أخطر وثيقة أمنية ضد معاوية محمد نور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 02:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-08-2008, 07:26 AM

أبوتقى

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 289

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أخطر وثيقة أمنية ضد معاوية محمد نور

    أخطر وثيقة أمنية كتبت عن معاوية محمد نور كيف تآمر الإستخباري إدوارد عطية على تلميذه النابغة ؟! (1-6)
    عرض وتقديم : محمد وقيع الله
    " هذا الجهد التحليلي مهدى إلى الزعيم الوطني الكبير السيد بابكر عوض الله .. أعظم شاهد على تاريخ السودان الحديث ".
    في هذا النص الذي

    نقدمه اليوم للقراء يبدو الأستاذ إدوارد عطية وكأنه غير الشخص الذي كتب النص السابق عن تلميذه معاوية محمد نور وكرسه للإشادة بعبقريته العظيمة ،وأفاض في الحديث عن صداقته له وثقته فيه. هنا يتحدث إدوارد عطية بلسان مختلف عن تلميذه معاوية رحمه الله.
    ولاغرو، فهو لا يتحدث عنه في كتاب أدبي راقٍ كما كان الشأن في النص الذي نشرناه قبل عامين، وإنما في تقرير أمني سرِّ ي بعث به إلى مكتب السكرتير الإداري لحكومة السودان وتقرر على ضوئه بحث و تحديد ملامح المصير الماسأوي لمعاوية محمد نور .
    كتب هذا النص في عام 1933 عندما تولى المدعو إدوارد عطية رئاسة قلم الاستخبارات بالسودان ، خلفاً لعمه المدعو صمويل عطية ، الذي كان قد هلك حين ذاك . ومع أن هذا التقرير قد وضع خصيصاً لتقويم وضع معاوية محمد نور، والتوصية بشأن توظيفه في الخدمة المدينة ، إلا أن إدوارد عطية أراد أن يعالج المسألة في إطار أوسع ، يتناول أوضاع مجموعات ثلاث من الطلبة السودانيين .
    المجوعة الأولى: هي التي أتمت تعليمها وبعثت بها الحكومة ، من ثم ، لتلحق بالجامعة الأمريكية ببيروت ، ومن أولئك الأساتذة : إسماعيل الأزهري ، وعوض ساتي ، وعبيدعبدالنور . والمجموعة الثانية : هي التي رفضت إكمال دراستها بكلية غردون ، وهاجرت إلى مصر . ومن هؤلاء الأساتذة توفيق أحمد البكرى ، والدرديرى إسماعيل ، وبشير محمد خير. وأما أفراد المجموعة الثالثة : فهم أولئك الذين خرجوا إلى الدراسة على نفقتهم الخاصة ومنهم معاوية محمد نور ، وعبدا لله عشري صديق، وفؤاد القباني .
    ضد التعليم الحر:
    وقد شرح إدوارد عطية في هذا التقريرالأمني ظروف أفراد المجموعتين، الأولى، والثانية ، ولم ير أي خطر يتهدد الحكومة المستعمرة من قبلهم، وفرغ عندئذ لأفراد المجموعة الثالثة، بتركيز خاص على شأن معاوية محمد نور .
    و بدا أن مصدر تخوف عطية من هؤلاء هو أن نوع التعليم الذي أخذوا يتلقونه في الخارج، و هو تعليم لم يكن باختيار ولا إشراف ولا توجيه السلطة الاستعمارية. ولذلك وافق رئيس قلم الاستخبارات بشكل عام على توصية كان قد تقدم بها في عام 1928 ناظر كلية غردون دعت إلى حرمان هؤلاء الطلاب من جميع الوظائف الحكومية في المستقبل ، ومطاردتهم حتى خارج حيز الوظائف الحكومية الضيق، وابتزازهم ما أمكن بطلب تسديد ما صرفته الحكومة الاستعمارية على تعليمهم في السودان .
    ولكن يراجع إدوارد عطية هذا الرأي بتحفظ فيقول عن منع الطلاب الذين يكملون دراسة الطب أو القانون على نفقتهم الخاصة من ممارسة تلك المهنة خارج النطاق الحكومي، إن مطالبتهم بتسديد نفقات ما صرفته الحكومة الاستعمارية عليهم، ينبغي أن يكون مقصوداً به تهديد غيرهم من الهروب للدراسة بالخارج، لا معاقبة الذين هربوا بالفعل!
    ويبدو أن مسألة هروب الطلاب السودانيين إلى الخارج كانت تؤرق بال إدوارد عطية وتثير هواجسه باعتبارها مسألة أمنية في المقام الأول. ويزيد من خطرها أن يكون الهروب إلى مصر التي كانت الحكومة الإنجليزية تعمل على استبعادها تماماً من السودان وقطعها عنه على إثر ثورة 1924م. ولذلك ثارت الضجة الكبرى على السابقة التي أسستها هجرة الطالب توفيق احمد البكري إلى مصر. حتى أصبحت حادثة بارزة في تاريخ السودان الحديث تحدث عنها حسن نجيلة وغيره من كبار الكتاب.
    وأغلب الظن أن إدوارد عطية بقدراته التحليلية الكبيرة وحسِّه الأمني المرهف كان وراء تضخيم تلك الحادثة، و إعطائها حجماً لا تستحقه. وفي تقديره لمستقبل الظاهرة على مدى بعيد يبدو إدوارد عطية متفائلاً نوعاً ما، حيث ظن أن العقوبات التي تستهدف المهاجرين يمكن أن ترهب الطلاب السودانيين من التفكير الجدي في اتباع خطة المهاجرين السالفين . كما تفاءل بحالة الفقر والضنك الشديد التي ضربت السودانيين جميعاً على إثر سنوات الكساد العالمي في أوائل الثلاثينات، ورأى أنها ستمنعهم من تحمل نفقات أبنائهم الذين يغادرون للدراسة في مصر أوفي بيروت.
    روح جمال الدين الأفغاني:
    وإذا عرفنا سبب التخوف من السفر إلى بيروت (وهي مواطن آل عطية!) لازداد عجبنا، و هو سبب، يفصح عنه التقرير استقاء ً من تقرير أقدم ، أعده في عام 1920 المدعو صمويل عطية، يحذر فيه من الأجواء الفكرية والسياسية ببيروت. تلك الأجواء التي كان قد حلَّ سوحها قبل قليل باعث الفكرة الإسلامية ، السيد جمال الدين الأفغاني حيث خلّف ببيروت ونواحيها رجالاَ عرفوا بنضالاتهم القومية الإسلامية الدؤوبة، وعلى رأسهم الإمام محمد رشيد رضا القلموني، والشيخ الأثري طاهر الجزائري، والفقيه اللغوي عبد القادر المغربي، والعلامة الموسوعي محمد كرد علي، والمؤرخ محمد جميل بيه ، والداعية الوحدوي شكيب أرسلان وغيرهم من أئمة الإسلام وشيوخ العروبة العظام .
    ويقول صمويل عطية في تحذيره من ذاك الخطر:" إن ذلك ينفي عدم التقليل من أهمية الشعور الذي يتيقظ بين الشباب المحمدي في العالم العربي في الشرق الأوسط. إن بيروت هي مركز الاتصال لجميع هذه الجنسيات، لاسيما وأنه في يوم من الأيام سيظهر من هذا الجيل الذي يتلقى العلم الآن عدد من السياسيين والحكام في الشرق الأوسط، يشتركون في الاعتقاد القائل أن الإسلام يعانى اضطهاداً من المسيحية الغربية "!
    وبهذا يبدو أن تفكير الاستخباريين من آل عطية كان محّدقاً في الأفق البعيد، يستشرف صحوة المسلمين، ويخشى منها على مصالح المستعمرين الغربين وأعوانهم من الأذناب المحليين .
    ولئن قامت جامعة بيروت الأمريكية من بعد بجدارة تامة بإجهاض هذا النهج الزعامي الإسلامي العربي الذي كان يحذره آل عطية وأسيادهم المستعمرون، وذلك بإخراجها لأجيال الزعماء القوميين العرب العلمانيين اليساريين المناوئين للإسلام بأشد مما كان يناوئه المستعمرون الأوربيون النصارى، إلا أن لتحذيرات وتوصيات قلم الاستخبارات السودانية في ذلك الحين ما يبررها أتم التبرير، إذ لم يكن بد من اتخاذ حلول وقتية، ذات طابع أمنى إجرائي، لمكافحة الظاهرة، وذلك ريثما يكتمل إنضاج الحل الأمثل بإعادة صياغة ذلك الجيل بعيداعن الإسلام، حتى ولو تطلب الأمر أن تتم تلك الصياغة في أحضان اليسار الماركسي. وذلك ما يفسر لماذا ظلت جامعة بيروت الأمريكية لنصف قرن من الزمان وكراً ترعرعت فيه كافة أطياف اليسار العربي.
    ويبدو حذر إدوارد عطية البالغ في قوله عن خطر تعرض الطلاب السودانيين ولو لنفحة واحدة من نفحات السيد جمال الدين الأفغاني، أو توجيه من توجيهاته في سبيل الوحدة الإسلامية : " وليس من الضروري أن يعود طلبتنا وقد أصيبوا بهذا الاتجاه، ولكونهم يكونون على الأقل قد تعرضوا للإصابة به ". وهكذا فمجرد التعرض للإصابة بالإسلام النهضوي الثوري يصبح خطراً على سلطة الاستعمار الغربي، ولذلك ينبغي أن يحظر على الطلاب السودانيين أن يطلبوا العلم في بيروت، حتى ولو لم يكن لهم اهتمام حقيقي بالعمل السياسي كما في حالة معاوية محمد نور .
    ومن غرائب ما جرى أن الاستعمار الإنجليزي وسدنته من آل عطية وغيرهم قد أُتوا من حيث لم يحتسبوا، حيث برز لهم الثائر السوداني الأعظم السيد إسماعيل الأزهري من بين ثنايا الثلة القليلة التي أمِنوها وأرسلوها إلى بيروت، فعاد إليهم من هناك بروح جمال الدين الأفغاني، ودهائه السياسي المذهل، وزاد عليه بقدراته الضخمة في الأداء السياسي الصبور المثابر، حتى أنجز للأمة السودانية مهام ومتطلبات الاستقلال، وفي تعليقه على هذه المفارقة التاريخية قال الأستاذ حسن نجيلة في كتابه( ملامح من المجتمع السوداني): " تأمل ... كان الانجليز يخشون طلب العلم في القاهرة حتى لا تُعدي فتيةَ السودان ثورةُ مصر، وحسبوا أن في بيروت النجاة، فسمحوا لنا بأن نحتفي ببعثاتنا إلى جامعتها بعد أن تولوا الاختيار وحدهم، ونسوا أن السودانيين تنتظمهم كلهم عقيدة واحدة، فما كاد يجد الجد وتحين ساعة الخلاص حتى واجهوهم بقوة وصلابة، ولم يكن أبناء بيروت بأقل قدراً في الكفاح من أبناء القاهرة، ولا أقل منهما من لم يذهب إلى بيروت أو القاهرة. وحسبك أن تعلم أن من أبناء بيروت السيد اسماعيل الأزهري ".!!
    وكان قلق قلم الاستخبارات قد بلغ حداً بعيداً بسبب هذا الرهط الكريم الذي شق طريقه إلى بيروت ليدرس على حسابه الخاص ولذلك طلب من الحكومة أن تعمل كل ما في وسعها لعرقلة عودة هؤلاء إلى السودان بعد إكمالهم لدراستهم ونيلهم لشهاداتهم وإغرائهم بالبقاء في الخارج حيث يبقى أثرهم منحصراً هناك.
    أما إن شقوا عصا الطاعة مرة ثانية، وتجاسروا فعادوا إلى بلادهم، فإن إدوارد عطية يُعلم حكومته بأن قلم الاستخبارات له القدرات الكافية لكي يقوم بإرهابهم، وتأديبهم ، وإلزامهم لحدودهم. ولم يشرح كيف سيفعل ذلك ولكن من المفهوم أن سلطات وصلاحيات قلم الاستخبارات واسعة في هذا المجال وبإمكانه أن يفعل بهؤلاء الفتية ما يشاء !
    التوصية (ببهدلة) معاوية:
    واتساقا مع كل ما مضى نصح إدوارد عطية تلميذه معاوية لكي يبحث لنفسه عن عمل بمصر. وأن يسوِّق شهادته الجامعية في أسواق الفكر والأدب المزدهرة هنالك، فعسى أن يجد صحيفة او مجلة مصرية ترضى بان تمنحه وظيفة ثابتة في التحرير أو الترجمة أو التصحيح وذلك لأن رجوعه إلى السودان سيخلق للحكومة مشكلة لا تحل .
    أما إذا أصر معاوية على العودة فإن إدوارد عطية لا يرى مانعاً من (بهدلته) بطريقة ظريفة، وذلك حتى يدركه اليأس من الحصول على وظيفة أياً كانت بالسودان، ومن ثم يقفل راجعاً إلى مصر، ولكن من غير أن يستصحب معه نقمة أو سخطاً على حكومة الاستعمار التي خططت لحرمانه من تلك الوظيفة التي يستحقها بحكم مواطنته ونيله لشهادة عليا من جامعة امريكية. ويعلق إدوارد عطية تعليقاً سلبياً على مذكرة أعدها بتاريخ 12/1/1932م الأستاذ د . س. وليم ناظر كلية غردون عن موضوع معاوية عن نبوغه وسعة إطلاعه ، وأوصى بألا يستكثر عليه أن يوضع موضع التجربة. أي أن يعطى فرصة في التعين في وظائف الحكومة ، ويراقَب أداؤه بعد ذلك. لاسيما وأن التقارير التي جاءت عن سلوكه ببيروت لم تكن سيئة .
    هذا الكلام الموضوعي المحايد من (الخواجة) الأصلي، لم يعجب هذا العربي (المتأورب) إدوارد عطية، فتغاضى عن الحديث عن نبوغ معاوية مما اعترف به الخواجة الأصلي ناظر غردون، ومما كان عطية قد اعترف به في نصه المنشور على الملأ، وعاد في هذه الوثيقة الأمنية التحريضية ليذكر انه يوافق على أن معاوية محمد نور مشكلة، ولكنه يشك في أن الجميع إنما يبالغون فقط في الاهتمام بضرورة حلها، فهي ليست مشكلة مهمة ولا مستعصية وأنها يمكن أن تحل عبر الزمن تلقائياً، بمعنى أنه يجب إهمالها حتى ييأس صاحبها. ومؤدى هذا أنه ما من بأس ( بمرمطة) معاوية النابغة ولا يكفي أن يشفع له ذكاؤه ولا علمه الفياض، فإن الجميع كما تقول التقارير- يقول عطية- لايرونه ذا نفع كمدرس بكلية غردون، كما أنه لاينفع كموظف بقلم الاستخبارات.
    و تلكم هي الوظائف التي تحتاج إلى ذكاء وعلم في نظر عطية، أما ما دونها من الوظائف الكتابية التي تسير على وتيرة واحده فإن من المؤكد أن معاوية لن يقبل بها ولن يبدي فيها أي نجاح يذكر. ويقول عطية بهذا الصدد متسائلاً : " خبرني هل تنصح شاباً إنجليزيا مثل معاوية في الذكاء بأن يقبل عملاً في البريد ؟ ! إنك لايمكن أن تفكر حتى في مثل هذه النصيحة. فإن مثل هذا العمل سيكون تماماً تكراراً لما قمنا به من محاولة إجبار على تعلم الطب " ! وهذا كلام حق وإن أريد به الباطل الصراح، فالعقل الذي رفض الرضوخ لمهنة الطب لا يمكن أن يرضخ للمتطلبات الإدارية الصغيرة الغثة كما كان يقول عن حالته الخاصة مع العمل الإداري عظيم عظماء الفكر الأستاذ عباس محمود العقاد !
    ومما يعجب له ذو اللب أن صاحب هذا التقرير، المدعو إدوارد عطية ، قد اخذ يناقض نفسه بنفسه بعد هنيهة ، فإذ يستبعد أن يقبل معاوية لنفسه مهنة نمطية صغيرة، يعود فيوصى بان يعمل معاوية مصححاً لتجارب الصحف اليومية، ويزعم :" أن معاوية لن يموت جوعاً ، ومن المؤكد أنه يستطيع أن يعمل كمصحح بمرتب ثلاثة جنيهات في شهر كزكي عبد السيد!". فهذا أقصى ما يجده، وما يجود به إدوارد عطية، على ذي العبقرية وصاحب الشهادة العالية معاوية أن يؤول أمره إلى مهنة نمطية لا تتطلب اكثر من معرفة القواعد والأساليب اللغوية. ولكن ربما كانت تلك التوصية مندرجة في سياق عملية (البهدلة و المرمطة) المقصودة، حتى ييأس معاوية ويشدَّ رحاله إلى جنوب الوادي .
    وإذا فعل معاوية ذلك فإن لإدوارد عطية تدبيراً لاحقاً إذ يقترح استدراجه وتوظيفه بعد ذلك مع قلم الاستخبارات ـ ولكن من بعيد - ليقوم بتلخيص ما يدور في الصحف والمجلات المصرية عن السودان وإفادة قلم الاستخبارات به. ولكن هيهات أن يقبل ضمير نقي مثل معاوية بعمل مثل ذلك ، وهيهات أن يستغفل معاوية أو يستغل فيؤدي ـ من حيث لا يدرى ، أو من حيث درى ـ خدمة جُلىَّ مثل تلك لقوى الاستعمار الجاثم على صدر البلاد !.



    تفسير الموقفين:
    لقد ذكر إدوارد عطية في كتاب سيرته الذاتية الذي تعرضنا له سابقاً أنه عاش صدر حياته بولاء مطلق للإمبراطورية البريطانية، وأنه بذل جهوده وما ضن بها في خدمة أهدافها الكبرى. ومن هذا المنحى يمكن تفسير موقفه التنكري المتآمر على تلميذه معاوية . ولكن ثمة بعد آخر عنصري كريه شاب موقف عطية وزاده شيْناً وبشاعة، وهو رأي عطية السيئ في عموم السودانيين من ناحية العقل. ففي معرض رده على دراسة لمعاوية ذكر فيها أن الإنجليز لا يريدون انتشار التعليم العالي في السودان، زعم عطية :" أن السودانيين لازالوا غير قادرين على هضم التعليم العالي ". وساق تلك المقولة وكأنها نظرية علمية مؤكدة، أو بديهة لا يمارى في صحتها الطبعية الأولى .
    وهكذا فكما أن النوازع العنصرية جميعا تنزع نحو القطع ، ولا تعرف أصول المنطق، فإن زعم عطية الكبير هذا لا يستند على أَثارةٍ من دليل ، أو قرينة يستنار بها، و لا حتى على شبهة زائفة منتحلة تحلىِّ القول. ولم يكلف صاحبنا نفسه مؤونة إقناع الناس بما يقول، ولا مواجهة الأدلة القوية التي تنهض لدحض قوله الزائف، وفي مقدمتها تجربة معاوية محمد نورالدراسية الباهرة ، وتجارب زملائه الذين أكملوا تعليمهم العالي بنجاح بالقاهرة وبيروت. وهي نفس التهمة التي كان يواجه بها سود أمريكا في ذلك العصر وتتخذ ذريعة لحرمانهم من التعليم بزعم أن الاهتمام بتعليم أمثالهم إهدار للموارد وتبديد لها في غير محلها، فما خلق أمثال هؤلاء للتعليم ولا يخلق بهم ولا يحلقون به، وإن برز منهم عبقري كـ (دوبوا) فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة لا غير.
    وليس بعيداً عن منطق عطية العنصري هذا، ما كان أبداه سلفه غير الصالح الأب لويس شيخو، الذي ألف كتاباً كبيراً من جزأين عن تاريخ الأدب العربي نَفَح َ فيه السودان بسطرين اثنين، ولم يكملهما، وكان مما قال فيهما : " أما السودان فلا تكاد تفيد شيئاً في الآداب العربية ، لقلة عناية أهلها بالعقل " فهذا المؤلف لم يكلف نفسه شيئاً لبحث الموضوع، واكتفى بسوق التهمة الجاهزة مسوغاً بها عجزه، وهي الزعم بضعف عقول أهل السُّودان !
    إن التقرير المطول الذي أعده عطية، وكذلك التقارير المرفقة معه، قد شهدت لمعاوية بالنبوغ العقلي العظيم الذي لا نظير له، ولكن تكاد تحس منها غيرة المثقفين الإنجليز من سمو عقلية معاوية، خاصة حينما اصطفاه الكاتب العالمي أندرية موروا وحاوره حواراً أدبياً عقلياً ندياً رفيعاً، وقد نشر ذلك الحوار في مجلة (الهلال) بتاريخ ابريل 1932. أي عندما كان معاوية في الثالثة والعشرين من العمر! وفي التقاريرالأمنية التي أعدت عن معاوية لاترى أدنى تقديرعملي لعبقريته ، بل لا ترى إلا محض المكر والتآمر عليها لمحاصرتها وطمرها بالتراب .
    ترى لو كان معاوية بنبوغه ذاك نصرانياً لبنانياً ، أما كان وجد الرعاية التامة من الإنجليز تماماً كما ألفاها آل عطية وغيرهم ممن انحدروا من عرقهم وديانتهم ؟! و ترى لو كان معاوية ممن يداهن أو يساوم على شرف أمته، ومقدراتها، أو يعرض خدمته للاستعمار أما كان وجد من العطف القدر الكافي ؟! بلى! بل ربما تمهد له طريق إلى مهنة التدريس بكلية غردون، وهي مهنة إن كان قد سعى لها كل السعي، إلا أنه قد احتفظ برأيه السيئ فيها من حيث الأصل، إذ كانت برأيه محطة وخيمة يُعدُّ فيها الإداريون الإنجليز ويدربون على استخدام فنون العنف ضد الطلاب السودانيين وسومهم سوء العذاب.
    ولذا قال معاوية عن الأساتذة الإنجليز بكلية غردون إنهم كانوا :" يختارون من السلك السياسي لقضاء عدة أعوام يتمرنون فيها على الحكم لاعلى التعليم بين طلبة العلم وصفوة أبناء البلاد الحقيقية ، إنهم يقضون أعوامهم في الكلية " تحت التجربة " فمن أفلح فيهم وأجاد وسائل العنف والشدة والضغط والاستبداد رُقي سريعاً لوظيفة في السلك الادارى ، إذ أنه قد اجتاز الامتحان وأمضى مدة " التجربة " على أحسن ما يرام.
    ومن يرى هؤلاء الأساتذة يضيقون على الطلبة ويرهقونهم بكثرة الأمر والنهي ويعاقبوهم على اقل هفوة أو بادرة بالجلد الصارم والعقاب الشديد لهاله الأمر ولظن نفسه في ثكنة من ثكنات العساكر لا في معهد للتثقيف والتعليم . ويظن أصحابنا الجاهلون أن هذه إحدى الطرائق لتخريج شبان طائعين مخلصين. ولقد خاب ظنهم حتى الآن، وأغرب ما يدعو إلى الدهشة أن سادتنا الإنجليز يتعجبون من مرارة لهجة طلبة كلية غردون وبغضهم إياهم فيقولون: إن التعليم لا يفيد السودانيين لهذا الدليل.
    وفاتهم أن التعليم مهمة دقيقة لايضطلع بها حتى في البلاد الحرة إلا كل خبير بشئون التعليم لا بشؤون الاستبداد. وأن الاستبداد ووسائل القهر والضغط في التربية ليس أفشل منها ولا أبعد منها عن الصواب. فالطالب في كلية غردون لا يعامل على أنه طالب علم من أهم خصائصه العطف والفهم المتبادل، ولكنه يعامل كجندي تطلب منه الطاعة والخضوع بالجلد والحبس ومر العقاب. "
    هكذا كوَّن معاوية رأيه الناضج في مقاصد وأساليب مهنة التعليم بكلية غردون، وهو الرأي الذي انطبق كأحسن ـ بل أشنع ـ ما يكون على أستاذه إدوراد عطية ، الذي اجتاز تلك المرحلة باقتدار تام، هيأه وأهله لنيل تلك الوظيفة الخطيرة في السلك الادارى: وظيفة الاستخبارى، ذي الأفق الفكري المتسع، الذي لا يبالى في الوقت نفسه بأن يخون مهمة الفكر ورسالته في الحياة، ويحط بأقدارعظماء الفكر الإنساني المتفوقين، من أمثال معاوية محمد نور
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de