( رزنامة الأسبوع ) كمال الجزولي : القَدَّال: كَثُرَتْ تَوَاريخُ المَرَاثِي...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 07:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-15-2008, 01:07 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
( رزنامة الأسبوع ) كمال الجزولي : القَدَّال: كَثُرَتْ تَوَاريخُ المَرَاثِي...

    القَدَّال: كَثُرَتْ تَوَاريخُ المَرَاثِي
    ________________________________

    جميع الحقوق © 2006 لصجيفة السودانى

    العدد رقم: 780 2008-01-15


    مطـلع
    PRELUDE
    غافلتنا واختفيت!
    كعادتك القديمة، قبيل نهايات العَشَاءات، غافلتنا واختفيت!
    لم تترك لنا فرصة لثلم رغبتك في ما انتويت من مغادرة عجول، ريثما تبلغ بنا آخر أمداء مشروعك التنويريِّ البديع، أو حتى لمحاولة استبطائك قليلاً ولو بغواية أن (الحلو) قادم لا ريب فيه، وأن (المُرَّ) آيل، بلا شكٍّ، إلى زوال (!) وإنما باغتنا، ظهيرة ذلك الأحد، بطيِّ طروسك، وتجفيف أقلامك، وانسرابك، هذه المرَّة، من الحياة كلها، خفيفاً.. خفيفاً، كما الضوء من خصاص النافذة، والماء من فرجات الاصابع!
    عندما التقينا، آخر مرَّة، صباح الأحد السابق على أحدك، في وداع فاروق بمقابر فاروق، ولما يكن قد التأم، بعد، جرح عابدين، كان بمستطاعنا، لو مكَّنتنا من ذلك شيئاً، أن نلمح الشحوب البادي على وجهك الطيِّب، والعلة الناشبة في عينيك الوادعتين، لولا حماسك الطاغي، يومها، وأنت تستدعي، في ذلك المكان القفر بالذات، أعذب ذكرى الاحباء الراحلين تباعاً، وقد كنتم الأجمل في بواشقنا طرَّاً، وتجترُّ أسخى عطاياهم التي لا حصر لها، وأروع حكاياهم التي تكاد لا تنضب، فلكأنك كنت توعز إلينا، من طرف، بآخر وصاياك عن كيف يجدر أن نودِّعك أنت نفسك حين يحين الحين!
    لكننا، ونحن أسرى هذا الصلصال الكتيم ودخنة الحمأ المسنون، غفلنا، فما تنبَّهنا لقسوة ما كنت تعاني وتجهد أن تخفي وراء حماسك من ألم مُمِض، وما درينا أن أوانك الذي لن تقدِّم فيه أو تؤخر قد أزف، وأنه آتٍ لا محالة، وأنه لم يعُد يفصل بينك وبينه سوى أسبوع.. أسبوع واحد فقط!

    الذبحـة..
    ----------
    التاسعة والنصف من صباح الأحد السادس من يناير 2008م. قاد سيَّارته السيريون الصغيرة بنفسه، في معيَّة زوجته فاطمة وابنته جوليا، متجهين من منزلهم بحي البستان بالجريف إلى جامعة الخرطوم، حيث نزلت جوليا، وغشي هو قسم التاريخ بكليَّة الآداب لبعض الوقت، قبل أن ينطلق بصحبة فاطمة لزيارة أصهاره آل باعبود بحي الموردة بأم درمان.

    هناك أحسَّ بأن الوخز الذي ظلَّ يتحمَّله طوال الايام الماضية آخذ في التفاقم رويداً رويداً، ثمَّ ما لبث أن استحال إلى نصال تغوص في الرئتين، تتقاطع بين الاضالع، تنهش منه الصَّدر حتى لتكاد تثفله مزقاً. أسرَّ لفاطمة بما يعاني، وبما لم يعُد يطيق معه تحمُّلاً أو اصطبارا، وهو الحمول الصبور طوال عمره، فلا بُدَّ له من الاسراع إلى عيادة عديله د. السر عبد الماجد بالخرطوم. ألحَّت فاطمة، من فوق لجَّة التياعها، في إقناعه بمرافقته، لولا أنه أثناها راجياً منها عدم إزعاج أهل البيت، ومطمئناً إياها بأن الامر لا يعدو أن يكون مجرَّد ارتفاع طفيف في نسبة السكر في الدم، وسرعان ما سيعود للاستقرار. وللمرَّة الثالثة، في ذلك النهار الأغبر، قاد سيارته بنفسه، منكفئاً على مقودها بيدٍ راح يسري فيها الخَدَر، وأخرى تكاد تسحق الصدر، تحاول إطفاء جمر اشتد أواره، في تلك اللحظات، وامتدت ألسنة لهبه المتصاعدة إلى ما وراء الكتفين، بينما هو يئن، ويلهث، ويشهق، ويتصبَّب عرقاً. كان، في الواقع، يلفظ آخر أنفاسه.

    تجاوزت الساعة منتصف الظهيرة حين دلف إلى داخل العيادة، بحالته تلك، وبسنوات عمره التي تجاوزت السبعين، البروفيسير محمد سعيد القدَّال، المناضل الشيوعي، والمؤرِّخ الباحث، والمفكر الكاتب، والمعلم المربي، والأستاذ الجامعي الذي تخرجت على يديه، طوال نصف قرن من العطاء الاكاديميِّ الثرِّ، أجيال من تلاميذ المرحلة الثانويَّة، فضلاً عن الآلاف من طلاب شهادة الاساس والدراسات العليا بجامعتي الخرطوم وعدن. لكنه ما أن خطا بضع خطوات، ونطق ببضع كلمات، حتى أخذ الهَرَمُ الضخمُ يتقوَّض، ويتداعى، ويتلاشى، قبل أن يستحيل طيفاً يسبح في بريق الشعشعات النورانيَّة، لتحمله أجنحة الملائك الفضيِّة، تعبر به البرزخ القصير ما بين عالم الاجساد وعالم الارواح.. مرَّة وللأبد!

    الخليفة سعيد القدَّال..
    -----------------------

    وُلد محمد سعيد عام 1935م، في أسرة دوَّن هو في تاريخها فصلاً من أمتع فصول الكتاب الذي خصَّصه لسيرة والده الشيخ القدَّال باشا. وهي أسرة ذات جذور عميقة في التصوُّف، تنحدر من (الدويحيَّة)، أحفاد غلام الله بن عائد الذين ينتهي نسبهم إلى الامام علي كرَّم الله وجهه، وهم فخذ علم وصلاح من أفخاذ (البديريَّة الدهمشيَّة) بقرية (دويم ود حاج) بمركز (مروي) في منطقة قبيلة (الشايقيَّة)، ولهم فيها وشائج أرحام قديمة. ومنذ مطالع القرن التاسع عشر التحموا بالطريقة (الختميَّة)، وبسندها الأهمِّ بين الطبقة التجاريَّة الناشئة، وبالاخص منذ زيارة السيِّد محمد عثمان الميرغني، تلميذ السيِّد احمد بن ادريس، للمنطقة للتبشير بالطريقة في 1818م. لكنهم ما لبثوا أن هاجروا وتوزَّعوا بين القضارف وسنجة وكسلا أوَّل تأسيسها، على يد الحكم التركي ـ المصري عام 1840م، وذلك لسببين: أحدهما عام يتصل بالهزَّة الأوليَّة التي أحدثها في جدران التنظيم القبلي، خلال القرن التاسع عشر، ظهور السوق القومي وبداية التبادل السلعي النقدي، حيث شرعت القبائل في تبادل النزوح بين أرجاء البلاد، والكفِّ عن التشبُّث بمناطق ارتكازها الجغرافيَّة التي تمثل الرمز الأكبر لعصبيَّتها. أما السبب الآخر فخاص يتعلق بسوء التفاهم الذي كان لحق بعلاقة (الدويحيَّة) مع (الشايقيَّة) عقب (موقعة كورتي) في ملابسات غزو محمد علي للسودان عام 1821م.

    كان جدُّه الخليفة سعيد القدال قد تلقى قدراً من التعليم، بخلاف الشائع بين أبناء جيله، مِمَّا عمَّق من معارفه وأهَّله لابتناء خلوة بها ألف من الطلاب. وقد اختار، أوان الهجرة، أن ينزح مع أسرته إلى شرق السودان، مثلما نزح إليه أيضاً أصهاره في ما بعد، آل قمر الأنبياء وآل التهامي من قبيلة (الجعليين) فرع (النفيعاب)، فوجدوا فيه مرتعاً خصباً لممارسة حرفتهم ـ الزراعة. وسرعان ما أضحى الجد خليفة للسيِّد الحسن الكبير، ثم خليفة لإبنه السيِّد محمد عثمان الثاني الذي هاجر معه إلى مصر أوان اندلاع الثورة المهديَّة، ولم يعُد إلا بعد انتهاء دولتها، ليصبح خليفة للسيِّد أحمد بن محمد عثمان، وليرتقى، من ثمَّ، في سلك الطريقة حتى صار (خليفة خلفاء) ولقب بـ (الخليفة سعيد لحَّاق بعيد). وعند عودته، وكان في التسعين من عمره، استقرَّ، أوَّلاً، بالقضارف، حيث مارس الزراعة، وتزوَّج من فاطمة محمد عثمان قمر الانبياء، أرملة شقيقه عبد الرحمن الذي كان له منها داود وإسحق وعبد الرحيم، كما كان له أيوب من زوجته الاخرى زهرة بنت القدال.

    الشيخ القدَّال سعيد..
    ---------------------

    في القضارف، عام 1903م، أنجبت فاطمة للخليفة سعيد، قبيل وفاتها، إبنه الشيخ القدال، والد محمد سعيد، وكان للخليفة ابن من زوجة أخرى هو حسن. وانتقل الجدُّ بأسرته هذه إلى كسلا، حيث أقاموا بحي (الختميَّة) في سفح جبل (التاكا) عند نبع (توتيل). وأزهرت للأسرة الكبيرة، على يديه، صلات ممتدَّة وعلائق متشابكة داخل كلِّ القبائل ذوات الشوكة، وقتها، (كالشكريَّة) في (البطانة)، و(الضبانية) في (تومات ود زايد)، وغيرهما، مِمَّا مهَّد هذه السبل لأبنائه وأحفاده من بعده.

    بدأ الشيخ القدال تعليمه باكراً على يدي والده الخليفة سعيد، فورث عنه علمه، وعلاقته بـ (الختميَّة)، وصلاته بالقبائل الكبرى، فارتكز الشيخ، في مقبل أيامه، على هذه العُمَد الثلاث، مضيفاً إليها، لاحقاً، عُمدة رابعة تمثلت في البعد الخارجي من خلال ارتباطه بالعمل بحضرموت في جنوب الجزيرة العربيَّة. وواصل الشيخ الوالد تعليمه في خلوة الختميَّة بكسلا، وانتقل، بعدها، مع أخيه حسن، إلى المدرسة الأوليَّة بحي (الكارة) الذي يبعد عن حي (الختميَّة) بمسافة سبعة أميال كانا يقطعانها، يومياً، وعلى مدى أربعة أعوام، على الاقدام! ثمَّ انتقلا إلى (مدرسة العُرَفاء) بالخرطوم، حيث يتدرَّب المعلمون والقضاة الشرعيون. ومِن أبرز مَن قاموا على التدريس فيها الشيخ البنا والشيخ بابكر بدري. وكان خريجوها من المعلمين صفوة تميِّزت، لا في التدريس فحسب، بل وفي العمل الوطني، فسطعت من بينهم أنجم أضاءت الطريق، بقدر القدرة المتاحة، صوب التنوير والحداثة بمعايير زمانهم.

    تخرُّج الشيخ القدال عام 1918م، فجرى تعيينه مطلع عام 1919م معلماً بالمدرسة الابتدائيَّة بكسلا، موطنه الذي يعرفه. وما لبث أن انغمس في النشاط الاجتماعي والثقافي الذي ارتبط بطموحات سياسيَّة وجدت أكمل تعبير عنها في ثورة 1924م. لكن هزيمتها نشرت فوق البلاد سحائب داكنة أطلق محمد سعيد عليها فترة "الردة والانكفاء"، على ما اتسمت به من نشاط أدبي حاول المتعلمون بطريقه التعويض عن مرارتها. وعلى الرغم من نشأته المحافظة، وابتعاده عن العمل السياسي المباشر، إلا أن سمات التمرُّد لم تكن لتخفى في شخصيَّة الشيخ القدال. فإلى جانب اهتمامه بتاريخ (الختميَّة)، وإعانته للباحث الامريكي جون فول في هذا الشأن، نشط أيضاً، خلال تلك الفترة، بنادي الموظفين بكسلا، حيث أنشأ جمعيَّة (ثمرة القراءة) التي كانت منبراً ثقافياً مهماً، كما اهتم بأسطورة المحلق مع تاجوج، وشعره فيها، فحفظ الكثير منه، حتى لقد اتخذه الشيخ صالح ضرار مرجعاً أساسيَّاً له في بحثه في هذا المجال. وإلى ذلك مارس هو نفسه قرض الشعر، وقد نشر محمد سعيد بعض قصائده ضمن ملاحق كتابه عنه. ولعلَّ الادارة البريطانيَّة لم تستسغ سمات التمرُّد أو عدم الرضا التي بدت في بعض تعبيراته وأشعاره، فحرمته من وظيفة نائب المأمور التي تقدَّم لشغلها أكثر من مرَّة، بينما اختارت أخاه حسن. فانطوى الشيخ الوالد على مشاعر إحباط كثيفة بفعل تلك المعاملة الاداريَّة، مِمَّا فاقم، ضغثاً على إبالة، من مشاعر الاسى التي كانت قد اجتاحته، قبل ذلك، إثر وفاة زوجته الاولى، بعد أن أنجبت له ابنته الكبرى نفيسة بوقت قصير، ثم فشل تجربة زواجه الثاني من ابنة خاله، والتي انتهت إلى فراق.

    ويبدو أن جملة تلك الظروف قد دفعته بكلياته، من باب البحث عن السلوان، في الاستغراق في العمل بشكل خلاق، الأمر الذي كشف عن مقدراته التربويَّة والاداريَّة الباهرة، مِمَّا انعكس في النتائج المذهلة لأدائه بسنكات عندما نقل إليها مترقياً إلى ناظر لمدرستها الاوليَّة خلال الفترة من 1927م إلى 1938م. فعلى الرغم من أنها كانت المرَّة الاولى التي يتولى فيها موقعاً قيادياً، وأن البيئة الاجتماعيَّة للمدينة كانت غريبة عليه تماماً، ولا معرفة له بتركيبتها السكانيَّة، وغالبها من قبائل (البجة)، وأهمُّ فروعهم (الهدندوة الأرتيقا)، و(الأمرأر)، و(البشاريين)، و(البني عامر)، وهم قوم رعاة، وأهل عِزَّة ومِنعة وترحال دائم، ولهم لغتهم الخاصَّة، ومزاجهم الخاص، ونمط حياتهم التي تنفر من التعليم النظامي، ولا مكان فيها لطقس المدرسة التي تأخذ الأبناء بعيداً عن هموم الأسرة، وعلى الرغم من أن تجربة سلفه في ذلك الموقع، ولعلَّ تلك هي الناحية الأخطر، قد باءت، قبل وقت قريب، بفشل مُدوٍّ، إلا أن شيخ القدال شمَّر، مع ذلك كله، للتحدِّي الصعب، وتصدَّى للرهان العسير. فاتخذ منهجاً حكيماً يعتمد لا على قدراته الشخصيَّة، وإنما على استثمارها في استنفار طاقات الآخرين. وبما أن المدينة من أهمِّ مراكز (الختميَّة)، فقد بدأ بشق طريقه إلى زعامتها المطلقة، متمثلة في الشريفة مريم. ولم يجد صعوبة في ذلك وهو ابن (خليفة الخلفاء). وشرع، من ثمَّ، في تعلم اللغة المحليَّة، والاندماج في التقاليد القبليَّة، والاقتراب من زعماء البجة، والتعرُّف على رموزهم، وعلى القيادات الاجتماعيَّة والشخصيات ذات الوزن، فكوَّن منهم لجنة للمدرسة، مِمَّا يسَّر له إدارتها، والتعامل مع التلاميذ وأولياء الامور، والوقوف على طبيعة المشكلات التي تتسبَّب في نفورهم من التعليم. فكان أن شهدت تلك الفترة عدداً من المشروعات الواقعيَّة المبدعة التي أسهمت في تذليل تلك المشكلات للتلاميذ وأسرهم، بأقصى مرونة تقتضيها أوضاع المجتمع المحلي، وما تتسم به من فقر مدقع، كصندوق التبرعات الجماعيَّة الذي عُرف بـ (مال المليم)، إضافة إلى التبرُّعات الفرديَّة لزعماء القبائل وكبار التجار، والدخل الذي تدرُّه العروض السنويَّة لوحدة السينما التابعة لمصلحة المعارف، فضلاً عن دخل الانشطة التي يقوم بها التلاميذ بأنفسهم، كتقديم المسرحيات والالعاب في المواسم بمقابل رمزي للفرجة، وممارستهم الزراعة لمدَّة أربع ساعات يومياً في حقول خصِّصت لهذا الغرض، بحيث يعود دخل محصولها لدعم المدرسة، وما إلى ذلك. واتبعت لجنة شيخ القدال تلك أسلوباً فريداً في معالجة مشكلات المدرسة. فقد رفض كثير من التلاميذ، مثلاً، أداء الجمباز، كونه لا يتناسب وأعرافهم القبليَّة، فحُسم الأمر بالتصويت. وبما أن أغلبيَّة التلاميذ قد صوَّتوا ضد الجمباز، فقد ألغي وأحلت محله الالعاب المحليَّة. ويثمِّن محمد سعيد عالياً الافق الواسع لهذا المنهج في إدخال التلاميذ محيط القيم والممارسة الديموقراطية بسلاسة ويسر. وامتد تأثير تجربة مدرسة سنكات التي كسرت الحاجز القديم بين البجة والتعليم إلى مدرسة جبيت المجاورة، فتكونت لجنة مشتركة لهذا الغرض. ولم يقتصر خيال الشيخ القدال المبدع على تعليم أبناء تلك القبائل في المرحلة الأوليَّة فحسب، بل كان سبَّاقاً أيضاً إلى طرح فكرة (صندوق البجة) كمجهود خيري لدعم تعليم أبنائهم الذين يلتحقون بالمراحل الدراسيَّة العليا، حتى لا يقف المال عائقاً دون مواصلة تعليمهم.

    في سنكات تزوَّج الشيخ القدال، عام 1933م، زواجه الثالث الذي استقرَّ حتى وفاته، من زينب بنت عثمان مكي، فأنجب منها هناك فاطمة ومحمد سعيد، كما أنجب، في ما بعد، مريم ورجاء ومحمد الحسن وإحسان.

    وقد هيَّأ الشيخ القدال، بما أبرز من قدرات وما راكم من خبرات في تعليم أبناء البجة، لاختياره للعمل بحضرموت في جنوب شبه الجزيرة العربيَّة خلال الفترة من 1939 وحتى عودته متقاعداً عام 1957م، فاصطحب أسرته إلى هناك، وفيها طفله محمد سعيد، مُدشناً فصلاً ملحمياً آخر من مأثرته المحفوفة بالبذل والانجاز، حيث ما لبث أن أثبت جدارة أهَّلته لمنصب وزير المعارف ثم رئيس الوزراء في ذلك البلد الذي ما يزال أهله يحفظون عاطر ذكراه وطيب سيرته.

    الولدُ الحَضرَمِي..
    ----------------

    عند ولادته بسنكات اكتسب محمد سعيد اسماً ثانياً، هو هاشم، تيمُّناً بوالد الشريفة مريم. ولمَّا سافر مع والده إلى حضرموت عام 1939م كان طفلاً لم يتعدَّ الرابعة من العمر. وهناك ألحق، عام 1942م، بالمدرسة الأوليَّة التي أكملها عام 1946م، ودخل المدرسة الوسطى التي قضى فيها السنوات الثلاث الأولى، قبل أن يرسله والده إلى السودان للالتحاق بمدرسة أم درمان الأميريَّة الوسطى، والاقامة بمنزل خاله عمر ارباب بحي (أبروف). ويذكر صديق عمره صلاح الزبير أن لهجة محمد سعيد الحضرميَّة، أوان ذاك، كانت مثار تندُّرات زملائه وأصدقائه أولاد أم درمان في الحيِّ وفي المدرسة، على أنه كان يستقبلها بضحكات صافية، وروح طيِّب ودود، وبشاشة طفوليَّة غاية في العذوبة هي بعض طبعه الاصيل الذي لم يتغيَّر قيد أنملة، بل ظلَّ يكسبه المزيد من الصداقات الحميمة حتى آخر أيام حياته.

    أكمل (الولد الحضرمي) المرحلة الوسطى عام 1950م، والتحق بمدرسة حنتوب الثانويَّة حتى العام 1954م، حيث جلس لامتحان الشهادة السودانيَّة، وأحرز نتيجة ممتازة أهَّلته للالتحاق بكليَّة الآداب بجامعة الخرطوم التي تخرَّج فيها عام 1958م.

    المُعلم والمُؤرِّخ الماركسي...
    -------------------------

    فور تخرُّجه التحق محمد سعيد بوزارة المعارف لممارسة مهنة الشيخ القدال.. التدريس. فعمل مدَّة أربع سنوات معلماً لمادة التاريخ ببعض المدارس الثانويَّة، من بينها (الخرطوم الثانويَّة) و(أم درمان الأهليَّة الثانويَّة). واقترن، خلال تلك الفترة، بزوجته إلى وفاته فاطمة باعبود.
    وفي 1962م ابتعث للتحضير لدرجة الماجستير بجامعة فرنزو بولاية كليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكيَّة، فنالها عام 1964م عن الرسالة التي أعدَّها حول ديبوا W.E.B. Dubois، المفكر الافريقي ومؤسس حركة البان آفريكانيزم، ثمَّ قفل عائداً مع زوجته إلى السودان قبيل ثورة اكتوبر بعد أن رزقا في أمريكا بابنتهما الكبرى نازك.

    طبيعة البحث الذي أجراه محمد سعيد لإعداد رسالته تلك، أتاحت له أن يتعمق في دراسة الكثير من مصادر الماركسيَّة كفلسفة تجمع عضوياً بين الماديَّة التي تشمل قوانين التطوُّر الاجتماعي، وبين المذهب الديالكتيكي العلمي في التطوُّر، وتتحدَّد مكانتها في نسق المعرفة العلميَّة بتعميمها لنتائج العلوم كافة، من ناحية، وتزويدها إياها بمنهجيَّة متماسكة لدراسة الظواهر، من الناحية الاخرى، فتصبح، بهذه الكيفيَّة، وبعكس كلِّ الفلسفات السابقة عليها، أداة لتغيير العالم، لا مجرَّد تفسيره أو فهمه.

    ورويداً رويداً ترسَّخت الماركسيَّة، كنظريَّة في حقل العلوم الاجتماعيَّة، في عقل ووجدان المعلم والمؤرِّخ الناشئ، وقتها، مِمَّا جعله يبادر، فور عودته، إلى مفاتحة صديقيه محمد نور السيِّد وأبو زيد محمد صالح حول رغبته في الانضمام لعضويَّة الحزب الشيوعي. فقدَّمه نور إلى صديقه عبد الخالق الذي داعبه معلقاً على تلك الرغبة وهو يطلق ضحكة عالية:
    ـ "دي أول مرة يجينا مثقف راجع من امريكا وعايز ينضم للحزب"!
    وعلى الرغم من كثرة ما جرى من حوارات ومحادثات بين الرجلين عبر السنوات التالية، إلا أن الحوار العميق الذي دار بينهما في ذلك اللقاء الأوَّل بالذات، وما اكتسى من طلاقة وتفاؤل، وثورة أكتوبر تدقُّ، حينها، بقوَّة على الابواب، ظلَّ راسخاً، بأدق تفاصيله، في ذاكرة محمد سعيد حتى آخر العمر. وبالنتيجة لم يلتحق بالحزب فحسب، بل نشأت بينه وبين عبد الخالق، في المستويين الفكري والانساني، صداقة شخصيَّة توطدَت مع كرِّ الأيام وتواتر الحادثات، من تلك الساعة حتى إعدام الشهيد عام 1971م. وكم كان ماساً بشغاف القلوب أن تذكرنا كلمة التحالف الديموقراطي بأمريكا في نعيها لمحمد سعيد، قبل أيام، بما كان قد قال هو نفسه في وصف محاولة تغييب عبد الخالق وإبعاده عن ساحات النشاط الثوري في الوطن على أيام انقلاب (مايو) الاولى، مستعيناً ببيت الشعر البديع الذي تقوم جماليَّته على المزج البليغ بين دياليكتيك الصورة واللغة: "لن يَسُوقوا البَحرَ للمَنفَى وقاعُ المَوج فينا"! ويا طالما افتتن بالاعلاء اللغوي، في الشعر والنثر، وشغف.

    لم يتعلق محمد سعيد بالدياليكتيك ذهنياً فقط، بل لقد كانت رحلته المعرفيَّة والفكريَّة والسياسيَّة نفسها تجسيداً حياً لأهمِّ قوانينه، حيث قطعت شخصيَّته مع التنشئة (الختميَّة) المحافظة من جهة، واحتفظت، من جهة أخرى، بإرث الخليفة سعيد والشيخ القدَّال في التوادد والتراحم، وحبِّ التعلم والتعليم، وتعميق الصلات الاجتماعيَّة وتوسيعها، والاستغراق في الكدح الشريف وإتقانه خدمة للناس، كما أضافت، من جهة ثالثة، حسَّ التمرُّد على القديم ورفض الاستكانة للافكار والاوضاع البالية حتى لو اقتضى الامر التضحية بلين العيش، ودعة الاستقرار العائلي، بل وبالحياة ذاتها. وكان ذلك كله مِمَّا انعكس في اختياره الانتماء لهذا الحزب الصغير عن يقين واقتناع تامَّين، ومن ثمَّ في مجمل مسيرته النضاليَّة والاكاديميَّة والثقافيَّة العامرة بالبذل، رغم كلِّ الصعاب المحيطة، دونما أوهى بارقة انتظار لحمدٍّ، والمحفوفة بالعطاء، حتف أنف المخاطر المحدقة، دونما أدنى توقع لمنٍّ أو سلوى.

    هكذا انطلق محمد سعيد، منذ ذلك الوقت، يفجِّر طاقاته الابداعيَّة داخل الحزب بالعمل في حلقاته الدنيا والعليا، من فروع العمل والسكن إلى المكاتب والهيئات المركزيَّة في شتى مجالات التأمين والدراسات الاسلامية ولجنة البرنامج التي ظلَّ ينفذ تكليفاتها، برغم الداء العُضال، حتى آخر رمق في حياته، وغيرها. كما انطلق، في ذات الوقت، يبذل جهده الخلاق في مختلف الحقول الاكاديميَّة والفكريَّة والثقافيَّة والنقابيَّة، سواء من خلال تدريسه لمادَّة التاريخ بمعهد المعلمين العالي (1964 ـ 1973م)، وكليَّة الآداب بجامعة الخرطوم (1981 ـ 1992م) وكليَّة الآداب بجامعة عدن (1993 ـ 2000م)، أو من خلال نشاطه في رابطة المعلمين الاشتراكيين، ونقابة الاساتذة، واتحاد الكتاب الذي انتخب نائباً لرئيسه من 1986 إلى 1989م، أو ما إلى ذلك من منصَّات العمل العام.

    وفي عام 1968م عاود محمد سعيد إجراء منهجه المادي التاريخي مجدَّداً على الرسالة التي تقدَّم بها إلى جامعة الخرطوم لنيل درجة الماجستير للمرَّة الثانية، بعنوان (منطقة القضارف والقلابات في عهد الدولة المهديَّة)، تحت إشراف د. عباس ابراهيم، وقد صدرت الرسالة، لاحقاً، في كتاب بعنوان (المهديَّة والحبشة) عام 1973م، ثم أردفه بإصدار كتابه (الإمام المهدي: لوحة لثائر سوداني) عام 1976م. وكان قد أصدر قبل ذلك، وضمن هذا السياق أيضاً، تحقيقه بالاشتراك لكتاب (الحرب الحبشيَّة السودانيَّة) عام 1972م. والواقع أنه، ومنذ أن أصدر في مايو 1971م كتيِّبه القيِّم الموسوم بـ (التعليم في مرحلة الثورة الوطنيَّة الديموقراطيَّة)، ضمن سلسلة (كتابات سودانيَّة) بإشراف عبد الله علي ابراهيم، لم تنقطع إسهاماته الفكريَّة طوال السنوات التالية، ما عدا الفترة من 1978 إلى 1981م، وهي الفترة التي انهمك خلالها في إعداد رسالته لنيل درجة الدكتوراة من جامعة الخرطوم، بعنوان (السياسة الاقتصادية للدولة المهدية)، تحت إشراف صديقه البروفيسير يوسف فضل حسن، وقد صدرت في كتاب بنفس العنوان عام 1987م. وبعد نيله درجة الدكتوراة عام 1981م استأنف رفد المكتبة السودانيَّة بنتائج بحوثه ودراساته الباهرة في التاريخ وغيره. فأصدر (الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو) عام 1985م، و(الإسلام والسياسة في السودان: 621 ـ 1985م) عام 1992م، و(الانتماء والاغتراب: دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث) عام 1992م، ثمَّ أصدر سفره الذي يكاد المختصُّون يجمعون على قيمته الرفيعة (تاريخ السودان الحديث: 1820 ـ 1956م) عام 1992م، كما أصدر (الشيخ القدال باشا: مُعلم سوداني في حضرموت: ومضات من سيرته: 1903 ـ 1975م) عام 1997م، وكوبر: ذكريات معتقل سياسي في سجون السودان) عام 1997م، و(السلطان علي بن صلاح القعيطي: نصف قرن من الصراع السياسي في حضرموت) بالاشتراك مع علي بن صلاح القعيطي عام 1998م. و(معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني: 1946 ـ 1975م ( عام 1999م، و(المرشد إلى تاريخ أوربا الحديث: من عصر النهضة إلى الحرب العالميَّة الثانية) عام 2000م، و(الدليل إلى كتابة الأبحاث الجامعيَّة) بالاشتراك مع د. صالح علي باصرة عام 2000، و(الشيخ مصطفى الأمين: رحلة عمر من الغبشة إلى هامبورج) بالاشتراك مع د. عاطف عبد الرحمن صغيرون عام 2003م. كما صدرت له العديد من التراجم عن الإنجليزيَّة، منها: (حضرموت: إزاحة النقاب عن بعض غموضها) عام 1997م، و(رحلة في جنوب شبه الجزيرة العربيَّة) عام 1998م، و(القات) عام 1999م، و(تاريخ الطريقة الختميَّة في السودان) عام 2003م. وما يزال قيد النشر عدد من مؤلفاته التي ظلَّ عاكفاً عليها حتى أيامه الاخيرة، وأهمُّها: (الإنفاق في سياق النصِّ القرآني)، و(خواطر تاريخيَّة حول أزمة الديموقراطيَّة).

    السجين الحُر..
    --------------

    وطن محمد سعيد نفسه، منذ البداية، على التهيُّؤ لكلِّ احتمالات المخاطر التي يمكن أن تجلبها إليه خياراته الفكريَّة والسياسيَّة الجريئة. ومع ذلك، عندما جاءت تلك المخاطر تترى تباعاً، وتتكالب عليه من كلِّ حدب وصوب، لم يدَّع الراحل في مواجهتها فولاذيَّة أسطوريَّة تعصمه من دفق المشاعر الانسانيَّة الطبيعيَّة التلقائي، كالغضب والقلق والخوف والحزن، فليس ثمَّة مَن قـُدَّ من صوَّان أصَم حتى لا يغضب أو يقلق أو يخاف أو يحزن! وقد تعرَّض هو للكثير من هذه الحالات التي تقتضي ثمناً غالياً للمواقف المبدئيَّة الصارمة، لكنه سدَّده بالكامل، وعلى الفور دائماً، خصماً من حساب صحَّته وطموحاته واستقراره الأسري وحبه للحياة الطليقة، ولطالما أجبر ساقيه على صلابة الثبات رغم اهتزاز الأرض تحتهما، دون أدنى هاجس تراجع أو وسواس مساومة.

    فصل من العمل، تعسُّفيَّاً، ثلاث مرَّات، في 1971، 1981، 1992م. فما تقاعس عن خلق بدائل لرزق عياله، تارة بالتدريس في الجامعة بنظام بعض الوقت، وتارة بإنشاء مكتبة (دار المعارف) بالاشتراك مع صديقه أبو زيد محمد صالح الذي تعرَّض أيضاً لذات الظروف، وتارة ثالثة بالتعاقد مع جامعة عدن للعمل بها أستاذاً لمادة التاريخ خلال الفترة ما بين 1993 ـ 2000م، والتي انتهت بجهود مقدَّرة بذلها البروفيسير يوسف فضل لإعادته إلى جامعة الخرطوم التي لم تتكرَّم عليه بدرجة الاستاذيَّة إلا قبل أقلِّ من عام واحد من رحيله الفاجع!
    واعتقل إداريَّا ستَّ مرَّات، زاملته منهنَّ في اعتقال عام 1979م بسجن كوبر، واعتقال عام 1989 بين كوبر وسواكن وبورتسودان. وألفيته في غيهب السجن إنساناً بكلِّ ما تحمل الكلمة من معاني اللين والرِّفق والحنان الشفيفة، لكنه كان، حين يحزب الامر وتدلهمُّ الخطوب، إنساناً نبيلاً باسلاً في صموده، كأنبل ما يكون النبل، وأرفع ما تكون قيم الصمود والبسالة. يشهد بذلك، من بعد الله، كلُّ من زاملوه في مواقع العمل، ورأوا، بأم أعينهم، حيف الشموليَّات يطاله، وهو لا يتراخى، مقدار قلامة ظفر، في مناجزتها، أو داخل المعتقلات وعتمة زنازينها الموحشة، وهو يعبِّئ لياليها علماً نافعاً، وسلواناً مجيداً، وضحكات تصكُّ عذوبتها حجارة الجدران الشوهاء فتكاد تفتتها ذرَّة.. ذرَّة، وكيف كان، بالجملة، أكثر حريَّة من سجَّانيه!
    كان كثير التأسي بتجربة المناضل والمفكر الشيوعي أنطوان غرامشي في الصمود داخل سجون إيطاليا وهو مشلول الساقين، ويعتبر كتابه (دفاتر السجن) من أعمق ما كتب في الأدب الماركسي. وكان يتأسَّى كذلك بما رواه له عبد الخالق محجوب والتجاني الطيب، عن كيف قاوم كلُّ منهما سأم البقاء في زنزانة مع الحرمان من القراءة والكتابة، فلجأ الاول للاستغراق في تأليف القصص بطريق التذكر فقرة فقرة حتى إذا اكتملت قصة انتقل إلى غيرها، كما لجأ الثاني للاستغراق في تذكر أبناء دفعته من المدرسة الأوليَّة واحداً فواحد! وإلى ذلك كان محمد سعيد يتأسَّى أيضاً بتجربة نلسون مانديلا التي كثيراً ما كانت تذكره برواية (بابلون) عن سجين في زنزانة في جزيرة نائية في المحيط، يقضي وقته يتآلف مع الصراصير ويحاورها، وعندما عضَّه الجوع.. التهمها! ولما كانت تجارب اعتقال محمد سعيد كلها أخف من ذلك بما لايُقاس، فقد كان يستعين على ملل السجن وسأمه بالقراءة والتأليف، فضلاً عن الاندماج في حياة المعتقل وجدول تنظيم الوقت الذي ابتدعه المعتقلون تاريخياً للاستفادة، بأقصى المتاح، من وجودهم في مثل تلك الظروف الاستثنائيَّة، وهم لا يعلمون متى تنتهي. وقد وضع مسودات أغلب كتبه في المعتقلات. وكان يذكر زملاءه المعتقلين دائماً بأن غاية غرض الجلاد أن يحطم معنوياتهم بكثرة الاستغراق في توقع إطلاق السراح، فينبغي أن يكون أول ما يقاومون به تلك الخطة الشيطانيَّة هو نسيان هذا الأمر، والانصراف إلى تنظيم الوقت بأقصى الامكان.
    ......................................
    ......................................
    والآن، ها هو محمد سعيد قد بات، اللهمَّ، في رحابك، فأنَّى لنا أن نزكيه لديك، وهو عبدك الذي ما هان إلا عليك، لكنا نسألك أن تكرم مثواه، ياربُّ، بقدر ما كان نفعه لطلابه علماً، وللناس أجمعين عملاً، وبقدر ما بذل من زكيِّ الفؤاد، وطيِّب العُشرة، وعاطر السيرة، ونقيِّ السريرة، وبقدر ما شرح منظره، وأبهج مخبره، وراق منظره، وآنس محضره، يا ربُّ، وأن توسِّع في مثابه، وتمهِّد لنزله في مراقد المقرَّبين إليك، المرضي عنهم منك، وأن تغفر، اللهمَّ، له، وتعفُ عنه، وتشمله برحمتك، يا واسع المغفرة والعفو والرحمة، وأن تجعل البركة في فاطمة وذريَّته منها، نازك وناظم وأمينة وأماني ومنى وندى وجوليا، وفي عموم أهله وأصدقائه وعارفي فضله وبنات وأبناء وطنه، وأن تدخله فسيح جناتك، اللهمَّ، فى زمرة الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، أن تلهمنا من بعده جميل الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
    ك. الجزولي
    يناير 2008
    ................

    .المصادر:
    -----------

    (1) مصطفى أبو شرف؛ كلمة عن الشيخ القدَّال بمجلة المعلم، 2/3/1991م.
    (2) محمد سعيد القدَّال؛ الشيخ القدال باشا معلم سوداني في حضرموت ـ ومضات من سيرته (1903 ـ 1975م)، ط 1، جامعة عدن وجامعة بيرقن، عدن 1997م.
    (3) محمد سعيد القدَّال؛ تاريخ السودان الحديث، 1820 ـ 1955م، ط 1، 1992م.
    (4) محمد سعيد القدَّال؛ الانتماء والاغتراب: دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث، ط 1، دار الجيل، بيروت 1992م.
    (5) محمد سعيد القدَّال؛ ذكريات معتقل في سجون السودان، ط 1، الشركة العالميَّة للطباعة والنشر، الخرطوم 1998م.
    (6) مؤانسات شخصيَّة مع الراحل داخل وخارج المعتقلات، ومؤانسات بحلو سيرته، في مناسبات مختلفة، مع عدد من اصفيائه وأفراد أسرته.


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de