حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك //الدكتورة رجاء بن سلامة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 04:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-26-2008, 06:57 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك //الدكتورة رجاء بن سلامة

    سأحاول في هذا البحث أن أقوم بثلاث مهامّ، أولاها التّحقيق الفيلولوجيّ في جدول الكلمات التي تعني في القرآن حجاب المرأة، وهو تحقيق سيبيّن لنا أنّ حجاب المرأة ليس واحدا بل متعدّدا، وأنّ النّساء المعنيّات بالحجاب لسن صنفا واحدا بل أصناف. والمهمّة الثّانية هي عمليّة ترجمة داخل اللّغة العربيّة، أتحدّث بها عن الحجاب بمفاهيم لا ترد عادة في الخطاب التّفسيريّ والمعياريّ المحيط بـ"آيات الحجب"، أي بجهاز نظريّ يمكّننا من إحلال الحجاب، بشتّى معانيه، في إطاره من البنى العلائقيّة الاجتماعيّة. أمّا المهمّة الثّالثة، فهي عمليّة تحويل للأسئلة المطروحة عن الحجاب وانتقال من سؤال : "هل هو فريضة إسلاميّة أم لا؟" إلى سؤال : "ما علاقة حجاب النّساء بقيم المساواة والكرامة والحرّيّة؟ هل يعوق هذا الشّيء الآتي من عمق التّاريخ ومن عالم الحريم والمقصورات، هل يعوق مواطنة المرأة ومساهمتها في المجال العامّ، وهل يحول دون بناء المساواة بين الجنسين؟
    ولكنّ هذا الانتقال لا يجعل السّؤال الثّاني في قطيعة تامّة مع السّؤال الأوّل ، فسؤالنا في نهاية المطاف هو : كيف نبني معياريّة جديدة تأخذ بعين الاعتبار أهمّيّة التّجربة الدّينيّة في حياة الفرد كما تأخذ بعين الاعتبار منظومة حقوق الإنسان، فنعيد مفصلة ما هو دينيّ وما هو دنيويّ؟ كيف نعتبر حقوق الإنسان "صيغة للعلاقات بين الأفراد لا فقط وسيلة للدّفاع عن الأفراد"؟
    سأعود أوّلا إلى آيات "الحجب" لأبيّن التّعقّد والتّضاعف في الحجاب، ولأبيّن علاقة الحجاب بوضعيّة المرأة، والوظائف التي كان يؤدّيها.
    فالحجاب في النّصّ القرآنيّ على نوعين : حجاب فضائيّ لامرئيّ يؤدّي وظيفة الفصل بين النّساء والرّجال، وحجاب جسديّ ثوبيّ مرئيّ يؤدّي وظيفة الإخفاء.
    أمّا الحجاب الفضائيّ اللاّمرئيّ فهو موضوع "آية الحجاب" (الآية 53 من سورة الأحزاب)، وهي تختصّ بزوجات الرّسول : "وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ، وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيما." وتؤكّد الأسباب المفترضة لنزول هذه الآية على فضائيّة مفهوم الحجاب، فهو يتعلّق بخروج أو عدم خروج النّساء من بيوتهنّ وبدخول أو عدم دخول الرّجال من غير المحارم عليهنّ. فالكثير من الرّوايات تقول "نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول اللّه (ص) في وليمة زينب بنت جحش، ثمّ جلسوا يتحدّثون في منزل رسول اللّه (ص)، وبرسول اللّه إلى أهله حاجة، فمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله."[ii] وبعض الرّوايات الأخرى تقول إنّ سبب نزولها أنّ "رسول اللّه (ص) كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره ذلك رسول اللّه (ص)، فنزلت آية الحجاب."
      وتقول روايات أخرى "إنّ أزواج النّبيّ (ص) كنّ يخرجن باللّيل إذا تبرّزن إلى "المناصع" وهو صعيد أفيح، وكان عمر يقول : يا رسول اللّه أحجب نساءك، فلم يكن رسول اللّه يفعل. فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النّبيّ (ص)، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة-حرصا أن ينزل الحجاب-قال : فأنزل اللّه الحجاب."[iv]
      وهناك آية ثانية تخاطب زوجات الرّسول أيضا، وتشير إلى هذا الحجاب الفضائيّ، هي آية القرار في البيوت (أو القور أو الوقار، بحسب اختلاف التأويل لـ"قرن") : "...وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى..." (الأحزاب/32) وقد انفردت بإيرادها والاجتهاد في تفسيرها نظيرة زين الدّين في أوّل كتاب أفرد لمناهضة الحجاب لحجاب والسّفور وصدر سنة 1928.[v]

      وقد تحدّث المفسّرون والمؤرّخون عن "نزول الحجاب" أو "ضرب الحجاب"، أي عن حدث ابتدأ به عزل نساء الرّسول عن الحياة العامّة، وكان ذلك فيما يبدو في السّّنة الخامسة للهجرة، في ليلة زواج الرّسول بزينب بنت جحش، بعد أن طلّقها مولى النّبيّ زيد بن حارثة، نزولا عند رغبة النّبيّ، وهذا الحدث هو الذي تذكره الكثير من روايات أسباب نزول آية الحجاب، كما سبقت الإشارة.
      وقد درست الباحثة المغربيّة فاطمة المرنيسّيّ هذا الحدث دراسة دقيقة متأنّية[vi]، إلاّ أنّ اهتمامها انصبّ على علاقة هذا الحدث بآداب الضّيافة والاستئذان و على رغبة النّبيّ في حماية حياته الخاصّة، فسار بحثها في نفس الاتّجاه الأخلاقيّ المعقلن الذي كانت تسير فيه التّفاسير القديمة، وأغفلت عاملين نعتبرهما أساسيّين في ضرب الحجاب، هما العامل المؤسّسيّ التّاريخيّ الذي يجعل الحجاب بنية من البنى الأبويّة الضّاربة في عمق التّاريخ، والعامل النّفسيّ المتعلّق بشخصيّة الرّسول وبرغباته ونزواته البشريّة.
      فربّما أوهمنا حديث القدامى عن "نزول" أو "ضرب" الحجاب باستحداث الإسلام النّاشئ لهذه المؤسّسة، والحال أنّها أقدم من الإسلام، لأنّها وثيقة الصّلة بتقسيم الأدوار الاجتماعيّة بين الجنسين، الغالب على الثّقٌافات القديمة، والذي تبنّته الأديان التّوحيديّة لأسباب يضيق المجال عن شرحها، أهمّها الحفاظ على النّظام الأبويّ والأسرة الأبويّة القائمة على الزّواج. فالحجاب الفضائيّ يتطابق مع الفصل العتيق بين فضاءين : فضاء خاصّ تلزمه المرأة، وتنعزل فيه، وفضاء عامّ يتحرّك فيه الرّجل، لكي يقوم فيه كلّ من النّوعين الاجتماعيّين بأدوار خاصّة. وهذا الفصل كان صيغة تاريخيّة للعلاقات الاجتماعيّة بين الجنسين دعّمتها دينيّا أو جذّرتها "آية الحجاب". فمجال المرأة الذي يرسمه الحجاب هو القبّة أو الحجَلة[vii] أو الخدر، أي المقابل لـفضاء le gynécée في الحضارة اليونانيّة القديمة، بما توحي به هذه الألفاظ من معاني الصّيانة والتّرف، بحيث أنّ "ربّات الخدور" و"ربّات الحجال" لسن النّساء الممتهنات المبذولات ولسن الإماء.
      وممّا يدلّ على الطّابع المؤسّسيّ العتيق للحجاب الفضائيّ حدث "ضرب الحجاب" نفسه، ووجود المفهوم ذاته قبل الحدث، وتشبّث عمر بن الخطّاب به : يقول ابن كثير في مستهلّ تفسيره الآية : "هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعيّة، وهي ممّا وافق تنزيلها قول عمر رضي اللّه عنه، كما ثبت ذلك في الصّحيحين عنه أنّه قال : وافقت ربّي في ثلاث فقلت : يا رسول اللّه لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى؟ فأنزل اللّه (واتّخذوا من إبراهيم مصلّى). وقلت : يا رسول اللّه إنّ نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فلو حجبتهنّ، فأنزل اللّه آية الحجاب. وقلت لأزواج النّبيّ (ص) لمّا تمالأن عليه بالغيرة : (عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ)، فنزلت كذلك..."[viii]
      ومن الأدلّة الأخرى على أهمّيّة العامل البنيويّ المؤسّسيّ في ما سمّي بضرب الحجاب، وعلى قدم الميل إلى عزل النساء عن الحياة إشارات بعض المصادر القديمة إلى بعض طقوس العبور المتعلّقة بالبنات اللاّتي أدركن سنّ البلوغ، والتي يطلق عليها اسم "التّشويف" أو "التّعريض" ففي اللّسان : "المعرّضة من النّساء : البكر قبل أن تحجب، وذلك أنّها تعرض على أهل الحيّ عرضة ليرغّبوا فيها من رغب، ثمّ يحجبونها. قال الكميت :
      ليالينا إذ لا تزال تروعنا معرّضة منهنّ بكر وثيّب."
      (لسان العرب، ع ر ض، وانظر ش و ف).
      ولهذا الطّقس الدّالّ على ترسّخ مؤسّسة حجب النّساء عند العرب قبل الإسلام، صلة بالنّوع الثّاني من الحجاب، وهو الحجاب الجسديّ كما سنرى.
      ومن هذه الأدلّة أيضا ما جاء في وصف أبي سفيان بن حرب في "طبقات ابن سعد"، فهو "عزّ عشيرته"، وهو "شديد الغيرة سريع الطّيرة، شديد حجاب القبّة".[ix]


      أمّا العامل النّفسيّ المتّصل برغبة الرّسول وبعلاقاته بالنّساء لا بالرّجال، فقد بيّنه منصور فهمي منذ بداية القرن الماضي، وبجرأة نادرة دفع ثمنها باهظا[x]. فقد تحدّث عن "نوبات الغيرة"[xi] التي كانت تصيب النّبيّ، وتحدّث عن دور هذه الغيرة في تشريع الرّسول للآخرين واستثناء نفسه من التّشريع، من ذلك تحريمه نساءه على الرّجال من بعده في آية الحجاب نفسها. وبعد بضعة سنوات، وعلى نحو آخر، بيّن المحلّل النّفسانيّ فتحي بنسلامة تغيّر نوعيّة علاقات الرّسول بالنّساء بعد وفاة خديجة، وتغيّر "اقتصاده اللّيبيديّ" économie libidinale وانتقاله "من موقع تماه أنثويّ ينبني على استقبال الآخر إلى موقف قضيبيّ متماش مع المؤسّسة السّياسيّة لمدينة اللّه."[xii]
      وليس بين العاملين التّاريخيّ البنيويّ والعامل النّفسيّ تعارض، فطبيعة علاقة الرّسول بالنّساء هي التي جعلته يذكّر بضرورة مراعاة الحجاب، ويلحّ عليه، ويسبغ عليه طابعا دينيّا.
      أمّا الحجاب الجسديّ الثّوبيّ، فهو في رأينا إحدى آليّات منع ظهور الأجساد الأنثويّة ومراقبة حركة خروجها، وهو أيضا إحدى آليّات الحدّ من مجالات "الاستعمالات المشروعة للجسد". وفي هذا الإطار تتنزّل آيتان تخاطبان جميع المسلمات : "آية الخمار" : "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ" (النّور/ 30)، و"آية الجلابيب" : "يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". (الأحزاب/59).


      [email protected]



      * باحثة من تونس

      -انظر هذا التّصوّر في : Janos Kis : L’Egale dignité, trad du hongrois par G. Kassai,
      Seuil, 1987.
      [ii] - الطّبريّ : جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1997، ط2، 10/323.
        -المرجع نفسه، 10/325.
        [iv] -المرجع نفسه، 10/326.
        [v] -زين الدّين نظيرة : السّفور والحجاب : محاضرات ونظرات مرماها تحرير المرأة والتّجدّد الاجتماعيّ في العالم الإسلاميّ، مراجعة وتقديم بثينة شعبان، دمشق، دار المدى 1998، ص ص 158-168.

        [vi] Mernissi Fatima : Le Harem politique : le prophète et les femmes, Albin Michel, 1997.
        [vii] -"حجلة العروس : معروفة، وهي بيت يزيّن بالثّياب والأسرّة والسّتور"، والحجل هو القيد أيضا، والمشي في القيد، وهو الخلخال أيضا. حجل، والأحجال : الخلاخيل والقيود. لسان العرب (ح ج ل).
        [viii] -ابن كثير الحافظ : تفسير القرآن العظيم، تح محمّد إبراهيم البنّا، محمّد أحمد عاشور، عبد العزيز غنيم، القاهرة، دار الشّعب، د ت، 6/440-41.
        [ix] -ابن سعد : الطّبقات، ص 1481، موقع الورّاق www.alwaraq.com
        [x] - تعرّض منصور فهمي إلى هجوم شرس عند عودته إلى مصر، إثر حصوله على شهادة الدّكتوراه من السّوربون سنة 1913، ولم تدافع عنه السّلطات الجامعيّة، وأزيح عن التّدريس فيها، ثمّ عاد إلى الجامعة بعد ثورة 1919 لكنّه ألجم ولزم الصّمت.
        [xi] -فهمي منصور : أحوال المرأة في الإسلام، كولونيا، منشورات الجمل، 1997، ص 20

        [xii] -Benslama Fethi : « Le voile de l’Islam », Intersignes, n°11-12, printemps 1998. (La virilité en Islam), p66.
        وقد عاد إلى هذه القضايا في :
        : La Psychanalyse à l’épreuve de l’Islam, Paris, Aubier, 2002.

        http://www.pcwesr.org/ar/show.art.asp?aid=28974
                  

01-26-2008, 07:01 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك //الدكتورة رجاء بن سلامة (Re: Sabri Elshareef)

    حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك وتحويل للأسئلة (2 من 4) وظائف الحجاب


    وما تفيده الكثير من التّفاسير والمصادر القديمة هو أنّ الخمار والجلباب لم يكونا مترادفين، أو متبادلي الوظائف، كما في أذهان الكثير من معاصرينا اليوم، بل يمثّلان معا حجابا مضاعفا ألزمت به النّساء الحرائر. فالخمار هو غطاء الرّأس عامّة، وهو لم يكن خاصّا بالنّساء، يدلّ على ذلك مثلا قول ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية : "لا تختمر المرأة كخمار الرجل، بل يكون خمارها على رأسها ليّة وليّتين..."[ii]، ولذلك فإنّ آية الخمار لا توجب الخمار بقدر ما تعدّل طريقة استعماله بحيث يسبل على النّحر والصّدر ويغطّي الشّعر : "وقوله (وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ) يقول تعالى ذكره : وليلقين خمرهنّ، وهي جمع خمار، على جيوبهنّ ليسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهنّ وقرطهنّ."

      أمّا الجلباب، فهو حسب المصادر القديمة ثوب نسائيّ خارجيّ : "الجلباب : ثوب أوسع من الخمار، دون الرّداء، تغطّي به المرأة رأسها وصدرها، وقيل هو ثوب واسع، دون الملحفة، تلبسه المرأة، وقيل هو الملحفة..." (اللّسان، جلب) والأرجح أنّ هذا الثّوب الخارجيّ كان يرتدى فوق الخمار : يقول الطّبريّ في تفسير آية الجلابيب : "أمر اللّه نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهنّ في حاجة أن يغطّين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة... وقال آخرون : بل أمرن أن يشددن جلابيبهنّ على وجوههنّ".[iv] ويقول في تفسير الآية 60 من سورة النّور : "أمّا كلّ امرأة مسلمة حرّة، فعليها إذا بلغت المحيض أن تدني الجلباب على الخمار." [v]
      فالجلباب حجاب فوق الحجاب، حجاب فوق الخمار الذي يبدو أنّه كان بديهيّا ومفروغا منه، لأنّ النّساء والرّجال لم يكونوا يكشفون رؤوسهم أمام الأنظار. ولنذكّر بأنّ الرّجال في معظم البلدان العربيّة لم يتخلّصوا من الطّرابيش التي تخفي شعورهم إلاّ منذ بضعة عقود، وأنّ الرّجل الذي كان يظهر عاري الرّأس في تونس الأربعينات والخمسينات كان محلّ استفهام وريبة. وربّما يكون من المهمّ التّأريخ لسفور النّساء وتعرية الرّجال رؤوسهم في الوقت نفسه، وأن نهتمّ بعودة الكثير من النّساء إلى الخمار، وعودة بعض الرّجال المتديّنين إلى الطّربوش في نطاق بحث يقوم به علماء الاجتماع عن استعمالات أغطية الرّأس ومدلولاتها المتحوّلة.
      ونحن نرى أنّ آليّات الحجب المتمثّلة في إسبال الثّياب على المرأة مكمّلة لمؤسّسة الحجاب الفضائيّ : فالحجاب-الحاجز يحدّد مجال المرأة ونوعيّة نشاطها والحجاب-الثّوب يحدّ من ظهورها في صورة خروجها من الحجاب. وفي كلتا الحالتين يتعلّق الأمر بوضع المرأة في وعاء حافظ مضاعف : وعاء البيت أو وعاء الخمار أو وعاء الجلباب. وتدلّ بعض الرّوايات التي تحفظ ذاكرة طقوس العبور للفتيات على التّرابط بين الحجابين، أو على أنّ إسبال ستار الثّوب رمز لإسبال ستار البيت. يقول الأزرقيّ في حديثه عن تولّي قصيّ بن كلاب أمر مكّة قبل الإسلام، وفي حديثه تحديدا عن دار النّدوة التي كانت تجتمع فيها قريش "للمشورة" وقضاء الأمور : "كانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار النّدوة ثمّ شقّ عليها بعض ولد عبد مناف بن عبد الدّار درعها، ثمّ درّعها إيّاه وانقلب بها أهلها فحجبوها."[vi]
      وتفيد بعض الرّوايات تواصل أجزاء من هذا الطّقس عبر ممارسات الرّسول كما تصوّرها لنا بعض الأحاديث المرويّة عن عائشة : "نزلت عائشة على صفيّة أمّ طلحة الطّلحات، فرأت بنات لها، فقالت : إنّ رسول اللّه (ص) دخل وفي حجرتي جارية فألقى لي حقوه، وقال لي : شقّيه بشقّتين، فأعطي هذه نصفا والفتاة التي عند أمّ سلمة نصفا، أولا أراهما إلاّ قد حاضتا."[vii] ويبدو من خلال المصادر القديمة أنّ عادة "تعريض" الفتاة أو "تشويفها" قبل حجبها النّهائيّ تواصلت بعد مجيء الإسلام، ففي اللّسان أنّ عائشة زوجة الرّسول "شوّفت جارية وطافت بها. وقالت : لعلّنا نصيد بها بعض فتيان قريش، أي زيّنتها". (ش و ف)[viii]
      أمّا ما اضمحلّ من الطّقس القديم، فهو البعد السّياسيّ المتمثّل في تعميد الفتاة في المكان الذي يتمّ فيه النّشاط السّياسيّ باعتباره تبادلا عموميّا للكلام (دار النّدوة)، وتتمّ عبره عمليّات إدماج الفرد في المجموعة أو إقصائه منها. فلماذا اختفى طقس حجب الفتاة على هذا النّحو؟ ألأنّ الإسلام لم يعتن عموما بطقوس العبور، باستثناء طقوس الموت، أم لأنّ الإسلام أراد إخلاء الفضاءات العموميّة من المرأة ما أمكن، أم لأنّ المسجد حلّ محلّ دار النّدوة ولم يعد يتّسع إلاّ للصّلوات بأنواعها؟
      ربّما كان نزول الحجاب على زوجات الرّسول إيذانا بإحلال المرأة نهائيّا داخل عالم الفضاء الخاصّ، وإيذانا بظهور مجموعة دينيّة ناشئة لا تريد أن تكون شؤون النّساء الخاصّة من شؤونها العامّة. يجب أن تحجب المرأة وأن تحجب طقوس حجبها أيضا.
      وهذه المعطيات النّصّيّة العربيّة المتعلّقة بطقوس الحجاب ماقبل الإسلاميّة تدلّ على أنّ الحجاب الجسديّ الثّوبيّ سابق هو أيضا للإسلام. وفي الكتاب الذي ألّفته المؤرّخة المختصّة في الثياب الدّينيّة روزين لامبان Rosine A Lambin عن حجاب النّساء وثائق أخرى غير عربيّة تدعم قدم الحجاب في الجزيرة العربيّة، منها ما جاء في "الميشنا"، وهو شرح من شروح التّوراة يعود إلى القرن الثّاني الميلاديّ، ويرخّص لليهوديّات ارتداء الحجاب على نحو العربيّات الوثنيّات. ومن هذه الوثائق نصّ للواعظ المسيحيّ ترتوليان Tertulien(150-160/222؟) خاطب فيه نصرانيّات عصره بقوله : "ستسخر منكنّ العربيّات الوثنيّات، اللاّتي لا يغطّين رؤوسهنّ فحسب، بل كامل وجوههنّ، حتّى إنّهنّ يكتفين بالاستمتاع من نصف النّور بعين واحدة يخرجنها بدل عرض الوجه بأكمله، فالمرأة تفضّل أن تكون ناظرة على أن تكون منظورة".[ix]
      ولم تكن كلّ النّساء معنيّات بكلّ أنواع الحجاب وعلى نفس النّحو. فالحجاب الفضائيّ قد أمرت به زوجات النّبيّ، وإن مال المفسّرون القدامى إلى اعتباره من المبادئ الشّرعيّة العامّة، لأنّه كان عامل حفاظ على تقسيم الأدوار والفضاءات بين الرّجال والنّساء. أمّا الحجاب الثّوبيّ الذي فرض على "نساء المؤمنين" عامّة، فإنّه كان يؤدّي وظيفة أخرى : إنّه كان وسيلة تمييز بين النّساء الحرائر والإماء، أو بين الحرائر والنّساء اللاّتي يتعاطين البغاء. وقد ذهب الكثير من المفسّرين إلى أنّ المعنيّات بالجلابيب هنّ النّساء الحرائر دون الإماء : يقول الطّبــريّ : "... كانت الحرّة تلبس لباس الأمة، فأمر اللّه نساء المؤمنين أن يدنين من جلابيبهنّ، وإدناء الجلباب أن تقنّع وتشدّ على جبينها."[x]، ويقول أيضا : "وكان بالمدينة رجال من المنافقين إذا مرّت بهم امرأة سيّئة الهيئة والزّيّ، حسب المنافقون أنّها مزنية، وأنّها من بغيتهم، فكانوا يؤذون المؤمنات بالرّفث، ولا يعلمون الحرّة من الأمة، فأنزل اللّه في ذلك... (آية الجلابيب)." [xi]
      وتذكر المصادر القديمة أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب كان يضرب بالدّْرّة الإماء اللاتي يتشبّهن بالحرائر ويسبلن الجلابيب والخمر على أجسادهنّ : ففي "الفائق" للزّمخشريّ أنّ "عمر رضي الله تعالى عنه-رأى جارية متكمكمة فسأل عنها فقالوا: أمة لفلان، فضربها بالدرة ضربات، وقال: يا لكعاء؛ أتشبَّهين بالحرائر؟ يقال: كمكمت الشيء إذا أخفيته، وتكمكم في ثوبه: تلفف فيه، وهو من معنى الكمّ وهو الستر، والمراد أنها كانت متقنعة أو متلففة في لباسها لا يبدو منها شيء، وذلك من شأن الحرائر."[xii]

      كان هذا الحجاب إذن علامة انتماء طبقيّ. لكن لنحذر من التّأويل السّميولوجيّ لأنّه غير كاف وحده، ولأنّ العلامة الظّاهرة ليست ظاهرة سطحيّة بل طريقة في الوجود. فهذا النّظام الأبويّ يحرص على حجب الحرائر دون الإماء، لا لمجرّد التّمييز بينهنّ، بل لأنّ الحرائر يدخلن في إطار المبادلات الزّوجيّة الرّمزيّة-البضائعيّة والإماء يدخلن في إطار المبادلات البضائعيّة الصّرف. الحرائر يخطب أيديهنّ الرّجال ويملكون عصمتهنّ بدفع مهورهنّ، والجواري يشترين ويمتلكن بدفع أثمانهنّ. فعلى الحرائر وحدهنّ، ربّات الخدور أو ربّات الحجال، تتوقّف عمليّة تنمية الرّأسمال الرّمزيّ للرّجل في نمط اجتماعيّ ينبني على بنى تبادليّة الرّجل هو ذاتها والمرأة موضوعها، على نحو ما بيّنه لفي ستروس في بنى القرابة. إنّ المرأة الحرّة مملوكة لزوجها لأنّ الزّواج نوع من الملك، أمّا الأمة فهي مملوكة لسيّدها لأنّها مال، بضاعة حيّة تباع وتشرى. فالزّوجة الحرّة مملوكة يجب أن تحصّن وتحجّب بلغة القدامى، ويجب أن تمنع وتراقب بلغتنا اليوم، لأنّها تنجب النّسل وتساهم في إحاطة زوجها بهالة العرض والشّرف، والأمة مملوكة ولكن على نحو آخر بضائعيّ لا يستوجب رقابة ولا منعا مشدّدين. ولذلك اختلفت عورة الأمة وعدّتها ومنزلتها عن عورة الحرّة وعدّتها ومنزلتها. فعورة الأمة من السّرّة إلى الرّكبتين خلافا لعورة الحرّة، واستبراء الأمة للتّأكّد من حملها أو عدم حملها قرء واحد وللمرأة الحرّة ثلاثة قروء، والأمة إذا لم تكن أمّ ولد أمكن لها أن تباع أو أن تؤجر.
      إنّ الحجاب إذ يميّز بين الحرّة والأمة يحافظ على مؤسّسة الزّواج الأبويّة، وعلى مبدإ قوامة الرّجال على النّساء وملكيّة الزّوج لعصمة زوجته.
      ويمكن أن نذهب إلى أنّ الحجاب الجسديّ كان وسيلة تمييز أخرى داخل صنف الحرائر بين النّساء القادرات على الإنجاب والنّساء التي تجاوزن مرحلة الإنجاب، وأطلقت عليهنّ تسمية "القواعد" في الآية 60 من سورة النّور : "والقواعد من النّساء اللاّتي لا يرجون نكاحا فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة، وأن يستعففن خير لهنّ واللّه سميع عليم."
      وقد أوّل أغلب المفسّرين "الثّياب على أنّها تعني الجلباب "وهذا للكبيرة التي قعدت عن الولد، فلا يضرّها أن لا تجلبب فوق الخمار.[xiii] وهذا يدلّ على أنّ التّقدّم في السّنّ، حسب التّصوّر القرآنيّ، عامل نقص في أنوثة المرأة، وإقصاء نسبيّ للنّساء اللاّتي انقطع عنهنّ الطّمث من دائرة تنظيم المتعة والعلاقات الجنسيّة.

      إنّ هذه المعطيات عن الحجاب، وهذه التّرجمة التي حاولنا القيام بها لإيجاد مفاهيم نقرأها بها، تسمح لنا ربّما بتجنّب موقفين مبنيّين على الإنكار : إنكار الواقع التّاريخيّ وإنكار واقع النّصّ القرآنيّ. أمّا إنكار الواقع التّاريخيّ، فهو موقف المدافعين عن الحجاب باعتباره واجبا دينيّا جوهريّا لا علاقة له بالعصور الوثنيّة وبالملابسات التي ظهر فيها الإسلام، ولا علاقة له بواقع التّقسيم الطّبقيّ والفئويّ للمجتمع. فالمدافعون عن الحجاب، ومنهم المفتون والواعظون الذين يظهرون بالفضائيّات العربيّة، يريدون اعتباره شيئا إسلاميّا وينكرون أصوله الوثنيّة، ويخفون وظيفة التّمييز الطّبقيّ التي كان يؤدّيها الجلباب.
      أمّا إنكار واقع النّصّ القرآنيّ، فيتجلّى لدى المصلحين المدافعين عن وجه تقدّميّ للإسلام. فهؤلاء ينفون وجود دعوة إلى حجب المرأة في القرآن. يقول محمّد الطّالبيّ في مقال له صدر بالفرنسيّة في مارس 2004 : "ماذا يقول القرآن عن الحجاب؟ لا شيء. لا شيء البتّة. لا يتعلّق الأمر في أيّ موضع منه برأس المرأة. كلمة "شعر"، بكلّ بساطة، لا ترد فيه. لم يأمر اللّه بإخفائه ولا بكشفه. ليس هذا همّه الرّئيسيّ، ولم ينزل اللّه القرآن ليعلّم النّاس كيف يتزيّون..."[xiv]
      فانعدام ذكر شعر النّساء في القرآن لا يعني أنّ المرأة لم تؤمر فيه بإسبال الخمار أو الجلباب على شعرها، لا سيّما أنّ الخمار لغة هو "غطاء الرّأس". صحيح أنّ القرآن لا يأمر النّساء بوضع خمار على رؤوسهنّ، بل يأمرهنّ بأن يغطّين صدورهنّ بخمرهنّ، ولكنّ ذلك يعود إلى أنّ الخمار لباس تقليديّ لم يستنبطه الإسلام، بل أمر بإسداله على النّحور حتّى يغطّيها بدل إسداله خلف الرّأس. ثمّ إنّ القرآن يأمر النّساء على أيّة حال بحجب أجسادهنّ، وينهى عن التّبرّج، ويأمر زوجات المؤمنين بإسدال الجلباب على الخمار، ويأمر زوجات النّبيّ بالقرار في بيوتهنّ. فما العمل إزاء هذه الأوامر؟ إنّ التّأويل المقصديّ الذي لا يرى في القرآن مجموعة من الوصفات الجاهزة في الملبس وفي الحياة الخاصّة والعامّة، بل يرى فيه رسالة أخلاقيّة عامّة مستساغ، ولكنّه لا يتسنّى إلاّ بعد أن يتمّ تنزيل آيات الأحكام في سياقها التّاريخيّ، وبعد الإقرار بنسبيّتها وعدم ملاءمتها لعصرنا. إنّ ما يقوم به الأستاذ محمّد الطّالبيّ قرار تأويليّ مسقط على النّصوص لا يحلّ المشاكل المنجرّة عن التّشبّث بهذه الأحكام لأنّه ينبني على إنكار لا مبرّر له، وعلى نوع من الهروب إلى الأمام : إن كان بعضهم يدعو إلى حجاب المرأة، وإن كان حجاب المرأة غير متلائم مع العصر، فلنقل ببساطة إنّ القرآن ليس شأنه شعر المرأة وثيابها، وهكذا نضرب عصفورين بحجر : نجد حلاّ للإشكال الأخلاقيّ والتّشريعيّ المتعلّق بالحجاب، وننقذ النّصّ القرآنيّ ممّا يبصمه بالتّاريخيّة والمحدوديّة.
      وما نراه هو أنّ أصحاب هذا الموقف لا يضربون أيّ عصفور، ولا يصيبون أيّ هدف، لأنّ الإنكار، إنكار السّياق التّاريخيّ أو إنكار مقرّرات النّصّ القرآنيّ لا يمكن في رأينا أن يؤسّس فكرا دينيّا جديدا وعلاقة جديدة بالدّين، بل ربّما زاد في تأجيج الأوهام، أوهام خلود أحكام الشّريعة ولاتاريخيّتها، وربّما فاقم سوء الفهم بين دعاة الحجاب ومناهضيه. إنّنا نفضّل الموقف التّأويليّ الذي لا يخفي الحقيقة عن النّاس، أي لا يخفي ما في النّصّ المقدّس من أحكام نسبيّة تاريخيّة ترتبط بوضعيّات تنبني على التّمايز الطّبقيّ والجنسيّ، وهي وضعيّات كانت مقبولة وفق المعياريّة الإسلاميّة وغير الإسلاميّة القديمة، وأصبحت اليوم إشكاليّة، أصبحت اليوم تتعارض مع طموح الأفراد والجماعات إلى المزيد من المساواة والكرامة والحرّيّة.
      إنّ الانطلاق من واقع النّسبيّة التّاريخيّة، ومن تنزيل الحجاب في نسيجه العلائقيّ الاجتماعيّ القديم، يجعلنا نقرّ بأنّ الحجاب بنوعيه الفضائيّ والجسديّ، وبتضاعف الجسديّ منه إلى خمار وجلباب فوق الخمار، مقوّم أساسيّ من مقوّمات الوضعيّة الدّونيّة للمرأة، التي عليها أن تلزم الفضاء الخاصّ وأن يكون جسدها ملكا خالصا لمالكها، وأن تكون فقط وسيلة لحفظ النّسل والأسرة، وحفظ عرض الزّوج والعشيرة. إنّ المرأة في مجتمع الحجاب ليست ذات كرامة، أي ليست غاية في حدّ ذاتها، بل هي وسيلة لتنمية رأسمال الرّجال المادّيّ والرّمزيّ. لقد اعتبر قاسم أمين سجن المرأة في البيت نوعا من "الاستعباد"[xv]، ولكنّ ما ذكره عن دلالة الحجاب الفضائيّ على ملكيّة الرّجل للمرأة ينطبق حسب رأينا على الحجابين الفضائيّ والجسديّ : "الحجاب هو عنوان لذلك الملك القديم وأثر من آثار تلك الأخلاق المتوحّشة التي عاشت بها الإنسانيّة أجيالا قبل أن تهتدي إلى إدراك أنّ الذّات البشريّة لا يجوز أن تكون محلاّ للتّملّك لمجرّد أنّها أنثى."[xvi][xvii]
      ولذلك يمكن أن نطرح الأسئلة التّالية : كيف يتعارض الحجاب مع حرّيّة النّساء، وهل قاومته النّساء لذلك، ثمّ كيف نقاوم ثقافته اليوم، وكيف ننظر إليه من منظور حقوق الإنسان؟ وسنرى أنّ هذه الأسئلة يمكن أن تمهّد الطّريق إلى إشكاليّة المعياريّة الجديدة التي اعتبرناها من مهامّ هذا البحث.
      [email protected]



      * باحثة من تونس
      [ii] -ابن مفلح المقدسيّ : الآداب الشّرعيّة والمنح المرعيّة، د ت، م، د، 3/541.
        -جامع البيان 9/306.
        [iv] -المرجع نفسه : 10/332.
        [v] -المرجع نفسه، 9/349.
        [vi] -الأزرقيّ : أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار، تح رشدي الصّالح ملحسن، بيروت، دار الأندلس، 1969، ط3، 1/110.
        [vii] -ابن داود : السّنن، بيروت، دار ابن حزم
        [viii]- لعلّنا نجد امتدادا لهذا الطّقس في حفلات الزّواج التي تتزيّن فيها الفتيات، ويتمّ إجلاسهنّ فوق المنصّة (المحضر) التي تجلس عليها العروس حتّى تتأمّلهنّ النّساء اللاّتي يمثّلن حماوات ممكنات.

        [ix] - Lambin Rosine A : Le Voile des femmes, Bern, Berlin, Frankfurt, New York, Paris, Wien, Peter Lang, 1999, p27.

        [x] -جامع البيان، 9/349.
        وفي تفسير الجلالين : "يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ : جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهنّ إلاّ عينا واحدة. ذلك أدنى : أقرب إلى أن يعرفن بأنّهنّ حرائر فلا يؤذين بالتّعرّض لهنّ بخلاف الإماء، فلا يغطّين وجوههنّ، فكان المنافقون يتعرّضون لهنّ وكان اللّه غفورا لما سلف.
        [xi] -جامع البيان، 9/349.
        [xii] - الزّمخشريّ : الفائق في غريب الحديث والأثر، ص 400، موقع الورّاق.
        [xiii] -جامع البيان، 9/349. وفي تفسير الجلالين أنّ المقصود بالثّياب "الجلباب والرّداء والقناع فوق الخمار." ص 296.
        [xiv] -Talbi Mohammed : “Que dit le Coran?”, L’Intelligent, 7 Mars 2004, www. Lintelligent.com.
        [xv] -أمين قاسم : المرأة الجديدة، تقديم زينب محمود الخضيريّ، سينا للنّشر، 1987، 38-39.

        [xvii] - المرجع نفسه، ص 42.
                  

01-26-2008, 07:05 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك //الدكتورة رجاء بن سلامة (Re: Sabri Elshareef)

    حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك وتحويل للأسئلة (3 من 4) معركة السّفور ومعركة الحجاب الجديد




    لقد لقي النّوعان من حجب النّساء مصيرين مختلفين، ولقيا مقاومة ومقاومة مضادّة متواصلتين إلى اليوم.
    فالتّوق إلى الخروج من الحجاب المؤسّسيّ قديم قدم الحجاب، تشهد على ذلك نصوص الأدب العربيّ التي تتحدّث عن نساء تعاطين أنشطة رجاليّة، فخرجن مثلا إلى الأسواق وقلن شعرا في العشق فضربن بالسّياط، أو طلّقهنّ أزواجهنّ أو هدّدن بقطع اللّسان[ii]، والأدب، بصفة عامّة، يحفظ صورا تراجيديّة لنساء تجرّأن على الخروج وكان مآلهنّ الوأد، وربّما كان الوأد المصير المضاهي لحرق السّاحرات في العالم الغربيّ
      .

      كان هذا الخروج في القديم فرديّا تقوم به نساء معزولات، وكما قيل : أسلحة الضّعفاء أسلحة ضعيفة. أمّا في العصر الحديث فلم تعد أسلحة النّساء ضعيفة، لأنّ مقاومة الحجب أصبحت جماعيّة سياسيّة وأصبح ينهض بعبئها نساء ورجال. ولا بدّ أن أشير هنا إلى ما سمّي في أدبيات النهضة بـ"تمزيق الحجاب"[iv]، والمقصود به تمزيق النّقاب أو غطاء الوجه باعتباره ثوبا يرمز إلى مؤسّسة الحجاب. وسأذكّر ببعض النّساء اللاّتي خرجن إلى الأماكن العامّة وتاقت عيونهنّ إلى تمزيق ظلمة النّقاب : أعتقد أنّ أولاهن "قرّة العين"(1814-1852) التي اعتنقت الدّعوة البابيّة، وأخذت تدعو فيما بين إيران والعراق إلى نسخ الشّريعة الإسلاميّة، وتبديل تعاليمها، وهجرت زوجها، وفي مؤتمر البابيّين الذي انعقد سنة 1848 قرب خراسان، فاجأت المجتمعين "وهي تدخل عليهم سافرة الوجه متزيّنة وكان هذا على خلاف عادتها إذ كانت قبلئذ متمسّكة بالحجاب الشّديد على طريقة النّساء في زمانها، وكأنّها أرادت بعملها هذا أن تنسخ حكما من أحكام الشّريعة هو تحريم التّبرّج الذي نزل به القرآن." وقيل إنّ ممّا جاء في خطبتها: " ... ومزقوا هذا الحجاب الحاضر بينكم وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالاعمال، وتقاسموهن في الافعال وصلوهن بعد السلوة وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة، فماهن إلاّ زهرة الحياة الدّنيا..." [v]
      قتلت قرّة العين في نطاق الحملة التي شنّت على البابيّين، فقيل خنقت ثمّ أحرقت جثّتها، وقيل وئدت كالكثير من البنات والنّساء : قبل إنّ الشّاه أمر بإلقائها في بئر، ثمّ ألقيت فوقها حجارة ضخمة وهيل عليها التّراب...
      وفي العشرينات من القرن المنصرم، تلاحقت الأفعال السّياسيّة المتمثّلة في اعتلاء النّساء المنابر سافرات، أو في تمزيقهنّ حجاب الوجه في الأماكن العموميّة. فعندما عادت هدى شعراوي (ت1947) إلى مصر عقب ثورة 1919، واستقبلها جمع من النّساء بميناء الإسكندريّة نزعت نقابها لتلوّح لهنّ به، ثمّ ألقت به في البحر قبل أن تنزل إلى الشّاطئ. وفي يوم 15 جانفي 1924، ظهرت منّوبيّة الورتانيّ التّونسيّة سافرة، وألقت كلمة في منبر جمعيّة التّرقيّ الأدبيّة التي تديرها مجموعة من الاشتراكيّين، مطالبة بحقوق المرأة المسلمة ومطالبة برفع الحجاب عنها ورفع مستواها، وترك التّشبّث بحرفيّة النّصّ القرآنيّ.[vi] وقادت ثريّا الحافظ السّوريّة سنة 1926 مجموعة من النّساء في مظاهرة إلى ساحة المرجة بدمشق وقرأت بعض الآيات القرآنيّة ورفعت النّقاب عن وجهها وتبعها النّساء في ذلك. قائلة إنّ اللّه لم يأمر المرأة بالتّحجّب والانزواء.[vii]
      لم تتردّد هؤلاء النّسوة في إعلان السّفور كما تردّد الكثير من مناصري قضيّة المرأة في مسألة السّفور وتعرية الوجه. وفي كتاب نظيرة زين الدّين تتردّد عبارات النّور والهواء عشرات المرّات، وتتردّد الشّكوى من آلام حجب الوجه بواقعيّة حسّيّة مريرة : "وهل كتب اللّه لوجه المرأة، وهو مجتمع حواسّها، أن يظلّ مقيّدا؟ وهل يجوز أن يحرم الرّجل المرأة استعمال قواها، أي قوى النّظر والسّمع، والذّوق والشّمّ والتّنفّس؟ أفتجدون ظلما أفظع من هذا الظّلم؟[viii]
      كتاب نظيرة زين الدّين هذا لم يعرف ولم يطبع للمرّة الثّانية إلاّ بعد سبعين عاما من ظهوره، ولم أجد لها ترجمة في الكثير من المعاجم، فهي مثل الكثير من المنسيّات لدى من يؤرّخون للنّهضة العربيّة.

      خرجت النّساء للدّراسة والعمل رغم كلّ صرخات الفزع. بل ربّما سبق خروج النّساء في الواقع الطّرح الفكريّ مسألة الحجاب الذي بلغ أوجه في العشرينات من القرن المنصرم. ففي سنة 1914 بلغ عدد العاملات المصريّات في القطاع الصّناعيّ وحده حوالي عشرين ألف عاملة، وكنّ يمثّلن نسبة 5 بالمائة من عدد العمّال الإجماليّ، وكنّ يعملن أكثر من 14 ساعة في اليوم بأجر لا يتجاوز بضعة قروش في اليوم.[ix] وهو ما يدلّ على أنّ عوامل التّحديث الاجتماعيّ، رغم ما يتضمّنه هذا التّحديث من استغلال اقتصاديّ، كانت تمثّل ثورة صامتة تفعل فعلها بمعزل عن الوعي الفكريّ بالحداثة ومقتضياتها، وبمعزل عن الجدل الفكريّ حول الإصلاح الدّينيّ وحول الحجاب وإمكان الخروج منه.
      أمّا اليوم فقد تزلزلت كلّيّا الهندسة الاجتماعيّة التي تقضي ببقاء المرأة بالبيت، واضمحلّ الحجاب المؤسّسيّ واضمحلّت النّداءات اليائسة التي تدعو المرأة إلى القيام بأدوارها التّقليديّة في البيت. وحتّى البلدان التي تمارس أقصى أنواع التّمييز ضدّ المرأة، فتمنعها من اقتياد السّيارات (وهذه آليّة أخرى من آليّات مراقبة خروج النّساء) لا تمنع النّساء من القيام بالكثير من الأعمال (كالطّبّ والتّدريس والعمل الصّحفيّ...) تضاءل دور الحجاب المؤسّسيّ وتضاءلت الأحجبة الأثوابيّة التّقليديّة وتضاءل دور النّقاب فلم يعد يدعو إليه بعد أبي الأعلى المودوديّ إلاّ المفتون الوهّابيّون. ولكنّ المنع انصبّ على الشّعر، وأصبح الخمار (غطاء الرّأس) أساسا للحجاب الجسديّ الجديد المعولم الذي سمّي بالزّيّ الإسلاميّ. وانتشر نموذج جديد للمرأة غير نموذج ربّة البيت التّقليديّة وغير نموذج المرأة المتحرّرة، هو نموذج امرأة عاملة تساهم إلى حدّ ما في الأعمال العامّة ولكنّها تحرص على تغطية شعرها وجسدها، وقد انتشر خاصّة بعد الثّورة الإيرانيّة التي ساهم فيها النّساء ثمّ لم يكن بالإمكان إعادتهنّ إلى البيت ففرض عليهم التّشادور.
      ولكي نكون متفائلين، يمكن أن نقول أنّ التّحديث الاجتماعيّ، وأنّ معركة السّفور الفكريّة قد آتتا أكلهما تقريبا : وهو الخروج من الحجاب والتّخلّص من الحجب التّقليديّة (الحائك والسّفساري والعباءة في بعض بلدان الخليج). أحرزت النّساء انتصارا جزئيّا على العورة : لم يعد الجسد كلّه عورة بما في ذلك الوجه أو أحيانا الكفّان، أصبح كلّ الجسد عورة باستثناء الوجه والكفّين. فحجاب اليوم ليس تكرارا محضا لحجاب الأمس. إلاّ أنّه مع ذلك تكرار للمنع المضروب على جسد المرأة، وتذكير بالأنثى القديمة المتّهمة بالفتنة، المملوكة للرّجل والمطالبة بتنمية شرفه.
      ليس الخمار لباسا للجسد بل شطب للجسد بحيث أنّ حاملته تكون حاضرة-غائبة ومتاحة-محرّمة. وليس الخمار لباسا أو زيّا فقط بل هو كوكبة من التّصرّفات والسّلوكيّات التي يجرّها : الهوس والتّأثّم، ورفض المصافحة والاختلاط والخلوة، ورفض الزّينة وتأثيم النّساء غير المتحجّبات واتّهامهنّ بالتّبرّج والرّذيلة...
      فلماذا انتشر هذا الحجاب وعدّ ركنا من أركان إسلام النّساء؟ إن كان الجلباب في القديم مؤدّيا لوظيفة تمييز النّسائر الحرائر عن الإماء، فلماذا انتشر في عصر زال فيه الرّقّ بمعناه التّقليديّ، أي زالت فيه العبوديّة كمنزلة قانونيّة؟ ما الذي يجعل خطاب الحجاب فاعلا وذا نجاعة رمزيّة قصوى؟ ما دور الأزمات التي تؤدّي إلى الانطواء على الهويّة، وما دور البؤس والفقر، ودور طبيعة قنوات الاتّصال التي يتّخذها أنصار الحجاب في انتشار الحجاب؟ هذه أسئلة أتركها لأهل الاختصاص، وأكتفي بتحليل البـنى الرّمزيّة والثّقافيّة المؤدّية إلى نجاعة ثقافة الحجاب :
      1-يقول بورديو إنّ "قوّة النّظام الذّكوريّ تكمن في كونه في غنى عن التّبرير"[x]. يمكن أن ندقّق فنقول : يكاد يكون في غنى عن التّبرير، لأنّ بورديو نفسه يتحدّث عن التّبريريّة الاجتماعيّة التي يتمّ بها الإقناع بالهيمنة الذّكوريّة. الاستغناء عن الكثير من التّبرير ناتج عمّا يسمّيه عالم الاجتماع نفسه بـ"العنف الرّمزيّ" المرتبط بالهيمنة الذّكوريّة، وهو عنف "هادئ ولا مرئيّ"، يجعل المهيمن والمهيمن عليه يشتركان معا في نفس اللّغة، وفي نفس المقولات التّصنيفيّة التي يبتنيان بها العالم، ويجعل المهيمن عليه يرتاح إلى قيده وينجذب إليه وكأنّه واقع تحت مفعول السّحر : يجعل النّساء أنفسهنّ يخترن الحجاب ويدافعن عنه ويعتبرنه تحرّرا.
      وأساس المقولات التّصنيفيّة التي تكرّس الهيمنة الذّكوريّة ولها ارتباط وثيق بمسألة الحجاب ثنائيّة المحسوس والمعقول التي يتمّ تصريفها بحيث تكون المرأة محسوسة بالأحرى والرّجل معقولا بالأحرى. هذه الثّنائيّة العتيقة التي نجد تعبيرا عنها في قول محمّد بن سيرين : "ما رأيت على امرأة أجمل من شحم، ولا رأيت على رجل أجمل من فصاحة"[xi]، ما زالت مستمرّة إلى اليوم، وما زالت تغذّي الدّعوة إلى الحجاب، ولها امتدادات في خطابات مختلفة قد لا تكون دينيّة بالضّرورة. فالأرسوزيّ يقول مثلا إنّ "عقل المرأة في جمالها وجمال الرّجل في عقله"[xii]، مؤبّدا بذلك المنطق الذي يلغي الكائن العاقل في المرأة ويلغي الكائن الجميل في الرّجل، ويجعل الحجاب تبعا لذلك مفروضا على المرأة دون الرّجل.

      2-نتج عن الخروج من الحجاب المؤسّسيّ تضاؤل طبيعيّ للاختلافات بين النّساء والرّجال، وهو ما ولّد في رأيي إيديولوجية جنسيّة جديدة تلحّ على الاختلاف الجنسيّ وتدعو إلى لزوم كلّ جنس لدوره ولباسه. إنّ الحجاب الجسديّ الجديد علامة، ولكنّه ليس في رأينا علامة على انتماء إلى تيّار الإسلام السياسيّ فحسب، أو إلى رؤية سلفيّة للوجود، بل هو علامة على رفض اضطراب الفوارق بين النّساء والرّجال من حيث الأدوار الاجتماعيّة، بل وحتّى من حيث الهيئة والمظهر. بقيت الوظيفة التّمييزيّة للثّول الحاجب، ولكنّها انتقلت من التّمييز بين الحرائر والإماء إلى التّمييز بين النّساء والرّجال. ولذلك أصبح الكثير من الرّجال يعتمدون اللّحية باعتبارها محدّدا جندريّا ذكوريّا ينفرد به الرّجال، وله صلة بفضل الرّجال على النّساء وبمبدإ القوامة، ولذلك يكره نتفها وتعدّ "زينة الرّجال". ولكنّ التّشديد على الحجاب لا يضاهيه مع ذلك التّشديد على اللّحية، ولم تتحوّل اللّحية إلى رهان سياسيّ مثلما هو شأن الخمار اليوم، وخاصّة في فرنسا، كما لم تتحوّل تعرية الرّجال رؤوسهم إلى معركة شبيهة بمعركة السّفور، وهو ما يدلّ على الهيمنة الذّكوريّة، وعلى أنّ هذه الهيمنة تجرّد المرأة من ذاتها وتجعل دائما رمزا ومجالا لمعركة من المعارك : معارك الهويّة والأمّة والوطن والشّريعة والإسلام...

      3-تغيّرت هندسة الفضاء الاجتماعيّ وخرجت النّساء من الحجاب ولكن لم يصحب هذا التّغيّر تغيّر في البنى العلائقيّة التي تنظّم حياة الأسرة. اختفت ظروف إنتاج الحجاب الفضائيّ الذي يقضي بقرار النّساء في بيوتهنّ، ولم تختف ظروف إنتاج الحجاب الجسديّ الذي يقضي على المرأة باعتبارها عورة وجسدا ممنوعا. فقوانين الأحوال الشّخصيّة ما زالت تضع المرأة تحت وصاية الرّجل-الرّئيس، ومازالت تحتفي بالشّرف باعتباره رأسمالا رمزيّا للرّجل، وترفض حرّيّة المرأة المطلقة في اختيار قرينها وحرّّيّة تنقّلها والكثير من مظاهر السّيادة على الجسد.
      لم تمتلك المرأة جسدها رغم أنّها تعمل وتتقلّد أحيانا المسؤوليّات التّمثيليّة والحكوميّة، وكأنّها ظلّت حريما، أو كأنّها بالأحرى أصبحت حريما من نوع جديد، يستوجب بقاء آليّات المراقبة القديمة.
      ربّما يكون الحجاب الثّوبيّ الذي نراه اليوم إسقاطا لعالم الحريم، لواقع الحياة الأسريّة التّقليديّة على الحياة العامّة الحديثة أو المحدّثة.

      4-الكثير من مناصري الحجاب يرتكز على السّلطة الدّينيّة ويعتمد حجّة السّلطة الدّينيّة. إنّهم يعتمدون على سلطتهم الدّينيّة الأبويّة، باعتبارهم قائمين على شؤون المقدّس، وكثيرا ما يكونون مفتين رسميّين. لا شكّ أن الفتوى رأي شخصيّ غير ملزم كلّ الإلزام، ولكنّ له تأثيرا واسعا في الجماهير التي تنشد حلولا لتناقضات واقعها وتلجأ إلى الحلول التي يقترحها المفتون نتيجة انتشار الأمّيّة وانعدام ثقافة الحرّيّة والاعتماد على العقل بدل النّقل. نذكر من هذه الفتاوى الرّسميّة فتاوى عبد العزيز بن باز التي تعتبر وجه المرأة وكامل بدنها عورة لغير المحرم[xiii] ، والفتوى التي صدرت سنة 1994عن مفتي الجمهوريّة المصريّة (محمّد طنطاوي جوهريّ) واعتبرت المرأة غير المتحجّبة "آثمة وعاصية للّه تعالى". لقد لزم المفتي المصريّ شيئا من الحذر في هذه الفتوى، فاعتبر عقاب هذه العاصية من شؤون الآخرة : "هي آثمة وعاصية للّه تعالى، وأمرها بعد ذلك مفوّض إليه-سبحانه-وحده..." [xiv] ولكنّ هذه الفتوى لا بدّ أن تكون مؤثّرة لأنّها تبعث الخوف والتّأثّم في صفوف الكثير من النّساء. وقد أدّت إلى تدخّل المجلس الدّستوريّ في مصر في شهر ماي من سنة 1996، ليؤكّد أنّ الإسلام لم يفرض لباسا محدّدا للمرأة، وليجعل أمر الاختيار موكولا باجتهاد الوليّ وهو الأب بالنّسبة للأفراد والدّولة بالنّسبة للمجتمعات.[xv] والسّؤال المطروح في هذا الصّدد هو : ما هي السّلط الواضعة للمعايير والتّشريعات في العالم العربيّ، البرلمانات أم شيوخ الإفتاء أم اختلطت الأمور؟ وما هي حدود الأخلاق وحدود القانون، ما هي حدود أحكام الدّين وأحكام الدّنيا؟ وهل اختيار الفرد للباسه منوط بعهدة الآباء والحكومات؟
      وهؤلاء القائمون على شؤون المقدّس يعتمدون الحجج النّقليّة، ويعتبرونها نصوصا تشريعيّة واضحة وصالحة إلى الأبد، ويرفضون تخصيص آية الحجاب بنساء الرّسول، ويرفضون رؤية التّطوّر التّاريخيّ الذي أدّى إلى زوال وضعيّة الإماء وخروج النّساء من الحجاب. فقد رفض المفتي المصريّ المذكور اجتهاد المستشار محمّد سعيد العشماوي الذي اعتمد المبدأ الأصوليّ القاضي بتعليق الحكم لزوال علّته. يقول المفتي المصريّ : "تخصيص هذا الحجاب بزوجات النبيّ (ص) وحدهنّ.. ليس صحيحا لأنّ حكم نساء المؤمنين في ذلك كحكم أزواج النّبيّ (ص) لأنّ المسألة تتعلّق بحكم شرعيّ يدعو إلى مكارم الأخلاق، وما كان كذلك لا مجال معه للتّخصيص، ولأنّ قوله تعالى "ذلكم أطهر لقلوبكم علّة عامّة، تدلّ على تعميم الحكم..."[xvi]

      [email protected]












      * باحثة من تونس
      - طيفور، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر، بلاغات النساء، تح أحمد الألفي ومحمد أبو الأجفان، تونس، المكتبة العتيقة، 1985.، ص193.
      [ii]-المرجع نفسه، ص 198.
        -انظر مقتل الفتاة الأمويّة التي كانت تركب الخيل وتلهو إلى أن ينكشف خلخالها في :
        Ben Slama Raja : « Le Plein-genre », Les Mots du monde : Masculin –féminin, collectif sous la direction de Nadia Tazi, Paris, La Découverte, 2004, pp 20-23.
        [iv] -ترد العبارة لدى قاسم أمين : المرأة الجديدة، ص 42.
        [v] -الورديّ علي : هكذا قتلوا قرّة العين، كولونيا، دار الجمل، 1991، ص 56.
        [vi] -خالد أحمد : أضواء من البيئة التّونسيّة على الطّاهر الحدّاد ونضال جيل، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1985، ط3، ص 251.
        وانظر : الأرقش دلندة : "العشرينات في تونس وميلاد الوعي النّسائيّ"، النّساء العربيّات في العشرينات : حضورا وهويّة"، تجمّع الباحثات اللّبنانيّات، بيروت، توزيع المركز الثّقافيّ العربيّ، ص ص 449-461.
        [vii] -الحجاب والسّفور، التّقديم ص 11.
        [viii] -الحجاب والسّفور، ص 121.
        [ix] -الرّافعيّ عبد الرّحمان : في أعقاب الثّورة المصريّة، القاهرة، مكتبة النّهضة المصريّة، 1959، 1/211.
        [x] --Bourdieu Pierre, La domination masculine, Paris, 1998, p15.
        [xi] -ابن عبد ربّه : العقد الفريد، ص246، موقع الورّاق.
        [xii] -الأرسوزيّ : الأمّة والأسرة، 310.
        [xiii] -انظر خاصّة فتواه "صفة الحجاب الشّرعيّ" في موقعه : www.ibnbaz.org.sa
        [xiv]-العشماويّ محمّد سعيد : حقيقة الحجاب وحجّيّة الحديث، القاهرة، مكتبة مدبولي الصغير، 1995، ص 31.

        [xv] -الشّرفي سلوى : الإسلام والمرأة والعنف، تونس، منشورات علامات، دت، ص 115.
        [xvi] -المرجع نفسه، ص 26.
                  

01-26-2008, 07:07 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حجاب المرأة قديما وحديثا محاولة تفكيك //الدكتورة رجاء بن سلامة (Re: Sabri Elshareef)

    إنّ الحلول مع الفقهاء في نفس السّاحة للخروج بنتائج مخالفة للأحكام القديمة، قد يكون مفيدا إذا زعزع الوثوقيّة الدّينيّّة التي يحيطون بها خطاباتهم، وحال دون احتكارهم لتأويل النّصّ المقدّس وبيّن عدم وجاهة فتاواهم.
    إلاّ أنّ الاجتهادات في تأويل النّصّ تظلّ في رأيي ذات طابع تكتيكيّ، لأنّها تبقي الكثير من القضايا العالقة : إذا ذهبنا إلى أنّ آيات الحجاب غير صريحة أو غير ملزمة لنساء اليوم لزوال الحكم بزوال العلّة، فماذا نقول في الأحكام الصّريحة الأخرى التي لم تعد تتلاءم مع مطمح المساواة : أنّ الرّجل قوّام على المرأة، وأنّ على الزّوجة واجب طاعة زوجها ولزوجها حقّ تأديبها، وأنّ للمرأة نصف نصيب الرّجل في الميراث وأن شهادتها تضاهي نصف شهادة الرّجل ولا يحقّ لها الزّواج بغير مسلم...؟ أيّ ألعاب اجتهاديّة بهلوانيّة سنضطرّ إليها إذا أردنا أن نبقى داخل لعبة الفقه والاجتهاد في الفروع؟ ماذا نفعل بالآيات الصّريحة الأخرى التي فرضت أحكاما ملائمة لعصرها وغير متلائمة مع عصرنا كقطع يد السّارق والقصاص وجلد الزّاني وعقوبة الإعدام عامّة؟
    لا بدّ من تحوّل في الأسئلة والأجوبة المطروحة للخروج من أفق الحلال والحرام إلى أفق معياريّ أرحب وأكثر تعقّدا وملاءمة لعصرنا.
    فيجب أوّلا أن نواصل بيان تارخيّة الأحكام التي تنظّم علاقات النّاس بعضهم ببعض وتبيّن بشريّة المنظومة الفقهيّة وانبناءها على مراتبيّات تفاضليّة، فبيان الوظيفة التّاريخيّة بيان للحدود وللنّسبيّة. وعلينا أن نواصل تحديدا المشروع الجندريّ في بعده النّقديّ الذي يرمي إلى بيان نسبيّة وتاريخيّة الاختلافات بين الرّجال والنّساء، لأنّ هذه الاختلافات تبدو في التّبريريّات الذّكوريّة خارج الزّمن، فهي طبيعيّة أو "فطريّة" أو إلهيّة.
    ولكن لا يكفي أن نواصل تاريخيّة هذه الأحكام، بل ربّما تعبنا من هذا التّمرين الأكاديميّ المضني، رغم أنّني حاولت القيام به في بداية هذا البحث، ورغم أنّ هذا التّمرين لا يمارس إلى اليوم في بعض الأقطار العربيّة التي تتمسّك بالشّريعة الإسلاميّة دستورا خارج التّاريخ، فتبقى هي نفسها متخبّطة بين مقتضيات الإصلاح والعجز البنيويّ عن الإصلاح. علينا أن نجتهد طويلا للخروج من دائرة العنف الرّمزيّ وللوعي بصيغ تسرّب أبنية الهيمنة إلى ما ننتجه من معارف وتصوّرات عن العالم. إنّ أبنية الهيمنة قابعة في صلب الأبنية المعرفيّة وفي صلب الثّنائيّات التي نصنّف بها العالم، وهي تشتغل فينا بصفة تكاد تكون لاواعية، وهو ما يجعل الوعي بها وتغييرها أمرا يستدعي طول نفس وتربية وثقافة. ولذلك علينا أن نستفيد من المشاريع الفلسفيّة التي يرفضها الكثير من المثقّفين العرب، والتي تهدف إلى الكشف عمّا في المسلّمات من المفارقات التي لا يمكن التّسليم بها كما هو الشّأن بالنّسبة إلى بيار بورديو أو تهدف إلى تفكيك المركزيّة العقليّة القضيبيّة كما هو الشّأن بالنّسبة إلى جاك درّيدا.
    يكفي مثلا أن نطرح مثل هذه الأسئلة البسيطة حتّى ينهار صرح المسلّمات التي تحمي البداهة الزّائفة لحجاب المرأة : لماذا نطالب المرأة دون الرّجل بتغطية رأسها وجسدها؟ أليست وجهة نظر الرّجل وموقعه كذات هما اللّذان يجعلان المرأة فحسب مصدر فتنة؟ أليس الرّجل فاتنا أيضا من وجهة نظر المرأة إذا عدّت المرأة ذاتا ناظرة والرّجل موضوعا منظورا إليه؟ ألا تقوم قصّة النّبيّ يوسف وقطع النّساء أياديهنّ بسبب جماله الباهر دليلا على أنّ الرّجل أيضا مصدر فتنة للنّساء؟ ثمّ أليست الفتنة أمرا لا مفرّ منه في العلاقات البشريّة، وإن سدّت كلّ الأبواب والمنافذ وأسدلت كلّ الحجب؟ بل أليست الفتنة أمرا ضروريّا وحياتيّا لكي يكون الشّوق ويكون الحبّ؟ ولكي تنفتح إمكانيّات الصّداقة بين الرّجل والمرأة، أي إمكانيّات تأجيل الرّغبة أو إفراغ العلاقة من الرّغبة؟ إذا كان الهدف من فرض الحجاب على المرأة هو إخلاء الفضاء العامّ من الرّغبة، ونشر نوع من الأخلاق الصّفويّة فيه، أفليس من شأن هذا المشروع أن يبوء بالفشل، بما أنّ حجاب المرأة يختزل المرأة في كونها أنثى، وتذكير الحجاب بأنّها ممنوعة محرّمة يؤجّج هذا الاختزال ويغلق أبواب الصّداقة والزّمالة والتّعارف اللّطبف الخالي من التّأثّم والخوف؟

    ولا بدّ في الوقت نفسه أن نطرح على نحو مختلف قضيّة الاجتهاد وإمكانيّات فتح أبوابه على مصراعيه. فكيف يمكن أن نجذّر الاجتهاد في النّصّ القرآنيّ فيما هو أبعد من الاجتهاد في تأويل الآيات؟
    فربّما حان الوقت لكي نعدل عن الاجتهاد في الآيات إلى الجهد النّفسيّ والعقليّ لتحديد علاقتنا بالنّصّ المقدّس : إنّه نصّ تعبّديّ يمكن أن يتّخذه المؤمنون للعبادة، وربّما أمكنهم استلهام بعض مبادئه الكبرى لتطوير منظومة حقوق الإنسان لا لرفضها(الرّحمة والمسؤوليّة الفرديّة...) ولكن لم يعد بالإمكان اتّخاذه مصدرا للتّشريع في مجال المعاملات بين البشر.
    إنّ أغلب المثقّفين العرب وأغلب الأحزاب السّياسيّة الدّيمقراطيّة والجمعيّات غير الحكوميّة النّاشطة في مجال حقوق الإنسان تتلعثم عادة ولا تصوغ برنامجا واضحا لفصل الدّين عن السّياسة وفصل الدّين عن التّشريع. فكيف يمكن صياغة ونشر ثقافة مدنيّة تعتمد هذا الفصل وتوضّح ضرورته القصوى؟ هذه الثّقافة لن تهدّم الدّين بل ستساعد المؤمنين على عيش تديّنهم على نحو آخر، على نمط غير نمط الهوس الذي يجعلهم يرفضون التّاريخ ويمتهنون المرأة. علينا ربّما أن نجذّر ونعمّم حجّة زوال الحكم بزوال العلّة. زالت المجتمعات التي كانت الأحكام القرآنيّة والفقهيّة قادرة على تسييرها في كلّ ما يخصّ العلاقات بين أفرادها نساء ورجالا، فعلينا أن نقبل على تبنّي المكاسب المدنيّة التي حقّقتها الحداثة في اتّجاه المساواة والحرّيّة، وعلبنا أن نطرح إشكاليّة التّعارض بين أحكام الشّريعة ومنظومة حقوق الإنسان، وأن نخضع التّجربة الدّينيّة إلى معياريّة حقوق الإنسان لا العكس، لأنّ العكس هو ما نشهده اليوم من تمسّك بأبنية اللاّمساواة والهيمنة الذّكوريّة باسم الثّوابت الدّينيّة والمقدّسات. العكس هو تبرير عنف الهيمنة، وإيجاد مسمّيات ملطّفة له.

    ولنعد إلى الفرضيّة التي أشرنا إليها في مقدّمة هذا البحث، وهي أنّ "حقوق الإنسان ليست فقط وسيلة للدّفاع عن الأفراد، بل "صيغة للعلاقات بينهم". ولنتساءل : كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والمساواة، والحال أنّ الحجاب رسم للبنى العلائقيّة القديمة على الأجساد، والحال أنّه الشّارة أو الوصمة التي تميّز المرأة، وتذكّر بأّن هذه الأنثى التي تعيش الآن هي نفسها الأنثى القديمة : التي تمثّل موضوعا لمبادلات رمزيّة أو بضائعيّة بين الرّجال، والتي يمتلك جسدها الرّجال، والتي تعتبر فاتنة إلى أن تحتجب، آثمة إلى أن تثبت العكس؟ هل يمكن بناء المساواة على إيديولوجيا جنسيّة تجوهر الفوارق بين النّساء والرّجال وتجعل الاختلاف الجنسيّ لا الاشتراك في المنزلة البشريّة أساسا لبناء المجتمع؟
    كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والمواطنة، والحال أنّ الحجاب يختزل المواطنة في الأنثى، أو يختزلها في انتماء دينيّ أو سياسيّ- دينيّ؟ كيف تمكن المشاركة المشتركة الحقيقيّة في المجال العاّم عندما تكون المرأة مشطوبة ملغاة، وعندما تجد رجالا ونساء يرفضون المصافحة والاختلاط والخلوة؟ هل ستكون المرأة استثناء في عالم المواطنة، مواطنة من نوع خاصّ، حاملة لشارة خاصّة؟
    كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والكرامة، والحال أنّ الكرامة أهليّة ومسؤوليّة والحجاب ردع لا مسؤوليّة؟ ألا يفترض الدّاعون إلى الحجاب في المرأة والرّجل ضحيّة وجلاّدا في الوقت نفسه : يفترضون في المرأة هشاشة تجعلها ضحيّة لغرائز الرّجل، وفي الرّجل هشاشة تجعله ضحيّة لفتنة المرأة، بحيث أنّ الحجاب يأتي ليعوّض الوازع العقليّ والمسؤوليّة؟ أليس الحجاب الأثوابيّ حاجزا مادّيّا يدلّ على غياب الحواجز الأخرى لدى الرّجل والمرأة؟ ألا يعني الحجاب اختزالا للكائن البشريّ في البيولوجيّ، والحال أنّه كائن لغة وثقافة، والحال أنّه الكائن الذي يخلق الوسائط بينه وبين المتعة، وسائط الكلام والغزل والشّعر وتأجيل تحقيق المتعة؟
    كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والحرّيّة، أو بالأحرى كيف يمكن الحديث عن حرّيّة المرأة في اختيار حجابها، والحال أنّ الحرّيّة تتطلّب المساواة؟ كيف يمكن المطالبة بالحرّيّة مع إسقاط المساواة؟ طبعا لسنا من أنصار الحلول الأمنيّة لمشكلة الحجاب ولكلّ المشاكل، والدّليل على ذلك مطالبتنا الدّائمة بفتح المنابر للحوار بين أنصار الحجاب ورافضيه، وبين أنصار الخصوصيّة الثّقافيّة وأنصار كونيّة حقوق الإنسان، ولكن يحقّ لنا أن نتساءل : أيّ مغالطة فكريّة أو لامبالاة أخلاقيّة تكمن في إسقاط المساواة عند المطالبة بالحرّيّة، بحيث نسمح لأنفسنا بالمطالبة بحرّيّة المقيّد في اختيار قيده، أو بحرّيّة المرأة في بيع جسدها، وهو ممّا يعدّ اليوم من الأشكال الجديدة للعبوديّة؟ ثمّ إذا كان الحجاب شطبا للجسد لا لباسا له، فكيف يمكن أن ندافع عن حرّيّة المرأة في شطب نفسها؟ كيف يمكن أن يجتمع عصران مختلفان ونموذجان مختلفان للمطالبين بحقّ المرأة في حجب جسدها : عصر الحريم والخدور وعصر المساواة، نموذج القوامة، أي عبوديّة المرأة الحرّة، والنّموذج الدّيمقراطيّ؟
    أختم هذا المقال بأوّل ما فكّرت فيه عندما شرعت في كتابته. فكّرت في رسالة فرويد التي اكتشفت مؤخّرا والتي يتحدّث فيها عن الأشياء أو الخرق البالية المقدّسة reliques وعن حائـط المبكى : ففي سنة 1930 أرسلت منظّمة صهيونيّة إلى فرويد عريضة تدين العرب إثر انتفاضة قتل خلالها 100 مستعمرا يهوديّا. رفض فرويد إمضاء هذه العريضة وقال إنّه كان من الأجدى بناء الدّولة اليهوديّة على أرض أقلّ امتلاء بالّرموز التّاريخيّة وقال أيضا : "لا يمكن لي أن أتعاطف مع تديّن يسير في اتّجاه سيّء، تديّن يحوّل جزءا من حائط هيرود إلى شيء عتيق مقدّس..."
    نحن أيضا لنا حيطان مبكى نلوذ بها فرارا من التّاريخ ومن المصير، ومن هذه الحيطان تصوّراتنا عن المرأة والشّرف، ولنا خرق مقدّسة نتمسّك بها بكلّ ما أوتينا من عنف قداسيّ، ومن هذه الخرق حجاب المرأة. حيطان المبكى والأشياء المعبودة أشعلت وما زالت تشعل الكثير من الحروب وتتسبّب في قتل الكثير من النّفوس، وخرقة الحجاب المقدّسة أدّت وما زالت تؤدّي إلى وأد النّساء : إلى وضعهنّ في وعاء القبر أو البيت أو الحجاب.
    [email protected]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de