رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 06:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-01-2008, 06:06 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة.

    وَدَاعاً.. يَا حَبيبْ!..إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام:
    ________________________________________

    جميع الحقوق © 2006 لصجيفة (السودانى).

    عدد رقم: 766 2008-01-01

    كمال الجزولي.

    __________________________

    "قَدَرُ الثَّوريِّ العَوْدَةُ للتُّرْبةْ،
    إنْ شلَّتْ سَاقَيْهِ الذَّبْحَةُ..
    أَوْ شَقَّتْ قَلْبَهْ"!
    ـ جيلي عبد الرحمن ـ
    ***

    مستشفى (هارلي ستريت) بلندن
    الرابعة والنصف من بعد ظهر 25 ديسمبر 2007م
    كان العالم مستغرقاً، ما يزال، في مباهج ذكرى ميلاد السيِّد المسيح، عندما زلزلت الأرض، بغتة، زلزالها، وأرعدت السماء، وانشق الفضاء، وفوق الرءوس غيَّمت سحابة هائلة الرَّوع، عميقة الدكنة، مضت تجرجر أذيال خطبها المدجَّج بالصقيع، تنوء به على سودان المساكين، فلكأن الذي فيه لا يكفيه، وعلى سودان النوبة بالأخص، ذلك المحتشد غرقاً في أقاصي الشمال، أو المغروس في قلب الطين والرمل والصخر ينتظر مواسم الاغراق بين كلَّ سَدِّ وسَدْ، ببلداته وقراه وجباله وجزائره ومساجده ومعابده وأهراماته، من عبري إلى دلقو إلى كرمة إلى دال إلى صلب إلى كجبار إلى فريق إلى سبو إلى جدي إلى صواردة إلى صاي إلى كبرنارتي إلى مشكيلة إلى نوري إلى بدين إلى دفوي إلى كوكا إلى عمارة إلى عموم مراتع (النوب) التي بقيت تضوع، جنوبيِّ وادي حلفا، بعبق التاريخ التليد وبخور الحضارة الباذخة.
    زلزلت الأرض، وانشقَّ الفضاء، وغيَّمت سحابة، وأعولت، من كلِّ فجٍّ، ريح صرصر تعصف بجذوع النخل على الضفتين، تستصرخ الخوص والجريد والعراجين والسبائط المتعانقة، أنْ تيبَّسي، وأحني منك شوامخ الهامات، واشرَقي بالنواح، الليلة، ما شاء لك الله أن تشرَقي، فالفتى الذهبيُّ، سليل (أرض الذهب) العريقة منذ سبعة وعشرين قرناً، نصير البسطاء، وفاضح سارقي ماء الحياة من عيونهم، وشارح أسباب عذاباتهم وآلامهم، ومُسَلسِل أرقام ما سُلب منهم وما حُرموا منه، ومحرِّضهم على النهوض من كلِّ بُدٍّ، تمرُّداً على الواقع المزري، وثورة على الأوضاع البالية، وتغييراً لما بالنفس بالنفس، محمد فاروق ولد مولانا محمد محمد كدودة قد.. مات!

    عبري
    أغسطس 1939م
    ------------------

    (كدود)، بضم الكاف، كلمة فرعونيَّة قديمة في معني (صغير)، وتصغيرها (كدودة)، أي (صغيرون) أو نحو ذلك، وهو اسم العائلة التي كانت تضمُّ، إلى جانب والده القاضي الشرعي وشيخ الطريقة التيجانيَّة في المنطقة، ووالدته سكينة بنت طه شريف، أشقاءه وشقيقاته المولودين قبله وبعده محمد عبد الرحيم (الشاعر) وفاطمة قاشو ومحمد مبارك ومحمد التجاني ومحمد نور ومحمد الهادي وفاطمة (سكينة) وفاطمة (زهرة) ومحمد أمير، وموقع محمد فاروق وسط بينهم حيث أطلق صرخة ميلاده الاولى في أغسطس 1939م. كان الوالد يترحَّل بأسرته، وفق مقتضيات عمله، في شتى أنحاء السودان، قبل أن يستقر، نسبياً، في أو حوالي 1946م، بين محكمتي عبري ودلقو المحس. وكان على فاروق الذي بلغ، وقتها، سن الذهاب إلى المدرسة، أن يتنقل أيضاً لتلقي دراسته الأوليَّة بين البلدتين. أما المرحلة الوسطى فقد قضاها بمدرسة حلفا الأهلية، وأما المرحلة الثانويَّة فقد درسها، ضمن أول دفعة من أبناء الحلفاويين، بمدرسة خورطقت.
    منذ عامه الدراسي الأوَّل في خورطقت، وإلى جانب تفوُّقه الاكاديمي، ونشاطه الرياضي، كرة السلة بالأخص، وخفة ظله التي أكسبته صداقات واسعة، وجعلت أفئدة من الطلاب تهوي إليه، إلتحق فاروق بـ (رابطة الطلبة الشيوعيين) و(مؤتمر الطلاب) الذي تحوَّل، في وقت لاحق، إلى (الجبهة الديمقراطيَّة)، كما نشط في (اتحاد الطلبة). وعن سلاسة خياره السياسي ذاك أفاد فاروق بأنه لا يذكر أن ثمَّة شخصاً بعينه (جنَّده)، و..
    ـ "أنا أصلاً جيت جاهز من الوسطى.. طبعاً مش جاهز فكرياً لكن كان لدىَّ وقتها رأي واضح في الاستعمار"!
    وهناك بدأ مرانه الأوَّلي على التمرُّد، القيمة التي وَسَمَت حياته كلها في ما بعد، بالتصدِّي لبعض قضايا مجتمعه المدرسي الصغير، كتنظيم وقيادة أشكال بسيطة من الاحتجاج على رداءة الطعام، مثلاً، وما شاكلها من صنوف التعبيرات البدائيَّة ضدَّ إدارة المدرسة والداخليَّة. وكان ذلك، في حقيقته، انعكاساً باكراً لما ظلَّ يتحلى به، طوال عمره القادم، من إباء، وكبرياء، وعزَّة نفس، وروح وثابة رافضة بصرامة، وبالمطلق، لأيِّ شكل من اشكال الظلم أو القهر، مثلما شكل إشارات باكرة أيضاً لصلابة تكوينه الفطري، وفرادة شخصيَّته القياديَّة التي تبلورت وتجلت، في مقبل الايام، كأبهى ما يكون التبلور والتجلي.
    لكلِّ ذلك سرعان ما بدأ فاروق يسدِّد، باكراً، فواتير خياراته السياسيَّة تلك، حيث ظلَّ يتلقى الانذار تلو الانذار بالفصل من الدراسة، لولا أن والده، بشخصيَّته الوطنيَّة المتحرِّرة الكارهة لنظار المدارس الممالئين للانجليز، ظلَّ يشدُّ مِن أزره، ويقوِّي مِن ظهره، ويعينه على اجتياز تلك المصاعب. وذات واحد من تلك الانذارات كتب إليه يشجعه: "ألم اقل لك إن كل النظار جواسيس وعملاء للإنجليز؟! إفعل ما تشاء يا بني، فقط إياك والتجسس والكذب"!

    جامعة الخرطوم
    1958 ـ 1961م.
    -----------------

    إلتحق فاروق، أوَّل أمر دراسته الجامعيَّة عام 1958م، بكلية القانون بجامعة الخرطوم. وما أن انقضى عامه الدراسي الأوَّل حتى انتخب عضواً بلجنة الاتحاد الذي كان قائماً على التمثيل النسبي. ثمَّ ما لبث أن صار رئيساً له وهو، بعد، في عامه الدراسي الثالث. لكن، رغم اندياح دائرة النفوذ الواسع لـ (الجبهة الديمقراطيَّة) وقتها، مِمَّا يسَّر اكتساحها لانتخابات الاتحاد، ورغم صلابة خصائص فاروق الشخصيَّة التي يستحيل أن تقبل القسمة على اثنين في ما يتصل بما يعتقد ويؤمن به من مبادئ، إلا أنه نشأت بينه وبين الكثيرين مِن ممثلي التيارات والمجموعات السياسيَّة الاخرى، بالاخص (الاخوان المسلمين)، علائق احترام متبادل، بل إلفة ومودَّة ظلت قائمة، في المستوى الانساني، حتى وفاته.
    خلال سنوات عمله في اتحاد طلاب الجامعة ارتبط فاروق أيضاً بالعمل في اتحاد الطلاب العالمي (IUS)، علاوة على العمل مع العديد من اتحادات الطلاب العرب والافارقة والآسيويين واللاتينيين وغيرهم، فأزهرت في وعيه خبرات ثريَّة بأحوال الشعوب، وتطلعات شبابها، والعوائق الموضوعيَّة والذاتيَّة التي تحول دون تطوُّرها، ومشكلات المجابهة مع الاشكال المختلفة للاستعمار الحديث، كما فتح معارفه على آفاق مستقبليَّة أوسع في ما يتصل بقيم التضامن، والمآلات النهائيَّة لنضالات بلدان التحرُّر الوطني، والحراكات الاجتماعيَّة في مختلف قارات العالم.
    أكمل الفقيد السنة الثالثة بكلية القانون بنجاح، ولكن بصعوبة. فقد تكرَّر اعتقاله، مرَّة بسبب نشاطه في الاتحاد، ومرَّة بسبب مشاركته في قيادة مقاومة النوبيين للتهجير، وما إلى ذلك من اسباب.
    لم تكن تلك الاعتقالات لتطول كثيراً. سوى أن القرار الذي أصدرته، عام 1961م، وزارة داخليَّة نظام عبود، قضى، هذه المرَّة، بفصله نهائياً من الجامعة، واعتقاله لمدة أكدت كلُّ المعلومات أنها ستطول، مِمَّا اضطره لمغادرة الجامعة، وهو على أعتاب السنة الرابعة، والاختفاء زهاء العامين، بناء على قرار من الحزب الشيوعي. وعن تلك الواقعة روى الأستاذ محمد الوديع السنوسي، نائب المدير الحالي لجامعة أم درمان الاهليَّة، أن دفعتهم، حين التحقت بجامعة الخرطوم، أوَّل أمرها عام 1961م، إستقبلهم همس الطلاب في مختلف أبهائها وعرصاتها بأن رئيس الاتحاد مختف، وأنه سيغادر لإكمال دراسته بموسكو!

    تحت الأرض
    1961 ـ 1963م.
    ----------------

    ألحق فاروق، فور هجره الجامعة، بمخبأ لمتفرغي الحزب بأحد أحياء أم درمان، ريثما يتمُّ تدبير سفره. ولأن كلاً ميسَّرٌ لما خلق له، فقد كانت تلك تجربته الاولى والاخيرة في العمل (كأفندي مضاد) بمصطلح عبد الله علي ابراهيم! قضى فاروق تلك الفترة مع عدد من قيادات الحزب المختفين آنذاك، كالمرحوم عمر مصطفى المكي والمرحوم قاسم امين ومحمد ابراهيم نقد وغيرهم. عن تجربة فاروق تلك روى الاستاذ نقد، ضمن حديثه عن طرائف حياة المناضلين المختفين الذين ينبغي أن تتوفر فيهم بعض المهارات، كفنِّ الطبخ مثلاً، كيف أنه، عندما جئ به إليهم لم يكن يحسن حتى صنع الشاي! ولما أتى عليه الدور، مرَّة، لإعداد الطعام، وضع (حَلة السليقة) على النار، وانصرف لمطالعة إحدى المجلات، حتى احترقت (الحَلة)!
    وأما فاروق نفسه فقد روي عن تلك التجربة، بشفافيَّته المعهودة، قائلاً: "كنت شاباً كثير التمرُّد على نظام الإختفاء! ذاك عالم لا أفهم فيه، وغير مستعد للإلتزام بضوابطه! وأذكر أن جاراً لنا جاء، يوماً، ودق الباب، ففتحت له، بكلِّ تلقائيَّة، ورحَّبت به، ودعوته للدخول.. كمان! كان الموجودون غيري، ساعتها، عمر مصطفى وعلي عمر، فانزعجا! قال لنا: أنا محتار فيكم، إنتو منو؟! فازداد انزعاج الجماعة! فما كان مني إلا أن تصدَّيت لتحمُّل المسئوليَّة كاملة، وحتى النهاية، عمَّا ارتكبت من خطأ جسيم، فأشرت لعمر مصطفى، وقلت: هذا طالب دكتوراة، ثم أشرت إلى علي عمر، وكان شكلو مش ولا بُد، فقلت: وهذا كمساري! أما أنا فطالب بجامعة القاهرة.. عندها شرب جارنا كوز الموية الذي قدَّمته له، واستأذن وخرج، فتنفسنا الصعداء، وأنا أولهم! غير أني تلقيت، في ما بعد، (علقة لائحيَّة) لن أنساها ما حييت"!


    موسكو
    1964 ـ 1969م.
    -----------------

    قبيل ثورة اكتوبر عام 1964م تسلل فاروق، خلسة، إلى الاتحاد السوفيتي. كان يمنِّي النفس بأن يدرس الإقتصاد، ويتخصَّص في الاقتصاد الدولي، بجامعة موسكو، وأن يتمكن، في ذات الوقت، من اكمال دراسة القانون، كي يتخصَّص في القانون الدولي، بجامعة كيمبردج. ولعل مِمَّا شجعه على التفكير في ذلك أن صديقه المرحوم سعيد محمد احمد المهدي، الذي صار، لاحقاً، عميد كليَّة القانون بجامعة الخرطوم، كان موجوداً، وقتها، بكيمبردج. فأجرى اتصالاته بإدارتها لإرسال الإمتحانات الثمانية المتبقية لفاروق عبر الملحقيَّة الثقافيَّة البريطانيَّة بموسكو، إلا أن تلك الإدارة ما لبثت أن تراجعت عن وعدها الكتابي له وللمرحوم سعيد دون إبداء أيِّ أسباب! وقد ظلَّ الفقيد يشكُّ، حتى أخريات أيامه، في أن ذلك لا بُدَّ قد وقع بفعل فاعل! لكنه، بالنتيجة، صرف النظر عن القانون، إلى حين، وواصل دراسته للاقتصاد.
    وفد فاروق إلى موسكو ناضجاً بخبرة ثلاث سنوات من الدراسة والنشاط السياسي والنقابي بجامعة الخرطوم، فضلاً عمَّا يربو على السنتين من العمل السِّري. ولذا كان من الطبيعي أن يتبوَّأ مكانة متقدِّمة في قيادة فرع الحزب والجبهة الديمقراطية واتحاد الطلاب هناك، مثلما كان طبيعياً أيضاً أن ينعكس ذلك النضج في الآراء والافكار التي عمل على نشرها وسط الطلاب، كشعار (أولويَّة التفوُّق الاكاديمي) و(الجيِّد أكاديمياً هو الجيد سياسياً) وما إلى ذلك، في معنى ضرورة تقديم التحصيل على الأنشطة الاخرى في سلم الاولويات، بما في ذلك النشاط السياسي نفسه! لكن الكثير من الطلاب الأصغر سناً وتجربة كانوا، كالعادة للأسف، يعتبرون ذلك محض (كلام عواجيز)! وفي الواقع فقد كانت تلك هي وصايا الحزب ونصائحه التي دأب قادته، كعبد الخالق وسعاد ابراهيم احمد وغيرهما، على إزجائها للطلبة بشكل مستمر.

    مايو ـ يوليو وموسكو الأخرى
    1969 ـ 1979م.
    --------------------------

    في موسكو تزوَّج فاروق من زميلته ورفيقة عمره د. أسماء السني. وما أن تخرَّج ونال درجة الماجستير في الاقتصاد، حتى قفل عائداً إلى السودان قبيل انقلاب مايو عام 1969م. وترتيباً على قرار كانت أصدرته حكومة الديموقراطيَّة الثانية، عقب ثورة اكتوبر 1964م، بالسماح لأي طالب جرى فصله من أية مرحلة دراسيَّة بالعودة لمواصلة دراسته، سعى فاروق للاستفادة مِمَّا اعتبره حقاً مستحقاً له في العودة لإكمال السنة الرابعة بكليَّة القانون بجامعة الخرطوم. لكنَّ مسعاه اصطدم برفض د. زكي مصطفى، عميد الكليَّة وقتها، لعودته هو بالذات! حاول، بإزاء ذلك، إكمال تلك السنة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، لكن خاب مسعاه هنا أيضاً! فاكتفى، في النهاية، بشهادة الإقتصاد، والتحق بالعمل في وزارة التخطيط.
    عندما وقع انقلاب النميري في مايو 1969م كان فاروق نقابياً ناشطاً باتحاد الجامعيين والمهنيين. وكان النظام الذي اجترحه الانقلابيون متسقاً مع نموذج الانظمة التي راجت في كثير من البلدان النامية خلال حقبة ما بعد الحرب الثانية، والتي شهدت ازدهار حركة التحرُّر الوطني العالميَّة. وكان (التصدى لمهام التغيير) هو شعار تلك الانظمة بقيادة عدد من زعمائها الذين أطلقت عليهم تسمية (الديموقراطيين الثوريين)، أمثال عبد الناصر في مصر، وسوكارنو في أندونيسيا، ونكروما في غانا، وسيكوتوري في غينيا، وغيرهم. ومع تقدير الحزب الايجابي، عموماً، لكثير من الخطط والبرامج التي أعلنها انقلاب مايو، إلا أنه رفض التسليم بقيادة البرجوازيَّة الصغيرة التي كان يمثلها الانقلابيون لمهام التغيير، ومن ثمَّ تذويب نفسه والانخراط في مؤسَّسات ذلك النظام، متمسِّكاً باستقلاله في التعبير عن مصالح الطبقة العاملة وفقراء الريف، مِمَّا أرهص، ومنذ الوهلة الأولى، بنذر الصدام المحتوم، لا محالة، بين الجانبين.
    تلازم، مع أحداث مايو المتسارعة خلال أيامها الاولى، وقوع أشهر وأخطر انقسام في تاريخ الحزب عام 1970م. كان فاروق قد شهد، قبل ذلك بسنوات طوال، انقسام المرحوم يوسف عبد المجيد عام 1963م، بعناوين صينيَّة تتمحور حول الدعوة إلى (القيادة الثوريَّة). وكان قد اتخذ موقفه الفكري والسياسي الرافض له من بعيد لبعيد، دون أن يتجشَّم كثير معاناة نفسيَّة في المستوى الانساني الشخصي كما حدث في انقسام 1970م، جرَّاء الاضطرار لخوض جدل طويل لا يكاد ينتهي، ولا يخلو، في غالبه، من الحدَّة، مع رفاق نضال الامس، وفيهم أصدقاء أحبَّاء، وقد باتوا ينادون، مدجَّجين بالسلطة وبنظريَّة (الرفاق السوفييت!)، بأن يقبل الشيوعيون بحلِّ حزبهم، وبالانخراط في مؤسَّسات مايو السياسيَّة، وأجهزتها الامنيَّة، وبأن يسلموا ذقونهم ويسلسوا قيادهم لـ (ديموقراطييها الثوريين)! وكان نجاح بعض الاجراءات في بعض البلدان التي تسنَّم (الديموقراطيون الثوريون) قيادها، كتأميم صناعة النفط في إيران مصدق، وتأميم قناة السويس والاصلاحات الاقتصاديَّة في مصر عبد الناصر، على سبيل المثال، هي مِمَّا أغوى السوفييت بأن يروا إمكانيَّة التغيير الاشتراكي تحت قيادة هذه الشريحة التي عدُّوا انقلابيي السودان ضمنها، ولمسوا وجهاً للشبه بينها وبين حركة (الديموقراطيين الثوريين) في روسيا ما قبل ثورة 1917م، دونما أدنى مراعاة لفارق العصر والظرفين الوطني والعالمي! كان انقسام 1970م، مقارنة بانقسام 1963م، أكثر وسعاً وعمقاً، إذ شارك فيه قادة تاريخيون بلغ عددهم زهاء نصف عضويَّة اللجنة المركزيَّة وحدها! ورغم أن الكثير من الانقساميين الذين ربطتهم بفاروق علاقات صداقة استهدفوا اجتذابه إلى صفوفهم، وعملوا لتحقيق ذلك ما وسعتهم الحيلة، إلا أن جهودهم مُنيت، في النهاية، بالفشل الذريع، فقد ظلَّ قابضاً على جمر مبادئه، دون أن يفرِّط ولو في أقل القليل من مواقفه العمليَّة.
    لذا، ما أن وقعت الحركة التصحيحيَّة التي قادها الشهيد هاشم العطا في 19 يوليو 1971م، حتى أيَّدها فاروق من خلال نشاطه الحزبي والنقابي. وما أن انهزمت في يومها الثالث، حتى سارع وزير التخطيط آنذاك، محمد عبد الحليم، لإصدار قرار ملهوج بفصل فاروق، كما جرى اعتقاله ضمن آلاف الشيوعيين والنقابيين وناشطي المنظمات الجماهيريَّة، حيث قضى الفترة حتى يونيو 1973م ما بين سجن كوبر بالخرطوم بحري وسجن شالا بدارفور.
    قرار الفصل كان ملهوجاً لأن وزير التخطيط اتخذه بتاريخ 26 يوليو ليسري مفعوله بأثر رجعي إعتباراً من 19 يوليو! وكانت تلك اللهوجة هي حُجَّة طعن فاروق الرئيسة ضد القرار بعد خروجه من المعتقل. وهو الطعن الذي تابعه كلِّ المفصولين سياسياً، آنذاك، باهتمام شديد، باعتباره اختباراً test case أعدوا عُدَّتهم للتحرُّك في ضوء ما سيتمخض عنه من قرار كان متوقعاً بكلِّ المعايير القانونيَّة! لكن ثلاثة من القضاة الذين أوكل اليهم نظر ذلك الطعن تم نقلهم قبل إصدار الحكم! ثمَّ إن قراراً صدر عام 1975م باعتقال فاروق استتبع صدور قرار من الحزب بمغادرته البلاد، ثانية، فتسلل خلسة، هذه المرَّة أيضاً، إلى موسكو.
    هناك انهمك فاروق في التحضير للدكتوراة، مستأنفاً، إلى ذلك، قيادته القديمة للنشاط الفكري والسياسي بين الطلاب السودانيين حول قضايا بلادنا التي كانت قد أضحت أكثر تعقيداً وصعوبة. لكنه واصل أيضاً، وبطريقته الفذة، مدَّ جسور العلائق الانسانيَّة حتى مع خصومه السياسيين! ومن عجب أن تلك الطاقة الانسانيَّة الراقية بالذات كانت كثيراً ما تضلل ليس فقط بعض مَن لم يخبروا جيِّداً معدنه الصافي المتفرِّد مِن أولئك الخصوم، بل وحتى بعض أصدقائه السياسيين! فليس نادراً ما أثارت دهشة وحيرة البعض مِن الاصدقاء، مِمَّن يحسبون السياسة شجاراً لا ينقطع (!) مثلما ليس نادراً ما أغوت البعض الآخر مِن الخصوم، مِمَّن أساءوا فهمها ولم يقدِّروها حقَّ قدرها، بتوهُّم إمكانيَّة استمالته، أو، على الاقل، تليين مواقفه الفكريَّة أو السياسيَّة، ولكن.. هيهات! وكان فاروق دائماً ما يواجه هؤلاء وأولائك بسلاحه المجرَّب، شديد المضاء، والذي ظلَّ يتمنطق به طوال عمره: التفكه والسخرية! وقد حدث أن وقع أحد مسئولي الامن بالسفارة بموسكو، آنذاك، ضحيَّة مثل هذا الوهم، حيث عدَّ تلك الطيبة ولين العُشرة رزقاً ساقه الله إليه (!) في وقت كان دارج الفولكلور الطلابي يعتبر أوهى تقارب مع تلك السفارة، أو أيٍّ مِن عناصرها، ضرباً مِن المحظورات التي لا تبيحها أيَّة ضرورات! هكذا انفتحت شهيَّة ذلك المسئول عن آخرها، وحسب أن بإمكانه أن يقع على صيد وافر من المعلومات عن طريق تلك العلاقة، فراح يلفُّ ويدور حول (صيده) المرتجى، ظاناً أن الفقيد غير منتبهٍ إليه، حتى فوجئ به يقطع الطريق، ذات مساء، أمام مناوراته تلك، بأسلوبه الفريد الذي يمتزج فيه الحسم والوضوح باللطف وخفة الروح المعهودتين، قائلاً له وهو يضحك:
    ـ "ياخ إنت بدل ما تلف وتدوِّر حاصل فارغ كده.. حاول اشتريني.. يمكن اوافق"! لحظتها، فقط، أدرك المسئول، ربَّما بعد فوات الاوان، مع أيِّ صنف نادر من المناضلين كان يتعامل!
    لم يكن التفكه والسخرية وحدهما هما عُدَّة فاروق في مجابهة الصعاب والعوائق، بل الصبر أيضاً. ولم أرَ، طوال صداقتي مع فاروق، مَن هو أكثر صبراً منه! وقد عبَّر هو بنفسه عن ذلك لشاويش السجن الذي قال له، لمَّا لمس منه إلحاحاً في طلب شئ ما:
    ـ "يا دكتور خلي عندك صَبُر يا خي"!
    فما كان مِن فاروق إلا أن ردَّ عليه ضاحكاً:
    ـ "شفت ليك زول عايز يبني الاشتراكيَّة في البلد دي.. وما عندو صَبُر"؟!

    جامعتا جوبا وأم درمان الاهليَّة
    1979 ـ 2007م.
    ------------------------------

    عام 1979م غادر فاروق موسكو، بعد أن حصل على درجة الدكتوراة من جامعتها، ليلحق بزوجته د. أسماء السني بكارديف ببريطانيا، ومن هناك عاد للبلاد، حيث عمل، في البداية، أستاذاً بجامعة جوبا، ثم صار، في ما بعد، عميداً لكليَّة الاقتصاد بها.
    كانت الحركة الاسلاميَّة قد أبرمت، وقتها، للتو، صلحها مع النميري، وشرعت في إنفاذ مخططها للتغلغل والسيطرة على كلِّ مرافق الدولة، بما في ذلك مؤسَّسات التعليم العالي تحت شعار (أسلمة مناهج الجامعات)، مِمَّا كان يقتضي (أسلمة الأساتذة) ابتداءً!
    في ذلك السياق بعث مدير الجامعة، ذات يوم، إلى فاروق بمذكرة صغيرة، مع شاب عرَّفه بنفسه قائلاً إنه طالب ماجستير بجامعة الملك عبد العزيز. وعندما فضَّ فاروق مذكرة المدير وجده يوصي فيها بتعيين ذلك الشاب، على الفور، ليقوم بتدريس مادة (المحاسبة الإسلاميَّة)، على حدِّ تعبير المذكرة! لكن ما حدث (على الفور) فعلياً هو أن حِسَّ السخرية قد غلب على فاروق في تلك اللحظة، فعلق قائلاً بتلقائيَّته المشهودة: "محاسبة إسلاميَّة كيف؟! بالسبحة يعني"؟!
    ما أن بلغت العبارة أسماع المدير، حتى جعل التخلص من فاروق شغله الشاغل، ولكن.. لا بُدَّ له من سبب! ثمَّ ما لبثت عبقريَّته أن تفتقت عن قرار بعزله، معلناً أنه إنما رأى في المنام أنه يعزله! فحرَّكنا، المرحوم عبد الله صالح المحامي وشخصي، إجراءات قانونيَّة ضدَّ ذلك القرار انتهت بإلغائه، وإعادة فاروق إلى موقعه، لولا أنه، وبعد وقت قصير من عودته، تقدم باستقالته ليخوض معركة انتخابات الخريجين عام 1986م. ثمَّ لم يجد في نفسه حماساً، بعد خسارته في تلك الانتخابات، للاستفادة من حقه في العودة مرَّة أخرى إلى العمل مع نفس المدير. غير أنه، وكعادته الاثيرة، لم يفوِّت فرصة تغليف ذلك بطبقة من السخرية الكثيفة، و..
    ـ "المرَّة دي شاف في المنام إنو يفصلني.. أفرض المرة الجاية شاف إنو يضبحني.. أعمل إيه؟! الله الغني يا شيخ"!
    ما أن علم الراحلان محمد عمر بشير وعبد الرحمن ابو زيد بخبر استقالة فاروق، وكانا مدركان لقدراته الاكاديميَّة الكبيرة، حتى سارعا إلى ضمِّه لجهود استكمال تأسيس جامعة أم درمان الأهليَّة، فأصبح منسقاً لكلية الإقتصاد والعلوم الإدارية، ثمَّ عميدها لعشر سنوات، استقال بعدها من العمادة ليصبح، حتى وفاته، بروفيسيراً للاقتصاد بلا أعباء إداريَّة.
    وعلى كثافة ما شهدت تلك الفترة، التي لمع فيها نجمه كأشدِّ ما يكون اللمعان، من احداث جسام أهمها وقوع انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م وما تبعه من قمع غير مسبوق كان نصيب الفقيد منه وافراً، وعلى جديَّة المهدِّدات التي صادفته خلال مسيرته العامرة بالتضحية عبر كلِّ حقب الشموليات المتطاولة، دون أن تتفضل عليه الحكومة برخصة سلاح شخصيٍّ للدفاع عن نفسه، وأقرب ذلك إعلان جماعة من المهووسين إهدار دمه قبل عامين، ضمن قائمة ضمَّت مفكرين وكتاب ومثقفين آخرين مقابل عشرة آلاف دولار، فقط، للرأس (!) إلا أنه ظلَّ يواجه تلك المهدِّدات أجمعها بالمزيد من السخرية التي تطمئن المشفقين، وأرتال من الصلابة التي تفتُّ في عضد المجرمين، ومواصلة إراحة أعصابه بالأغنيات النوبيَّة وبصداح ردي وحنان النيل!
    هكذا ظلَّ فاروق دائماً، علاوة على علمه الغزير، وعطائه الاكاديمي الثر، نموذجاً ساطعاً للنضال الذي لا يفتر، والعطاء الذي لا ينضب، ولطف المعاملة ورقتها، وحلاوة المعشر وطيبته، ونبل التعاطف الانساني في أرفع أشكاله، ولين التواضع الجمِّ في أبهى صوره، مثلما بقي، إلى ذلك كله، (نصباً تذكاريٌّاً) ضخماً للتلقائيَّة الشعبيَّة، وسرعة البديهة المثقفة، وطلاقة الروح الحُرَّة، وخفة الظلِّ النوبيَّة المشهودة!

    مطار الخرطوم ومقابر فاروق
    فجر وصباح الأحد 30 ديسمبر 2007م
    ---------------------------------

    رحمة الله عليك يا فاروق. سافرت للعلاج من مرض اليرقان الخبيث الذي التقطته، ساعة نحس، بسجن شالا عام 1990م، وظلَّ ينهش كبدك الحرَّى لسنوات طوال، لكنك تعود إلينا الآن في صندوق. لكن.. "مَا المَنايا؟! إنَّها أقدارُنا/ وامتِدادُ البَحر أحضانُ السَّواحِلْ"!
    رحمة الله عليك، وأنت الذي طويت قلبك على زوجك وبنتيك اللاتي أحببتهن حباً ملأ عليك حياتك، ومع ذلك لكم تمنيت أن لو كان لك ابن وأنت ترِّدد: ""الموت ما بعيد، سواء جاء طبيعياً أو بفعل فاعل! لكن أكثر ما يقلقني المشاكل التي يمكن ان تواجههنَّ عقب موتي في ظروف عدم وجود رجل في البيت"! ولطالما عبَّرت عن حزنك إزاء مشهد الغرباء يفتشون داخل غرفهن عندما يأتون لاعتقالك، وإزاء قلقهن عليك عندما تضطرُّك ظروفك المعقدة خارج المنزل بينما التهديد بالقتل يلاحقك!
    طِبْ مرقداً، يا صديقي، فهنَّ في حدقات عيون الشعب أجمعه، وهذه أمَّة ديدنها الوفاء.
    ...........................
    ...........................
    اللهم إن الموت حق، بل هو الحقيقة الكبرى في هذه الحياة، وهذا فاروق أمسى في رحابك. اللهم أنت الغنى الحميد لا تكلف نفساً إلا وسعها، فاغفر له بأضعاف أضعاف ما جعلته به سبباً للاستنارة والتفتح في هذا البلد.
    اللهم إنه كان صبوراً، وأنت تحب الصابرين، وأميناً، وأنت لا تحب الخوَّانين، وحفياً بخلقك، ورسولك القائل إن الدِّين المعاملة، وشجاعاً جهوراً بكلمة الحق في وجوه الطواغيت، وخاتم أنبيائك من علمنا أن أفضل الإيمان كلمة حق في حضرة سلطان جائر.
    اللهم إن خير بريَّتك من أنبأنا بأن خيرنا خيرنا لأهله، وإنا لنشهد بأن فاروق كان خيرنا في بذل ما وهبته من عافية وعمر وعلم لأهله ولأمته.
    اللهم حاشا أن نزكي فاروق عليك، فلا نقول إلا ما يرضيك "وما تدري نفس بأيِّ أرض تموت"، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
    اللهم لا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، وافسح له فى قبره، وأجعله في أوَّل منازل الجنة.
    اللهم اكرم نزله، ووسِّع مدخله، وآنس وحشته، وسلِّ وحدته، واجعل سيِّئاته حسناتٍ، وانقله من ظلمة اللحد الى مراتع النور.
    ووداعاً.. وداعاً، طبتَ حياً وميِّتاً، يا حبيب، و.. إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام!

    المصادر:
    ----------------

    (1) حوارات صحفيَّة مع الفقيد.
    (2) أحاديث ومؤانسات شخصيَّة للكاتب مع الفقيد.
    (3) حديث الاستاذ/ محمد ابراهيم نقد في خيمة الصحفيين الرمضانيَّة التي نظمتها مؤسَّسة (طيبة برس) ليلة 29/9/07.
    (4) رزنامة 2/10/07.
    (5) كلمة الاستاذ/ محمد الوديع السنوسي، نائب مدير جامعة أم درمان الاهليَّة، في سرادق العزاء والتأبين الذي أقامته الجامعة نهار 27/12/07.
    (6) مهاتفات الكاتب مع د. أسماء السني، أرملة الفقيد، لندن ـ الخرطوم، خلال الايام التي سبقت وصول الجثمان فجر الأحد 30/12/07.
                  

01-01-2008, 06:27 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    البلاد تودع كدودة لمثواه الأخير والمهدي يؤم المصلين.
    _______________________________________________

    ©2007 Alwatan News صحيفة ( الوطن ) . All rights reserved.

    العدد رقم: 1652
    2007-12-31

    الخرطوم: محمد لطيف سعيد:
    ودعت البلاد أمس، جثمان البروفيسور فاروق كدودة، رئيس اللجنة الاقتصادية بمركزية الحزب الشيوعي السوداني، إلى مثواه الأخير ووري الجثمان الثرى في موكب مهيب، تقدمه الإمام الصادق المهدي، الذي أمّ المصلين، وتقاطرت إلى مقابر فاروق عشرات الوفود من المسؤولين الحكوميين، وقيادات المعارضة، وقوى المجتمع المدني بكل مفاصله، وعدد المهدي مآثر الفقيد الراحل، مبيناً أن البروفيسور جمع بين العلم والعمل الوطني، مشيرا إلى أنه كان صامداً على مبادئه في كل العهود السابقة، العسكرية وغيرها، وتابع: والآن الشعب السوداني يودعه إلى مثواه الأخير.

    من جهته قال الأستاذ غازي سليمان: إن كدودة رجل شجاع، وإنه كان من الجيل الذي يعطي ولا يأخذ، واصفاً إياه بأنه رفيق درب عبدالخالق محجوب، وجوزيف قرنق، والتجاني الطيب، ومحمد إبراهيم نقد، معتبراً رحيله خسارة للسودان.

    ومن جهته قال فتحي شيلا ،مساعد الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي: إن الراحل صاحب شخصية متميزة، سوداني بكل ما تحمله الكلمة، وإن كدودة كان مدافعاً عن الحريات، وحقوق الإنسان، لذلك لا نستغرب لهذا الجمع الغفير الذي أتى لوداعه. وتجدر الإشارة إلى مشاركة القيادي ياسر عرمان، والمهندس كمال علي، وزير الري «الإنقاذ»، ومحمد الحسن الأمين، ومحمد إبراهيم نقد، الأمين العام للحزب الشيوعي، وأركان حربه، ولفيف من السياسيين، والدستوريين، وحشد كبير من الجماهير.

                  

01-02-2008, 08:58 PM

أبو ساندرا
<aأبو ساندرا
تاريخ التسجيل: 02-26-2003
مجموع المشاركات: 15493

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    فوق
                  

01-03-2008, 03:56 AM

omar ali
<aomar ali
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 6733

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    شكرا للاخ العزيز بكري الصايغ علي جلب
    مقال الاستاذ كمال الجزولي..فقد تمكن من
    اعطاء صورة كاملة عن الفقيد..صورة تجمع
    بين خصائصه الشخصية وصفاته وتاريخه متنقلآ
    بين الخاص والعام وراسمآ لوحة من الوفاء
    والعرفان.
                  

01-03-2008, 08:54 PM

دينا خالد
<aدينا خالد
تاريخ التسجيل: 06-26-2006
مجموع المشاركات: 8736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    العزيز بكرى
    الفقد جلل والمصاب عظيم
    صادق مواساتنا لك ولاستاذ الاجيال كمال الجزولى

    ولكنى توقفت امام عبارات اكاد اجزم بانها لم تخرج من فم
    الشامخ كدودة وحسبى انها نقلت عنه نقلا غير دقيق
    للاستاذ الجزولى
    Quote: لكم تمنيت أن لو كان لك ابن وأنت ترِّدد: ""الموت ما بعيد، سواء جاء طبيعياً أو بفعل فاعل! لكن أكثر ما يقلقني المشاكل التي يمكن ان تواجههنَّ عقب موتي في ظروف عدم وجود رجل في البيت"!


    ماذا يفعل الرجل لامراة تعمل عمل 60 رجلا خلال اليوم هى زوجة الاستاذ كدودة

    ماذا سيفعل اى رجل لبنتين رباهما كدودة وامهما الدكتورة اسماء السنى
    وعن اى حماية تتحدثون هل هى الحماية الجتمانية ؟؟؟
    حماية الرجل للمراة بالمفهوم التقليدى ؟؟؟؟؟تلك تعنى الانفاق والوصايا
    لعمرى ان هناك لبس فى مكان ما ..

    اما هذه الفقرة
    Quote: اللهم إن الموت حق، بل هو الحقيقة الكبرى في هذه الحياة، وهذا فاروق أمسى في رحابك. اللهم أنت الغنى الحميد لا تكلف نفساً إلا وسعها، فاغفر له بأضعاف أضعاف ما جعلته به سبباً للاستنارة والتفتح في هذا البلد.
    اللهم إنه كان صبوراً، وأنت تحب الصابرين، وأميناً، وأنت لا تحب الخوَّانين، وحفياً بخلقك، ورسولك القائل إن الدِّين المعاملة، وشجاعاً جهوراً بكلمة الحق في وجوه الطواغيت، وخاتم أنبيائك من علمنا أن أفضل الإيمان كلمة حق في حضرة سلطان جائر.
    اللهم إن خير بريَّتك من أنبأنا بأن خيرنا خيرنا لأهله، وإنا لنشهد بأن فاروق كان خيرنا في بذل ما وهبته من عافية وعمر وعلم لأهله ولأمته.
    اللهم حاشا أن نزكي فاروق عليك، فلا نقول إلا ما يرضيك "وما تدري نفس بأيِّ أرض تموت"، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
    اللهم لا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، وافسح له فى قبره، وأجعله في أوَّل منازل الجنة.
    اللهم اكرم نزله، ووسِّع مدخله، وآنس وحشته، وسلِّ وحدته، واجعل سيِّئاته حسناتٍ، وانقله من ظلمة اللحد الى مراتع النور.
    ووداعاً.. وداعاً، طبتَ حياً وميِّتاً، يا حبيب، و.. إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام!


    اها انا سكتا لكن انا مستغربة المسكت حسن موسى لى هسه شنو ؟؟؟؟؟؟؟؟

                  

01-04-2008, 08:44 AM

دينا خالد
<aدينا خالد
تاريخ التسجيل: 06-26-2006
مجموع المشاركات: 8736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    هل اخطات .............................(امرأة ) ؟؟
                  

01-04-2008, 02:05 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    الاخ الـحبيـب الـحـبوب،
    omar ali
    تـحـيةالود والاعـزاز،
    والشـكر الـمقدر عـلي قـدومك الـميمون.

    فـعـلآ الأسـتاذ كـمال الـجـزولـي ثروة قـوميـة... ولو كان هـناك نظامآ اخـرآ يـحـكم السـودان غـيـر هـذا النظام العـفن لاعـطي كـمال حـقه مـن الأحـتـرام والتقـدير.
    ولكن حـب الشـعـب والناس له اغـناه عـن اي شـئ اخـر.

    لك، وللاسـتاذ كـمال الجـزولي مودتـي الـدائـمة.
                  

01-04-2008, 04:38 PM

دينا خالد
<aدينا خالد
تاريخ التسجيل: 06-26-2006
مجموع المشاركات: 8736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    Quote: إن كدودة رجل شجاع، وإنه كان من الجيل الذي يعطي ولا يأخذ، واصفاً إياه بأنه رفيق درب عبدالخالق محجوب، وجوزيف قرنق، والتجاني الطيب، ومحمد إبراهيم نقد، معتبراً رحيله خسارة للسودان.
                  

01-04-2008, 08:49 PM

دينا خالد
<aدينا خالد
تاريخ التسجيل: 06-26-2006
مجموع المشاركات: 8736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: دينا خالد)

    هل فعلا قال كدودة هذا الكلام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
                  

01-04-2008, 07:58 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    الأخـت الحبيـبةالـحـبوبة،
    ديـنا خـالـد،
    تـحـية طـيبة،
    والشـكر عـلي مـساهـماتك الـمقدرة.

    عـلاقـتي بالراحـل كـدودة عـمرها 42 عامآ والتقيت به لاول مرة فـي جـامعة موسـكو سـبتمبـر 1966 حـيث كان هـو يدرس الأقـتصاد وانا بكورس اللغة الروسيـة. وتوطـدت علاقاتنا بشـدة بـحكم ( الـدم للـدم يـحـن )... يـعـنـي
    ( رطانة!!) ياديـنا!

    تلاقينا كـثيـرآ بالخـرطوم بعـد تـخـرجـنا، وبـعدها شـغلتنا امور الـحياة وازدادت الأمـور سـؤآ بعـد هـجـمة هـولاكو واسـتيلاءه عـلي الـحكم فـي البلاد وبقـي هـو فـي السـودان واعيـش انا فـي الـمانيا مـنذ 22 عامآ وهـي الـمدة الـطويلة الـتي لـم اري فـيها السـودان ولا الاصـدقاء ولاكـدودة لانـها مـدة لـم ازر فيـها السـودان ولامـرة منـذ عام 1985 وحـتي اليـوم.

    لقـد قـصـدت من هـذا السـرد ان اقول اننـي اعـرف الراحـل كـدودة وطريقته الواضـحة البسـيطة الـخالية من اي تكـلف او التواء واحـيانآ بتعليقات سـاخرة كـسـخرية أهـل النوبـة مـن كـل شئ حـتي مـن انفسـهـم عـندما تنعـدم الاشـياء!!.

    ان يـبدي الراحـل مـن عـدم وجـود ( راجـل بعـده فـي البيـت!!) فـهـذا لايـعـنـي التقليل مـن بناته حـفظـهما ورعاهـما ..وانـما هـي ربـما امـنيـة كان يـتمناهـا لو تـحـققـت. وبالـمناسـبة كنت اظـن العرب والـمسلمـون هـم وحـدهـم يتـمنون انـجاب اولاد والاكثار ولكن عـرفت ان الألـمان ايـضآ عـندهم الرغبة وان يكون مولودهـم الاول ابنـآ!!

    ارجـو الاتاخـذي الامـور بـهـذه الـحساسـية والـحـدة، فاأمـنية كل اب وايـنما يكون هـو يـتمـني وان يكون هـناك بيـن افـراد اسـرته ولدآ ويكون
    " هـذاالشــبل مـن ذاك الأســــد "...

    انـها سـنـه الـدنيا فـي كـل
    انـحـاء الـمعـمورة .... واســـالـي والـدك العـزيز!

    اكـررلك مـودتي.
                  

01-04-2008, 10:26 PM

خالد حاكم
<aخالد حاكم
تاريخ التسجيل: 08-25-2007
مجموع المشاركات: 3434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    الاخت دينا
    تحياتى
    اولا خلينى اترحم على دكتور كدوده واقول ليه بالنوبى :

    إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام:

    قلتى يا دينا:
    هل فعلا قال كدودة هذا الكلام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    انا شخصيا لا اعرف المرحوم عن قرب حتى اجاوب على سؤالك هذا , فقط اعرفه من خلال العمل النوبى ومن خلال نشاطه السياسى والاكاديمى وسمعت الكثير عنه فى تواضعه وسخريته وخبرته فى التعامل مع كلاب الامن والسجانين من زميل له رافقه فى سجن شالا فى تسعينات القرن الماضى , لكن الذى اود الحديث عنه هوتفضيل المجتمع السودانى الولد على البنت وده طبعا ثقافة عربيه وافده الينا ولم تكن من ضمن ثقافة الشعوب السودانيه الاصيلة , وكما تعلمين عندما كانت تدفن المولوده الانثى فى الجزيرة العربيه وهى حية خوفا من العار فى العصر الجاهلى كانت الانثى حاكمة فى افريقيا وفى بلاد السودان وانظرى الى الملكات اللائى تعاقبن فى حكم مملكة كوش وجميع المماليك النوبيه المسيحية قبل حملة عبد الله بن ابى السرح الى بلاد النوبه , وعن تجربتى الشخصية لا يمكن تفضيل دى على ده ولا ده على دى , لانو الانسان بيتمنى دائما على المفقود ودائما فى بيت مافيه ولد مهما اهل هذا البيت مرتاحين ومروقين يشعرون بنقص عنصر من عناصر تكوين الاسرة ونفس الحال ايضا فى حالة عدم وجود بنت , انا من اسرة صغيرة فقدت بنتين فى سن مبكرة , الصغيرة رحلت فى عمر سنتين وهى التى كانت تكبرنى مباشرة والكبيرة فى سن 14 سنة , وفضلنا فقط نحن ثلاثة ابناء بدون اخت لمدة 17 عاما الى ان تزوج شقيقى الاكبر وانجب لنا بنت ( اخت) فى عام 1992 بعد ان بكر بابن , وهل تصدقى نحن الوحيدين الكانو ا فرحانين ومبسوطين بقدوم البنت واقصد هنا بنحن انا واخوانى ووالدتنا الله يعطيها الصحة والعافية فى كل المجتمع اللى حولنا و عرفت فيما بعد بان عنصر النساء اكثر من يتذمرون عند ولادة البنت !! خلاصة كلامى يالاخت دينا , انو البنى ادم يتمنى الولد عندما يكون كل الابناء بنات , وبنفس المستوى يتمنى بنت عندما يكون كل الابناء اولاد واى انسان بيتمنى يكون عنده اخ لما يكون ما عنده اخ , واى واحد بيتمنى يكون عنده اخت عندما يكون ما عنده اخت وهكذا دواليك وهى سنة الحياة فى الامانى , وكما تقول الاية الكريمة قال تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا) صدق الله العظيم , وما كل الناس يفكرون اليوم بالفهم بتاع الرجل ضل المراة والرجل ضهر المراة واالمراة انسانة ضعيفة وكل الكلام الفارغ ده ...
                  

01-05-2008, 00:32 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: خالد حاكم)

    حوار لم يكتمل مع فاروق كدودة (1).
    ---------------------------------------

    جميع الحقوق © 2006 لصجيفة ( السودانى ).

    العدد رقم: 769 2008-01-04

    صلاح محمد أحمد*:

    إن لاح جناز قد هرول في صمت للقبر
    وارتاع الناس على الإفريز بكوا من غير دموع
    فليرحمه الله
    صوت في الفجة تاه
    (جيلي عبد الرحمن)

    أكاد لا أصدق، أن أقول (الراحل) فاروق كدودة، وهل (رحل) ذاك الذي كان يعطي لكل من حوله (الأمل) في الحياة، حتى (الموت) كان يصفه فاروق بأنه صنو الحياة، ولولاه لما كانت للحياة معنى.
    وفاروق ابن قريتي تربى في كنف والده الشيخ محمد محمد كدودة.. خريج الأزهر الشريف.. القاضي الشرعي وشيخ الطريقة التيجانية في منطقة السكوت - المحس، أخذ من التصوف.. أهم خصائصه المتمثلة في الانقطاع والتطهر والحكمة !
    تربى فاروق في ظل هذا المتصوف الزاهد، ومن حوله أخوانه د. محمد نور أول من درس وتخصص في البيطرة بجامعة الخرطوم.. وأصبح وكيلاً أول لوزارة الثروة الحيوانية، ثم أخوه محمد التجاني المعلم المميز للغة العربية والدين الإسلامي بالمدارس الثانوية العليا، ومحمد الهادي المهندس المعماري الذي عمل بوزارة الإسكان ثم تفرغ للعمل الخاص في أواخر أيامه وعبد الرحيم الشاعر الذي آثر أن يعيش تربالاً بالشمالية ثم آخر العنقود محمد الأمير.. الأستاذ بكلية البيطرة في جامعة الخرطوم.. وقد رحلوا جميعاً وانتقلوا إلى رحاب الله وبقى من نسل هذا الشيخ الجليل شقيقه محمد المبارك وفاطمة وزهراء.

    كان ثمة تباين بيننا حول كثير من المواقف، أحسب أنه كان محقاً في بعضها، ومجانباً للصواب حسب رؤيتي في قضايا أخرى.
    ومن المواقف التي أخال بأن الراحل كان محقاً فيها.. إلى جانب المرحوم عبد الخالق محجوب وجماعته، تقييمهم لما حدث في الخامس والعشرين من مايو 1969، إذ أنهم قالوا وبصريح العبارة أن التغيير الذي تم أحدثته مجموعة محدودة من الضباط الوطنيين من طبقة (البرجوازية الصغيرة)، ولا يمكن للحزب الشيوعي أن يكون مطية لهم، فيحل نفسه ليتحول التغيير إلى لعبة بين الضباط ومن ثم يستأسد زعيم المجموعة ليتم تكريس زعامة الفرد (الملهم). وكان هذا الرأي مخالفاً لرأي كثيرين رأوا في التغيير بارقة أمل لتحقيق حلم الاشتراكية ومجتمع العدالة الاجتماعية. ورأى هؤلاء بأن القوى الاشتراكية في الساحة لم تكن تملك الأغلبية حتى على نطاق القوى الحديثة، فليس من المنطقي أن تحل القيادة كافة الأحزاب.. ليبقى الحزب الشيوعي وحده في الساحة مما يزيد اشتعال كيد الآخرين فيلجأوا للاستعانة بدول الإقليم المعادية للتوجهات الشيوعية.

    ولكن فاروق كشيوعي ملتزم بدور الحزب الطليعي والمنفستو الشيوعي كان يرى ضرورة بقاء الحزب، وبقاء القوى الاشتراكية لخلق جبهة قوى وطنية مؤتلفة لتحقيق المرحلة الوطنية الديموقراطية.
    وحين استعر الخلاف بين قادة التغيير وجماعة الأنصار، كان فاروق من ضمن المنتقدين لما تم في ود نوباوي والجزيرة أبا على أساس أن التصعيد سيؤدي أو أدى إلى أن يفقد كثير من الأبرياء حياتهم.
    ومرت الأحداث، واستعر الخلاف بين النظام والشيوعيين، حتى تمت المفاصلة النهائية بعد 19 يوليو 1971 حين أقدم الرائد هاشم العطا على انقلاب سماه الثورة التصحيحية، وحدث ما حدث. لقد كان فاروق ملتزماً بخط الحزب.. متيقناً بأدبياته المنادية جهاراً بأن الثورة لا يخلقها ولا يحققها إلا حزب ثوري، واتباع ثوريون بتنظيماتهم الجماهيرية الواسعة التمثيل.

    عانى فاروق كثيراً، واعتقل وسجن مراراً، واختفى تحت الأرض، إنه كغيره من الشيوعيين المثاليين كان يحلم بأن توظف إمكانات البلاد من أجل تنمية حقيقية، وخلق مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية.
    إنها أحلام، قال الشيوعيون بأنهم خططوا علمياً لتحقيقها، وأعلنوا بأن اشتراكيتهم (علمية) لا تقوم على الأمنيات الطيبة ومعسول الكلام !!

    مرت الأيام وخرج فاروق من المعتقل، وبعد انهيار حائط برلين، وتفكك الاتحاد السوفيتي (العظيم) كان فاروق يقول بأن الذي حدث كان متوقعاً، حيث أنه لاحظ بأن قادة الحزب في الاتحاد السوفيتي كانوا قد اخترقوا من قبل المخابرات الغربية.. وظهر ثمة تململ في أوساط التنظيمات الجماهيرية في الاتحاد السوفيتي وسائر دول الكتلة الشرقية. وكان فاروق من المتنقدين بسخرية لبيروقراطية الأحزاب الشيوعية الحاكمة.

    ولأن النظرية كلها ليست عقيدة جامدة، إنما مرشد للعمل، فإن فاروق لم تهتز قناعاته بهذا الانهيار المفاجيء، بل كان من الذين يأملون بأن المرحلة القادمة هي مرحلة أن تكون هناك أحزاب شيوعية قوية، ومواكبة للمتغيرات وقادرة على العمل في مجتمع تعددي، لتسقط إلى الأبد الشعارات المنادية بالاستيلاء على السلطة بالقوة الباطشة، وليكن التحول إلى مجتمع المساواة من خلال النقد والتوعية، والعمل اليومي الدؤوب.

    هنا أخال بأن فاروق حاول أن يكون متسقاً مع الأفكار التي آمن بها، والأهداف التي سعى مع رفاقه لتحقيقها، لتسقط وإلى الأبد شعارات (العنف الثوري) وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا على أنقاض وأشلاء (الرجعيين) ! وعنف الثورة في مواجهة عنف الثورة المضادة !

    وفي حواري المتصل معه في لقاءات عدة ظهر التباين في المواقف خاصة بعد التغيير الذي حدث في الثلاثين من يونيو 1989.. وتطوراته، حيث أن فاروق مع زملاء له وصموا التغيير منذ بدايته بأنه من تدبير الجبهة الإسلامية القومية الممثلة الشرعية في نظرهم (للرأسمالية الطفيلية)، ومن ثم انبرى معارضاً لكافة الخطوات التي اتخذتها حكومة الإنقاذ ومن بينها سياسة تحرير الاقتصاد وتبني اقتصاد السوق، ثم أضحى من أكثر المنتقدين لإقامة السدود في الولاية الشمالية (كجبار – دال).. الخ على أساس أنها تتم بعشوائية ولمصلحة الرأسمالية الطفيلية ولتدمير (الهوية النوبية) !
    وسأواصل في حلقات قادمة سبر غور هذه الأفكار هل هي صادرة من فكر مستقل ومنصف أم صادرة من إنسان تربى في خندق معاد لخندق الذين أحدثوا التغيير في يونيه 1989. وهل الفكر الذي يقوم على تسييس الدين.. تفكير رجعي.. بالضرورة، أم هناك بارقة أمل في اعتراف آن أوانه بين أنصار التفكير الديني والتفكير العلماني (بفتح العين وكسرها).. لخلق تجانس وارتياد آفاق جديدة.
    وماذا عن السدود والتنمية في الولاية الشمالية..
    إن القيمة الكبرى الذي يجب أن تركز عليها الفعاليات السياسية المختلفة هي (بداية الحوار) الجاد والمعمق والغاء سياسة حوار الطرشان، فكلنا كأفراد زائلون ويبقى الوطن.. وتنمو الأجيال.
    * سفير سابق
                  

01-05-2008, 10:37 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة (خاصـة) ينعي فيـها الأسـتاذ كـمال الجزولـي الراحـل فـاروق كدودة. (Re: بكري الصايغ)

    فاروق كدودة كان محباً ومخلصاً لوطنه.
    ------------------------------------------


    جميع الحقوق © 2006 لصجيفة السودانى

    العدد رقم: 770 2008-01-05

    محمد الحسن رشوان:

    (ليت من يبكي عليه ويواسي الثأئرين
    مد للحزب يديه كي نبيد الغاصبين)

    (الشاعر المصري كمال عبدالحليم في رثاء الطالب السوداني الشهيد صلاح بشري 1950م).

    منذ يوم الاربعاء 26 ديسمبر 2007م وحتى صباح الأحد 30/12/2007م حينما وورى جثمانه الثرى بمقابر فاروق ظللنا نعيش أيام الحزن والفجيعة ومازلنا، لفقدنا الجلل البروفيسور محمد كدودة الذي وافته المنية بإحدى مستشفيات لندن، لم تسعدني الظروف بلقائه شخصياً كما اسعدتني بلقاء الكثيرين من رفاق دربه من خلال العمل الحزبي في مختلف اقاليم السودان ولكنني ظللت أقرأ حواراته في صحفنا المحلية اشهدها احياناً في التلفزيون حيث نجد آراءه السديدة في مختلف القضايا المطروحة على الساحة السياسية في بلادنا وفيها نجد الالتزام بخط حزبه الذي عاش في كنفه منذ صباه الباكر (الثانويات) وحتى كهولته لم تزحزحه اعاصير المعتقلات والسجون والفصل من العمل واجه تلك الاعاصير بثبات المناضل الصلب فيخرج منتصراً عليها.
    لقد ظللت اتباع كلما تقدمت الانظمة الحاكمة في بلادنا بلا أستثناء بميزانية الدولة إلى مجالسها التشريعية النقد الموضوعي الهادف لهذه الميزانية الذي يطرحه الحزب الشيوعي السوداني عبر لجنته الاقتصادية. ومن الوهلة الأولى أحس ببصمات فقيدنا الراحل فهو ربانها الماهر. وخلال الشهر الماضي تقدمت السلطة الحاكمة بميزانيتها للمجلس الوطني وفقيدنا طريح الفراش خارج الوطن ولكن رفاق دربه في اللجنة الاقتصادية قد اكملوا المشوار مستلهمين روح الفقيد وكلهم اسف على مقعده الشاغر بينهم .

    لقد كان كما كنت اسمع عنه صديقاً للجميع يجادل بالتي هي أحسن فأحبه حتى الذين أختلفوا معه فكرياً ويوم نعيه توحد الجميع في ساحة الحزن فكان ذلك الحشد الكبير في مقابر فاروق في الصباح الباكر ليوم الأحد الثلاثين من ديسمبر 2007م وفي سرادق العزاء بساحة منزله بالطايف. لقد عبر عن حزننا وحبنا الاستاذ كمال الجزولي في روزمانة الثلاثاء الأول من يناير 2008م بصحيفة السوداني التي شاركت رفاق كدودة في أحزانهم فافردت حيزاً لتنقل للقارئ مراسيم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير والذي تنادي له رفاقه من مختلف الاقاليم وطلابه الذين تلقوا العلم منه في جامعتي جوبا والأهلية ليودعوا قائداً صلباً من قادة حزبهم العتيد وعالماً اقتصادياً كبيراً. رحم الله فقيدنا العزيز وأحسن اليه بقدر ماقدم لشعبنا ووطننا.
    (إنا لله وانا اليه راجعون)
    محمد الحسن رشوان
    العزوزاب غرب.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de