حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري.

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 11:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-28-2007, 10:43 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري.

    الـمقالة رقـم 65 للاسـتاذ شـوقـي بـدري.
    --------------------------------------------


    المربى الكامل عبد الفضيل حسن على.
    --------------------------------------

    [email protected]

    27 December, 2007


    شوقي بدري
    [email protected]

    قبل سنه فتحت القناه السودانيه بالصدفه وشاهدت وجهاً باسماً ودوداً . تعرفت عليه مباشرةً وبدون ان احس كنت اردد لنفسى الاستاذ عبد الفضيل حسن على من ود سلفاب الجزيره . وقلت عينى بارده لم يتغير شكله منذ ابريل 1959 .

    استاذ عبد الفضيل كان ضابط مدرسه ملكال الاميريه . والى هنا الامر يبدو بسيطاً . الا ان تلك المهمه كانت هرقليه او اسطوريه . لقد أتى الاستاذ عبد الفضيل الى مدرسه ملكال الاميريه التى كانت المدرسه الوحيده فى جنوب السودان , والدراسه على مناهج مدارس الشمال . والطلبه كانوا يكبرون اقرانهم فى الشمال بثلاثه او اربعه سنوات . نسبه لان اغلب الطلبه انضموا الى المدارس فى عمر متأخر . والمدرسه كانت مغلقه بسبب انتفاضه الجنوب فى 1955 . وكان كثير من الطلاب فى نهايه المرحله الوسطى يقتربون من العشرين فى عمرهم . وهم اكثر طولاً واضخم حجماً من الاستاذ عبد الفضيل .

    عدد الطلبه عندما كنا فى السنه الثالثه كان 147 طالباَ على ما اذكر . اتوا من كل انحاء السودان . وبجانب اللغه العربيه ولغه الشلك التى هى لغه اهل ملكال كان هنالك عشرات اللغات الاخرى وتحزبات ونظرات الريبه والشك . والمدرسه شملت صفوة ابناء الجنوب ولم يكن اداره تلك المدرسه بالشئ الساهل . لانها شملت جزءً داخلياً وعمال نظافه وعمال صحه . وطباخاً وهو العم سليمان . ونقطه غيار يتردد عليها الممرض خميس فى الصباح .

    من الطلاب المبرزين اللذين كانوا امامنا عبد الله عباس من اولاد الشلك وفرح عبد الله من اولاد الدينكا فى ملوط . والسياسى الشيوعى ابو ذر . وفى فصلى كان الاخ جعفر عبد الرحمن من بور والذى يكتب فى اون لاين الآن وهو مقيم فى اليابان منذ 37 سنه والجنتلمان اجوت الونج اكول الذى يعيش فى امريكا الآن وكابتن فريق السله . واخى الحبيب رحمه الله عليه فقوق نقور ( مصطفى ) من جلهاك . ومحمد نور بابكر نميرى الذى مات منتحراً بالرصاص . ومجذوب يوسف من الدامر وهو وود الزبير كانا خطاطى المدرسه . وعلى عبد الله من واو الذى كان يصدر الصحيفه الحائطيه العليان مشتركاً مع السفير والاديب على حمد ابراهيم . وعبد الرحيم حامد الذى كان احد نجوم كره القدم . ويشارك كابتن المدرسه ورئيس فريق سوباط جعفر عبد الرحمن ( جوكس ) نجوميه كره القدم . والاخ محمود ( حاج منزو ) وهو من قبائل الفلاته اللذين يسكنون فى خور شمام خارج واو . وبخارى محمد على من القيقر . ومصباح عبد العليم من ود الحداد الجزيره الذى كان حارس مرمى المدرسه . وابو القاسم ابن التاجر الذى كان اطول التلاميذ فى الفصل . والاخ ابراهيم الحاج ابراهيم الذى صار ضابطاً وتقاعد ورجع الى بلدته ود الذاكى فى النيل الابيض وكان رئيساً للداخليه وقتها . واسماعيل حامد من كاجو كاجو فى الاستوائيه . ومن الزملاء كان رحال ابن ضابط البوليس واظنه من اسره المك رحال . وعبد المنعم رستم . وشقيقه احمد الذى كان ( ورانا ) . وكانوا يفتخرون بأصلهم التركى وجدهم الضابط التركى الذى حاكم المناضل على عبد اللطيف . والوحيد من ابناء الشلك حى الملكيه كان فاروق دينق . الذى كان شيطاناُ ولا ينتبه كثيراً للدراسه وكان الطيش فقال الشاعر استاذنا عوض احمد حسن

    الدفه وقعت وفضحت الرجاله

    يسلم دينق اخوى الدنقر عليها وشاله.

    عرفت من الاخ موسس اكول سفيرنا فى استوكلهولم هذا الصيف ان فاروق دينق قد انضم للحركه الشعبيه واصيب باعاقه بليغه فى الحرب . وصديقى الحميم عبد الله خيرى مدير بنك البركه الآن فى الخرطوم ويسكن العوده . والرجل الذى يحب الفخفخه ويحمل عصى الابنوس عيسى سولى سليل ملوك الباريه فى جوبا وابن خال والى جوبا السيده اقنيس لكودو . وهو وشقيقه بيتر انضما الى جيش عيدى امين وصار عميداً . شقيقه بيتر كان قائد المدرعات ومات اثناء الغزو التنزانى ليوغندا . الحسين ابن احد تجار ملكال شقيقه كان لطيفاً وكان مقاولاً . كانت بينى وبين الحسين معارك فى المدرسه وفى سوق ملكال وفى كل مكان نلتقى فيه .

    من اللذين كانوا ( ورانا ) حسن شبور من الابيض . رياق قاى ترت من دينكا غرب النوير فنقاق . ومسعود حمو ابن ضابط البوليس عمه كان مدير السجون ومنزله كان فى مواجهه النهر بالقرب من المدرسه . وتابان مايكا الرجل الجنتل مان . وعبد السلام عكاشه الطبيب المميز الذى يعيش فى كندا . سيف الدين ابو قصيصه ووالده كان قاضياً . ولقد ارسله لكى يحذر استاذنا سيد طه الحلفاوى . بان الشرطه ستداهمه بعد استلام عبود للسلطه فى 17 نوفمبر 58 . ولم تجد الشرطه شيئاً . والاخ شيك بيج ابن خال مولانا ابيل الير وهو من دينكا بور . كان فى الطائره التى مات فيها نائب البشير الزبير الا انه خرج عائماً .

    اما المدرسين فلقد كانوا مميزين . احدهم الشاعر والرجل الانيق عوض احمد حسن صاحب ديوان الابد وصاحب الاغنيه فينوس . ومحمود براد الداعى الاسلامى والاخ المسلم المتشدد مؤلف كتاب جنوح الاحداث ويحمل شهادات عليا من الجامعه الامريكه فى علم النفس , اول من جاهر الترابى بالعداء . وهو من ام جر ويتحدث لغه النوير بطلاقه لان شقيقه كان يعمل كتاجر وسط النوير . والرياضى الجنتلمان وحارس مرمى المريخ هاشم محمد عثمان . والاستاذ الجيلانى ابو القاسم من بيت المال . كانت علاقته بالطلبه حميمه وجيده كان الاخ جعفر عبد الرحمن ( جوكس ) فى ضيافته فى مايو 1959 .

    هذه المقدمه لكى اعطى فكره عن حال المدرسه التى كان يديرها الرجل الذى خلق ليكون مربياَ . وادين له انا بالكثير . فلقد تركت الشمال اثر اذمه حصلت فيها تشابك بالايادى مع المربى الكبير الرجل الوطنى الاستاذ عبيد عبد النور زوج عمتى . فى دكان عبد العزيز الحلاق فى المورده حيث اخذنى الاستاذ عبيد عبد النور لحلق شعرى صلعه بعد ان رفضت الحلاقه . ولاننى تعديت الخطوط الحمراء فلقد ارسلونى الى ملكال لخالى اسماعيل خليل . وبما اننى قد دخلت المدرسه فى الخامسه فلقد كنت اصغر من اصغر طالب فى الفصل عادةً . وعندما كنت فى ملكال كان الفرق بينى والآخرين يصل فى بعض الاحيان اربعه سنوات او خمسه . وكان العنف طابعى ولربما لاجد مكاناً او موضع قدم . وهذا ما احس به الاستاذ عبد الفضيل ولهذا عاملنى بطريقه خاصه . وفوت علي فرصه ترك الدراسه التى كنت مستعداً لها . وانا هنا اشيد به واشيد بتربيه وتعليم معهد بخت الرضا الذى كان يهيئ الاساتذه بطريقه خاصه جعلتهم اصحاب رساله يؤدونها بتفانى وتجرد .

    كان الاستاذ محمود برات يدعو الى الاسلام والعروبه . ويعتمد على التخويف والجلد والضرب . والاستاذ عبد الفضيل كان لا يجلد ابداً . وهو الذى حبب الي مادة التاريخ . وكان يشد الطالب بيا هذا ويا ذاك ويا ساكن الركن . ويحكى النكات ويضحك بدون ان يفقد هيبته واحترام تلاميذه . شاهدته مره يراقب الاستاذ محمود برات فى حصه التسميع فى الانجليزى . ويطلب مننا ان نصفع بعضنا البعض عندما يخطئ الآخر . ورأيت الاستاذ عبد الفضيل يهز رأسه . وبعدها اوقف الاستاذ محمود ذلك الاسلوب البربرى . وعرفت ان الاستاذ عبد الفضيل قد لامه .

    ولم ارى الاستاذ عبد الفضيل يجلد اى طالب سوى الاخ عبد الرحيم حامد بعد الاضراب والاعتصام والتوقف عن الدراسه اثر مشكله قلبت ملكال رأساً على عقب . وكان هذا القرار قرار وزاره التربيه خاصه مبعوث وزاره التربيه الاستاذ ممندور المهدى ومدير معهد بخت الرضا فيما بعد .

    المشكله كانت ان الناظر كان يمارس الجنس مع اثنين من زملائنا احدهم كان ابيض اللون خضم الجسم يبدو اكبر عمراً من الاساتذه . والاخر ابن احد التجار كان وسيماً وضخم الجسم . وعرفنا ان الاستاذ محمود برات اراد ان يهاجم الناظر بالسكين . ومنعه الاستاذ هاشم محمد عثمان . واكتفى بأن ضرب الناظر بيده . وظهر الناظر والكدمات تملأ وجهه . وشجعنا الاستاذ هاشم على الاضر اب . وخرجنا فى مظاهره كانت الاولى فى ملكال واعتصمنا . وحضر الاستاذ مندوب المهدى بالطائره وحاول اقناعنا بالرجوع للدراسه ورفضنا . وغضب الاستاذ مندور المهدى وكان بالقرب منه خالد وهو من ابناء دنقلا فصفعه صفعه مدويه . وبالرغم من هذا لم نرجع الى الدراسه . وكان الاستاذ عبد الفضيل فى وسط هذه الظروف الحرجه . وبسببه لم تحدث اى تطورات او تحطيم وحرق كما كان البعض يفكر . بل اكتفينا انا ومحمد كلب الحر ومحمد نور بابكر بالرجوع فى الليل الى المدرسه وقطع سلك التلفون قبل المظاهره لاننا كنا من اولاد الخارجيه .

    لم يكن من السهل ايجاد التوازن والتوافق بين مجموعات قبليه مختلفه , الا ان الاستاذ عبد الفضيل كان ساحراً فى جذب الناس وكسب حبهم واحترامهم . واذكره يجلس فى المساء فى برش الصلاة حيث كان الاخ حسن شبور يدير قهوة شاى . الكبايه بتعريفه . ويطلب عبد الفضيل كبايه شاى له وللآخرين وتناقش كل مشاكل المدرسه .

    فى السنه الرابعه انضم الينا حوالى العشره من العائدين اللذين لم يتوفقوا فى الالتحاق بالمدارس الثانويه , احدهم كان الشاعر احمد محمد الحسن مشجع المريخ البارز . وكتب اول خطاب لاهله فى امدرمان قائلاً ان ابنكم قد ذاق العذاب اشتاتاً . وعندما حان وقت فراق ملكال كان يقول انه اتعس يوم فى حياته , ومن العائدين فاروق طه وهو ابيض اللون اهله من تجار جوبا . والاخ سماحه الذى كان قروياً اروش بمعنى الكلمه وضخم الجسم وبعضلات بارزه . وجد صعوبه فى التأقلم مع ملكال وزملاء الدراسه . قال ان والده نصحه بان يذهب الى ملكال لانه يحب الاكل والمنقه فى ملكال ذى راس الجاهل . ولم يجد المنقه فى الشوارع . عرفت من جعفر عبد الرحمن جوكس من خلال محادثه تلفونيه وهو فى اليابان . ان سماحه عمل فى الامدادات الطبيه وكان يرسل حصه ملكال واعالى النيل الى مديريات مختلفه . وعذره انه كان يكره ملكال لانه كان يتوقع ان يتحصل على مجموع اكبر . الا انه فى ملكال تحصل على مجموع اقل من مجموعه الاول ولم يلتحق بالمدرسه الثانويه ولهذا حقد على الجنوبيين . من القادمين كان الاخ اوشى وهو من قريه صغيره خارج حلفا . ومن هذه المجموعه الجديده كان الاخ الباقر وهو من الباوقه ووالده كان القائم مقام ابو دقن وكان نائباً لمحمد مصطفى الكمالى الحاكم العسكرى . وكان يتحدث بلهجه شايقيه مميذه وكان يصعب حتى على الشماليين فهمه فى بعض الاحيان .

    عظمه الاستاذ عبد الفضيل لمستها عندما ارتبطت لسنين طويله بمدرسه سويديه وكنت اناقش معها طريقه التدريس فى السويد وعلم نفس الاطفال . وهذا ما كان يطبقه الاستاذ عبد اللطيف بالظبط ولا بد انها سياسه بخت الرضا الناجعه . فعندما التقط تلميذه عوض وهو متطاول مضرب التنس فى نادى الموظفين بالمديريه واراد ان يباريه . لم ينسحب الاستاذ عبد الفضيل بل لقن عوض درساً لانه لم يكن يرى الكره . هذا بدل النهزره والغضب الذى قد يستغله التلميذ . وذكرنى هذا بفلم الممثل الاسود سدنى بويتر . عندما تحداه تلميذه الابيض فى ماتش ملاكمه . اسم الفلم هو TO SIR WITH LOVE

    وفى احد العصريات عندما كنا نطارد ثعباناً ضخماً يختفى وسط الحشائش والشقوق غافل مصباح عبد العليم الاستاذ عبد الفضيل بان وخذ قدمه بعصايه الناموسيه التى كان يحملها . فقفذ الاستاذ عبد الفضيل كما كان متوقعاً وبدلاً من الغضب انطلق ضاحكاً بصوت مجلجل واخذ الامر كنكته مفوتاً على مصباح او اى انسان اخر استغلال الموقف .

    واذكر انه نادانى مره فى الصباح وقادنى الى احد اشجار المهوقنى التى كانت فى واجهه المدرسه واشار الى اسمى الذى كان مكتوباً فى جزع الشجره بحروف ضخمه . وسألنى اذا كنت قد اشتريت الشجره . مما اخجلنى . وشرح لى اهميه البيئه والمحافظه على الشجر . فلقد كان ككل خريجى بخت الرضا يهتم بالبساتين والبيئه . وكان يقسم علينا احواض لكى نقوم بزراعتها ونحيطها بسياج من السلك الشائك فى الجزء الجنوبى من المدرسه .

    الاستاذ عبد الفضيل كان يحس ويعرف بأن الضرب والعقاب لم يكن يجدى معى بل يزيدنى شراسه وقوه راس . ولقد قال لى الاستاذ الجيلانى ابو القاسم وهو من اقرباء والدتى . يا شوقى انت ومسعود حمو الا يجيبوا ليكم بساطين من المانيا بساطينا دى ما قاعده تأثر فيكم .

    استاذ الدين واللغه العربيه سيد طه كان من اهل حلفا يبدو فاتح اللون يرتدى البنطلون والقميص الانيق . وكان على خلاف اساتذه الدين يبدو كأفندى وهو رجل مطلع وعضواً فى الحزب الشيوعى السودانى . كان الكثيرون يخاطبونه بالانجليزيه كعاده الافنديه فى ذلك الزمن . الى ان لفت الاستاذ عبد الفضيل نظر اعضاء نادى الموظفين الى ان الاستاذ سيد لا يعرف اللغه الانجليزيه , هذا بدون ان يعرف الاستاذ سيد .

    كان يأتينا زائراً استاذاً جنوبياً . وكان يكن حقداً عظيماً لكل الشماليين ولا الومه ويبدو ان رجله اليمنى كانت تعانى من شلل اطفال ولم اره مبتسماً ابدا . وفى احد الايام وفى بدايه الحصه نادانى واعطانى ورقه بعد ان كتب عليها شيئاً بالانجليزيه وطلب منى ان اخذها للاستاذ الحبر الذى انضم الى المدرسه ونحن فى السنه الرابعه . وعندما اخذتها الى الحبر لم يستطع قرأتها فاخذها الى الاستاذ عبد الفضيل الذى قرأها مباشرةً , ولا ازال اذكر الكلمات please lash him , he is chewing gum . وقمت بالاحتجاج قائلاً . يا استاذ فى ملكال فى لبان ؟ . وتفهم الاستاذ عبد الفضيل كلامى الا انه قال ده كلام الاستاذ . وعندما اخذنى الاستاذ الحبرلجلدى ناداه الاستاذ عبد الفضيل وتكلم معه . ورجع الاستاذ عبد الفضيل وجلدنى بدون ان احس بالسوط . على عكس الاستاذ محمود برات الذى كان يجعل عمليه الجلوس صعبه جداً ونضطر للنوم على بطوننا .

    بعد الناظر السئ اتانا ناظر لطيف مهذب كانت معه اسرته واطفاله وهو الاستاذ عبد المجيد عبد الرحيم . وتركنا الاستاذ سيد طه وأتى مولانا جديد هو مولانا عيد الله . كان ازهرياً متزمتاً لا يختلط ببقيه المدرسين لانه يعيش مع زوجته واطفاله واخيه الصغير الذى كان معنا فى المدرسه . كما انضم الينا الاستاذ فليب مضوى كومى وهو مسيحى من جبال النوبه . كان زميلاً للاستاذ عبد الفضيل فى الثانويه ولذا كانت علاقته معه جيده على عكس مولانا عبد الله . ولم يكن فليب يشترك معهم فى الميز . وكان كثيراً ما يذهب لشرب المريسه فى الحله التى على بعد كلم واحد من المدرسه .

    عندما اتى الاستاذ مندور المهدى لحل مشكله الاضراب . كان الاستاذ عبد الفضيل لا يدخن ابداً امامه بالرغم من انه كان كثير التدخين . وسمعته يقول انه كان يحاول ان يخفى اصابع يده اليمنى لانها مصبوغه بالنوكوتين , حتى لا يراها الاستاذ مندور المهدى لانه كان استاذه . هكذا كان المربيين متربين .

    وقبل الجلوس لامتحان الشهاده طالبوا الجميع بشهادات ميلاد او تسنين . ولقد ذهبت مرتين حاملاً ورقه زميل آخر لكى اعرض نفسى للكشف الطبى حتى يعطونى سن اقل من 16 سنه وإلا لا يسمح بدخول المدرسه الثانويه . وعندما كنا نستأذن فى الذهاب كان الاستاذ عبد الفضيل يعرف ولكنه لا يقحم نفسه ولا يتدخل . واذكر ان الاخ الشيخ وهو من اولاد الليرى وكان ( مرووشا ) كان يمثل احد الاخوان وعندما اخذه مساعد الحكيم الى حكيم باشا المستشفى حسبنا ان الامر سينتهى بكارثه الا انه قال ردا على السؤال ليه الورق ده قبيل جابو ولد تانى كان الرد انا ما كنت فى واديته لواحد صحبى . وانتهى الامر بسلام والشكر هنا لاستاذنا عبد الفضيل والا لما تمكن الكثير من اولاد ملكال من دخول المدرسه الثانويه ثم الجامعه .

    سنحت لى فرصه ان اعش مع الاستاذ عبد الفضيل تحت سقف واحد . فلقد كان من المفروض ان اصير تلميذاً داخلياً فى السنه الرابعه الا انه لسبب معين لم تصل اوراقى من وزاره المعارف . وكان كل شئ يسير حسب الاصول واللوائح فسكنت فى الميز مع الخال الجيلانى ابو القاسم وكان يسكن معه كذلك ابن اخته ربيع مكى لان والدته فاطمه ابو القاسم كانت فى امدرمان ووالده تاجر فى بنتيو . كما سكن الاخ مضوى مع شقيقه استاذ الحبر . وكنا الثلاثه صبيان مشاقبين . الا ان الاستاذ عبد الفضيل جعل ذلك الشهر جميلاً . وكنت لا اشبع من قصصه وحكاويه عن الجزيره وامدرمان وبخت الرضا . وحكى عن مدرس اللغه العربيه الذى شاركهم فى الميز وكان اكثر الآكلين . وعندما كان اشتراكه ثلاثه جنيهات رفض ان يدفع واصفاً صرف ثلاثه جنيه فى الاكل قله ادب . وكلف البقيه الاستاذ عبد الفضيل باستخلاص المبلغ من الاستاذ وتظاهر الاستاذ عبد الفضيل الحزم . ولكن عندما قال الاستاذ وليه انتو كل يوم تأكلونا لحمه وتحلوا بابو كريز . كان يقصد الكرز الذى كان يأتى الى السودان فى معلبات . من القصص التى لا ازال استشهد بها ان احد المزارعين ادخل اغنامه فى حواشه مزارع آخر فى ود سلفاب وانكر . وعندما احضر المصحف لكى يحلف عليه . لم يتردد المتهم واراد ان يحلف . والسودانيين قديماً كانوا يحلفون على المصحف المطبوع لانه لا قيمه له على عكس المصحف المنسوخ باليد . فقال صاحب الحواشه يا استاذ خليكم من الله ده بالو طويل الراجل ده بس يرفع ايده يقول وحاة الشيخ حسن ود حسونه . وطبعا تراجع المتهم واعترف .

    الاستاذ كان يحكى لنا قصص كثيره ولانه لم يكن هنالك مذياع او تلفزيون فكان هو المذياع والتلفزيون . واذكر انه وردت كلمه كابدلو . وهو الوعاء الضخم المصنوع من الزعف بغطاء يتخلله حبل . ولقد سأل الاستاذ عن الجمع لكلمه كابدلو ولم يعرف اى انسان الجواب وعندما قلت كباكه قال لى انت تمام ود حبوبات .

    السنه الماضيه عندما انتقل تؤام الروح بله الى جوار ربه وجدت نفسى اقول

    انبشقن كباكه الحزن وما تلمها حتى مسله .

    قالوا الحزن خضوع ومذله ليك يا غالى رضينا كان ننذله .

    ووجدت نفسى افكر فى الاستاذ عبد الفضيل ولولاه لما رسخت هذه الكلمه فى ذهنى . فى بعض الاحيان عندما تأخذ الغربه بتلابيبى اتذكر الاستاذ عبد الفضيل وهو خارج من دكان جارنا الشيخ الترزى فى ملكال . وسأله الجلابيه عاوزها بزراير ولا اعملها ليك دركسون مدوره . ورأيت الاستاذ عبد الفضيل يرفع نظره فى اتجاه الشمال نحو قهوه عبد الرجال وكأنه يحس بنفسه فى ود سلفاب ويقول اعملها ياخى دركسون عشان المره تخنقنى بيها وكانت هنالك نظرة حنين فى عينيه .

    لقد كان من الممكن جدا ان دراستى قد توقفت فى المدرسه المتوسطه . فأثر اختلاف مع مصباح عبد العليم الذى كان يكبرنى بعده سنوات ويبدو قوياً , بسبب المكوه . التى كنا نأخذ الفحم من تحت قدور العم سليمان الطباخ اخذ مصباح مكوتى بعد ان ملأتها استخفافاً بى. وكنت اقتنى فراراً صغيراً . وفى آخر لحظه قلبت الفرار وضربته ب ( قعر الفرار ) . وانتهى الامر بتدخل البوليس وذهاب مصباح للمستشفى . واذكر ان الاستاذ عبد الفضيل قد نادانى وقال لى بأنه سينهى المشكله وان اعده بأن لا استعمل اى فرار او عكاز داخل المدرسه وطالبنى بتسليم الفرار . وقلت له اننى قد ندمت ورميته فى النيل ونظر الى لفترة وبدا انه كان يعرف اننى صادق .

    وبعدها بشهور اشتبكت مع الاخ فاروق طه الذى كان من المنضمين الينا فى رابعه ( العائدين ) . وهذه المره السبب كان الماء الحار الذى كنا نصبه فى الاسره للتخلص من المرقوت . وفاروق كان ود ناس لم يكن يعرف اى شئ عن العباسيه والبنيه وضرب الراس وكانت اصاباته بليغه . وثار الاستاذ مولانا عبد الله وهدد بتأديبى وتعليمى الادب . فتركت المدرسه واغراضى . وقام بالاتصال بخالى اسماعيل خليل . وبعد صعوبه رجعت الى المدرسه . ولم يعاقبنى الاستاذ عبد الفضيل مفوتاً على فرصه ترك الدراسه .

    اذكر فى مدرسه بيت الامانه ان الاستاذ النور على وهو ابن عمتى كان يقوم بصفعى وانا فى الحاديه عشر بدون ان اتحرك الى ان توجعه يده . فاقول له خلاص كفايه يا استاذ . ولكن يبدو ان الاستاذ النور على لم يكن قد درس فى بخت الرضا . لانهم كانوا يمنعون المبالغه فى الضرب والاستاذ الذى يتعرض لمضايقه لا يقوم بالجلد لانه يكون غاضباً .

    فى مايو 1963 ذهبت مع ابن عمى بدر الدين احمد الحاج الى معهد بخت الرضا لان والده كان مساعد الحكيم هنالك عندما كنا بالقرب من النيل سعت الاستاذ عبد الفضيل يقول مندهشاً لاستاذ آخر . ده الولد الكنت بحكى ليكم عنه . وبدا الاستاذ عبد الفضيل سعيدا برؤيتى . وكنت ابدو كود ناس بملابس جميله احضرتها والدتى من انجلترا . فقال الاستاذ الآخر لكن ياخى ده ما شكلو شكل الحكاوى الحكيتها لينا . فضحك الاستاذ عبد الفضيل وقال والله الحاجات العملها انا ذاتى ما كنت مصدقها .

    شكرا استاذى عبد الفضيل انا مدين لك بالكثير انت احد اللذين صنعوا الوطن ولسوء الحظ سيذهب الابطال من امثالك بدون ان تجدوا التوقير والاحترام فانتم من زمن آخر .

    المخلص شوقى.
                  

12-30-2007, 11:32 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 66 للاسـتاذ شـوقـي بـدري.
    --------------------------------------------

    محن سودانيــــة 1
    ---------------------

    [email protected]

    30 ديسمبر, 2007

    شوقي بدري
    [email protected]

    لا أزال أحسب نفسى أكثر السودانيين فخرا بسودانيتى . التى لا تقتصر على قبيلة أو مكان معين ، بل أحسب كل سودانى وكل مكان فى السودان جزءا منى. ولكن هنالك عجز القادرين على الكمال . ونحن السودانيون ، وأنا منهم ، نأتى بالمحن والعجائب . وأظن لأن حساباتنا مختلة أو لأننا لا نهتم فى أغلب الآوقات .

    هذا الصيف ، وفى يوم عيد الفطر، ذهبنا بحافلة فى معية الأستاذة أميرة الجزولى ومحجوب شريف ومجدى وأسرته ومى ، احدى فراشات محجوب شريف الى هولندا بمناسبة حفل رد الجميل . وبينما أنا فى السيارة مع الابن الأخ أحمد مصباح منظم الحفل ، سألت الأخت الفنانة رشا شيخ الدين عن القاعة التى ستغنى فيها . وعندما عرفت أنها نفس القاعة التى غنت فيها أخيرا ، سألت اذا كانوا قد حسنوا الاضاءة أو غيروها . وعندما كان الجواب بالنفى ثارت ثائرتها . وبحساسية الفنان ومشاعر المبدعين أبدت غضبها . وحاولت التدخل وأنتهى الأمر بغضب الأخت رشا وتألم الأبن أحمد . لهما التحية . فذكرت لهم موضوع محن سودانية الذى كتبته من قبل .

    قبل سنتين أتت الفنانة الأخت سمية حسن الى السويد وتاخر الحفل عدة ساعات . لأن ( الساوند سستم) عصلج . وبعدها بأيام أقيم حفل فى الدنمارك . وكان من المفروض أن يبدأ الحفل فى السابعة مساء . الا أن الغناء بدأ بعد العاشرة مما جعل بعض الأوربيين يذهبون. خاصة زوجات السودانيين الأوروبيات اللآئى لهن أطفالا صغارا. بالرغم من أن الجميع دفعوا للحفل والعشاء . والسبب كان (الساوند سستم) .

    من ألأسطوانات التى لا أمل سماعها هى أغانى الأخ مصطفى السنى وأغانى رشا شيخ الدين . ولكن فى حفل هولندا لم نستمتع بها بالرغم من أنها ، بعد خيبة أملها فى الاضاءة ، وافقت على الغناء ولكن لم تتمكن من أن تؤدى نصف أغنية ، بالرغم من أنها أتت من اسبانيا . فلقد بدأ الحفل متأخرا كعادة السودانيين . وعندما أتى دور غناء رشا كانت المدة المحددة لايجار القاعة قد أنتهت . ووقفنا أمام القاعة لأكثر من ساعة لأنه كانت هنالك مشكلة جديدة . لأن الهندى صاحب (السساوند سستم) والمعدات الضخمة لم يستطع أخراجها لأن المصعد يتوقف فى الحادية عشر ، والسلم ضيق .
    والسودانيين كانوا يعرفون كل هذه الأشياء .

    المسئول الهولندى قد ذهب الى منزله . والهندى كان يرقص رقصة المطر . لأنو عنده اتفاق فى الغد . والمسئول لن يرجع الا بعد نهاية العطلة الأسبوعية . غلطان البدخلو شنو مع السودانيين ! . والغريبة أن الأخ كابو والأخ الدكتور محمد جميل الذى حضر من ألمانيا خصيصا أصروا على أخذى الى مطعم للعشاء ( يا خى الساعة سبعة شنو ؟ ما فى سودانيين بيبدوا فى مواعيدهم) ولقد صدق حدثهم .

    قبل ثلاثة سنوات أتت مجموعة من شباب المراقبة الجوية فى السودان . والمجموعة الأولى كانت مكونة من تسعة من الرجال وثلاثة من الفتيات . ثم تبعتهم مجموعة أخرى من اثنا عشر شخصا . وأذكر أننى قابلت الأخ محمد الحسن مدير الطيران المدنى عندما حضر لتوقيع أتفاق من السويديين قبل حضورهم بمدة . وعندما سمعنا بحضور المجموعة الأولى ، هرعنا اليهم فى مسكنهم .
    وكالعادة يأتى مجدى الجزولى بأخبار طالبى اللجوء الجدد أو أى سودانى جديد . فنهرع اليهم لأنو هذا أقل من يمكن أن نعملو . وهذا حق المواطنة وحقهم علينا . ولا جميلة أى زول .

    ودعاهم مجدى لحفلة شاى . وأذكر أننى قلت لهم ( حنجى ناخدكم ، وحنطر نرجع مرتين. ما فى لزوم أقول ليكم تكونى جاهزين. انتو ناس بتنزلوا الطيارات بالثانية . تنتظرونا بره جاهزين . ) وبالرغم من أنو معاهم اتنين من مدرسينهم ، تأخروا كعادة السودانيين . وفى نهاية الحفل قلت لهم ( تجوا تقيّلوا معانا يوم الأحد . لكن يا جماعة ما فى تأخير المرة دى. الساعة واحدى تكونا جاهزين واقفين برا السكن . )

    وتصادف فى ذلك اليوم أن زوجتى كانت ستسافر لزيارة شقيقتها بسبب اتفاق قديم ، وكانت ستأخذ معها والدتها . فقلت يا شوقى انت أماتك كان بوضبوا الخروف بليلو للضيوف . وجهزت كل شيىء بنفسى . الكبدة النية بالدكوة ، وشطة خضرة وشطة حمرة ، وشية صاج وشية جمر . وطربزتين وست . وغلاط وخرخرة وكنت أحس بالدموع فى عينيى . وكان من أسعد أيام حياتى . بالرغم من أننى ذهبت فى الساعة الواحدة والجماعة كانوا (فى اللسه بطمطا والما لبس بالرغم من كلامى وتشديدى) .

    هنالك شيىء آخر ، فى موقف مثل هذا ، لأن زوجتى لم تكن موجودة ، لم يساعدنى سوى صديقى فريد العراقى ، فالمتوقع أن بعض هؤلاء الشباب أن يشارك ، أن يقدم ، أن يساعد . ولكن السودانيين عادة على عكس الأوروبيين لا يتحركون . ولا يشاركون . هذا الشباب الجميل الذى أتى لزيارتى كان يعتبر من زبدة المجتمع السودانى ، ولكن الحلو ما يكمل.

    لاحظت أن هذه المجموعة يشترون للميز من دكاكين صغيرة غالية . وعددهم قد صار أربعة وعشرين . فأقترحت أخذهم الى متاجر تبيع بالجملة حيث يقل السعر أربعين فى المائة . وعندما رجعت بالسيارة الكبيرة ، وكان يساعدنى شخص واحد ، كنت أحمل جوالات الأرز والطحين والسكر بالجوز على أكتافى . وبعض هؤلاء الشباب فى عمر أبنائى، لم يكن يتحركون . وكأنما الأمر لا يهمهم .

    أقترحت عليهم أن آخذهم الى أحد الأسواق المفتوحة حيث يمكن شراء الجوالات بثلثى الثمن الذى دفعه بعضهم . كما يمكنهم شراء الجاكيتات وأشياء أخرى بأسعار رخيصة . ولأن لى سيارة تحمل سبعة أشخاص ، فلقد اقترحت أن ينتظرنى ستة منهم . وسبب لى هذا مشكلة لأنو من المفروض ألا أترك ابنتى تذهب الى تمرين كرة السلة بالدراجة بعد الظلام وهى فى الثالثة عشر . وعندما حضرت كان هنالك شخص واحد فى انتظارى . وعندما أحس بغضبى وثورتى قال لى ( يا خى فى ناس نايمة وناس مشغولة وأنا ما مسئول من التانيين . ) فأخذته الى السوق المفتوح وحاولت أن أنسى الموضوع . وحددنا مواعيد أخرى . وفى المرة الثانية لم يحضر انسان . فتوقفت من فرض نفسى عليهم . آخذا بنصيحة الأخ حسين ود الحاوى ( ما تعمل أى حاجة الا الناس تطلب منك . والزول كان ما عرفتو منو ، أهلوا منو بيعمل ليك مشاكل . وليه تتعب نفسك ؟) . وفجاة يتصل بى أحد المبعوثين ونحدد مواعيدا ونتقابل . ويطلب منى أن أتوسط له عند السويديين لأنه لم ينحج فى الامتحان وسعيدونه الى السودان . وأفهمته بأن فى السويد لا توجد وساطات . وحتى اذا وجدت فأنا لا أمتلك العضلات أو الأهمية . ويقترح أن أساعده فى تدبير اقامة . أو لجوء أو أى شيىء والرجل حسب كلامه متزوج وله أطفال كبار .

    وشرحت للأخ أن موضوع اللجوء معقد وطويل ، وأن الاقامة لا يمكن أن تمنح الا بسبب لجوء أو زواج ، أو لأمر خاص كلاعب كرة قدم أو مغنى أو خبير فى منظمة . ونحن فى سيرنا تتصل بى ابنتى نظيفة التى كانت قد حضرت من ميامى – فلوريدا ، حيث تدرس فى المدرسة الثانوية ، للأحتفال بعيد ميلادها الثامن عشر مع والدتها وجدتها . فهى محور حياتهم . وكانوا يعتقدون أن الدراسة السويدية ، بالرغم من أنها جيدة ومجانية ، لن تشبع رغبتها فى التعرف بالعالم . والمدرسة الخاصة فى فلوريدا تشمل نشاطات مختلفة فى التأقلم على الحياة البرية والفروسية والرياضة ، كرياضة الدفاع عن النفس وغيرها . وعرجت على بنتى وقابلتها والرجل معى وحددنا مواعيدا لكى نتقابل قبل رجوعها الى فلوريدا .

    وبعد أيام اتصل بى نفس الشخص من منزل مجدى الجزولى وطلب حضورى السريع . وتركت كل شيىء وهرعت اليه . ووجدته مع مجدى الجزولى وزوجته الأخت التومة . وبدون اضاعة أى وقت أقترح على أن أحل مشكلة اقامته بأن أزوجه ابنتى نظيفة لأنها أكملت التمنتاشر سنة . والغريبة أننى لم أغضب ، بل كان هو الغاضب . وعندما قلت له أن ابنتى سترجع لاكمال دراستها فى فلوريدا وأنا لن أحلم فى أن أفرض عليها زواج أى انسان . وان لابنتى أحلامها وطموحاتها . ولا أظن أن والدتها أو جدتها سيوافقون . وكان رده ( ما انت أبوها ، ديل دخلهم شنو ؟ . أنا حأعرسها ليك سنة وأفكها . بعد ما آخد اقامتى تعمل العاوزاهو . وانت لا قينى وين ؟ . انت قايل أنا زول ساهل؟ . )

    بعد المصائب لا تغضب لأن الانسان يكون قد دخل فى مرحلة المحنة . ولم أقل له أن والدة ابنتى التى تتمتع بجمال ملفت حتى فى السويد ، وجدتها التى كانت تدير شركة للتصاميم وتبالغ فى أناقتها مثل ابنتها ، يتوقعون الكثير لنظيفة . وهذا الصيف عادت من البرازيل بعد أن قضت سنة كاملة فى دراسة رياضة الدفاع البرازيلية والعيش فى البرية . وأنه رجل متزوج فوق الأربعين وله أطفال .

    وعندما أخذته الى مسكنه رجعت الى مجدى االذى سألنى مباشرة ( آ ها ، الراجل دقيتو ؟ أنا قلت للتومة شوقى ساقو يدقو) فقلت له ( يا خى الراجل مسكين ما بستاهل الدق .) والغريب أن الرجل أتى لمجدى فى الأول قائلا أنه قد قابل طليقة مجدى السودانية . وعرف أنها تحمل جواز سفر سويدى . فطلب من مجدى أن يزوجها له . فقال له مجدى ( هو وقت أنا طليقتى دى مالى فيها ايدى قدر ده ، مطلقها ليه ؟ ) فقلت ( انت ما دقيتو ليه ؟ ) فقالت الأخت التومة دا زول يمحن . ورد الفعل كان أن قلت لنفسى ( انتى يا شوقى مالك ومال الحمار البرمى سيدو؟ ) الى أن اتصل بى الشخص الوحيد الذى حضر للذهاب الى السوق المفتوح الذى أعتبرته أكثر معقولية من الآخرين . ويبدو أنه كان يفتكر أنه يتكلم مع خدام بدفتر ، أو صبى نجاروهو الأسطى . وهذا قبل يومين من عيد الفطر . ( بكره عاوزنك تجينا عشان تودينا للجزار اللى اشتريت منو الخروف عشان تجهز لينا اللحمة بالطريقة العملتها لينا . وتجهز نفسك عشان يوم العيد تكون معانا كل اليوم ، وتجيب لينا المنقد بتاعك معاك والفحم والحاجات ) وكانت يتكلم عن ( القريل) الذى يمشى على عجلات ويحتاج لشاحنة لنقله .وأنا ما مفروض يكون عندى أى شغلة ولا ضيوف أجونى ، ولا عندى أولاد ، ده كلو ما مهم ، سيادته عاوز شية . ) وأكتفيت بعدم الرد وأخذت معطفى وذهبت .

    بعد العيد اتصل بى أربعة من المبعوثين وقالوا لى أنهم يحسون بأننى قد توقفت عن زيارتهم وسيأتون لزيارتى . وأنهم لا يريدون أن يكلفونى مشقة احضارهم وأنهم يعرفون الطريق وسيأتون . وبعد ساعتين اتصلوا بى وقالوا لى أنهم قد ضاعوا . وسألتهم من تحديد المكان وكان ردهم ( نحن جنب يافطة مكتوب عليها (مالمو آفييشن) ، وهذه شركة طيران أعرفها جيدا ، لأن والدة نظيفة تعمل فى ادارتها ، ولهذا زارت نظيفة ووالدا تها العالم ، من أستراليا الى نيو زيلندة الى أمريكا اللأتينية ، أفريقيا وجزر الكاريبى والصين واليابان ، وهذه هى نظيفة التى يريد الأخ أن يتزوجها ويفكها . ولكن اليافطة كانت اعلان للشركة . وطلبت منهم اعطائى اسم الشارع ، وبعد عدة تلفونات وتعب حددت مكانهم ، وكانوا فى الاتجاه الآخر من المنزل. وأحسست بروعتهم ودفىء العلاقة السودانية وتألمهم الحقيقى لانقطاعى عنهم . فالسودانيون شعب عظيم لا يماثلنا أى شعب فى الحميمية وسهولة وعمق التواصل . وسنهرع ونركض عندما نسمع بأى سودانى فى أى مكان . المشكلة بس نحن شعب بتاع محن . نأتى بتصرفات غير معقولة . وكنت ، ولا أزال أقول للآخرين انتم لستم مثلنا . نحن نعرف كل سودانى بالرغم من أن السودان قارة ، ونعرف أخبار كل السودانيين وأبنائهم ، وليس هنالك سودانى من أى جزء من السودان لا نعرفه ، أو نعرف شخص يعرفه ، أو نعرف أهله وقبليته . بس الله يكفينا شر المحن .

    ونواصــــل .

    [email protected]
                  

12-31-2007, 01:30 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    مـقالات كـتبها الأستاذ شـوقـي بـدري وتـم عـرضها فـي وقـت سابق وتـمت
    " أرشـفتهـا ":
    _______________________________________________

    1- الـقروش
    2- الـمـرتزقـة
    3- أجـدادنـا " ود الشـقليـنـي "
    4- شـيـخ وشــيـخ
    5- رياضـة أخـر الزمـن
    6- الفنان الراحـل الـتاج مـصـطـفي
    7- النسـخـة الأمـدرمانيـة من " ريـا وسـكينـة " قضـية الشنطة الشهـيـرة
    8- العـودة الـي وجـه القـمـر والناعسات عـيـونن
    9- رسالة الـي دكـتور خالـد المبارك ( دكتور خالـد الـمبارك لـماذا )
    الـجـزء الأول
    الــجـزء الثانـي
    10- الـديـات
    11- زقـاق الـصـابـرين
    12- سـيـرة عن حـياة الأسـتاذ شوقي بـدري
    13- الفنان ابراهـيم عـوض و( الـجـرتـق )
    14- الأمـثال السـودانيـة
    15 - الـحـقيبـة ... فرسـان وأفـنـديـة
    16 - الـفريق عـلي صـديـق
    17 - عـظـماء تعلـمـنا منهـم... محـجــــوب عـثـمان
    18- ابراهـيم عـوض ... الفيـس برسـلي السـودان.
    19- مـن أنـصـع صـور ألأدارة الأهـليـة.
    20- مـصـر الـمؤمـنة تتـمادي في احـتقارالسـودانييـن.
    21- عـمـر القصـاص " بـعـبـع " الـحـراميـة:
    22- اسـتقلال الـجـنـوب.
    23 - اغاني سـودانية خـالـدة،
    24 - احـد شجـعان بلادي الأستاذ شـوقي مـلاسـي،
    25 - لام كـول وزيـر الـخارجـية المـمـيـز،
    26 - اكـوت ديـت - الـدكتور جـون قـرنق،
    27 - الـديقراطيـة وسـياحـة تشرشـل وهـتلر ونـميري،
    28 - اهـل الـدينكا اروع السـودانييـن،
    29 - رد عـلي الاستاذ شـوقي بـدري،
    30 - السـودان - السـويـد الـتشـابه،
    31 - ختان البنات والعـدالة السـويسـرية،
    32 - حـكاوي أمدرمـانيـة،
    33ـ فقـراء وسـحـرة " 2 "،
    34- حـكاوي امـدرمان ويـهـود السـودان،
    35ـ ماذاكتب الـطـيب صـالـح عـن الاحــفاد،
    36ـ حـلاليـب الـمـصـرية،
    37ـ لـكي لانـظلـم الأخـريـن،
    38ـ مـصـر الـمؤمنـة واحـتقارالسـودانييـن،
    39ـ الـصـحـفي شـوقي بـدري،
    40ـ رد عـلي مقالة شـوقي بـدري ود. لام كـول.
    41 - مسئول البطانة . خيار وفقوس.
    42 - حنق .. شوقي بدري.
    43 - شكسبير وادي النيل التجانى يوسف بشير.

    44 - أبو الوطنية الشاعر توفيق صالح جبريل
    مرور 110 اعوام على ميلاد الشاعر توفيق صالح جبريل.

    45 - بــانت ...

    46 - سر تجار امدرمان . العم سليمان.

    47 - الأخ موسس أكول سفير السودان فى استوكهولم.

    48 - مصطفى بشير فارس أهملناه كعادتنا......

    49 - العالم السفلي ....
    المختلسين و محمد افندي الصراف!!

    50 - المسكوت عنه....لماذا يتجنب العرب الفن السوداني?

    51 - محجوب شريف خلف القضبان في السويد ويقابل عتاة المجرمين!!

    52 -رسالة إلي حسين خوجلي!

    53 - العراق , البطل المظلوم ( توجد صور ) .......

    54 - قصيده للابن احمد عثمان ابنعوف/شوقى بدرى

    55 - رسالة إلي حسين خوجلي (2)
    حسين خوجلي وقهوة شديد.

    56 - رياك قاى ترت .

    57 - اطفال دارفور والوهم.

    58 - رساله الى الاخ التجانى حاج موسى.

    59 - هل السوداني اضينه!?


    60 - انفصال الجنوب
    السلام المستهدف.

    61 - رساله للاستاذ حسين خوجلى (3).

    62 - الاخ الاستاذ شوقى بدرى لك تحياتى وامنياتى الطيبة وبعد.

    63 - ظاهرة الظلامية دكتورة بيان والمزعج ملاسي.

    64 - هل يصدق الصادق ما يقول?.

    ----------------------------------------------------

    مـواضـيـع مابـعـد الأرشـفة:
    ___________________________

    65- المربى الكامل عبد الفضيل حسن على.

    66 - محن سودانيــــة 1.
                  

01-06-2008, 01:57 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 67 للاسـتاذ شـوقـي بـدري.
    --------------------------------------------

    محن سودانيــة ( 2).
    -----------------------

    [email protected]

    05 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]


    بعد كتابة الموضوع الأخير قبل حوالى أسبوع ، قلت للأخ عثمان الذى يساعدنى فى الطباعة ( تعال أوريك محنة سودانية ) وكنت قد أتيت الى منزله ماشيا . لأنه بعد شارعين من منزله توقفت السيارة ولحسن الحظ فى شارع قليل الحركة . وبعد محاولات اكتشفت أن العربية قاطعة بنزين . وهذه ليست أول مرة . وقد لا تكون آخر مرة . جيرانى السويديين يقوومون بألطواف حول السيارة بعد اخراجها من الجراج . ويتأكدون من أن الاطارات بضغط مناسب ، والاضاءة والاشارة كلو تمام . ويتركون السيارة لفترة قبل الانطلاق بها حتى يكون الزيت قد ارتفع الى المكنة وغطى كل الأطراف . ولكن نحن بس دوّر ودوس . ما بنعرف حتى مستوى البنزين وعندما يسألنا شخص عن ضغط الهواء فى اطاراتنا يكون الجواب ما عارف.

    هذه المرة كان السبب هو عدم الاهتمام وليس عدم الفلوس . آخر مرة وقفت السيارة كان خارج عن الارادة . فلقد اتصل بى طبيب اخصائى من مدينة لوند الجامعية وذكر لى أن أحد زملائه سيأتى من استكهولم لمؤتمر طبى وأنه يريد أن يتعرف بى ، ففرحت . وبالرغم من أن الأمور ( كانت حارقة ) فلقد استدنت وعملت غداء أعتبره مشرّفا. وبعد أيام اتصل بى الدكتور طالبا منى أن أحضر له الطبيب الضيف لمنزله ، لتناول طعام الغداء . فدبرت مبلغ لشراء عشرة لترات بنزين ما يكفى فقط للمشوار. وفى حوالى الخامسة مساء ، اتصل الطبيب قائلا ( يا خى فى شوية مطرة زى ما شايف ، والراجل ده عاوز تجى تسوقو ) وطبعا لم يكن فى الامكان أن أقول له والله أنا ما عندى بنزبن . واذا كان هذا أوروبيا لتفهم الموضوع بسهولة . والأوروبى عادة لا يكلف الآخرين . وقد يأتى بالباص أو المواصلات العامة . ولكن نحن السودانيين لا نقيّم ولا نأخذ ظروف بعضنا البعض فى الاعتبار . والمشوار بتاكسى (مينى) لا يزيد عن عشرين يورو. وهذا مبلغ صغير جدا فى السويد لن يؤثر على أى من الدكاترة الأخصائيين . والغداء الأكلو ده أنا ذاتى ما عزمونى ليهو ، ولا كشكرو لى . والدكتور صاحب البيت ممن نسميهم (بيق بن) ، لا يقدم ولا يؤخر .

    وفجأة تذكرت القزاز الفاضى الذى يملأ الجراج . ولكن كيف الوصول الى الدكان والبنزين على الحركرك . وتذكرت الجركن بتاع مكنات الجنينة . وعندما أرجعت الدكتور الى هويتيله ، اقترح أن آخذه فى جولة فى المدينة . فأقترحت أن أحضر فى اليوم الآخر حتى يكون هنالك وقتا كافيا . وانا سعيد لأن السيارة الكبيرة التى تلتهم كميات ضخمة من البنزين أوصلتنا الهويتل وسترتنى . الا أنها لم تصل الى البيت فلقد قطعت فى الطريق . لماذا لا يعرف أغلب السودانيين ما هو الاتزان ؟ ولماذا نصرف أكثر من الأكثر فى الجيب ؟ ولا ننتظر الغيب بل نفترض بأن الغيب ملزم بأن يأتى بما نريد . ولماذا لا نقول بوضوح وأمانة ، ما عندى ، ما بقدر ؟ ولماذا لا يسأل الآخر عن وضع وظروف الناس ؟ . ولماذا الليلة عندنا وبكرة ما عندنا ؟ ولمن يكون عندنا نصرف صرف من لا يخشى الفقر ولا نتعلم من غلطاتنا.

    من الأشياء التى تحسب ضدنا هو تدخلنا الشديد فى خصوصيات الآخرين . بل اسداء النصح ومطالبة الآخرين بتقبله بدون أن يطلب منا ذلك . يكفى أن نتصافح حتى يقتنع الآخرون بأن عندهم حق فى احتلال حياتك .

    فى صيف 1994 ، أتى سودانى لزيارتى ومعه ابن أخته ، وزوجة ابن الأخت وطفلتهم . وقضوا معنا عطلة نهاية الأسبوع . وقبل ذهابهم قال لى ابن الأخت الذى كان يحضر شهادة دكتوراة وهو الآن مدرس فى كلية الطب . ووالد زوجته من أعظم بروفسورات كلية الطب فى السودان ( يا شوقى يا خى انت مدلع ولدك ده وما مؤدبو ) . وولدى الذى كان يتحدث عنه هو ( فقوق نقور ) وكان عمره ثمانية أشهر .

    فى مايو 1995 عندما حضر البشير وعصابته الى مؤتمر كوبنهاجن العالمى كنا ننظم مظاهرة . وعندما قدم الأكل فى منزل الأخ صلاح عبدالجليل الذى يعمل ك ( شيف) فى أحد المطاعم الراقية فى كوبنهاجن . ومستوى الأكل كان جيدا . وكأغلب السودانيين ، كان السيد الدكتور يفتك باللحوم وكأنه عنده غبينة . ويعزم علي . وعندما قلت له أنا ما باكل لحم كان رده ( انت عوير ولا شنو ؟ . كيف ما تاكل لحم ، تاكل. ) وكنت على وشك أن أرد عليه . عندما كابسنى صاحب الدار بنظرة ( بالله عليك ما تعمل لى مشكلة ) .

    فى الصيف قابلت الدكتور الذى صار بروفيسورا . وعندما عرف أننى لم أذهب الى السودان لفترة ، هاج وماج وأعتبر تصرفى كلام فاضى . ( تمشى تقطع تذكرة طوالى تمشى تشوف أهلك . خلى الكلام الفاضى البتسوى فيهو ده . المقعدك شنو الوقت ده كلو ؟ . ) فقلت له (شوف يا دكتور. دى المرة التالتة والأخيرة تتكلم معاى أو تدينى نصيحة . أنا ممكن أديك نصايح كتيرة جدا جدا ، من طريقة لبسك الى اسلوبك . انت العرفك شنو بظروفى . امكن أنا قاتل فى السودان ، أو ما عندى أهل ، أو عندى أسباب شخصية حاميانى . فى 1994 قلت لى ولدى العمرو تمانية شهور ما مؤدب . فى 1995 وصفتنى بالعوارة . دى الوقت بدون ما تربطنى معاك أى معرفة خلاف مقابلات طايرة . العوارة البتسوى فيها هسى انت ده . ولو ما احترامن لنسيبك البروفيسور أنا كنت من الأول وقفت فى حدك . )

    بهذه المناسبة ، ذكر لى الأخ صلاح عبدالجليل الذى دارت المناقشة فى بيته ، ذكر لى أنه كان جالسا فى مقهى فى كوبنهاجن مع سودانى آخر من أولاد العرضة متخصص فى تقديم النصائح . فمر بهم أخ من جيبوتى يعرف صلاح . فعزموا عليه بكباية بيرة . وعندما عرف الآخر بأنه من جيبوتى ، ذكر له بأنه كان فى جيبوتى. وأنه يجب أن يرجع مباشرة الى جيبوتى لأن هنالك فرض خيالية . كل ما يحتاجه هو قارب وشباك وأن يقوم بصيد الأسماك وأن يبيعها لأن الأسماك موجودة بكثرة وأن أثمانها غالية . ويمكن ان يتطور هذا الأمر الى مخازن مبردة وأسطول شاحنات . ولساعتين كان الجيبوتى المسكين يتلوى ووجهه يتغير وهو يستمع الى حياته كيف ستكون ولماذا وعشان شنو . ولم يشرب البيرة حتى سخّنت . فقال صلاح بعد انصراف الجيبوتى ( هل انت ممكن تتصور الجيبوتى ده حق البيرة دى ما عندو فى جيبو . وكيف تحكم للراجل وتخطط ليهو حياتو فى ثوانى ) . امكن الراجل ده عوم ما بعرف بعوم . عاوزين يشغلو سماكى

    من الأشياء الغريبة انو السودانيين يسألون عن أشياء تعتبر من المحرمات . أحد الاخوة قديما قال لى ( يا اخى السودانيين البجو زيارة ديل بعتبروك انت جزء من الأساس الفى أوربا . وبتعاملو معاك على هذا الأساس . بعدين بسألوك عن زوجتك أم أولادك الأوربية أسئلة ما ممكن تخطر على بال انسان . حتى عن طريقة ممارسة الجنس . وقدر ما تتزاوغ منهم يصروا على التفاصيل وعاوزين يعرفوا . ويضايقوك لدرجة انو ما فى طريقة تجاوب على أسئلتو دى الا تقول ليهو قوم اخد ليك سحبة .

    فى التمانينات اتصل بى مهندس سودانى يعمل فى الخليج . لأنه عرف بأننى أمثل شركات أوروبية تتعامل بالألياف البصرية قبل أن تصير شيئا معروفا وعاديا . وبعد تلتلة وتعب كنا على وشك أن نفوز بعقد مع شركة بيرلّى الايطالية التى تشتهر أكثر بصناعة الاطارات . الا أن المهندس السودانى أراد أن يذهب الى السودان بمناسبة العيد . فذكرته بأنه حدث وأن فقدت عقدا ضخما لأن مندوب شركة انجليزية والذى كان معى أراد أن يرجع الى انجلترا لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة . والخليج فى السبعينات كان مملا ، ووافقت أنا . وعندما رجعنا كانوا قد صرفوا النظر عن الموضوع ، وألغى . والمطلوب منا كان اعطائهم قائمة مفصلة بالأسعار لكل غرض صغير بسبب التأمين. وبدلا من أن نجلس لأيام ونعطيهم اللستة فضلنا الاجازة. ولم أرد أن أكرر الغلطة . الا أن المهندس السودانى كان مصرا على قضاء العيد فى السودان وكان يقول ( يا اخى ما ممكن أخلى أولادى يعيدوا براهم فى السودان ، ويا خى أنا مشتاق لأولادى . ) فأردت أن أخفف عنه وقلت ( ما أنا برضو يا خى مخلى أولادى . ) فتغير وجهه وبدأ عليه الغضب . وقال ( يا شوقى أنا بتكلم ليك عن أولادى أولادى أنا من سودانية . انت حتقارنهم لى مع أولادك من الأوروبية . انت بتهظر يا شوقى ، مش كده ؟ ) فقلت له طبعا بهظر . معقول أقارن أولادى من الخواجية بأولادك . فبدأ الارتياح عليه وقال لى والله فى الحقيقة أنا قربت أزعل منك . وسافر المهندس الذى كان يلقب بالكابتن . وتصادف أن قابلت الأخ محمد محجوب رحمة الله عليه الذى كان يمثل الشركة المنافسة لنا ، وأن الكابتن يتعامل معهم . وعندما رجع الكابتن سأل عن نصيبه . فقلت له ( نصيبك اتقاسمناه أنا والانجليزى شريكى . وحقى أنا صرفته على أولادى المساكين الأمهم أوروبية .) الغريبة أن هذا الشخص فى السودان كان يواجه التفرقة . وزوجته فى السودان تعتبر حلبية . وكنت أنا أتعاطف معه من هذا المنطلق الى أن عرفت منه أن أبنائى من الأوربية هم خارج المنظومة البشرية .

    أخى أحمد عبداللطيف حمد تحصل على وظيفة جيدة فى الدفاع فى أبوظبى بعد أن تخرج من براغ . وزوجته أوربية . وهو كان ولا يزال كما يقول صديقه الأقرب الشنقيطى ابراهيم بدرى رحمة الله عليه ( أحمد أسرع انسان فى الدنيا بطلع جزلانو) ولهذا كان يسكن معه بعض السودانيين فى السبعينات خاصة من أبناء مدينته ودمدنى . وزوجته كان تقول أن السودانيين لا يحترمون المرأة الأوربية . وتحاول أختى الهام أن تخفف عنها وكانت تقول لالهام ( انتى لامن تجى ، الأولاد ديل بجروا أوضهم ، يغيروا هدومهم ، ويقعدوا بأدب وأنا يجونى فى أوضة النوم داخلين بدون ما يدقوا . ويصحوا عبداللطيف ولدى ، ويسألو من البهارات ، الشطة وين ، الفلفل وديتيهو وين ؟ زى كأنو المرأة الأوربية دى واحدة منهم . وكانت تقول أن هذا الأمر حتى فى أوروبا كان عاديا . زملاء زوجها كانوا يعرفون أنها تفهم الشتائم العربية الا أنهم كانوا يتبادلونها بسهولة أمامها .



    والدة أحمد عبداللطيف حضرت الى الامارات وقابلت حفيدها عبداللطيف . بعد الاجازة وبعد أن خدمتها زوجة أحمد الأوربية بادينها وكرعينها ، قالت لأحمد وهى فى الطريق الى المطار ( أها يا ولدى العرس متين ؟ .)

    نحن السودانيون نحسب فى بعض الأحيان أن الأوربيين ديل ناس أغبياء . ولكن نحن السودانيين حيرنا الأوربيين كثيرا . كنا نحتاج تأشيرات دخول لكل العالم تقريبا . وعندما تقدمنا بطلب فيزا ترانزيت للدنمارك فى طريقنا الى براغ ، سالنا القنصل الدنماركى عن تأشيرة الدخول لألمانيا الشرقية . وعندما قال له الأخ صديق بدوى مصطفى الموجود الآن فى واشنطن اننا لا نحتاج فيزة دخول لألمانيا الشرقية بدأ محتارا . ثم رجع ، بعد التأكد ، ليقول لنا ان بلادكم كانت لا تحتاج لفيزات لألمانيا الغربية . تخليتم عنها ، وقطعتم علاقتكم مع بريطانيا التى تربطكم معها مصالح اقتصادية ضخمة . كل هذا بسبب العرب . والعرب لم يقاطعوا ولم يقيموا علاقات مع ألمانيا الشرقية . وهز رأسه غير مصدق .

    هذا الدبلوماسى العجوز أتانى مصحوبا بسيدتين دنماركيتين تعملان فى السفارة وهو يبدو سعيدا وقال لهم لقد كسبت الرهان . هذا شاب فى العشرينات يكتب رقم التسعة بأرجل . انتو قلتو أنا الانسان الوحيد فى الدنيا دى البيعمل للتسعات رجلين ، وكان هذا فى بداية التسعينات .

    وبعد فترة استدعيت الى مكتب بغرفة جلوس فى داخل القنصلية الألمانية . وواجهت سيدة واثنين من الرجال . ومباشرة أحسست بأن الموضوع ليس نكتة كما كان فى القنصلية الدنماركية . فلقد كان جوازى المسكين على التربيزة وأطلس كبير مفتوح وأوراق وكتب . وقالت لى السيدة ( أنظر الى جوازك هذا . لقد قطّع بطريقة معوجة . الزاوية ليست قائمة كأى كتاب أو كراس 90 درجة . الخياطة بارزة ، والخيط ظاهر . اسمك مكتوب خطأ . فى سجلاتنا أنت بدرى بالحرف (اى) لماذا صارت (أيه) . فشرحت لها ان اسم خروتشوف الرئيس السوفيتى كان يكتب بعشرات الطرق . فقالت هذا ما فكرنا فيه . ولكن انت كنت مولود فى الأبيض . لماذا صرت فجأة مولود فى أمدرمان ؟ . لقد فكرنا أن الأبيض جزء من أمدرمان أو بالقرب منها . ولكن بالنظر الى الخرط هنالك مئات الكيلومترات بينهما . وهذا القطع فى حاجبك الأيمن لقد انتقل الى حاجبك الأيسر . تفسيرنا أن العفريتة قد طبعت بالغلط . ولكن كيف يطبع صاحب استديو مسئول صورة وثائقية بهذا الاهمال ؟ وكيف فات هذا على سلطاتكم ؟ . ولماذا لم تهتم أنت عندما استلمت أنت هذا الجواز بالتدقيق ؟ . ,أخرجت من حقيبتها مرآة صغيرة لترينة القطع. وكلمة ( بسنس مان) مكتوب بال (بى) التقيلة بدلا من الخفيفة ؟ وهل طولك خمسة قدم وستة بوصة ؟ لقد قطعوا منك أقل شيىء سبعة بوصات .

    قديما كان كل السودانيين ولا يزال ، العيون عسلية ، الطول خمسة قدم وستة بوصة . وهذا يشمل أى زول من البعيو الى الأخ دينق لاعب كرة السلة فى أمريكا الذى كان طوله 2 متر و 37 سنتميتر . وأغلب السودانية يا محمد ، يا أحمد ، وكلهم مولودين يوم 1/1 مما كان يحيّر الناس فى المؤتمرات . ولكن السلطة فى السودان وفى كل العهود لم تكن تهتم . يعنى الأوروبى يقيف قدامو سودانى رأسو فى العرش ومكتبو طوله خمسة قدم وستة بوصة .

    والدبلوماسية الألمانية فى مالمو أعطتنى فيزة لألمانيا ، لأنها كانت تقول ما دام السويديين أدوك اقامة ، أنت مسئولية السوديين حتجيعهم راجع . ولم يكن فى امكانى أن أشرح لها أن من يكتب الجوازات شخص نصف متعلم . وتوضع أمامه جبالا من الجوازات ليقوم بنسخها حسب مزاجه . واذا أحتجيت يقولون لك يا خى احنا غلطنا فى البخارى ؟ . وبعدين لامن تستلم جوازك ده ما تكون صدقت . بس تقبضو وتقوم طاير . وبعدين نحنا بقينا فارغين زى الألمان ؟ نقعد ندقق القطع فى الشمال ولا اليمين . أنا مما ضربنى على جادالله بالقزازة فى مدرسة بيت الأمانة الأولية ، وشيخ الريّاحى عمل لى صبغة يود ولف لى شريط عمة تانى ما اشتغلت بيها وما اتذكرتها .



    المناضل حسن قسم السيد رحمة الله عليه ، كان وكيل بوستة . وترجمت كلمة وكيل هذه ( ايجنت) أو عميل . ووقع الأخ حسن قسم السيد فى يد المخابرات المجرية ، وهؤلاء كانوا أصعب ناس فى شرق أوروبا. وبعد تلتلة وتحقيقات كان يقول لهم ( وقت أنا بقيت عميل ، يعنى حأكتبها عديل فى الباسبورت يعنى ) . والجدير بالذكر أن الأخ حسن قسم السيد كان فارع الطول وشخصية طاغية . يعنى ممكن يكون عميل من أبو تقيل .

    الخال محجوب عثمان كتبوا ترجمة لمهنته ( كاتب) الى (كلارك) بدل ( رايتر) أو (أوثر) . وفى المؤتمرات كانوا يتجاهلونه على زعم أنه (كلارك) يكون جاى عشان يكتب وقائع جلسة أو شيىء من ذلك .

    الأخ عمر الشامى وهو حفيد الشيخ العبيد ود بدر ، ويسكن الآن فى برلين . درس الفنون فى جامعة الخرطوم . ترجمت كلمة فنان الى ( ِآرتست) . وطبعا للانسان العادى ( آرتست) قد تكون ممثل فى مسرح أو مقدم نمر فى حفل منوعات . وتطلق ( آرتست) فقط على كبار الفنانين مثل بيكاسو وسلفادور دالى . والذين يفهمون كانوا يطلقون صرخات الاعجاب عندما يلاحظون صغر سن عمر الشامى واللقب الضخم ولا يعرفون أن الأمر كله محن سودانية .

    وسنواصـــل .

    التحية

    شــوقى.
                  

01-11-2008, 03:28 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 68 للأسـتاذ شـوقـي بـدري:
    ___________________________________________


    رفاعه .. البطانه .. وادى عبقر السودان (1)
    ::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


    [email protected]


    Last Update 10 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    تفرد رفاعه لا يحتاج لنقاش . يكفى ان السودانيين الوحيدين المدفونين فى صرح علمى من رجال رفاعه . بابكر بدرى ، عبيد عبد النور , ويوسف بدرى . وليس من الغريب ان الشيخ محمد هاشم الهديه والاستاذ محمود محمد طه طيب الله ثراهم كانا من رفاعه او الشيخ المليك والمربى الشيخ لطفى وحلمى وعزمى (الشيخ محمد شبيكه ) والمربى محجوب الغوث ومولانا البشير الريح ومئات وآلاف الرجال . ولكن استطيع ان اقول ان اللهجه السودانيه الحاليه او لهجه امدرمان . تأثرت اكثر بتراث البطانه بالمقارنه بلهجه وتراث غرب ووسط السودان .

    ببعض التفكير اكتشفت ان آل بدرى وآخرين كانوا فى يوم من الايام من الناطقين بغيرها . والقصه التى سمعتها وانا صغير ان احد جداتنا قد استدعيت للشهاده فى محكمه فى رفاعه . ويبدو ان جدتنا كانت قد تحصلت على اقامه واذن عمل فى رفاعه قبل فترة وجيزه .

    القصه ان اثنين من نساء الشكريه كانا يتهمن بعضهن البعض بالتعدى والضرب والرباطابيه كانت الشاهد الوحيد فقالت . ( الانتا دى لزمت خيتا من زندا وجرتا على السام وقشرت عليها القشرى ودخلتا فى الخس ووقعت فيها سمكى . ) فقال ود اب سن الرباطابيه رطنت نادو ود بدرى . وعندما حضر جدنا الاكبر محمد ود بدرى قال له اب سن ترجم آ ود بدرى فقال جدنا رحمه الله عليه قالت ليكم المره دى مسكت اختها من ايدها وجرتا للحوش الذى هو السام وقشرت عليها القشرى معناها قفلت عليها القفل والخس هو الغرفه الداخليه كما كان يعرف فى امدرمان والوسط بالقاطوع او القطيع والسمكى هو الصفع او الكفيت .

    يبدو ان الجميع كانت لهم لهجاتهم الخاصه . ولكن بالتمازج تكونت لغه الوسط المعروفه . وبعص اللذين شاركونا فى الدراسه تخلصوا بعد شهور او سنوات من لهجتهم المختلفه .

    اذكر ان زميلنا عمر من قريه النوبه فى الجزيره كان يقول لاستاذنا الطيب بابكر حسن فى بيت الامانه يا استاذ عندى سوعال كنا نقول له ان السعال هو مرض . وزميلنا عبد الباقى كان يقول بدور اشيل السوق ابيعلى قلم . يقصد ان يمشى للسوق ليشترى قلم . والبعض كان يقول لميزان العجله القيدون . ويقولون للسروال لباس بضم اللام وكان هذا يعتبر غريباً لاننا فى امدرمان كان نستعمل كلمه لباس بكسر اللام وللقميص كانوا يقولون العراقى . واللسته تطول .

    ولكن يبدو ان الشعر والادب والقصص التى تداولت فى البطانه . ولا اريد ان اغبط الوسط والغرب والشمال حقهم ولكن دور البطانه الابرز فى ابراز القيم وطريقه حياة السودان الشمالى . فانا بارغم من اننى نشأت وتربيت فى امدرمان وهى اكبر مدينه سودانيه اجد نفسى عندما اكتب الشعر القومى بدون ان احس وبالرغم من اننى لم انشاء فى البطانه او رفاعه اجد نفسى اكتب وكأننى قد نشأت هنالك . لان من تعلمت منهم اللغه او نشأت بينهم كانوا نتاج رفاعه والبطانه . وعندما نعى الشاعر صلاح احمد ابراهيم صفيه وصديقه وصهره المناضل الشفيع احمد الشيخ نعاه باقرب لهجه واحب لهجه اليه , نعاه بلهجه البطانه . وصلاح من الممكن انه لم يشاهد قوز رجب او سهل القيفى او حجاره المخشرف او يشم الدعاش فى سهل القبوب ولم يتذوق الطعام من قدح ود زايد شيخ الضبانيه فى شاشينا او السوكى الا انه كان يحس بنبضات البطانه وسنعود لهذا .

    عندما استفزيت فى التسعينات فى نقاش سياسى اذكر اننى رددت بقصيده ويبدو وكأنها خرجت من عقلى الباطن . لقد كان البعض يهدد ويتسأل من هو شوقى بدرى . وكنت اقول:

    يا بشر مافى حجر قوملو شدر

    وعكولا متين لحقها دشر

    سيف العشر ما بقتل بقتل قدر

    والسنيف فى اللغد شيتاً بحير

    لما الرجال تشيل المر بنرجى الامر

    ما بنحمل الزل حتى اللكان عسلاً مقطر

    انا ابو فقوق ما ببدا الشر

    اكان حصل بنشف محل ما مطر

    نحن الكوكاب الانطمر فى الزور

    نحن نار الصاقعه الما بتدورلا كور

    ما بننسى الاهل ولى جودنا ما حدود

    رسل عجم ويهود ما بتلقى باب مسدود

    كل البدق الباب بنقابلو بى ترحاب

    العندنا بندى حتى اللكان ويكاب

    ما بنرفع النظرات وما بنكشف الجارات

    ما بنكشف الا الضيم وثباتنا فى الحارات

    ديمه بنقول الحق حتى اللى كان بوجع

    ما بهمنا الحاكم ومن كلمه ما بنرجع .

    فجأه تذكرت كلمه عكوله ام تشر وهى الارنب البرى والدشر وهو الكلب الغير اصيل وتذكرت القنيص وتذكرت السنيف وهو غرز الاغصان فى الارض الرمليه لوقف تحرك الرمال وتذكرت اللقد وهى الارض الطينيه . ولاحظت ان هذا الكلام يشبه كلام وما تعلمناه من والدنا عبد الله البنا عندما يقول:

    ننطق بالصدق اوان الخوف

    ولا نخاف فيه ضرب السيف .

    وكما يقول:

    كل من صادقنا اخونا

    وكل كبير قومه ابونا .

    ونواصل

    شوقى ....
                  

01-11-2008, 07:43 AM

Gaafar Ismail
<aGaafar Ismail
تاريخ التسجيل: 08-27-2005
مجموع المشاركات: 4911

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)


    الأخ العزيز بكــري الصايغ
    كل سنة وانت والأسرة بخير
    لك أجزل الشكر وأنت تنقل لسودانيز اونلاين الموضوعات الشيقة الممتعة لصديقي وزميلي الأخ الحبيب الأستاذ شوقي بدري، حفظه الله ومد في عمره ن ليذكرنا بالأيام الخوالي الجميلة . قبل شهرين تحدثنا هاتفيا لأكثر من ساعة وكان حديثا ممتعا جدا لذكريات ملكال .
    لك شكري مجددا مع تحياتي وفائق احترامي وأصدق الأمنيات بموفور الصحة والعافية

    جعفر عبد الرحمن (جوكس)
                  

01-11-2008, 03:46 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: Gaafar Ismail)

    الأخ الـحـبيب الـحـبوب،
    جـعفر إسـماعيـل،

    تـحـية الود والأعـزاز،
    والشـكر علي امنياتك الطيبـة، وابادلك نـفس الشعور مـتمنآ من اللـه تعالـي ان يجـعل كل ايامك اعيـادآ وافراح ، وان يكون عام 2008 عام السـعد والرغـد للـجـميع.

    .... قـد لاتـصـدق اذا قلت لك اننـي لااعـرف شـوقي بدري ولـم اقابله فـي حـياتي بل ولاحـتي كان هنـاكاتصـال تلفوني بيـننا رغـم انه في السـويد وانا فـي الـمانيا او اغلب الاحـيان باوكـراييـنا!!!!!?.

    .... اوثـق كتابات الاسـتاذ شـوقي بـدري لان فيـها رائـحـة التاريـخ القديـم الذي لـم يوثق بعـد ويكتب عـن (حـكاوي) امدرمان القـديـمة وعـن شـخـصيات سـودانية لايـعرفـهـم الا القلة.

    لك مودتي.
                  

01-12-2008, 00:23 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 69 للأسـتاذ شـوقـي بـدري:
    ------------------------------------------

    رساله الى ابن العم دينق الور.
    .............................


    [email protected]

    Last Update 11 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    العزيز دينق لك التحيه .

    اول اتصال كان لنا فى لندن 1992 . وبعدها ارسلت لك كتيب استقلال جنوب السودان . الذى ترجمته انت ونشر فى جريده ال s p l a ولقد علقت عليه ان الكاتب شوقى بدرى احد الشماليين اللذين المهم الظلم الذى يقع على الجنوبيين .

    لقد كنت طيله حياتى ولا ازال انادى بحق الجنوبيين فى تقرير المصير . وحق سكان الشمال من اصول جنوبيه فى حياه كريمه بدون تمييز او اضطهاد . ولقد قلت فى محاضره الشهيد جون قرنق فى استوكهولم فى التسعينات معلقاً اننى كنت \طيله حياتى انادى باستقلال الجنوب لان الشماليين لن يتعلموا ولن يغيروا اسلوبهم العنصرى . ولكن بعد الاستماع الى محاضره الحبيب جون اجد نفسى اؤمن بفكره الكومفدراليه .

    بعد المحاضره اخذنا بعض الصور التذكاريه واهديت الاخ الشهيق قرنق كتابى حكاوى امدرمان الذى تصدره الاهداء الى روح شقيقى فقوق نقور . كما قدمت له روايتى الاولى الحنق التى كتبتها وانا فى الثامنه عشر وتطرقت للتفرقه الاثنيكيه للاقليات من الاصول الغير شماليه فى الشمال وحوادث الجنوب . واذكر ان الشهيد جون قد سلمك هذه الكتب .

    اظنك قد اطلعت لكتاباتى ومواضيعى التى كنت انقل فيها افكار ابراهيم بدرى التى قال فيها على رؤوس الاشهاد فى لجنه الدستور 1951 عندما كان احد اعضائها ان ابييى جزء من الجنوب . ولقد كتبت عدة مرات بان ابييى هى ارض النقوك . وان الكلمه تعنى شجره الجميز . وقلت ان الناظر دينق مجوك قد تصرف ببعض الطيبه والانانيه . ولهذا رفض الانضمام لبحر الغزال مما اطلق يده فى التصرف فى منطقه ابييى . وصار له من النساء ما يعد بالمئات . واعطى الجلابه صلاحيات ضخمه فى بلاده كما اطلق يده فى مال المنطقه . وعول على صداقته الشخصيه مع الناظر بابو نمر . ولكن كوفئ بان قتل الشماليون ثلاثه من ابنائه وثلاثه من اخوانه فى نفس اللحظه بعد موته .

    لقد صرخنا وبكينا وكتبنا وتألمنا لمذابح الضعين وعدائنا للصادق المهدى اكبر اسبابه هو تفريطه فى حياه البشر ودعمه وتسليحه لقبائل المسيريه ضد نقوك . ووقفنا مع البروفسور العشارى وبلدو فى كتاباتهم وتوثيقهم لمذابح الضعين . وكرهنا ارسال مدير دائره المهدى لمساومه عشارى بعد ترك بلدو للسودان . وعندما اتت الانقاذ كان عشارى لا يزال فى السجن .

    عندما كتب الاخ كباشى المقيم بلندن فى جريده الخرطوم فى التسعينات بانهم لن يتنازلوا عن منطقه كاكا التجاريه كتبت له موضوعاً نشر وقتها تحت عنوان ايبى نجل والجمله تعنى اذيك يا زول فى لغه الشلك وتقال عندما يأتى الانسان بكلام فارغ . وان هذه ارض ابيلينق تابعه للجنوب وعرب السليم والاقليات الاخرى ضيوف فى هذه المنطقه .

    عندما بدأ الاخ بيتر نجوت كوت فى التردد على السويد صارت كل الاجتماعات والمؤتمرات تحدث فى قاعات كنائس او بدعم من الكنائس واذكر اننى طيله الوقت كنت احاول ان الفت نظره وبشده فى بعض الاحيان لشيئين . كنت اقول له ( ياخى انحنا كرهنا الاخوان المسلمين ما تعمل لينا اخوان مسيحيين . ابعد لينا السياسه من الدين . ) كما كنت الفت نظره لخوف كثير من الجنوبيين من تقول الدينكا وسيطرتهم على الجنوب . واذكره بما قاله انجلو بيدا فى ديسمبر 1994 فى اجتماع فى كوبنهاجن ردا على كلامى بحق الجنوبيين فى تقرير المصير , بحضور الفريق سفير االسودان فى استوكهولم وقتها الفريق محمد احمد زين العابدين واقنيس لكودو والى جوبا ووزير الخارجيه دكتور اسماعيل ( لو الدينكا استلموا الجنوب انحنا الزاندى حنتحد مع الكنغو . الاخوان المسلمين احسن لينا من الدينكا . ) فارجو يا ابن عمى ان تبداوا بابعاد الكنائس والدين من الدوله الآن .

    العزيز دينق الور لقد تغيرت الامور . فانت الآن لا تحارب فى احراش اكوبو بل تجلس فى القصر الجمهورى وهذا ما كنا نريده . وللجنوب جيش قوىمزود بمضادات للطائرات , وهذا ما كنا نحلم به لحمايه اهلنا فى الجنوب . وقبل ايام غادر آخر جندى شمالى ارض الجنوب وهذا ما كان يحلم به عمك ( ماريال ) وتعنى كما تعرف الثور الكبير الابيض . وهذا كان ابراهيم بدرى الذى وضع اسس لغه الدينكا . وكان الممتحن للاداريين من شماليين وانجليز فى كليه غردون . ومن ينجح يكافأ بمرتب او علاوه سنه كامله .

    الانقاذ الآن تعول على البترول فى شراء الناس والمؤيدين و( تسكيت الاعضاء ) . ولن تغامر فى الدخول فى حرب مع الشمال لان هذا سيوقف البترول . ولكن يبدو ان الجنوب قد اخذ ضمانات من الامريكان للتعويض فى حاله نشوب حرب ووقف البترول . وحكومه الانقاذ لن تجد الدعم المادى او العسكرى من الدول العربيه .

    لقد تغير الوضع والجنوبيون وخاصه اهل ابييى لثقد تعرضوا لنهب وتعزيب واستعباد واضطهاد . سيكون هنالك من يترقًب الفرصه لرد الصاع صاعين لاهلنا المسيريه , ولكن اذا كان هنالك مسيرياً واحدا لم يشارك فى هذه الفظائع فلا يمكن اخذ كل المسيريه بجريره بعضهم .والظلم يا ابن عمى هو الظلم . فالمسيريه من هذا الجيل والجيل الذى سبقهم قد ولدوا فى هذه المنطقه وهى موطنهم . ويجب ان نجد المعادله الصادقه لجعلهم يعيشون فى سلام بعيداً عن الظلم او حب الانتقام /. وهنا يأتى دوركم كمتعلمين من الجانبين .

    الانقاذ لا يهمها الا الاستمرار فى السلطه وستضحى بالمسيريه وباى مقدسات فى سبيل البقاء فى السلطه . وكما كرهنا وتألمنا لمعاناة اهلنا نقوك سنتألم للتنكيل بالمسيريه او اى مجموعه سودانيه خاصه بعد ان انقلب ميزان القوه .

    منطقه شمال اعالى النيل التى تفصل جنوب النيل الازرق عن جنوب كردفان , ستشهد مواجهات . وهذه المنطقه من دبه الفخار الى خور عدار تعتبر سله غذاء اعالى النيل بها مشاريع زراعيه مرويه مثل ابو خضره وجوده والقيقر وبركه العجب وبركه . ومشاريع مطريه للفول السودانى فى قوز فومى ومشاريع العيش فى ام دلوس والعداله والطياره , ومشاريع الخروع فى ملوط ... الخ . والقبائل الشماليه قد تواجدت فى هذ ه المنطقه حتى فى ايام قانون الاراضى المقفوله . ولقد اعتقل شيخهم العم حمد ابراهيم . وهو والد السفير والاديب على حمد من سكان القيقر . وهذه القبائل قد تواجدت فى المنطقه لعده اجيال . ولهذا ندعو للعداله والمعقوليه لكى نتجنب الانتقام وحمامات الدم . وحتى اذا كان هنالك انفصال فليكن انفصالاً مثل انفصال النرويج من السويد فلقد اقتسموا كل شئ حتى جائزه نوبل .

    من اعظم الاسر الامدرمانيه اللذين افتخر بهم كانوا من جنوب السودان . والجنوبيون فى الشمال لن يرجعوا الى الجنوب . وهنالك من الشماليين من يحس بنفسه غريباً فى الشمال لانهم نشأوا فى الجنوب . وبدأ بعض الجنوبيين يتحرشون بالشماليين . فارجو ان لا ننسى بأن الشماليين فى الجنوب يمثلون الطبقه الوسطى ولن يستطيع اى مجتمع ان يتطور بدون الطبقه الوسطى . وهذه الغلطه التى ارتكبها الاتحاد السوفيتى فانهار نظامهم . البرجوازيه الصغيره والطبقه الوسطى ليس من المفروض ان تحارب بل تراقب . لك التحيه يا ابن عمى.
    اخوك شوقى .
                  

01-17-2008, 06:24 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 70 للاسـتاذ شـوقـي بـدري.
    ----------------------------------------

    ذكرى رحيل توأم الروح بلة (1).
    ---------------------------------
    [email protected]

    Last Update 16 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    الصيف الماضى أتى العزيز معتصم قرشى ابن أمدرمان لزيارتى . وقبل أن يحضر هاتفنى قائلا (ساحضر لكى نبكى سويا ) . والسبب أن والدته قد انتقلت الى جوار ربها قبل فترة قصيرة . والحزن على بلة زينة رجال أمدرمان يعصف بالاثنين . وكنا نريد أن نتقابل على ذكراه .

    عندما تقابلنا فى كوبنهاجن ، كان معتصم يجلس وظهره الىّ . وما أن شاهدنى حتى سالت دموعه . فأحتضنته ونزعت نظارته وقلت له دعنى أقبل عيونك التى شاهدت بله . وأحسست بطعم دموعه فى فمى

    بله كان سبب معرفتنا . وكما حكى لى معتصم ، فانه قد طرد من الجيش لتعاطفه مع انقلاب هاشم العطا . وذهب الى شقيقته فى بنغازى ليبيا بحثا عن عمل . ولم يجد العمل . وبينما هو جالس فى منتزه مر عليه سودانى من الكثيرين الذين يمرون ، وكان هذا بله . الذى توقف للتحية والاستفسار . وأخذه الى مكتبه ، فلقد كان يدير مؤسسة آسيا للتجارة . وعندما عرف بأنه يبحث عن عمل وأنه خريج مدرسة التجارة ، أخذه الى صديقه عبدالحفيظ الذى يشارك اثنين من الليبين فى شركة وعينه فى الشركة بمرتب ونسبة مئوية . واليوم معتصم من وجهاء السودان .

    معتصم كان يقول لى ، لقد تعلمت من بله احترام الآخرين وخاصة البسطاء وصغار العمال . وأن تزكية بله له جعلت الآغلبية تصوت له كسكرتير للجالية . ولم يكن هنالك من لم يحترم ويحب بله . وعن معتصم قرشى أذكر أننى قلت مداعبا لأنه كان دائما ينفذ طلباتى ويقدم لى مساعداته كلما أطلب منه شيئا عبر الهاتف .

    معتصم يــــا ود قرشـــــــي

    دايماً تبيـــــــض وشـــــــــي

    بتقــول الفسـاله عيـــــب

    والكفن متين سوولو جيب؟

    أبيع كان اصطرمتا سرجــي

    وما بعشي الضيف مندجي

    منـــــــو الوسمــو أمــدر ؟

    مــــا اللا بنفــــزر، لا بتر

    الــــزول البعرف البقعـــه

    يموت هناك في النقعــــه

    المندجى بالجيم المعطشة هو السمك الذى انحسر عنه الماء ، يجمع ويجفف ويقدم كطعام .

    قبل حوالى شهر وفى منتصف ديسمبر أخذت ابنى عثمان وهو لم يبلغ الثانية عشر بعد ، الى استاديوم للتزحلق على الجليد . فى يوم شاركت فيه عدة مدارس . وبينما عثمان يحلق بين أقرانه وهو فى غاية السعادة امتلأت عيناى بالدموع وذهبت بعيدا . تذكرت طفولتنا فى أمدرمان وأقرب البشر الى قلبى ، بلة رحمة الله عليه .

    من تقاليدنا الاّ نبكى على الميت ولا نقم أى مأتم . ونقول أن الحزن خضوع ومذلة . فلقد كتب بابكر بدرى أنه دفن ابنته فى رفاعة وأنطلق بحماره الى الدويم من المقابر دون الرجوع الى البيت . كما دفن شقيقه موسى وأخته الصغيرة بالقرب من أبى سمبل فى غزوة ود النجومى بدون دموع . عندما مات ابراهيم بدرى لم أزرف عليه دمعة واحدة . وعندما غرق أربعة من أخوتى فى الستينات لم أبكى . ومات اخوتى وأخواتى ثم والدتى ، لم أقم أى مأتم . ولكن منذ أن انتقل بله الى جوار ربه يوم 19 يناير 2005 تغيرت حياتى . وصرت كثيرا ما أوقف السيارة عندما تصير الرؤيا ضبابية أمامى فأتوقف وأجفف دموعى وأواصل . وأنا فى الحقيقة أبكى نفسى . وأبكى على مجتمعنا الذى لم يحترم أو يقدر أمثال بله .

    قديما فى أمدرمان هنالك زولك وصاحبك الذى يرافقك فى طفولتك . وقد يكون أحد أولاد العادة فى طهورك . يذهبون ويسرقون الأشياء لكى يحضر الناس ويفدونها بالفلوس . ويكون هنالك عند تخرجك من المدرسة أو الجامعة ، وقد يشترك الاثنان فى مكان الوظيفة أو العمل وزولك هو من تتزوج شقيقته أو يكون وزيرا فى عرسك .

    عندما كتبت لبله طالبا الزواج من احدى شقيقاته تجاهل طلبى بالرغم من الحاحى ، ونسينا الأمر . ونفضت يدى عن السودان . والذى يبكينى الى الآن هو أن بعض الأمور فى السودان يصعب تفسيرها . وفى طفولتنا كانت هنالك أربعة مربعات من النجيل والأشجار فى شارع الموردة فى مواجهة دار حزب الأمة الحالية . كنا نجلس فيها كلما تركنا بيوتنا . وفى أحد الأيام توقف شرطى بلهجة اقليمية وسأل بله بكل صفاقة ( انت يا عب شغال وين ؟ ) فرد بله بأدبه وتهذيبه المعروف ( أنا ما شغال ، أنا بدرس ، أنا طالب) .

    عندما توفى جارنا الرباطابى محمد الحسين فى يوم الأحد 2/12/1962 كان الفراش فى منزل عمنا الرباطابى الحنّان فى فريق السروجيّة . وكان بله يجلس بالقرب منى ويحدّق فى ديوان المنزل . فسأله الطيب سعد الفكى الرباطابى ( انت يا بله ده مش بيتكم ؟ . ) والقصة أن والد بله رحمة الله عليه وبعض سكان الحى كانوا يطالبون البلدية بتوسيع الخور وبناء حاجز حجرى . والبلدية لا تهتم بهم . وانهار منزل العم عبدالله أحمد والد بله . وكاد أن يموت وهو يحاول انقاذ منزله . والزمن كان قد تغير . وبله الابن الوحيد كان يافعا . ولم يكن أمام والده الا أن يبيع المنزل لأنه لا يستطيع اعادة تشييده . وبعد أن اشترى العم الحنّان المنزل بنت البلدية خورا من الحجر .

    عندما ذهبت الى السودان فى نهاية ديسمبر كوزير لتوأم الروح بله ، كان هنالك شخص مما عرفوا بعرب الفتيحاب . وكان يتصرف فى المنزل وكأنه منزله . ويأتى بضيوفه ويطلب معاملة خاصة . خاصة والفنان زيدان كان جارا لبلة فى المنزل الذى استأجروه فى شارع الأربعين . كما كان الأخ الفنان رحمة الله عليه ابن ملكال وأمدرمان رمضان زايد يعتبر من أهل المنزل ويتواجد معنا باستمرار . وعندما اشتكيت من جلافة العربى الذى كان ينام فى المنزل قال بله ضاحكا ( ده ما العربى بتاع سباق الخيل الحكيت ليك عنو . )

    بله عمل فى الستينات فى شركة وولش الأمريكية التى بنت طريق الخرطوم مدنى ، وكان يحب الذهاب الى سباق الخيل . وكان يصحبه كثيرا صديق دراسته فى الأحفاد عباس حمد ( ريكس) الذى هو كذلك من بانت الفتيحاب . وصار ( العربى) قريب عباس صديقا لبله . بل كان كثيرا ما يدعو ضيوفه الى مأدبة غداء أو عشاء فى منزل بله . لأن والدة بله الخالة زينب وشقيقته وهيبة رحمة الله عليهن كن مشهورات بأنهن خير من يطهو الطعام ويتفنّن فى الطعام . ولفترة ما يقارب العشرين سنة كانت الخالة زينب مسئولة من بوفيه مدارس الأحفاد .

    فى يوم من الأيام شاهد بله ود الفتيحاب يسرج فرسا فى سباق الخيل فسأله بله (الفرس دى كيف ؟ ) وكان الرد( كلام فاضى) . الا أن الفرسه أتت متقدمة بعدة أطوال . ووضح أنها فرسه رائعة ( كانوا ماسكنّها ) حتى تفوز بمبلغ ضخم . فلام بله ود الفتيحاب . وعندما رجع بعد ثوانى لأمر ما قال ود الفتيحاب لشخص أخر ( العب ده مجنون ، ما مكفيهو أنا مصاحبو ، كمان عاوزنى أكسبو فى فرستنا الاحنا ماسكينها ).

    فى نهاية السبعينات أتانى أحد آل بدرى مصحوبا بأحد آل بدرى وهو وزير . وكنت قد حضرت من السويد قبلها بيوم . والأول كان يريدنى لخدمة . وخرجت لأحى الوزير الذى كان يجلس فى السيارة . وأتى لأخذى الى حفل بمنزله ، فأعتذرت لأنو معاى ناس . وكان يجلس معى بله وأنا كنت لا أزال أحاول أشبع عينى برؤيته . فنزل الوزير وقال ( ناس ، ناس بنفعوا معاى أنا ؟) وعندما شاهد توأم الروح بله أبدى امتعاضا . فقلت له ( والله ما عارف اذا بنفعوا معاك ، لكن انت ما بتنفع معاهم و لا معاى أنا ، وأحسن تمشى ما دام انت لسه قادر ) ولم أصافحه بعدها الى أن انتقل الى جوار ربه .

    شخص أخر من آل بدرى ، دكتور ورجل مهذب اتى الى مكتبنا فى شارع الجمهورية أيام وكالة المارلبورو . وبعد أن نفذت طلبه التفت الى بله وقال له ( يا ولد جيب موية أملا اللديتر بتاع العربية دى . ) وقبل أن أنتبه كان بله قد بدأ فى سحب الخرطوش من الحديقة . فركبنى الجن واقفلت كبوت العربية بضربة مدوية وركبنى الشر . ولم ينقذ الرجل الا أن بله انتهرنى . وكنت أقول له ( انت و لا أهلك كلهم بشبهو دا ؟ ) . وأصر بله بالرغم من كل هذا أن يملأ اللديتر بالماء وكان يقول له ( انتو ناس بدرى أهلى وعلمتونى ) .

    عشرات القصص يمكن أن أحكيها ، وعشرات المواقف الكريه التى فرضها مجتمعنا على أعظم البشر أمثال بله . فعندما تعثرت أعمال المكتب بسبب المدراء الذين يسرقون وينتهى الأمر فى بعض الأحيان بالسجن والأجاويد والوساطات ، طلبت من بله قائلا ( يا اخىانت اشتغلت كمغترب ، واشتغلت فى الشركات قبل كل الناس ، أمسك المكتب دا . وكان لنا مصنع – ورشة يديرها سويدى فى المنطقة الصناعية بحرى ومكتب يلاصق فندق الأرز ومزرعة فى سوبا ، الا أن بله رفض قائلا بكل تهذيب ( بكرة تحصل أي حاجة يا شوقى يقولوا دا كلو من العب دا ، وليه ما شغل أخوانو وأهلو ) . وعرفت لماذا لم يلبى طلبى لأكون صهره .

    أول مرة أسجل شركة فى السويد كان سنة 1973 ولا أزال أذهب الى صندوق البريد ، وان كان الذهاب الآن ليس ممتعا . فمكاتباتى مع بله صارت عدة فايلات . وكنت أفرح فى كل وقت أستلم رسالة من بله . وآخر رسالة كان يقول لى فيها انه سمع أحد سائقى اللورى فى منزله يقول لسائق آخر ( فى زول الليلة اسمو شوقى بدرى كاتب موضوع جميل عن جون قرنق . ) ثم سأل الشخص بله اذا كان يعرف شوقى بدرى ، وكان الرد( دا أخوى وولدو الكبير مسميهو علىّ) . وكتب بله انه كان وقتها داخل الناموسية وهو يحاور سائقى شاحناته ، وقال ثم كانت تلك الدمعة الحزينة التى لم يستطع أن يمسكها . ومات بله بعدها بأيام وهو فى الطريق من غرب السودان الى أمدرمان .

    رحمة الله على أحمد عبدالله أحمد الذى اشتهر فى العباسية باسم جاك . وكانت تناديه والدته ببله . أى بله البنات لأنه ولد وحيدا وسط مجموعة من البنات .

    التحية

    شــــوقى.
                  

01-19-2008, 11:40 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 71 للاسـتاذ شـوقـي بـدري.
    ----------------------------------------

    ذكرى رحيل توأم الروح بلة ( 2 ):
    عظمة الدينكا ، صلابة النوبة ، وعذوبة أمدرمان (بلة).
    ____________________________________________________

    [email protected]


    18 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    قبل فترة اتصل بى الأبن وجدى الكردى رئيس تحرير حكايات . وكان منزعجا . لأن بعض المواضيع التى نشرت فى جريدة الرأى العام قد اضيف اليها صورة بلة . لأننى كنت أضع صورة بلة فى المنتديات الالكترونية ولم أحذفها الا بعد أن صعب علىّ مشاهدة صورة بلة بعد وفاته . وكان هنالك من اتصل بهم وأشار للخطأ . وكان الابن وجدى على وشك أن يعتذر لى فقلت له ان هذا من أعظم الحاجيات التى حصلت لى . فلقد كنت أحلم كل حياتى أن أكون مثل بلّة . ووالدتى رحنة الله عليها كانت تقول لى ( الله ما يرضى عليك يا ولدى ويسويك زى بلة أخوط دا ) . وتوقيعى لا يزال ما قلت عند أول عيد بعد وفاة بلة:

    العيد الماحضرو بلة

    أريتو ما كان طلّة

    ماالنسيم بجى الحلة

    عشان خاطر ناس بلة

    انبشقن كباكت الصبر

    وتانى ما تلما حتى مسلّة

    قالوا الحزن انكسار ومذلة

    وليك يا غالى رضينا كان ننزلاّ

    يوم 20 يناير 2006

    قبل ساعة اتصلت الابنة ندى لتقول لى أن توأم الروح بلة قد مات. ومات كل شعور داخلى . لقد كنت أحس بأننا لن نلتقى . اتصلت عدة مرات تلفونيا ، الا أنه كان مع اللورى فى الغرب . ولم يحضر حتى للعيد . وفى الطريق الى أمدرمان توقف أكبر قلب ومات أعظم انسان . أمى رحمة الله عليها كانت تدعو لى أن أكون مثل بلة . الآن أنا يتيم .
    كبرت جبال الهـــم
    وسعت بحور الغـم
    واتمدت فيافــى ألم
    بعد بلة ما فى نغــم
    بعد بلة ما فى كـرم
    بعد بلة ما فى وطن
    بعد بلة ما فى فهــم
    الحزن علينا حزن
    فضت بلاك أمـــــــدر
    وعرفنا طعم المـــــــر
    غدرت ليــه يا قـــــدر
    ما كان قليـــل تصـــبر
    مــا دام صبرنا عمـــر

    حتى فى الليل بنشاف صوت المطر

    لكن ذى بله تانى ما بظهر

    بعدك يا الحبيب ضعنا وانقصم الضهر

    القلب الكان ذى الحجر الليله انشطر


    زمان بحليفونى بى بلـــــة
    فارس الفريق أحمد عبدالله
    ما عرفنــــا ليه زلــــــــــة

    يا سيد الرجال جَله
    كان اسمى فى الحلة
    شوقى صاحب بلة
    بسعدنا بالطــــــــــلة
    يكفى بس اســــم بلة
    عشان النفس تعـــلى
    ما راح أبوك يا ندى
    فى القلوب سكن بلة

    مات بلة توأم الروح بعد صداقة امتدت نصف قرن من الزمان . وأختفى رجل هو أقرب انسان الى الكمال ، شجاع ، كريم ، صادق ، أمين وامدرمانى أصيل بالميلاد والمنشأ .

    في احد مساجلاتي المشهوره مع بعض رجال حزب الامه فى القرن الماضى كنت اقول ، وردا على من سألوا من هو شوقي بدري ؟

    يا بشر ما فى حجر قوملو شدر

    عكولة متين لحقها دشر

    انا الكوكاب الانطمر فى الزور

    انا نار الصاقعه الما بتدورلا كور

    سيف العشر ما بكتل ، بكتل قدر

    والسنّيف فى اللغد شيتن بحيّر

    لما الرجال تشيل المر بنرجا الأمر

    ما بنحمل الذل حتى اللكان عسلا مقطر

    الام امينه و الاب ابراهيم

    للخيان عسل و سما لللئيم

    انا اخو العشره ابو العشرين

    رفيق بله الما بسوي الشين.

    عكوله > الارنب البرى

    الدشر > الكلب الغير اصيل

    السنيف > غرز اغصان متقاربه لوقف الرمال

    اللقد > الارض الطينيه

    و في كتاب حكاوى امدرمان هناك قصيده قلتها عندما رأيت طائر الغرنوق علي احد بحيرات السويد و هو يقضي الشتاء في السودان

    غرنوق السما في امشير بتبرا الحر

    سلم علي الفريق و اهلنا فوق امدر

    قول ليهم وليدكم شاب في بلد الكفر

    واطي الجمر و راجي قولة كر

    يا بله كيف امسيت في دا العمر

    يا سيد الرجال الما بنفزر.

    الماسكنى بس قيد الهوان

    وفى العباسيه قدله وإن طال الزمان

    و كما قلت

    لقد ابحرت بعيدا زوارقنا

    و لم تلتقي عند البئر قوافلنا

    الا انا دوما نذكركم

    و نعلم انكم - ما اروعكم -

    ما زلتم كما انتم

    يا بله يا توأم روحي

    يا بلسم كل جروحي.

    ........

    يقولوا اصبر ما الغربه اصلها مره

    لكن هل كل زول انحرم من بله

    يا الوادي العريض لما الرجال جبراكة

    علي العطا و الكرم و الله ما جبروكا

    غدروك اولاد فتيح بعد رميت اتنين

    وحدك قصدتهم لما العين تشوف العين

    وكت دخلوا الكبار قبلتها الجوديه

    اخو وهيبه بقبل وقت قادر علي الذنديه.

    الجباريك هي المزارع الصغيره داخل المنزل .

    في سينما بانت اصطدم اولاد العباسيه باولاد ديم الفتيحاب. و بعد ان صرع بله اثنين من اولاد الفتيحاب غدر بضربه عكاز من الخلف . و في صباح يوم الجمعه حمل بله عكازه و ذهب الي الفتيحاب لكي يموت او ياخذ بثأره ، و عندما تدخل الكبار و بعضهم زبائن والده لان كان له دكان صغير في المورده قبل بله الاعتذار.

    في سنة 1996 كنت علي وشك ان ابتاع منزلا لزوجتي السودانيه في السويد. ثم عرفت ان اخ عزيز نزيل احد سجون اليمن لانه قد ضمن شخصا في صنعاء في عمل تجاري ثم انتقل الي عدن و نسي الامر . و بعد ان اتحد شقي اليمن في منتصف التسعينات قاموا باعتقاله و نقلوه الي صنعاء .

    اتصلت بالاخ عباس الذي كان يعمل معه منذ ان كان في الخليج في بدايه السبعينات و وعدت بتدبير المبلغ و نسبه لبعض القيود المصرفيه في السويد تأخر الامر . و احد الذين كنت اطلبهم مالا تماطلوا . فارسل الأخ فاكسا غاضبا يقول فيه ( ما كلف الله نفس الا وسعها ) و ليس هنالك داعي لان اعد بشئ لا استطيع الوفاء به . فالغيت موضوع البيت و ارسلت له فاكس في نفس اليوم منه



    بشويشك فلان ما تعصر علي بالحيل

    ديل نحن البندفر لمن تحرن الخيل

    نحن البل شايلات المي و عطيش

    كان دقه النحاس بنشد و ما نقول شقيش

    لكن يا فحل ما كل الحجر عطرون

    و الناس كمان بكل بساطه تخون

    وحياة الخوه بله ورجال امدر

    وكتين نقول ايوه ما يوقفنا الا قدر.

    و بعد استلام الخطاب بدأ الأخ يستعد للخروج . فشكك البعض في ذلك الا انه قال لهم ( انا مارق مارق، شوقي بعد ما حلف ببله تاني مافي كلام) .

    و انا صغير كانت والدتي تقول لي دائما ( الله يرضي عليك و يسويك ذي بله اخوك ده يا ولدي) و اغلب ما تعلمت في هذه الدنيا و اعتز به تعلمته في منزل بله و في وسط اهله . في الستينات كان بله و هو في بداية العشرينات يتقاضي مبلغ مائة جنيه سوداني و هو يعمل في شركة وولش للانشاء التي بنت شارع الخرطوم –مدني و كان الدكتور يتعين بمبلغ 45 جنيه و اغلب الموظفين يتقاضون حوالي العشرين جنيه و بما انه كان لا يدخن او يشرب الخمر طيله حياته ( وانا كذلك ) فانه كان يصرف كل هذا المبلغ علي الاخرين ، و لسنين عديده كان العشاء في بازار الاحفاد يوميا علي حساب بله و علي هذا العشاء كان يتجمع شباب الحي كنشاط اجتماعي ، و بله لم يكن يتعشي بل يكتفي بشرب الحليب في منزله. و كل من يحتاج الي مساعده كان يقصد بله.

    بالرغم من أدب بلة الجم وتهذيبه كان أول من يهب عند الشدائد . ولقد حمل جسمه طعنا وضربا جراء معارك الصبا والشباب . ولهذا كنت أقول

    لما الموت يقدل كل زول يكوس المخرج

    بلة بتحاوو بيهو لأنه ما بيقيف يتفرج

    وراسو فى خشم الأسد تناديهو ما بتتحرج

    فوق ضهرو بيشيل وقت الرجال بتدرج

    وكتين يقولوا بلة يبقه الكلام كملان

    ما بلة ديمة اسم وللفريق عنوان

    يا سيد الرجال الما ليك شبيه فى زمان

    عظمة دينكا وشجاعة نوبة والتبة أمدرمان

    عندما كنت الام وأسؤل ماذا اتخرت لشخوختك وماذا تركت للدنيا فانك لا تهتم . كنت أقول يكفينى أن أقضى بقية العمر مع بلة فى أمدرمان . ولا أطلب شيئا من الدنيا فلقد أعطتنى ، صداقة بلة . الآن ذهب بلة ولم يبقى سوى الفراق .

    لا تتركنى يا حزنى فانى قد أخطأت ، خذ بتلابيبى يا ألمى فانى قد أجرمت ، بلة كان بئرا عزبة فما ارتويت ، بلة كان ظلا وارفا فلم نأيت . وأخيرا صفعتنى الدنيا فاستيقظت .

    لا تفرط فى زولك فأستمتع بكل دقيقة معه . فلا تذهب بعيدا اذا قدرت . مهما كان الثمن فادحا فالصداقة أغلى شيىء . لا تشترى بمال ولا تعوض . كما أرجو ألا يرتكب أى انسان غلطتى . ففى يوم 19 يناير 2006 غادرنا بلة . وبعد تسعين يوما من الاعتكاف أخرج اليوم الى الدنيا لأقابل الناس . ولكى أقضى بقية العمر نادما على البعد .

    التحية.

                  

01-23-2008, 01:32 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم 72 للأسـتاذ شـوقـي بـدري.
    ----------------------------------------

    صور من الدنيا.
    -----------------------

    [email protected]

    21 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    في عام 1992 ظهر أحمد الفكي في منزلي بقامته النحيلة ولم نكن قد تعارفنا من قبل بصورة شخصية. وكان يكتب كشيوعي في صحيفة الميدان ويشارك الحاج وراق في إصدار صفحة كاملة، كانت تربطه صداقة بشقيقي الشنقيطي رحمة الله عليه وبقية العقد الفريد من الزملاء لذا صار السكن مع بعض سالكآ. إنضم إلينا مجموعة من المناضلين الآخرين بعد مدة.

    في أحد الأمسيات أتي أحمد مبتسمآ بل منتشيآ بالرغم من أنه كان محبطآ في الصباح وربما بسبب البعد عن الأولاد والزوجة والتي هي صيدلية وشيوعية . أحمد قال ضاحكآ والله البلد دي أحسن بلد، أنا من صغير أي زول حاقر بي، في المدرسة ، في الحلة ، أول مرة في حياتي زول يخاف مني! السويديين في الليل يخلوا لي الشارع؟ .

    وهذا كان بعد ان قام الاخوه الصوماليين بقتل عدة سويديين . وشاهد السويديون ما قام به الصوماليون بالجنود الامريكان .

    في الستينات سمعنا عن مجموعة السودانيين الكبيرة التي سبقتنا إلي ألمانيا وأحد هؤلاء السودانيين كان ضعيف البنية ولكن قلبه حار. تعرض للضرب عدة مرات بواسطة الألمان وصار يجد الإستفزاز والإستخفاف. والكثير من الألمان يميلون للعنف خاصة بعد الشراب وبعضهم لا يزال يعيش إحباط هزيمة الحرب.

    صديقنا السوداني بعد أن وجد الإحتقار والإستفزاز والضرب خاصة أمام صديقته حل الإشكال بطريقة عملية، فقد إبتاع "سكينين" بنفس الشكل والحجم. وعند أول إستفزاز قام بكل بساطة بإخراج السكينين وطلب من الخواجة بكل بساطة من الخواجة أن يوقف الكلام ويحسم الأمر بمعركة رجولية. إنصرف الخواجة مزعورآ وسط ضحك الجميع وإرتاح صاحبنا وعرف بالرجل الذي علي إستعداد للقتل أو الموت.

    الألبان عادة يستقوون علي الآخرين ويعتمدون مثل الإخوة الصوماليين علي كثرتهم العددية وعصبيتهم ووقوفهم كمجموعة متحدة ضد الآخرين. إثنين من الشباب السودانيين طالبي اللجوء في التسعينات تعرضوا لمعاملة سيئة وإحتقارآ وتغولآ علي حقوقهم في أحد معسكرات اللاجئين من الألبان. تفتقت أخيلة أحدهم عن حيلة جميلة إذ قام بشراء كمية كبيرة من الكبدة وهي عادة رخيصة جدآ في أوروبا علي عكس السودان وبعض الدول.
    وطلب الشاب من صديقه أن يقوم بنفس حركاته ، وضعوا الكبدة علي طاولة وقلب عيونه وأصدر زمجرة وكأنه مصاب بنوبة سعر وهجم علي الكبدة قضمآ ونهشآ والدماء تسيل من فمه وعيونه تزيد إتساعآ وحركة ، وبدأ زميله ينازعه في الكبدة ويصدر زمجرة أعلي وعندما خلصت الكبدة حاول أن ينازع صديقه علي ما بين أسنانه. تدافع الألبان نحو الباب وسقط بعضهم وصرخت سيدة ألبانية وخطفت طفلها وهربت. وإستلقي السودانيين وكأنهم فهود ترتاح بعد حفلة صيد. وإلي أن تركوا المعسكر لم يقترب الألبان منهم.

    شوقى ....
                  

01-28-2008, 02:21 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    الـمقالة رقـم ( 73 ) للأسـتاذ شـوقـي بـدري.
    -----------------------------------------

    نحن العتاله!!
    ___________________

    [email protected]

    28 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    مهنه العتاله مهنه وجدت وستوجد فى كل العهود والاماكن سيمارسها البعض , ويتجنبها الجميع . والعتاله مجموعه من الناس تتميز بالفرديه وبعض القوه الجسمانيه . ويتمتعون بمقدره على تحمل الصعاب ويمارسون اعظم مراحل التضامن مع بعضهم البعض .

    محمد كوبرولو هو اكبر عصامى فى التاريخ اذ بلغ اعلى شأن فى اكبر قوه عالميه فى ايام الدوله العثمانيه , وصار يتحكم فى مصير الشعوب . وبدا حياته كصبى فى مطبخ السلطان يقشر ويقطع البصل .

    اعلى شأن بلغه عتالى فى التاريخ هو كرومى حاكم زنزبار الذى صار رئيساً للدوله ومارس التسلط واهانه البيض . فتحملوه وترصدوه الى ان قتلوه بصوره بشعه بمجموعه كبيره من الرشاشات ثم شوو لحمه فى النار .

    كنت اشاهد العتاله فى محطات البواخر النيليه ونحن فى طريقنا من والى الجنوب . وهم يحملون الجوالات على ظهورهم فى شبه هروله على السقالات لملئ الصنادل . وكنت اشاهدهم فى امدرمان فى السوق . وهم يحملون البضائع على ظهورهم . تميزهم اللبده التى يحملونها على ظهورهم لكى تساعد فى حمل الاثقال . وكان اقوى واعتى العتاله يجلسون امام دكان البرير وكان يضرب بقوتهم المثل . ويقولون ( قوى ذى عتاله البرير ) او ( الموضوع ده عاوز ليهو عتالى خزن ) . ولحمل الخزن او رفعها فى عربه الكارو كان الامر يستدعى عتالى بقوه خاصه . والخزن كانت تصنع فى امدرمان فى المنطقه المقاربه لسوق العناقريب .

    فى مزلقانات السكه حديد والمشاريع الزراعيه خاصه المحالج حيث يكبس فى بالات تبلغ 200 كيلو كان الامر يحتاج الى عتاله من نوع خاص . والعتالى الذى يحمل الباله هو ما يقال عليه الانجليزيه ( توب دوق ) . ولسوء الحظ ان الكثيرين يعتبرون ان العتالى انسان يتمتع بقوه جسديه كبيره وقوه عقليه متدنيه وهذا ليس بالصحيح .

    فى مدينه ملكال كان زكريا بقامته الفارعه وعصايه الابنوس الصغيره التى تشبه الصولجان هو شيخ العتاله . وهو لا يمارس اى عمل بل الاشراف والتعاقد وتوزيع المهام والفض فى المنازعات يحتكم اليه الجميع ويطيعونه . اذكره مرة عندما اتى الى منزل خالى اسماعيل خليل فى يوم الجمعه ونحن فى فترة شاى الغداء . وكان يصحبه بيور وهو الديكاوى الوحيد الذى كان عتالى فى ملكال . واختصرت المهنه على الاخوه النايجيريين وبعض اهل جبال النوبه .

    احد الضيوف فى الغداء . كان تاجر عيش . وكان قد تعاقد مع العتاله على قرش لكل شوال عيش . ولكن اضطدح فيما بعد ان العيش فى داخل المركب وليس فى باخره عن طريق سقالات والمزلقان . والمركب يحتاج الى خوض الماء والسعر هو قرش ونصف . وبعد نقاش ومطاولات وتدخل البعض . اخرج تاجر العيش رزمه ضخمه من النقد واعطى زكريا الفرق . ووضح على من اعترض فيما بعد . ان اغضاب العتاله قد يعنى فى المره القادمه ان عيشه لن يفرق او ان بعض الشوالات تتمزق او يتم الرص بعمليه غير جيده وقد ينهار . وان العتاله لا يستهان بهم لانهم معتدين بانفسهم وقد يتعرض له احدهم . وحتى اذا ذهب للسجن فسيتكفل الآخرين به ويعطونه كومه . والكوم هو نصيب العتالى . وليشيخ العتاله كوم . وللمريسه كوم .

    والعتاله فى كل العالم يتناولون كميات ضخمه من الطعام . وحتى فى اوروبا يحبون شرب الجعه بكميات ضخمه . ويحسون بانهم مختلفون . والعتالى الذى يمرض او يصاب باى اذى اوعاهه . يتكفل زملائه بدفع كومه او نصيبه لاسرته . وفى نهايه اليوم تتغير الجلاله او الاغانى التى هى عباره عن جمله يبدأها اللذين يرفعون الشوال او الصندوق او الباله ويرد عليها المستلم مما يؤكد استعداده . وفى نهايه اليوم تكون الكلمه هى قام من نومو ويرد العتالى وهو يهيء ظهره , لقه كومه . ومن الجلالات العاديه قوم معاى يا زولى . ما بقوم . ما بنوم فى الجوى . والرد ما بنوم . وفى كوستى كنت اسمعهم يقولون الانصاريه نائمه جر اللباس . والجوى طبعا هو الاندايه والرجل الذى يسكر الى ان ينام فى الاندايه رجل غير مستحق لشرف العتاله .

    هنالك مثل سودانى يقول العتالى بقع مره واحده . والعتاله قليلى المرض نسبه لانهم يؤدون عمل جسمانى ويأكلون جيداً . ولا يلزمون الفراش الا لمرض عضال . ويكون فى اغلب الامر نهايتهم . ولكن طبعا العتالى انسان يصاب بالزكام والصداع والحمى . الا انه بقوه جسمه ياخدها علي اللباده .

    وانا فى الثالثه عشر من عمرى وصل القطار المحلى الى كوستى متأخراً فى وسط النهار بدلاً عن الساعه السابعه صباحاً . فقضيت اربعه ايام فى الميناء اراقب العتاله ينقلون البضائع من القطار الى الباخره عقرب . التى كانت تعرف بباخره متقلات وتجر ثمانى الى اثنى عشر صندلاً . وعندما سمعت فى الستينات ان عقرب غرقت اثر عاصفه خارج الجبلين حزنت وكأن عزيزاً لدى قد مات . وعندما صرت عتالى فى الميناء فى مالمولمدة سنتين . كنت اعرف برقم 1436 للمسئولين وفى سجلات الشركه الا ان اسمى كان وقتها ( اسكوربيون ) او العقرب . اعجاباً بالباخره عقرب . وبعض الاصدقاء القداما لا يزالوا ينادوننى بهذا الاسم .

    عندما عدت فى الاجازات فى الستينات الى المشاريع الزراعيه ونقاط كبس القطن والمحالج وكنت قد بلغت سن الشباب صرت اجالس العتاله واشاركهم فى مجالس المريسه والشرب وادفع العدل ولكن لا اشرب بل اشارك فى الاكل . وتعلمت بعض الاغانى . اشهر اغنيه وقتها واهم كانت يا منادى للمراسه وهى سريعه تصاحبها الصفقه والضرب على القيروانات او خبط الارض بالارجل . وعندما يشترى الاخرون المريسه بالدلق وهو اناء فخارى كبير يشترى العتاله بالتيبار والتيبار يساوى دلقين . والعتالى يمكن ان يقطع العبار بنفس واحد والعبار يقارب اللتر . الاغنيه تبدا ب
    _
    يا منادى للمراسا

    عبد الله قايد راسا

    عبد الله اخوك يا العازا

    اب جبهتاً نزازا

    يلقه الشراب بي لزازا

    النيل القلع الحرازا

    كان طبق الكاس بايدينو

    شلوفتو تفوت نخرينو

    او يستعملون اسم اى شخص موجود كضيف يكرم او رفيق عائد ويواصلون

    يا منادى للمراسا

    حمبرا قايد راسا

    حمبرا صغير القيمه

    وقت يلقا الشراب الديمه

    صقراً نزل فى ريمه

    وكت يلقه ام ذبداً رابط

    رشرش عيونو يخابط

    يا منادى للمراسا

    عبد الله قايد راسا

    عبد الله يا محبوبه

    التور الدقش اللوبه

    عبد الله ما هو الخمله

    عبد الله حوض الرمله .

    من الاغانى التى كان تختتم بها الامسيات او ظهريات يوم الجمعه اغنيه( برد الليل يا الحبيب .) وهذه الاغنيه كانت اشهر اغنيه فى السودان فى فترة من الوقت ارتبطت بفترة عرفت بخمى وهى الفتره بعد الحرب العالميه الثانيه . عندما تضاعفت اسعار القطن وكسب المزارعون مبالغ طائله . ووجد العتاله وضعاً مميزاً وارتفعت الاسعار واجور العتاله وعملوا لساعات طويله . وامتلا جيبهم بالمال .

    ثم اتت سنه البونص عندما ارجعت الفلوس التى كانت تقتطع من العمال والموظفين فى ايام الحرب . ونشطت الحركه التجاريه . والاغنيه تقول

    برد الليل ياالحبيب

    ده الكنياك وده النبيت

    ويسكى وصودا مع الحبيب

    حس البوصه مع القدر

    وعرقى العيش ما بنقدر .

    وتنتهى هذه الاغنيه بايقاع حزين وكأنما الناس يبكون على فترة ضاعت , ولا اذكر كل الاغنيه ولكنها تنتهى بجمله( وقوله واى اموت انا ) . وموسى كان ضخماً غليط الكراديس مرحاً تجلجل ضحكته ( عتالى الباله ) اذ كان يحمل الباله لوحده . وكان يحاول عادةً ان يحرك جسمه بطريقه انثويه ويحاول ان يقول بصوت نسائى كلمه ( واى ) ويضحك الجميع .

    ونواصل

    شوقى ......
                  

01-29-2008, 01:41 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكايـات... وروايـات... القـاص الأسـتاذ شــوقـي بـدري. (Re: بكري الصايغ)

    مـقالة الأسـتاذ شـوقـي بدري رقـم ( 74 ):
    __________________________________________

    محن سودانيه!

    كتله الخواجه.
    _______________

    [email protected]

    Last Update 29 يناير, 2008

    شوقي بدري
    [email protected]

    نحن السودانيون نصر ان نعيش فى اى مكان بمفاهيمنا وقوانينا وطريقه حياتنا . واى حاجه ما بتناسبنا بنعتبرها غلط ونصر اننا نعيش فى اى حته فى العالم ذى كأنه نحنا لسه فى السودان . والما عاجبه الكلام ده نقد ليه عينو .

    مرات تلاقى سودانى زعلان وقد يسب ويشاكل خواجه لانه مره عليه وما سلم . والخواجه يكون ما بفكر فى اى شئ خطاء والخواجه قد يمر على اخوه ود امو وابوه بدون ما يسلم عليه وبدون ما يشوف فى غلط

    الاخ سيد ساجد من اهلنا فى القويلد تقاعد رحمه الله عليه فى الثمانينات واخذ معاشه البحرى كبحار . وسكن فى مالمو وشاركه فى الشقه الاخ احمد مجذوب من كسلا الذى انتقل بجوار ربه هذا الصيف . كما شاركهم السكن فاروق الحلفاوى الذى كان يعيش فى فترة ما بين عملين بين وظيفتين وتتكفل النقابه بدفع مرتبه . وكان كالعاده يزورهم كثير من الاخوان . والحله والونسه والموسيقى مدوره .

    وبعد فتره يستدعى البوليس الاخ سيد صاحب الشقه للتحقيق معه . لان جارهم السويدى وجد ميتاً فى شقته وخطاب يقول انه قد كره الدنيا بسبب جيرانه السود وقرر الانتحار ونفذ عمليه الانتحار . السويدى كان يمر بفترة احباط وطلاق وظروف نفسيه ضاغطه . وكان يحاول الخلود الى الراحه والاستجمام . الا ان جيرانه السود يعزفون موسيقى واغانى رتيبه لمده اربعه وعشرين ساعه ونغمات لا تتغير . ويهمهمون كل اليوم بكلام غريب ثم يرتفع صوتهم . وهم يتنقلون كل اليوم بملابسهم الفضفاضه البيضاء مما يجعله يحس بانه فى الجحيم وان هؤلاء الناس لا بد انهم يكونوا ملائكه فى الجحيم لتعذيبه . وحتى بعد ان يأخذ حبه منومه ليرتاح يستيغظ على صوت خبط شديد .

    واخيراً قرر السويدى ان يرتاح من الدنيا ومن السود اللذين يشاهدهم من بلكونته التى تواجه بلكونتهم ويفصلهم عدة امتار . البوليس كان يعرف ان هؤلاء الناس لم يقابلوا السويدى ولم يحسوا به والقانون لا يعاقبهم ولكن حسب اللوائح كان من المفروض ان يستفسر الامر .

    وبعد ان تناولت الموضوع مع الاخوه وبقيه الزوار . عرفت ان للاخ سيد رحمه الله عليه طقوس خاصه فى الاكل . فعندما ذهب بعض الشباب الجدد لاخذ الاخ الريح البلوله لمأدبه غداء عند الاخ سيد وجدوه قد وضع الطعام على الطاوله فى شقته وطلب منهم الاكل . لان الاخ سيد لا يبداء فى طهى الاكل الا بعد حضور الضيوف . والحله توضع على نمره واحد لكى تأخد اربعه الى سته ساعات فى النار . فى هذه الفتره يكون النقاش والموسيقى السودانيه والغلاط وقد ترتفع الاصوات . وبالسؤال عن الخبيط الذى اقلق منام السويدى كان الرد ما انا كل ربع ساعه بدى الحله صوطه وبدى الحله طقه طقتين بالكمشه . شنو يعنى ما نطبخ كمان , ده سويدى مجنون ياخ .

    فانا مثلا بالرغم من اربعه عقود في بلاد الفرنجه اظلمهم في بعض الاحيان و اخذ الجميع بجريرة البعض . قبل سبعه سنين ، انعقد مؤتمر عالمي في جامعة لوند لمناقشة مشاكل القرن الافريقي و دعيت له شخصيات عالميه و بروفيسرات .و صار هذا تقليدا يحدث كل سنه .

    كان المتحدث الاول عمدة مدينة لوند . و وزير التعليم السويدي . و مسئول العلاقات الافريقيه في البرلمان الاوربي اولا اشميتس . فبدأ اولا شميتس حديثه بانه ابن فلاح و لم يكن يعرف الكثير عن السود و الافارقه و انه درس في جامعة لوند في نهاية الستينات و بداية السبعينات . و يسكن الان كجار لاحد الافارقه .

    عندما كان ابني فقوق في دار الحضانه كنت اشاهد سويدي يأتي لاخذ ابنه . ثم بدأت اشاهده عندما بدأ ابني المدرسه و في المعسكرات الصيفيه . و تمارين كرة القدم و الهوكي . و الدورات الرياضيه التي تأخذ عدة ايام و معسكرات التدريب .

    و بالرغم من انني كنت احيي والد فريدريك زميل ابني فقوق الا انني كما كنا نقول في السودان (استبوخه ) و ارد عليه باقتضاب . و اقول لزوجتي ( الراجل ده مضيقها و طوالي مستعجل و عامل مهم . و مره مره بربط ليه كرفته ) و الكرفتات دي في السويد ما عاديه .

    قبل فتره في التلفزيون السويدي اشوف ليك اولا شميتس في اجتماع البرلمان السويدي مطير شكله مع رئيس الوزراء و الاثتين من مدينة مالمو . و كان يتكلم بصفته احد زعماء الحزب الليبرالي .و ده جاري والد فريدريك .

    في دوره تنافسيه لكرة القدم استمرت ثلاثه ايام في مدينة هلسنبورج علي بعد سبعين كيلومتر من مالمو كنت اشاهد جاري اولا شميتس طيلة اليوم لان ابنه حارس المرمي . و في المباراة النهائيه انتقلنا الي مدينه علي بعد عشرين كيلومتر لاكتشف ان ابني فقوق قد نسي الكداره في هلسنبورج . فاقترح اولا شميتس ان ياخذ فقوق لاحضار الكداره . فقلت له بتأفف ( و ليه تمشي انته ؟ ) فقال ( لان فقوق لاعب مهم و هو يعرف طريق قصير و له درايه بالمنطقه ) فقلت له ( هذا ابني انا ، و انا اعرف المنطقه ) . و النتيجه انني ضعت و عندما رجعت كان الماتش قد انتهي و النتيجه الهزيمه لان فقوق لم يكن موجودا . و لم يقل اي شخص اي شئ . وده لو كنت انا او اى واحد سودانى تانى لكان الكلام ما قلنا ليك وفهمناكم وما بتعرفوا وما بتفهموا . .

    قبل سبعه سنوات المت بنا عاصفه قويه و عندما حضرت في الصباح الي المنزل، لاحظت ان بعضا من بلاط السقف ( مارسيليا ) قد اختفي . فقالت زوجتي ( انته زايع و البيت عاوز يطير ، العربيه الواقفه في اخر الشارع دي بتصلح البيوت . امشي اتكلم معاهم ) .

    و وجدت شاحنه صغيره عليها اسم شركه . فابتدرني صاحب العربه ( انته البيت الفي الزاويه . عندك زي عشرين بلاطه طاروا من الجزء الشمالي و زي اربعتاشر بلاطه من الجزء الجنوبي . دي المنطقه فوق البلكونه . لانو كان في ضغط علي السقف عن طريق ا لبلكونه . عندنا بيتين حنخلصهم و نجيك ) فقلت له ( انته طبعا كل يوم بتصحي من النوم و تتمني حاجه زي دي تحصل للناس ) . فلم يرد علي .

    و بعد ساعتين طرق الباب ثلاثه اشخاص و طلبوا مني ان احضر لهم السلم و بلاط اسبير لان كل البيوت عندها بلاط اسبير . فاعطيتهم البلاط و انا اتحسس الخمسمائه دولار التي في جيبي و اتمني ان تكفي لان اليوم احد . و لان المطر كان يصب في شكل رذاذ متواصل و الريح البارده تصفع الوجه فذهبت لاستلقي علي الاريكه . و حضر المهندس و طلب شاكوشا من المطاط . فقلت له و انا لا ازال اتحسر علي الخمسمائه دولار ( انتو حكايتكم شنو ، عده ما عندكم ؟ ) .

    و بعد ساعتين من العمل المتواصل في البرد و المطر كان السقف قد اكتمل . فسالت عن الاجر و كان الجواب ( اي اجر نحن جيرانك ) و بالرغم من اصراري رفضوا ان يقبلوا اي شئ . بل رفضوا صندوقين من المشروبات ودى كانت طبظه اكبر كلما اتذكرها اخجل . اكتشفت فيما بعد ان احدهم طبيب و الاخر مهندس و الشاحنه تخص شركته ، و جار ثالث .

    في بعض الاحيان افكر . اولا شميتس الذي يسكن علي بعد خمسين متر مني يمر امام بيتي عدة مرات في اليوم . و لاننا ازلنا السور المكون من النباتات المتشابكه و جعلناه قصيرا فهو يشاهدنا طيلة الصيف بالسراويل و العراريق و جلاليب و طواقي و ناس سافه و ناس راقده و شيه و كترابه و صحانة باشري و مفروكه و الناس تاكل بايدينا . و شفعنا و شفع اصحابنا جايطين المنطقه كلها . لدرجة انه احد الاخوه قال لي ( انته يا شوقي اولادك ديل اليوم كلو في الشارع عجلات و كوره و جري و كوراك ، ما بتخاف ) فقلت له ( بخاف جدا ، بخاف علي الشارع و الناس منهم ) .

    حسي لو جاء هندى او كنقولي او خواجه و سكن وسطنا في امدرمان و سقفو طار ، في دكتور بمشي يعزيهو خليه يصلح ليهو بيتو !! و لا في زعيم حزب بقول ليهو امشي اجيب جزمة ولدك !! و الغريبه انا مستبوخو و ما عارف ليه ، الراجل ده ما عمل لي اي حاجه بطالا . بسلم و مرته بتسلم و بتتكلم بأدب . و قبل فتره لمن مشيت المطار استقبل بنتي الجات من شمال السويد شفته زوجة جاري ده مقابلنها بي ليموزين و هيلمانه ، الظاهر برضو عندها وظيفه كبيره .

    نواصل ...

    شوقى ....
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de