير فهوم غائبة أو مغيبة ، لهما(أي للإسلام و الحداثة) في ظل تلك الحساسيات الاصطلاحية التي أنتجتها مناهج التعليم في واقع متخلف لا يمكنه إدراك المعاني المستقلة بسبب ذلك التخلف ، فيما أصحبت بعض مقولات ذلك التعليم مقولات مكرسة في ذاتها.
    والحق أن الإهتمام المعرفي بالإسلام ظـُـلم مرتين. مرة لإهماله تماما من قبل النخب الفكرية ـ كما ذكرنا آنفا ـ ومرة لقراءته (بعد أن أصبح واقعا بتأويلات مختلفة) عبر مصادر وآليات لا تفي بتمام عدة البحث .
    في ظل أجواء ملتبسة كهذه لا تنجو مقاربة ما ، للإسلام ، لقراءة خطابه النصي ضمن منهج فكري يبحث في علاقاته بالنشاط الإنساني في التاريخ والحاضر والمستقبل ، وبصدد إعادة إنتاج معاصر لمفاهيمه ؛ أقول لا تنجو مقاربة كهذه من مقولة صادمة ، وذات حمولة رمزية عالية ومشككة للوعي ، كمقولة (القرون الوسطى) ـ دون إدراك شرطها الجغرافي ـ لتتحول تلك القراءة الجادة التي تتوخى فهما معاصرا ، في وعي الكثيرين إلى قراءة تصلح للمفاخرة بقيم الإسلام ـ قياسا على غيرها ـ في العصور الوسطى ربما . وهي مقولة شكلت قاعدتها التعليمية كوابح منـّـفرة ، ورافعة آيدلوجية في ذهن المتلقي ، تصد عن فهم وفرز الإسلام كوعي كوني ، عن أفكار القرون الوسطى ؟؟
    كذلك هناك صعوبة شديدة لدى المفكرين العرب في الإفصاح عن معنى الحداثة بوصفها قطيعة كاملة مع القرون الوسطى في الوعي والسلوك ـ كما هي في أوربا ـ
    والحال أن عدم القدرة على فحص واختبار مقولات الإسلام بعيدا عن الآيدوجيا ، والعجز عن الإفصاح عن المعنى المركزي لمفهوم الحداثة هو ما يحول دون الخروج برؤى واضحة ومتماسكة في الجدل الذي يدور بصددهما .
    وبالرغم من أن الفهم المعرفي للإسلام يمكن أن يتحاجج مع المقولة المركزية لفكرة الحداثة ، إلا أن الإعلان عن ذلك ـ فضلا عن مناقشته ـ ربماكان عسيرا في واقعنا العربي الذي تحكمه (التأويلات الدينية والممارسات السياسوية) بحسب أدونيس.
    وبين هاتين المعضلتين تزدهر تلك الفهوم الملتبسة لمعاني الإسلام والحداثة في مقاربات تحبس الفكر بعيدا عن فعل المثاقفة الضروري بين المفكرين العرب للخروج من الدائرة المفرغة التي ظلت تدور فيها أسئلة النهضة منذ أيام رفاعة الطهطاوي ، حتى أصبح سيرنا نحو النهضة(كمن يقصد البحر وهو يستدبره) بحسب أبي حامد الغزالي .
    وأهم مادار طوال الفترة السابقة هو اجترار المحاكاة الأوربية للحداثة التي تأسست على الطلاق بين المسيحية والتنوير ضمن مراحل أخرى ، في محاولاتنا المتطرفة لتطبيق تلك التجربة على قياسنا المختلف حضاريا . حتى بدا كما لوكان ذلك التقليد هو الحداثة عينها ، وأن الإسلام هو المثال المسيحي في واقعنا كما في التجربة الغربية ، نمتلك إزاءه حساسيات رهيبة ، عند الحديث ـ مجرد الحديث ـ عن افتراضات تطبيقية لمفاهيمه في الحياة المعاصرة ، على قياس أفعال المسيحية الرهيبة في أوربا أيام الحروب الدينية والقرون الوسطى؟؟!! وهو أمر حدا بمفكر مثل (محمد أركون) أن يصرخ في وجه ذلك التنميط حتى بالنسبة للغربيين أنفسهم حين قال : (لقد طفح الكيل من اللجوء إلى فولتير لاستخدامه ضد التعصب الديني) " من حوار أجراه معه حسن شامي ـ الحياة 19/2/2002"
    ولعل ذلك يكشف المسافة المخيفة والحرجة التي تحبس المفكرين العرب عن دراسة الإسلام بعيدا عن القراءات الأنثروبولوجية والسسيولوجية ، فضلا عن المقاربات السياسية البائسة ؟؟!!
    صحيح أن القطيعة نتجت في مناخات عالمية ضاغطة ، وضمن سياج مؤدلج بسبب الاستعمار والحرب الباردة بصورة يصعب الإفلات منها، خصوصا أن ذلك جرى في مجرى ثقافة غربية شمل تأثيرها حياتنا الفكرية والسياسية ، لكن كل ذلك يفسر ولا يبرر الذهول المريع عن الإسلام كقيمة فكرية يمكن فرزها عن التباسات تلك المرحلة. وبالرغم من ذلك كانت هناك استثناءات نادرة ، وغير مؤدلجة قاربت فهم الإسلام في سياق فهم الحداثة (مالك بن نبي في العالم العربي ، وعلي شريعتي في إيران) كلاهما حاور الحداثة والإسلام برؤية عقلانية استراتيجية راهنت على فاعلية الإسلام في الأزمنة الحديثة ، في وقت عد البعض كتاباتهما رطانة غريبة يصعب تضمينها في ذلك الاستقطاب .
    ربما كانت العبرة اليوم مما كتب هذان المفكران هي إمكانية القدرة على تجاوز الأفكار الأيدلوجية إلى فهم معرفي أعمق . وتلك الشجاعة الفكرية التي عتمت عنهما الوهج في أضواء الحرب الباردة .
    لا نحاول أن نرجع بالزمن في هذا الاستطراد ، بقدر ما نبحث في علل هذا الغياب شبه الكلي عن مقاربة الإسلام كمنهج موضوعي ؟
    ذلك أن المفكرين العرب بالرغم من خوفهم ـ غالبا ـ من الطرح الكامل للفكرة المركزية في الحداثة كخيار وجودي ، في المجتمعات العربية إلا أن الحديث عن الحداثة تعين عليه كثافة إعلامية عالمية غير متناهية ، يستوحش معها الحديث عن الإسلام كخيار معرفي وجودي بعيدا عن التأويلات الإسلاموية التقليدية والمتطرفة ، ومقايضات الإسلام السياسي .
    لكن عند مفترق الطرق الذي بدا اليوم بعد انحسار أقانيم فكرية تداعت بفعل تحولات بنيوية في شكل العالم عشية الألفية الثالثة ، وارتداد سؤال الحداثة ، والإسلام مرة أخرى ، تكشفت التأويلات الإسلاموية المتطرفة ، مع صور حداثتنا البائسة ، عن عنف سريالي مخيف ، وهي تأويلات لا يجدي معها التـترس بالآيدلوجيا ـ أيا كانت ـ بقدر ما تجدي مقاربات معرفية شجاعة وضرورية إزاء موضوعتي الإسلام والحداثة . والبحث عن إجابات مركبة في مقاربة الفهم الموضوعي .
    وبينهما يبقى السعي المشترك من أجل الحريات هو الضمانة الوحيدة للتمرين على النقد الفكري غير المحترز من التأويلات المضللة بفعل الخوف .
    لكن هناك معنى آخر مشترك من الأهمية بمكان : هو الوعي بضرورة تاريخ تربوي يؤسس لتوطين الفهم المعرفي للحداثة والإسلام ـ كل على حدة ـ في بنية عميقة تستجيب لنضالات اجتماعية لابد منها .
    صحيح في ظل تقارب العولمة والتواصل المفتوح وتبادل المعلومات ، لا يمكن ترّسم المراحل الزمنية لصيرورة الحداثة في التاريخ الأوربي ، لكن متى كان تعويد الناس وتربيتهم على ممارسة الحريات والديمقراطية كأسلوب حياة ـ أي في خبزهم اليومي قبل أن تكون هذه الممارسة نظاما للحكم ـ متى كان ذلك ممكنا بمعزل عن التربية والقدوة والتضحية والزمن ؟
    فالحريات والصبر عليها هي الشرط الشارط لتوطين الحداثة ـ كما الإسلام ـ ضمن شروط أخرى لا تنفك عن التربية ولاتغني عنها ؛ تلك التي تعتبر محمولاتها الفكرية والمعرفية والفنية ..... إلخ
    إن أكثر ما تكشفت عنه وقائع القرن العشرين هو التخلف الذي التبس بكثير من المفاهيم، وراهن على أطروحات آيدلوجية بائسة ونهائية عن التغيير والحداثة وغيرها من موقع العجز والهجاء ، فيما كان ينطوي على رواسب من أزمة الثقة بالنفس ، وجذور العصبية ، واليقينيات الساذجة في قضايا شائكة وغير نهائية حيال الذات والآخر . إن الإسلام أكبر من أن تختطفه حركات العنف الأعمى التي نبتت في العقود الأخيرة . بل هو يعبر عن طبيعته بأوضح عبارة (لا إكراه في الدين) ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) .
    ولكن ليس الحوار والحرية هما السبيل الذي يسلكه الإسلام فحسب ، بل هما اليقين الذي خرجت به أوربا بعد حربين كونيتين ، واليقين الذي أسس فيها الحداثة أيضا .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * عن صحيفة الحياة اللندنية



    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 02-23-2008, 10:32 AM)
    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 02-23-2008, 10:34 AM)

                  

02-24-2008, 10:57 AM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)

    *
                  

02-24-2008, 12:26 PM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)

    الاخ محمد جميل
    سلامات
    شكرا على هذا الطرح القيم والاشكالي في ذات الوقت.
    لي مداخلة نقدية ستتطرق الى النهج التجريدي ولا أقول التعميمي الذي سقته توصيف "المعرفة" الاسلامية. فحنى ذلك اللقاء ، لك الود
    عبد الخالق السر
                  

02-24-2008, 05:27 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: atbarawi)

    الأستاذ عبد الخالق السر ... تحياتي
    شكرا على التداخل في هذا البوست
    ربما كان طرحا إشكاليا لمن يتصدون للفكرتين بآيدلوجيا كثيفة ـ وما أكثرهم ـ ، والاشكال قد لا ينسحب بالضرورة على التحديد المعرفي للفكرتين ، إذا كانت ثمة حريات تسمح بذلك . لا أعرف نسبة مساحة التجريد أو التعميم المفترض في قراءتك للمقال ؛ لكن المقال يقترح خروجا من المقاربات المنمطة والمؤدلجة لكل من الفكرتين ، ضمن حيثيات جديدة ووقائع كشفت عن واقع لم يكن متصورا أن يكون على هذه الشاكلة من الغرابة والتعقيد .
    أتمنى أن أرى مداخلتك قريبا
    مودتي
    محمد جميل
                  

02-26-2008, 11:52 AM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)

    الاخ محمد جميل
    سلامات ومعذرة لتأخير الرد.

    في اعتقادي أن التحديد المفاهيمي للمعرفة الإسلامية التي ترومها في غاية الأهمية لأية مقاربة منهجية تعمل على تحليل إشكالية العلاقة بين الإسلام والحداثة، إن كانت هذه العلاقة قائمة على تعارض جوهري أم تاريخي مشروط بظروفه الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية أم أنها علاقة قائمة على التوافق والالتقاء.
    أقول ذلك وفي البال أن أي محاولة غير ابستمولوجية لبلورة هذا المفهوم "الغائم" تعني استحالة الحوار وتدلف بنا إلى ثنائية الشرق/ الغرب ومن ثم إعادة إنتاج الاستشراق والاستشراق المعكوس على حد تعبير الدكتور صادق جلال العظم في كتابه الشهير (ذهنية التجريم). والاستشراق المعكوس هنا هو أسطرة وتثمين كل ما كان الاستشراق يعتبره نقيصة جوهرية في بنية الشرق وبالمقابل العمل على الحط من كل ما كان الغرب يفخر بأنه ميزة "جوهرية" ترتفع به على من سواه.
    إن تشكك في – أمانة- المعرفة الوضعية ، ولا أقول قدرتها، لمقاربة الواقع الإسلامي وتحميلها بالمطلق لوزر المقاربات الأيدلوجية لهذا الواقع هو نهج تعميم واطلاقي، وربط كل ذلك بالاستشراق – دفعة واحدة- يقود بالضرورة إلى خلط والتباس مفاهيمي يتوسل بلاغة اللغة بدلا عن التحديدات والضبط المفاهيمي. وفي تقديري أن سبب ذلك يعود إلى سيولة مفهوم "المعرفة" الإسلامية الذي بنيت عليه نهجك النقدي.

    إن تحديد مفهوم المعرفة الإسلامية يقودنا خطوة إلى الأمام لتحديد مفهوم آخر هو "الحداثة" وتشابكاتها بالمعرفة الوضعية ومن ثم نتوجه في النهاية لمقاربة العلاقة بين الإسلام والحداثة.
    إن الحداثة في أكثر تعريفاتها تكثيفا: هي تلك الفترة الزمنية من تاريخ أوربا – القرن السابع عشر- والذي حدثت فيه تغيرات جذرية على المستويات الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية، رافقه نمو ووعي علميين ذوي منحى عقلاني يقترن بالسبب. والأهم من ذلك أنها أضحت مفهوم عالمي يتقاسمه الكثير من الرجال والنساء في العالم بفضل هيمنة العلوم الوضعية والاختراعات التكنولوجية والنماذج السياسية للدولة القومية الحديثة. ومن هنا يمكن وصفها بالعولمة.

    وهي كما ترى مفهوم يرتبط عضويا بالمعرفة الوضعية ، ومن ثم أن أي مقاربة لتحليل وتفكيك بنى الحداثة لا بد أن يقوم على آليات ومناهج العلم الوضعي. السؤال: إذن ماذا عن نوع المقاربة المنهجية التي تبتغيها لما اصطلحت عليه بالمعرفة الإسلامية؟ هل هي تلك المناهج القروسطية من قياس واجماع ... وغيره؟ أم هي تلك المعرفة القنوصية المقصورة على الخاصة؟ أم.....؟
    ومن المهم هنا أن نشير لتورط الدين الإسلامي من خلال تجسده كبنى اجتماعية، اقتصادية، ثقافية وسياسية في الحداثة حتى أذنيه. وهذا وحده دليل كافي على جدوى تطبيق العلوم الوضعية وخصوصا المناهج الإنسانية من تاريخ وسوسيولجي وأنثروبولوجي ولسانيات لسبر أغوره وفك اشتباكاته الأسطورية والتاريخية المثقل بها المعنى.

    إن اللواذ عن هكذا مناهج هو في تقديري عودة من الباب الخلفي إلى النهج الميتافيزيقي في صورته الدوغمائية. والسعي بوعي أو دونه لتأبيد فكرة التعارض الجوهري لمفهوم الشرق/الغرب بتقاسيمها المعروفة (عاطفي/عقلي، أخلاقي/ منحل، روحاني/ مادي ... الخ). وذلك باب واسع وفسيح أتاح من قبل – وما زال- للارذوكسية بمختلف تياراتها أن تتمدد وتهيمن على الواقع الديني، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي للعالم الإسلامي. ومن المهم هنا التشديد على أن أي محاولة لوضع الدين كممارسة اجتماعية خارج الزمان والمكان والعمل على لا تاريخيته تنسف بالكامل تنسف بالكامل أي محاولة لبحث اشتباكاته بالحداثة، وذلك من واقع أن الحداثة على حد توصيف عالم الاجتماع Giddens هي: صيرورة تاريخية لا تعرف الاكتمال لأنها تجسيد للانفتاح اللامحدود للتقدم المادي والحراك الاجتماعي واكتشاف الذات. أي أنها فعل تاريخي ينتج ويهدم باستمرار ، من خلال جدليته بالواقع، أشكال من الحقائق والمعنى. اتفق معك تماما في لا جدوى إسقاط الحداثة عموديا وبشكل تعسفي على واقع مرهون للميتافيزيقا – بشكل يكاد يكون كامل- كما هو حال المجتمعات الإسلامية اليوم، ولكن ذلك لا ينفي في ذات الوقت حقيقة أن هذه المجتمعات بموقعها المراوح لم يعد يتناسب مع التخريجات الفقهية المؤسسة على التراث الفقهي الكلاسيكي كما يصر براغماتية الاورذوكسية اليوم.

    محبتي
    عبد الخالق السر
                  

02-26-2008, 08:57 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: atbarawi)

    الأخ عبد الخالق السر (atbarawi) .... تحياتي
    شكرا على الرد الذي توخيت فيه ـ قدر الإمكان ـ احترازات منهجية حتى لا يقع الحوار في ردود فعل يستحيل معها أن يكون حوارا ...
    أن إشكالية التحديد المفاهيمي للمعرفة الاسلامية ت شترط إقرارا وإيمانا بالبنية المعرفية للخطاب القرآني .نابعامن يقين فلسفي أو لغوي بحقيقة النص القرآني ، ومن ثم محاولة البحث عن مناهج تتخذ من الأفكار المركزية للقرآن مصدرا لتطبيقات معرفية في حقول مختلفة ؛ كفكرة الإعجاز ـ في حقل اللغة مثلا ـ الذي أثبت أن : القيمة المعيارية العليا للبيان والبلاغة وأساليب الخطاب والبناء اللغوي في ذلك الخطاب القرآني ؛ قيمة تتفق تماما مع تحدي الإعجاز القرآني الواضح لأساطين تلك اللغة زمان نزوله.... إذا سلمنا معرفيا بهذا النموذج في حقل اللغة . فإن هذا سيجر إما إلى إيمان معرفي يبني عليه إقرار بالعلم المحيط الذي هو مصدر القرآن ، وبالتالي البحث في تطبيقات معرفية أخرى للدلالات والاشارات التي تأتي في القرآن بخصوص علم ما أو معرفة ما في التاريخ أو الطبيعة أو الحياة ألخ ...
    وهذا بالضبط ما قام به المسلمون بعد القرون التي تلت الاسلام الأول ، أو الاسلام التأسيسي ، ومن ثم أنتجوا تراثا معرفيا هو الأول على مستوى الانسانية ، قبل العصور الحديثة . هذه حقيقة حدثت ضمن واقع تاريخي معروف ...
    هذا يعني بالضرورة أن المسليمن أنتجوا عقلا تاريخيا واضح المعالم ـ أي فكرا اسلاميا يملك مقولات متماسكة في المعرفة والفلسفة والعلوم . في ذلك الزمن .... وإما إلى نكران وجحود بسبب العجز عن التحدي (أقصد هنا الحالة الثانية إزاء تحدي أن القرآن مثلا لا ينطوي على نظام لغوي إعجازي) ...
    في هذه الحال سيكون ذلك الجحود لا علاقة له بالمعرفة اللغوية ...
    المعرفة الوضعية تختبر حقائق الحس عبر التجربة ، وهي منهج فتح آفاقا رحبة في نتائج العلوم الطبيعية والمادية ، لكن إذا كان المنهج الوضعي ـ الذي يختبر الفكر ضمن إكراهات الزمان والمكان ، ولا يقبل بأي حقيقة خارج التاريخ ـ كالخوارق ، وعوالم ماوراء الطبيعة ـ كيف سيختبر فكرة أن النص القرآني هو نص إلهي أي أن مصدره ماوراء الطبيعة؟ وإذا كانت البيئة الجاهلية التي نزل فيها القرآن بيئة فقيرة في المعارف والأخداث والمبادئ الكونية التي جائت في النص القرآني ، كيف يمكن للمنهج الوضعي أن يختبر حيثيات تلك البيئة الفقيرة لإثبات تاريخية / بشرية القرآن مثلا ؟
    طبعا هناك افتراض وضعي آخر وهو افتراض معرفة ونصوص مسيحية يهودية كوثائق في ذلك الزمن ، أي افتراض أن النبي استخدم تلك الوثائق لتأليف القرآن مثلا ؟
    وهذا الافتراض كوثائق تاريخيا ليس له وجود ؟ (طبعا دون أن يعني ذلك عدم اقرار نصوص القرآن لتقاطعات مع بعض مفاهيم المسيحية واليهودية ، لأن النص القرآني يفترض أن مصدره هو نفس المصدر للنصوص الأولى لتينك الديانتين)...
    عجز المنهج الوضعي هنا عن إثبات بشرية / تاريخيته القرآن بالقطع سيوصله إماإلى افتراض وثائق لها علاقة في تأليف القرآن ـ وهو مالم يثبت معرفياوتاريخياـ أو إنكار إلهية القرآن لأن المنهج الوضعي عجز عن توصيف حيثيته معرفيا في غياب الشواهد الحسية (الوثائق) وهذه النتيجة بالقطع ليست نتيجة معرفية أو علمية ، وستكشف عن التناقض الكبير للمنهج الوضعي ، لكن إزاء هذا العجز هل من العلم والمعرفة في شيء إنكار إلهية القرآن فقط لأن أدوات المنهج الوضعي عجزت عن موضعته معرفيا... الموقف العلمي هنا هو أن هذا العجز نفسه ينبغي أن يكون موقفا علميا ، فقد ثبت علميا الآن أن الميتافزيقيا تحتاج بالفعل إلى مناهج أخرى علمية أيضا وأن عجزنا عن إدراك ما هو غير منظور من العوالم لا يعني إنكاره قطعا .
    آسف ياصديقي للإطالة ، ولكني أعتقد أن هذه مقدمة لا بد منها للحديث عن معرفة إسلامية ... والأمر كالتالي :
    أنا أقر بوجود عقل / فكر إسلامي تاريخي أنتج معرفة مادية ظاهرة في ملايين المجلدات التي هي أكبر وأضخم تراث إنساني اليوم ـ قبل العصور الحدثة ـ ...
    كذلك أقر تماما بوجود عقل غربي معاصر أنتج لنا هذه الحداثة ...
    مالا أقربه وما ليس موجودا الآن هو عقل إسلامي معاصر أي وجود إنتاج فكري إسلامي معاصر يملك مقولات معرفية إستراتيجية متراكمة ومتماسكة في قضايا العالم الحديث .
    وما سأقر لك به أيضا هو أن عدم وجود هذا العقل لا يعني استحالته ، بل يعني غياب شروط المعرفة التي تنتجه كالحرية ، والترجمة ، ومعرفة التراث ألخ بسبب تخلف المسلمين .
    كما أقر لك بأن القاعدة الكبرى للعلوم والمعارف والأفكار التي أنتجها العقل الغربي ، وأنتج
    من خلالها الحداثة
    لا يمكن للعقل الاسلامي المعاصر الغائب الآن ، إلا ان يستوعبها ضمن شروط المعرفة ، لينتج قاعدته المعرفية عبر التفاعل الجدلي الايجابي . ـ حدث هذا بصورة جزئية وجنينية في ماليزياـ مثلا .
    كان حديثي في المقال عن طبيعة التعاطي للمفكرين في العالم العربي والاسلامي مع الفكرتين (الحداثة والاسلام) وعن فهوم غائبة للفكرتين بسبب أن ذلك التعاطي مع الفكرتين يضمر طريقة متخلفة نابعة من تخلف المجتمع العربي والاسلامي ـ أنت تعرف اليوم بعد نهاية الحرب الباردة الطريقة المتخلفة لأغلب الماركسيين والعلمانيين والقوميين والاسلامويين مؤخرا التي كان يفهمون بها تلك الأفكار والتي ثبت اليوم باليقين الرياضي بعد ثورة المعلومات والاتصالات ونهاية الحرب الباردة كم كان بائسا ذلك الأسلوب لتعاطي النخب العربية مع تلك الأفكار ـ طبعا دون أن يعني ذلك وجود أفذاذ قلائل من تلك النخب تميزوا برؤى معرفية : عبد الله العروي ـ قسطنطين زريق ـ مالك بن نبي ألخ ....
    أتمنى أن تكون هذه الملاحظات بداية لتوافق على نقاط يتم بحثها في حواراتنا التالية
    سأعود إلى النقاط التي أثرتها بخصوص مقالي ـ رغم أن ماذكرته أعلاه يرتبط بها كمنهجية ـ لكن ما أود معرفته منك في قولك التالي :
    ( وربط كل ذلك بالاستشراق – دفعة واحدة- يقود بالضرورة إلى خلط والتباس مفاهيمي يتوسل بلاغة اللغة بدلا عن التحديدات والضبط المفاهيمي. وفي تقديري أن سبب ذلك يعود إلى سيولة مفهوم "المعرفة" الإسلامية الذي بنيت عليه نهجك النقدي)

    كيف بنيت كلامي في نقد المقاربات الآيدلوجية للعلمانيين والاسلامويين في وقت واحد لفكرتي الحداثة والإسلام على الاستشراق دفعة واحدة ؟
    وهل بالإمكان بالضبط أن تحدد كيفية تضليل الأسلوب البلاغي في أفكار المقال ؟

    مودتي
    محمد جميل

    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 02-26-2008, 09:13 PM)
    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 02-26-2008, 09:30 PM)

                  

02-27-2008, 11:57 AM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)

    محمد جميل
    سلامات
    ها نعود مجددا ليتواصل الحوار.

    Quote: أن إشكالية التحديد المفاهيمي للمعرفة الاسلامية ت شترط إقرارا وإيمانا بالبنية المعرفية للخطاب القرآني .نابعامن يقين فلسفي أو لغوي بحقيقة النص القرآني ، ومن ثم محاولة البحث عن مناهج تتخذ من الأفكار المركزية للقرآن مصدرا لتطبيقات معرفية في حقول مختلفة ؛ كفكرة الإعجاز ـ في حقل اللغة مثلا ـ الذي أثبت أن : القيمة المعيارية العليا للبيان والبلاغة وأساليب الخطاب والبناء اللغوي في ذلك الخطاب القرآني ؛ قيمة تتفق تماما مع تحدي الإعجاز القرآني الواضح لأساطين تلك اللغة زمان نزوله.... إذا سلمنا معرفيا بهذا النموذج في حقل اللغة . فإن هذا سيجر إما إلى إيمان معرفي يبني عليه إقرار بالعلم المحيط الذي هو مصدر القرآن ، وبالتالي البحث في تطبيقات معرفية أخرى للدلالات والاشارات التي تأتي في القرآن بخصوص علم ما أو معرفة ما في التاريخ أو الطبيعة أو الحياة ألخ ...


    سأحاول هنا قدر الإمكان تفكيك مضمونات خطابك. سابدا بالفقرة أعلاه: وهي في مجملها تسعى لتأكيد أحقية (المعرفة الإيمانية) القائمة على الإقرار واليقين بالبنية المعرفية للخطاب القرآني.!! وهنا مرة أخرى تجدني أقف أمام لغة Rhetoric أكثر من مفاهيم متماسكة. إن إشكالية ما اصطلحت عليه بالمعرفة الإيمانية يكمن في كونها لا تخضع للمنطق بقدر ما أنها تنزع لليقين ومن ثم فهي غير قابلة للتفاوض والنقاش إلا في محيطها الإيماني الخاص بها. ثم أنها تنزع نحو الإجماع والثبات، ومن ثم تستعصى على النقد. ومن شاكلة ذلك قولك بأعجاز القرآن كما لو أنه متفق عليه. ومع أن ذلك غير صحيح تاريخيا. فالشاهد أن هذا الرأي يمثل فقط التاريخ الرسمي الذي وصلنا بعد الكثير من التنقيح والحذف والانتقاء والذي كان دوما معززا بالسلطة السياسية أكثر من كونه كان انتخابا طبيعيا من جمهرة المسلمين عبر التاريخ. ثم أنني لا أعرف كيف يكون هناك يقينا فلسفيا في حين أن الفلسفة مؤسسة على الشك في كل ما يتصل باليقين!!. فعن "اعجاز" القرآن نجد أن في التاريخ المهمل عكس ما تقول. فالشاهد أن فيه الكثر من التهكم على بنيته المعرفية، وتم ذلك بأشكال متعددة من معارضة ومحاكاة ونقد لآياته ومضامينه. وقد انخرط في ذلك أفذاذ عقول الحاضرة الإسلامية أمثال: الرازي، ابن الراوندي أبو العلاء المعري، ابن المقفع.... الخ. وربما هذا المقطع من معارضة الرازي لعقيدة معجزة القرآن ما يفي بالغرض هنا: (قد والله تعجبنا من قولكم القرآن معجز وهو مملوء من التناقض، وهو أساطير الأولين – وهي خرافات- ... إنكم تدعون أن المعجزة قائمة وموجودة – وهي القرآن- وتقولون من أنكر ذلك فليأت بمثله". أن أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أـطلق منه ألفاظا، وأشد اختصارا في المعاني وأنضج سجعا....) انتهى. كما أنه من المعروف أن هناك كتابا من تأليف المعري عارض به القرآن عنونه بـ"الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات". يقال أنه تعرض للحرق ولم تنجو منه سوى صفحات قليلة. غاية ما أرمي إليه من هذا الإسهاب هو أن المفهوم اليقيني للمعرفة هو منحى أيديولوجي يصادف هوى عند أصحابه ولكنه لا يرقى بأي حال إلى نوع من المعرفة الابستمولوجية المتماسكة القائمة على المنطق والموضوعية والتجريب والاستقراء. وهذا هو السبب الذي جعل المعرفة الوضعية اليوم أكثر هيمنة واختراقا للحواجز الثقافية. وهذا ما لم يتوفر لأي نهج معرفي آخر عبر التاريخ سوى الفلسفة الإغريقية القديمة والتي تعتبر على نحو ما هي الأساس البنيوي للعقلانية المؤسسة للعلوم الوضعية الحديثة. ثم وهذا – في تقديري- هو الأهم: إن ما وصفته بـ"البيان والبلاغة وأساليب الخطاب والبناء اللغوي في ذلك الخطاب القرآني..." هي خصوصية ثقافية بحتة لا تتفق وكونية الإسلام كما أبنت من قبل. فغير العربي بالتأكيد لا يستطيع أن يتذوق هذه التفاصيل اللغوية من بيان وبلاغة وبناء لغوي، ومن ثم فهو غير مدرك بالضرورة لمفهوم "الإعجاز". سأتجاوز هنا الحديث عن ما وصفته بالعلم المحيط والذي مصدره القرآن لمصلحة الحوار، لأن ذلك من اكثر المسائل جدلا، والمبنية على الدوغما التي لا ينفع معها أي نوع من الحوار العقلاني.

    Quote: وهذا بالضبط ما قام به المسلمون بعد القرون التي تلت الاسلام الأول ، أو الإسلام التأسيسي ، ومن ثم أنتجوا تراثا معرفيا هو الأول على مستوى الإنسانية ، قبل العصور الحديثة . هذه حقيقة حدثت ضمن واقع تاريخي معروف ...


    هذه الفقرة تجسيد حقيقي لإشكاليات المعرفة الإيمانية التي تنوي تطبيقها، لأنها تقوم على يقين لا يولي أي نوع من العناية بفحص الوقائع التاريخية. كيف يكون التراث الإسلامي هو الأول معرفيا على مستوى الإنسانية، ونحن نعلم أن هذا الفلسفة الإغريقية سابقة عليه بأزمان سحيقة، والعلوم والآداب الفارسية كانت قد أغنت هذا التراث الإسلامي الكبير؟. بل الشاهد أن جل العباقرة الذين أنتجوا هذا التراث البديع كانت أصولهم فارسية. ثم أن هذا التراث في أوج عظمته تأثر تأثرا عظيما بالفلسفة اليونانية ومناهجها. وكلنا يعلم أن أساليب المنطق والقياس التي هي جزء من آليات أصول الفقه هي أساليب فلسفية يونانية.

    Quote: هذا يعني بالضرورة أن المسلمين أنتجوا عقلا تاريخيا واضح المعالم ـ أي فكرا إسلاميا يملك مقولات متماسكة في المعرفة والفلسفة والعلوم . في ذلك الزمن .... وإما إلى نكران وجحود بسبب العجز عن التحدي


    للأسف أن العقل التاريخي الذي تتحدث عنه هنا هو العقل الذي كان مضطهدا ومنبوذا طيلة عهود هيمنة "الدين الرسمي" المعبر عن وجهة نظر السلط السياسية المتعاقبة وحفنة من العلماء. وهو للمفارقة العقل الذي أكسب الحضارة الإسلامية معنى وبوأها مكانا مميزا في التاريخ الإنساني. ومن السهل التدليل على ذلك. فمن وصفوا بالزنادقة والهراطقة هم الذين قامت على أكتافهم الفلسفة الإسلامية والمعرفة العقلانية بشكل أعم. انهم المعتزلة والمتصوفة من شاكلة ابن عربي، وذوي النزعة "الإنسية" ( بالمفهوم المعاصر للعلوم الإنسانية) من شاكلة أبو حيان التوحيدي ومسكوية وابن الراوندي. والفلاسفة من شاكلة ابن رشد والعلماء من شاكلة الرازي. ومع ذلك نجد أن العقل الاسلاموي المعاصر لا حدود لنفاقه. فهو يريد أن يفاخر بإنجازاتهم وينسبها للعبقرية الإسلامية دون أن يسعى لإنصافهم من الحيف الذي تعرضوا إليه عبر التاريخ. بل الأدهى أن المناهج الإسلامية المدرسية المعاصرة ما زالت تدرسهم للأجيال على اعتبار أنهم ملاحدة مارقين.!!

    سأعود لبقية المداخلة

    محبتي
    عبد الخالق السر
                  

02-27-2008, 11:23 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: atbarawi)

    الأخ عبد الخالق السر (atbarawi) تحياتي
    حين تقول :
    Quote: وهي في مجملها تسعى لتأكيد أحقية (المعرفة الإيمانية) القائمة على الإقرار واليقين بالبنية المعرفية للخطاب القرآني.!!

    كيف فهمت من كلامي : أن المعرفة الإسلامية تسعى لتأكيد أحقية إيمانية على غيرها ؟ ... أنا فقط كنت أصف طبيعة المعرفة الإسلامية التي تساءلت عنها في مداخلتك حين سألتني هذا السؤال : إذن ماذا عن نوع المقاربة المنهجية التي تبتغيها لما اصطلحت عليه بالمعرفة الإسلامية؟
    أما حين تقول :
    Quote: إن إشكالية ما اصطلحت عليه بالمعرفة الإيمانية يكمن في كونها لا تخضع للمنطق بقدر ما أنها تنزع لليقين ومن ثم فهي غير قابلة للتفاوض والنقاش


    هذا غير دقيق فهي تخضع لمنطق عقلي برهاني استدلالي لمن أراد صادقا أن يقتنع بها في ما يعرف بالأدلة العقلية في إثبات وجود الله النبوات ، واليوم الآخر ، وكل ذلك مبسوط ببراهين فلسفية في كتب أمثال الغزالي وابن رشد وغيرهم . وكون هذه الأدلة موجودة في كتب الأقدمين لا يعني أبدا عدم صلاحيتها للحجاج ، لأن قضايا الوجود والإيمان والموت والخلق والمصير قضايا تخترق الوجود الإنساني وتتحايث معه حيثما كان ... ما لا تخضع له هو تحديدا أسلوب المنهج الوضعي الذي ينطلق من التجربة الحسية ، ومن قراءة المعرفة ضمن الشروط التاريخية التي لا تقدر على إثبات إلهية القرآن مثلا بأدواتها تلك . وبالتالي قولك فهي غير قابلة للتفاوض والنقاش غير صحيح . فأنت حتى الآن لم ترد عن الأسئلة التي طرحتها عليك في مداخلتي السابقة حول عجز المنهج الوضعي في مقاربته لتوصيف القرآن معرفيا ؟
    وحين تقول :
    Quote: ومن شاكلة ذلك قولك بأعجاز القرآن كما لو أنه متفق عليه. ومع أن ذلك غير صحيح تاريخيا. فالشاهد أن هذا الرأي يمثل فقط التاريخ الرسمي الذي وصلنا بعد الكثير من التنقيح والحذف والانتقاء والذي كان دوما معززا بالسلطة السياسية أكثر من كونه كان انتخابا طبيعيا من جمهرة المسلمين عبر التاريخ

    فهمت من كلامك هذا أن قضية (إعجاز القرآن) قضية تم انتصارها بالقوة السياسية وسلطة التاريخ الرسمي ! إذن كيف تفسر الضعف الذي كان عليه المسلمون في بداية الدعوة في مكة ، وما تعرضوا له من تعذيب مقابل تحدي النبي لقريش سلميا فقط بالقرآن ، وقريش كانوا في ذلك الوقت هم أفصح العرب وسادتهم ليس فقط في مكة بل في الجزيرة العربية فكيف انتصر الإسلام أولا وهو يحاجج قريشا لمدة 13 عاما سلميا ، ويتحداهم في أعظم فن برعوا فيه : فن القول ؟ كيف تفسر ذلك ؟
    ويمكنني أيضا أن أفهم من كلامك موضوعا آخر لا علاقة له بقضية الإعجاز القائم على التحدي ... قصدي قضية خلق القرآن التي اختلف فيها المسلمون (لا حظ المسلمون) أي بين المعتزلة ، والسنة ، ثم انتصر فيها المعتزلة بالسلطة السياسية كما هو معروف منذ زمن المأمون العباسي حتى زمن المتوكل الذي انتصر للسنة بعد ذلك ، هذه القضية وقعت فيها إكراهات من الطرفين ، لكنها لا علاقة لها بقضية إعجاز القرآن لأن الإعجاز كان تحديا للكافرين ، وهؤلاء الذين اختلفوا في مسألة خلق القرآن كلهم مسلمون . فهناك لبس واضح في كلامك بين القضيتين . ثم هناك هذا سؤال : هل السلطة السياسية كانت تحارب المشركين في الحواضر الإسلامية في ذلك الزمان ، أم كانت تحارب فرقا إسلامية تختلف معها في الآراء ، وإذا ثبت أن هذه الفرق هي فرق إسلامية ـ كما هو الواقع ـ فكيف يكون لقضية (إعجاز القرآن) محل في صراع هذه الفرق ، وهي كلها فرق مسلمة ؟

    أنت تقول أيضا :
    Quote: ثم أنني لا أعرف كيف يكون هناك يقينا فلسفيا في حين أن الفلسفة مؤسسة على الشك في كل ما يتصل باليقين!!.

    إذا كانت الفلسفة مؤسسة على الشك في كل ما يتصل باليقين ، فهل يعني هذا نفي وجود يقينيات فلسفية ؟ وإذا كانت الفلسفة في إحدى تعريفاتها هي : اشتغال العقل على العقل ، ألا يعني ذلك أن قوانين العقل اليقينية يمكن أن تنعكس على اشتغاله في ذاته أي في الفلسفة ؟ من يقينيات العقل 1 أنه جزء من كل ؛ من الإنسان ، ومن العالم . ومنها 2 أنه فان ٍ ، ومنها 3 أنه لا يدرك كنه ذاته.
    هذه يقينيات فلسفية مسلم بها وانتجت يقينيات فلسفية أخرى مثل : عجز العقل في إدراك ما وراء الطبيعة (طبعا عجزه هذا لا يعني عدم قدرته على إثبات وجود ذلك العالم دون إدراك كنهه) ، ومن يقينيات العقل أيضا : عجزه عن تصميم فلسفة كونية للحياة الإنسانية كلها تضمن العدالة والقيم الإنسانية الكلية بصورة مضطردة منعكسة لكل البشر ، وهو مالم يحدث حتى اليوم منذ الإغريق وحتى نظريات فلاسفة مدرسة فرانكفورت الرصينة في نقد العقل ونقد التنوير ، وصولا إلى هابرماس ، وفلاسفة ما بعد الحداثة .
    وحين تقول :
    Quote: فعن "اعجاز" القرآن نجد أن في التاريخ المهمل عكس ما تقول. فالشاهد أن فيه الكثر من التهكم على بنيته المعرفية، وتم ذلك بأشكال متعددة من معارضة ومحاكاة ونقد لآياته ومضامينه. وقد انخرط في ذلك أفذاذ عقول الحاضرة الإسلامية أمثال: الرازي، ابن الراوندي أبو العلاء المعري، ابن المقفع.... الخ

    هل التهكم على البنية المعرفية هو تحدٍ للإعجاز القرآني ؟ ثم هل المحاكاة ضرب من الإعجاز أم ضرب من أسلوب يجاري طريقة القرآن دون أن يدعي تحديه ليثبت عجزه وتناقضه . ومن المعروف حديثا أن الشاعر العامي المصري (بيرم التونسى) نسج على هذا الأسلوب ، فهل هذا يعني أنه كان يتحدى القرآن ؟
    للإعجاز شروط أولا متحدي ، ومتحدى ، ووسيلة التحدي ، وموضوع التحدي الذي يراد إثباته أو نفيه، وهذه الشروط كلها لم تكن في وارد أولئك الذين ذكرتهم .
    أما هذا المقطع الذي سقته على لسان الرازي في سياق كلامك :
    Quote: وربما هذا المقطع من معارضة الرازي لعقيدة معجزة القرآن ما يفي بالغرض هنا: (قد والله تعجبنا من قولكم القرآن معجز وهو مملوء من التناقض، وهو أساطير الأولين – وهي خرافات- ... إنكم تدعون أن المعجزة قائمة وموجودة – وهي القرآن- وتقولون من أنكر ذلك فليأت بمثله". أن أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أـطلق منه ألفاظا، وأشد اختصارا في المعاني وأنضج سجعا....)
    فمن حقي أن أطالبك فقط بعنوان كتاب الرازي الذي جلبت منه هذا المقطع ، وهذا مهم جدا جدا لأني بعد أن أعرف العنوان سأورد لك ما أراه في هذا الكلام . فلا بد من ذكر عنوان المرجع ؛ المرجع فقط .. وليس حتى السياق أو الصفحة
    وعندما تقول :
    Quote: غاية ما أرمي إليه من هذا الإسهاب هو أن المفهوم اليقيني للمعرفة هو منحى أيديولوجي يصادف هوى عند أصحابه ولكنه لا يرقى بأي حال إلى نوع من المعرفة الابستمولوجية المتماسكة القائمة على المنطق والموضوعية والتجريب والاستقراء. وهذا هو السبب الذي جعل المعرفة الوضعية اليوم أكثر هيمنة واختراقا للحواجز الثقافية. وهذا ما لم يتوفر لأي نهج معرفي آخر عبر التاريخ سوى الفلسفة الإغريقية القديمة والتي تعتبر على نحو ما هي الأساس البنيوي للعقلانية المؤسسة للعلوم الوضعية الحديثة.

    ألا ترى أنك حين تنسب إلى المعرفة الوضعية نتائج يقينية قائمة على المنطق والموضوعية والتجريب والاستقراء ، ألا ترى في ذلك وثوقية يقينية تفترضها في المعرفة الوضعية بقولك ذاك ، ثم حين تزعم أن الفلسفة الوضعية تخترق الحواجز الثقافية وتهيمن عليها كيف يمكن أن تثبت ذلك ، فهناك نتائج معرفية لا يمكن أن تنتجها المعرفة الوضعية بأدواتها المنهجية ، كإثبات عوالم ما وراء الطبيعة التي أثبتها العقل بقوانينه أو توقف عنها ، وتوقفه ذاك في حد ذاته موقف علمي ، لأن ليس كل ما عجز العقل عن اثباته ؛ ليس له وجود أو أمر غير علمي .
    ثم كيف يمكن أن يتطابق ـ فضلا عن أن يهيمن ـ المنهج الوضعي القائم على فلسفة الذات والموضوع (والتي أنجز بها في الطبيعة والمادة والحياة تقدما تكنولوجيا هائلا) مع العقلانية التواصلية القائمة على تعدد الذوات وتواصلها كما في فلسفة اللغة عند هابرماس ، والتي تنتفي معها التناقضات الجدلية لفلسفة الذات والموضوع ـ كالماركسية مثلا ـ وتقدم إمكانات ومفاهيم تنتج من تواصل الذوات وتسمح بآفاق تأويلية عابرة للتحيزات الآيدلوجية العلموية ؟ هذا فضلا عن فلسفات مابعد الحداثة عند فلاسفة الاختلاف ؟ كيف مع كل ذلك يمكن أن تكون الفلسفة الوضعية اليوم أكثر هيمنة واختراقا للحواجز الثقافية. وهذا ما لم يتوفر لأي نهج معرفي آخر عبر التاريخ ؟
    أما حين تقول :
    Quote: إن ما وصفته بـ"البيان والبلاغة وأساليب الخطاب والبناء اللغوي في ذلك الخطاب القرآني..." هي خصوصية ثقافية بحتة لا تتفق وكونية الإسلام كما أبنت من قبل. فغير العربي بالتأكيد لا يستطيع أن يتذوق هذه التفاصيل اللغوية من بيان وبلاغة وبناء لغوي، ومن ثم فهو غير مدرك بالضرورة لمفهوم "الإعجاز

    هذا كلام غير دقيق فالإعجاز القرآني من حيث هو أسلوب خطاب كان تحديا لقريش التي برعت في فن القول ، ولم يكن إعجاز القرآن لقريش في ذلك الوقت لعدم إقرارها بالمبادئ الكونية التي لم تكن تعرفها أصلا، بل كان في أسلوب التعبير في اللغة التي برعت فيها قريش وبلغت شأوا بعيدا من الفصاحة .
    أما كونية القرآن فكانت في مضامينه من مثل الكرامة الإنسانية (ولقد كرمنا بني آدم) ووحدة الأصل البشري التي تنزع كل أسباب العنصرية والعصبية والتعالي (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) وفكرة الحوار السلمي للمخالف (وجادلهم بالتي هي أحسن) وعالمية الفكرة (إنا أرسلناك للناس كافة) و إعمال العقل والفكر (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) ـ أنظر هنا بمعنى تفكروا ـ بل وحتى الاستعداد للتنازل عن الرأي من أجل الحوار المتكافئ الذي لا يفترض حقا متحيزا لصاحبه أثناء الجدل (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) ... ألخ وهذه كلها مبادئ كونية كما ترى ، ولا يعني نزولها بلغة معينة ، وثقافة معينة نفي عالميتها تلك . وكون غير العربي لا يتذوق تفاصيل البلاغة العربية ليس شرطا لعدم تحقق الأعجاز اللغوي ، لأن نزول القرآن في زمن معين ومجتمع معين كان يمكن أن يكون في أي مجتمع آخر وبأسلوب آخر ، فإعجازه لقريش في لغتهم التي برعوا فيها كان وجها واحدا من وجوه الاعجاز اللغوي أي في جانب الأسلوب الخطابي وبلاغة القول ، لكن القرآن بالطبع يختزن في نصوصه تأويلات دقيقة ولا متناهية فهي نصوص صيغت بلغة معجزة وقابلة لإنتاج دلالات جديدة ومفتوحة من خلال منطوقها المعجز. وسأضرب لك مثلا ـ مع أنني لست من هواة أيدلوجيا الإعجاز العلمي غير المؤسسة ـ فالقرآن مثلا وصف الجبال وصفا دقيقا ، وصف قابل لأن يفهمه العربي في القرن السابع ، وقابل لأن يفهمه العالم المسلم وغير المسلم في القرن الحادي والعشرين ـ لأن دلالة الوصف موضوعية ومتعقلة بصورة محايدة ؛ فحين قال القرآن (وجعلنا الجبال أوتادا) كان العربي يفهم معنى الوتد بصورة واضحة الدلالة ويفهم وظيفته أيضا . فشكل الوتد هو : أن يكون الجزء الأكبر تحت الأرض فيما يظهر الجزء الأصغر فوق الأرض ، ووظيفته هو تثبيت الخيمة ، أو الحيوان المربوط إليه . وإذا استصحبنا هذا الوصف ، سنجد أن وضع الجبال على الأرض وفق قوانين الجيولوجيا وصورها المسحية الواضحة : هو أن الجزء الأكبر من الجبال تحت الأرض ، فيما يبدو الجزء الذي نراه كبيرا وعاليا هو الجزء الأصغر ، وهذه هي صورة الوتد المنضبطة تماما ، وأما الوظيفة فمن طبيعة الجبال أن تثيت حركة الأرض ... آسف على هذا الاستطراد ، ولكني أردت أن أذكر نموذجا علميا منضبطا وفق حقيقة جيولوجية فيما خص الجبال . ولست من دعاة الإعجاز العلمي للقرآن بالطريقة التي نراها اليوم ، والتي لا تخلو من مزالق منهجية.
    وحين تعلق على كلامي التالي :
    Quote: وهذا بالضبط ما قام به المسلمون بعد القرون التي تلت الاسلام الأول ، أو الاسلام التأسيسي ، ومن ثم أنتجوا تراثا معرفيا هو الأول على مستوى الانسانية ، قبل العصور الحديثة . هذه حقيقة حدثت ضمن واقع تاريخي معروف
    فتقول :
    Quote: هذه الفقرة تجسيد حقيقي لإشكاليات المعرفة الإيمانية التي تنوي تطبيقها، لأنها تقوم على يقين لا يولي أي نوع من العناية بفحص الوقائع التاريخية. كيف يكون التراث الإسلامي هو الأول معرفيا على مستوى الإنسانية، ونحن نعلم أن هذا الفلسفة الإغريقية سابقة عليه بأزمان سحيقة، والعلوم والآداب الفارسية كانت قد أغنت هذا التراث الإسلامي الكبير؟. بل الشاهد أن جل العباقرة الذين أنتجوا هذا التراث البديع كانت أصولهم فارسية. ثم أن هذا التراث في أوج عظمته تأثر تأثرا عظيما بالفلسفة اليونانية ومناهجها. وكلنا يعلم أن أساليب المنطق والقياس التي هي جزء من آليات أصول الفقه هي أساليب فلسفية يونانية.

    سأجيبك بالتالي :
    أولا سأسحب قولي في كون هذا التراث أول تراث في تاريخ الإنسانية ، لأنه بالفعل قول غير دقيق وغير علمي ، وكنت أقصد كلمة أكبر تراث مكتوب في تاريخ الانسانية ـ وهذه حقيقة ـ ، وليس فقط أكبر تراث مكتوب ؛ بل أكبر حركة ترجمة ماقبل العصور الحديثة ، وهذا ليس كلامي هذا كلام المفكر الكبير جورج طرابيشي الذي ترجم العديد من الموسوعات الفلسفية وكتب عن العقل العربي والعقل الأسلامي مجلدات كثيرة . ولقد قال هذا الكلام من حوار له مع الشاعر نوري الجراح ضمن برنامج (البعد الثالث) بقناة الحوار التليفزيونية اللندنية .
    وعليه فإن ما بنيته على كلامي السابق في قولي الخاطئ أعلاه ، غير صحيح لأنه مبني على كلمة أوردتها سهوا . فبدلا من أن أكتب أكبر تراث كتبت أول تراث .
    وحين تقول التالي : ؟. بل الشاهد أن جل العباقرة الذين أنتجوا هذا التراث البديع كانت أصولهم فارسية. ثم أن هذا التراث في أوج عظمته تأثر تأثرا عظيما بالفلسفة
    هل هذا يعني أن تميزهم ذاك لأنهم فارسيون ؟ إذا كيف نفهم أثر تلك المبادئ الكونية للإسلام في كتبهم ، وهل حين كتبوا تلك الكتب كتبوها بوصفهم مسلمين ، أم بوصفهم فرسا ؟ وبأي لغة ؟ في أغلب تلك الكتب ؟
    وأخير حين تورد كلامي التالي :
    Quote: هذا يعني بالضرورة أن المسليمن أنتجوا عقلا تاريخيا واضح المعالم ـ أي فكرا اسلاميا يملك مقولات متماسكة في المعرفة والفلسفة والعلوم . في ذلك الزمن ....

    ثم تستنتج الكلام التالي :
    Quote: للأسف أن العقل التاريخي الذي تتحدث عنه هنا هو العقل الذي كان مضطهدا ومنبوذا طيلة عهود هيمنة "الدين الرسمي" المعبر عن وجهة نظر السلط السياسية المتعاقبة وحفنة من العلماء. وهو للمفارقة العقل الذي أكسب الحضارة الإسلامية معنى وبوأها مكانا مميزا في التاريخ الإنساني. ومن السهل التدليل على ذلك. فمن وصفوا بالزنادقة والهراطقة هم الذين قامت على أكتافهم الفلسفة الإسلامية والمعرفة العقلانية بشكل أعم. انهم المعتزلة والمتصوفة من شاكلة ابن عربي، وذوي النزعة "الإنسية" ( بالمفهوم المعاصر للعلوم الإنسانية) من شاكلة أبو حيان التوحيدي ومسكوية وابن الراوندي. والفلاسفة من شاكلة ابن رشد والعلماء من شاكلة الرازي. ومع ذلك نجد أن العقل الاسلاموي المعاصر لا حدود لنفاقه. فهو يريد أن يفاخر بإنجازاتهم وينسبها للعبقرية الإسلامية دون أن يسعى لإنصافهم من الحيف الذي تعرضوا إليه عبر التاريخ. بل الأدهى أن المناهج الإسلامية المدرسية المعاصرة ما زالت تدرسهم للأجيال على اعتبار أنهم ملاحدة مارقين.!!


    فأنت هنا بصراحة تقولب أفكاري لجهة أو جماعة ترى فيها كل ذلك الرأي ، فيما لم يكن في كلامي إي إشارة لاستنتاجاتك هذه ، وهي بصراحة استنتاجات آيدلوجية متحيزة ، ولا تخلو من نمذجة وتنميط معتسف .
    أنا حين أتحدث عن المسلمين الذين أنتجو عقلا / فكرا تاريخيا واضح المعالم ،..
    بأي منهج أو تأويل يمكنك توجيه الدلالة إلى أنني أقصد العقل الفقهي الرسمي للسلطة الإسلامية التاريخية ؟ وكيف عرفت أنني أتحدث عن ذلك العقل . هل كنت أتحدث عن مدرسة فقهية مثلا ً ، أو عن الحنابلة أو السلفيين في التاريخ الإسلامي مثلا ؟
    وهل تعتقد أنني حين أقول المسلمين أستثني المعتزلة أو المتصوفة مثلا ـ كما هو واضح من كلامك ـ ؟ ومن قال أن المعتزلة والمتصوفة غير مسلمين أو هراطقة ؟
    وهل تفهم من كلامي أعلاه مثلا أن الرازي أو ابن رشد او ابن عربي وغيرهم ليسو بمسلمين ؟ ألم يكن للرازي تفسيرا للقرآن ، ألم يكن ابن رشد فقيها وفيلسوفا في نفس الوقت وصاحب الكتاب الشهير في الفقه المالكي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد)؟، ألم يكن البيروني عالما وفقيها في نفس الوقت ، وابن عربي وابن الراوندي وغيرهم ، كيف يحق لك وبأي منهج أن تأول كلامي عن العقل الاسلامي بأنه العقل الفقهي الرسمي للسلطة في التاريخ الاسلامي ، وتبني على هذه المقدمة الخاطئة ، والتي لا يمكن استنتاجها من كلامي أعلاه بأي صورة من صور التأويل والدلالة ؛ كيف تبني عليها تلك الأحكام التي تتضمن تكفيرا لأولئك العلماء والفلاسفة ؟
    التأويل الوحيد لذلك ، هو أنني ـ أنا محمد جميل ـ أنطلق في أفكاري التي ذكرتها في مقالي (في مقاربات الاسلام والحداثة) من عقل اسلاموي دوغمائي آيدلوجي ؛ وأعتقد أن هذا الاستنتاج غير صحيح وغير منهجي ، ولا يمكن لكلامي أن يدل عليه أبدا
    أتمنى يا صديقي أن تنطلق في أحكام القيمة التي تبنيها على كلامي من قراءة معرفية صحيحة له ، لكي يستقيم هذا الحوار . الذي نبذل فيه وقتا طويلا وجهدا ، من وقتك ووقتي وجهدك وجهدي
    مودتي
    محمد جميل
                  

02-28-2008, 11:41 AM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)

    الاخ محمد جميل
    سلامات

    يلزم في البداية التأكيد على أنني لم اسعى مطلقا لقولبتك أو تصنيفك أيدولوجيا، بقدر ما أنني هنا استخدم منحى تجريدي يتيح لي محاولة الاحاطة بكافة التيارات الفكرية المتلاطمة التي تشكل الفضاء المعرفي الاسلامي. ومن هنا أرجو فهم محاولاتي في هذا السياق.

    ولي عودة
    عبد الخالق السر
                  

02-28-2008, 01:18 PM

نزار محمد عثمان
<aنزار محمد عثمان
تاريخ التسجيل: 02-19-2003
مجموع المشاركات: 1692

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: atbarawi)

    الأخ محمد جميل
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
    هل أنت ذلك الشاب الذي قابلته في بورتسودان في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وأظهر اهتماما كبيرا بصحيفة القبس، وسألنى عن كاتب مقال: موسم الهجرة إلى الشمال في ميزان الأصالة، وكنت وقتها طالباً بجامعة الخرطوم ومشرفا على تحرير الصفحة الأدبية بصحيفة القبس.
    إن كنته أو لا ، تسعدني مشاركتك في هذا البورد.
    ــــــــ
    الأخ عبد الخالق .. تحيتي موصله لك.
                  

02-28-2008, 11:39 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: نزار محمد عثمان)

    الأخ الدكتور نزار محمد عثمان ... تحياتي
    طالما شككت في الأمر ؛ لكن صورتك التي تبدو فيها أكبر من عمرك هي التي خدعتني ربما ...
    نعم أنا هو ذلك الشاب ـ قبل عشرين عاما ـ عندما التقيتك ببورسودان ، ولقيتك بوصفك شاعرا في ذلك الوقت ، ولا أزال أذكر أنك قرأت قصيدة في ذلك اللقاء . أتمنى أن تكون مازلت تقرض الشعر ، فأنا ايضا شاعر ، وهذه مناسبة سعيدة أن أتأكد من أنك نزار محمد عثمان الذي لقيته ببورسودان في ذلك الوقت
    أتمنى أن نتواصل وأنا مسرور بهذا اللقاء
    وشكرا لمرورك بالبوست ... وأتابعك إنشاء الله ويسرني أيضا انك حققت نجاحات في حياتك العلمية والمهنية ، ونشاطاتك .
    مودتي
    محمد جميل
                  

02-29-2008, 11:13 AM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)

    دكتور نزار
    سلامات يا رجل يا نبيل.
    كل التحايا والاشواق موصولة لشخصك. لعلك بخير وعافية.

    أخونا محمد جميل أحمد
    سلامات
    معذرة ان كنت قد نسيت في زحمة الردود ايراد مرجع الفقرةالخاصة بالرازي. وها تجدها أدناه:

    " من تاريخ الالحاد في الاسلام" للدكتور عبد الرحمن بدوي ص 119(بيروت، المؤسسةالعربية للدراسات والنشر 1980).

    أعمل للانتهاء من مداخلة أخيرة باسهاب آمل أن أنتهي منها غدا، تشتمل على وجهة نظري كما أود لها، تفاديا للاختصارات والايجازات التي في تقديري قد اخلت بالسياق في بعض الفقرات وكادت تقود الى مماحكات لا معنى لها. وسوف تترك مداخلتي الباب مواربا من خلال الاسئلة التي سوف أختم بها، والباحثة عن أجوبة تفتح آفاق لحوارات أكثر رحابة.

    سلامي ومودتي
    عبد الخالق السر
                  

02-29-2008, 11:57 AM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: atbarawi)

    الأخ عبد الخالق السر ... تحياتي
    كنت أظن أنك ستفيدني بعنوان الكتاب الأصلي الذي نقل عنه د. بدوي ، لأن ذلك مهم ، ولا بد أن يكون د. بدوي قد عزا ذاك إلى كتاب بعينه ، فأنت حين تنسب للرازي (وياريت لو نعرف اسمه المفصل ؛ فهناك أكثر من رازي في التراث الإسلامي ـ إذ أن اسم "رازي" هواسم نسب إلى أقليم " الرَّي "ـ) أتمنى أن يتيسر لك معرفة اسم الكتاب . ثم بعد ذلك سأعلق على هذه الفقرة .
    مودتي
    محمد جميل
                  

03-02-2008, 02:09 PM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: محمد جميل أحمد)


    الاخ محمد جميل
    سلامات
    هو أبوبكر الرازي.
    ولك أن تطلع على "تاريخ الالحاد في الاسلام" وستجد الكثير من المراجع.

    فيما يخص موضوعنا، تجدني هنا ألاحظ أنك في الكثير من الفقرات التي اقتبستها تغفل السياق الذي انبنت عليه الفكرة ومن ثم يتم إهدار المعنى بالكامل. فمثلا، ما عنيته باشكالات المعرفة الإيمانية ليس أحقيتها على غيرها، بقدر ارتكاز نقدي على شرطها بالتسليم والإقرار، أي الانطلاق من "حقيقة" مسبقة يتم البحث عن منهج عقلاني يعزز من فرضيتها المعطاة سلفا. وفي حالة عدم ملائمة الواقع لهذه الحقيقة تقسر حقائق الواقع قسرا لكي تتلاءم معها. ورغم أن المعرفة الوضعية نفسها ليست بمنجى من هذا النهج الأيديولوجي، إلا أنها – كما سبق وذكرت- أكثر "تماسكا" –وليس يقينا كما تناه إلى فهمك- لأن موقفها من تفسير حقائق الوجود نسبي.

    في اعتقادي أن إشكالية المعرفة الإيمانية القائمة على التسليم والإقرار تفضي في الغالب إلى طريق مسدود حتى بين من يعتقدون فيها، وربما هذا هو حال الواقع الفكري الإسلامي المعاش، لأن الانطلاق دوما من حصرية الحقيقة المطلقة لا يترك مجالا للنسبية ومن ثم فإنه يستبدل في الغالب بالتمترس الدوغمائي والمماحكة السجالية العنيفة والنفي والإقصاء المتبادل.

    من المهم أيضا التنويه إلى السياق الذي حاولت فيه تبيان جدوى استخدام المناهج الوضعية لمقاربة حقائق المعرفة الإسلامية، والذي لا علاقة له من قريب أو بعيد باعتقاد هذه المنهجية بإلهية النص المقدس من عدمه. لا شك أن التطرق لمثل هذا الأمر في غاية التعقيد والالتباس وذلك من باب أن المعرفة الوضعية نفسها مذاهب ومدارس أكثر من تعد وتحصى. وان كان فيها ما لا يعتقد بإلهية النصوص الدينية، فهناك الكثير من هذه المدارس الفكرية ممن لا يضيرهم مثل هذا الاعتقاد، ومن ثم يتم التعامل معه كظاهرة ثقافية- اجتماعية واقعة لا مفر من إنكارها أو تجاهلها. ولكن الثابت أن كل هذه المدارس الفكرية تتفق تماما على أنه من الممكن جدا التعامل مع هذه النصوص المقدسة كوقائع تاريخية يمكن مقاربتها ابستمولوجيا لتفكيك وتحليل بناها اللغوية والمفاهيمية ومن ثم النفاذ إلى أنظمتها الثقافية والأخلاقية التي تعمل كدوافع محركة لهذه المجتمعات. ووجهة النظر هذه لا تخلو من وجاهه حين نمعن النظر في أحداث وقائع الوحي عبر التاريخ وما تمخض عنه على أرض الواقع من تحولات اجتماعية ثقافية وسياسية محسوسة. وعلى حد تعبير أركون (ليس بمقدورنا التوصل إلى الطريقة أو كنه اللغة أو الإشارات الرموزية التي حمّلها الله إلى جبريل بغية تبليغها إلى محمد (ص)، ولكن بمقدورنا جدا أن نتفهم ونعقلن ونحلل اللغة والحمولات الرموزية ومعانيها التي خاطب بها النبي قومه،وذلك من واقع كونها – اللغة العربية- أصلا سابقة على الرسالة بكل أنظمتها المفاهيمية والقواعدية وقدرتها المستمرة على إنتاج وتجديد المعاني وفق واقعها التاريخي المحدد. ومن ثم نستطيع أيضا تحليل كيفية تلقي الفاعلين الاجتماعيين في تلك الفترة وما تلاها لهذه النصوص والطريقة المفاهيمية التي أتبعوها لتفسيرها وترجمتها معرفيا والتي أنتجت فيما بعد ما عرف بالتراث الإسلامي).
    في تقديري أن المعرفة الإيمانية عملت بقوة لاذابة الحدود بين المقدس كنص وتاريخية العلوم والمعارف التي انبثقت عنه وألبست كل هذا الكم ثوب المقدس لتنشأ فيما بعد حروب الأيدلوجيات في سبيل الحصول على حصرية الحق الإلهي. ومن المعروف أن هذا الكم الهائل من المعارف الإيمانية التي اعتمدت على أقصى أشكال التنظير التجريدي لم تحدث تحولات اجتماعية، سياسية واقتصادية عميقة على المستوى المادي كما حدث ذلك مع العلوم الوضعية الحديثة بشقيها العلمي التطبيقي والإنساني. والتي أنتجت الواقع المعاصر المعقد الذي نعيشه. وهذا يفسر – إلى حد ما- اعتماد الدولة الإسلامية السياسية التي انبثقت بعد صراع علي ومعاوية واستمرت بأشكالها ونماذجها المختلفة على أطر سياسية واجتماعية وافدة مع الفتوحات. كما أن تورط هذه النظم السياسية فيما بعد في حروب الأيدلوجيات المستعرة وتوجيهها لخط المعرفة الإيمانية قسرا وإكراها بما يحقق مشروعية ومصالح هذه الأنظمة مما ساهم في تحنيط وتجفيف الحركة الفكرية إلى راهن يومنا هذا.
    هذا عكس ما حدث لمسار العلوم الوضعية الحديثة. فهي قد استفادت تماما من تقاطعها مع المعارف الدينية لتنعم بمساحات لا محدودة من الحرية أتاحت لها مقاربة أي واقع وجودي دون خوف أو وجل، ومن ثم أصبح المقدس الوحيد في عرف هذه العلوم هو حرية البحث والتنقيب عن الحقيقة في أشكالها المختلفة وهدم وبناء المفاهيم. أثمر هذا – كما هو معروف- قدرة مدهشة في مقارعة الطبيعة والوجود وتمخض عن إنجازات واكتشافات إعجازية غيرت وجه الحياة وما زالت مرة وإلى الأبد.
    وفضل هذه المناهج حتى على المعارف الدينية إجمالا لا يقدر بثمن. فعلى المستوى الدين الإسلامي – مثلا- أسدى الاستشراق – بكل علله- خدمة جليلة للتراث الإسلامي حينما أعمل فيه تنقيبا وبحثا من خلال مدارس التاريخ الفيلولجية التي قامت بترتيب ومنهجة هذا الكم الهائل من التراث واعادة ترتيب الوقائع التاريخية حسب أسبقيتها الزمنية مما ترتب عليه ضبط الكثير من الحقائق التاريخية ورد الاعتبار للكثير من المؤلفين الذين طمست أسمائهم في لجة الجمع العشوائي ولخمة الانقطاعات التاريخية في فترات ركوض الحضارة الإسلامية. وما كان من الممكن ذلك لولا التثوير الذي جرى لعلوم اللغة Linguistics وقدراتها الفذة في التعرف على الشخصية الإبداعية للكاتب والذي هو بمثابة البصمة الكتابية. هذا فضلا عن دور الكثير من المناهج الحديثة المستخدمة اليوم لفروع علم الاجتماع والأنثروبولوجي، والتي أضاءت بقدراتها البحثية العالية جوانب مهمة من التاريخ الإسلامي وبالتالي أعادت ترتيب الحقائق ومن ثم فهم طبيعة الحراك الاجتماعي المولد للمعنى في تلك الفترات.

    اين الإسلام من الحداثة؟
    هنا أجد أنه من الملائم وضع العلاقة بين المعرفة الإسلامية والحداثة في صيغة التساؤل حتى تسهل المقاربة بين المفهومين. المعرفة الإسلامية وقدرتها على التواصل وانتاج حداثة خاصتها لها قدرة على التجسد ماديا على كافة الأبعاد الحياتية والمعرفة الوضعية بإنتاجها لحداثة واقعة سلفا معنا ومضمونا. سأبتدي هنا من فرضية أن الإسلام في معناه التجريدي هو مفهوم ميتافيزيقي متعالي لا قدرة لنا كبشر على التعامل معه وفق هذا التصور، ومن ثم سيكون من المعقول أن نتعامل مع انعكاساته الفيزيقية مفهوما وممارسة. أي تجسداته في تاريخية الفعل الإنساني على المستويين الفردي والجماعي. وهذا في حد ذاته إبراز لحسن النوايا في اتباع منهج يعطي عناية بالإلهي في تمثلاته المتعالية وفوق التاريخية. وبما أن هذا القرآن كنص مقدس لا فاعلية له إلا من خلال تمثلات المتلقين له ممارسة وسلوكا وقولا فبالتالي يصبح هنا مفهوما تاريخيا تصح مقاربته نقديا. وهنا يمكن تعديل السؤال مرة أخرى ليصبح على النحو التالي: هل بإمكان المعرفة الإيمانية أن تنتج حداثة؟ هذا بعد أن نضع في اعتبارنا أن الحداثة هي القطيعة المعرفية والمفاهيمية والمادية الكاملة أو شبه الكاملة مع كل أشكال الواقع السابق عليها لمجتمع ما. مع الوضع في الاعتبار أن الإسلام في بداياته كتمظهر تاريخي للمقدس كان ثورة حداثية بكل ما تعني الكلمة. حداثة تقاطعت جذريا مع ثقافة ومفاهيم وأطر الواقع السابق عليه والذي عرف فيما بعد بالجاهلية. ها نحن نعيش اليوم حداثة من نوع آخر. حداثة معززة بنسق معرفي مغاير تماما لما أنتجته الحداثة الإسلامية في السابق، والحال هكذا: هل بمقدور المعرفة الإسلامية التي ترومها وتراهن عليها أن تنتج حداثة من نوع آخر؟ أي حداثة تتجاوز الحضارة الراهنة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم: هل سيتم ذلك وفق نسق معرفي ومفاهيمي مغاير؟ وهل يمكن تحديد ملامح هذا النسق كما تتصوره؟ وهل بمقدوره أن يتنزل ماديا ومعرفيا في شكل ثورة اجتماعية، ثقافية، اقتصادية تتجاوز حاضرنا هذا؟ وإذا أخذنا في هذا السياق مبدأ التطور التاريخي للأفكار والذي انعكس في هذه القدرة الهائلة على منهجة وترتيب المعرفة واسهامها العظيم في محاولة تفسير وتحليل الواقع الحياتي واعادة ترتيبه وتغييره في ذات الوقت، سنجد أن سؤالنا يمتد ويتواصل عن مدى قدرة المعرفة الإيمانية القائمة على معجزة اللغة وخصوصية بيانها في إنجاز واقع حضاري مغاير؟

    كما قلت من قبل هذه أسئلة تترك الباب مواربا للمزيد من الإيضاح لمفهوم المعرفة الإسلامية أكثر من أن تسعى لتحديدات الصاح/الخطأ.

    مودتي
    عبد الخالق السر
                  

03-05-2008, 08:05 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مقاربات الإسلام والحداثة * (Re: atbarawi)

    الأخ العزيز عبد الخالق السر (atbarawi) تحياتي
    آسف للتأخير لأني كنت منقطعا عن النت طوال هذه المدة .
    بخصوص الرازي أنت لم تذكر عنوان الكتاب حتى الآن ، وإن كنت تفضلت مشكورا بذكر الاسم .
    وكان إلحاحي على ذلك من أجل التثبت ، لأنني قرأت المقطع الذي أوردته في مداخلتك في كتيب صغير للرازي بعنوان للأسف لا أذكر اسمه ، لكن في عنوانه كلمة (مناظرة) الكتاب صادر عن دار الغرب الإسلامي بتونس . قرأته في مطلع التسعينات بالسودان . وكان الكتاب عبارة عن محاورة بين الرازي ، وأحد رهبان النصارى . وكان هذا الكلام الذي سقته في المقطع في سياق عرض الرازي لحجج النصارى واعتراضهم على مفاهيم الإسلام ، ولم يكن رأيه الشخصي ! وكان الرازي قد احتج على على دعوى النصارى بحلول الله في المسيح بهذا الإستدلال المتمثل في السؤال التالي : هل يلزم من عدم الدليل عدم المدلول ؟ ثم أجاب على ذلك بهذين الاحتمالين الذين أبطل بهما تلك الدعوى حين قال : إذا كان لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول فدعواك باطلة ، فما الذي يمنع من حلول الله في أفراد العالم ، ولماذا يختص ذلك بالمسيح ؟
    وإذا كان يلزم من عدم الدليل عدم المدلول ؛ فأعلم أن بقاء العالم في أزليته قبل الخلق سيعني إنكار الخالق ، وهذا من أبطل الباطل .
    وأنت ترى هنا أن الرازي يستخدم المنطق الحجاجي لإثبات دعواه . بيد أنك سقت كلام الرازي في سياق مناقض تماما لما جاء في كتابه ذاك . فهو ساق المقطع الذي أوردته وهو التالي :
    Quote: (قد والله تعجبنا من قولكم القرآن معجز وهو مملوء من التناقض، وهو أساطير الأولين – وهي خرافات- ... إنكم تدعون أن المعجزة قائمة وموجودة – وهي القرآن- وتقولون من أنكر ذلك فليأت بمثله". أن أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أـطلق منه ألفاظا، وأشد اختصارا في المعاني وأنضج سجعا....)

    في سبيل استعراض أدلة الخصم ، وأنت أوردته كراي لأبي بكر الرازي ؟ ثم السياق في منطوقه يدل على كلام خصم يواجه خصما آخر الأمر الذي يفترض المناظرة ، فضلا عن الحديث عن معجزة ؛ المعجزة التي كان يحاجج بها الراهب النصراني في ولادة المسيح من غير أب .
    أنا يا أخي كنت أستعرض أفكارك ولم أقطع سياقاتها بل كنت أورد المعنى كاملا وأعقب عليه . لكنك أنت الآن في هذه المداخلة تدعي بأنني كنت أقطع سياق أفكارك بصورة مبسترة . ثم أنت الآن هنا تصحح أفكارك عن المعرفة الوضعية وتنفي عنها اليقين ـ وهذا موقف علمي ـ وفي قولك
    Quote: من المهم أيضا التنويه إلى السياق الذي حاولت فيه تبيان جدوى استخدام المناهج الوضعية لمقاربة حقائق المعرفة الإسلامية، والذي لا علاقة له من قريب أو بعيد باعتقاد هذه المنهجية بإلهية النص المقدس من عدمه. لا شك أن التطرق لمثل هذا الأمر في غاية التعقيد والالتباس وذلك من باب أن المعرفة الوضعية نفسها مذاهب ومدارس أكثر من تعد وتحصى. وان كان فيها ما لا يعتقد بإلهية النصوص الدينية، فهناك الكثير من هذه المدارس الفكرية ممن لا يضيرهم مثل هذا الاعتقاد،
    تراجعا واضحا عما ذكرته في مداخلاتك السابقة بخصوص المعرفة الوضعية . أما عدم وجود علاقة استدلالية في المنهج الوضعي من حيث عجزه عن إثبات إلهية القرآن وإضطراره بأسلوب غير علمي إلى إنكار مالم يتوصل إليه بأدواته المحدودة ؛ فهذا غير صحيح فالمعرفةالوضعية مهما اختلفت مدارسها فإن أدواتها في مقاربات حقول المعرفة لا تختلف في أصلها المادي. ثم أنني أصلا لم أنكر فتوحات المنهج الوضعي والنقله العظيمة التي أنتجها في مسار الحداثة الأداتية (التحديث) أ . أما بقية كلامك حول المعني المتعالي للإسلام ، وبالتالي عدم قابليته للعقلنة ؛ فهذا كلام فيه عمومات غير دقيقة ، ثم من قال أن الحداثة في غير جوانيها الأداتية والعقلانية ، من قال أنها أدخلت العالم في سوية قيمية وأخلاقية وإنسانية قابلة للتعميم كالعدل الإنساني والقيم الأخلاقية الفطرية وما إلى ذلك ؟ أنا ذكرت لك عجز العقل الإنساني في الوصول إلى تلك السوية الإنسانية للحياة في العالم ، باعتراف الفلاسفة الكبار أنفسهم ، رغم تحقق هذه السوية في بعض جوانب الحباة الإنسانية (أوربا أمريكا) وعدم تحققها في بقية العالم أو فلنقل عدم إرادة فلسفة القوة المادية التي تحكم هذا العالم في تعميم العدل الإنساني ـ وهذا ما ناضل من أجل تعميمه (استنادا إلى تحققه الجزئي) كبار الفلاسفة المعاصرين : هابرماس ، تشومسكي ، إدرواد سعيد ألخ ـ
    أنت تمارس خلطا واضحا بين عجز الآيدلوجيا الإسلاموية المعاصرة ـ التي هي شكل من أشكال التخلف في التفكير الإسلامي ـ على طرح مفاهيم متماسكة عن قيم الإسلام المعرفية ، وبين تلك القيم كما هي في النصوص التأسيسية للإسلام (القرآن وصحيح السنة) وهي نصوص قابلة للعديد من تطبيقات المفاهيم المعرفية واستثمار دلالاتها في تأسيس وعي وعقل اسلامي حديث ـ غائب الآن ولكنه ممكن الحدوث ـ . في ضوء هذا التحليل قد لا يكون هناك تعارضا بين القراءات التي تستند إلى الوعي المعرفي فيما خص مفاهيم الإسلام أو الحداثة . ثم من قال أن الحداثة في مجملها لا تنطوي على آيدلوجيا تاريخانية ـ قد نحتاج إلى زمن طويل لكشفها ـ ... وفي فلسفات مابعد الحداثة ردود فعل ما لآيدلوجيا الحداثة .
    فيما خص كلامك :
    Quote: أنه من الممكن جدا التعامل مع هذه النصوص المقدسة كوقائع تاريخية يمكن مقاربتها ابستمولوجيا لتفكيك وتحليل بناها اللغوية والمفاهيمية ومن ثم النفاذ إلى أنظمتها الثقافية والأخلاقية التي تعمل كدوافع محركة لهذه المجتمعات. ووجهة النظر هذه لا تخلو من وجاهه حين نمعن النظر في أحداث وقائع الوحي عبر التاريخ وما تمخض عنه على أرض الواقع من تحولات اجتماعية ثقافية وسياسية محسوسة.

    سأنقل هنا هذا المقال الذي كتبه الأستاذ سامي براهم في موقع (الأوان) ـ موقع العقلانيين العرب ـ وهو مثقف تونسي عقلاني ، في سياق رده على كتاب المفكر التونسي الكبير هشام جعيط ، عن السيرة النبوية ، ومقاربة ظاهرة الوحي والنبوة من خلال المعرفة الوضعية . وهو مقال يبحث معرفيا في إمكانات المنهج الوضعي المحدودة حين يقارب ظاهرة الوحي .. وأنا أورده هنا للمناسبة القوية مع هذا المقطع الذي أوردته من كلامك :
    Quote: كتاب هشام جعيط حول السيرة النبوية: العقل الوضعي قارئا للإسلام
    بقلم سامي براهم


    أثار الجزء الثّاني من مشروع الدّكتور هشام جعيّط في السّيرة النّبويّة والموسوم بـ"تاريخيّة الدّعوة المحمّديّة في مكّة" من جديد السّؤال عن المناهج التي نتوسّل بها لمقاربة مسائل الدّين، خاصّة تلك المتعلّقة بما تعدّه الأديان خوارق ومعجزات تشدّ التّاريخ إلى عوالم ماورائيّة متفلّتة عمّا تعتبره فلسفة العلم الوضعي شروطا موضوعيّة ضروريّة تحكم العالم الأرضي بكلّ ظواهره الطبيعيّة والإنسانيّة. و بقيت " الموضوعيّة الوضعية " منذ نشأتها معول هدم للإيمان الدّيني لأنّ الحقيقة في المنظور الوضعي تتوقّف على قابليّة الظّواهر للتّعقّل ضمن شروط التّاريخ، فلا مجال للتّعويل على أسباب ومؤثّرات تحرّكها قوى ومعطيات من خارج العالم الأرضي أو من داخله إذا استعصت على الاختبار.

    في خضمّ هذا السياق المعرفي الذي كرّسته فلسفة الحداثة القائمة على مركزيّة العقل والذّات المتعقّلة، تتنزّل المباحث التي تقارب مسائل الدّين والموزّعة على مجالات معرفيّة متعدّدة كعلم الأديان المقارن والمقاربات السوسيولوجية و السيكولوجيّة و الأنثروبولوجيّة و الماديّة التّاريخيّة... و كانت مدارس الاستشراق على اختلاف توجّهاتها و خلفيّاتها الثّقافيّة والفلسفيّة والإيديولوجيّة امتدادا لهذا الأفق المعرفي الذي تحوّل من منهج نظري للفهم والتّحليل إلى حركة مناضلة تحمل رؤية للوجود و إيديولوجيا كونيّة. وانكبّت هذه المدارس على تمحيص المدوّنة الإسلاميّة كما لم يحصل منذ قرون حيث توقّف إنتاج المعرفة عند المسلمين على ثقافة التّقليد ممثّلة في الشّروح والتّلاخيص والمختصرات والمتون و الرّسائل المدرسيّة. لذلك، ومهما كانت تحفّظاتنا على نتائج الدّراسات الاستشراقيّة، فالثّقافة العربيّة والإسلاميّة مدينة لها بتدشين مرحلة جديدة لإنتاج معرفة عن الإسلام وتاريخه وعلومه أشبه بعصر تدوين معاصر.

    ويعتبر الكتاب الأخير للدّكتور جعيّط امتدادا للأفق النّظري الذي يتحرّك فيه الإستشراق المعاصر عموما رغم نقده الشّديد و الصّريح لترّهات الكثير من المستشرقين ، لكن تبقى المقاربة الوضعيّة قاسما مشتركا بين أعمال الدّكتور جعيّط وأعمال المستشرقين. و نحن في هذا المقال، و إن كنّا لا نصدر عن موقف إيمانيّ أو فلسفي مسبق من المدرسة الوضعيّة، فإنّنا نريد من خلال تناول هذا الكتاب أن نسائل المنهج الوضعي ونختبر نتائجه المتعلّقة بمباحث ما أصبح يعرف بالإسلام الأوّل أو الإسلام التّأسيسي.

    مصادرة غير علميّة
    إنّ أوّل مفارقة تصدر عنها مقاربة الدكتور جعيّط هي وضع البحث الذي يروم الموضوعيّة العلميّة في تمثّل الإسلام الأوّل والنصّ التّأسيسي بين خيارين اثنين لا ثالث لهما : إمّا الإقرار بألوهيّة القرآن و نبوّة محمّد، فتنتفي بذلك مبرّرات البحث العلمي ويتوقّف الباحث لصالح مسلّمات العقيدة الدّينيّة، أو الإقرار بعلمانيّة الظّاهرة القرآنيّة والنّبويّة ونشوئهما ضمن الشّروط التّاريخيّة الموضوعيّة. وطالما أنّ الثّقافة الجاهليّة لم ترتق إلى مستوى المعارف الدّقيقة التي رافقت نشأة الإسلام ــ نظرا لضعف الوسط الذّهني و الثّقافي الذي ظهر فيه حسب عبارة جعيّط ــ فإنّ التّأثيرات الخارجيّة في صياغة الخطاب القرآني والسّيرة النّبويّة هي ما يجب أن نبحث عنه لتكون معرفتنا علميّة.

    إنّ هذه المصادرة القائمة على خيار "مانوي إثنيني" نور/ظلمة ، عقل/لاعقل ، علم/أسطورة ... هي مصادرة، حسب تقديرنا، تناقض مبدأ الموضوعيّة العلميّة لأنّها تستبق مسار البحث العلمي وتفترض نتائجه مسبقا وقد تدفع إلى التّعسّف على المادّة التّاريخيّة وتوجيهها وافتعالها أحيانا عبر الانتقاء أو التّضخيم أو توهّم التّناصّ بين النّصوص و تناسل الخطاب وهجرة المعرفة. نعم، لا يحقّ لنا انطلاقا من المقاربة الموضوعيّة أنّ نصادر بشكل وثوقي مسبق على نفي أيّ تأثيرات صاحبت تأسيس الإسلام تحت تأثير المسلّمات الدّينيّة، خاصّة وأنّ الاعتقاد الدّيني الإسلامي نفسه قائم على مبدأ تواصل الحقيقة التّوحيديّة بتصديق السّابق والهيمنة عليه وإكمال الدّين وإتمام مكارم الأخلاق ووضع اللّبنة الأخيرة كما ورد في الكثير من الآيات والأحاديث (وهو ما دعّم به جعيّط أطروحته في تأثير المسيحيّة السّوريّة على بناء الخطاب القرآني)، ولكن في المقابل لا يمكن لنا أن نصادر وبنفس المنطق الوثوقي الاستباقي على حتميّة وجود التّأثير الخارجي تناغما مع فلسفة العقل الوضعي الذي لا يؤمن بأيّ فعل خارج إكراهات الزّمان والمكان التي لم تثبتها الواقائع ولا يثق بطاقات خارقة للإنسان إلاّ في ضوء ما تثبته التّجربة والاختبار، بينما الفيصل في المبحث التّاريخي حسب تقديرنا ليس القناعات الفلسفيّة والوجوديّة، بل وحدَها الوثيقة التّاريخيّة هي التي يعود إليها تحديد مقدّمات البحث التّاريخي ومساره وآفاقه ونتائجه سواء كانت افتراضيّة أو تقريريّة.

    أمّا إذا غابت الوثيقة فلا يمسّ من مصداقيّة المؤرّخ في شيء أن يتوقّف عن الحكم والتّقرير والمصادرة و يعلن أنّ المعطيات الآنيّة تعوزه للتّوصّل إلى تفسير موضوعيّ للظّاهرة ويترك إلى حين مجال التّأويل للفلسفات والإيديولوجيّات والثّقافات.

    إنّ الصّدور عن مسلّمات العقل الوضعي في مبحث تاريخ الأديان الكتابيّة، ولاسيما الإسلام يوهم أنّ الانطلاق من الإقرار بألوهيّة النصّ المؤسّس يستحيل معه إنتاج معرفة علميّة موضوعيّة عن الدّين، و هو حكم تفنّده الحركة العلميّة التي نشأت حول النصّ، تستكشف بنيته اللغويّة والحجاجيّة والمفهوميّة وتستفهم معانيه ودلالاته لتنتهي ــ بعيدا عن سياق الحجاج الدّيني العقائدي ــ إلى فرادته وانسجامه الدّاخلي ، كما لم يمنع ذلك الفيلسوف وعالم اللاهوت الفرنسي من التّأريخ للأديان انطلاقا من تمثّل نظام الخطاب وفائض المعنى ضمن علم الهرمينوطيقا. وفي المقابل، ساهمت الدّراسات التّاريخيّة الصّادرة عن بشريّة النصّ ضمن ما يسمّى بـ"الإلحاد المنهجي" في المزيد من الحيرة والتّناقض والاضطراب العلمي.

    فلو سلّمنا مثلا بالتاريخيّة الخالصة للنصّ المؤسّس ــ وهو ما عجزت جميع المقاربات التّاريخيّة عن أن تقيم الدّليل الموضوعي عليه ــ بما تعنيه من أنّ جملة من الشّروط الموضوعيّة ــ التي لم تحدّدها بدقّة أيّة دراسة علميّةــ توفّرت لتشكيل " الظّاهرة القرآنيّة " وظاهرة النّبوّة، فلماذا توفّرت تلك الشّروط في ذلك الزّمان وذلك المكان بالذّات؟ ولماذا اصطفت ذلك الشّخص بعينه؟ ألم تكن بيئات أخرى ــ مثل الحواضر الطّائفيّة المحيطة بالجزيرة العربيّة ــ وأشخاص آخرون في ذلك الزّمان أكثر قابليّة و جاهزيّة ــ بالمنطق الموضوعي ــ للقيام بأدوار رائدة في تشكيل ظاهرة النّبوّة و صياغة نصّ دينيّ متفرّد؟ و هل هذه الشّروط موقوفة على مرحلة تاريخيّة ولّت وأشخاص لن يتكرّروا؟ ومن ثمّ ما هي المبرّرات الموضوعيّة لختم النبوّة و توقّف التّاريخ عن إنتاج الأنبياء منذ 14 قرنا؟ ولماذا فشلت كلّ محاولات التنبّؤ القديمة ــ بعد ختم النبوّة ــ و الحديثة في استعادة مجال النبوّة باعتباره مسلكا من مسالك إنتاج المعرفة؟...
    جميع هذه الأسئلة غير ميتافيزيقيّة وطرحها على المبحث التّاريخي مشروع . و لكن أنّى للعقلانيّة الوضعية أن تتصدّى لهذه الأسئلة وهي مقيّدة بمركزيّة العقل المحكوم بقوانين المادّة في مقاربته للظّاهرة البشريّة، وأنّى للمبحث التّاريخي الذي استعاض عن منهج تحليل الوثيقة بافتراضات قائمة على أطروحات فلسفيّة أو مستقاة من مناهج علوم أخرى لها منطقها الدّاخلي ومسلكها الاستدلالي والحجاجي الخاصّ، بينما لعلم التّاريخ، كما نتصوّر، خصوصيّته وتميّزه عن بقيّة العلوم.

    ومع ذلك، فنحن نتساءل مع الدّكتور جعيّط إن كانت المقاربات التي تصدر عن هذا المنطق الموسوم بالعلميّة وفيّة للمبادئ التي تنطلق منها: فلماذا يعذّ التّوقّف في المبحث التاريخي عند غياب الوثيقة ــ ويستتبع ذلك في موضوعنا عدم الإقرار بالتّأثير المسيحي الذي لم تثبته الوثيقة ــ سقوطا في المسلّمات الإيمانيّة ، بينما لا يعتبر ذلك كذلك عندما يتوقّف عالم البيولوجيا والجيولوجيا عند ظاهرة يعجز عن تفسيرها؟ لماذا لا يستنكف الطّبيب مثلا من التصريح بعجزه عن تعليل أمراض عديدة لغياب المعطيات الموضوعيّة عن إدراكه؟ وكذلك يفعل العلماء الذين يدرسون الظّواهر الطّبيعيّة و يتوقّفون عند الكثير من الكوارث وتقلّبات الكون و حركة الكائنات، ولا يعدّون ذلك التّوقّف أو العجز منقصا من قيمة مجهوداتهم ولا مدعاة للتّورّط في تأكيد المسلّمات الدّينيّة التي تصبّ في إثبات نظريّة الخلق الإلهي وخضوع الطّبيعة للإرادة الإلهية المطلقة ؟

    إعادة إنتاج الاستشراق
    إنّ أقصى ما توصّلت إليه المقاربة التّاريخيّة الموضوعيّة في تفسير ظاهرة النبوّة، هو ما صاغه المستشرق الألماني تويودور نولدكه ( 1836 / 1930 م ) في مؤلّفه الضّخم " تاريخ القرآن " الذي أصدره سنة 1860 و ترجم إلى العربيّة في طبعته الأولى سنة 2004 م و قد تبيّن بعد هذه التّرجمة أنّ الجميع عالة عليه في ذلك. و ملخّص هذه المقاربة أنّ " جوهر النّبيّ يقوم على تشبّع روحه من فكرة دينيّة ما تسيطر عليه أخيرا فيتراءى له أنّه مدفوع بقوّة إلهية ليبلّغ من حوله من النّاس تلك الفكرة على أنّها حقيقة آتية من الله ..." (ص 5)، وقد كانت تعتريه في وحدته وغربته أثناء التحنّث في الجبال والكهوف حالات من الغيبوبة والاضطراب النّفسي المرضي تنزاح به إلى عالم الأحلام والرّؤى ولكن "أعوزته القدرة على التّجريد المنطقي إعوازا شبه تامّ . لهذا السّبب اعتبر ما حرّك نفسه أمرا موحى به منزلا من السّماء ولم يختبر اعتقاده إطلاقا بل اتّبع الغريزة... اعتبر هذه الغريزة صوت الله الذي أتاه وهذا ما ينتج الفهم الحرفي الظّاهر للوحي الذي يقوم عليه الإسلام ..." (ص 6).

    واعتبر نولدكه "أنّ الإسلام في جوهره دين يقتفي آثار المسيحيّة أو بعبارة أخرى أن الإسلام هو الصّيغة التي دخلت بها المسيحيّة إلى بلاد العرب كلّها" (ص 8)، كما اعتبر أنّ أفضل ما في الإسلام نشأ على منوال التّعاليم اليهوديّة والمسيحيّة فـ"إنّ محمّدا حمل طويلا في وحدته ما تسلّمه من الغرباء وجعله يتفاعل وتفكيرَه ثمّ أعاد صياغته بحسب فكره حتّى أجبره أخيرا الصّوت الدّاخلي الحازم على أن يبرز لبني قومه..." (ص 4).

    ولا نجد في ما ورد في كتاب الدّكتور جعيّط خروجا عن هذا السّياق النّظري والمفهومي والمنهجي . والمفارقة التي نريد تسجيلها أنّ الانطباع الذي حصل لدينا إثر الاطّلاع على الجزء الثّاني من مشروع الدّكتور جعيّط عن السّيرة النّبويّة أنّ الجزء الأوّل كان أكثر انخراطا في المنهج التّفهّمي الذي حاول من خلاله أن يفهم ظاهرة النبوّة من داخل سياق النصّ التّأسيسي ونصوص السّيرة مع حسّ نقدي عميق ومجهود فكري ذاتي فذّ ودون الارتهان إلى المصادرات التي تنزع إلى الوضعنة. لكنّه في هذا الجزء الثّاني لم يستطع أن يستوعب إمكان قيام ظاهرة نبويّة تصدر عن نصّ ديني خارج سياق ثقافي مؤثّر ليس فقط في تشكيل العوالم الكوسميّة والإسكاتولوجيّة بل كذلك في بنية الخطاب الحجاجيّة وحقوله الدّلاليّة، وتلك مسألة كان على الدّكتور جعيّط أن يستنفر فيها معارف وعلوم لغويّة تساعد على اختبار وجاهة الكثير من الفرضيّات التي وجّهت البحث.

    فلا يمكن حسب تقديرنا التّسليم بالتّناصّ بين القرآن وغيره من النّصوص أو المصادرة على هجرة النّصوص وتناسلها دون بحث جدّي في بنية كلّ نصّ ومنطقه الدّاخلي وأساليبه وعوالمه الدّلاليّة. ويتطلّب ذلك توظيف مناهج علوم النصّ وتحليل الخطاب والحجاج ... و لعلّ عدم الانفتاح على هذه المعارف هو الذي أدّى مثلا إلى اعتبار أن آية "وأمرهم شورى بينهم " (الشورى 38) أضيفت إلى النصّ لأنّها "لا تنسجم مع نسق الآية التي وضعت فيها ... لا نرى ما يكون أمرهم هذا أي حكم المسلمين لأنفسهم في زمن النّبي " (جعيّط ص 23)، وهو نفس المنطق الذي قاده إلى اعتبار الآيات التي تحيل على مفهوم الشّرك في المرحلة القرآنيّة الأولى ــ مرّة في سورة الطّور ومرّة في سورة القلم ــ " إمّا فلتة أو منضافة " (جعيّط ص 200)، ذلك على اعتبار أنّ المفهوم الغالب في تلك الفترة عن الكفر هو كفر الجحود أو كفر النّعمة ثمّ تطوّر المفهوم في الفترة المدنيّة تحت تأثير المثاقفة والمناكفة مع أهل الكتاب ليصبح دالاّ على الشّرك. كما أدّى بالباحث إلى أن لا يستبعد " أنّ آيات قرآنيّة أعيد ذكر بعضها مرّتين خصوصا وأنّ في القرآن تكرارا بسبب صيغته الشّفويّة في الأوّل" (جعيّط ص 23).

    إنّ هذه الأحكام المتعجّلة كان يمكن اختبارها في ضوء ما أنتجه علم المناسبات مثلا من معارف متقدّمة في مجال البحث عن الانسجام الدّاخلي للنصّ وتناسق مكوّناته الخطابيّة والدّلاليّة ونظمه.

    و رغم إقرار الدّكتور جعيّط "أنّ التّأثير المباشر السّوري أيضا يدخل في مجال التّخمينات والافتراضات و ليس لنا أيّ شاهد على ذلك " (جعيّط ص 174)، فقد انخرط في رصد المتشابهات اللفظية والمضمونيّة بين القرآن و نصّ إنجيلي عربي مفترض اعتبر من الصّعب تاريخيّا نفي اطّلاع الرّسول عليه، وذلك بناء على المصادرة التي انطلق منها أنّ "من دون المسيحيّة الشّرقيّة- السّوريّة لم يكن ليظهر محمّد وإلاّ فلا نرى كمؤرّخين حلاّ للإشكال ... بالنّسبة للمؤرّخ الموضوعي لا يمكن الانفلات من إقرار هذا التّأثير و هو ليس بالتّأثير السّطحي وإنّما العميق والمستبطن بقوّة وإلاّ عاد محمّد غير ممكن في بلده وفي زمانه أو وجب على المؤرّخ الإذعان والإقرار بألوهيّة القرآن مبدئيّا ونهائيّا والتوقّف عن كلّ بحث " (جعيّط ص 164).

    و لم يتوقّف التّأثير المسيحي على القرآن بل تجاوزه إلى كتب السّيرة التي نسجت على منوال الأناجيل. و هو إقرار متسرّع حسب تقديرنا طالما لم يستثمر مباحث الخبر باعتباره أداة تواصل ثقافي قبل الإسلام وجنسا أدبيّا عربيّا أصيلا له مقوّماته، وليست السّيرة إلاّ ضربا من ضروب الخبر ينسحب عليها ما ينسحب على الأخبار من قضايا كالمشافهة و التّدوين والإسناد ومراتب التّحمّل والسّرد ...

    النصّ المعجز
    إنّ كلّ ما أوردناه من تساؤلات ونقد للمنهج الوضعيّ قارئا للإسلام الأوّل لا تقلّل من الجهد العلمي الفذّ الذي قام به الدّكتور جعيّط في تنقية السّيرة النّبويّة من القصص الأسطوريّة التي علقت بها ومحاولته ترتيب الأحداث وفق منهج تاريخي موضوعي يعتمد القرآن باعتباره الوثيقة التّاريخيّة المدوّنة الوحيدة المتزامنة مع الأحداث، كما وصف ــ في تقديمه لكتابه بكليّة 9 أفريل (الجامعة التونسيةـ " بالسّخيفة " البحوث التي تنكبّ على تحقيق مصحف مخطوط وجد باليمن يزعم أصحابها أنّ حجم اختلافه مع المصحف العثماني يصل حدّ تغيير نظرة المسلمين للمرأة والجهاد والمختلف الدّيني .

    غير أنّنا نقدّر أنّ المعرفة العلميّة تقوم على تراكم العلوم وتثاقفها في ما بينها (وهو ما اعتمده جعيّط بانفتاحه على علم الأنثروبولوجيا)، غير أنّنا نتصوّر أنّ المعارف اللسانيّة القديمة والمعاصرة والفتوحات المعرفيّة التي أفضت إليها لا غنى عنها في مقاربة القضايا والإشكاليّات التي تحوم حول النّصوص الدّينيّة المقدّسة في كلّ الثّقافات (وهو ما كان غائبا في مبحث جعيّط). كما نعتقد أنّ الظّواهر الموسومة بالخارقة كالوحي والنبوّة ليست خارقة بإطلاق طالما أنّ همّة المرء لو تعلّقت بما وراء العرش لناله على تعبير الحديث القدسي، فهي خارقة للمعطيات الموضوعيّة المتوفّرة ولمعطيات العقل الوضعي الرّاهن المكبّل بحدود الزّمان و المكان، و لكنّها حسب تقديرنا تخضع لمنطق سببي موضوعي خاصّ لم تدركه العقول بعد وربّما تدركه كلّما تخفّفت من الأشكال والصّور إلى المعاني والدّلالات .

    إنّ هذا النصّ المعجز الذي تأسّس على استثمار دلالاته الاجتماعُ البشري في مناطق شاسعة من المعمورة نصّ إلهي محفوف بالبشريّة من كلّ جوانبه: فمادّته المعجميّة بشريّة، نشأت داخل التّواضع البشري، إذ نزل بلسان عربي مبين، و قد استدعته حاجات بشريّة بعضها ظرفي محلّي و الآخر إنساني، وأداة فهمه وتنزيله بشريّة وهي العقل البشري ... إنّ كلّ هذه المعاني تؤكّد أنّ وجه الإعجاز في هذا النصّ و في الظّاهرة النبويّة لا يكمن في مبدأ الخرق والعلويّة بل في العلاقة الجدليّة التي ينشئها بين الغيب والطّبيعة ، بين الإنسان والله، بين عالم الخلق الشّاسع وخرم الإبرة الذي نقيم فيه ونرتهن لمركزيّة أبعاده في إنتاجنا للمعرفة وتمثّلنا للوجود، بينما تتفلّت الكثير من العوالم المتّسقة والمبهرة والقريبة منّا من ضوابط القوانين المخبريّة وادّعائها "دون حياء علمي" أنّها المسلك الأوحد للحقيقة...
    لقد كان كتاب الدّكتور جعيّط فرصة ثمينة لطرح هذه الإشكاليّات المؤرقة في سياق معرفيّ عالمي يحاول ضبط معايير جديدة لإنتاج المعنى.


    هناك الكثير مما يمكن الرد عليه بالتفصيل في كلامك ، لكنه الوقت ياصديقي ، كما أنه لابد من حسم بعض النقاط المنهجية ومن ثم بناء النقاش عليها
    مودتي
    محمد جميل

    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 03-05-2008, 08:27 PM)
    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 03-05-2008, 08:37 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de