خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 04:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-31-2007, 11:09 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته


    الاخوان والاخوات الكرام
    تحية طيبة
    في هذا الخيط نتابع كتابات الأستاذ خالد الحاج في هذا الباب والتي كنا قد بدأناها في يوم 18 يناير 2007 وقد طالتها يد الأرشفة ويمكن الرجوع للحلقات السابقة على الوصلة التالية:
    خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين مح...تعريف بأساسيات دعوته
    عمر


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
    محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
    (11) السنة

    بعد هذا الحديث الموجز عن القرآن، في إطار حديثنا عن مفاتيح قضية أن العصر الذهبي للإسلام أمامنا، يجئ الحديث عن السنة، المصدر الثاني للإسلام.. وحديثنا عن السنة، ليس مغايراً لحديثنا عن القرآن، وإنما هو بسبيل منه.. فالسنة هي حياة النبي صلى الله عليه وسلم.. وحياة النبي هي مفتاح القرآن، فقد كانت تلك الحياة الخصبة تجسيداً لمعاني القرآن ولقيمه.. والنهج وفقها، هو نهج التقوى، الذي عن طريقه، دون أي نهج سواه، يتم فهم القرآن والتخلق به.. ولذلك يعتبر حديثنا عن السنة هو مواصلة لحديثنا عن القرآن، وهو أيضاً مواصلة لحديثنا عن المثاني، بمعنى وجود مستويين: مستوى عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، وهذا هو مستوى السنة، ومستوى عامة الأمة من المؤمنين وهذا هو مستوى الشريعة.. وهذا يعني أن هنالك اختلاف مقدار بين السنة والشريعة، هو نفسه الاختلاف بين النبوة والرسالة، وكل هذا مما سيتم بيانه.
    فالتفريق بين السنة والشريعة أمر ضروري جداً لبعث الاسلام، ولفهم أن هنالك مستوى من الإسلام مدخر لمستقبل البشرية، به يتحقق الإسلام في الأرض على المستوى الجماعي، بأكبر مما تحقق في التاريخ.. ولذلك نحن سنبدأ بتعريف السنة.
    فالسنة ديناً ولغة تعني شيئاً واحداً، فهي: النهج والطريقة التي كان عليها عمل النبي في خاصة نفسه، يقول د. صبحي الصالح "السنة – في الأصل- ليست مساوية للحديث، فإنها – تبعاً لمعناها اللغوي- كانت تطلق على الطريقة الدينية التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته المطهرة، لأن معنى السنة لغة الطريقة.. فإذا كان الحديث عاماً يشمل قول النبي وفعله، فالسنة خاصة بأعمال النبي عليه السلام، وفي ضوء هذا التباين بين المفهومين ندرك قول المحدثين أحياناً: "هذا الحديث مخالف للقياس والسنة والإجماع"، أو قولهم: "أمام في الحديث، وامام في السنة، وامام فيهما معاً" وأغرب من هذا كله ان أحد المفهومين يدعم بالآخر، كأنهما متغايران من كل وجه، حتى صح أن يذكر ابن النديم كتاباً بعنوان: "كتاب السنن بشواهد الحديث".
    وحين عبر الإسلام عن الطريقة بالسنة لم يفاجئ العرب، فلقد عرفوها بهذا المعنى، كما عرفوا نقيضها وهي البدعة وكان في وسعهم أن يفهموا منها هذا المعنى حتى عند إضافتها إلى إسم الجلالة في مثل قوله تعالى: "سنة الله في الذين خلو من قبل".
    أما الذين سمعوا لفظها من النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله: "عليكم بسنتي" فما كان لهم حينئذ أن يترددوا في إنصرافها إلى أسلوبه عليه السلام وطريقته في حياته الخاصة والعامة" ص6. ورغم هذا الوضوح، إلا ان معظم فقهاء المسلمين وعامتهم يعرفون السنة بأنها: عمل النبي وقوله واقراره، وحتى د. صبحي الصالح الذي أوردنا منه النص السابق يقول في موضع آخر: "إذا تناسينا موردي التسميتين كان الحديث والسنة شيئاً واحداً، فليقل اكثر المحدثين: أنهما مترادفان.. ".. وهذا التخليط، والتهاون في تحديد الأمور، أضر بقضية بعث الاسلام أشد الضرر.. فالإسلام لا يمكن أن يبعث إلا ببعث السنة، وليس ببعث الشريعة، وهذا هو معنى قول المعصوم: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبي للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله!؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد إندثارها!!".. وهذا التخليط هو طرف من إندثار السنة.. فهو قد قال "سنتي" ولم يقل "شريعتي"، فالإسلام لا يبعث ببعث الشريعة، وانما يبعث ببعث السنة، وبداية البعث هو تصحيح الفهم، وتمييز السنة عن غيرها، حتى يقوم العمل في البعث على واضحة.
    وحتى نرد الأمور إلى أصولها نقول أن السنة في الحقيقة واحدة، هي سنة الله، وهي الإسلام.. فسنة الله في خلقه أنهم جميعاً مسلمون له، في الحقيقة يقول الله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) فسنة الله في خلقه إسلام خلقه له وهذا هو الذي أسميناه الإسلام العام .. (وإليه يرجعون) يرجعون عن طريق الإسلام الخاص، إسلام البشر المكلفين وهنا تجيء سنة النبي فهي تعني إسلامه له والذي تدل عليه سيرته وطريقته في حياته كلها (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) .. فحياته كلها لله وبذلك هو أول المسلمين .. فالسنة هي حالة قلبه من الله ، هي توحيده لله، وعمله كله يدل على هذه الحالة، وقوله الذي يدل على عمله وعلى حالة قلبه يلحق بالسنة.. أما قوله لغيره فهو شريعة.. أما إقراره فكله شريعة.

    الشريعة شريعتان:
    وعلي ما تقدم يمكن القول بان الشريعة شريعتان .. شريعة في مستوى النبي الكريم ، كلف بها وحده، ولم تكلف بها امة المؤمنين .. وشريعة في مستوى الامة، و عن هذين الأمرين يجئ قول المعصوم، مثلا (أدبني ربي فأحسن تاديبي ، ثم قال: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) فصدر هذا الحديث نبوة، وعجزه رسالة .. والفرق بين النبوة والرسالة كالفرق بين النبي والرجل من سائر أمته .. وقد قال المعصوم (نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم) ..
    فشريعة الرسالة، تنزل من شريعة النبوة لتخاطب الناس على قدر عقولهم، وتكلفهم بالقدر الذي يستطيعون التزامه، من غير مشقة ولا عنت، ولتحل مشاكلهم التي تواجههم في معاشهم، وفي معادهم، في إطار واقعهم عندما بعث فيهم النبي، وأنزل القران في القرن السابع الميلادي.. وكلا الشريعتين تجد سندها من النص في القرآن وفي الحديث، وهذا وجه من وجوه المثاني التي تحدثنا عنها .
    وهنالك تداخل بين شريعة النبوة، وشريعة الرسالة.. وهنالك نقطة في هذا التداخل يقف عندها تكليف الأمة ويستمر تكليف النبي كنبي ،وللتدليل على ذلك نسوق الامثلة التالية:
    1. الصلاة المكتوبة هي حظ مشترك بين الشريعة والسنة .. والتكليف بها يتوجه للأمة، كما يتوجه للنبي، الا ان تكليف النبي يزيد علي الصلوات الخمس ، بصلاة الليل، فإنها في حقه فرض، في حين أنها في حق الامة مجرد ندب .. قال تعالى في حق النبي (يا ايها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه او انقص منه قليلا * أو زد عليه .. ورتل القران ترتيلا) فصلاة الليل في حق النبي فرض لم يتاخر عن أدائه لا في سفر، ولا في حضر .. . لا في الصحة ، ولا في المرض .. . وكانت إذا فاتته يقضيها .. وهي في حق الامة، على الندب، ومن باب التأسي بالنبي .
    2. كذلك الحال بالنسبة للصيام .. فإن الصيام المكتوب في شهر رمضان يتوجه التكليف به الي الأمة، كما يتوجه الى النبي .. ولكن تكليف النبي يزيد عن هذا الصيام بصيام المواصلة في التطوع، وهو ما عرف بالصيام (الصمدي) .. يصوم ثلاثة ايام، وليلتين في اتصال لا يتخلله إفطار .. ولما اراد بعض الاصحاب ان يتأسى به في ذلك نهاهم .. فقالوا: إنا نراك تواصل، يا رسول الله!! فقال: إني لست كاحدكم ، فاني ابيت عند ربي، يطعمني، ويسقيني ..
    3. اما زكاة المال فالفرق فيها أكثر وضوحا، فالخطاب يزكاة المقادير يتوجه الى الامة ولا يتوجه الى النبي .. فزكاة النبي تتعدى التكليف العادي الذي كلفت به الامة علي قدر طاقتها، الي تكليفه هو على قدر طاقته .. فآية الامة من كتاب الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم .. إن صلاتك سكن لهم .. والله سميع عليم) وآية النبي من كتاب الله: (ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو!!) .. و (العفو) فسره النبي قولا، وعملا بأنه ما زاد عن الحاجة الحاضرة .. فقد كان ينفق كل ما زاد عن حاجته الحاضرة، ولا يدخر رزق اليوم الى الغد ، ولو إدخره لم يكن قد تزكي .. فالزكاة ذات المقادير ليست هي الركن التعبدي المذكور في حديث أركان الاسلام، وإنما الركن التعبدي هو زكاة النبي هذه، وقد جعلت الزكاة ذات المقادير ركنا تعبديا في حق الامة لأنها لا تطيق أفضل منها، وهذا من باب قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ومن باب قول النبي: (نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نخاطب الناس علي قدر عقولهم) .. فالزكاة ذات المقادير هي شريعة الرسالة متنزلة من شريعة النبوة.
    وهذة الامثلة التي سقناها، توضح بصورة جلية ان السنة غير الشريعة.. وأنه في البشارة ببعث الاسلام الواردة في حديث الغرباء باحياء السنة (يحيون سنتي بعد اندثارها)، لا يمكن أن تنصرف للشريعة بدل السنة.. فهذا التصحيح في امر التفريق بين الشريعة والسنة ضروري جدا، ولا معدى عنه لبعث الدين.. فاذا كانت السنة أكبر من الشريعة، وأكمل منها في تحقيق التوحيد وتحقيق كرامة الانسان، والاسلام لا يبعث الا ببعثها، يصبح الأمر واضحا في أن البعث الجديد المنتظر هو اكمل من البعث الأول، وأكبر منه بمقاييس الدين، وبمقاييس كرامة الانسان، ولذلك يصح فيه قولنا بأنه العصر الذهبي للاسلام، وهذا ما سيتضح بصورة اكبر من بقية متن الكتاب.

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 12-18-2007, 04:31 AM)
    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 12-29-2007, 03:04 AM)

                  

11-01-2007, 01:23 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    مقامات النبي:
    تحدثنا عن السنة والشريعة، وهما بالنسبة للنبي تعبير عن مستويين، أو مقامين من مقاماته، وللنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مقامات هي: مقام النبوة في الوسط، ومن أسفله مقام رسالته، ومن أعلاه مقام ولايته.. وقد كانت آيات النبوة هي أول ما نزل من القرآن، وأولها قوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * إقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم) ثم لما نضجت النبوة، والى هذا النضج تجيء الاشارة بقول المعصوم: (أدبني ربي فاحسن تأديبي)، جاء التكليف بالرسالة، كوظيفة، وجاء قوله تعالى: (يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولاتمنن تستكثر * ولربك فاصبر).. ولقد استغرق التأديب الإلهي في النبوة أربعين عاما ليستوي، وذلك منذ الميلاد وحتي البعث الرسولي .. اما الولاية فهي ثمرة العمل في النبوة، من اعلي، وهي خصوصية علاقة النبي بربه .. والي هذه المقامات الثلاث يشير حديث المعراج، الذي جاء فيه (سألني ربي يا محمد اتدري فيم يختصم الملاء الاعلي؟ قلت: انت ربي اعلم، فوضع يده على كتفي، فوجدت بردها بين ثدي، فاورثني علم الأولين والآخرين .. .وعلمني علوما شتى: فعلما أخذ علي كتمانه، إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري، وعلما خيرني فيه، وعلما امرني بتبليغه الي العام، والخاص، من امتي، وهي الأنس والجن) .. فالعلم الذي أمر بتبليغه الى العام والخاص من امته، هو علم الرسالة، وهي تشمل القرآن المقروء بين دفتي المصحف، وتشمل تبيان هذا القرآن، في التشريع، في مستوى حاجة الامة ومستوي طاقتها.. وفي التفسير في مستوى طاقة الامة .. والعلم الذي خير في تبليغه يقع بعضه في حيز الولاية، ويقع سائره في حيز النبوة .. والعلم الذي نهي عن تبليغه هو علم الولاية .. .والنبي في ولايته أكمل منه في نبوته فهو في النبوة يتلقي عن الله بواسطة جبريل، في حين انه في الولاية يتلقي عن الله كفاحا،وقد رفعت الواسطة بين العبد والرب .. عن هذا المقام اخبر المعصوم عندما تحدث عن تخلف جبريل في المعراج، عند سدرة المنتهى ، فقال له النبي: أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟؟ قال جبريل: هذا مقامي ولو تقدمت خطوة لاحترقت!! قال النبي (فزج بي في النور) يعني هنا نور الذات.. وهذه هي الصورة التي حكى عنها القرآن بقوله تعالى: (اذ يغشي السدرة ما يغشي * ما زاغ البصر وما طغي) .. وفي حديث آخر قال النبي عن مقام ولايته (لي ساعة مع ربي لا يسعني فيها ملك مقرب، ولانبي مرسل)!!
    ونحن بالطبع يعنينا من الناحية العملية جانب النبوة وجانب الرسالة ـ الشريعة والسنة ـ ومستوى السنة هو الذي تقوم عليه البشارة ببعث الاسلام المرتقب الذي اسميناه العصر الذهبي للاسلام .. ومن هنا يتضح ان الاسلام، كما هو في القرآن بين دفتي المصحف، وكما بينه المعصوم في سنته وفي شريعته، رسالتان، وليس رسالة واحدة: الرسالة الاولى هي رسالة الشريعة التي وقع عليها التطبيق بالنسبة للامة في القرن السابع الميلادي .
    والرسالة الثانية هي رسالة السنة ـ مستوى النبوة ـ التي ينتظر ان يتم وفقها بعث الاسلام في المستقبل ـ القريب ان شاء الله ـ وامة الرسالة الاولى هي امة المؤمنين ، في حين ان امة الرسالة الثانية هي امة المسلمين..
    والنبي صلى الله عليه وسلم، هو رسول الرسالتين: الاولى والثانية .. ورسالته الاولى هي الرسالة المحمدية، ورسالته الثانية هي الرسالة الاحمدية، وهذا من بعض اسرار تسميته باحمد ومحمد .. وعن الرسالة الاولى يجئ قوله تعالي: (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ...) .. وعن الرسالة الثانية يجئ قوله تعالى: (ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد).
                  

11-02-2007, 09:48 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    الاسلام رسالتان:
    مما تقدم يتضح ان الإسلام كما هو في القرآن وكما بلغه النبي في سنته، وفي شريعته، رسالتان، وليس رسالة واحدة .. رسالة أولى قامت على فروع القرآن ـ القرآن المدني ـ ورسالة ثانية تقوم على اصول القرآن – القرآن المكي – والرسالة الاولى هي موضوع رسالة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم ، ويدخل فيها تبليغ القرآن المقروء كله، وتفصيل ما يناسب امة المؤمنين منه ، وذلك بالتشريع وبالتفسير .. وهذا هو معنى قوله تعالى: (وأنزلنا اليك الذكر، لتبين للناس ما نزل اليهم .. ولعلهم يتفكرون).. (وانزلنا اليك الذكر) تعني القرآن كله.. و (لتبين للناس ما نزل اليهم) يعني لتبين لهم ما نزل اليهم من الذكر الى مستواهم ، مستوى طاقتهم، ومستوى حاجتهم .. فالتبين لا ينصب علي القرآن كله، للأسباب التي سبق ان ذكرناها ونحن نتحدث عن القرآن ، وذكرنا فيها ان القرآن لا يتم تبيانه علي الاطلاق، لانه عند التناهي ، هو الاطلاق .. وقوله (ولعلهم يتفكرون)، يعني ضمن ما يعني، انهم بالفكر، المروض والمؤدب بادب الشريعة، وادب الحقيقة، يرتفعون من مستوى النص في المعنى القريب ـ القرآن المدني ـ الى مستوى معنى النص في المعنى البعيد – القرآن المكي – صعدا في سلم مثاني القرآن .. والقرآن المكي هو مستوى الأصول، لأنه أدخل في التوحيد من القرآن المدني، ولأن عليه تقوم حياة النبي، وهو يعبر عن مستوى السنة، ولأن كرامة الانسان به تتحقق بأكثر من ما تتحقق بالقرآن المدني.. والقرآن المدني، هو مستوى الفروع، لأنه تنزل من مستوى الخطاب الاصلي في قمة التوحيد، وقمة التقوى، والمعبر عنها بقوله تعالي: (يا ايها الذين امنوا، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون) الى مستوى طاقة الناس في القرن السابع الميلادي والمعبر عنه بقوله تعالي: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا، ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم المفلحون) .. فهو تنزل من مستوى النبي في خاصة نفسه ، الى مستوى الامة في القرن السابع .. من مستوى السنة الى مستوى الشريعة، وذلك لحكمة مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وتكليفهم في حدود طاقتهم. فلا بد من التمييز بين النبوة والرسالة، وبين الشريعة والسنة، وكذلك لا بد من التمييز بين الاحمدية والمحمدية ـ فالمحمدية تنزل من الأحمدية، اقتضاه حكم الوقت وعين مستواه حاجة الامة في القرن السابع وطاقتها .. .فالمسافة بين الاحمدية والمحمدية، تمثل الفرق بين السنة والشريعة، وهذه تحكي الفرق بين مستوى النبي، ومستوى الامة، وهو فرق شاسع .. ونبينا رسول الرسالتين - رسول الأمتين: الأمة المؤمنة ـ الاصحاب ـ والامة المسلمة ـ الاخوان ـ ورسالته الاولي محمدية، وفيها يجئ قوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه، اشداء علي الكفار، رحماء بينهم).. ورسالته الثانية أحمدية وفيها يجئ قوله تعالى (واذ قال عيسى بن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم ، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه احمد ، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) .. فقد جاء محمد، صلي الله عليه وسلم، بنبوة احمدية ورسالة محمدية، فدعا الى الايمان تفصيلا، ولم يدع الى الاسلام الا اجمالا، في معنى ما بلغ القرآن ، وفي معنى ما سار السيرة .. وقد استجابت له امة المؤمنين.. وسيجئ محمد برسالة أحمدية ونبوة أحمدية، فيدعو أمة المؤمنين، ويدعو غيرها من سائر الامم الى الاسلام ، ويفصل في التشريع، وفي التفسير (التاويل) ما أجمل في القرن السابع .. وسيستجاب له استجابة مستفيضة .. وقد استجابت الجاهلية الاولى – جاهلية القرن السابع – للرسالة المحمدية، التي تنزلت الى مستوى طاقتها، ومستوى حاجتها .. .والان وفي وقت الجاهلية الثانية قد اصبحت الارض مهياة لتتلقي عن الاحمدية، وتعي، اكثر مما تلقى، ووعى اسلافها، ولذلك جاء وقت الرسالة الاحمدية، وهي تطوير للرسالة المحمدية .. وذلك ببعث آيات الاصول التي كانت في عهد المحمدية، منسوخة، في حق الامة، ولم يعشها الا النبي الكريم في خاصة نفسه، لتكون هي صاحبة الوقت، وتكون هي عمدة التشريع الجديد، وهذا لا يقتضي الا فهما جديدا للقرآن، به تحيا السنة بعد اندثارها. فرسالة الاسلام الثانية هي اذن سنة النبي، التي تقوم علي ايات الاصول، القران المكي .. .وحين بشر الرسول الكريم ببعث الاسلام، انما بشر ببعث السنة، وليس بعث الشريعة، فهو قد قال: (بدأ الاسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ.. .فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).
    فالشريعة الاسلامية كاملة، وكمالها انما هو في كونها جسما حيا، ناميا، متطورا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية المتطورة، ويوجه خطاها ، ويرسم منازل القرب من الله، منزلة، منزلة، في طريق رجعاها الى الله..
    والانتقال من الشريعة الى السنة يقتضي تطوير التشريع. وتطوير التشريع هو انتقال من نص الى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع ، فاحكم، الى نص اعتبر يومئذ اكبر من الوقت فنسخ .. قال تعالى: (ما ننسخ من اية، او ننسها، ناتي بخير منها ، او مثلها ـ الم تعلم ان الله على كل شئ قدير) قوله: (ما ننسخ من اية) يعني: ما نلغي، او نرفع من حكم اية .. قوله: (او ننسها) يعني: نؤجل من فعل حكمها.. (نأت بخير منها) يعني اقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة أو (مثلها) يعني نعيدها، هي نفسها، الى الحكم حين يحين وقتها .. فكأن الآيات التي نسخت انما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة الى أن يحين حينها .. فإن حان حينها، فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآيات التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة.. فليس النسخ، إذن ،الغاءًا تاماً، وانما هو ارجاء يتحين الحين، ويتوقت الوقت .. والتطوير هذا انما ينظر الى الحكمة وراء النص.. فاذا خدمت اية الفرع التي كانت ناسخة في القرن السابع لآية الاصل ، غرضها حتى استنفدته، واصبحت غير كافية للوقت الجديد، فقد حان الحين، لنسخها هي، وبعث آية الاصل، التي كانت منسوخة في القرن السابع لتكون هي صاحبة الحكم اليوم ، وعليها يقوم التشريع الجديد ..
    وايات الأصول هي قمة الدين .. وهي تقوم على تقرير كرامة الانسان ـ علي الحرية ـ ومن ها هنا كانت آيات اسماح .. ومنعت الاكراه منعا باتا .. وهي كثيرة جداً .. ومن امثلتها قوله تعالى: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي احسن.. ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله، وهو اعلم بالمهتدين).. ومنها (وقل الحق من ربكم!! فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر..).. ومنها: (فذكر!! انما انت مذكر * لست عليهم بمسيطر).. ولما ظهر عمليا ان المجتمع في القرن السابع الميلادي ، لم يكن في مستوى هذه الاصول، نسخت في حقه، وجاءت آيات الفروع التي قامت عليها الشريعة، وهي تقوم على الوصاية، وصاية النبي الكريم على الأمة.. ووصاية المؤمنين علي غير المومنين.. ووصاية الرجال علي النساء .
    وبعد التطور الكبير في الحياة، منذ القرن السابع والى اليوم ، استعدت الحياة في الارض، لايات الاصول، بالطاقة بها والحاجة لها .. فاصبحت مشاكل الانسانية المعاصرة لاتجد حلها الا في ايات الاصول هذه، فوجب الاخذ بها عقلا، ودينا .. وفي ذلك يقول تعالى: (واتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ربكم ، من قبل ان ياتيكم العذاب بغتة وانتم لاتشعرون)..
    وتطوير التشريع ينصب على النصوص، المتعلقة بتنظيم المجتمع ، ولا يشمل الحدود والقصاص، ولا يشمل تشريع العبادات، الا الزكاة ذات المقادير لأنها لم تكن الركن التعبدي الاصلي، والركن التعبدي انما هو زكاة النبي فقد كان ينفق كل ما زاد عن حاجته الحاضرة، وايته من كتاب الله (ويسالونك ماذا ينفقون قل العفو) وقد فسر العفو قولا وعملا ، بما زاد عن حاجته ، ولذلك وجب تطوير التشريع في هذا الجانب حتى يستلهم زكاة النبي الكريم .
    من كل ما تقدم ، يتضح ان موضوع ـ العصر الذهبي للاسلام امامنا، يقوم علي اسس متينة من الدين .. من التوحيد، ومن النصوص الدينية المستفيضة من القران والسنة .. والبشارة بهذا الامر ليست بشارة خاصة بالمسلمين ، ولا عموم اصحاب الاديان فحسب، وانما هي بشارة للانسانية جمعاء ، بان عصر كمالها قد أظل.

    خالد الحاج عبدالمحمود ـ رفاعة

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 12-18-2007, 04:29 AM)

                  

12-16-2007, 05:24 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
    محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
    (12) المنهاج


    لقد ذكرنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة أن "للتوحيد في الاسلام، وجهتين، متكاملتين، لا تقوم إحداهما عند المسلم إلا بالأخرى.. الوجهة الأولى تتعلق بالبعد الوجودي الذي تقوم عليه حقائق الأشياء، ويعبر عن الذات الإلهية، وهذا ما أسماه المفكرون الذين تحدثنا عنهم " "نظرية في الكون"، والوجهة الثانية هي ما يقوم عليه السلوك العملي، ويوجه الحياة، والفكر، عند المسلم.. فلا مجال لإدراك نظرية الإسلام في الكون، والتطور في مراقيها، إلا عن طريق المنهاج العملي الذي يقوم على التوحيد، والذي تجسده حياة النبي محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، والذي سبق أن أشرنا إليه.. فالتوحيد هنا صفة الموحد، بكسر الحاء ـ صفة الإنسان، الذي يتحقق بالتوحيد، وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هي هادي التوحيد.. ولا إله إلا الله، جاء بها جميع المرسلين، مبناها واحد، لكن المعنى يختلف اختلافات كبيرة، يقول المعصوم: (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي، لا إله لا الله).. ولا إله إلا الله، تعني لا فاعل في الوجود، لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. تعني وحدة الفاعل.. وأمر وحدة الفاعل هذا هو أمر الاسلام ـ الاسلام العام والاسلام الخاص ـ ففي الاسلام العام، الوجود كله مسلم لله، منقاد له، كان، ولا يزال، ولن ينفك، ولكن الوجود دون الإنسان مسلم لله كرها.. وقد مد الله تعالى، بمحض فضله لطليعة الوجود ـ الإنسان ـ أن يشعر بأنه صاحب إرادة مستقلة، عن الله.. وبذلك أصبحت هنالك إرادتان: إرادة الله تعالى، المحققة، وإرادة الإنسان المتوهمة.. فبظهور الإنسان وظهور العقل، والإرادة البشرية، جاء الخطاب بالإسلام الخاص ـ اسلام البشر ـ الذي بدأ بآدم عليه السلام.. والإسلام هذا، هو منهاج حياة، يهدف الى قيادة الإنسان، عن طريق عقله، إلى أن يسلم إرادته الحادثة المتوهمة، إلى إرادة الله تعالى، القديمة ، المحققة، فتكون إرادته بذلك، إرادة حقيقية نافذة، لأنها اصبحت مطابقة للإرادة الإلهية، النافذة ومنسجمة معها..
    والتسامي في درجات الاسلام ، يقع في سبع درجات كما سبق أن بينا في الحلقة العاشرة.. والمنهاج هو عمل في الترقي في درجات الاسلام السبع، عن علم ، حتى يسلم الفرد لله عن رضا وطواعية، وبذلك يحقق كمال إنسانيته، كما بينا في الحلقة الثانية.
    والعمل في المنهاج، كما هو واضح، يقوم على تقليد النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، على اعتبار أنه الإنسان الكامل، الذي باتباعه، وتقليده، يحقق كل سالك، وفق نهجه، كمالاته الذاتية. وهذا يقتضي، منا الحديث عن قدوة التقليد، وحكمة التقليد، والكيفية المثلى للتقليد، التي تفضي الى ما هو مطلوب، من تحقيق لكمال حياة الفكر والشعور.. ولذلك قيل: "بطريق محمد أصبح الدين منهاج سلوك، به تساس الحياة لترقى الدرجات نحو الحياة الكاملة.. حياة الفكر، وحياة الشعور.."
    لقد ذكرنا أن غاية الوجود الحادث هي، انجاب "الخليفة" ـ خليفة الله في الأرض ـ (إني جاعل في الأرض خليفة).. وهو الإنسان .. وقد سخر الله تعالى جميع ما في الوجود لتحقيق هذه الغاية (وسخر لكم ما في السموات، وما في والأرض جميعا منه).. ولذلك غاية الانسان، هي تحقيق هذه الخلافة، وهي هي الاسلام الاخير ـ الدرجة السابعة من درجات الترقي في مراقي الاسلام ـ كما هي، هي ايضا، تحقيق انسانية الانسان، والعيش في مستوى الحياة العليا.. وقد سبق أن ذكرنا أن الانسان، طالما سيطرت عليه صفات الحيوان، خضع لها، او قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. فالمنهاج هو وسيلة تحقيق كل ذلك.. ونحن لنا الى هذا الأمر عودة.
    نحب هنا ان تكون بدايتنا، الحديث عن قدوة التقليد محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.. فهو النموذج الانساني، الذي وضعه الله تعالى، للانسانية جمعاء، ليحقق كل فرد من افرادها، انسانيته عن طريق اتباعه وتقليده.. والأستاذ محمود عندما يدعو لطريق محمد صلى الله عليه وسلم، انما يتحدث عن تجربة، عاشها، وعرفها، ووجد ثمارها، واستيقن من نتائحها عن علم وعن تجربة.. فهو لم يدع، لاتباعه، ولا لاتباع أي شخص آخر غير النبي المعصوم.. وهو عندما يدعو الناس (للطريق) انما يدعوهم لأنفسهم، ولخير أنفسهم.. وهو لا يشترط في المتبع أن يكون معه.. فهو قد قال، في عديد المرات، قد يكون الفرد بيننا، وهو ليس بجمهوري، وقد يكون غيره، لم نره، وهو جمهوري.. فاسم (حمهوري)، اسم تسببت فيه ملابسات تاريخية، ولكن أساس الدعوة هو طريق محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم .. وهذا هو الفيصل في أمر الدعوة.. وقد يرى كثير من المسلمين، انهم يتبعون النبي عليه السلام، ولكن هذا غير الحق، وسيتضح ذلك بوضوح عندما ننتهي من حديثنا عن المنهاج في هذه الحلقة.. ولكن المفارقة تبدأ من معرفة النبي نفسه، ولذلك سنركز عليها

    محاولة للتعريف:
    سنحاول هنا تقديم تعريفات مبسطة، قدر الإمكان.. أولا: ما هو الطريق؟ "الطريق هو النهج العملي الذي يوصل سلوكه الى الله، تبارك وتعالى" .. ما معنى الوصول الى الله تبارك وتعالى؟ "ليس لله تبارك وتعالى وصول بالمعنى الذي يؤديه حرف الكلمة، وإنما المقصود بالوصول أن يكون حضور السالك مع الله أكثر من غفلته عنه".. وهذا يعني ، أن الوصول، في جملة الحال يعني الحضور مع الله، فعلينا أن نصطحب كلمة "حضور" هذه فعليها يقوم العمل كله.. والسير، أي سير، حتى يكون مؤمنا، يقتضي أن يكون الهدف محددا، بصورة جلية.. وأن تكون هنالك خارطة للطريق.. وأن يكون هنالك مرشد ودليل، خبر الطريق، وعرف معالمه، ومطباته، فلا يضل هو، ولا يضلل من يتبعونه.. وأن تكون هنالك بوصلة، تحدد اتجاه السير دائما، حتى لا تلتبس السبل، ويضيع الطريق..
    أما خارطة الطريق، فهي القرآن، كلام الله إلينا الذي نهتدي به في مسيرتنا اليه.. وهو جاء ميسرا بلغة نفهمها (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)..(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).. فهو يحكي تجربة وجودنا التي نسيناها، بلسان عربي مبين، ليذكرنا ما نسينا.. وما نسيناه هو العهد الذي سبق أن أخذناه على أنفسنا، ونحن في عالم الملكوت، عالم الأرواح، ونسيناه عندما نزلنا الى عالم الأجساد.. هذا العهد هو الشهادة، لربنا بالربوبية ولأنفسنا بالعبودية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم ، من ظهورهم، ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ، شهدنا!! أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.. أو تقولوا: إنما أشرك أباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟!) .. فالسير هو رجوع الى هذه الشهادة، التي كانت في عالم الأرواح، نشهدها في عالم الأجساد، وذلك برفع الحجب التي حجبتنا عن تلك الشهادة القديمة، وحالت بيننا وبين تذكرها.. والحجب جميعها تقع في مستويين: حجب الظلمات، وهي شهوتي البطن والفرج.. وحجب الأنوار، وهي حجب العقول..
    ما هي البوصلة!؟ هي التوحيد، الذي يحدد لنا الاتجاه الصحيح للمسيرة، مهما تراكمت ظلمات الوجود، وتشعبت، وانبهمت السبل.. فعلينا أن نركن اليه دائما، ولا نتخلى عنه قط، في مسيرتنا.. أما المرشد، فهو العقل داخلنا، ومحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم خارجنا.. فالسير، في جميع مراحله، في منطقة الشفعية وسيلته العقول.. والعقول، لكي تكون وسيلة واصلة وموصلة، عليها أن تكون عقولا حرة، مبرأة من الهوى، والمنهاج كله، إنما هو عمل، في ترويض هذه العقول، وتهذيبها حتى تقوم بترويض الشهوة، وهذا ما قام عليه التكليف، وبه ظهر الانسان كما سبق أن ذكرنا.. فالمنهاج يروض العقول على التواضع، وعلى المحايدة، وعلى البراءة من الغرض.. أما المرشد والدليل، وقدوة التقليد، محمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد لنا من وقفة للتعريف به.
                  

12-16-2007, 05:33 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)

    تحياتي يا عمر

    الي الاستاذ محود من قال لا في وجه عسس الماضي والحاضر والمستقبل
    من ارسي فهما وفكرا لم يفض اغلفته بعد

    سلام للاستاذ خالد الحاج

    افكر كالعادة ان ابدا في احتفاليتي الخاصة بشهيد الفكر الاستاذ محمود

    بس الارشفة سوف تذهب بالموضوع عليه اتمني لو لك فرصة تجتاز بهذا البوست كامل الدسم للذهن

    الي افاق رحبة ببداية سنة جديدة

    ويوما ستحتفل البوادي والحضر بسيرة الاستاذ الاحلي من الشهد

    تحياتي للاسرة وتحياتي لمن يزور البوست
                  

12-16-2007, 06:45 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    أخي صبري
    عاطر تحياتي
    شكرا على المرور والتعليق
    لقد طلبت من الأخ بكري عدم أرشفة هذه الخيط لأن هنالك حلقات منه لم تر النور بعد وسأوالي نشرها متى ما وجدت الفرصة لمراجعتها للتأكد من خلوها من أخطاء الطباعة ..
    فأرجو المتابعة
    عمر
                  

12-16-2007, 06:46 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    من هو محمد صلى الله عليه وسلم؟
    جاء من كتاب (الطريق): "محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، النبي الأمي، المبعوث في قريش في الأميين منذ القرن السابع، والذي ختم الله به النبوة، وأنزل عليه القرآن المقروء اليوم، والمحفوظ بين دفتي المصحف، لا يعرفه المسلمون وإن ظنوا جهلا إنهم يعرفونه.. وهذه الدعوة الى اتباعه، وحسن تقليده التي يقدمها هذا الكتيب: (طريق محمد) لا تستقيم ، على خير وجوهها إلا إذا قدمت تعريفا به يجعل اتباعه، وتقليده، عملا علميا يحترم أقوى العقول المعاصرة، ويقنعها بجدوى ممارسته، واتقانه.."
    ومن أجل التعريف ينبغي أن نعلم أن للنبي، ثلاثة مقامات: الرسالة، والنبوة، والولاية.. أما مرتبة النبوة فهي الأصل، وهي وسط بين طرفين: من أعلاها، الولاية ومن أسفلها الرسالة.. فالنبوة عندما استوت انبثقت منها الرسالة كوظيفة .. ثم كلما ازدادت استواء تسامت الى مراتب الولاية، في الفينة بعد الفينة.. وهذا ما يجعل النبوة هي الأصل..وقد رأى بعض المتصوفة ومنهم الشيخ بن عربي، أن الولاية هي الأصل، وذلك على اعتبار أن (الولي) من أسماء الله، وهذا اختلاف اساسي بين النظرتين.. فنظرة الأستاذ محمود تركز على المنهاج (السنة) .. وعن النبوة والرسالة يجئ قول المعصوم..(أدبني ربي فأحسن تأديبي) ثم قال: (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) ، فصدر الحديث نبوة، وعجزه رسالة.. وعبارة (أدبني ربي فأحسن تأديبي) تجعل الدين كله (الأدب)، ولذلك دعوة الأستاذ محمود تركز عليه، تركيزا كبيرا.. والنبوة، عند النبي صلى الله عليه وسلم، أمر استغرق تمامه اربعين سنة، على اعتبار استواء النبوة، من المولد، الى البعث الرسولي، هذا في جانبها المتعلق بالبروز الى عالم المحسوس، وإلا فإن نبوة نبينا أزلية، وفي ذلك قال المعصوم: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، ومعنى ذلك أنه كان نبيا عالما بنبوته في الأزل.. وكعادته، يعترض ابن تيمية على هذه الرواية، إلا أنه يوافق على رواية مسند أحمد والترمذي، التي تقول: (متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد).. وواضح أن الروايتان، لا تكادان تختلفان.
    والنبي في ولايته، أكبر منه في نبوته، ذلك أنه في النبوة يتلقى عن الله بواسطة جبريل، ولكنه في ولايته يتلقى عن الله كفاحا، وقد رفعت الواسطة بين الرب والعبد.. وعن ذلك ورد حديث النبي، الذي فيه تخلف جبريل عن النبي، عند مقامه عند سدرة المنتهى، ومضى النبي وحده لملاقاة ربه.. وقد قال النبي: (لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل..).. فالرسالة وحي بالقرآن المقروء ، ووحي بشرع منه، أمر النبي بتبليغه الى سائر أمته.. والنبوة وحي بالقرآن المقروء، ووحي بشرع منه، أمر النبي أن يعمل به في خاصة نفسه.. فهو بالرسالة صاحب شريعة، وهو بالنبوة صاحب طريقة.. أو قل صاحب (سنة).. وبين شريعته وسنته تداخل ومنهما ارض مشتركة.. ونحن في دعوتنا إلى (الطريق) معنيون، بالتكليف الذي به زاد النبي عن سائر أمته، في العبادة، وفي السلوك.. وهذا التمييز بين النبوة والرسالة، والسنة والشريعة، ضروري جدا، لبعث الاسلام، وذلك لأن الاسلام إنما ييعث ببعث السنة، كما سبق أن ذكرنا، وكما جاءت بذلك البشارة.. بل من الضروري التمييز بين (الأحمدية) و (المحمدية).. فالأحمدية نبوة، والمحمدية رسالة.. والنبي محمد بن عبد الله، جمع بين الأحمدية والمحمدية.. فهو أحمدي النبوة، محمدي الرسالة.. هو مما يلي الله أحمدي، ومما يلي الناس محمدي.. والفرق بين الأحمدية والمحمدية كبير.. فالمحمدية تنـزل من الأحمدية، اقتضاه حكم الوقت، وعين مستواه حاجة الأمة، وطاقتها، في القرن السابع الميلادي.. وهذه المسافة تمثل الفرق بين السنة والشريعة، وهي تحكي الفرق بين مستوى النبي، ومستوى الأمة، وهو فرق شاسع.. ولقد سبق لنا أن ذكرنا الأحاديث النبوية، الواردة في حق الأصحاب والأخوان.. والأحمدية، هي رسالة نبينا الثانية والتي بها تتوج جميع رسالات السماء، وإليها يشير قوله تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين) .. هنا قال: "رسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وهناك قال: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار .." ، واضح من الآيتين الإشارة إلى الرسالة الأحمدية، والرسالة المحمدية.. وكما سبق أن ذكرنا ووكدنا، إن وقتنا الحاضر، لا تناسبه، ولا تسعه، إلا الرسالة الأحمدية، ولا خلاص للمسلمين، ولا لغيرهم إلا بها، ومن هاهنا جاء التوكيد على نهج الطريق.

    أدب الطريق:
    إن تقليد النبي صلى الله عليه وسلم، بغير وعي، وتمام إدراك، قليل الجدوى، وقد يكون عملا آليا لا روح فيه، قصاراه التعب.. ولكي يكون التقليد مفضيا الى الثمرة المرجوة منه، لا بد فيه من الأدب مع المقلد، والثقة به، والطمأنينة اليه، وتوقيره، وتقديسه، والمحبة له.. وكل ذلك يقتضي بعض المعرفة به، ريثما، عن طريق التقليد المجود نفسه، تتضح آفاق الحقيقة المحمدية.. "الذات المحمدية أول قابل لتجليات الذات الإلهية، وهي المشار اليها في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري.. قال جابر: قلت يا رسول الله، بأبي أنت، وأمي، أخبرني عن أول شئ خلقه الله.. قال: أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر.)
    والذات المحمدية حقيقة أحمدية، قمتها ولاية،وقاعدتها نبوة.. ومقامها المقام المحمود الذي قامه النبي ليلة عرج به بعد أن جاوز سدرة المنتهى، وفيه صح له الاتصاف بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى). وذلك في جمعية بلغت فيها وحدة الذات البشرية قمة طوعت لها شهود الذات الإلهية.." لاحظ أنه يتحدث عن "الذات المحمدية" .. فهي ذات ـ نفس ـ وهي محمدية، نسبة لمحمد بن عبد الله.. وعن النور المحمدي، يجئ قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) .. وقوله: (وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا) .. وقد جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، قوله: (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) .. وهو رسول لكل الناس (وما أرسلناك إلا كافة للناس، بشيرا ونذيرا).. (وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) .. والناس في هذه الآيات، وفي غيرها، تعني كل الناس، في جميع مراحل إنسانيتهم!! ولكنها تعني بصورة خاصة، (الناس) في مراحل تحقيق إنسانيتهم!! قال تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) .. ولما يظهر الاسلام على الدين كله، وإنما ظهوره أمامنا، وذلك وعد غير مكذوب، وظهوره إنما يكون بمحمد صلى الله عليه وسلم، عن طريق رسالته الأحمدية.. فهو كما أخرج الناس من الجاهلية الأولى، إلى مرحلة الإيمان، سيخرجهم من الجاهلية الثانية الى الاسلام، وقد جاء من كتاب الطريق "محمد وهو رسول للأمة المسلمة، صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة.. فهو في رسالته للمسلمين، أحمدي، وفي رسالته للأمة المؤمنه محمدي، وسبب الفرق بين الرسالتين حكم الوقت.." وجاء من كتاب (تعلموا كيف تصلون) قوله: "هذه البشرية التي سيجيء منها (الأخوان)، رسولها (محمد)، وكتابها القرآن ، ودينها الإسلام.."
    وفي خاتمة كتاب الطريق، جاء: "ثم أما بعد ، فإن هذه دعوة إلى الله ، داعيها محمد ، وهاديها محمد .. وهي دعوة وجبت الاستجابة لها أمس وتجب الاستجابة لها اليوم ، كما وجبت أمس ، وبقدر أكبر ، إذ الحجة بها اليوم ألزم منها بالأمس. (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وإلا فلا .
    يا أهل القرآن ، لستم على شئ ، حتى تقيموا القرآن . وإقامة القرآن كإقامة الصلاة، علم، وعمل بمقتضى العلم. وأول الأمر في الاقامتين، اتباع بإحسان، وبتجويد لعمل المعصوم .. أقام الله القرآن، وأقام الصلاة، وهدى إلى ذلك البصائر والأبصار، إنه سميع مجيب."
    وأول الاتباع بإحسان الأدب، وأدنى الأدب الصلاة اللفظية على النبي صلى الله عليه وسلم، كلما ذكر.. وروح الأدب (الحضور)!! الله حاضر ، نحن الغافلون عنه.. والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر، نحن الغافلون عنه، وهو قد قال: (أنا جليس من صلى عليَ)، فمن الأدب استشعار حضوره دائما.. ومن الأدب أن نعلم أنه أعلم بخيرنا، منا، وأحرص على خيرنا، منا، وأولى بنا، منا (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).. (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)..وهو قد قال: (لا يشتاك أحدكم الشوكة إلا وجدت ألمها).. وقال: (المرء مع من أحب) .. وقال تعالى، في حق الأدب معه: (فلا وربك، لا يؤمنون، حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما)..وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول، كجهر بعضكم لبعض أن تحبط اعمالك وانتم لا تشعرون!!) "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون؟" هذا أمر جد خطير!!وبكل أسف، ما أكثر سوء الأدب مع الجناب النبوي الشريف، ومن رجال يزعمون أنهم قادة اسلاميون!!
    إن من يعرف القدر اليسير عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو انسان طبيعي ـ لابد أن يحبه، فالنفس من طبيعتها، أن تحب الكمال، كما أنه من طبيعتها أن تحب ما فيه خيرها، والنبي الكريم، هو وسيلة خير كل نفس، ولا سبيل للخير الباقي من دونه..
    لقد قصدنا بحديثنا هذا الموجز، عن قدوة التقليد، أن نجعل منه، مدخلا، لحديثنا عن موضوع المنهاج.. والحديث سوف يشمل كل القضايا الأساسية التي سبق أن تحدثنا عنها، وعلى رأسها قضية إنسانية الإنسان، وقضية الحياة، والفكر والحرية.. وهو يشملها من زاوية الجانب العملي التطبيقي.

    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 19/7/2007
                  

12-22-2007, 06:00 PM

عثمان عبدالقادر
<aعثمان عبدالقادر
تاريخ التسجيل: 09-16-2005
مجموع المشاركات: 1296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)

    الأخ/ عمر
    سلام عليك
    عيد مبارك أعاده الله عليكم بالخير والعافية والعون والمدد.

    Quote: يقول المعصوم: (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي، لا إله لا الله).. ولا إله إلا الله، تعني لا فاعل في الوجود، لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. تعني وحدة الفاعل.. وأمر وحدة الفاعل هذا هو أمر الاسلام ـ الاسلام العام والاسلام الخاص ـ ففي الاسلام العام، الوجود كله مسلم لله، منقاد له، كان، ولا يزال، ولن ينفك، ولكن الوجود دون الإنسان مسلم لله كرها.. وقد مد الله تعالى، بمحض فضله لطليعة الوجود ـ الإنسان ـ أن يشعر بأنه صاحب إرادة مستقلة، عن الله.. وبذلك أصبحت هنالك إرادتان: إرادة الله تعالى، المحققة، وإرادة الإنسان المتوهمة.. فبظهور الإنسان وظهور العقل، والإرادة البشرية، جاء الخطاب بالإسلام الخاص ـ اسلام البشر ـ الذي بدأ بآدم عليه السلام.. والإسلام هذا، هو منهاج حياة، يهدف الى قيادة الإنسان، عن طريق عقله، إلى أن يسلم إرادته الحادثة المتوهمة، إلى إرادة الله تعالى، القديمة ، المحققة، فتكون إرادته بذلك، إرادة حقيقية نافذة، لأنها اصبحت مطابقة للإرادة الإلهية، النافذة ومنسجمة معها..

    ليت إخوتنا من معارضينا السلفيين يعلمون أن أمر التوحيد بمعناه الذي يتداولونه من السلف قد خدم غرضه حتى استنفده ،وليتهم يدركون حاجتنا الآن لمعرفة أن الشريك لله الذي ظهر بظهور العقل والإرادة هو ما يجب علينا ترويضه وحمله على ترك المشاركة حتى يتحرر عقله هذا من وهمه فتدرك إرادته عجزها وبهذا يسلم الأمانة التي ناءت بحملها السموات والأرض فيدخل حظيرة الإسلام التي فيها عباد الله وجنة الله القادمة التي تهيأ مكانها أو كاد .
    أبوحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
                  

12-22-2007, 07:09 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: عثمان عبدالقادر)

    في سبيل التحية والمساهمة بأضعف الإيمان، يا عمر، أملاً في نيل فضل عبارة "طوبى لمن عمل لأجل هذه الدعوة ولو بالقليل."

    فطوبى للأستاذ خالد ولك ولزوارك الكرام.

    إلى الأعالي!
                  

12-22-2007, 07:27 PM

Murtada Gafar
<aMurtada Gafar
تاريخ التسجيل: 04-30-2002
مجموع المشاركات: 4726

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Haydar Badawi Sadig)

    الأخ الكريم عمر عبد الله والأعزاء المتداخلين

    تحية كبيرة لكم جميعاً وأنتم تحتفلون بذكرى عزيزة للغاية على نفسي، وهي ذكرى فداء الأستاذ محمود لشعبه منعاً لطوفان قوانين سبتمبر الغاشمة، وهي ذكرى ملهمة لكل صاحب قضية عادلة في كيف يكون الوقوف أمام الحكام الظلمة. الإصرار على الإحتفال بذكرى هذا الفداء العظيم هو هزيمة سنوية لتلك القوانين ولمن وقفوا ولا يزالون يقفون خلفها وتعرية لسحناتهم الكذوبة. أنا لا أزال مصراً على تخليد هذه الذكرى من خلال تحويل منزل الأستاذ بمدينة المهدية الحارة الأولى إلى متحف، يا ليتنا نستطيع إلى ذلك سبيلاً. التحية عبركم إلى الأستاذ خالد الحاج وإلى الأساتذة الأجلاء عبد اللطيف عمر حسب الله وخالد بابكر حمزة ومحمد سالم باعشر وتاج الدين عبد الرازق

    عظيم الإحترام والتقدير

    مرتضى جعفر
                  

12-24-2007, 06:12 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Murtada Gafar)


    أخي الأستاذ مرتضى جعفر
    تحيتي وأكيد معزتي
    كم تبهجني طلتك البهية ومداخلاتك الرصينة ..
    ما دفع الأستاذ محمود لتفدية هذا الشعب الكريم وهو يقدم روحه طائعا مختارا وفرحا وراضيا هو معرفته بأصالة عوده ونقاء معدنه وهذا أمر يتأكد لنا كلما رأيناء أبناء الشعب الأوفياء مثلك يحفظون له ذلك الموقف العظيم ويبادلون وفاءه بوفاء .. ولا غرو انه كان ينفعل بأغنيه "أنا امدرمان" ويطلب أن تؤدى في مجلسه وتغرورق عيناه بالدموع عندما ينشد البيت الذي يقول: فيا سودان اذ ما النفس هانت أقدم للفداء روحي بنفسي ..
    سأواصل نشر مقالات الأستاذ خالد الحاج التي بدأناها منذ احتفال الذكرى الماضي وها هي ذا الدورة تكاد تكتمل ونحن لم نفرغ بعد من اتمام ايرادها..
    شكرا على المرور الكريم
    عمر
                  

12-24-2007, 06:02 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Haydar Badawi Sadig)


    أخي العزيز د. حيدر
    وفي سبيل رد التحية اردد معك "طوبي لمن عمل" ويكفي الجمهوريين تحملهم فحولة هذه الفكرة الغريبة وتحملهم في سبيلها أذى الجاهلين وتكفير المكفرين .. نسأل الله أن يجعلنا منهم حقا وصدقا ..
    عمر
                  

12-24-2007, 05:58 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: عثمان عبدالقادر)


    أخي العزيز عثمان
    تحية طيبة وكل عام وأنت ومن حولك بخير
    نعم ليتهم يعلمون أن الموحدين حقا لا يرون ما يستدعى الغلظة والتشدد في حق الآخرين بل انهم يعاملونهم بكل سعة ومحبة ابتغاء توصيل الخير لهم بلا من ولا استعلاء وعندهم ان كلمة التوحيد "لا اله الا الله" تعني في بداياتها الا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها الا الله (والله خلقكم وما تعملون) و(كل ما هو من المحبوب محبوب) و(أعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك) ولكن أنى يعلمون؟!!!
    عمر
                  

12-24-2007, 10:55 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)

    ومن أجل التعريف ينبغي أن نعلم أن للنبي، ثلاثة مقامات: الرسالة، والنبوة، والولاية.. أما مرتبة النبوة فهي الأصل، وهي وسط بين طرفين: من أعلاها، الولاية ومن أسفلها الرسالة.. فالنبوة عندما استوت انبثقت منها الرسالة كوظيفة .. ثم كلما ازدادت استواء تسامت الى مراتب الولاية، في الفينة بعد الفينة.. وهذا ما يجعل النبوة هي الأصل..وقد رأى بعض المتصوفة ومنهم الشيخ بن عربي، أن الولاية هي الأصل، وذلك على اعتبار أن (الولي) من أسماء الله، وهذا اختلاف اساسي بين النظرتين.. فنظرة الأستاذ محمود تركز على المنهاج (السنة) .. وعن النبوة والرسالة يجئ قول المعصوم..(أدبني ربي فأحسن تأديبي) ثم قال: (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) ، فصدر الحديث نبوة، وعجزه رسالة.. وعبارة (أدبني ربي فأحسن تأديبي) تجعل الدين كله (الأدب)، ولذلك دعوة الأستاذ محمود تركز عليه، تركيزا كبيرا.. والنبوة، عند النبي صلى الله عليه وسلم، أمر استغرق تمامه اربعين سنة، على اعتبار استواء النبوة، من المولد، الى البعث الرسولي، هذا في جانبها المتعلق بالبروز الى عالم المحسوس، وإلا فإن نبوة نبينا أزلية، وفي ذلك قال المعصوم: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، ومعنى ذلك أنه كان نبيا عالما بنبوته في الأزل.. وكعادته، يعترض ابن تيمية على هذه الرواية، إلا أنه يوافق على رواية مسند أحمد والترمذي، التي تقول: (متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد).. وواضح أن الروايتان، لا تكادان تختلفان.
    والنبي في ولايته، أكبر منه في نبوته، ذلك أنه في النبوة يتلقى عن الله بواسطة جبريل، ولكنه في ولايته يتلقى عن الله كفاحا، وقد رفعت الواسطة بين الرب والعبد.. وعن ذلك ورد حديث النبي، الذي فيه تخلف جبريل عن النبي، عند مقامه عند سدرة المنتهى، ومضى النبي وحده لملاقاة ربه.. وقد قال النبي: (لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل..).. فالرسالة وحي بالقرآن المقروء ، ووحي بشرع منه، أمر النبي بتبليغه الى سائر أمته.. والنبوة وحي بالقرآن المقروء، ووحي بشرع منه، أمر النبي أن يعمل به في خاصة نفسه.. فهو بالرسالة صاحب شريعة، وهو بالنبوة صاحب طريقة.. أو قل صاحب (سنة).. وبين شريعته وسنته تداخل ومنهما ارض مشتركة.. ونحن في دعوتنا إلى (الطريق) معنيون، بالتكليف الذي به زاد النبي عن سائر أمته، في العبادة، وفي السلوك.. وهذا التمييز بين النبوة والرسالة، والسنة والشريعة، ضروري جدا، لبعث الاسلام، وذلك لأن الاسلام إنما ييعث ببعث السنة، كما سبق أن ذكرنا، وكما جاءت بذلك البشارة.. بل من الضروري التمييز بين (الأحمدية) و (المحمدية).. فالأحمدية نبوة، والمحمدية رسالة.. والنبي محمد بن عبد الله، جمع بين الأحمدية والمحمدية.. فهو أحمدي النبوة، محمدي الرسالة.. هو مما يلي الله أحمدي، ومما يلي الناس محمدي.. والفرق بين الأحمدية والمحمدية كبير.. فالمحمدية تنـزل من الأحمدية، اقتضاه حكم الوقت، وعين مستواه حاجة الأمة، وطاقتها، في القرن السابع الميلادي.. وهذه المسافة تمثل الفرق بين السنة والشريعة، وهي تحكي الفرق بين مستوى النبي، ومستوى الأمة، وهو فرق شاسع.. ولقد سبق لنا أن ذكرنا الأحاديث النبوية، الواردة في حق الأصحاب والأخوان.. والأحمدية، هي رسالة نبينا الثانية والتي بها تتوج جميع رسالات السماء، وإليها يشير قوله تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين) .. هنا قال: "رسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وهناك قال: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار .." ، واضح من الآيتين الإشارة إلى الرسالة الأحمدية، والرسالة المحمدية.. وكما سبق أن ذكرنا ووكدنا، إن وقتنا الحاضر، لا تناسبه، ولا تسعه، إلا الرسالة الأحمدية، ولا خلاص للمسلمين، ولا لغيرهم إلا بها، ومن هاهنا جاء التوكيد على نهج الطريق.
                  

12-29-2007, 02:48 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
    محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
    (13) المنهاج: الوسائل والغايات


    موضوع المنهاج، مرتبط تماما بقضية الوسائل والغايات، وهي من أهم قضايا الفكر البشري، والحياة البشرية.. ويمكن أن يقال، بحق، أن أزمة الحضارة البشرية كلها، ترجع إلى عدم وضوح الرؤية في أمر الوسائل والغايات، خصوصا بالنسبة للغايات النهائية.. والمنهاج، أي منهاج، هو وسيلة لغاية، فإذا لم تكن الغاية واضحة، فلا يمكن للمنهاج أن يفضي إليها.. فالوسيلة دائما من جنس الغاية وهي طرف منها، فالاختلاف بين الوسائل والغايات اختلاف مقدار، وليس اختلاف نوع، ولذلك لا يمكن، لدى النظر السليم، التوسل إلى الغايات الصحاح بالوسائل المراض.. فالغاية لا تبرر الوسيلة، وإنما هي تحددها.. وفي الإسلام عدم التخليط بين الوسائل والغايات، هو معيار الذكاء، ومعيار التمدن الحقيقي.. فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة.. وكذلك الحال بالنسبة للرجل الذكي، فهو يملك ميزان القيم ويعرف الوسائل والغايات وينسق بينها، فلا يصرف في سبيل الوسيلة من الجهد، ما ينبغي أن يصرف في تحصيل الغاية، هذا، في حين أن غير الذكي (الشاطر)، قد يقضي حياته كلها، في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل والغايات.. وعدم التمييز هذا، ليس أمرا عارضا، وإنما هو الأمر الذي تقوم عليه معظم حياة البشر اليوم.. وهذا ينطبق بصورة خاصة، بالنسبة للغاية الأساسية لحياة البشر.. فمعظم البشر اليوم، في إطار الحضارة الغربية السائدة، لا يعرفون غاية نهائية لوجودهم، ولا معنى كليا لحياتهم، وغياب هذه الغاية النهائية، والمعنى الكلي، هو السر، في التعاسة البشرية، والخواء الروحي الذي يكتنف حياة معظم الناس.. وبسبب غياب الغاية النهائية، أصبحت الحياة الدنيا، عند معظم الناس هي الغاية، فهم يفنون حياتهم كلها في سبيلها، وبذلك يجعلون من الوسيلة غاية، بل الغاية الوحيدة، والكلية!!
    وقد آن لهذا الخلل الخطير أن يصحح بصورة جذرية.. ولكي يتم ذلك، لابد من إعادة الاعتبار (للمطلق)، بالصورة التي تجعل هنالك أساس لمفهوم الغاية النهائية، والمعنى الكلي للحياة، وتعين على تحديد الوسائل والغايات، والتنسيق بينها.

    المطلق:
    ضرورة المطلق في تحديد الغاية النهائية، والمعنى الكلي، تأتي من ضرورة وجود ثابت وجودي، إليه تقاس نسبة كل موجود نسبي.. فطالما أن الوجود الحادث كله محدود، ومتغير، ومتحرك، فلابد له من مركزية يدور حولها، ويطلبها في حركته، وتغيره.. وهذه المركزية لا بد لها من صفة الثبات الوجودي، وهذا لا يتحقق إلا (للمطلق) الذي لا يحتاج إلى غيره، وكل محدود هو بالضرورة يحتاج إلى غيره، وبالتالي لا يصلح أن يكون مركزا للوجود، ومرجعا لتحديد الغاية النهائية، والمعنى الكلي.. ولذلك، (المطلق) هو أصل الوجود، وغايته، وهذا ما يعطيه الفهم السليم.
    يقول د. مراد وهبة: "العقل ينزع بطبيعته نحو توحيد المعرفة الإنسانية وهو من أجل ذلك يتجول في كل مجال من مجالات المعرفة، ثم يضمها جميعاً ويربط فيما بينها في وحدة عضوية بحيث لا يتيسر معها فصل عضو من الأعضاء إلا بالقضاء عليه"، ومعنى ذلك أن العقل ليس في إمكانه أن يفهم دون أن يوحد. فهو لا يكتفي بالوقوف عند المجموعات التجريدية، وإنما هو يحاول أن يجعلها تتقابل في نقطة واحدة. وكل ما هنالك من فارق بين فيلسوف وآخر يكمن في رؤيته لهذه الوحدة.
    بيد أن هذه الوحدة لا يمكن فهمها إلا في مقابل الكثرة.. وإذا كانت الوحدة ترمز إلى المطلق، والكثرة إلى النسبي فمعنى ذلك أن المطلق لا يمكن فهمه إلا في مقابل النسبي ومن هنا أصدرت كتابا بعنوان (قصة الفلسفة) ( 1968) انتهيت فيه إلى أن قصة الفلسفة هي قصة العلاقة الجدلية بين المطلق والنسبي، ومفادها أن الإنسان يبحث عن المطلق دون أن يقتنصه".. من كتاب (ملاك الحقيقة المطلقة) ـ هذا القول، يجعل للفلسفة، ما لا يمكن أن يكون لها.. فالفلسفة لا يمكن، بطبيعتها أن تعرف المطلق، وتحدد العلاقة الجدلية بينه وبين المحدود، وذلك لسبب أساسي وبسيط، هو أن الفلسفة بنت العقل المجرد.. والعقل بطبيعته، يقوم على الثنائية، ولا يمكن له أن يخرج من مجالها.. العقل يمكن أن يدرك وجود المطلق، ولكن لا يمكن أن يعرف المطلق، وإلا أصبح المطلق محدوداً.. والعقل يمكن أن يدرك وجود الوحدة، ولكنه يستحيل في حقه أن يحققها، فالعقل، في إدراكه يقوم على الحواس، والحواس بطبيعتها ثنائية.. فمجال معرفة المطلق هو الدين، وليس الفلسفة ولا (العلم).. (فالفلسفة والعلم)، يمكن أن يدركا وجود المطلق ويتطلعا إليه، وهذا ما يجري منهما بالفعل، في بعض دوائرهما.. أما معرفة المطلق وإقامة العلاقة معه من قبل المحدود ـ الإنسان ـ فهذا خارج إطاريهما تماماً.. ومفهوم المطلق نفسه، يختلف في الفلسفة والعلم عنه في الدين، بصورة جذرية.. يقول د. مراد وهبة: "وفي القرن الثامن عشر، ربط كانط ربطا واضحا بين المطلق ونظرية المعرفة في كتابه (نقد العقل الخالص). يقول في متنه: (إن العقل محكوم عليه، في جزء من معرفته، بمسائل ليس في إمكانه تجنبها. وهذه المسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته، ولكنه عاجز عن الإجابة عنها. وهذه المسائل المطروحة بلا جواب تدور على مفهوم المطلق سواء أطلقنا عليه لفظ الله أو الدولة).. وقصة الفلسفة في رأي كانط هي قصة هذا العجز.. ".. فعبارة (سواء أطلقنا عليه لفظ الله، أو الدولة.. ) تدل دلالة واضحة عن عجز الفلسفة عن إدراك مفهوم المطلق.. فهو في نظر الفلسفة يمكن أن يكون الدولة!! وحتى عندما تتحدث الفلسفة عن الله، كمطلق، هي لا تملك إلا أن يكون تصورها قاصرا.. الاختلاف الأساسي، بين الدين والفلسفة في أمر المطلق ، هو أن الدين عندما يتحدث عن المطلق، إنما يتحدث عن ذات واجبة الوجود بذاتها، وهو أمر لا يتفق لموجود غيرها، وهذا أمر لا علاقة له بالإطلاق الذي تتحدث عنه الفلسفة، فإطلاق الفلسفة على أحسن أحواله، هو تجريد عقلي!! يقول د. مراد وهبة: "فالاضطهاد لم يبدأ مع الطبيعيين قبل القرن السادس قبل الميلاد على الرغم من إنكارهم للمطلق الأسطوري الذي كان شائعا في أشعار هوميروس، ودعوتهم إلى مطلق طبيعي. فقد ارتأى طاليس بتأثير من الطبيعة المحيطة، أن الماء أصل الأشياء. وذهب الكسندر إلى القول بأن الأصل هو مادة لا متناهية، عنها نشأت جميع الأشياء الأخرى..".. فالفلسفة، والعلم المادي التجريبي، ولاعتمادهما الكلي على العقل، لا يمكن أن يتصورا، عن المطلق ، أكثر من مجرد عقلي، لا يملك أي فعالية حقيقية، في الوجود العملي، وهذا عكس مفهوم الدين للمطلق، الذي لا يرى أي فعالية، في الوجود العملي لدون المطلق.. ومما يؤكد ما ذهبنا إليه، قول د. مراد وهبة، الذي جاء فيه: "وقد كان كانط هو أول من أثار مقولة المطلق، وكان هيجل هو أول من وضعها كمقولة محورية للفلسفة. ففي كتابه المعنون (مدخل إلى محاضرات في علم الفلسفة) أثار هذا السؤال: أين نقطة البداية في تاريخ الفلسفة؟ وكان جوابه أن هذه البداية محددة بامتناع الإنسان عن تصور المطلق تصوراً حسيا، وبزوغ التفكير الخالص.. ومعنى ذلك أن ثمة علاقة عضوية بين المطلق والتفكير الخالص المجرد من أي عنصر حي.."!!.. وعلى عكس رأي الفلسفة، فإن المطلق إذا لم يتبدى في المحسوس، لا يمكن أن يعرف، وهذا ما عليه الدين.. وهذا يقودنا إلى موقف د. جلال العظم من المطلق الديني، فهو يقول في كتابه (نقد الفكر الديني) عن المطلق الديني: "يقول أصحاب هذا المذهب أن العقل الإنساني قاصر عن أن يعرف طبيعة الإله وعن أن يحيط به ولو إحاطة جزئية. إنه عاجز عن تصوره، وعن التعبير عن طبيعته.. عبر البعض عن هذا الرأي بقولهم عن الله: (كل ما خطر ببالك فهو خلاف ذلك). توجد عدة اعتراضات على هذا الموقف: أولا هل بإمكاني أن أقيم أية علاقات جدية بيني وبين هذا الإله الذي تتجاوز طبيعته تجاوزا مطلقا منطقي و مشاعري وأفكاري ومثلي وآمالي؟ هل بإمكاني إن أجد عزاءً في إله جل ما اعرف عنه هو انه مهما خطر في بالى من أفكار وصفات فهو يختلف عنها اختلافا مطلقا؟ إن وجود مثل هذا الإله، وعدم وجوده سيان بالنسبة لي. إن هذا الإله ليس إلا تجريدا فارغا من كل معنى ومحتوى..".. إن اعتراضات، العظم هذه مجرد مغالطات جوفاء، مبنية على ما هو مناقض للفهم الديني في أي صورة من صوره، مما يلم به أبسط الناس إلماما!! فالدين كله أساسا يقوم على خلق العلاقة بالله (المطلق)، الأمر الذي ينفي العظم إمكانيته ابتداء، من منطلق أن الله تعالى في إطلاقه، يتسامى عن كل قيد أو محدودية.. فالعظم، يجهل، أو يتجاهل، أن المطلق في الدين، فعلا تقيد، وتنزل من إطلاقه ليعرف ـ وهذا أمر بديهي في الدين ـ فالمطلق ظهر، وتقيد، بالخلق الذين هم تجسيد قدرته.. فأرسل رسل العناصر، ورسل العقول، ورسل الملائكة، ورسل البشر، ليتعرف لخلقه، ويعلمهم المنهاج والوسيلة التي تعينهم على إقامة الصلة به.. وخلقه هؤلاء الذين يتعرف إليهم، ليسوا أغيارا، وإنما هم تجسيد إرادته.. وقال عن الإنسان، وعن الوشيجة التي جعلها لتربطه به: (فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي..) .. وقال في الحديث القدسي: (ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن).. ولا شك أن العظم يعلم أن المسلمين، يؤمنون بأن القرآن هو كلام الله.. وهو واضح جدا، وميسر جدا، لنفهم عن المطلق، لأن المطلق فيه تنزل، ونزّل كلامه، في صورة لغوية تدركها عقولنا. وقال فيه: (إنا جعلناه قرآناً عربيا، لعلكم تعقلون).. وفي هذا القرآن وصف نفسه بأوصاف جعل لنا فيها مشاركة.. فوصف نفسه بأنه حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم، وجميعها صفات لنا فيها مشاركة، وإن تكن في حقنا في طرف النقص، وفي حقه تعالى، في طرف الكمال.. فإذا كان العظم يجهل هذه الأمور الأولية، فلماذا كل هذه الجرأة، في الزعم بنقد الفكر الديني!؟
    يقول الشيخ عبد الغني النابلسي في موضوع الإطلاق والقيد:
    تقيدت والإطلاق وصفي لأنني * على كل شيء حين لاحين قادر
    وفي مرتبة التقييد أظهرت رحمة * ومرتبة الإطلاق أني ساتـــر
    يقول الأستاذ محمود: "وإنما كان الإطلاق في الإسلام أصلا لأنه لا يرى لترقي الفرد حدا يقف عنده، فهو عنده سائر من المحدود إلى المطلق، أو قل مسير من النقص إلى الكمال ـ والكمال المطلق. فنهاية العبد في الإسلام كمال الرب، وكمال الرب في الإطلاق، والله تبارك وتعالى يقول: (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى * وإن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى) يعني منتهى السير".. وليس السير إلى الله بقطع المسافات، كما قلنا آنفا، وإنما هو بتخلق العبد بأخلاق الرب، والله تعالى يقول: (يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) أردت أو لم ترد لقاءه، وأين يكون لقاؤه؟ أفي أرضه أم في سمائه لقد قال جل من قائل: (ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن) فأنت إذن إنما تلقاه فيك، وبه لا بك. وفي ذلك قال المعصوم: (تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم).. والله تعالى يقول: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).. فالله تعالى يسيرنا إلى ذاته بإرادته، وذلك عن طريق إرادتنا.. وإرادتنا مخلوقة لنا.. فالإنسان سائر إلى المطلق، ولن يبلغه، وذلك لسبب واحد بسيط هو أن المطلق لا يبلغ، وإلا لما كان مطلقا.. وكل ما هنالك أن الإنسان كلما ترقى نحو الإطلاق أدخل طرفا من الإطلاق في القيد، وظل الإطلاق في إطلاقه.. فغايتنا النهائية هي أن نحقق الإنسان الكامل، الذي هو في الملكوت، هنا في الأرض، وهذا أمر مقدر لنا.. والإنسان الكامل ليس مطلقا، وإنما هو منفتح على الإطلاق.. وهو، إنما لم يكن مطلقا لأنه محتاج إلى المطلق، وذلك معنى انفتاحه على الإطلاق.. فالإنسان كما قررنا منذ أول حلقة من كتاباتنا هذه ـ من الله صدر، وإلى الله يعود.. وإنما تكون العودة إلى الله بوسائل العودة إليه، ومنها وسيلة الإسلام، ووسيلة القرآن، ووسيلة الجماعة.. فينبغي أن توظف هذه الوسائل، وغيرها من الوسائل، بالصورة التي تفضي إلى الغاية المنشودة منها.. وأول التوظيف، وأساسه، التحديد الواضح لما هو وسيلة، وما هو غاية.. ثم استخدام الوسيلة الاستخدام الأمثل، والذي يجعلها تفضي إلى الغاية المرجوة منها.. فبدون دخول المطلق، واعتباراته، في جملة الصورة وفي تفاصيلها، لا يكون السير، إلا سيرا في التيه، بلا هدف نهائي، وغير مرتبط بطبيعة الوجود، والطبيعة الإنسانية، وبلا اتجاه.

    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 13/8/2007

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 12-29-2007, 02:33 PM)

                  

01-18-2008, 02:36 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
    محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
    (14) المنهاج: العبودية هي الغاية.. وهي التكليف الأساسي:


    تحدثنا عن السير الى الله، وقلنا أنه ليس بقطع المسافات، وإنما هو بتقريب الصفات من الصفات.. وتحدثنا عن التخلق باخلاق الله، وأوردنا النصوص في ذلك.. فكيف يتخلق العبد بأخلاق الرب!؟ وما هي اخلاق الرب هذه، التي يمكن للعبد أن يتخلق بها!؟ وأين نجدها؟ هذه الأسئلة، تتعلق بجوهر الدين، والتكليف الأساسي، الذي يقوم عليه.. كما تتعلق بالغاية من خلق الانسان.. وكلها تقودنا الى شي واحد هو موضوع العبودية.. فالعبودية لله هي خلافة الانسان لله في الأرض، وهي الغاية من خلقنا، كما هي تكليفنا الأساسي، وسبيلنا الوحيد، للتخلق بأخلاق الله.. ويجئ في ذلك قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ومعناها ما خلقت الجن والإنس إلا ليصيروا لي عبيدا بوسيلة العبادة ، أو ما خلقت الجن والانس الا ليعبدوني كما امرتهم على لسان رسلي، ليصيروا بتلك العبادة لي عبيدا كما امرتهم على لسان عزتي ، وذلك حين قلت في مقام عزتي (إن كل ما في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) . فالعبودية هي التكليف الأصلي، والعبادة هي التكليف الفرعي، أو بعبارة أدق.. العبادة هي الوسيلة، والعبودية هي غاية العبادة.. وعدم ادراك الأمر على ما هو عليه، بهذه الصورة، يضيع العبادة والعبودية معا وهو ما عليه المسلمون اليوم، وهو السبب الأساسي في نصول الدين عن حياة الناس.. وقد توهم، جلهم، أن الغاية من خلقنا، هي ان نعبد الله.. وجعلوا بذلك العبادة غاية - وهي وسيلة - فلم ينتظروا منها نتيجة، ولم يجدوا منها نتيجة، وأصبحت عبادتهم شكلا بلا مضمون أو جسدا بلا روح.. فالعبودية هي روح العبادة، فلما غابت، غاب معها كل شيء، مما هو منتظر للعبادة أن تحققه.. والعبودية هي أن ترضى بالله ربا، وتسلم له ظاهرا وباطنا.. وهذا هو الإسلام.. ولمقام العبودية بداية وهي مقام النفس الراضية، ولكن ليست له نهاية، .. فالعبودية كالربوبية لا تتناهى.. وها هنا يدخل موضوع الإطلاق، الذي تحدثنا عنه.. والله تعالى، غني عن عبادتنا، وعن عبوديتنا، فهو الغني الحميد، فهي من أجلنا نحن، نحن المحتاجون إليها.. وهذه الحاجة هي جوهر العبادة والعبودية، يقول تعالى: (ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد).. فمكان العبد الفقر - الحاجة - ومكان الرب الغنى.. والتخلق، بأخلاق الله، هو أن يلزم العبد مكانه من العبودية، والحاجة والفقر، فتفيض عليه الربوبية من صفاتها.. وهذا معنى قوله تعالى لسيدنا داوؤد في الحديث القدسي: (فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد).. (فإن سلمت لما أريد) هذه، هي الاسلام، وهي التخلق بأخلاق الله.. وأين نجد أخلاق الله!؟ في القرآن.. وما هي أخلاق الله التي هي في القرآن!؟ هي باختصار الصفات النفسية السبع.. فالله تعالى: حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع وبصير ، ومتكلم.. وخلق الإنسان على صورته: حي وعالم ومريد وقادر وسميع وبصير ومتكلم.. ولكن صفاته تعالى في مطلق الكمال، وصفاتنا نحن في طرف النقص .. وقد انتدبنا لنسير من نقص صفاتنا، الى كمال صفاته.. فالله تعالى حي بذاته وعالم بذاته، ومريد بذاته وقادر بذاته.. فهو تعالى لا يعلم بجارحة، ولا يريد ولا يقدر بجارحة، وإنما يعلم بذاته، ويقدر بذاته، ويعمل بذاته.. أما نحن فقيوميتنا نفسها به تعالى، وليست بذواتنا.. فحياتنا من حياته، وعلمنا من علمه، وإرادتنا من إرادته، وقدرتنا من قدرته.. هذه في الحقيقة وإن توهمنا غيرها في الشريعة - في إدراك العقول - وإنما جاء القرآن ليخرجنا من وهم ما نحن عليه في الشريعة، إلى ما هو عليه الأمر في الحقيقة، فتكون بذلك شريعتنا طرف من حقيقتنا.. والعبودية تقتضي مراعاة أدب الشريعة وأدب الحقيقة معا، وفي نفس الوقت.. ومراعاة الغائية، والسببية معا، وفي نفس الوقت.. هذا بالنسبة لجليل الأمور وخطيرها، وبالنسبة لصغير الأمور.. وهذا الأمر تقوم عليه حقائق الوجود، وينبغي أن تقوم عليه تفاصيل السلوك في الحياة اليومية.. فالوجود كله يقوم على الغائية، فليس شيء فيه، عظيم أو صغير، لا توجد غاية من خلقه أو دخل بالصدفة في الوجود.. هذا بالنسبة للأشياء، وحركتها، وما يحدث لها أو يحدث بها.. يقول تعالى: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق..) قوله:(ما خلقناهما إلا بالحق) تعني إلا بالحكمة.. والحكمة هي وضع كل شيء في موضعه.. وهي نهاية العلم ونهاية الرحمة.. والعبودية تعني السير خلف الله، بمعرفة حكمة الله تعالى الباطنة، في فعله الظاهر، والتصرف وفق هذه المعرفة، في التعامل مع خلقه، وفق مرضاته تعالى.. وهذا الأمر يبدأ من بدايات بسيطة، تكون في وسع كل انسان، ثم يعمق ويدق، ويتسع كلما تطورنا في العمل بالمهاج، متوخين التوسل به إلى الغايات المنشودة.
    بدون هذا الاعتبار للوسائل والغايات، يصبح العمل - مهما كان حجم هذا العمل - منبتا، لا يوصل، عقيما لا يثمر، وهذا هو حال المسلمين اليوم.. كما أنه يمثل جوهر أزمة الحضارة القائمة.. فلا مجال لبعث الدين، ولا مجال للتمدين، إلا بالمعرفة الدقيقة بالوسائل والغايات، والسلوك وفق هذه المعرفة.. هذا، ينطبق على غايات الوجود الأساسية بصورة خاصة، كما ينطبق على كل ماهو دونها مما يوصل إليها
    إذا كان الإنسان هو الغاية من خلق الوجود الحادث جميعه.. فوظيفة الوجود الحادث جميعه هي العمل على إيجاد الإنسان، وتهيئة البيئة لذلك.. تستوي في هذه الوظيفة، قوى الوجود العلوية والسفلية، النورانية والظلمانية (لله جنود السموات والأرض).. والغاية من خلق الإنسان هي تحقيق العبودية لله بوسيلة العبادة.. وعبودية الإنسان لله، هي من أجل الإنسان، هي وسيلته لتحقيق ربوبيته على الأكوان، بأن يكون خليفة الله فيها، ويتصرف فيها وفق مرضات خالقها.. وهذه هي قمة المعاملة، التي قال عنها المعصوم (الدين المعاملة).. وهي كذلك قمة الصلاة كما سنرى.. فالعبودية هي الرجوع الى مقام (أحسن تقويم) الذي خلق عليه الإنسان في الملكوت، ليجسده، في اللحم والدم في عالم الملك، فهي كمال الحياة، وكمال العلم، وكمال الحرية.. العبودية لله هي الحرية الفردية المطلقة، التي كثيرا ما تحدثنا عنها.. والإطلاق هنا إطلاق صيرورة، لأن العبودية كالربوبية لا تتناهى.
    ووسيلة تحقيق كل هذه الكمالات، والتسامي في مراقيها، هي التخلق بالقرآن.. ووسيلة التخلق بالقرآن، هي اتباع النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، في سنته - وهي عمله في خاصة نفسه.. فالقرآن جعل ميسرا، بأن صب في قوالب اللغة العربية لتدركه العقول.. ثم زيد تيسيرا، بأن جسد في حياة النبي المعصوم.. فجاءت السنة المطهرة تجسيدا للقرآن، وتفصيلا له.. وأصبح بذلك حياة يومية، تعاش في كل تفاصيل الحياة، من عمل أو ترك للعمل.. والمحور الذي يدور حوله القرآن كله هو التوحيد (لا إله إلا الله).. وهذا التوحيد تجسد في حياة النبي المعصوم، وجاء عنه قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين).. وهكذا علينا أن نكون.. ولا سبيل إلى ذلك إلا أن نجعل محمد صلى الله عليه وسلم، وحده الوسيلة إلى الله، وليس دونه وسيلة.. مرة أخرى نعيد ما جاء في كتاب (الطريق).. "إن محمدا هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم - فمن كان يبتغي إلى الله الوسيلة التي توسله وتوصله ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمدا في أسلوب عبادته وفيما يطيق من أسلوب عادته، تقليدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك أنه اسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية".. "إن حياة محمد هي مفتاح الدين.. هي مفتاح القرآن، وهي مفتاح (لاإله إلا الله) التي هي غاية القرآن، وهذا هو السر في القرن في الشهادة بين الله ومحمد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)".. "ما أحوج بشرية اليوم، كلها، إلى تقليد هذه النفس التي اكتملت لها أسباب الصحة الداخلية، تقليدا متقنا يفضي بكل رجل، وكل إمرأة، إلى إحراز وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته، من الاضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر بصورة كان من نتائجها فساد حياة الرجال والنساء والشبان.. في جميع أنحاء العالم".. من النص أعلاه، يتضح أن الغاية هي (الصحة الداخلية) وهي تتم عند كل فرد، عندما يتم له، عن طريق العمل بالمنهاج (وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته) .. فلنصطحب هذه المعاني معنا، ونحن نتابع الحديث عن المنهاج.
    ومما جاء عن الغاية والوسيلة، في القرآن، قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة).. وقوله تعالى: (أولئك الذين يدعون، يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، يرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذورا) ..
    نذكر بحديثنا عن (الذات المحمدية)، القائمة في الملكوت، وتجسيدها في عالم الملك.. بهذا التجسيد، يتحقق مقام الوسيلة، الذي وعد به الله تعالى نبيه الكريم حيث قال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).. والذي طلب النبي من أمته، أن تدعوا له بأن يبلغه إياه.. فكلنا يدعوا عقب الآذان: (اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة، وأبلغه المقام المحمود الذي وعدته).. وهو مقام تتوقف على بروزه، إقامة الدين، وتحقيق الكمالات الإنسانية، التي ظلت مسيرة الحياة تعد لها، منذ أن كانت الحياة.. فتشرق الأرض بنور ربها، فتتم النعمة، ويسود السلام والمسرة.. وهذا أمر قد تمت أشراطه المادية، ولم يبق غير صدور الإذن الإلهي به.. هذا الإذن، به تجيء الساعة الصغرى، التي بها تقوم جنة الله في الأرض.. وهذه الساعة قد اكتملت أشراطها التي جاءت البشارة بها، في العديد من الأحاديث النبوية، فليرجع إليها من شاء، في مراجعها.
    من أجل كل ذلك، تحدثنا، ونتحدث، عن الوسائل والغايات، كقضية هامة، من قضايا المنهاج.. فكمال الدين في الأرض، وكمال الإنسانية، يوشك أن يتم، وهو لن يتم، إلا عن طريق (الوسيلة).. فعندما ندعو (اللهم آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة، وابلغه المقام المحمود الذي وعدته) إنما ندعو لخير أنفسنا وخير الإنسانية جمعاء..


    خالد الحاج عبد المحمود - رفاعة
                  

01-18-2008, 02:37 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
    محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
    (15) المنهاج: الآخرة هنا


    لا نزال في اطار حلقات الحديث عن المنهاج.. فقد أصبح أعظم منهاج، عرفه تاريخ البشرية، عند المسلمين اليوم، مجرد طقوس ميتة، لا تثمر شيئا ايجابيا، وهذا هو أهم اسباب موت الإسلام في صدور المسلمين.. فهم لا ينتظرون نتائجا من العمل بالمنهاج، ولا يجدون نتائجا.. والسبب في ذلك أنهم يتوهمون، أن نتائج العمل بالمنهاج، هي في الآخرة فقط.. وبسبب من هذا الفهم فقدوا الدنيا، والآخرة، معا.. . ولا سبيل لبعث الاسلام، الا بتصحيح هذا الخطأ الشنيع، بالصورة التي تجعل المنهاج يؤدي ما هو مرجو منه من ثمار.. وبداية التصحيح، هي تصحيح التصور الخاطئ.. فالمنهاج هو وسيلة السير الى الله.. والله تعالى ليس في الآخرة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما هو هنا والآن.. الله تعالى، ليس في الماضي ولا المستقبل، وإنماهو في الحاضر، هو أقرب الينا من حبل الوريد.. والسير اليه، هو العمل في الحضور معه، والصلة به، الآن، وفي كل آن، وذلك بالعمل وفق مرضاته، وعقولنا وقلوبنا حاضرة، معه، لا يلهيها شيء، من خلقه، عنه تعالى.
    لقد جعل المسلمون، اليوم، من العبادات، مجرد كم، يمكن حسابه بالعدد، وينتظرون الجزاء في الآخرة، وفق كم ما أدوه من عبادات!! هم يفعلون ذلك، ولا تغيب عنهم النصوص الواضحة التي تفيد خلاف ذلك، ولكنهم لا يقفون عندها,, هم يقرأون قوله تعالى عن القرآن (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، وما يضل به الا الفاسقين) وقول المعصوم: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) .. وقوله (رب مصل لم يقم الصلاة).. و (رب مصل لم تزده صلاته من الله الا بعدا).. وقوله (ورب صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش) الى آخر هذه النصوص، الكثيرة.. هم يقرأونها، وينصرفون عنها ببساطة شديدة، رغم خطورتها الشديدة!! العاملون بالمنهاج من المسلمين، لا يكادون يتغيرون للأحسن، بل البعض يتغير للأسوأ!! والله تعالى يقول (إن لله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ويقول (من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) .. ويقول: (وقدمنا الى ما عملوا من عمل ، فجعلناه هباء منثورا)
    فمن أجل بعث الإسلام، لا بد من بعث المنهاج.. ومن أجل بعث المنهاج، لا بد من تصحيح التصور الخاطئ، وإحلال التصور الصحيح مكانه.. وهذا ما جعلنا في حلقات سابقة نركز على تجويد تقليد النبي صلى الله عليه وسلم، ونركز على تحديد الوسائل والغايات، ونتحدث عن ضرورة اعتبار (المطلق).. ونحن هنا في هذه الحلقة، نريد أن نركز على أن ثمرة العمل بالمنهاج، ثمرة حاضرة وفورية.. (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).. يره الآن، في التو واللحظة، وما يحجب عن هذه الرؤية، الفورية، إلا الغفلة.. فالقاعدة الأساسية هي (كما تدين تدان) ولكي يفضي المنهاج الى الثمرة المطلوبة منه، يجب أن نركز على النقاط التالية، والتي تقع في اطار ما سبق أن ذكرناه، في المقالات السابقة:
    1. الإنسان وحده هو الغاية، وكل ما عداه، ومن عداه، في الوجود الحادث هو وسيلته، بما في ذلك كل الأكوان وبخاصة القرآن، والمنهاج
    2. التكليف الأساسي، هو العبودية لله، وهو الغاية التي من أجلها خلقنا.. والعبادة وسيلة للعبودية، ولذلك يجب أن تؤدى بالصورة التي تفضي إلى ما هو مطلوب منها، وإلا فإنها لا قيمة لها
    3. الله تعالى غني عن العباد ـ عن عبادتهم وعن عبوديتهم ـ فلو أن اهل الأرض جميعا صاروا على قلب أتقى رجل منهم، ما زادوا في ملكه شيئا.. ولو أنهم أصبحوا على قلب أفسق رجل، ما نقصوا من ملكه شيئا.. فمن أحسن أحسن لنفسه، ومن أساء فعليها.. فالفرد هو الرابح أو الخاسر، ومن بعده المجتمع.. يقول تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها).. ويقول (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها.. وما ربك بظلام للعبيد)
    4. منهاج الدين كله هو عمل في العروج، من أرض نفوسنا السفلى، الى سماوات نفوسنا العليا.. ووسيلة هذا العروج الفكر.. فالفكر هو روح العمل، في كل ما نعمل، وما ندع.. وأي عمل يخرج منه الفكر، هو عمل ميت ـ جسد بلا روح ـ ولا قيمة له .. والفكر، في المنهاج يبدأ من استحضار القصد من العمل ـ النية
    5. والفكر حتى يؤدي الوظيفة المنوطة به في المنهاج، يعمل المنهاج نفسه على ترويضه، وتأديبه.. ولذلك نحن لا نتحدث عن أي فكر، وإنما نتحدث عن الفكر المروض، المؤدب بأدب القرآن، أدب حقيقته، وأدب شريعته.. فالاسلام، كما سبق أن ذكرنا، هو منهاج حياة، يقوم على ترويض الفكر بصورة منهجية، حتى يسمو بالنفس، من النفس السفلى الى النفس العليا.. والنفس العليا، إنما هي النفس الخاضعة في شهواتها لمقتضيات العقل القوي والمستحصد.. وقد جاءت جميع الشرائع التي يقوم عليها المنهاج لتعين العقل، على القوة وعلى الاستحصاد,, والمنهاج في ترويضه للعقل، يعمل على جعله عقلا متواضعا ومحايدا، برئ من الغرض
    6. والمنهاج لا عبرة فيه للتنظير، وإنما كله يقوم على العمل.. فأي علم لا يراد به العمل، هو علم لا قيمة له، فالدين لم يمت في صدور الناس، إلا بعد أن اصبحوا (يعلمون) ولا (يعملون).. ففي الاسلام، العلم نفسه نتيجة العمل، يقول تعالى: (واتقوا الله ، ويعلمكم الله، والله بكل شئ عليم) ويقول المعصوم: (من عمل بما علم أورثه علم ما لم يعلم).. والعلم المطلوب، للمنهاج هو علم ما لا تصح العبادة إلا به.. والعمل في المنهاج جسد وروح، أو هيئة وفكر، ولا بد من اتقان الأثنين معا
    7. العمل في المنهاج يستوعب جميع صور النشاط، في حياة الفرد، في العمل وفي ترك العمل، وفي العبادة والمعاملة.. يقول تعالى لنبيه الكريم: (قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)
    8. المنهاج يقوم على التوحيد بصورة أساسية.. والتوحيد صفة الموحد ـ بكسر الحاء ـ صفة الإنسان العامل بالمنهاج.. فغرض المنهاج هو إعانة الفرد على توحيد القوى المودعة في بنيته، وذلك بتقريب المسافة بين فكره وقوله وعمله حتى يصبح يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ثم لا تكون نتيجة فكره وقوله وعمله إلا برا بالأحياء والأشياء، وهذه هي وحدة الفكر، وهي وسيلة لوحدة الحياة، وهي وحدة العقل والقلب والجسد.. وبذلك يتم ورود مورد الحياة الكاملة، حياة الفكر وحياة الشعور، وليس لكمال الحياة نهاية تبلغها، وإنما كمالها دائما أمامها.. والحياة الكاملة هي جماع التكليف الديني، في جميع أكوان وجود الإنسان.. في هذه المرحلة المسماة الدنيا، وفي دنيا البرزخ، وفي النار، وفي الجنة.. بل ان الحياة الكاملة ليست تكليفنا الديني فحسب، وإنما هي القدر المقدور لنا.. فإن الإنسان مكتوبة عليه الحرية، ومكتوب له الكمال.. وهذا هو معنى عديد الآيات التي تتحدث عن ملاقاة الله، والرجوع اليه، فهو رجوع إلى (أحسن تقويم) الذي عنه صدرنا..
    9. فالعمل في المنهاج هو عمل في التواءم والانسجام مع البيئة، في جميع مستوياتها، ومظاهرها .. والبيئة، بيئة روحية ذات مظهر مادي.. والتواءم إنما يكون مع المظهر والجوهر معا.. ولا يتم هذا التواءم إلا عندما تقوى عقولنا، وتدرك الأمر على ما هو عليه في الحقيقة، فنتخلص بذلك من وهم التناقض والصراع الذي أوجده الخوف، ونقيم الحب والأنس مكان الخوف، وبذلك يتم التخلص من الانقباض الذي أورثه الخوف، وتبدأ المسيرة الحقيقية في كما الحياة..
    لقد اخترنا عنوانا لحلقتنا هذه، عبارة "الآخرة هنا" لتوكيد ضرورة جعل ثمرة العمل، معيارا لصحته أو عدم صحته، بالصورة التي تعين على تصحيح العمل بصورة مستمرة، حتى يكون فعالا، ومثمرا.. وقبل ذلك، لأن هذه هي الحقيقة.. فالتصور العام عند المسلمين عن الآخرة كمقابل للدنيا، هو أن الآخرة هي فقط بمعنى الحياة التي تعقب البعث بعد الموت، وليس في أذهانهم شيء خلاف ذلك.. وبالطبع هذا المعنى في حد ذاته صحيح، ولكن الخطأ قصر المعنى عليه.. ففي الفهم الديني ، كلمة (دنيا) تفيد الدونية، والأخرى، كمقابل، تعني العليا.. فالحياة الدنيا، هي حياة الحيوان في الإنسان، والتي ما جاء الإسلام إلا ليعين الانسان على تجاوزها، نحو الحياة العليا(الأخرى)، والتي هي حياة الإنسان.. وهذا الانتقال يكون هنا في هذه الدورة من دورات الحياة، قبل حياة البرزخ.. وعلى حدوثه، أو عدم حدوثه، تكون حياة البرزخ، وحياة ما بعد البرزخ، وفي ذلك يقول المعصوم: (يقبض المرء على ما عاش عليه، ويبعث على ما قبض عليه).. ويقول تعالى: (ومن كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى، وأضل سبيلا).. فثمرة العمل تكون هنا، ثم تكمل.. والحساب على العمل فوري (إن الله سريع الحساب).. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ محمود: "اليوم لم تعد الدنيا والأخرى ضرتين كما كانتا في الماضي، وإنما هما اليوم شقيقتان، تختلفان إختلاف مقدار. وتؤدي إحداهما للأخرى فوراً، وعلى التو.. ولذلك فانه يجب على العابد أن يترقب الجزاء على عبادته في التو.. أجر الله على العبادة اليوم (هاك بهاك) هذا يوم تحقيق: (أدعوني أستجب لكم) ، فليس بين العبادة والاستجابة مسافة.. ومعرفة العارفين، اليوم تقول: إن الله أكرم من أن تعامله حاضراً ويعاملك نسيئة.. تعبده اليوم ويؤتيك أجرك غداً في الآخرة.. ألم يأمر هو في شريعته بأن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه؟؟ فكذلك أجر الله على العمل، فإنما هو على الفور، والتو.. هو (هاك بهاك)..
    فإن انت لم تجد ثواب صلاتك، حين تصليها، طمأنينة وبرد رضا يغمر قلبك، ويسعده في توه، فأعلم أن صلاتك باطلة.. ولا تظنن أن أجرك عليها مكتوب في مكان آخر.. الم يقل المعصوم، في حديثه المشهور،: (حبب الي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) بلى، قد قال!! (وقرة عيني) يعني طمأنينة نفسي، ورضا بالي.. وهذا هو ما عنيناه بأن أجر الله على العبادة المجودة انما هو(هاك بهاك)، ليست معنى هذا، بالطبع، انكار الآخرة، وانما معناه إن الآخرة هنا، واليوم ـ فما يكون تمامه هناك يبدأ اليوم.. قال تعالى، في هذا المعنى: (يأيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي، والذين آمنوا معه، نورهم يسعى بين أيديهم، وبأيمانهم، يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا، وأغفر لنا.. إنك على كل شيء قدير).. قولهم (ربنا أتمم لنا نورنا) يشير الى أنهم قد بدأت أنوارهم في الدنيا، وهم انما يطلبون تمامها في الآخرة.. وحكم الوقت يجعل هذه الآية تطالب بمعناها، في سرعة تحقيق الأجر، اليوم، بأكبر مما كان عليه الشأن في الماضي.. المراد من هذا الحديث أن يحاسب العابد نفسه ليكون على بينة من صحة صلاته.. فإنه اذا كان المراد من الصلاة هو الرضا بالله ربا، ومدبرا لأمورنا، فإنك إن أنت صليت ركعتين، وانصرفت من مصلاك، ولم يكن قلبك أرضى بالله، منه قبل أن تصلي، فيجب أن تعلم أن صلاتك باطلة، وأنها لا تستحق، ولا تستوجب أجرا.. واحذر أن تظن أن أجرها مكتوب لك في مكان آخرتعطاه في الآخرة.. ولما كانت الصلاة وسيلة الى الرضا فإن الرضا هو ايضا وسيلة الى طمأنينة النفس، وتحرير العقل من الخوف.. وبتحرير العقل من الخوف يتم كمال الحياة"
    إن المنهاج في الاسلام، يقوم على أمر واحد، هو خلق الصلة بالله.. وعبر هذه الصلة يتم وصل الحياة بمصدرها، ويتم من خلال ذلك تلق المعرفة، التي تتسع بها الحياة وتتعمق.. وقد أجمل ذلك المعصوم، إجمالا وافيا، في قوله: (الدين المعاملة).. معاملة الرب، من أعلى، في العبادة، ومعاملة الخلق، من أدنى، في المعاملة.. وأعلى معاملة الرب، في الصلاة والتي قال عنها المعصوم: (الصلاة صلة بين العبد وربه).. وأعلى معاملة الخلق صلة الرحم.. وبهذين الأمرين نحن نختم حلقات المنهاج في الحلقة الأخيرة القادمة.

    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 7/1/2008

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 01-18-2008, 03:32 AM)

                  

01-18-2008, 03:34 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
    محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
    (16) المنهاج: الصلاة وصلة الرحم


    لقد بينا في الحلقات السابقة، عن المنهاج، انه وسيلة.. هو وسيلة السير والرجوع الى الله.. وهو سير من المحدود الى المطلق، ولذلك هو سير لا انتهاء له.. وهذا السير، هو عمل في تحقيق العبودية لله، والتي هي الغاية من الخلق، وتكليفنا الأساسي.. والعبودية كالربوبية لا تتناهى.. وهذه العبودية هي من أجل الانسان، فالله تعالى غني عن عبادة العباد، وعبوديتهم.. فبالعبودية تحقيق الحياة الكاملة، نسبية الكمال - حياة الفكر وحياة الشعور - ولذلك تحقيق الحياة الكاملة هو الغاية من خلقنا، وتكليفنا الأساسي، بل وقدرنا المقدور.. والكمال الانساني، والتسامي فيه، إنما يكون بتحقيق (القيمة)، وهذا يشكل الفيصل، بين حياة الانسان، وحياة الحيوان.. فبداية تحقيق انسانية الانسان، والتي اختلف بها عن الحيوان، هي سيطرة العقل على الشهوة، والترقي في الانسانية، هو تسامي في هذا المجال، بالنزوع عن أن تكون افعالنا غريزية ، تسيرنا فيها الشهوة، إلى أن تكون أفعالنا عقلانية، يسيرنا فيها العقل.. وهذا هو عمل المنهاج، فهو يقوم على العقل في كل كبيرة أو صغيرة، فيما نعمل وما ندع.. وهذا هو سبيل تحقيق القيمة، وهي في اساسها، كما سبق ان ذكرنا، التخلق باخلاق الله، الواردة في القرآن.. وقد جسد هذه الأخلاق، النبي عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، وبذلك أصبح عندنا نموذج حي، ومن أنفسنا.. فالمنهاج هو عمل في تقليد هذا النموذج، في عبادته، وفي ما يطاق من عادته.. فالعبادة هي وسيلة العبودية، وروحها.. والعبادة معاملة، وقد لخص المعصوم الأمر كله، بقوله: (الدين المعاملة) .. والمعاملة كالعملة، ذات وجهين: من أعلاها معاملة الرب.. ومن أدناها معاملة الخلق - أو معاملة الرب في الخلق - وأعلى معاملة الرب الصلاة.. وأعلى معاملة العبد صلة الرحم.. وليست الرحم المعنية، رحم صلة الدم (هذه موجودة في أدنى المنازل) وإنما الرحم هنا بمعناها الواسع، وهي رحم العبودية للمعبود الواحد.. فقمة الصلاة أن تكون صلة بينك وبين الله، حتى تكون معه كما هو معك.. وهيهات.. يقول المعصوم: (الصلاة صلة بين العبد وربه)، ولذلك هذه الصلة (الحضور) هي روح الصلاة، والغاية منها.. فبالصلة بالله نصل حياتنا بمصدرها، فنستمد العلم الباقي، والحياة الباقية.. وهذا، إنما يكون في تدرج، يبدأ من بدايات بسيطة، ويتسامى كلما زاد حضورنا، والعبادات الأخرى كلها إذا أديناها في تجويد هي معنية في هذا الصدد.. أما المعاملة فقمتها أن تنشأ الصلة، بينك وبين الأشياء، والأحياء، فتتصرف فيها وأنت تتوخى الحكمة التي ترضي خالقها، في تصريفها.. هذا هو معنى خلافة الانسان لله في الأرض، معنى قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) وهذا دائما ممكن، في مستوى من المستويات عندما نتسامى بعبادتنا فننزل بها، منازل المحبة - محبة الأحياء والأشياء - وبالمحبة نتخلص من الخوف.. والمنهاج إنما يحقق هذه المحبة، عندما يصل السالك درجة المقربين.
    فالمنهاج عمل في الفكر، في العبادة، وفي المعاملة، يتسامى به العبد في درجات النفوس، من النفس اللوامة، نحو النفس الكاملة.. فيروض فكره ويهذبه، فينتقل من عقل المعاش، الى عقل المعاد.. وهو العقل المروض المؤدب، بأدب القرآن، أدب شريعته، وأدب حقيقته.. والعقل هو الطرف اللطيف من النفس، فكلما تهذب هذب النفس، التي يليها، وانتقل بها الى نفس أعلى.. وهذا الصنيع تتوحد به النفس البشرية، فتكمل.. وهذه الوحدة تقع في مستويين: مستوى وحدة الفكر، ومستوى وحدة الحياة .. فوحدة الفكر تقوم على وحدة الفكر والقول والعمل .. ووحدة الحياة تقوم على وحدة العقل والقلب والجسد.. فهذا هو التوحيد - فالتوحيد هو صفة الموحد، بكسر الحاء - كما سبق أن ذكرنا .. والمنهاج كما يقوم على العبادة والمعاملة هو يقوم على الفكر .. والفكر السلوكى يقوم على النقد الذاتى، الذى يعمل على معرفة عيوب الفكر والتخلص منها.. ومعرفة عيوب النفس والتخلص منها.. كما يقوم على المراقبة، وعلى المحاسبة، بصورة دائمة، فما يفلت من المراقبة تجبره المحاسبة .. فالعبادة ليست عملاً آلياً، كما الحال عند المسلمين اليوم.. وإنما هى عمل منهجى، فيه الوسائل والغايات واضحة، والنتائج ينبغى أن تكون فورية، وملموسة.. فروح العمل يتلبسه فى جميع مستوياته، وكذلك ترك العمل، هو الفكر و (تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنةً) كما يقول المعصوم .
    إذا تبينا هذا المنهاج جيدا، لوجدنا أنه يتضمن كل شيء في الوجود.. هو يتضمن العلاقة بالذات الإلهية المطلقة، بالتوجه إليها، والعمل في الحضور معها، والإسلام لها، وهذا جوهره.. وهو يتضمن العلاقة بالأكوان: الأحياء والأشياء، وتصحيح العلاقة بها، والتعامل معها.. كما يتضمن العلاقة بالآخرين، في المجتمع البشري – المعاملة - فيتضمن بصورة خاصة العلاقة مع الزمن، أكبر خلق الله، وكيفية التعامل معه، بالتخلص من الجولان بين الماضي والمستقبل، وما يقوم عليه من وهم.. والعيش في اللحظة الحاضرة، حيث أصل الزمن، وحيث الحقيقة المطلقة.. ويتضمن بالنسبة للفرد البشري، التسامي بالفكر، وتخليصه من عيوبه، كوسيلة للتسامي بالحياة، سعيا وراء سلامة القلب وصفاء الفكر، ووحدة البنية البشرية، والتخلص من معوقات الفكر والحياة وعلى رأسها الخوف.. وهو يقوم على الحركة، في السلم السباعي، في درجات العقول والنفوس، وحتى حركات ركعة الصلاة، وحتى السموات السبع والأرضين السبع.. ألخ
    إن منهاج (الطريق) في الإسلام، لا شبيه له على الاطلاق في أي دين أو فكر بشري، بما في ذلك الفهم السلفي للإسلام.. وأنا في كتابتي هذه عنه، لم أعط سوى مؤشرات، تحفز المهتم، للرجوع إليه في مصادره، خصوصا كتابي (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، و(تعلموا كيف تصلون) .. ومع كل هذا العمق والشمول فإن أهم ما يميز المنهاج هو بساطته التي تجعله يناسب أبسط الناس، حتى الأمي، ثم يتسامى به.
    ونحن قد بدأنا بالحديث، عن صاحب المنهاج، قدوة التقليد صلى الله عليه سلم.. ونحن نختم بذلك.. فدعوة الأستاذ محمود محمد طه للإسلام هي دعوته (لطريق محمد) عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. هذه هي الدعوة كلها، أعني كلها.. وكل ما يبدو خلاف ذلك، هو مجرد تنزيل للمنهاج لواقع الحياة في جوانبها المختلفة في: المعرفة، والسياسة والاقتصاد، والاجتماع.. ألخ .. (فطريق محمد) صلى الله عليه وسلم، هو أساس دعوة الأستاذ محمود، لبعث الاسلام، وجوهرها.. وهو الأمل الوحيد، لوحدة المسلمين، وخلاصهم.. وخلاص الانسانية جمعاء.. ونحن في تبشيرنا بالإسلام، لا يوجد شيء نبشر به، أكثر، ولا أقل، من التبشير (بطريق محمد) صلى الله عليه وسلم، والدعوة له.. فإن "محمدا هو الوسيلة إلى الله فليس غيره وسيلة منذ اليوم - فمن كان يبتغي الى الله الوسيلة التي توسله وتوصله اليه، ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمدا في أسلوب عبادته وفي ما يطيق من أسلوب عادته، تقليدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك أنه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية"
    وفقنا الله، وإياكم، لما فيه خير أنفسنا وخير الإنسانية جمعاء، وهدانا سبل الرشاد.. وكل عام وأنتم بخير

    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 17/يناير2008
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de