كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
البتروفوبيا
|
_____________________
البترو-فوبيا
الفصل الأول :
عزيزتي إيميلي ...
عندما تجدين هذه الرسالة التي وضعتها لك فوق جهاز تسخين الماء، أول شيء تستخدمينه صباحاً لتحضير القهوة، سأكون قد وصلت إلى مطار لوس أنجلوس. نعم! قررت السفر، بعدما سئمت من سخريات الأصدقاء من حولي ونعتهم لي بالفاشل. أعلم أنّك الوحيدة التي لا ترى فيني ما يراه الآخرون، أو ترى فيني ما لا يرونه، ولكنني سئمت فعلاً. فكّرت كثيراً في وضع حلّ جذري لمعاناتي النفسية التي لطالما حرصت على أن أبقيكِ خارج إطارها المؤلم. فكّرت في الانتحار، ولكنني خشيت الألم الذي سوف يسببه لك ذلك، فرأيت أن قرار السفر أنسب بكثير، وأخفّ وطأة. سوف تحزنين بقدر حزني الذي فاجأني عندما خطرت لي الفكرة لأول مرّة، ولكن لم يكن في يدي حلّ آخر وأكثر إيجابية. أجل! تماماً، هذا يعني أنني فكّرت في هذا الأمر من قبل، والواقع أنني كنت قبل سنوات منشغلاً بالبحث عن حلول لهذا الوضع. تذكرين عندما قبلت العمل مراسلاً في إحدى المصارف مقابل مائة وثمانية وستين دولاراً، كانت بالكاد تكفي لتسديد ديوني المتراكمة، أو قضاء سهرة لطيفة معك في ملهى هايد الليلي. سئمت من كوني متطفّلاً عليك. لقد قالها أحدهم في وجهي صراحة عندما تعاركنا ذات يوم ونحن ثملان.
أعرف أنّك لا تفكرين بهذه الطريقة، ولكن لن تستطيعي أن تشعري بما يختلج داخلي وأنا أرى النظرات الساخرة في أعينهم كلما هممنا بالدخول إلى شقتك. هل تعلمين إلى أيّ مدى قد يبدو الأمر محرجاً وأنا أكاد أسكن معك بشكل يومي دون أن أدفع عنك فواتير الكهرباء والهاتف أو حتى دون أن أساهم في دفع نفقات المعيشة ولو من باب المجاملة الكاذبة. كيف لا أعتبر نفسي عبئاً عليك في كلّ مرّة أراك تتشاجرين فيها مع عامل الصيانة بسبب تعطّل فتحات التهوية مرتين في الأسبوع على الأقل! كيف لا أعتبر نفسي متطفلاً وأنا أراك تعودين يومياً من عملك لتذهبي مجدداً للتسوّق وشراء مستلزمات البيت، وحتى مستلزماتي الخاصة: السجائر، والشراب، ومعجون وفرشاة الأسنان وحتى الملابس الداخلية! ثم لا تنسين أن تضع لي نقوداً تحت وسادتي قبل أن تغادري إلى عملك صباحاً. لقد سئمت من حياتي هذه. كثيراً ما كنت أتسكّع في طرقات المدينة المهولة والمخيفة مساء كي أوفّر لك حصتي من العشاء! أعلم أنه تفكير مجنون، وأذكر أنك كنت تلومينني على عشائي في الخارج، وتركك تتناولين العشاء بمفردك. لقد كانت كذبة تلك التي كنت أوهمك بها. كنت فقط أريد التخلّص من ذلك الإحساس القاتل بالطفيلية في كل مرّة أتهرب فيها من وجبة العشاء مساءً.
كم تمنيت أن أكون ذلك الشخص الذي تفخرين به بين صديقاتك وزملائك في العمل، أولئك الذين كانوا يأتون لزيارتك بين الحين والآخر. أن أكون شخصاً مرموقاً ومحترماً أمام الجميع. الآن أتذكر ذلك اليوم الذي كنتِ تتحدثين لي فيه عن إحدى زميلاتك في العمل وعن صديقها الذي تسكن معه في نفس الشقة: كيف أنّهما يقضيان أعياد الميلاد المجيدة في باريس كل عام، تحدثتِ عن إعجابها المفرط بكرمه ورجولته وفخرها به أمام الجميع. تمنيت عندها للحظات أن لو كنت مثله بالنسبة إليك. هذه الأشياء تزعج الرجال كثيراً. كل رجل يريد أن يشعر جوار فتاته بأنه الأكثر كمالاً في كل شيء، حتى وإن كان ذلك مخالفاً للحقيقة، يكفيه فقط أن يشعر بذلك. ولا أسوء عندنا من الإحساس بالعوز. توصلت أخيراً إلى نتيجة مرضية أنّ الرجولة أكثر صعوبة من ركوب الأمواج للهواة المبتدئين. هو أمر سخيف بل هو أكثر سخافة من مراقبة ليلة حميمية بين زوجين من شقّ في الجدار. ورغم ذلك لم أتمن أن أكون أنثى، ليس لشيء ولكنني فقط أحسست بأنني سأكون أنثى فاشلة كذلك.
كنت عندما أتسكّع في شوارع لوس أنجلوس، شوارعها السرّية طبعاً وليست تلك المأهولة بالأقدام الواثقة والمترفة، أشعر بأنني كيس نايلون فارغ تحرّكه الرياح عبر الطرقات وفوق فتحات المجاري وغرف التفتيش المنتشرة كبقع جدري حمراء على ظهر فتىً أوروبي. أرى ناطحات السحاب الشاهقة فأحس بضآلتي أكثر. أشعر بأني أكاد أختفي من هذا العالم المليء بالحركة، وكأنني لست جزءاً أصيلاً منه. أرى السيارات الفارهة والسيدات اللواتي يقدن البوميرينين(1) بسلسلة وطوق مذهّب، فأتمنى أن لو كنت مكانه. نعم! لا ضير أن أكون كلباً في يد سيدة ثرية، فالكلاب تحيى حياة مريحة. هل تعلمين كم يبلغ سعر هذا البوميرينين؟ إنه في أسوء الأحوال يتجاوز الخمسة عشر ألف دولار، هل تصدقين ذلك؟ لك أن تتخيلي ما قد يفعله مبلغ كهذا لأمثالنا. العجيب أنّ في الشارع الموازي للشارع الذي تسير فيه تلك المرأة برفقة كلبها المدلل كان أحدهم يتدلى داخل حاوية النفايات كالقطط ليبحث عن بقايا تفاحة أو بيتزا مأكولة أو علبة سردين عجز الآخرون عن فتحها أو رموها لأنها منتهية الصلاحية. لا أريد أن أتكلّم عن المفارقات العجيبة في هذه البلاد، فمفارقاتي أنا تكفي وتزيد، كما أنني لست شيوعياً. تعلمين أنني لا أهتم بمثل هذه الأمور، بل وأتجنّبها تماماً.
هل تستغربين من أمنياتي المتناقضة كأحلام المراهقين؟ أعني كيف لا أتمنى أن أكون أنثى في حين أتمنى أن أكون كلباً؟ الكلاب تعيش في البيوت وكأنها فرد أصيل من العائلة، لا أحد يطالبها بالعمل والكسب أو حتى تسديد نفقات المعيشة. تعيش لتأكل وتشرب وتنام، وكل ما عليها هو أن تنبح ليلاً في وجوه الغرباء. يوفّر البعض لحيواناته الأليفة كل ما يحتاجه وما لا يحتاجه، حتى أنّ بعضهم يحرص على فحصه طبياً ومراجعة الطبيب البيطري كل ثلاثة أشهر. هل تذكرين ماذا حلّ بي عندما أصبت بحمى الأنفلونزا ذلك اليوم؟ كنّا نضع ماء الصنوبر في الثلاجة لساعة ونصف ثم نسكبه في أوعية بلاستيكية صغيرة نستخدمها كمكمّدات، فقط لأننا كنّا عاجزين عن الحصول على ثمن المضادات الحيّوية، أو ثمن مكعّبات الثلج، لم تكوني وقتها قد انتقلتِ لعملك الحالي. أذكر أن ذلك كان في شتاء 1991
أنتِ أجمل الأشياء في حياتي لولا إحساسي المتعاظم بالدونية. أنتِ الوحيدة التي كنت أشعر جوارها بإنسانيتي، لولا تلك اللحظات التي أصيب فيها بالحرج والخجل أمامك. ما أبشع أن يحس أحدنا بمثل ذلك أمام من يحب! تعرفين عني كل شيء حتى تلك النكسات العظمى في حياتي. ما لا تعرفينه؛ أنني كنت أتردد في الفترة السابقة على طبيب نفسي جراء ما عانيته في الآونة الأخيرة. أخبرني الطبيب أن ما أعانيه ليس فقط مردّه لفشلي الأكاديمي أو المهني، بل أوعز ذلك لأشياء عائلية قديمة. هذا أمر آخر. لا أخفيك عزيزتي أنني صعقت عندما سمعت ذلك، ولكنه كان على حق. هل تعلمين كيف تمكنت من زيارة الطبيب؟ وفّرت مما كنت تضعينه لي من نقود تحت الوسادة كل صباح، لقد استمر ذلك لخمسة أشهر.
لم تكن أسرتنا أسرة مثالية، ولم تكن علاقتي بها علاقة طبيعية أبداً. لم يحدث أن أخبرتك شيئاً عنهم من قبل، حتى أنّك لا تعرفين أين يقطنون الآن. من الأفضل ألا تعرفي شيئاً عن هذا الأمر فهو أمر مزعج وعديم الجدوى. المهم أنه وصف لي كتاباً لانطوان دو سانت وأوصاني بقراءته، ونصحني بروايات لكاتب كولمبي يدعى ماركيز، قال أنّه مفيد لحالات الاكتئاب. سخرت منه في بادئ الأمر إذ – كما تعرفين – لست مهتماً بالقراءة ولا بالأدب. ولكنه أصرّ على أنّ علاجي يكمن في القراءة وأضاف أنّ طريقة البيبليوثيرابي(2) مفيدة جداً في حالتي. ربما لاحظت في الأيام الأخيرة اهتمامي بشراء الكتب والروايات وتلك السخافات كما أسميتها، وكما كنت أراها شخصياً. يبدو أن البيبليوثيرابي لم يجد معي نفعاً، ستجدين تلك الكتب في صندوق صغير داخل خزانة الملابس، ولو أنني أعلم أنّك لا تحبين القراءة مثلي. يمكنك إعطائها لأحد الأصدقاء المشتركين، أو بيعها إن أردت ذلك.
لقد بحثت عن عمل لفترة طويلة، وأنتِ تعلمين أنني لم أكن متكاسلاً في ذلك. عملت في محطات البنزين و جالب أوراق في النوادي الليلية، ومراسلاً في المصارف، وبيّاع تذاكر في مواقف السيارات العمومية، وموصّل طلبات في مطاعم الوجبات السريعة، وأمضيت وقتاً مقدراً من عمري متسكّعاً في الشوارع. لم أعد قادراً على الاستمرار في حياة عبثية بلا هدف أو معنى إلى الأبد، فكان لا بد لي من إيجاد حلّ جذري وسريع.
تفجّرت فكرة السفر لديّ أول الأمر عندما أشار إليّ مايكل براون ، صديقنا المشترك، بذلك. لم آخذ كلامه على محمل الجد في البداية، ولكن تخمّرت الفكرة لديّ تماماً عندما بدأ يحدثني عن تلك البلاد، والثروة التي يمكن أن أتحصل عليها. ثمة أشياء كثيرة دعتني أعيد التفكير في كلامه أكثر من كوني راغباً في الثراء، ربما عجزي عن مواصلة الحياة في مطحنة بشرية كبلادنا هذه، أو ربما لأنني لم أكن أريد سماع لقب "فاشل" مجدداً، أريد أن أكون في مكان لا يعرفني فيه أحد. عندما يخفق أحدنا في العد إلى الألف فإنه يضطر إلى إعادة العد من الرقم واحد مجدداً. وهذا ما نويت أن أفعله. تأخر قراري هذا لأني كنت أفكر فيما سوف تقولينه عنّي، وما سوف يخبرك به الآخرون. سيقولون أنه ضجر من معاشرتك كل ليلة، وأنه ربما كان على سرير امرأة أخرى غيرك. سيقولون أنه ملّ معاقرة الأحاديث التافهة مع فتاة ثرثارة وفضّل أن يرافق إحدى راقصات الإستربتيز. هنّ أكثر ثراءً وجاذبية على أيّ حال. كل هذا وأكثر أتوقع أن يُقال لك أو أن يدور في خلدك، ولكن إياك أن تصغي إليهم يا إيميلي. قولي لهم أنني سافرت في رحلة استشفائية، فهكذا اعتبرها.
ثمة أمر ما يتقافز في ذهني الآن كالخفاش الأعمى، ولا أدري هل يتوجب عليّ قوله أم أحتفظ به وأكتفي بذلك. تكرهين مثل هذه الأمور أليس كذلك؟ أعرف أنّك لا تحبين المفاجآت، ولا تحبين الأحاديث المبتورة أو المجزأة، لذا سأخبرك. في إحدى ليالي الشتاء عندما أخبرتك برغبتي في البقاء خارج المنزل لفترة طويلة، ظللت أتسكّع كالعادة في الشوارع والطرقات، جلست على إحدى الأرائك الخشبية في منتزه جريفيث، كان يعج بالناس والأطفال والمهرجين وبائعي البالونات والفشّار وموظفي الأمن، وكنت أنا كشبح هامد وسط كل ذلك، كأنّ أحداً لم يكن يراني، كنت أراقب الناس من حولي وهم يهرولون أو عائدين من ملعب التنس، وأراقب المارين على دراجاتهم الهوائية أو الصبية وهم يمتطون ألواحهم الخشبية، والفتيات المتزلجات على الرولر سكيت(3)، والأمهات الراكضات وراء أطفالهن المشاغبين مفرطي النشاط. قلت في نفسي أنّ هؤلاء لا يشتكون من همّ ما. شعرت بالوحدة والضجر، ورأيت أغصان أشجار الأكاسيا تمتد كأذرع قاتل مأجور لتخنقني تماماً، ولكنني لم أرغب في النهوض من مكاني. فكرّت كثيراً أين يمكنني أن أذهب، كنت لا أنوي العودة إليك تلك الليلة، ولكنني لم أجد مكاناً آخراً ألجأ إليه، كان مايكل براون يواعد فتاة سوداء في شقته ولم يستطع أن يستقبلن تلك الليلة، فقررت العودة.
لم أعرف الشخص بالتحديد، ولكنه كان يرتدي معطفاً أبيض اللون مطرّز عليه رسمة تنين كتلك التي تظهر في بعض أفلام جاكي شان، عرفت أنّك تواعدين شخصاً آخر؛ فقفلت عائداً. نمت تلك الليلة في حديقة منزل مايكل براون الخلفية. لن تتصوري كيف كان البرد قارساً تلك الليلة. لقد انتابني شعور بأن الضيق والغضب كانا يساعدان على احتباس البرودة داخل عظامي مما جعل أسناني تصطك لا إرادياً ودون توقف، كآلة ناسخة يعود تاريخ صنعها إلى القرن الثامن عشر. أيقنت منذ تلك اللحظة أنّني رجل تافه ولا أستحق أن أكون صديقاً لك أبداً. كان مايكل براون يحكي لي قصصاً كثيرة عن أولئك الذين ذهبوا للعمل في بلاد العرب وتذكرت على الفور تلك الأحاجي والأساطير التي كنّا نقرأها صغاراً عن كنوز الشرق وبحور الأحجار الكريمة التي غرق فيها الرحالة والمستكشفون القدامى.
لا ألقي عليك اللوم أبداً، فلطالما كنتِ كريمة معي. فقط أحاول أن أفرّغ حمولتي قبل السفر. فلا أريد أن أسافر وأنا ما أزال أحمل في قلبي نكات سوداء لأحد. فقط صلّي من أجلي، ومن أجل أن أُوفق فيما أنا ذاهب إليه. رغم أنني لا أتوقع أن يفارق الحظ العاثر طريقي حتى في بلاد الشرق. لقد ترددت كثيراً لأنني أعلم أنّ تلك البلاد ليست آمنة أبداً، وعرفت أنهم يستهدفوننا في هجماتهم الإرهابية، ولكن لن يكون بقائي أوفر حظاً من موتي برصاص غادر أو قنبلة موقوتة. لا أنكر بأنني خائف إلى الحد الذي لا يمكنني وصفه، ولكن أعرف بأنّ الموت سيكون خيراً لي من حياة كالتي أعيشها هذه.
لقد قررت الذهاب إلى بلاد العرب، وعندما تجدين هذه الرسالة صباحاً سأكون في مطار لوس أنجلوس متجهاً إلى فرانكفورت لنمضي فيها ليلة كاملة ومن ثم نتوجه إلى بلاد الشرق، بلاد علاء الدين والسندباد العربي. لا أصدق أنني سأفعل ذلك ولكن اعتبريها مغامرة من ذلك النوع المجنون، لا بد أنني سأحكي الكثير لأحفادي عن هذه الرحلة التاريخية المشوّقة. وسأحرص على أن أوثق هذه الرحلة بالصور، لذا فلقد أخذت معي كاميرا تصوير رقمي من طراز أولمبيك. ربما نلتقي ذات يوم على الماسنجر وعندها يمكنك رؤيتي وأنا أتحدث بلكنة مختلفة عن المعتاد، وسأريك أين أسكن وكيف أعيش. لا تحاولي أن تبعثي لي رسائل عبر بريدي الإلكتروني فهو غير مفعّل الآن. ربما اضطر لفتح حساب جديد، وعندما أفعل سوف أزوّدك به.
قبلاتي إليك عزيزتي وأمنياتي لك بحياة سعيدة خالية من المضجرات. لا تنس أن تصلّي من أجلي رجاءً.
مخلصك إلى الأبد روبن سينجر
________________ هوامش: (1) البوميرينين Pomeranian : من كلاب الزينة (2) البيبليوثيرابي Pupilotherapy: مصطلح يعني "العلاج بالقراءة" أو "العلاج المعرفي" (3) رولر سكيت Roller Skate: حذاء بدواليب يستخدم في التزلّج على اليابسة.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
________________________
الأخوة والأخوات من ذوي الاختصاص :
أبحث عن شخص يترجم لي هذا العمل إلى اللغة الإنكليزية أرجو ممن لديه الرغبة الجادة في ذلك أن يراسلني على بريدي الإلكتروني: [email protected]
مع فائق التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
_______________________
- فوق -
سوف تتولى دار (بانيبال) ببريطانيا طباعة ونشر هذا العمل بإذن الله أرجو من الأخوة والأخوات ذوي الاختصاص المساعدة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: humida)
|
Quote: العمل دا (مؤلفه) أنا دا
قول ( اقســـم ) ..!
انت يا حميدة اشتغلت في جهاز المغتربين ولا شنو ..
ود الباوقة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: ود الباوقة)
|
Quote: انت يا حميدة اشتغلت في جهاز المغتربين ولا شنو |
يا ( ود الباوقة ) .. ربنا مش قال ( تأملوا في خلقي ) .. اها انا مأخد نصيبي في ( مخلوق الله ) اخونا ( هشام آدم ) .. وقاعد ( أتامل ) فيهو .. ولا يسعني من ( ابداع الخالق ) ألا ان اقول له ( اقسم ) .. .. .. ربنا دا ما ( كريم ) يا ( ود الباوقة ) .. نعيش و ( نشوف ) ..!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: humida)
|
صديقي العزيز هشام....سلامي ومودتي
أتمنى أن يجد هذا النص الراقي حقه الذي يستحقه من الإهتمام والمتابعة
كن بخير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: Sahar Abdelrahman)
|
سحر ( صديقة هشام ) .. هل انتي متأكدة يعني انه النص دا كتبه الاستاذ ( هشام آدم ) .. ويعني يعني ما في ( احتمال ) يكون منقول من مجلة ( عود الند ) ..!!
.. ..
في حالة توصلك لنتيجة ( مقنعة ) اتصلي بزيرو تلاتة سبعات ..!!
---------- * الجائزة : تلاجة 12 قدم مقدمة من محلات السراج المنير بسعد قشرة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
_____________________
Quote: هشام
مجرد إطلاعي على كتابتك هذه
خطرت على بالي (رسالة الى إيلين **** الطيب صالح )
رسالة الى إيلين **** الطيب صالح
هل إستمديت منها الفكرة |
العزيز : حيدر حسن ميرغني
الحق ... والحق أقول ، أنني لم أقرأ هذا البوست من قبل كما أنني لم أقرأ للأستاذ العالمي الطيّب صالح غير روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" حتى أنني لم أقرأ البوست عندما قمت بتزويدي به الآن حتى أقف على مواطن التشابه.
فكرة الرواية ملكي، وقد تتشابه مع أفكار أخرى وهذا أمر وارد وبشكل كبير. فمن قبل قمت بطرح فكرة الرواية على الصديق العزيز معتصم الحارث الضوّي وأخبرني أنّ الفكرة مشابهة نوعاً ما إلى فكرة نص للكاتب السعودي غازي القصيبي بعنوان "العصفورية" ورغم أنني لم أقرأ العصفورية (لا أقرأ لغازي القصيبي عموماً) إلا أنني لم أستغرب مثل هذا الأمر. فالمسألة فعلاً تستحق الخوض فيها دون أن نفترض الحكرية على أحد. فالأفكار قد تتشابه ولكن طريقة التناول هي التي تختلف بالتأكيد ولقد حدث من قبل أن تحدث أكثر من روائي وأكثر من شاعر عن بعض الحقب التاريخية مثل الحقبة الناصرية والحرب مع إسرائيل والحكم التركي في مصر والاستعمار البريطاني كذلك، ولكن كان لك واحد منهم أسلوبه المختلف في التناول
وهكذا هو الأدب يا صديقي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: humida)
|
____________________
Quote: ويعني يعني ما في ( احتمال ) يكون منقول من مجلة ( عود الند ) ..!! |
الأخ : حمّيد
طول عمري لا بحب اللف ولا الدوران. لو عندك كلام داير تقولو في حق النص فأرجو أن تقوله بصراحة وبدون إحالتنا إلى التخمينات اللي ما في ليها أيّ داعي. النص ده لسّه طازه . يعني أكتر من الفصلين اللي نزّلتهم هنا لسه ما جرّيت فيهو قلم علشان تتهمني فيه بالسرقة أو الاقتباس.
أرجو إحالتنا وبصورة واضحة وصريحة إلى النص المسروق منه هذا النص إذا صحّ إدعاءك لأنني قرفت جداً من هذه الاتهامات اللزجة التي تقتل فينا روح الاستمرارية في الكتابة.
النص هو ببساطة مشروع رواية يأتي في شكل رسائل بين بطل الرواية والذي هو روبن سينجر وصديقته إيميلي تدور أحداث الرواية في شكل المراسلات التي بينهما ونقل الأول مشاهداته الخاصة عن حياة العرب والخليجيين على وجه التحديد في شكل يطرح صراع الثقافات والحضارات ويحاول بالتالي إضاءة الأسئلة التي نخشى طرحها أو تلك التي نخاف من إجاباتها. أنا شخصياً أعتقد أنّ فكرة الرواية فكرة جرئية وتحتاج إلى تريث قبل تناولها بشكل تفصيلي. وهذا ما أنوي فعله فلا تخرب عليّ مزاج الكتابة بهذه الاتهامات رجاءً.
الفرصة متروكة لك للإثبات أو الاعتذار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: Sahar Abdelrahman)
|
________________________
Quote: صديقي العزيز هشام....سلامي ومودتي
أتمنى أن يجد هذا النص الراقي حقه الذي يستحقه من الإهتمام والمتابعة
كن بخير |
الصديقة الرقيقة : سحر عبد الرحمن
طوّلتِ الغيبة يا شيخة ، وين كنتِ! أتمنى المانع خير إن شاء الله أنا أيضاً اتمنى أن ينال النص حقه من الاهتمام لاسيما من قبل الأخوة المترجمين لأنني أنوي بإذن الله ترجمته إلى اللغة الإنجليزية لأن القارئ المقصود بهذا النص هو القاري الأمريكي تحديداً ثم العربي بالدرجة الثانية.
عليك الله ما تغيبي كتير يا سحر .. وأبقي طمنينا عليك أول بأول سلامي للسيّدة الوالدة ولجميع الأهل بطرفك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
Quote: فكرة الرواية ملكي، وقد تتشابه مع أفكار أخرى وهذا أمر وارد |
اتفق معك تماما فى الحتة دي .. حتى الطيب صالح نفسه لم تسلم روايته العظيمة موسم الهجرةالى الشمال من هذه المظان ... حيث إعتقد البعض أنه إستوحاها من روايات عديدة مشابهة شكرا لك على الرد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
_____________________
Quote: حيث إعتقد البعض أنه إستوحاها من روايات عديدة مشابهة |
رغم ذلك كانت "موسم الهجرة إلى الشمال" هي بوابته للعالمية. عموماً الرواية لم تكتمل بعد حتى نطلق عليها الأحكام مبكراً وأتمنى أن تنال الرواية حقها من الاهتمام كما قالت الأخت الكريمة سحر عبد الرحمن لأنني أتوقع لها الكثير بإذن الله.
لك مني فائق التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
الأديبُ العـزيـزُ / هشام آدم ..
لكَ مِنْ الوُدِّ أوْفاهُ
وأوْفَرُهْ .
وشُكْرَاً لكَ على هذا النَّصِّ الذي أتمنَّى
أنْ يَجِدَ مَنْ يَلِجُ بهِ أضابيرَ
التَّرَاجمِ والمعاني ليجدَ صَداهُ
عندَ كلِّ مُتَلَقٍ عَلِمَ تلكَ اللغةَ التي
سيذهَبُ النَّصُّ إليْهَا ترجمةً ..
.. كمَا آملُ ألا تنزَعِجَ كثيراً لمسألةِ التَّناصِّ
التي ذُكِرَتْ هُنا ضِمْنَا ، فذاكرةُ الإنسانِ في اعتقادي
حُبْلَى بأفكارٍ متشابِهَة والتَّناصُّ بمختلفِ مُسمَّياتِهِ
موْجُودٌ منذُ العهدِ الجاهلي ولعلَّ ووقوفَ الشُّعراءِ
على الأطلالِ في مُقَدِّماتِهم الطَّلليَّةِ المعروفةِ كما تعلم تحدَّثَ
عنهُ النُّقَّادُ منذُ زَمنٍ بعيدْ ، ولَطالَمَا نحنُ بَشَرٌ
فنحنُ أوَّلاً وأخيراً قَوْمٌ مُسْتَفَزُّونَ مِنْ قِبَلِ بيئتِنا
التي مِنْ حَوْلِنا وواقعِنا الذي نعيشُهْ ،
لذا وارِدٌ فينا أنْ نتناصَّ حتَّى في
أفكارِنا وأرَى أنَّهُ لا عيبَ
في ذلكَ ..
ودُمْتَ رائعـاً ...
واحترامي لكم جميعاً ..
أخوك دَوْمَاً / مُحمَّـد زين ... _________________ * أراكَ تميلُ كثيراً لدلالةِ بعضِ المصطلحاتِ في كتاباتِكَ " نستالوجيا ، يتروفوبيا ، ... إلخ " ما سببُ تلكَ النَّزعة ؟؟ أكُنْ لكَ شاكراً .. * هلِ ابْتَدَأَ معرضُ الكِتَابِ بالرِّياضْ ؟ وهلِ الرِّوايةُ معروضةٌ فيهِ الآنَ ؟ .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
______________________
الفصل الثالث:
عزيزتي إيميلي ..
هذا أنا روبن سينجر، وهذا هو بريدي الإلكتروني الجديد. قبل كل شيء أحب أن أعتذر لك عن التأخر في الكتابة إليك. لقد مضى شهران على آخر رسالة إن لم تخني الذاكرة، ولكنني كنت منشغلاً الفترة السابقة. لقد وصلت إلى "خليج البترول" أخيراً. كان ذلك في يوليو/تموز الماضي. لا أعرف من أين أبدأ لك بالتحديد، فكل شيء صادفني هنا كان جديراً بالسرد والتدوين، ولم تكفّ كاميراتي الديجيتال عن التقاط الصور. فمن المطار وحتى شوارع العاصمة والفندق الذي نزلت فيه مشاهد تستحق التوثيق. كنت أفضّل أن تكوني برفقتي لتري وتشاهدي ما رأيته بأم عينيك خوفَ ألا أنجح في نقل مشاهداتي إليك كما هي. لقد هالني ما رأيته في مطار العاصمة هنا، وظننت للحظة أن الطائرة قد أقفلت عائدة أو أنني قد ركبت الطائرة غير الصحيحة. ولكن شكوكي تلك تبددت كلياً عندما وجدت اللوحة الترحيبية في صالة الاستقبال الرئيسية في المطار.
راودني شعور غريب وأنا أقف في طابور الجوازات، كنت أبحلق في كل ما حولي من ناس وأشياء وأتخيّل أن الجميع يبحلقون فيّ كذلك، لذا فقد أخذت أتظاهر بتجهيز جواز سفري وبعض الأوراق الخاصة. لقد ذهلت عندما قرأت بعض اللافتات في المطار مكتوبة باللغة الإنكليزية، وفرحت لذلك كثيراً. أعرف طبعاً أن الإنكليزية لغة عالمية ولكنني تعجبّت لانتشارها في هذه البلاد بشكل رسمي. كانت كل الأشياء غريبة بالنسبة إليّ حتى تلك الأشياء المعتادة وتساءلت "هل أشكو من رهاب الأماكن الغريبة، أم أنّ هذا رهاب البلاد العربية؟!"
ربما تعاظم شعوري بالفخر وأنا أحمل جواز سفري الأمريكي لبعض الوقت، رغم أنني في أحيان كثيرة كنت أتردد في إظهاره لغير مسئول الجوازات ذو الشكل الغريب القابع خلف كشكه. قلت "هل يعقل أن يوجد مكان كهذا في الصحراء؟" نظرت من إحدى الواجهات الزجاجية المطلّة على الجانب الخارجي للمطار، فرأيت صحراء ممتدة، فشعرت بالغثيان. فكرّت أنهم قد ينقلوننا على ظهور الجمال إلى وسط المدينة، وبدت لي هذه الفكرة مقبولة إلى حدّ ما، فقد تذكرت تلك الصور الفوتوغرافية التي أراني إياها مايكل براون لأصدقاء زاروا مصر من قبل. كانوا يمتطون جمالاً عربية مرتدين أزياء مضحكة وأوشحة غريبة على رؤوسهم كان ذلك أمام الأهرامات على ما أذكر. ثم بدت الفكرة مستبعدة وسخيفة. فنحن الآن على أعتاب القرن العشرين ولا يعقل أن تكون الجمال وسيلة نقل مستخدمة في عصر سيارات الدفع الرباعي والصواريخ.
ما إن خرجت إلى الشارع ورأيت الإسفلت، والمظلات السيراميكية العملاقة، وسيارات الأجرة حتى حمدت الله سراً وتوجهت فوراً إلى أقرب فندق. كان عليّ الاتصال بسفارتنا هناك في اليوم التالي مباشرة، وتلقيت منهم إفادات وافية عما يتوجب عليّ فعله، كما أنّهم زوّدوني بأرقام هواتف يمكنني الاتصال بها عند الحاجة، إضافة إلى خريطة مصغرة للمدينة التي أقيم فيها: أهم شوارعها ومعالمها الرئيسية، وأهم من كل ذلك أنّ بها بوصلة اتجاهات. بعض الذين تحدثت إليهم في السفارة هم من العرب، ويبدو أنّهم قدّروا الإرباك الذي كنت أعاني منه.
لقد تعبت كثيراً في البداية لاسيما في التعامل بالعملة المحلية لهذه البلاد، فقد كنت بالكاد أحفظ شكل الفئات الورقية، ولكنني تحسّنت الآن كثيراً. في الأسبوع الأول لي في هذه المدينة، كنت نادراً ما أخرج من غرفتي إلى بهو الفندق ناهيك عن الشارع. وسواء كان ذلك أمراً اعتيادياً أم لم يكن كذلك فإنني كنت أخشى النزول والاختلاط بالآخرين. ورغم فضولي الملح للتعرف على المدينة وشوارعها ومبانيها وأسواقها إلاّ أنّ ذلك الفضول ظل حبيس رهابي البدائي حتى اكتسبت بعض الثقة بعد حين. هاجسي الأوحد الآن أن أبحث عن عمل، ولكنني خال الذهن تماماً عما قد أفعله هنا؛ فأنا لم أعمل في تنقيب البترول من قبل، كما أنني لا أجيد لغة هؤلاء القوم.
قبل يومين تقريباً، نزلت إلى بهو الفندق لاحتسي فنجاناً من القهوة، القهوة تذكرني بك بطريقةٍ ما، ظللت أبحلق في صور الرؤساء المعلّقة على الجدران، وأتأمل في وجوه المارين. كدت أضحك عندما وجدت بعضاً ممن حسبتهم انقرضوا منذ فيلم لورانس العرب: يرتدون جلابيب بيضاء طويلة وفي ذات الوقت يرتدون أحذية إيطالية وجوارب سويسرية! قلت لنفسي "لِم تهتم بمتابعة الآخرين، فكّر في نفسك وفي لحظاتك الخاصة" ولكن الحق أقول فإنني لم أكن لأمنع نفسي من المشاهدة ومتابعة كل ما يمر أمام عيني. قلت ربما تكون تلك أقرب الطرق لمعرفة المزيد عن هؤلاء البدو. عندما فتحت بوابة الفندق الأوتوماتيكية الحابسة للحرارة والعازلة للرؤية رأيت سيارة من نوع جي.أم.سي سوبربان من الطراز الجديد المعدّل وبمواصفات عالية. فتح باب السيارة ونزل منها شخص متدثر بعباءة سوداء من رأسه إلى إخمص قدمه، كان يحاول إخفاء نفسه جيّداً وراء عباءته فأصبتُ بالهلع. قلت لنفسي ربما كان يخفي قنابل يدوية أو مدفعاً رشاشاً أو حتى يرتدي حزاماً ناسفاً. هرعت إلى موظف الاستقبال وأخبرته بمخاوفي تلك "هنالك محاولة للسطو المسلّح على الفندق" وعندما أشرت له على الشخص الذي أشتبه به، ضحك بشدة ثم أخبرني أنها ليست إلا امرأة. عرفت بعدها أنّ النساء هنا يرتدين هذه الملابس. كلّف الأمر بضع دقائق حتى هدأ الأدرينالين في عروقي وأخذت أمسح العرق المتصبب.
هل أبدو لك كأفريفي بدائي؟ هذا ما أشعر به على الدوام هذه الأيام في هذه البلاد. الأمور جديدة وغريبة عليّ كلياً، ولا أكاد أفهم ما يتوجّب عليّ فعله في أيّ موقف. التجربة الأكثر صعوبة هي تلك التي جاءت بمحض المصادفة عندما أوقفني أحدهم بينما كنت في طريقي إلى المصعد. شعرت بأنه سوف يرش وجهي بمادة مخدّرة قبل أن أكتشف أنه يبحث عن شخص يزوّده بقدّاحة، ومن فرط غضبي وحنقي فقد كذبت عليه وأخبرته بأنني لا أدخّن.
الشيء الوحيد الحقيقي والجميل في حياتنا هنا هو أنني أشتاقك بشدّة. كل ليلة أخرج صورتك المبروزة من حقيبتي السمسونيات وأحملّق في وجهك وأكاد أقبّله. وفي لحظات اليأس الليلية القاتلة أتمنى أن أعود مرّة أخرى إلى شوارع لوس أنجلز الملّونة والمزدحمة، وإلى ناطحات السحاب الشاهقة التي تحجب أشعة الشمس صباحاً وبعد الظهيرة. ولكنني سرعان ما أعدل عن التفكير في هذا الأمر عندما أتذكر كيف كانت حياتي هناك. قلت لنفسي أنّ الأمر يستحق المعاناة وكان يجب عليّ أن أتحلى بالصبر والجَلَد. سوف أسعى للحصول على عمل في أسرع وقتٍ ممكن قبل أن ينفذ ما معي من نقود. لقد تلقيت وعود كثيرة بالمساعدة من قبل أمريكيين تعرّفت عليهم هنا. هم يحكون لي الكثير عن هذه البلاد وعن عاداتها وثقافة أهلها البدو، ولكن الكلام شيء والمعايشة شيء آخر.
سأنتظر ردك بفروغ صبر حبيبتي ...
مخلصك إلى الأبد روبن سينجر 13 سبتمبر/أيلول 1999
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
_______________________
الفصل الرابع:
عزيزي روبن ..
كما أنا سعيدة لأنك بخير، وسعيدة أكثر لأنني قادرة على التواصل معك أخيراً. لا تدري مدى الفراغ الذي تركته رحيلك، والوحدة التي أحس بها في كل لحظة. ذلك اليوم استيقظت صباحاً، ولم أجدك إلى جواري، ووجدت رسالتك على آلة تسخين الماء، لم أصدق ما قرأته في أول الأمر. خلتك ستعود كما كنتَ تفعل دائماً. كنت مستبصرة بكل ما مررت به من وعكات نفسية وما تركه عدم العمل على سلوكك حتى معي، وكنت متفهّمة تماماً لكل ذلك، ولكن لم يكن بيدي ما أفعله. كنت أحاول بقدر المستطاع ألا أقوم بشيء يزيد من شعورك بالطفيلية رغم أنني لم أرك كذلك أبداً. أعرف عنك أنّك شخص مفرط الحساسية، وسريع التأثر، ولكنني لم أعرف أنّ هذا الأمر قد يؤدي بك إلى أن تقرر الرحيل بعيداً عني، بعيداً عن حضن إيميلي الدافئ الذي لطالما احتواك يا عزيزي.
لست غاضبة منك، ولكنني أفتقدك بشدة، أكثر من أيّ وقت مضى. كل يوم أعود إلى المنزل، أتردد كثيراً قبل أن أضع رأس المفتاح وقبل أن أديره لينفتح الباب عن بيت موحش وكئيب كبيوت الأشباح المسكونة بالأرواح. كثيراً ما أسمع صوت ضحكاتك الرائعة في الأرجاء، فيخيّل إليّ أنّك ممدّد في الداخل، وأنّك سوف تأتي في أيّ لحظة لتحتضنني من الخلف، وتشدني إليك بقوة، واستشعر الدفء والأمن بين يديك مرّة أخرى. أتعلم أني أحسّ بالبرد كل ليلة؟ أجل! وأشعر بأنني وحيدة، وأنّ أوراق الجدران التي تلف البيت تملك أعيناً خفية تنظر إليّ وتراقب كل ما أفعل. لم استشعر هذا من قبل أبداً. كيف أمكنك أن تتركني هكذا روبن؟ منذ أن غادرت وأنا أنام على الأريكة التي في غرفة الجلوس، أترك جهاز التلفزيون مفتوحاً حتى الصباح لأشعر بالأمن والاستئناس، حتى أنني اشتريت قطة شيرازية مؤخراً. تذكرت حديثك عن البوميرينين وضحكت كثيراً عندها. أصبحت القطة تذكرني بك كذلك.
لا أدري ما يتوجب عليّ قوله لك؛ هل ينبغي أن ألومك على تركك لي، أم أن أشجعك على ما قررت فعله؟ بوسعي أن أتفهم تلك الضغوط التي حملتك لاتخاذ هذا القرار، ولا شك أنّك كنت تعاني كثيراً ولقد أدركت ذلك منذ الأسطر الأولى لرسالتك. أريد أن أقول، أنني لم أكن أكترث كثيراً بما كان يقوله الآخرون، وكنت على يقين بأن أمور سوف تتحسن ذات يوم. أخبرني أبي قديماً أن امرأة مبتورة اليدين كانت تنفخ في وجه صخرة عملاقة تسد الطريق المؤدية إلى مراعي السافانا الشرقية، ولم تفلح يوماً في زحزحة الصخرة عن الطريق وكان الناس يسخرون منها ويقولون لها كلاماً محبطاً غير أنّها لم تزل تنفخ بعزم وجد حتى استطاعت أن تفعلها أخيراً. كان ذلك حدثاً عظيماً في القرية. عندما سألوها عن سرّ عزمها الفولاذي لم تجبهم بشيء إطلاقاً، واكتشفوا عندها أنها صماء! هل رأيت، لم تكن تسمع سخريات الآخرين ولا ذلك الكلام المحبط، وربما لو سمعته لم تمكنت من إزاحة الصخرة حتى اليوم. أعرف أنّ كلامي قد يبدو سخيفة لك ولكنني فقط أريد أن أقول بأن الناس دائماً محبِطون. لا أحد يعرفك كما أعرفك أنا روبن، لذا فقد فاجأني قرارك هذا، ولم أستطع أن أتأقلم مع هذا الوضع الجديد الآن.
أتريد ما منتهى ما تبغيه أيّ امرأة في هذا العالم؟ هي لا تحتاج إلى المال لتشتري به ما تريد، ولا تحتاج للعمل لتشعر بذاتها وكينوتها، ولا تحتاج للشهرة والحفلات الصاخبة لتعبّر عن نضوجها الاجتماعي، ولا تحتاج للجنس لتشعر بأنوثتها. هي إنما تحتاج أن تشعر بالأمان في يد رجل تثق بأنه يحبها فعلاً. أن تستشعر منه الاهتمام، أن يكون فقط إلى جانبها. تريده مستمعاً إلى همومها لا متطوعاً لحلها. المرأة منّا تريد فقط شخصاً يجيد الاستماع والتشجيع حتى إزاء تلك المشكلات التافهة والحقيرة. وأنت، روبن، كنتَ ذلك الرجل بحق، لا يهم ما تكون ولا يهمني كونك ثرياً أو فقيراً معدماً، لا يهم إن كنت تقضي أعياد الميلاد المجيدة في باريس أو تقضيها متسكعاً في شوارع لوس أنجلوس الأكثر وضاعة، ولا يهم إن كنتَ تسكني معي أو أسكن معك، المهم لديّ أن نكون معاً، أن أحسّك إلى جواري دائماً. سأخبرك بشيء وأريدك ألا تضحك: في أيامٍ كثيرة أقضي ليلاً مرتدية ثيابك التي تركتها هنا في خزانة الملابس. بهذه الطريقة فقط أشعر بك وكأنك تحتضنني بقوة وتسحبني إلى صدرك، وأشمّ رائحتك في كل وضعية أكون فيها. أعلم أن هذا يبدو جنونياً، ولكنني أقوم بذلك فعلاً.
الحياة يا روبن ليست طويلة كفاية حتى نهدر فيها أيامنا في الفراق والأشواق وانتظار المجهول. لا أريدك أن تعود، فأنا أحترم قراراتك الخاصة، ولكنني لا أريد أن تتوانى لحظة واحدة في العودة إذا لم تشعر بالارتياح في تلك البلاد. آه، نسيت أن أسألك عن سرّ اختيارك للبلاد العربية، لِم لَم تذهب كما يفعل الجميع إلى المكسيك أو البرازيل أو إيطاليا حتى! لِم اخترت أبعد الديار لتسكنها، ولتجعل قلبي مشدوداً بعبٍ ناتئ إلى حيث أنت دائماً؟ هنالك الكثير لأخبرك به، فمنذ رحلت حدثت أمور كثيرة، ولكنني فقط أحببت ألا يزاحمني فيك شيء آخر في أول رسالة تستلمها منّي. أريد أن تعرف أنني أحبك، وأنني سأظل محبة لك، ولا يرتبط ذلك لديّ بقرار عودتك من عدمه. المرأة تحب دائماً دون أن تنتظر المقابل، وهذا ما لم تفهمه يا عزيزي.
أرجو أن يوفقك الرب في إيجاد عمل مناسب، وبالطبع سوف أكون سعيدة إن حدث ذلك. وأن يكون دائماً إلى جوارك. كن بخير فهذا أقل ما تستحقه يا عزيزي. مع أمنياتي لك بالتوفيق والنجاح.
ملاحظة: لقد وصلتني الصور المرفقة بالرسالة الإلكترونية، بعض اللقطات لك وأنت في فرانكفورت وبعضها الآخر في خليج البترول، لقد بدوت أبدن من ذي قبل يا عزيزي وتبدو بصحة جيّدة. أحبك كثيراً.
مخلصتك دوماً إيميلي سميث 13 سبتمبر/أيلول 1999
| |
|
|
|
|
|
|
|