|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
مقامات النبي: تحدثنا عن السنة والشريعة، وهما بالنسبة للنبي تعبير عن مستويين، أو مقامين من مقاماته، وللنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مقامات هي: مقام النبوة في الوسط، ومن أسفله مقام رسالته، ومن أعلاه مقام ولايته.. وقد كانت آيات النبوة هي أول ما نزل من القرآن، وأولها قوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * إقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم) ثم لما نضجت النبوة، والى هذا النضج تجيء الاشارة بقول المعصوم: (أدبني ربي فاحسن تأديبي)، جاء التكليف بالرسالة، كوظيفة، وجاء قوله تعالى: (يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولاتمنن تستكثر * ولربك فاصبر).. ولقد استغرق التأديب الإلهي في النبوة أربعين عاما ليستوي، وذلك منذ الميلاد وحتي البعث الرسولي .. اما الولاية فهي ثمرة العمل في النبوة، من اعلي، وهي خصوصية علاقة النبي بربه .. والي هذه المقامات الثلاث يشير حديث المعراج، الذي جاء فيه (سألني ربي يا محمد اتدري فيم يختصم الملاء الاعلي؟ قلت: انت ربي اعلم، فوضع يده على كتفي، فوجدت بردها بين ثدي، فاورثني علم الأولين والآخرين .. .وعلمني علوما شتى: فعلما أخذ علي كتمانه، إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري، وعلما خيرني فيه، وعلما امرني بتبليغه الي العام، والخاص، من امتي، وهي الأنس والجن) .. فالعلم الذي أمر بتبليغه الى العام والخاص من امته، هو علم الرسالة، وهي تشمل القرآن المقروء بين دفتي المصحف، وتشمل تبيان هذا القرآن، في التشريع، في مستوى حاجة الامة ومستوي طاقتها.. وفي التفسير في مستوى طاقة الامة .. والعلم الذي خير في تبليغه يقع بعضه في حيز الولاية، ويقع سائره في حيز النبوة .. والعلم الذي نهي عن تبليغه هو علم الولاية .. .والنبي في ولايته أكمل منه في نبوته فهو في النبوة يتلقي عن الله بواسطة جبريل، في حين انه في الولاية يتلقي عن الله كفاحا،وقد رفعت الواسطة بين العبد والرب .. عن هذا المقام اخبر المعصوم عندما تحدث عن تخلف جبريل في المعراج، عند سدرة المنتهى ، فقال له النبي: أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟؟ قال جبريل: هذا مقامي ولو تقدمت خطوة لاحترقت!! قال النبي (فزج بي في النور) يعني هنا نور الذات.. وهذه هي الصورة التي حكى عنها القرآن بقوله تعالى: (اذ يغشي السدرة ما يغشي * ما زاغ البصر وما طغي) .. وفي حديث آخر قال النبي عن مقام ولايته (لي ساعة مع ربي لا يسعني فيها ملك مقرب، ولانبي مرسل)!! ونحن بالطبع يعنينا من الناحية العملية جانب النبوة وجانب الرسالة ـ الشريعة والسنة ـ ومستوى السنة هو الذي تقوم عليه البشارة ببعث الاسلام المرتقب الذي اسميناه العصر الذهبي للاسلام .. ومن هنا يتضح ان الاسلام، كما هو في القرآن بين دفتي المصحف، وكما بينه المعصوم في سنته وفي شريعته، رسالتان، وليس رسالة واحدة: الرسالة الاولى هي رسالة الشريعة التي وقع عليها التطبيق بالنسبة للامة في القرن السابع الميلادي . والرسالة الثانية هي رسالة السنة ـ مستوى النبوة ـ التي ينتظر ان يتم وفقها بعث الاسلام في المستقبل ـ القريب ان شاء الله ـ وامة الرسالة الاولى هي امة المؤمنين ، في حين ان امة الرسالة الثانية هي امة المسلمين.. والنبي صلى الله عليه وسلم، هو رسول الرسالتين: الاولى والثانية .. ورسالته الاولى هي الرسالة المحمدية، ورسالته الثانية هي الرسالة الاحمدية، وهذا من بعض اسرار تسميته باحمد ومحمد .. وعن الرسالة الاولى يجئ قوله تعالي: (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ...) .. وعن الرسالة الثانية يجئ قوله تعالى: (ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
بسم الله الرحمن الرحيم الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (12) المنهاج لقد ذكرنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة أن "للتوحيد في الاسلام، وجهتين، متكاملتين، لا تقوم إحداهما عند المسلم إلا بالأخرى.. الوجهة الأولى تتعلق بالبعد الوجودي الذي تقوم عليه حقائق الأشياء، ويعبر عن الذات الإلهية، وهذا ما أسماه المفكرون الذين تحدثنا عنهم " "نظرية في الكون"، والوجهة الثانية هي ما يقوم عليه السلوك العملي، ويوجه الحياة، والفكر، عند المسلم.. فلا مجال لإدراك نظرية الإسلام في الكون، والتطور في مراقيها، إلا عن طريق المنهاج العملي الذي يقوم على التوحيد، والذي تجسده حياة النبي محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، والذي سبق أن أشرنا إليه.. فالتوحيد هنا صفة الموحد، بكسر الحاء ـ صفة الإنسان، الذي يتحقق بالتوحيد، وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هي هادي التوحيد.. ولا إله إلا الله، جاء بها جميع المرسلين، مبناها واحد، لكن المعنى يختلف اختلافات كبيرة، يقول المعصوم: (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي، لا إله لا الله).. ولا إله إلا الله، تعني لا فاعل في الوجود، لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. تعني وحدة الفاعل.. وأمر وحدة الفاعل هذا هو أمر الاسلام ـ الاسلام العام والاسلام الخاص ـ ففي الاسلام العام، الوجود كله مسلم لله، منقاد له، كان، ولا يزال، ولن ينفك، ولكن الوجود دون الإنسان مسلم لله كرها.. وقد مد الله تعالى، بمحض فضله لطليعة الوجود ـ الإنسان ـ أن يشعر بأنه صاحب إرادة مستقلة، عن الله.. وبذلك أصبحت هنالك إرادتان: إرادة الله تعالى، المحققة، وإرادة الإنسان المتوهمة.. فبظهور الإنسان وظهور العقل، والإرادة البشرية، جاء الخطاب بالإسلام الخاص ـ اسلام البشر ـ الذي بدأ بآدم عليه السلام.. والإسلام هذا، هو منهاج حياة، يهدف الى قيادة الإنسان، عن طريق عقله، إلى أن يسلم إرادته الحادثة المتوهمة، إلى إرادة الله تعالى، القديمة ، المحققة، فتكون إرادته بذلك، إرادة حقيقية نافذة، لأنها اصبحت مطابقة للإرادة الإلهية، النافذة ومنسجمة معها.. والتسامي في درجات الاسلام ، يقع في سبع درجات كما سبق أن بينا في الحلقة العاشرة.. والمنهاج هو عمل في الترقي في درجات الاسلام السبع، عن علم ، حتى يسلم الفرد لله عن رضا وطواعية، وبذلك يحقق كمال إنسانيته، كما بينا في الحلقة الثانية. والعمل في المنهاج، كما هو واضح، يقوم على تقليد النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، على اعتبار أنه الإنسان الكامل، الذي باتباعه، وتقليده، يحقق كل سالك، وفق نهجه، كمالاته الذاتية. وهذا يقتضي، منا الحديث عن قدوة التقليد، وحكمة التقليد، والكيفية المثلى للتقليد، التي تفضي الى ما هو مطلوب، من تحقيق لكمال حياة الفكر والشعور.. ولذلك قيل: "بطريق محمد أصبح الدين منهاج سلوك، به تساس الحياة لترقى الدرجات نحو الحياة الكاملة.. حياة الفكر، وحياة الشعور.." لقد ذكرنا أن غاية الوجود الحادث هي، انجاب "الخليفة" ـ خليفة الله في الأرض ـ (إني جاعل في الأرض خليفة).. وهو الإنسان .. وقد سخر الله تعالى جميع ما في الوجود لتحقيق هذه الغاية (وسخر لكم ما في السموات، وما في والأرض جميعا منه).. ولذلك غاية الانسان، هي تحقيق هذه الخلافة، وهي هي الاسلام الاخير ـ الدرجة السابعة من درجات الترقي في مراقي الاسلام ـ كما هي، هي ايضا، تحقيق انسانية الانسان، والعيش في مستوى الحياة العليا.. وقد سبق أن ذكرنا أن الانسان، طالما سيطرت عليه صفات الحيوان، خضع لها، او قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. فالمنهاج هو وسيلة تحقيق كل ذلك.. ونحن لنا الى هذا الأمر عودة. نحب هنا ان تكون بدايتنا، الحديث عن قدوة التقليد محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.. فهو النموذج الانساني، الذي وضعه الله تعالى، للانسانية جمعاء، ليحقق كل فرد من افرادها، انسانيته عن طريق اتباعه وتقليده.. والأستاذ محمود عندما يدعو لطريق محمد صلى الله عليه وسلم، انما يتحدث عن تجربة، عاشها، وعرفها، ووجد ثمارها، واستيقن من نتائحها عن علم وعن تجربة.. فهو لم يدع، لاتباعه، ولا لاتباع أي شخص آخر غير النبي المعصوم.. وهو عندما يدعو الناس (للطريق) انما يدعوهم لأنفسهم، ولخير أنفسهم.. وهو لا يشترط في المتبع أن يكون معه.. فهو قد قال، في عديد المرات، قد يكون الفرد بيننا، وهو ليس بجمهوري، وقد يكون غيره، لم نره، وهو جمهوري.. فاسم (حمهوري)، اسم تسببت فيه ملابسات تاريخية، ولكن أساس الدعوة هو طريق محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم .. وهذا هو الفيصل في أمر الدعوة.. وقد يرى كثير من المسلمين، انهم يتبعون النبي عليه السلام، ولكن هذا غير الحق، وسيتضح ذلك بوضوح عندما ننتهي من حديثنا عن المنهاج في هذه الحلقة.. ولكن المفارقة تبدأ من معرفة النبي نفسه، ولذلك سنركز عليها
محاولة للتعريف: سنحاول هنا تقديم تعريفات مبسطة، قدر الإمكان.. أولا: ما هو الطريق؟ "الطريق هو النهج العملي الذي يوصل سلوكه الى الله، تبارك وتعالى" .. ما معنى الوصول الى الله تبارك وتعالى؟ "ليس لله تبارك وتعالى وصول بالمعنى الذي يؤديه حرف الكلمة، وإنما المقصود بالوصول أن يكون حضور السالك مع الله أكثر من غفلته عنه".. وهذا يعني ، أن الوصول، في جملة الحال يعني الحضور مع الله، فعلينا أن نصطحب كلمة "حضور" هذه فعليها يقوم العمل كله.. والسير، أي سير، حتى يكون مؤمنا، يقتضي أن يكون الهدف محددا، بصورة جلية.. وأن تكون هنالك خارطة للطريق.. وأن يكون هنالك مرشد ودليل، خبر الطريق، وعرف معالمه، ومطباته، فلا يضل هو، ولا يضلل من يتبعونه.. وأن تكون هنالك بوصلة، تحدد اتجاه السير دائما، حتى لا تلتبس السبل، ويضيع الطريق.. أما خارطة الطريق، فهي القرآن، كلام الله إلينا الذي نهتدي به في مسيرتنا اليه.. وهو جاء ميسرا بلغة نفهمها (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)..(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).. فهو يحكي تجربة وجودنا التي نسيناها، بلسان عربي مبين، ليذكرنا ما نسينا.. وما نسيناه هو العهد الذي سبق أن أخذناه على أنفسنا، ونحن في عالم الملكوت، عالم الأرواح، ونسيناه عندما نزلنا الى عالم الأجساد.. هذا العهد هو الشهادة، لربنا بالربوبية ولأنفسنا بالعبودية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم ، من ظهورهم، ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ، شهدنا!! أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.. أو تقولوا: إنما أشرك أباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟!) .. فالسير هو رجوع الى هذه الشهادة، التي كانت في عالم الأرواح، نشهدها في عالم الأجساد، وذلك برفع الحجب التي حجبتنا عن تلك الشهادة القديمة، وحالت بيننا وبين تذكرها.. والحجب جميعها تقع في مستويين: حجب الظلمات، وهي شهوتي البطن والفرج.. وحجب الأنوار، وهي حجب العقول.. ما هي البوصلة!؟ هي التوحيد، الذي يحدد لنا الاتجاه الصحيح للمسيرة، مهما تراكمت ظلمات الوجود، وتشعبت، وانبهمت السبل.. فعلينا أن نركن اليه دائما، ولا نتخلى عنه قط، في مسيرتنا.. أما المرشد، فهو العقل داخلنا، ومحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم خارجنا.. فالسير، في جميع مراحله، في منطقة الشفعية وسيلته العقول.. والعقول، لكي تكون وسيلة واصلة وموصلة، عليها أن تكون عقولا حرة، مبرأة من الهوى، والمنهاج كله، إنما هو عمل، في ترويض هذه العقول، وتهذيبها حتى تقوم بترويض الشهوة، وهذا ما قام عليه التكليف، وبه ظهر الانسان كما سبق أن ذكرنا.. فالمنهاج يروض العقول على التواضع، وعلى المحايدة، وعلى البراءة من الغرض.. أما المرشد والدليل، وقدوة التقليد، محمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد لنا من وقفة للتعريف به.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
تحياتي يا عمر
الي الاستاذ محود من قال لا في وجه عسس الماضي والحاضر والمستقبل من ارسي فهما وفكرا لم يفض اغلفته بعد
سلام للاستاذ خالد الحاج
افكر كالعادة ان ابدا في احتفاليتي الخاصة بشهيد الفكر الاستاذ محمود
بس الارشفة سوف تذهب بالموضوع عليه اتمني لو لك فرصة تجتاز بهذا البوست كامل الدسم للذهن
الي افاق رحبة ببداية سنة جديدة
ويوما ستحتفل البوادي والحضر بسيرة الاستاذ الاحلي من الشهد
تحياتي للاسرة وتحياتي لمن يزور البوست
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
من هو محمد صلى الله عليه وسلم؟ جاء من كتاب (الطريق): "محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، النبي الأمي، المبعوث في قريش في الأميين منذ القرن السابع، والذي ختم الله به النبوة، وأنزل عليه القرآن المقروء اليوم، والمحفوظ بين دفتي المصحف، لا يعرفه المسلمون وإن ظنوا جهلا إنهم يعرفونه.. وهذه الدعوة الى اتباعه، وحسن تقليده التي يقدمها هذا الكتيب: (طريق محمد) لا تستقيم ، على خير وجوهها إلا إذا قدمت تعريفا به يجعل اتباعه، وتقليده، عملا علميا يحترم أقوى العقول المعاصرة، ويقنعها بجدوى ممارسته، واتقانه.." ومن أجل التعريف ينبغي أن نعلم أن للنبي، ثلاثة مقامات: الرسالة، والنبوة، والولاية.. أما مرتبة النبوة فهي الأصل، وهي وسط بين طرفين: من أعلاها، الولاية ومن أسفلها الرسالة.. فالنبوة عندما استوت انبثقت منها الرسالة كوظيفة .. ثم كلما ازدادت استواء تسامت الى مراتب الولاية، في الفينة بعد الفينة.. وهذا ما يجعل النبوة هي الأصل..وقد رأى بعض المتصوفة ومنهم الشيخ بن عربي، أن الولاية هي الأصل، وذلك على اعتبار أن (الولي) من أسماء الله، وهذا اختلاف اساسي بين النظرتين.. فنظرة الأستاذ محمود تركز على المنهاج (السنة) .. وعن النبوة والرسالة يجئ قول المعصوم..(أدبني ربي فأحسن تأديبي) ثم قال: (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) ، فصدر الحديث نبوة، وعجزه رسالة.. وعبارة (أدبني ربي فأحسن تأديبي) تجعل الدين كله (الأدب)، ولذلك دعوة الأستاذ محمود تركز عليه، تركيزا كبيرا.. والنبوة، عند النبي صلى الله عليه وسلم، أمر استغرق تمامه اربعين سنة، على اعتبار استواء النبوة، من المولد، الى البعث الرسولي، هذا في جانبها المتعلق بالبروز الى عالم المحسوس، وإلا فإن نبوة نبينا أزلية، وفي ذلك قال المعصوم: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، ومعنى ذلك أنه كان نبيا عالما بنبوته في الأزل.. وكعادته، يعترض ابن تيمية على هذه الرواية، إلا أنه يوافق على رواية مسند أحمد والترمذي، التي تقول: (متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد).. وواضح أن الروايتان، لا تكادان تختلفان. والنبي في ولايته، أكبر منه في نبوته، ذلك أنه في النبوة يتلقى عن الله بواسطة جبريل، ولكنه في ولايته يتلقى عن الله كفاحا، وقد رفعت الواسطة بين الرب والعبد.. وعن ذلك ورد حديث النبي، الذي فيه تخلف جبريل عن النبي، عند مقامه عند سدرة المنتهى، ومضى النبي وحده لملاقاة ربه.. وقد قال النبي: (لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل..).. فالرسالة وحي بالقرآن المقروء ، ووحي بشرع منه، أمر النبي بتبليغه الى سائر أمته.. والنبوة وحي بالقرآن المقروء، ووحي بشرع منه، أمر النبي أن يعمل به في خاصة نفسه.. فهو بالرسالة صاحب شريعة، وهو بالنبوة صاحب طريقة.. أو قل صاحب (سنة).. وبين شريعته وسنته تداخل ومنهما ارض مشتركة.. ونحن في دعوتنا إلى (الطريق) معنيون، بالتكليف الذي به زاد النبي عن سائر أمته، في العبادة، وفي السلوك.. وهذا التمييز بين النبوة والرسالة، والسنة والشريعة، ضروري جدا، لبعث الاسلام، وذلك لأن الاسلام إنما ييعث ببعث السنة، كما سبق أن ذكرنا، وكما جاءت بذلك البشارة.. بل من الضروري التمييز بين (الأحمدية) و (المحمدية).. فالأحمدية نبوة، والمحمدية رسالة.. والنبي محمد بن عبد الله، جمع بين الأحمدية والمحمدية.. فهو أحمدي النبوة، محمدي الرسالة.. هو مما يلي الله أحمدي، ومما يلي الناس محمدي.. والفرق بين الأحمدية والمحمدية كبير.. فالمحمدية تنـزل من الأحمدية، اقتضاه حكم الوقت، وعين مستواه حاجة الأمة، وطاقتها، في القرن السابع الميلادي.. وهذه المسافة تمثل الفرق بين السنة والشريعة، وهي تحكي الفرق بين مستوى النبي، ومستوى الأمة، وهو فرق شاسع.. ولقد سبق لنا أن ذكرنا الأحاديث النبوية، الواردة في حق الأصحاب والأخوان.. والأحمدية، هي رسالة نبينا الثانية والتي بها تتوج جميع رسالات السماء، وإليها يشير قوله تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين) .. هنا قال: "رسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وهناك قال: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار .." ، واضح من الآيتين الإشارة إلى الرسالة الأحمدية، والرسالة المحمدية.. وكما سبق أن ذكرنا ووكدنا، إن وقتنا الحاضر، لا تناسبه، ولا تسعه، إلا الرسالة الأحمدية، ولا خلاص للمسلمين، ولا لغيرهم إلا بها، ومن هاهنا جاء التوكيد على نهج الطريق.
أدب الطريق: إن تقليد النبي صلى الله عليه وسلم، بغير وعي، وتمام إدراك، قليل الجدوى، وقد يكون عملا آليا لا روح فيه، قصاراه التعب.. ولكي يكون التقليد مفضيا الى الثمرة المرجوة منه، لا بد فيه من الأدب مع المقلد، والثقة به، والطمأنينة اليه، وتوقيره، وتقديسه، والمحبة له.. وكل ذلك يقتضي بعض المعرفة به، ريثما، عن طريق التقليد المجود نفسه، تتضح آفاق الحقيقة المحمدية.. "الذات المحمدية أول قابل لتجليات الذات الإلهية، وهي المشار اليها في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري.. قال جابر: قلت يا رسول الله، بأبي أنت، وأمي، أخبرني عن أول شئ خلقه الله.. قال: أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر.) والذات المحمدية حقيقة أحمدية، قمتها ولاية،وقاعدتها نبوة.. ومقامها المقام المحمود الذي قامه النبي ليلة عرج به بعد أن جاوز سدرة المنتهى، وفيه صح له الاتصاف بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى). وذلك في جمعية بلغت فيها وحدة الذات البشرية قمة طوعت لها شهود الذات الإلهية.." لاحظ أنه يتحدث عن "الذات المحمدية" .. فهي ذات ـ نفس ـ وهي محمدية، نسبة لمحمد بن عبد الله.. وعن النور المحمدي، يجئ قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) .. وقوله: (وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا) .. وقد جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، قوله: (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) .. وهو رسول لكل الناس (وما أرسلناك إلا كافة للناس، بشيرا ونذيرا).. (وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) .. والناس في هذه الآيات، وفي غيرها، تعني كل الناس، في جميع مراحل إنسانيتهم!! ولكنها تعني بصورة خاصة، (الناس) في مراحل تحقيق إنسانيتهم!! قال تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) .. ولما يظهر الاسلام على الدين كله، وإنما ظهوره أمامنا، وذلك وعد غير مكذوب، وظهوره إنما يكون بمحمد صلى الله عليه وسلم، عن طريق رسالته الأحمدية.. فهو كما أخرج الناس من الجاهلية الأولى، إلى مرحلة الإيمان، سيخرجهم من الجاهلية الثانية الى الاسلام، وقد جاء من كتاب الطريق "محمد وهو رسول للأمة المسلمة، صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة.. فهو في رسالته للمسلمين، أحمدي، وفي رسالته للأمة المؤمنه محمدي، وسبب الفرق بين الرسالتين حكم الوقت.." وجاء من كتاب (تعلموا كيف تصلون) قوله: "هذه البشرية التي سيجيء منها (الأخوان)، رسولها (محمد)، وكتابها القرآن ، ودينها الإسلام.." وفي خاتمة كتاب الطريق، جاء: "ثم أما بعد ، فإن هذه دعوة إلى الله ، داعيها محمد ، وهاديها محمد .. وهي دعوة وجبت الاستجابة لها أمس وتجب الاستجابة لها اليوم ، كما وجبت أمس ، وبقدر أكبر ، إذ الحجة بها اليوم ألزم منها بالأمس. (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وإلا فلا . يا أهل القرآن ، لستم على شئ ، حتى تقيموا القرآن . وإقامة القرآن كإقامة الصلاة، علم، وعمل بمقتضى العلم. وأول الأمر في الاقامتين، اتباع بإحسان، وبتجويد لعمل المعصوم .. أقام الله القرآن، وأقام الصلاة، وهدى إلى ذلك البصائر والأبصار، إنه سميع مجيب." وأول الاتباع بإحسان الأدب، وأدنى الأدب الصلاة اللفظية على النبي صلى الله عليه وسلم، كلما ذكر.. وروح الأدب (الحضور)!! الله حاضر ، نحن الغافلون عنه.. والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر، نحن الغافلون عنه، وهو قد قال: (أنا جليس من صلى عليَ)، فمن الأدب استشعار حضوره دائما.. ومن الأدب أن نعلم أنه أعلم بخيرنا، منا، وأحرص على خيرنا، منا، وأولى بنا، منا (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).. (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)..وهو قد قال: (لا يشتاك أحدكم الشوكة إلا وجدت ألمها).. وقال: (المرء مع من أحب) .. وقال تعالى، في حق الأدب معه: (فلا وربك، لا يؤمنون، حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما)..وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول، كجهر بعضكم لبعض أن تحبط اعمالك وانتم لا تشعرون!!) "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون؟" هذا أمر جد خطير!!وبكل أسف، ما أكثر سوء الأدب مع الجناب النبوي الشريف، ومن رجال يزعمون أنهم قادة اسلاميون!! إن من يعرف القدر اليسير عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو انسان طبيعي ـ لابد أن يحبه، فالنفس من طبيعتها، أن تحب الكمال، كما أنه من طبيعتها أن تحب ما فيه خيرها، والنبي الكريم، هو وسيلة خير كل نفس، ولا سبيل للخير الباقي من دونه.. لقد قصدنا بحديثنا هذا الموجز، عن قدوة التقليد، أن نجعل منه، مدخلا، لحديثنا عن موضوع المنهاج.. والحديث سوف يشمل كل القضايا الأساسية التي سبق أن تحدثنا عنها، وعلى رأسها قضية إنسانية الإنسان، وقضية الحياة، والفكر والحرية.. وهو يشملها من زاوية الجانب العملي التطبيقي.
خالد الحاج عبد المحمود رفاعة في 19/7/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
الأخ/ عمر سلام عليك عيد مبارك أعاده الله عليكم بالخير والعافية والعون والمدد.
Quote: يقول المعصوم: (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي، لا إله لا الله).. ولا إله إلا الله، تعني لا فاعل في الوجود، لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. تعني وحدة الفاعل.. وأمر وحدة الفاعل هذا هو أمر الاسلام ـ الاسلام العام والاسلام الخاص ـ ففي الاسلام العام، الوجود كله مسلم لله، منقاد له، كان، ولا يزال، ولن ينفك، ولكن الوجود دون الإنسان مسلم لله كرها.. وقد مد الله تعالى، بمحض فضله لطليعة الوجود ـ الإنسان ـ أن يشعر بأنه صاحب إرادة مستقلة، عن الله.. وبذلك أصبحت هنالك إرادتان: إرادة الله تعالى، المحققة، وإرادة الإنسان المتوهمة.. فبظهور الإنسان وظهور العقل، والإرادة البشرية، جاء الخطاب بالإسلام الخاص ـ اسلام البشر ـ الذي بدأ بآدم عليه السلام.. والإسلام هذا، هو منهاج حياة، يهدف الى قيادة الإنسان، عن طريق عقله، إلى أن يسلم إرادته الحادثة المتوهمة، إلى إرادة الله تعالى، القديمة ، المحققة، فتكون إرادته بذلك، إرادة حقيقية نافذة، لأنها اصبحت مطابقة للإرادة الإلهية، النافذة ومنسجمة معها.. |
ليت إخوتنا من معارضينا السلفيين يعلمون أن أمر التوحيد بمعناه الذي يتداولونه من السلف قد خدم غرضه حتى استنفده ،وليتهم يدركون حاجتنا الآن لمعرفة أن الشريك لله الذي ظهر بظهور العقل والإرادة هو ما يجب علينا ترويضه وحمله على ترك المشاركة حتى يتحرر عقله هذا من وهمه فتدرك إرادته عجزها وبهذا يسلم الأمانة التي ناءت بحملها السموات والأرض فيدخل حظيرة الإسلام التي فيها عباد الله وجنة الله القادمة التي تهيأ مكانها أو كاد . أبوحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Haydar Badawi Sadig)
|
الأخ الكريم عمر عبد الله والأعزاء المتداخلين
تحية كبيرة لكم جميعاً وأنتم تحتفلون بذكرى عزيزة للغاية على نفسي، وهي ذكرى فداء الأستاذ محمود لشعبه منعاً لطوفان قوانين سبتمبر الغاشمة، وهي ذكرى ملهمة لكل صاحب قضية عادلة في كيف يكون الوقوف أمام الحكام الظلمة. الإصرار على الإحتفال بذكرى هذا الفداء العظيم هو هزيمة سنوية لتلك القوانين ولمن وقفوا ولا يزالون يقفون خلفها وتعرية لسحناتهم الكذوبة. أنا لا أزال مصراً على تخليد هذه الذكرى من خلال تحويل منزل الأستاذ بمدينة المهدية الحارة الأولى إلى متحف، يا ليتنا نستطيع إلى ذلك سبيلاً. التحية عبركم إلى الأستاذ خالد الحاج وإلى الأساتذة الأجلاء عبد اللطيف عمر حسب الله وخالد بابكر حمزة ومحمد سالم باعشر وتاج الدين عبد الرازق
عظيم الإحترام والتقدير
مرتضى جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Murtada Gafar)
|
أخي الأستاذ مرتضى جعفر تحيتي وأكيد معزتي كم تبهجني طلتك البهية ومداخلاتك الرصينة .. ما دفع الأستاذ محمود لتفدية هذا الشعب الكريم وهو يقدم روحه طائعا مختارا وفرحا وراضيا هو معرفته بأصالة عوده ونقاء معدنه وهذا أمر يتأكد لنا كلما رأيناء أبناء الشعب الأوفياء مثلك يحفظون له ذلك الموقف العظيم ويبادلون وفاءه بوفاء .. ولا غرو انه كان ينفعل بأغنيه "أنا امدرمان" ويطلب أن تؤدى في مجلسه وتغرورق عيناه بالدموع عندما ينشد البيت الذي يقول: فيا سودان اذ ما النفس هانت أقدم للفداء روحي بنفسي .. سأواصل نشر مقالات الأستاذ خالد الحاج التي بدأناها منذ احتفال الذكرى الماضي وها هي ذا الدورة تكاد تكتمل ونحن لم نفرغ بعد من اتمام ايرادها.. شكرا على المرور الكريم عمر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: عثمان عبدالقادر)
|
أخي العزيز عثمان تحية طيبة وكل عام وأنت ومن حولك بخير نعم ليتهم يعلمون أن الموحدين حقا لا يرون ما يستدعى الغلظة والتشدد في حق الآخرين بل انهم يعاملونهم بكل سعة ومحبة ابتغاء توصيل الخير لهم بلا من ولا استعلاء وعندهم ان كلمة التوحيد "لا اله الا الله" تعني في بداياتها الا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها الا الله (والله خلقكم وما تعملون) و(كل ما هو من المحبوب محبوب) و(أعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك) ولكن أنى يعلمون؟!!! عمر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
ومن أجل التعريف ينبغي أن نعلم أن للنبي، ثلاثة مقامات: الرسالة، والنبوة، والولاية.. أما مرتبة النبوة فهي الأصل، وهي وسط بين طرفين: من أعلاها، الولاية ومن أسفلها الرسالة.. فالنبوة عندما استوت انبثقت منها الرسالة كوظيفة .. ثم كلما ازدادت استواء تسامت الى مراتب الولاية، في الفينة بعد الفينة.. وهذا ما يجعل النبوة هي الأصل..وقد رأى بعض المتصوفة ومنهم الشيخ بن عربي، أن الولاية هي الأصل، وذلك على اعتبار أن (الولي) من أسماء الله، وهذا اختلاف اساسي بين النظرتين.. فنظرة الأستاذ محمود تركز على المنهاج (السنة) .. وعن النبوة والرسالة يجئ قول المعصوم..(أدبني ربي فأحسن تأديبي) ثم قال: (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) ، فصدر الحديث نبوة، وعجزه رسالة.. وعبارة (أدبني ربي فأحسن تأديبي) تجعل الدين كله (الأدب)، ولذلك دعوة الأستاذ محمود تركز عليه، تركيزا كبيرا.. والنبوة، عند النبي صلى الله عليه وسلم، أمر استغرق تمامه اربعين سنة، على اعتبار استواء النبوة، من المولد، الى البعث الرسولي، هذا في جانبها المتعلق بالبروز الى عالم المحسوس، وإلا فإن نبوة نبينا أزلية، وفي ذلك قال المعصوم: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، ومعنى ذلك أنه كان نبيا عالما بنبوته في الأزل.. وكعادته، يعترض ابن تيمية على هذه الرواية، إلا أنه يوافق على رواية مسند أحمد والترمذي، التي تقول: (متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد).. وواضح أن الروايتان، لا تكادان تختلفان. والنبي في ولايته، أكبر منه في نبوته، ذلك أنه في النبوة يتلقى عن الله بواسطة جبريل، ولكنه في ولايته يتلقى عن الله كفاحا، وقد رفعت الواسطة بين الرب والعبد.. وعن ذلك ورد حديث النبي، الذي فيه تخلف جبريل عن النبي، عند مقامه عند سدرة المنتهى، ومضى النبي وحده لملاقاة ربه.. وقد قال النبي: (لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل..).. فالرسالة وحي بالقرآن المقروء ، ووحي بشرع منه، أمر النبي بتبليغه الى سائر أمته.. والنبوة وحي بالقرآن المقروء، ووحي بشرع منه، أمر النبي أن يعمل به في خاصة نفسه.. فهو بالرسالة صاحب شريعة، وهو بالنبوة صاحب طريقة.. أو قل صاحب (سنة).. وبين شريعته وسنته تداخل ومنهما ارض مشتركة.. ونحن في دعوتنا إلى (الطريق) معنيون، بالتكليف الذي به زاد النبي عن سائر أمته، في العبادة، وفي السلوك.. وهذا التمييز بين النبوة والرسالة، والسنة والشريعة، ضروري جدا، لبعث الاسلام، وذلك لأن الاسلام إنما ييعث ببعث السنة، كما سبق أن ذكرنا، وكما جاءت بذلك البشارة.. بل من الضروري التمييز بين (الأحمدية) و (المحمدية).. فالأحمدية نبوة، والمحمدية رسالة.. والنبي محمد بن عبد الله، جمع بين الأحمدية والمحمدية.. فهو أحمدي النبوة، محمدي الرسالة.. هو مما يلي الله أحمدي، ومما يلي الناس محمدي.. والفرق بين الأحمدية والمحمدية كبير.. فالمحمدية تنـزل من الأحمدية، اقتضاه حكم الوقت، وعين مستواه حاجة الأمة، وطاقتها، في القرن السابع الميلادي.. وهذه المسافة تمثل الفرق بين السنة والشريعة، وهي تحكي الفرق بين مستوى النبي، ومستوى الأمة، وهو فرق شاسع.. ولقد سبق لنا أن ذكرنا الأحاديث النبوية، الواردة في حق الأصحاب والأخوان.. والأحمدية، هي رسالة نبينا الثانية والتي بها تتوج جميع رسالات السماء، وإليها يشير قوله تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين) .. هنا قال: "رسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وهناك قال: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار .." ، واضح من الآيتين الإشارة إلى الرسالة الأحمدية، والرسالة المحمدية.. وكما سبق أن ذكرنا ووكدنا، إن وقتنا الحاضر، لا تناسبه، ولا تسعه، إلا الرسالة الأحمدية، ولا خلاص للمسلمين، ولا لغيرهم إلا بها، ومن هاهنا جاء التوكيد على نهج الطريق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
بسم الله الرحمن الرحيم الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (14) المنهاج: العبودية هي الغاية.. وهي التكليف الأساسي:
تحدثنا عن السير الى الله، وقلنا أنه ليس بقطع المسافات، وإنما هو بتقريب الصفات من الصفات.. وتحدثنا عن التخلق باخلاق الله، وأوردنا النصوص في ذلك.. فكيف يتخلق العبد بأخلاق الرب!؟ وما هي اخلاق الرب هذه، التي يمكن للعبد أن يتخلق بها!؟ وأين نجدها؟ هذه الأسئلة، تتعلق بجوهر الدين، والتكليف الأساسي، الذي يقوم عليه.. كما تتعلق بالغاية من خلق الانسان.. وكلها تقودنا الى شي واحد هو موضوع العبودية.. فالعبودية لله هي خلافة الانسان لله في الأرض، وهي الغاية من خلقنا، كما هي تكليفنا الأساسي، وسبيلنا الوحيد، للتخلق بأخلاق الله.. ويجئ في ذلك قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ومعناها ما خلقت الجن والإنس إلا ليصيروا لي عبيدا بوسيلة العبادة ، أو ما خلقت الجن والانس الا ليعبدوني كما امرتهم على لسان رسلي، ليصيروا بتلك العبادة لي عبيدا كما امرتهم على لسان عزتي ، وذلك حين قلت في مقام عزتي (إن كل ما في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) . فالعبودية هي التكليف الأصلي، والعبادة هي التكليف الفرعي، أو بعبارة أدق.. العبادة هي الوسيلة، والعبودية هي غاية العبادة.. وعدم ادراك الأمر على ما هو عليه، بهذه الصورة، يضيع العبادة والعبودية معا وهو ما عليه المسلمون اليوم، وهو السبب الأساسي في نصول الدين عن حياة الناس.. وقد توهم، جلهم، أن الغاية من خلقنا، هي ان نعبد الله.. وجعلوا بذلك العبادة غاية - وهي وسيلة - فلم ينتظروا منها نتيجة، ولم يجدوا منها نتيجة، وأصبحت عبادتهم شكلا بلا مضمون أو جسدا بلا روح.. فالعبودية هي روح العبادة، فلما غابت، غاب معها كل شيء، مما هو منتظر للعبادة أن تحققه.. والعبودية هي أن ترضى بالله ربا، وتسلم له ظاهرا وباطنا.. وهذا هو الإسلام.. ولمقام العبودية بداية وهي مقام النفس الراضية، ولكن ليست له نهاية، .. فالعبودية كالربوبية لا تتناهى.. وها هنا يدخل موضوع الإطلاق، الذي تحدثنا عنه.. والله تعالى، غني عن عبادتنا، وعن عبوديتنا، فهو الغني الحميد، فهي من أجلنا نحن، نحن المحتاجون إليها.. وهذه الحاجة هي جوهر العبادة والعبودية، يقول تعالى: (ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد).. فمكان العبد الفقر - الحاجة - ومكان الرب الغنى.. والتخلق، بأخلاق الله، هو أن يلزم العبد مكانه من العبودية، والحاجة والفقر، فتفيض عليه الربوبية من صفاتها.. وهذا معنى قوله تعالى لسيدنا داوؤد في الحديث القدسي: (فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد).. (فإن سلمت لما أريد) هذه، هي الاسلام، وهي التخلق بأخلاق الله.. وأين نجد أخلاق الله!؟ في القرآن.. وما هي أخلاق الله التي هي في القرآن!؟ هي باختصار الصفات النفسية السبع.. فالله تعالى: حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع وبصير ، ومتكلم.. وخلق الإنسان على صورته: حي وعالم ومريد وقادر وسميع وبصير ومتكلم.. ولكن صفاته تعالى في مطلق الكمال، وصفاتنا نحن في طرف النقص .. وقد انتدبنا لنسير من نقص صفاتنا، الى كمال صفاته.. فالله تعالى حي بذاته وعالم بذاته، ومريد بذاته وقادر بذاته.. فهو تعالى لا يعلم بجارحة، ولا يريد ولا يقدر بجارحة، وإنما يعلم بذاته، ويقدر بذاته، ويعمل بذاته.. أما نحن فقيوميتنا نفسها به تعالى، وليست بذواتنا.. فحياتنا من حياته، وعلمنا من علمه، وإرادتنا من إرادته، وقدرتنا من قدرته.. هذه في الحقيقة وإن توهمنا غيرها في الشريعة - في إدراك العقول - وإنما جاء القرآن ليخرجنا من وهم ما نحن عليه في الشريعة، إلى ما هو عليه الأمر في الحقيقة، فتكون بذلك شريعتنا طرف من حقيقتنا.. والعبودية تقتضي مراعاة أدب الشريعة وأدب الحقيقة معا، وفي نفس الوقت.. ومراعاة الغائية، والسببية معا، وفي نفس الوقت.. هذا بالنسبة لجليل الأمور وخطيرها، وبالنسبة لصغير الأمور.. وهذا الأمر تقوم عليه حقائق الوجود، وينبغي أن تقوم عليه تفاصيل السلوك في الحياة اليومية.. فالوجود كله يقوم على الغائية، فليس شيء فيه، عظيم أو صغير، لا توجد غاية من خلقه أو دخل بالصدفة في الوجود.. هذا بالنسبة للأشياء، وحركتها، وما يحدث لها أو يحدث بها.. يقول تعالى: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق..) قوله:(ما خلقناهما إلا بالحق) تعني إلا بالحكمة.. والحكمة هي وضع كل شيء في موضعه.. وهي نهاية العلم ونهاية الرحمة.. والعبودية تعني السير خلف الله، بمعرفة حكمة الله تعالى الباطنة، في فعله الظاهر، والتصرف وفق هذه المعرفة، في التعامل مع خلقه، وفق مرضاته تعالى.. وهذا الأمر يبدأ من بدايات بسيطة، تكون في وسع كل انسان، ثم يعمق ويدق، ويتسع كلما تطورنا في العمل بالمهاج، متوخين التوسل به إلى الغايات المنشودة. بدون هذا الاعتبار للوسائل والغايات، يصبح العمل - مهما كان حجم هذا العمل - منبتا، لا يوصل، عقيما لا يثمر، وهذا هو حال المسلمين اليوم.. كما أنه يمثل جوهر أزمة الحضارة القائمة.. فلا مجال لبعث الدين، ولا مجال للتمدين، إلا بالمعرفة الدقيقة بالوسائل والغايات، والسلوك وفق هذه المعرفة.. هذا، ينطبق على غايات الوجود الأساسية بصورة خاصة، كما ينطبق على كل ماهو دونها مما يوصل إليها إذا كان الإنسان هو الغاية من خلق الوجود الحادث جميعه.. فوظيفة الوجود الحادث جميعه هي العمل على إيجاد الإنسان، وتهيئة البيئة لذلك.. تستوي في هذه الوظيفة، قوى الوجود العلوية والسفلية، النورانية والظلمانية (لله جنود السموات والأرض).. والغاية من خلق الإنسان هي تحقيق العبودية لله بوسيلة العبادة.. وعبودية الإنسان لله، هي من أجل الإنسان، هي وسيلته لتحقيق ربوبيته على الأكوان، بأن يكون خليفة الله فيها، ويتصرف فيها وفق مرضات خالقها.. وهذه هي قمة المعاملة، التي قال عنها المعصوم (الدين المعاملة).. وهي كذلك قمة الصلاة كما سنرى.. فالعبودية هي الرجوع الى مقام (أحسن تقويم) الذي خلق عليه الإنسان في الملكوت، ليجسده، في اللحم والدم في عالم الملك، فهي كمال الحياة، وكمال العلم، وكمال الحرية.. العبودية لله هي الحرية الفردية المطلقة، التي كثيرا ما تحدثنا عنها.. والإطلاق هنا إطلاق صيرورة، لأن العبودية كالربوبية لا تتناهى. ووسيلة تحقيق كل هذه الكمالات، والتسامي في مراقيها، هي التخلق بالقرآن.. ووسيلة التخلق بالقرآن، هي اتباع النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، في سنته - وهي عمله في خاصة نفسه.. فالقرآن جعل ميسرا، بأن صب في قوالب اللغة العربية لتدركه العقول.. ثم زيد تيسيرا، بأن جسد في حياة النبي المعصوم.. فجاءت السنة المطهرة تجسيدا للقرآن، وتفصيلا له.. وأصبح بذلك حياة يومية، تعاش في كل تفاصيل الحياة، من عمل أو ترك للعمل.. والمحور الذي يدور حوله القرآن كله هو التوحيد (لا إله إلا الله).. وهذا التوحيد تجسد في حياة النبي المعصوم، وجاء عنه قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين).. وهكذا علينا أن نكون.. ولا سبيل إلى ذلك إلا أن نجعل محمد صلى الله عليه وسلم، وحده الوسيلة إلى الله، وليس دونه وسيلة.. مرة أخرى نعيد ما جاء في كتاب (الطريق).. "إن محمدا هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم - فمن كان يبتغي إلى الله الوسيلة التي توسله وتوصله ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمدا في أسلوب عبادته وفيما يطيق من أسلوب عادته، تقليدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك أنه اسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية".. "إن حياة محمد هي مفتاح الدين.. هي مفتاح القرآن، وهي مفتاح (لاإله إلا الله) التي هي غاية القرآن، وهذا هو السر في القرن في الشهادة بين الله ومحمد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)".. "ما أحوج بشرية اليوم، كلها، إلى تقليد هذه النفس التي اكتملت لها أسباب الصحة الداخلية، تقليدا متقنا يفضي بكل رجل، وكل إمرأة، إلى إحراز وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته، من الاضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر بصورة كان من نتائجها فساد حياة الرجال والنساء والشبان.. في جميع أنحاء العالم".. من النص أعلاه، يتضح أن الغاية هي (الصحة الداخلية) وهي تتم عند كل فرد، عندما يتم له، عن طريق العمل بالمنهاج (وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته) .. فلنصطحب هذه المعاني معنا، ونحن نتابع الحديث عن المنهاج. ومما جاء عن الغاية والوسيلة، في القرآن، قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة).. وقوله تعالى: (أولئك الذين يدعون، يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، يرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذورا) .. نذكر بحديثنا عن (الذات المحمدية)، القائمة في الملكوت، وتجسيدها في عالم الملك.. بهذا التجسيد، يتحقق مقام الوسيلة، الذي وعد به الله تعالى نبيه الكريم حيث قال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).. والذي طلب النبي من أمته، أن تدعوا له بأن يبلغه إياه.. فكلنا يدعوا عقب الآذان: (اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة، وأبلغه المقام المحمود الذي وعدته).. وهو مقام تتوقف على بروزه، إقامة الدين، وتحقيق الكمالات الإنسانية، التي ظلت مسيرة الحياة تعد لها، منذ أن كانت الحياة.. فتشرق الأرض بنور ربها، فتتم النعمة، ويسود السلام والمسرة.. وهذا أمر قد تمت أشراطه المادية، ولم يبق غير صدور الإذن الإلهي به.. هذا الإذن، به تجيء الساعة الصغرى، التي بها تقوم جنة الله في الأرض.. وهذه الساعة قد اكتملت أشراطها التي جاءت البشارة بها، في العديد من الأحاديث النبوية، فليرجع إليها من شاء، في مراجعها. من أجل كل ذلك، تحدثنا، ونتحدث، عن الوسائل والغايات، كقضية هامة، من قضايا المنهاج.. فكمال الدين في الأرض، وكمال الإنسانية، يوشك أن يتم، وهو لن يتم، إلا عن طريق (الوسيلة).. فعندما ندعو (اللهم آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة، وابلغه المقام المحمود الذي وعدته) إنما ندعو لخير أنفسنا وخير الإنسانية جمعاء..
خالد الحاج عبد المحمود - رفاعة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)
|
بسم الله الرحمن الرحيم الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (16) المنهاج: الصلاة وصلة الرحم
لقد بينا في الحلقات السابقة، عن المنهاج، انه وسيلة.. هو وسيلة السير والرجوع الى الله.. وهو سير من المحدود الى المطلق، ولذلك هو سير لا انتهاء له.. وهذا السير، هو عمل في تحقيق العبودية لله، والتي هي الغاية من الخلق، وتكليفنا الأساسي.. والعبودية كالربوبية لا تتناهى.. وهذه العبودية هي من أجل الانسان، فالله تعالى غني عن عبادة العباد، وعبوديتهم.. فبالعبودية تحقيق الحياة الكاملة، نسبية الكمال - حياة الفكر وحياة الشعور - ولذلك تحقيق الحياة الكاملة هو الغاية من خلقنا، وتكليفنا الأساسي، بل وقدرنا المقدور.. والكمال الانساني، والتسامي فيه، إنما يكون بتحقيق (القيمة)، وهذا يشكل الفيصل، بين حياة الانسان، وحياة الحيوان.. فبداية تحقيق انسانية الانسان، والتي اختلف بها عن الحيوان، هي سيطرة العقل على الشهوة، والترقي في الانسانية، هو تسامي في هذا المجال، بالنزوع عن أن تكون افعالنا غريزية ، تسيرنا فيها الشهوة، إلى أن تكون أفعالنا عقلانية، يسيرنا فيها العقل.. وهذا هو عمل المنهاج، فهو يقوم على العقل في كل كبيرة أو صغيرة، فيما نعمل وما ندع.. وهذا هو سبيل تحقيق القيمة، وهي في اساسها، كما سبق ان ذكرنا، التخلق باخلاق الله، الواردة في القرآن.. وقد جسد هذه الأخلاق، النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، وبذلك أصبح عندنا نموذج حي، ومن أنفسنا.. فالمنهاج هو عمل في تقليد هذا النموذج، في عبادته، وفي ما يطاق من عادته.. فالعبادة هي وسيلة العبودية، وروحها.. والعبادة معاملة، وقد لخص المعصوم الأمر كله، بقوله: (الدين المعاملة) .. والمعاملة كالعملة، ذات وجهين: من أعلاها معاملة الرب.. ومن أدناها معاملة الخلق - أو معاملة الرب في الخلق - وأعلى معاملة الرب الصلاة.. وأعلى معاملة العبد صلة الرحم.. وليست الرحم المعنية، رحم صلة الدم (هذه موجودة في أدنى المنازل) وإنما الرحم هنا بمعناها الواسع، وهي رحم العبودية للمعبود الواحد.. فقمة الصلاة أن تكون صلة بينك وبين الله، حتى تكون معه كما هو معك.. وهيهات.. يقول المعصوم: (الصلاة صلة بين العبد وربه)، ولذلك هذه الصلة (الحضور) هي روح الصلاة، والغاية منها.. فبالصلة بالله نصل حياتنا بمصدرها، فنستمد العلم الباقي، والحياة الباقية.. وهذا، إنما يكون في تدرج، يبدأ من بدايات بسيطة، ويتسامى كلما زاد حضورنا، والعبادات الأخرى كلها إذا أديناها في تجويد هي معنية في هذا الصدد.. أما المعاملة فقمتها أن تنشأ الصلة، بينك وبين الأشياء، والأحياء، فتتصرف فيها وأنت تتوخى الحكمة التي ترضي خالقها، في تصريفها.. هذا هو معنى خلافة الانسان لله في الأرض، معنى قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) وهذا دائما ممكن، في مستوى من المستويات عندما نتسامى بعبادتنا فننزل بها، منازل المحبة - محبة الأحياء والأشياء - وبالمحبة نتخلص من الخوف.. والمنهاج إنما يحقق هذه المحبة، عندما يصل السالك درجة المقربين. فالمنهاج عمل في الفكر، في العبادة، وفي المعاملة، يتسامى به العبد في درجات النفوس، من النفس اللوامة، نحو النفس الكاملة.. فيروض فكره ويهذبه، فينتقل من عقل المعاش، الى عقل المعاد.. وهو العقل المروض المؤدب، بأدب القرآن، أدب شريعته، وأدب حقيقته.. والعقل هو الطرف اللطيف من النفس، فكلما تهذب هذب النفس، التي يليها، وانتقل بها الى نفس أعلى.. وهذا الصنيع تتوحد به النفس البشرية، فتكمل.. وهذه الوحدة تقع في مستويين: مستوى وحدة الفكر، ومستوى وحدة الحياة .. فوحدة الفكر تقوم على وحدة الفكر والقول والعمل .. ووحدة الحياة تقوم على وحدة العقل والقلب والجسد.. فهذا هو التوحيد - فالتوحيد هو صفة الموحد، بكسر الحاء - كما سبق أن ذكرنا .. والمنهاج كما يقوم على العبادة والمعاملة هو يقوم على الفكر .. والفكر السلوكى يقوم على النقد الذاتى، الذى يعمل على معرفة عيوب الفكر والتخلص منها.. ومعرفة عيوب النفس والتخلص منها.. كما يقوم على المراقبة، وعلى المحاسبة، بصورة دائمة، فما يفلت من المراقبة تجبره المحاسبة .. فالعبادة ليست عملاً آلياً، كما الحال عند المسلمين اليوم.. وإنما هى عمل منهجى، فيه الوسائل والغايات واضحة، والنتائج ينبغى أن تكون فورية، وملموسة.. فروح العمل يتلبسه فى جميع مستوياته، وكذلك ترك العمل، هو الفكر و (تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنةً) كما يقول المعصوم . إذا تبينا هذا المنهاج جيدا، لوجدنا أنه يتضمن كل شيء في الوجود.. هو يتضمن العلاقة بالذات الإلهية المطلقة، بالتوجه إليها، والعمل في الحضور معها، والإسلام لها، وهذا جوهره.. وهو يتضمن العلاقة بالأكوان: الأحياء والأشياء، وتصحيح العلاقة بها، والتعامل معها.. كما يتضمن العلاقة بالآخرين، في المجتمع البشري – المعاملة - فيتضمن بصورة خاصة العلاقة مع الزمن، أكبر خلق الله، وكيفية التعامل معه، بالتخلص من الجولان بين الماضي والمستقبل، وما يقوم عليه من وهم.. والعيش في اللحظة الحاضرة، حيث أصل الزمن، وحيث الحقيقة المطلقة.. ويتضمن بالنسبة للفرد البشري، التسامي بالفكر، وتخليصه من عيوبه، كوسيلة للتسامي بالحياة، سعيا وراء سلامة القلب وصفاء الفكر، ووحدة البنية البشرية، والتخلص من معوقات الفكر والحياة وعلى رأسها الخوف.. وهو يقوم على الحركة، في السلم السباعي، في درجات العقول والنفوس، وحتى حركات ركعة الصلاة، وحتى السموات السبع والأرضين السبع.. ألخ إن منهاج (الطريق) في الإسلام، لا شبيه له على الاطلاق في أي دين أو فكر بشري، بما في ذلك الفهم السلفي للإسلام.. وأنا في كتابتي هذه عنه، لم أعط سوى مؤشرات، تحفز المهتم، للرجوع إليه في مصادره، خصوصا كتابي (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، و(تعلموا كيف تصلون) .. ومع كل هذا العمق والشمول فإن أهم ما يميز المنهاج هو بساطته التي تجعله يناسب أبسط الناس، حتى الأمي، ثم يتسامى به. ونحن قد بدأنا بالحديث، عن صاحب المنهاج، قدوة التقليد صلى الله عليه سلم.. ونحن نختم بذلك.. فدعوة الأستاذ محمود محمد طه للإسلام هي دعوته (لطريق محمد) عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. هذه هي الدعوة كلها، أعني كلها.. وكل ما يبدو خلاف ذلك، هو مجرد تنزيل للمنهاج لواقع الحياة في جوانبها المختلفة في: المعرفة، والسياسة والاقتصاد، والاجتماع.. ألخ .. (فطريق محمد) صلى الله عليه وسلم، هو أساس دعوة الأستاذ محمود، لبعث الاسلام، وجوهرها.. وهو الأمل الوحيد، لوحدة المسلمين، وخلاصهم.. وخلاص الانسانية جمعاء.. ونحن في تبشيرنا بالإسلام، لا يوجد شيء نبشر به، أكثر، ولا أقل، من التبشير (بطريق محمد) صلى الله عليه وسلم، والدعوة له.. فإن "محمدا هو الوسيلة إلى الله فليس غيره وسيلة منذ اليوم - فمن كان يبتغي الى الله الوسيلة التي توسله وتوصله اليه، ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمدا في أسلوب عبادته وفي ما يطيق من أسلوب عادته، تقليدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك أنه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية" وفقنا الله، وإياكم، لما فيه خير أنفسنا وخير الإنسانية جمعاء، وهدانا سبل الرشاد.. وكل عام وأنتم بخير
خالد الحاج عبد المحمود رفاعة في 17/يناير2008
| |
|
|
|
|
|
|
|