فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 00:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-27-2008, 04:34 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام

    رواية { الأسرار }للكاتب السوداني ، عبدالفتاح عبدالسلام المقيم بالرياض ،الرواية صدرت عن دار {كاف نون}بالقاهرة عام 2004 ، وتتولى توزيعها : الشركة العربية للنشر والتوزيع ومقرها القاهرة . والرواية قال عنها الناقد الأدبي ، والشاعر /محمد جميل أحمد في مقال له نشرته صحيفة الحياة اللندنية ، انها ضرب من موضوع جديد في فضاء الكتابة العربية المغتربة
    Quote: الأسرار
    رواية
    الكاتب : عبد الفتاح عبد السلام
    إهداء :
    إلى المبعثرين في مدن العالم المتباعدة

    ***

    سأذهب إلى بحر آخر
    لعلي
    أجد مدينة أروع من هذه
    لن تجد بلدا جديدا
    لا
    ولا بحارا أخرى
    سوف تلاحقك المدينة
    سوف تتسكع
    في الشوارع ذاتها
    وتشيخ
    * كونستانتين كافافيس*-السكندري



    تننويه : أن ماينشر في البورد هو فقط الجزء الأول من الرواية ، وليس كل فصولها . ومن يرغب في الإطلاع عليها كاملة ، عليه الإتصال بالناشر { كاف نون } أو معارض الكتب بالخليج والقاهرة .

    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-28-2008, 04:37 PM)

                  

01-27-2008, 04:54 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    1
    Quote: كانت تلك المرأة بلا ملامح.

    قبل دقائق وخارج هذه الغرفة المعتمة حدّقتْ في وجهي بعين واحدة ثم انسلتْ وسط الزحام فتبِعتُها ، ولا أظن أن أحدا في الشارع استدار ليتلصص علي وجهتي.

    كانت الشمس قد اختفت.

    وكان هناك بابان لشقتين . شقتان وحيدتان أسفل المبني . لم أضِع وقتا . الشقة التي علي اليسار هي التي قادني حدسي إليها ، إذ أن بابها كان مواربا . بل كان يتحرك. حركة خفيفة . كأن شبحا بالداخل يدفعه . فرأيتُ أن أحدث طقطقة خفيفة بسلسلة المفاتيح التي أحملها . ومن ثم انفرج الباب ، فدلفتُ مسرعا وأنفاسي تتلاحق.

    ملأتْ صدري رائحة بخور معتق . نفّاذة . معلقة في فراغ بلا معالم . جسد، وأنفاس تكاد تلتصق بي ، و يد تتحسس الصندل الصيفي الخفيف الذي أنتعله . وإذا به ينزلق من قدميّ ليختفي ، وأصابع ناعمة ... ربما تلك نفسها التي أخفت الصندل في مكان ما ... تقودني كالأعمى لتجلسني علي حافة سرير ، تبينتُ فيما بعد أنه سرير بالغ الضخامة . لا شئ غير الظلام.

    سواد مكتمل.

    رجوتها بكلمة واحدة أن تأتيني بجرعة ماء . لأداري ارتباكي الظاهر . ذلك الشعور الحاد بأن أبخرة جافة ، غير محسوسة ، تنبعث من حلقي . وددتُ أيضا أن أعلن رغبتي في كأس شاي . غير أني أحجمتُ.

    وعندما اختفت المرأة في الظلمة ، في خواء البيت ، وستارة ، في موضع ما ، تتحرك محدثة همسا مرعبا ، حاولتُ استجلاء المكان، الغرفة ، التي بدا أنها بلا نوافذ. كأنها الغرفة الوحيدة في العالم ، في تلك الساعة . و صوت جهاز تكييف يئن منهكا.

    ثم لا شئ.

    ناولتني المرأة كوبا من المعدن . تحسست نقوشه بأصابعي العشرة التي أحاطته تماما . لا كلام . بدت المرأة الخفية كقطة مدرّبة تري جيدا في هذا السواد.

    شربتُ جرعتين . كان الماء مثلجا . أصوات مكتومة تصدر عن جهةٍ ما والمرأة منهمكة بترتيب أشياء في ركن قصي من الغرفة.

    انشغلتُ برشف الماء من الكوب المنمنم.

    كان جليا أنها تتحاشى التحدث إلىّ ، فوضعتُ كفيّ داخل جيوبي ، مكررا عادة قديمة تراودني حين ينتابني الخوف . وددت أن أسألها ، أيّ سؤال . فكرتُ أنه من الأفضل أن أتحاشى الأسئلة .

    أجلسُ علي حافة السرير الضخم ... وهذا يكفي . سرير مريح ... هكذا أحسست عندما امتدت يدي تتلمس فضاءه الناعم.

    لم أتحقق أن أحدا لاحظ دخولي البيت . أزيز جهاز التكييف يخفي جلبة الخارج. صمتها يجعلني أتحسس الهواء الذي تخترقه أنفاسي.

    تنبهتُ لشيء ما يُسحب ويُجر علي الأرضية التي ارتاحت عليها قدميّ الحافيتان. تبينتُ فيما بعد أنها انتزعت فراشا مطويا من بين كوم كبير من الملابس.

    فرَدتْ المرأة الفراش علي الأرض . لاح كما لو أنها أرادت اختصار الأمر.

    اعتادت عيني الآن الظلمة . واستطعت أن أتبين بالكاد شبحها الذي يتحرك دون توقف. أسمع احتكاك أقدامها العارية.

    شبحها الآن مختلف عن ذاك الذي رأيته خارج هذا البيت ، وسط الزحام . الآن هي تخففتْ من النسيج الذي كانت تلف به جسدها . في الشارع لم يظهر منها سوي لمسة غائمة من العينين وأسفل الساقين . ساقان بنفسجيتان . بلون الباذنجان . تنتعل، وقتها ، خفا من البلاستيك المبتذل.

    لكنها تهمس الآن بما يوحي أنها سوف تكون معي بعد قليل . لكنتها ثقيلة ، لا يستحيل فهمها ، مما يعني أنها أمضت زمنا في هذه المدينة.

    شيخو ، السائق الذي يعمل معنا ، دلني إلىّ هذا البيت . غير أنه لم يشر إلى هذا الظلام الدامس . لم أصدقه حين قال إنني لن أستطيع التعرف علي وجه أية امرأة داخله.

    بدت المرأة مطمئنة . يغمرني اضطراب أحاول مداراته . تجربتي الأولي في هذه المدينة ، فكرتُ.

    تركتني وحيدا لأزيز جهاز التكييف.

    حدقتُ ساهما في الفراغ الذي أضحي رماديا . يا له من اكتشاف ، هذا البيت . إنه مرتب بسرية تامة . لقد أضنتني الكوابيس طيلة ثمانية أشهر ، هي كل تأريخي في هذه المدينة.

    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-28-2008, 04:42 PM)

                  

01-27-2008, 06:00 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: الأنثى الوحيدة ... التي أراها منذ قدومي إلى هنا هي مسز فليروود . دائرة العرق المبللة ، حين ترفع ذراعيها ، تجعل الأبخرة تتصاعد من حلقي . لا بد أن أكون ممتنا لشيخو ، كأنه كان يمزح . بالطبع لم يكن يتصور أنني سأتحين الفرصة لآتي إلى هنا. ولن يعلم أنني الآن وحيد بين جدران وفراغ . ما يهمني فعلا أن تشغل المرأة التي ستأتي حيزاً في الذاكرة ، علي نحو ما . الوجه والملامح ؟ لا تهم . فقد فقدت الاهتمام بهذه الأمور منذ زمن.

    نهار اليوم جئت لأستطلع المكان ، فكأنني لص مقبل علي سرقة عظيمة . من حسن الحظ أن اليوم عطلة . مقر الشركة الأم في لندن ـ لندن البعيدة … فيما وراء البحور ـ اعتاد منح فروعه في أنحاء العالم عطلة في هذا اليوم من السنة كما علمتُ.

    أوقفتُ عربتي بعيدا ومشيت ملتصقا بالحيطان الواطئة . أقفز من ظل إلى ظل . إذ كانت الشمس … في تلك الساعة … تطارد المارة في الشوارع . كانوا يسيرون … مطأطئي الرؤوس . لا أدري إلى أين . شيخو محق إذن . فهنا كثير من النسوة يتجولن ، ملفوفات بأثواب تصرخ ألوانها في الفضاء الملتهب . وهو أمر غير عادي في أحيائها وأصقاعها الأخرى . لكنهن نسوة من صنف خاص ، من سحنة مختلفة. لا يشبهن نساءها . لا تراهن إلاّ في هذا الحي المنزوي . غير بعيد عن ساحل البحر. ثمة رطوبة دبغة منتشرة في أنفاس الأزقة المتربة . بعض الناس لزم المقاهي الصغيرة والدكاكين وظلال الجدران المنسحبة . تراءى لي أنهم يلهثون . يستنشقون الهواء بألسن ممتدة وهم جالسون علي أطراف المحلات . وهناك رأيت الشجرة فالبيت ذا الطابقين . بيت من طراز قديم . أشبه بفندق متداع.

    ماذا لو داهمت الشرطة المكان . سيجدونني وحيدا . فكرتُ ... هذا الحي خاص جدا وأهله غرباء ، مثلي تماما.

    الساعة ربما جاوزت التاسعة الآن . تركتُ ساعتي في العربة ، تحسبا . بل إنني وعندما تبعتُ المرأة ... من بعيد ... إلى البيت ، خلعتُ نظارتي ، كي لا تصيبني أية نظرات ما بالهلع . كنت حريصا ألاّ أدع هذه الفرصة تفلت.

    وأخيرا جاءت.

    سمعتُ دوران المفتاح في قفل الباب الخارجي . ثم فحيح لملابس توضع فوق كرسي. حيتني بحركة مرحبة ... طرقعة أصابع حادة. قلتُ:

    ـ الحر شديد برّه …!

    غمغمتْ المرأة. تتبعتُ شبحها القريب علي نحو ما وهي تتناول ما خُيّل إليّ أنه خليط عطري . دلكتْ به إبطيها رافعة ذراعيها . كم عمرها ؟ أربعون ؟ خمسون؟ ألف عام ؟ لا يهم.

    لم تكف عن الدوران في الفراغ الرمادي . فستانها يلمع في الظلمة . مفرودٌ بشكل وردة منفتحة أسفل الخصر . رأيتُ أن أتكلم . لعلّي أزيل الأستار الكثيفة القائمة.

    قلتُ سنذهب إلي بيتي في عطلة الجمعة ، وإننا سنجهز الغداء ونطبخه سويا.

    تخيلتها تهمس بصوت مسطح:

    ـ ليش ؟

    وعندما جلسنا متقابلين فوق الفراش المفرود علي الأرض فاحت منها رائحة مختلطة بالمادة العطرية التي دلكت بها إبطيها منذ قليل. رائحة قوية . و جسدها رطب . بدا من الصعب رؤية هيئتها . كفلها كامل الاستدارة . شهور بأكملها لم تتحسس فيهما يدي استدارة كهذه ، هكذا تخيلتُ.

    استحممتُ في المكان المخصص والملاصق للغرفة ... في الظلمة . تحسستُ أمكنة أزرار الإضاءة علي الحائط . ضغطت زراً . لا أثر لأي نور . كانت المرأة قد اختفت بعد أن أشارت أنها ستعود. يتعين عليّ ألا أحدث جلبة من أي نوع . وألاّ أنادي علي أحد . هكذا فهمتُ.

    حاولت إغماض عيني ، ولكني غير معتاد النوم في العتمة ، ثم أنها ستجيء مرة أخري ، ربما بعد ساعة ، أو أكثر . لم تكن ممتعة ولكنها خير من الكوابيس.

    راودتني أغنية ، قديمة وحزينة ، مازلت احتفظ بها مسجلة ورحت أدندن بصوت كتوم . أحد مقاطع الأغنية يذكر الشارع السابع . أي شارع سابع ؟ لعله يتحدث عن نيويورك . لا أعلم بالتحديد . الغريب أن هذا هو المقطع الوحيد الذي مازال محتشدا بالذاكرة من تلك الأغنية . سمعتها قبل سنوات عديدة ، عند سولومون . هئنذا مستلق علي السرير الضخم في قلب العتمة وأزيز المكيف . لو قدموا لي سيجارة . قديما كنت أول ما أفعله ، بعد جولة كهذه ، أن أدخن . كانت سيجارة ممتعة بحق . لكنني انقطعت عن التدخين زمنا . لو كانت هناك موسيقي . شعرتُ برغبة قوية في جرعات من الشاي الأحمر . في الجولة القادمة سأسألها أن تتعرى . أو أن تزيل الإيشارب الذي تخفي به وجهها.

    أحاول إغماض عيني . من حسن الحظ أن الغد عطلة . سأقضي النهار كله في غرفتي . وسوف أكون سعيدا ، غدا . كانت رائحة المادة العطرية المخلوطة بالعرق تدور في أنفي . ومازال شبح المرأة ملتصقا بملاءة السرير ووسادته . راودتني رغبة في الفرار ولكني تذكرت أن الأبواب مغلقة . ثم إن سادنات البيت لن يسمحن قطعا لكائن بالتسلل من هنا . سيثير منظري الشكوك ، والليل يتقدم . لا أظن أنني اضطررت للمبيت من قبل في بيت كهذا.

    لا شئ غير الأزيز والبرودة الناعمة . لا بد أن الرطوبة والحر وبقايا الغبار قد أعلنت الحرب علي المدينة . و قد يكون حشد الباعة في أزقة الحي قد انفض الآن . كانت لدي آن رائحة مماثلة لهذه . قفزت ذكراها فجأة ، عبرتْ في ذهني صورتها وهي عارية تماما . آن النايجيرية . كنت أدعوها بالأميرة آن . كان جسدها رطبا ، تماما كهذه المرأة . ما اسمها ؟ نسيت في غمرة اللهفة أن أسألها . كانت لآن رائحة تطغي عندما نكون ملتصقيْن . رائحة قوية.

    التقيتُ آن في ردهة نُزل الطلاب أول مرة ، كنا الأجنبيين الوحيدين . شكَتْ أنها لا تستطيع التركيز في دروسها في غرفتها لأن زميلتها الشقراء لا تكف عن الاستماع لموسيقي البوب . عرضتُ عليها أن نذاكر معا في غرفتي ، فتقبلتْ الأمر بسرور.

    تلك الليلة ، كان الشتاء في أواخره . جلستْ آن إلى المنضدة الوحيدة في غرفتي وأمامها مصباح . جلستْ ساعات طويلة ... إلى ما بعد منتصف الليل . "للكأس الأولي مذاق لا ينسي" ، هكذا كانت آن أول ليلة . بعدها كانت كثيرا ما نامت في حضني حتى الصباح.

    ******
    تابع.....
                  

01-27-2008, 07:05 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: سافرتْ آن في عطلة الصيف بالقطار ذات مرة وعبرت المانش إلى بريطانيا ... وعندما عادت أهدتني بلوفرا من الصوف الناعم وكريما معطِرا لما بعد الحلاقة.

    و تمنتْ آن مرة أن نذهب لنمضي ليلة أو ليلتين في أحد الفنادق خارج المدينة ... فندق علي قمة الجبل . "بعض الناس يفعلون ذلك ... ولمَ لا ؟" . هكذا قالت . لم أر في الأمر إثارة . و تجاهلتُ إلحاحها . لا أذكر أننا خرجنا معا بعيدا عن النزل . كانت لا تحب ضوضاء المدينة بعد الغروب . "ليل هذه المدينة يصيبني بالدوار" . كان يخيل إلىّ أنها تمقت أهل تلك المدينة . فقد كانت مغرمة ببلاد الإنجليز في الركن القصي من القارة … لسبب لم أكن أعلمه . ولكنها كانت ترتاد سينما النهارات بصحبة صديقاتها الطالبات . فيما بعد عيرّتني بأن إنجليزيتي عربية اللكنة وأن هويتي مختلة.

    جالس أنا بجانب آن ، في غرفتها تلك في الطابق الثاني . تأكلُ قطعا مستديرة محمّرة من لحم العجل . لا تذكر الآن إن كانت دعتك لتشاركها الطعام ... ولكنك تذكر بوضوح صوت أضراسها القوية وهي تفتت قطع اللحم دون أن تلتفت إليك . تلك أول مرة تجلس قريبا جدا من فتاة ـ أنثى مكتملة ـ تمزق أسنانها لحما قويا وشهيا.

    لا أزال أحتفظ بصورة لآن في ألبومي ، صورة بالأبيض والأسود وهي جالسة. فستانها يكشف عن ساقين ممتلئتين . أحس بعض الندم الآن لأنني لم أتلمس روعتهما الحقيقية . في ذلك الزمن ، وقبل سنوات من مغادرتي لتلك المدينة التقينا . مصادفة. علي بعد خطوات . كانت تبتسم ... ولم نتبادل كلمة . كان ذلك في حفل التخرج.

    وأخيرا جاءت المرأة.

    هذه ستكون الجولة الثانية والأخيرة ربما . سألتها عن الوقت . لا تعرف . بعد منتصف الليل ؟ فكرتُ أن للبيت مخارج سرية تفضي إلى بيت ملاصق . لا بد أنها انتظرت هناك مع صويحباتها ... لحين موعد الجولة الثانية ... أو خوفا من مداهمة ما.

    ـ اسمِك ؟

    ـ زهرة .

    خطر لي أن الاسم مختلق . لم تسألني حتي عن اسمي . لن يهمها ذلك بالطبع. رجوتها بصوت هامس أن أنزع ملابسها . تمتمتْ بدهشة . برطانة ما . كثيرا ما فعلتُ ذلك مع آن . من الواضح أنها شتمتني . ضحكتُ.

    لاح لي أنها تتفرس في وجهي من خلف القناع . ارتياب يشعُ من أنفاسها . أشاحت بيدها وهي تبرطم.

    مضت لحظات الوصال سريعة . لقد كانت ثمانية أشهر عجاف.

    و هاهي تختفي وتتركني وحيدا للصمت والظلمة . النوم لا يأتيني ... والأزيز رتيب.

    في الصباح ستوقظني وتأذن لي بالذهاب . تساورني رغبة شديدة في التحدث إلى شخص ما ، أن أحكي . الساعة الآن ربما جاوزت الواحدة بعد منتصف الليل. السواد مطبق و عيوني مفتوحة تجهد لاختراقه . راودتني الأغنية القديمة . أغنية سولومون.

    سولومون وصاحبته الشهباء .

    لم تكن صاحبته جميلة ولكني لم أره مع أخري طيلة الأشهر التسع التي قضيناها معا في تلك الغرفة المستطيلة في الطابق الخامس من نزل الطلاب . أتخيلُ زهرة غارقة في النوم الآن ... أو جالسة مع صديقاتها ، يحكين . من أي بلد هي ؟ نسيت أن أسألها.

    تلك الأغنية الحزينة سمعتها أول ما سمعتها من الراديو غرامافون الموضوع في جانب سرير السيد سولومون . كان عندما يكون معتدل المزاج يقف متمايلا علي الإيقاع الهادئ ... مرددا بصوته الأجش كلمات الأغنية المطبوعة علي غلاف الاسطوانة . أذكر جيدا كلماته:

    ـ ينبغي أن نقف تبجيلا لهذه الأغنية . إنها ملائكية.

    ومرة قال:

    ـ عليك ببنات هذه المدينة . ستتعلم منهن الكثير ...

    لم يدعُني سولومون مطلقا للخروج صحبتهما في عطلة نهاية الأسبوع . وكنت أتساءل . ولكني علمت فيما بعد أنه كان يواعدها ليلتقيا أمام بوابات المسارح والسينما . كانت تعشق الأفلام . ولكنه لم يكن يحب اصطحاب الفتيات أمام الملأ.

    انتزعتُ جسمي من الفراش ويد تشد أصابع قدمي.

    انتظرتْني المرأة في الصالة.

    مازال الظلام سيد الموقف . لا وقت للاستحمام . كم الساعة الآن ؟ السابعة أم الثامنة؟

    ودّعتني بلا كلام ودون أن تمد يدها ، واقفة خلف الباب بعد أن استوثقتْ أن الساحة آمنة.

    و تحت السماء التي لا لون لها عشَتْ عينيّ أشعة الشمس الغامرة.

    انتبهتُ إلى جلبة الناس بملابسهم الغريبة . اجتاحتني رغبة جامحة في تناول الشاي في مقهى صباحي . غير أني عدلت ... واتجهت إلى عربتي.

























    تابع....
                  

01-27-2008, 11:19 PM

سلمى الشيخ سلامة
<aسلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    كتابة تنطق بالذات اكثر مما تنطق باى خصيصة اخرى
    لكنها فى المحصلة النهائية ممتعة
    سرد يتقافز من حالة لاخرى
    وتتكون الصور هنا وهناك منذ دخوله الى تلك الشقة
    الى حيث وقف السرد
    وان شاب بعض المناطق بعض الترهل السردى
    فى اعادة الافكار
    وتثبيت الظلام كبطل
    من خلال السرد تحس انه فى بيت ما
    ونساء لاتراهن الا فى سياق السرد
    وصديقة تتوفر فى النص كبطلة موازية للظلام(آن النيجيرية )
    لكن المكان الاكبر ليس واضحا
    تارة تحس انه باريس
    واخرى تحس انه لندن
    ربما فى سياق الرواية حين نطالعها كاملة ربما تعرفنا الى خصوصية المكان
    حيث يشرح لنا انه طالب فى مكان ما فى هذا العالم دون تحديد
    فى النهاية نحن امام روائى يذكرنا بكتابات عريقة
    تشابهت ملامحه والى حد كبير مع ميلان كونديرا
    اتمنى ان نتابع ما تبقى من الرواية
    وارجو ان تراجع الاخطاء الاملائية حتى لا تفسد متعة القراءة
    شكرا لك على اشراكنا فى هذا السفر الثمين

                  

01-28-2008, 04:51 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    2
    ******
    Quote: غرفتي صندوق مربّع.

    صندوق ذو نافذة زجاجية تطل علي ساحة من تراب . أعيش فيه وحدي مذ هبطتُ هذه المدينة قبل أقل من عام . جمعتُ فيه كل ما احتاجه . سرير ، ورفّ لرص الكتب ، ثلاجة صغيرة ، راديو .. ومسجل . في المطبخ بوتاجاز أعدُ فيه الشاي. في الأيام الأولي حاولت ترويض نفسي علي إعداد إفطار الصباح . طبق من البيض المسلوق ، أو المقلي ، و مربي . غير أني أقلعت عن ذلك . إذ بدا لي الأمر مضجرا حد التقيؤ.

    من غرفتي هنا أتطلع بلا حماس عبر النافذة . تنعكس علي العين صورة مكررة ... دون أن تنفذ إلى المخيلة أو الذاكرة . صورة مسطحة لمنظر رتيب . بيوت مطلية بالأبيض تبدو مغمورة في الأرض في وهج الشمس . ليس هناك ما يشير إلى أن الحياة تدب بداخلها.

    أنظرُ إلى النوافذ في واجهات المباني المتناثرة أمامي . إحساس طاغ بأني لن أحظى بمتعة الأسرار الغامضة خلف مربعات الألمنيوم والزجاج تلك ... المغلقة طيلة النهار والليل.

    قبل أشهر فكرتُ في اقتناء صنارة لصيد السمك . يقال أنها هواية لتعلُم الصبر. في هذا المكان قد تحتاج أيضا لتتعلم صيد الملل ... لخنق أنفاسه.

    ففي عطلات نهاية الأسبوع ، في أيامي ، أو أشهري الأولي علي ما أظن ... في هذه المدينة ... في الصباح ، قبل أن تعلن الشمس جنونها ، اعتدت الذهاب إلى شاطئ البحر . أجلس ساعات وأمامي كم هائل من الماء . لا أحد سوي مهاجرين شرق آسيويين . منهمكين بالتقاط قواقع كبيرة ، يلقونها في نار أوقدوها للتو. يكسرونها بآلات حادة ويلتهمون لبها.

    لم أقتن صنارة . ولم أعد للبحر ثانية في أي صباح.



    نافذتي بلا ستارة . ذكرتُ أستار جدران البيت السري بالأمس . ما انفكت الرائحة تطاردني . عدتُ إلى الفراش واستيقظت عند منتصف النهار واغتسلت . بل إنني تمددت في البانيو بعد أن أفرغته من الماء كما لم أفعل من قبل.

    ثم تناولتُ كوما من الملابس و ألقيته في الغسالة . و أدرت شريط الأغنية الملائكية . لم يكن سولومون يحبها إلاّ أوائل الليل ، في الشتاء والثلج يسّاقط خفيفا كأوراق السولوفان . كان للأغنية وقع مختلف . هنا وفي جلبة آلة الغسيل وضوء النهار الكاسح ... بدا مذاقها غريبا . أقفلت جهاز التسجيل وأمضيت بقية النهار ممدداً.

    فكرتُ . لم يكن من اللائق أن تتقاضى مني تلك التي اسمها زهرة رسم الخدمة يداً بيد . طقوس الألفة التي أتوق إليها لا تتفق مع هذا التواطؤ الخالي من الاتيكيت. وكنت سأضع ورقة بنكنوت من فئة المائة ، تحت الوسادة ، قبل المغادرة في الصباح الباكر . أعلمُ أنها تفوق المطلوب لليلة كهذه . وعندما أشرتُ إلى الوسادة نسيت أنها لن تستطيع رؤية يدي . فخيل إلي أنني أهمس "ستجدين الأشياء تحت الوسادة". ولدهشتي مر شبحها مسرعا بجانبي وتخطاني إلى السرير . وخرجتْ إلى الصالة في لمح البصر . و من مكاني في الغرفة سمعتُ خرش عود ثقاب . و رأيت ظلالا تتلوى علي الحائط المقابل . أتخيلها رفعت الغطاء عن وجهها لتتفحص ورقة البنكنوت . ورنّ صوتها "خلاص" ، والتي فسرتُها بطريقتي "بأن المبلغ صحيح وأكثر" ، أو "لا عذر لي إن لم أطالبك بالدفع أولا ، فمن يضمن لي أنني سأراك ثانية بعد خروجك من عتبة هذا البيت".


    تابع..
                  

01-28-2008, 05:55 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: صحوتُ مبكرا ذلك الصباح.

    كان صبحا بلا هوية بعض الشيء ، والشمس لم تبسط لهيبها بعد . قدتُ العربة بمهل ... وبانتباه شديد حتى وصلت إلى المكتب . كان أول من رأيت مسز فليروود. ماذا لو عرفتْ هذه السيدة ما كنت أفعله ليلة البارحة ؟ لم يكن من السهل ملاحظة ما طرأ عليّ . فوجهي محايد جدا كما كانت تقول آن.

    جاءتْ مسز فليروود بعد قليل إلى مكتبي ... يتبعها شيخو . امرأة فوق الأربعين . ربما كانت فوق الخمسين . تتحدث إنجليزية صافية تنبعث علي نحو ما من صدرها المرتفع. رأيتُ دائرة العرق الرمادية ... أيضا هناك ... في مكانها المعهود . انطلقت السيدة الانجليزية تتحدث بمرح ، عن عطلة نهاية الأسبوع ، ثم:

    - لمَ لمْ تأتِ ؟

    أجبتها بأني انشغلت بزيارة بعض المعارف . بدا أنها لم تلق بالا لما تفوهتُ به ، وقالت الجميع كان هناك وسهروا إلى ما بعد منتصف الليل . شيخو ذكر أن أحدهم كاد يسقط في بركة السباحة المجاورة لقاعة الحفل . ذلك كان الحفل السنوي إذن . لم أكن نادما لتغيبي.

    مسز فليروود تبدو سعيدة بعملها . تعلن أوامرها لكل من شيخو وعامل النظافة. تتصرف معهما بلا تكلف ظاهر وان كان شيخو حذرا تجاهها.

    في أول يوم جئت فيه إلى هذا الشركة ، كان العرق يقطر من وجهي ورأسي. وحينما حدقتُ في مرآة الحمّام الملحق بمكتب المدير كنت أشبه بشخص أصابته عاصفة ممطرة . فقد مكثت بالحمّام أكثر من المعتاد . استقبلتني مسز فليروود يومها بابتسامة مرحّبة ، وأشارت إلى مكتبي . كان المدير في إجازة ونائبه لم يكن قد حضر إلى مكتبه بعد.

    مكتبي فسيح تتوسطه طاولة خشبية صفراء . توليتُ فيها النظر إلى الفواتير والتدقيق في العطاءات . أقبلتْ مسز فليروود ذلك اليوم وجلست علي المقعد الموضوع أمام الطاولة. تبادلنا حديثا قصيرا. شئ ما في شعرها وعينيها ذكّرني بديدي . شعرها المصبوغ بعناية ، ذو الرائحة التي يبثها شعر ديدي المسترسل والأغزر.

    غادرتْ مسز فليروود مكتبي فأسندتُ رأسي إلى ظهر الكرسي وانتقلتْ نظراتي إلى خارج النافذة . كان الإسفلت يلوح بلونه الأسود بين الأشجار القصيرة ، ويلمع تحت الضوء الكاسح . المركبات تمضي بلا صوت ، وعلي فترات متقطعة . نافذة مكتبي محكمة الإغلاق . وأزيز المكيف يطغي علي طقطقة الآلة الكاتبة الكهربائية التي تستخدمها مسز فليروود بمهارة سكرتيرة مخضرمة . فكرتُ بطيف المرأة التي قضيت معها ليلة نهاية الأسبوع . ربما عاودتُ الكرّة بعد شهر أو أقل.

    تطلعتُ إلى ساعة معصمي . لا زالت هناك خمس ساعات عليّ أن أقضيها بين الأوراق والملفات . ما الذي أتي بي إلى هذا المكان ؟ الصدفة وحدها ؟ إعلان في صحيفة؟ انترفيو ؟ واختبار قصير ووعد بمرتب جيد ؟ حلم بجمع قدر معقول من المال ؟

    كنتُ متأكدا أنني لن أفلح في العيش كما أرغب في بلدي الأصلي … الذي أحمل هويته وجواز سفره . البلد الذي يبعد عن هذه المدينة مسيرة خمس أو ست ساعات بالطائرة في ناحية الغرب … أو الجنوب الغربي لا أدري . بلدي الذي أمضيت فيه سنة وبعض سنة بعد عودتي من بلاد المدن الزجاجية والشوارع المغسولة . غير أنني فشلتُ . فقد اكتشفت أن المدينة، أو العاصمة ، التي قضيت فيها شطرا كبيرا من الطفولة والصبا ، لم تعد كما كانت . أضحتْ قرية كبيرة ... مترامية الأطراف. تعج باللصوص والذباب وناموس الملاريا ... والمتسولين . فتيقنت أنني لن أصلح هناك. وفي ذات ليلة من ديسمبر وجدتني في جوف طائرة . وعوضا عن الاتجاه شمالا صوب القطب ، كما فعلتْ بي في المرة الأولي ، كانت وجهتها هذه المرة إلى الشرق. ولم أكن متأكدا أين ستحملني هذه الطيور الضخمة في مقبل الأيام إذا غادرتُ ، لسبب ما ، مدينة البحر هذه.

    الساعة الثالثة أسعد لحظات اليوم . فرأيت أن أدعو شيخو للغداء .

    أشار شيخو إلى مطعم بالجزء القديم من المدينة ، يقدم لحما مشويا ، فاتجهنا إليه بعيد ساعات العمل . اجتاحني صفاء غريب. هذه من اللحظات النادرة إذن . تلك اللحظات التي لا أري فيها وجهي.

    وعند جلوسنا علي الطاولة في المطعم المزدحم كنا نقطر عرَقا.

    بهَرنا ضوء النهار الغامر الذي يقتحم المكان من خلال نوافذ عريضة. تبادلنا حديثا باردا . في الواقع لم نتحدث عن شئ . كان شيخو متلهفا لقضم شرائح اللحم الساخنة. وأدهشني انه لم يسألني إن كنت ذهبتُ إلى البيت السري الذي وصفه لي.

    ـ هادا المطعم ، لو كان ببيروت ...

    شيخو مفتون ببيروت . حكي أنه قضي هناك زمنا وأنه فرّ منها بداية الحرب ... وأنه لن ينساها . يتحدث العربية بلكنة لبنانية باعثة للتعجب . لم أشأ أن أساله عن عمله ببيروت . من الجائز أنه كان سائقا أو خادما . لو حكيت له عن ديدي و عن آن أيضا لما صدّقني ، هكذا تخيلتُ.

    أشار شيخو إلى أن النادل يتعامل معنا بترفع . لم ألحظ ذلك في بداية الأمر . طفق يتحدث من بين أسنانه المتباعدة:

    ـ أكيد متل هادا الشخص يتمني يشتغل جرسون بمطعم في باريس أو هيك ...

    لم أقل شيئا . ولكنني تحدثت بصوت منخفض كأنني أحدث نفسي ...

    ـ شيخو يا صديقي ... حلت اللعنة منذ آلاف السنين . حلّت بطريقة ما. سمها مؤامرة . مؤامرة من الفقر المتصل عبر الأزمنة وذباب التسى تسي وبعوض الأنفوليس والغزو والمجاعات.

    ينظر إلىّ بابتسامته الساخرة . لم يكن حديثي موجها إليه . كنت ببساطة أود صرفه عن ترفع النادل.

    دارت عيني تبحث عن النادل المترفّع . رأيته يقف أمام شباك صغير يتناول أطباق الشواء.

    الحرُ وأبخرة الشواء تتصاعد من ركن المطعم . طلبنا المزيد من المرطبات والشاي الأحمر.

    قال شيخو كان بقريتنا البعيدة هناك في أصقاع أفريقيا الغربية جدٌ لنا عجوز . يقول أنه خاض الحرب الثانية مع الفرنسيين في آسيا البعيدة حتى جزر الفلبين . كان عندما تنزف جروحه في المعارك يتجمع حوله الجنود المتعبون ليشاهدوا مندهشين دما أخضر يتدفق من جسمه.

    خرجنا من المطعم و أوصلتُ شيخو إلى طرف الحارة التي يقيم فيها وتابعته يدلف إلى أحد الأزقة.

    انتبهتُ إلى العربات المسرعة علي الطريق وأنا أقود عربتي . بدت كصناديق متدحرجة ، مسرعة كأنها هاربة من الشمس . في العادة لا أهتم لمن بداخلها. أعرف أنها وجوه جامدة تحدق في الإسفلت الأسود.




    تابع..........
                  

01-28-2008, 07:39 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    3
    *********

    Quote: تأخرتُ في الذهاب إلى البيت السري شهرا.

    عندما فاجأني ضوء الشمس في المرة السابقة لم يدر بذهني أنني سأعود ثانية. عددتُها مغامرة غير محسوبة . فقد عثروا علي قتيل في أحد شوارع حي لمزار، في ساعات الفجر الأولي . الشرطة تشك بأن الجريمة وقعت في منزل ما وأن الجثة رُميت بعيدا في الشارع ، ربما بعد الواقعة بساعات . شيخو أسرّ إلي بالخبر عندما كنت أتناول شاي الصباح في مكتبي . ربما حدثت الجريمة بعد عشرة أيام من زيارتي الأولي . الصحف هنا ، في العادة ، لا تشير إلى مثل هذه الأحداث. شيخو كثير الكلام ، ولكن من المؤكد أنه لم يطلع بالواقعة أحدا غيري في المكتب.

    الملل والرغبة دفعاني للمجيء ثانية.

    كان نهارا مثيرا . كنت شخصا مختلفا . حتى أن مسز فليروود قالت متهكمة أمام إحدى زائراتها في المكتب:

    - ماذا ؟ هل تريد أن تدردش معي اليوم ؟

    فقد وقفتُ عند باب مكتبها المفتوح وقلت

    - بالأمس التقيتُ مسئولا بالجمرك ووعدني بالمساعدة في فسح العينات …

    لم ألتق في واقع الأمر بشخص كهذا . كنت فقط معتدل المزاج ولديَ رغبة قوية في التحدث إلى شخص ما . لم يكن من عادتي تبادل الحديث معها إلاّ فيما يخص العمل. لم أكن أجلس إلى مكتبها كما يفعل دائما نائب المدير ، أو المدير نفسه في غالب الأوقات ، أو حتى شيخو . في هذه الحجرات الضيقة ... المكتب ... أو الشركة ، لا مسز فليروود و لا أحد غيرها يعرف عنّي سوي اسمي . اسمي الأول فقط . وأنني من هناك . من مكان ما . مثل أماكن أخري تماثله . كثيرا ما تمنيت أن لو عشتُ في بلد يتحدث أهله الإنجليزية تماما كما يفعل الناطقين بها . علي الأقل كنت سأتحدث مع مسز فليروود و مع غيرها بلكنة أهلها. وليس بلكنة أجنبية ، مشروخة كما قالت آن ذات مرّة . و ... لكنتُ أصبحت علي نحو ما أكثر قربا منها وحميمية.

    بعد أن تمددتُ في غرفتي الصندوقية قمتُ نشطا . وفعلتُ كما لم أفعل في المرة الأولي . كان عليّ أن أذهب لأستطلع المكان قبل مغيب الشمس.

    عندما أكون موعودا بمغامرة تعظم حاجتي للترتيب والنظافة.

    في غرفتي سرير حديدي عليه ملاءة ة فاتحة الزرقة . مكتب خشبي وكرسي أسود. علي المكتب كتاب مفتوح علي حاله منذ أيام .

    غسلتُ أسناني بالفرشاة والمعجون. دخّنتُ سيجارة علي غير العادة . الدخان يزيل روائح الفم . صعدتُ إلى سطح البناية التي أسكنها. حدقت في السماء المعدنية . كانت بلا لون . ولبرهة أحسست باختناق.

    و سلكتُ الطريق الموازي للبحر . طريق طويل . من شمال المدينة إلي طرفها القصي . أكثر من نصف ساعة بسرعة معتدلة. الشوارع شبه خالية . لا مارة ... سوي القليل من المركبات . ثم لاح حي لمزار محتشدا برائحة أعشاب البحر العطنة.

    منظر الحي المنزوي تحت كرة الشمس الملتهبة مختلف جدا . لا بد إني جئت مبكرا أكثر مما يجب . غير أنى تعمدت أن آتي قبل مغيب الشمس . ربما لأستوثق أن البيت السري مازال هناك . وأن حادثة القتل التي رواها شيخو لم تغير الإيقاع المعتاد.

    أوقفت عربتي بعيدا هذه المرة . وخطوت في الشوارع المتربة في اتجاه البيت . كانت بعض النسوة مكومات وملفوفات بأقمشة ثقيلة في ظل البناية ، جالسات يبعن أشياء تافهة في قفف . منظرهن لا يدعو للريبة . انحنيتُ فوق قفة متظاهرا بفحص شئ أشتريه . بدا أن إحداهن عرفتني ، فقالت دون أن ترفع رأسها ، بهمس مرتعب ...

    ـ في الليل . في البيت ...

    مازال قرص الشمس الضخم يتدحرج هناك ، في مكان ما خلف البنايات . رأيتُ في المنعطف رتلا من السيارات القديمة تشق طريقها متثاقلة . بداخلها سائق ونسوة داكنات البشرة يطلقن زغاريد فرحة . لا بد أن القوم يحتفلون بعرس . من أي بلد بعيد هن؟

    عدتُ أخفي جسدي من حرارة الشمس ، لأقفز عبر الظلال الواطئة ، ظلا اثر ظل. الأبواب الصغيرة بعضها موارب وبعضها مفتوح عن آخره . نظارتي تكاد تشي بي. الحي بدا كوكتيلا من اللباس المشجّر . النساء أكثر ألوانا . ولكني موعود بالسلوى.

    المارة ربما يكترثون لوجودك ومرورك أمامهم . فقط لا تحملِق في عيونهم.

    جلستُ في مقهى مزدحم أحتسي الشاي . كان مقهى مطلا علي شارع قريب من البناية السريّة . فضلّتُ الانتظار هناك إلى ما بعد المغيب . ملامح الشارع كانت تتغير باستمرار . تلك العربة السائرة أو الواقفة ستختفي في البرهة التي ينتقل فيها البصر إلى داخل المقهى . سيأتي مارة جدد . قد لا يدركون انك كنت ماشيا في الشارع نفسه قبل لحظات . كانت لعبة مسليّة . فكرتُ ... ليس من المستحيل قتل شخص ما ورمي جثته بعيدا في مثل هذه الفوضى المتدفقة .

    بدا رواد المقهى كأنهم جماعة أو قبيلة متآلفة . رمقني بعضهم برهة ثم عادوا إلى أنفسهم . كانوا أشبه بطيور ضخمة جاثمة علي أعمدة خشبية.

    ازدرتُ عزلتي وتوجهتُ بصمت ناحية البيت . ضغطتُ الجرس ففتحت لي واحدة. هل هي زهرة ؟ هذه شبحها أخف من زهرة. زهرة فارعة قليلا . تبدو خائفة . هل سمِعتْ يا تري بالقتيل عند الفجر ؟ لم أسألها بالطبع . ولكنها قادتني إلى الغرفة عينها. جلستُ علي حافة السرير . تبث الغرفة ذات الرائحة التي داهمتني أول مرة. كأنما ظلت هناك مخفية في إحدى الخزانات … منذ شهر . ثم تركتني المرأة للصمت.
                  

01-28-2008, 07:47 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: استلقيت علي السرير الضخم نفسه . همدت دمدمة السيارات في الخارج وطغي أزيز المكيف.

    من تكون الليلة ؟ ماذا لو جاءتني آن ؟ أو امرأة الإفريقي تلك ؟ ما اسمها ؟ لقد نسيته . لا يهم . لم تكن تستجيب إلاّ وهي نشوانة من أثر الرّم . ولكنها ، بالتأكيد، أشهى من سادنات هذا البيت . كيف التقيتما ؟ كم أنا مجهد الآن وعليّ انتظار التي قد تأتي . لم تكن امرأة الإفريقي شقراء كبنات جنسها . وهذا ما حيرني كثيرا . كان شعرها أسود فاحما ووجهها شبيه بنساء البحر المتوسط . كانت عائدة لتوها من إفريقيا بعد أن هجرت زوجها، أو هجرها زوجها ، إذ لم أكن متأكدا من القصة بالتحديد . فقد عادت من هناك تصطحب ولدين يافعين . أودعتْهما أمها بقرية علي ساحل البحر. ثم جاءت إلى المدينة . قالت أحب المدن . القرى تقتل الروح والألق . لم تكن شابّة. تأملتُ التجاعيد الزاحفة أسفل ذقنها المكوّر . فيما بعد اكتشفتُ مصادفةً أنها نادلة في مطعم رخيص . لم تكن تتوقع أن أراها وهي بملابس العمل البيضاء . تضع علي رأسها طاقية لكي لا يتهدل شعرها الأسود . وتتحدث محرجة بين أسنانها . قالت إن طفليها جميلان ولمّا رأيتُهما أشفقتُ عليهما . كانا شديدي الشبه بوالدهما . أعينهما منسدلتان وحزينتان عندما صادفتهما يجلسان بقربها ، في مقهى يعج بالأجانب والعابرين.

    وفي بيتها ذلك المساء ، بيت قديم من طابق واحد تحيط به حديقة صغيرة وسور خشبي ، أقبل قوم آخرون . من جنسها . سهروا وسكروا وثرثروا كثيرا حتى آخر الليل وأنا صامت أحدق في الوجوه المنتشية . لم أتفوه بكلمة . كانوا كأنهم يسترقون ساعات الليل القصيرة استباقا لشيء ما في الصباح . أحدهم وهو أطولهم قامة ، وبوجه أحمر، تولي صب الشراب في الكؤوس . كان يفعل ذلك دون الكف عن لف حكاياته التي بدت بلا نهاية. عن أيّ شئ يتحدثون ؟ لم أكن أدري . ولبرهة أحسست أنني بقعة شفافة … تخترقها النظرات الغائمة . لم يسألني أحد . ولم يكلمني أحد .

    هل يعلمون قصة زواجها الخائب من الإفريقي ؟ وهل رأوا الولدين ؟

    إمرأة الافريقي أيضا لم تكلمني . كنت أجلس ملتصقا بها في حافة السرير. يهتز جسمي النحيل عندما تقرقر ضاحكة … وكفلها المكتنز يتمايل ضاغطا أطراف سترتي الصوفية وجانبا من صدري. و في آخر الليل ودون جلبة تسلل الحضور مرة واحدة واختفوا مثلما جاءوا . لا أذكر أن أحدهم لوّح لي مودعا . وفي نهاية الأمر ألفيتُ نفسي معها والليل . بدتْ ثملة وحقيقية . تهذي وتتلوى كأفعى . اكتشفتُ أن لها طقوسها الخاصة في جنح الظلام. فعندما اندست بجانبي تحت الأغطية … كانت تقذف سيلا من الأسئلة ما بين الهمس والصراخ.

    - هل هناك ما هو أجمل مما نفعله الآن؟

    ليس هناك فاصل بين السؤال وإجابته التي تتولاها بنفسها في هذيان محموم :

    - قطعا لا . لا ... بالتأكيد

    أيقظتني إمرأة الافريقي في الصباح الباكر والبرد كأنه قابع معنا . رجتني النهوض ومغادرة البيت . لم تتبادل كلمة . ولا تحية الصباح.

    عندما جئتُها بعد ذلك بأيام أنكرتني . ظلّت صامتة تحدق في الجدار . لم يكن هناك رمٌ ولا قوم يثرثرون . كانت عيناها تقولان "لأي شئ جئتَ ؟… أريد أن أبقي وحدي". غادرتُ بيتها الساكن و أحسستُ أني لن أراها ثانية . لم ألح . كنت فقط تواقا لتلقي سيلا جديدا من أسئلتها الهاذية … وأجوبتها المؤكدة . تخلصتْ مني بطريقتها ؟؟

    و أتساءل الآن . هل كانت في إحدى نوبات جنونها ؟ لو جاءتني الآن لأمسي الأمر مختلفا.

    يدٌ تهدهدني فأقوم مذعورا . آه كم غفوتُ ؟ ساعة أو أكثر ؟ كان هناك شبح امرأة. امرأة فارعة . طويلة الأطراف.

    ـ اسمك ؟

    ابتدرتها ولكنها لم تجب.

    ـ موية ... أرجوك .

    حدّقتُ في ساعتي لأستطلع الوقت . ولم أستطع أن أتبين عقاربها . أتكون العاشرة ؟ أمامي ساعات طويلة حتى شروق الشمس . لا بد من البقاء داخل البيت بعد خفوت جلبة الشارع . ظننتُ أنهن يخشين الباعة وأصحاب المحلات المتكدسة في أركان الحي . ربما كان العسس والعيون مندسين بينهم.

    لا بأس . فسحنتك لحسن الحظ لا تثير الريّب . فقط النظارات اللعينة ، والتي حرصتُ هذه المرة علي إخفائها داخل جيوبي.

    جاءت المرأة الموعودة ترتدي لباسا آخر بعد أن أزالت الغطاء الذي كانت تتدثر به. وجهها مقنّع أيضا بقماش محكم . قدمتْ لي إناء الماء من الألمنيوم المنمنم دون أن تتكلم . خيِّل إلىّ أن هناك شبح تلفزيون في الركن القصي من الغرفة . كنت في المرة السابقة أرتجف وأنا جالس علي السرير . الآن أنا متمالك نفسي ... "شئ طيب أن تكون مع واحدة أخري”.

    رجوتها أن نجلس علي الأرض . كانت تضحك وأنا مغمض العينين . جامدة كقطعة الفراش الذي وضعته تحتها . لاحظتُ أن أحد فخذيها أنحف من الآخر. سحبتْ المرأة ساقها مرتبكة عندما كانت يداي تتحسس الفخذين . لا يهم . لن أعبث مرة أخري. كفلها كامل الاستدارة وهذا يكفي . وخصرها من ذك النوع الذي يشعرك بالرحابة. عندما نهضتُ لأغتسل طلبتُ منها سيجارة . قالت ْ أنها لا تدخن ، وفهمت من همهمتها أنها ستأتيني بواحدة.

    لا بأس . غير أني اجتاحتني رغبة جامحة أن أكلم أحدا . ربما كانت هذه الرغبة من قديم . لقد ارتبكتْ المرأة عندما أحستْ إنني اكتشفتُ فخذها المشوه . تراءت لي وأنا مغمض العينين في الظلمة تلك الفتاة التي اصطحبتني في منتصف الليل إلى غرفتها في الأعالي ، في تلك المدينة الأخري . البرد شديد والفتاة ثملة . سارتْ متعثرة بجانبي . ولبرهة لفّت يدها اليمني في ذراعي المدسوسة داخل معطفي . أنفاسها المتبخرة تصعد بانتظام ونحن نسير تحت الأضواء الصفراء بين الأشجار . وجهها وجه طفلة وعيناها ناعستان.

    و تراءت لي ياقة معطفي تغطي نصف رأسي . أعتمرُ قبعة من الصوف . كنت أشبه بجاسوس. لم تتفوه الفتاة الناعسة بكلمة . بل سرحتْ تدندن بأغنية تخرج من بين أسنانها.

    ما بين اليقظة والنوم والليل يتقدم ، وهمس المكيف الهرِم ينتشر علي الجدران السوداء هنا في حي لمزار ، وأزيز "التروللي بوس" متجها في تلك الليلة الباردة إلى مكان لا أعرفه. تلك الفتاة المليحة . وجهها قريب الشبه بممثلات السينما . وجه ناعس متعب غير أن رِجْلها كسيحة . الثلج يتساقط كثيفا تلك الليلة. وفي شقة خربة ، كأنها من بقايا قصف جوي جري منذ سنوات بعيدة ، أشعلت الفتاة مدفأة الغاز . ولم تفلح المدفأة في نفخ الروح في أضلع الغرفة المتجمدة . وعندما استلقتْ عارية بجانبي تحت الأغطية الصوفية النتنة أصابني الغثيان . تذكرُ أنك لم تنم حتى الصباح وهربتَ من ذلك الصقيع ومن الفتاة.

    "مرية" أيضا كانت بساق كسيحة . كانت صغيرة وغضّة . وعذراء . تدرس الاقتصاد في سنتها الأولي . كنتُ في غرفتي في الطابق الخامس . في أوج الشتاء . في نُزل الطلاب ، طريحا من أثر الحمي والأنفلونزا . جاءت تواسيني. أول عهدها بالمدينة . من بلدة صغيرة كانت تذكرها كثيرا . قالت إن البرابرة كانوا يلقون بأهلها ، عندما اقتحموها في القرون الوسيطة ، من صخرة إلى هوة سحيقة. وإن جيوش الحلفاء المنتصرة دكّتها في زحفها الأخير .

    بعد أن تعافيتُ من الحمي قصدتُها في غرفتها فطفقت تثرثر . ذكرتْ أنها تحب جدّها كثيرا . فعندما شق الأطباء حوضها بالمشارط كان جدّها ينتظر عند الباب . فشلت الجراحة . ولكنه كان دائما بجانبها . أما أنا فلم أحدثها عن أهلي . كنت تخليتُ عن ذلك في سنيي الأخيرة . كنت استمع إليها تحكي بصوتها العذب . أخبرتني أنها عذراء ... فلم أقربها.

    وفي ليلة رأس السنة لم أسهر معها فبكت كثيرا أمام جمع من المحتفلين.

    مرة قالت:

    ـ قبل أيام رأيت قسا بلحية بيضاء ... فأيقنتُ أني سوف أراك.

    و رجتني أن أقرأ طالعها في فنجان القهوة ، فعدتُ لممارسة هواية قديمة كنت هجرتها . قلت وأنا أحدق في قاع الفنجان:

    * مريّة اسم جميل . هناك رجل مخلص

    يحبك ...

    فابتسمتْ "مرية". ـ مريّة تحبك . ألا تحبها؟

    ـ لا أدري.

    ـ ربما ظنتْ المسكينة أنك تنفر منها ؟… لعاهتها

    ..

    - إني أشفق عليها ...

    بعد رأس السنة بأيام جاءت . كنت وحدي بغرفتي هناك . نهارا والجليد الذائب يملأ الطرقات . كانت ترتدي معطفا من الوبر الأحمر وشعرها الذهبي منسدلا علي ياقته العريضة . لم أمسسها . استقبلتها مثلما يستقبل موظفو الدواوين زوارهم عند الضحى. قدمت لها فنجانا من القهوة السوداء . مكثتْ قليلا ، ريثما احتست قهوتها ثم نهضت كالمعتذرة ولم تتفوه بكلمة . تابعتُها بعينيّ من فوق الشرفة وهي تميل علي رجلها المعطوبة في الممر الملاصق للبناية . خصلات شعرها الملائكي تتطاير من أثر مشيتها المتعثرة . إحساس يدنو من الشفقة داهمني ساعتها . أتخيلها تنتظر التروللي بوس خارج النفق . ثم أناس كثر حول أول بوابة تلي كابينة السائق . تقول أنها تفضل دوماً الصعود من تلك البوابة لكي يراها السائق جيدا في مرآته . رأيـتُ في المرآة المستطيلة شبانا يحملون فتاة شقراء ذات شعر ذهبي تسيل الدماء من فمها المفتوح . ثم عواء مبحوح لسيارات إسعاف بأنوارها الزرقاء الوهاجة . و جدّ عجوز يراقب المشهد بعينين ذابلتين.

    "مرية" تسكن الطابق الأرضي . في البناية رقم أربعة . دعتني لزيارتها . وفي غرفتها المطفأة الأضواء أخذتْ تثرثر بصوت مبحوح يقرب للهمس . أخبرتني بقصة العامل القبرصي الذي نوي الزواج بها لولا أنه تلقي خبر وفاة أمه فقرر العودة إلى بلده. أرتني صورته وهو يحتضنها عند طرف بحيرة . ملامحه غائمة ، وكانت تبتسم . وقفت في الصورة الملّونة مرتدية بنطالا واسع الأطراف أحمر. بدا القبرصي في الصورة بائسا . كان شبيها بالأتراك . سألتها إن كان تركيا فأكدت بإصرار أنه يوناني.

    ذات ليلة سمعتُ "مرية" تصيح باسمي من شباك غرفتها . كنتُ في صالة الطعام الواسعة التي حولوها صالة للرقص في آخر الأسبوع . أقفُ وحيدا في ركن الصالة أتأمل جوقة من الراقصين والراقصات . كان إيقاع الموسيقي من ذلك النوع الذي يجعل رأسك تدور وكأنك تحلم . لم أحفل بنداء "مريّة" . نهار اليوم التالي ذهبتُ إليها فبادرت واحتضنتني وهي تبكي.

    بكتْ كأنها تلومني علي تجاهلي إياها الليلة الفائتة . استنشقتُ عطرا غريبا من ثنايا شعرها . قالت وهي تنشج ويدها أسفل صدرها "إني أتعذبُ" . أجلستني علي السرير. تمطت بجسدها الواهن وأرخت الستار علي النافذة الزجاجية . أمسكتْ برأسي وغرزت أصابعها النحيلة في شعري . كانت ترتدي روبا مخمليا فبدت كراهبة مديدة القامة . حسبتُها ثملة.

    * هل ستُقبِلني اليوم ؟ إن لم تفعل فلن

    يزول الألم أسفل صدري.

    وقالت:

    - ابق معي اليوم ... نشرب سوياً.

    كنتُ في كامل أناقتي ذلك النهار . كان وجهي حليقا ومعطرا.

    * هل تعلم ؟ منذ مدة طويلة لم يقّبِلني

    أحد . سيزول الألم بعد أن تقبلني.



    فتحتْ "مرية" خزانة صغيرة وتناولتْ زجاجة نبيذ أحمر.

    - هذه صنعتها أمي في بيتنا هناك.

    رجوتها أن ننتظر حتى تغيب أضواء النهار . كنت في واقع الأمر أخطط للهروب منها.

    نزعتْ "مرية" الروب وتمددتْ علي بطنها بعد أن احتستْ الزجاجة الحمراء بمفردها . قمتُ وسحبتُ غطاء السرير فوق ظهرها العاري . أطفأتُ ضوء الغرفة . تسللتُ خارجا وتركتها نائمة ... كطفلة.

    أحاولُ النوم الآن . أن أخفي وجهي بين لفافات الظلمة . طيف "مرّية" مازال هناك . معلقا بين السقف والعتمة . كانت نظيفة ناصعة . بل أن رائحة الصابون المعطر غمرت الغرفة بعد أن نزعتْ الروب دي شامبر.

    عندما تأتي مضيفتي سوف أسألها عن الزمن . ربما تأخرتْ كثيرا . لابد أن الساعة جاوزت منتصف الليل . فقد خمدت الأصوات المبهمة التي كانت تتمسح بخشب النوافذ المغلقة . لا أظن أن النافذة القابعة خلف الستارة قد فُتحت أبدا . أصوات قطط. صوت سيرينة شرطة بعيدة . سوف تأتي . لن أسألها عن الساعة . لأنها حتما لن تعرف . مضيفتي يهمها غروب الشمس وطلوعها . البيت لا يحتمل أكثر من واحد علي شاكلتي . عند الشروق سأغادرُ دون جلبة . لو اختل هذا النظام ربما وجدوك يوما ملقيً في صندوق القمامة الضخم في طرف الحي . لو كانوا يقدمون الشراب هنا لهان الأمر ولنمت وصحوت عند الشروق.

    أجئ هنا لأفرغ سمومي . الأرق ... وتلك الرغبة الغريبة للتحدث إلى شخص ما ... أشخاص حميمين ... لأحكي.

    في تلك المدينة الزجاجية ... كنت أترك الغجرية في غرفتي بالطابق الخامس لأنزل مسرعا إلى الكافيتيريا بعد أن أكون قضيت ساعتين بين أحضانها . هناك كنت أتناول القهوة السوداء وأدخن ، وأبحث في الوجوه عن شخص أتحدث إليه . وتنزلق عيناي علي الطاولات ... لأري الجميع يحتسون البيرة الدافئة وهم منهمكون في أحاديث طويلة لا تنتهي . أبتاعُ بعض السجائر وأعود إلى الغرفة لأجد الغجرية ممسكة كعادتها بغلاف اسطوانة من اسطوانات سولومون . كنتُ دوما اخشي أن يعود ويضبطها تتلصص علي اسطواناته . كان لا يطيقها . لم أتبين أنها غجرية إلاّ بعد أن افترقنا بزمن . كان شعرها أصفر (اكتشفت فيما بعد أنه مصبوغ) . غير أن ما حيرني أن عينيها كانتا بلون الكرات الزجاجية . رجتني أن أعلمها الإنجليزية ... والعربية أيضا . عندما أجد الاسطوانة بين يديها تدعوني للرقص.





    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-28-2008, 07:48 PM)
    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-30-2008, 04:42 PM)
    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-30-2008, 04:51 PM)
    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-30-2008, 07:41 PM)

                  

01-29-2008, 07:19 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    4
    **********
    Quote: انتبهتُ إلى حركة الباب ، ينفتح بطيئا كأبواب السحرة في المغارات.

    واندستْ مضيفتي بجانبي . كانت رائحة القهوة تفوح منها . رجوتها أن تمتطي صدري فرفضتْ . قلتُ الغجرية كان يستهويها ذلك.

    تركتني بعد دقائق ولم تنس أن تمنحني سيجارتين من صندوق أصفر يلمع في الظلام. و ديدي { أبنة مدينة الصقيع } كانت تدخن باستمتاع . كانت لها طقوس رائعات . أذكر ذلك جيدا الآن. عندما انسلت ديدي إلي غرفتي المعلقة بالأعالي كانت في أناقة سيدة محترمة . سيدة قادمة لتوها من العمل . أعطتني تلفونها خلسة في مكتبة عامة حين صادف أن جلستُ غير بعيد عنها . كنت منهمكا أقرأ وأدوّن . وحان موعد إغلاق المكتبة فرأيتُها ترسل نظراتها عبر الطاولة وتسحبها بسرعة . لم يبق غيرنا وموظفة المكتبة . في الردهة الخالية من البشر ناولتني ورقة بها رقم هاتف ، و تحت الأرقام المخطوطة بعناية ، اسم "ديدي".

    اتصلتُ بها من كابينة الشارع فيما بعد . أدهشني أنها دوّنت الوقت الذي يستحسن الاتصال فيه.

    - نعم أنا ديدي . وأنت ، أين تسكن ؟

    ثم….

    - عظيم . سأكون عندك غدا في تمام السادسة . انتظرني !

    و عند السادسة كان المطر ينهمر ويطرق النافذة . عندما نفضت "ديدي" مظلتها عند الانتريه رأيتُ أنها ترتدي نفس المعطف الذي رأيته أول مرة في المكتبة . لابد أنها قادمة من عملها للتو . لم تكن شابة . كنت أجد مشقة في تحديد أعمار النساء . هناك تجاعيد ظاهرة حول عينيها . وأسنانها مصفرة . صنعتُ لها قهوة سوداء فقالت:

    ـ في المكتبة ... كنتُ في حقيقة الأمر أتطلع إلى هذه

    السلسلة الغريبة حول معصمك . أين ابتعتها؟

    ناولتُها السلسلة . كانت من الخرز . تفحصتْها باهتمام.

    ـ يقولون أنكم تقرؤون بها الطالع . أليس كذلك ؟

    لا أذكر الآن تحديدا بم أجبتها ولكنني أتخيل وجهها الجاد ساعتها.

    أشارتْ إلىّ أن أقترب لتري باطن يدي . وأمسكتْ يدي براحتيها الاثنتين كما الطبيب. لفحتني رائحة صبغ شعرها المنظوم بعناية . لم يصدر منها ذلك النفح الأنثوي الخاص . وجهها الأبيض مربع العظام . جفناها يظللهما لون أزرق باهت . تخيلتُ أنها ترأس موظفين وموظفات في مكان عملها.

    ـ اسمك غريب كأسماء الأتراك.

    ـ هل لديك موسيقي ؟ أنا أحب الجاز . سآتيك

    باسطوانات منها وسنستمتع بها سوياً . ما رأيك؟

    تذكرتُ الآن أنها كانت أطول مني قامة وممتلئة قليلا . كانت في كل مرة تتناول فيها السيجارة تقدم لي ولاعتها الذهبية لأشعلها لها . كانت تفعل ذلك بإتقان . تضعها بين شفتيها المصبوغتين بلون فضي شفاف ، ثم ترفع وجهها ناحية اللهب الأزرق.

    عندما أمسكتُ يدها تنهدتْ بعمق وهمستْ:

    - الأفضل أن يكون الضوء خافتا.

    لبرهة فكرتُ أن الصوت قادم من أعماقها.

    ـ هل لديك شراب ؟

    اعتذرتُ وأنا أحس بالحرج . في الواقع لم أكن أحتفظ بأي شراب في غرفتي.

    - في المرة القادمة سآتيك ببعض منه.

    وقفتْ "ديدي" في الظلمة ووجهها يضيئه نور المدينة . خلعت سترتها أولا . ثم دارت تبحث عن مكان تعلقها عليه . غير أنها طوتها بعناية ووضعتها علي الكرسي. ورأيتها تفك حزامها ، وتزيح تنورتها ، فبلوزتها الناعمة شديدة البياض . ثم تجلس علي حافة السرير ، تسحب زوج الحذاء الأسود الطويل وتخفيه بعيدا عن الأعين خلف معبر الأنتريه . و تقف منتصبة في وسط الغرفة تماما . نور المدينة يتسلل عبر زجاج النافذة . ترسل "ديدي" ناظريها نحو الأفق . كأنها تريد تحديد موقعها في خريطة المدينة الضخمة . لم تتفوه بكلمة بل انحنت ترتب الفراش ، باسطة يديها بحركة رشيقة فوق اللحاف ، ضاربة بقبضتها الصغيرة حواف الوسادة ، وأيضا وبنفس الاستغراق اللطيف تتمدد بقوامها علي ظهرها ، كما تفعل الحسناوات فوق كراسي البحر . سوتيانها الأبيض مازال محبوكا حول نهديها.

    جاءتني مرة أخري بعد شهر . كنت لا أدخن إلاّ في حضرتها . كان طعم فمها حاذقا. مُرا بالتحديد . عندما اتصلتُ بها علي غير موعد ـ كان يوم أحد ـ أجابني صوت حلو لبنت يافعة . أتكون ابنتها ؟ . لم أتكلم وألقيتُ السماعة بهدوء.

    كانت "ديدي" تكره الحلفاء.

    - عندما كانت القنابل تنقض في وهج الليل ماتت أمي صريعة بالقلب . في أواخر أيام الحرب وأنا طفلة شاهدت لأول مرة جنودا يشبهونك . كانوا كالعمالقة . عيونهم تلمع كأنهم خائفون من شئ ما . أنت لست مثلهم . أنت دقيق الحجم.

    تواعدنا أمام محل يبيع ملابس الشتاء في وسط المدينة . قبيل رأس السنة . ابتاعت لي بلوفرا من الصوف ومعطفا.

    اصطحبتني إلي صف الملابس . اختارت بلوفرا وطلبت إليّ أن ألبسه أمامها، وأخذت تعدل ياقته السميكة حول رقبتي . تقترب وتبتعد وهي تتأمل . تقف خلفي أمام المرآة والبائعات يحملقن مندهشات (كانت تلك المرة الأولي التي نلتقي فيها خارج الغرفة).

    سهرنا تلك الليلة ـ في غرفتي ـ وحدنا نستقبل العام الجديد . أمسكت بيدي الاثنتين وقالت:

    - سوف أبحث لك عن غرفة أخري غير هذه . هذه باردة في الشتاء . سأزودها بثلاجة وموقد كهربائي كبير وتلفزيون ملوّن. سأتكفل بدفع إيجارها كل شهر . وسآتيك مرة في الأسبوع . ما رأيك ؟

    هبّت واقفة وهي لا تزال ممسكة بيدي.

    رجتني بإلحاح أن أقف إزائها ...

    ـ أراهن أنك لا تتعدى 170 أو 175 سنتيمترا علي الأكثر . وأن وزنك لا يزيد عن الستين . هل تعلم ؟ أستطيع حملك بسهولة بذراعيّ هاتين … هكذا ...

    استنشق رائحة الشمبانيا العطرة في أنفاسها . عيناها مثبتتان في عينيّ.

    ـ قد لا أكون صغيرة السن . لكن قوامي مازال

    بروعته الأولي.

    تراءى لي أنها ثملة . لم أرها كذلك من قبل . خطتْ نحو النافذة وفتحتْ زجاجها وأضاء وجهها بأنوار المدينة المتلألئة . تسلل البرد إلي عظامي . وهمست كأنها تحدث نفسها:

    - ما من أحد هناك . لا أحد ...

    عادتْ من النافذة وتوقفت . فتحت زجاجة الرّم المعتق . كانت جلبتها في كيس كبير من الورق.

    * الليلة سأشرب كما لم أشرب من قبل . فأنا أحتفلُ بأول سنة جديدة معك.

    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-30-2008, 07:24 PM)

                  

01-30-2008, 05:02 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: عندما دقت الساعة المنبعثة من الراديو منتصف الليل صعدت "ديدي" إلى الطاولة الوحيدة في غرفتي . أمرتْني أن أرفع تون الراديو إلى أقصي مدي وأوصله بسماعات الاستريو التي ابتاعتها لي.

    ضجتْ جدران الغرفة بإيقاع الموسيقي الفخم . صوت الشيللو والكونترباس والأبواق النحاسية . صاحت:

    - يا للروعة . دعني أقبله ... هبني إياه.

    "ديدي" فوق الطاولة . تزيح الزجاجات بقدميها العاريتين . ترقص منتشية . ترخي يديها فوق رأسها و تدور وتهتز . لم أر من قبل رقصا بتلك الروعة . ذكرتني رقصة زوربا الشهيرة التي أداها أنتوني كوين . كانت ترتدي زي السهرة كاملا. كأنها ذاهبة إلى حفل أرستقراطي في مطعم فخم . كأنها نجمة قديمة من نجمات السينما . عيناها تبرقان ... تماما كأضواء المدينة في الأفق. خّيل لي أنني رأيت دموعا منهمرة علي خديها المثقلين بالأصباغ . تناولتُ يديها ودعوتها أن تتوقف. كانت تبدو شاحبة.

    وفجأة تسحبْ يديها . وتقفز صوب زجاج النافذة المغلق . وأمسكُ بها في اللحظات الأخيرة كما اعتقدتُ والهلع قد استبد بي . وأضغطها إلى الأرض بكل ما أستطيع. كانت تبكي وتنشج، وتغطي وجهها بيديها.

    تلك الليلة نامت بملابسها كاملة.

    عندما صحوتُ في الصباح الباكر كانت "ديدي" قد اختفت.

    فارتديتُ معطفي ، وأحكمتُ رباط حذائي الثقيل . هبطتُ درجات السلم ، والبناية كأنها هُجرتْ منذ زمن.

    خرجتُ إلى الشارع.

    كانت المدينة الضخمة ، مدينة الأبنية الزجاجية ، ما تزال نائمة . أشجارها ، وحواف نوافذها ، مغطاة برغوة ناعمة من الثلج ، مثل رغوة الصابون الطازج . ربما لم تر بياضا بهذه السكينة من قبل . لا مركبات . لا مارة . فقط الصليل الخافت لعربات الترام في شوارع أخري بعيدة . أو الأزيز المبهم القادم من مكان ما من جوف الأرض.

    داهمك إحساس بأنك وحدك في تلك الغابة النائمة في ضوء الصباح الخافت . في تلك الساعة من الزمان. تستنشقُ هواء المدينة بأكمله . الهواء الذي طالما سمعت أن الثلج ينظفه من السخام.

    قبل سويعات كانت "ديدي" بجانبك . وها أنت تخب الآن بلا وجهة علي الأرصفة والممرات الخالية . عطلة أول يوم في السنة الجديدة . والمدينة يبدو أنها هجعت بعد أن أخذت متعتها كاملة ليلة رأس السنة ، تحت أغطية الصوف وغُرف الهواء الساخن. بعد عام من طقوس العمل وتراتيله التي لا تنقطع . تتخلله قبلات مخطوفة علي الأركان ومقاعد القطارات اللاهثة ... فوق الأرض ... وتحت الأرض.

    بدت المدينة في تلك الساعة باذخة ، ذات سماء مثيرة . من أين أتوا بكل تلك الأموال ... كل تلك الفنون ليشيدوا مثل هذه القلاع السحرية.

    رأيتُ الحمَام يركض نشطا علي الساحة الخالية المبلّطة بالرخام . كأني أري الحمام للمرة الأولي . حمامٌ نظيف داكن الزرقة . لم يأبه بي كما توقعتُ . وحمام أسود مرقط بالأبيض . الكل نيام صبيحة رأس السنة . في تلك الساعة تشتهي النفس جريمة مروعة بسعة المدينة وامتدادها الخرافي . جريمة موغلة في الدم . تكون أنت شاهدها الوحيد . عندها سوف لن تتجاوزك عيون الجميلات ، كما اعتدن في في تلك الشوارع الصقيلة . وفي ردهاتها وكنبات حدائقها المتناثرة . يتحسسن أطراف حقائبهن ، المعطرة ببقايا الدخان الفاخر ، وتشرق وجوههن الجادة بطرف ابتسامة ، تحيةً لك . ستقبل كاميرات التلفزيون ، ومخبري الصحف ، يسألونك ... عن شكل الجناة ، بما أنك الشاهد الأوحد . ساعتها ستدخل يديك في جيوب سترتك ، وتتحدث بثقة ، وسيجارة مشتعلة دافئة في فمك.

    تابع.......

    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 01-30-2008, 07:58 PM)

                  

01-31-2008, 07:16 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: لمعتْ كل الفلاشات في خاطرك . لابد أن "ديدي" قطعت المسافة سيرا إلى منزلها الذي لا تعلم أنت مكانه بالتحديد.
    سرتَ بجانب الحديقة الضخمة . كانت المحلات علي الجانب الآخر من الرصيف مغلقة . مع من تسكن "ديدي" ؟ هل لديها أسرة ؟ أنت لا تعلم … إذ لم تكن تتكلم عن حياتها الأخرى . عندما تكون معك … تنسي العالم . أحيانا وفي المرات القليلة التي كانت تبيت فيها معك تستيقظ في الخامسة تماما لتمضي إلى عملها . أين تعمل بالتحديد ؟ عندما تلح عليها بالأسئلة تقول لك وابتسامة عريضة تغطي وجهها الأمومي:
    - وما أهمية ذلك ؟ هل ستطردني إن لم أقل لك ؟

    بعدها بأيام جاء المحقق وطرق باب غرفتك عند الظهيرة.
    كنت تسمع الطرقات وأنت متكئ علي إطار النافذة المغلقة . كنت ترقب الناس من علٍ . وكنت تراهم يمشون علي الأرصفة. تغطيهم ملابس الشتاء ، وبرغم ذلك تتسلل الهمهمة الأزلية إلى مكمنك ، صرير الترام و أسلاك التروللي بوس، السيارات الفارهة والسيارات العادية ، ورأيت نساء حسناوات يقدن مركبات مصقولة . وتفكر وأنت تغادر النافذة لتستجيب للطرقات غير المعتادة ، أنك طالما لمحت مثلهن لبرهة وأنت تعبر خطوط المشاة البيضاء عند الإشارات . تراهن يحدقن في لا شئ. قد يرمقنك عندما تكون عبرتَِ فعلا ، قبل أن يختفي شبحك خلف الأركان.
    أخذك المحقق في سيارة ليموزين سوداء . طلب إليك الجلوس في المقعد الخلفي . كان في غاية التهذيب . دار بك كل شوارع المدينة وصوت العجلات يخترق الجليد الذائب المخلوط بالملح . قادك إلى مكتب في مكان ما من المدينة . وهناك وأمام محقق آخر، أرفع رتبة منه ربما، أخبرك أنها اختفت فلم تصدق . جلستَ معهما هناك ساعات طويلة . قال إن هناك بعض الشكوك . انه فقط يريد الحصول علي بعض المعلومات مني . لأنهم عثروا علي رقم تلفون شقتي الصغيرة داخل إحدى حقائبها . دهش المحقق حين ذكرتُ له أنني لا أعرف أين تسكن ولا أين تعمل ... وان كل ما أعرفه هو رقم تلفونها . وكانت دهشته أكبر عندما ذكرت له إن اسمها "ديدي" . "ديدي"! ... "ديدي" من ؟ . لا تعرف . "ديدي" فحسب . لكن هذا ليس اسمها الحقيقي . يقول المحقق الكبير.
    اعتذر الرجلان عما بدر منهما من إزعاج "لم يكن هناك داع له" كما ذكر المحقق الأول ، ولكنه إجراء شكلي وقانوني يتعين عليهما اتباعه.
    كانت قد اختفت أياما عديدة قبل زيارة المحقق . تذكرتُ أني اتصلتُ بها بالتلفون ولا جواب . ونسيت أمرها . إذ أنها حتما ستأتي . فكرتُ أنها أصابها السأم . فقد ذكرتُ رقصتها المجنونة .

    أذكر الآن صورتها التي أهدتنيها وهي تقف وسط حديقة مزهرة. صورة بالأبيض والأسود . بدت كنبيلة من أسر أوروبا القديمة . لا أدري أين أضعت تلك الصورة . لو كانت معي هنا في هذه المدينة المختلفة؟

    استيقظتُ قبل شروق الشمس علي ما أظن . ربما كانت بعيد السادسة . لا بد أنني نمت ساعتين . سأنتظر حتى تأتي المرأة الأولى لتأذن لي بالخروج . كانت الغرفة غارقة في الظلام . والهدوء ما يزال نائما علي النافذة التي لا أراها ... تخفيها ستائر لم أتبين لونها الحقيقي أبدا . أحسست بالجوع الذي حرضه أرق الليل . دخلت المرأة مسرعة فقمت واتجهتْ إلى الحمام . قلت لها "صباح الخير " فلم تكترث . كان شبحها منهمكا بترتيب السرير الضخم ووضع كل شئ في مكانه... في الظلام. أمسكتْ بيدي أن انتظر حتى تستطلع الشارع . رأيتها تحدق عبر العين السحرية ثم تفتح شراعة الباب بهدوء وتمد رأسها المقنّع تستطلع الدرب.
    منظر الحي عند بزوغ الصبح يبدو مختلفا . لا حركة في الشوارع سوي همهمة شاحنة منطلقة في الشوارع القصيّة . لا أثر لطيور مشقشقة ، فالحي يكاد يخلو من الشجر . ولا أثر لطيور البحر الذي هبت أنفاسه متدحرجة علي الشوارع المتربة. سرتُ بين الأزقة حاملا ثقل رأسي وأرقي إلى حيث عربتي.



    تابع..........
                  

02-02-2008, 01:41 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    الكاتب عبدالفتاح عبدالسلام ..يرد عى الأستاذة / سلمى الشيخ
    ****************************************************************
    توصلنا من كاتب الرواية / عبدالفتاح عبدالسلام برد على ماورد في مقال قصير للأستاذة / سلمى الشيخ حول الرواية ، قالت فيه :
    Quote: كتابة تنطق بالذات اكثر مما تنطق باى خصيصة اخرى
    لكنها فى المحصلة النهائية ممتعة
    سرد يتقافز من حالة لاخرى
    وتتكون الصور هنا وهناك منذ دخوله الى تلك الشقة
    الى حيث وقف السرد
    وان شاب بعض المناطق بعض الترهل السردى
    فى اعادة الافكار
    وتثبيت الظلام كبطل
    من خلال السرد تحس انه فى بيت ما
    ونساء لاتراهن الا فى سياق السرد
    وصديقة تتوفر فى النص كبطلة موازية للظلام(آن النيجيرية )
    لكن المكان الاكبر ليس واضحا
    تارة تحس انه باريس
    واخرى تحس انه لندن
    ربما فى سياق الرواية حين نطالعها كاملة ربما تعرفنا الى خصوصية المكان
    حيث يشرح لنا انه طالب فى مكان ما فى هذا العالم دون تحديد
    فى النهاية نحن امام روائى يذكرنا بكتابات عريقة
    تشابهت ملامحه والى حد كبير مع ميلان كونديرا
    اتمنى ان نتابع ما تبقى من الرواية
    وارجو ان تراجع الاخطاء الاملائية حتى لا تفسد متعة القراءة
    شكرا لك على اشراكنا فى هذا السفر الثمين

    وهذا رد عبدالفتاح :
    Quote: لأستاذة سلمي
    لقد أسعدني بحق تنويهك بالفصل الأول من العمل الأول لي
    ومن المؤكد أنك أطلعت علي الجزء الأول الآن
    ولا شك أن إضائتك للنص الآن - ومستقبلا - ستضيف بعدا جديدا له
    وأسفت حقا للأخطاء الاملائية في النص الالكتروني وآمل أن نتفاداها في النصوص المقبلة
    أستاذة سلمي
    قرائتك ستغنيني كثيرا فلا تبخلي بالاضاءة والملاحظات
    و قد أدهشني تشبيهك للنص بأعمال ميلان كونديرا رغم أن الأستاذ أحمد عبدالمكرم وجد هناك تناصا مع غريب كامو والأستاذ احمد الصاوي
    مع خالص مودتي

    عبدالفتاح
                  

02-03-2008, 09:20 AM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    غلاف رواية الأسرار
    ***************************

    لنتابع فصول الجزء الثاني من الرواية ....
                  

02-05-2008, 06:58 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    قراءة للرواية للأديب محمد جميل احمد
    *******************************************
    نشر الأديب والشاعر السوداني / محمد جميل احمد مقالا في صحيفة الحياة اللندية حول رواية الأسرار:
    Quote: قراءة في رواية : (الأسرار) للكاتب السوداني عبد الفتاح عبد السلام

    ذات مرة ، تسائل الروائي السعودي(عبده خال) عما يمكن أن يكتبه المبدعون العرب الذين يعيشون في السعودية ؟ خصوصا في الرواية ، ربما رغبة منه في معرفة الأصوات والمصائر الأخرى التي يمكن أن تكتبها الرواية عبر أولئك المبدعين ، وما إذا كانت تتقاطع مع بعض النصوص الروائية المحلية ، أم تختلف عنها ؟
    في رواية (الأسرار) للكاتب السوداني المقيم في الرياض الصديق :عبد الفتاح عبد السلام ، والصادرة عن دار (كاف نون) بالقاهرة 2004 ، ما يتناظر مع ذلك التساؤل بطريقة لا تكشف عن غربة النص الروائي غير السعودي فحسب ؛ بل تكشف عن مستويات عديدة لمعنى العيش بين زمنين ؛ ففي هذه الرواية التي تحمل اسما ً كثيف الدلالة والغموض ، لا يكتشف القارئ أسرارا داخل متنها السردي ، فالأسرار ليست موضوعا للرواية ، بل هي طريقة السرد الروائي الذي يحيل على طريقة العيش في الزمن الموازي لحيثياتها . ذلك أن الأسرار هنا تضفي على متعة الجسد ومسراته غموضا ورهبة في تلك (المدينة المسطحة) !؟
    يتعرض البطل / الراوي لكمية هائلة من الخوف والاحتقان حين يهرول ملتفتا في إحدى الحارات الشعبية بحثا عن ما يطرد به جفافه العاطفي بعد ثمانية أشهر منذ أن هبط إلى هذه المدينة . لكن مشقة البحث عن هذا المنزل وخطورة الوصول إليه تعرضه لأهاويل يوشك أن ينسى معها غاية البحث : (كنت قلقا ومرعوبا في آن) .
    وهكذا حين يجد البطل نفسه داخل غرفة معتمة تحت جنح الظلام وصل إليها ـ عبر مجموعة من المرشدين السريين ـ في حارة تعج بالأجانب والمارة ، ينتظر طويلا في الظلام بحثا عن متعة مجزوءة وغامضة مع امرأة أفريقية يعجز عن رؤيتها وراء البرقع ، فضلا عن سحنتها السمراء . في الأثناء يستحيل الانتظار إلى مونلوج داخلي ، هو تقنية الرواية الحقيقية . فالبطل الذي عاش شطرا من حياته في مدينة أوربية مفتوحة تعج بالمسرات الدنيوية يهبط فجأة إلى مدينة مسطحة !؟
    منذ الصفحات الأولى للرواية تفيض العتمة التي يغرق فيها الرواي بولوجه لتلك الغرفة المظلمة في انتظار زائرة غريبة ، وطوال فترة الانتظارـ التي تمتد إلى صباح اليوم التالي ـ يشتاق الراوي لعادته المزمنة ، أي حاجته للكلام مع شخص يطرد عنه الملل والظلام : (في هذا المكان قد تحتاج أيضا لصيد الملل) وفي تلك الساعات الطويلة تنهمر التداعيات المتناظرة بين المدينتين ، فبالرغم من أن البطل يطول به الانتظار لقضاء لحظات عابرة مع جسد لا يراه في الظلام ، يرتد عبر هذه المغامرة المكلفة والبائسة ـ في غمرة التداعيات ـ إلى تلك المدينة الألمانية ونساءها ، حيث يمارس الكاتب تقنية التقطيع السينمائي وهو يتأمل مسراته بين مدينتين تنبذ إحداهما الأخرى ، ذلك أن التفاصيل التي تحيل على طريقة العيش ، ومناخ البهجة ، وطلاقة
    الحياة الحميمة في تلك المدينة الأوربية ، تأتي في ذلك التقطيع كفسحة لذلك الجسد المسجون والمختنق في هذه المدينة المسطحة .
    مع ضغط الرغبات تتحول حياة البطل ،الذي يعمل محاسبا بشركة أمريكية ، إلى بحث دائم عن توازن عاطفي للجسد عسير المنال ، بحيث تغدو طرق البحث عن حياة أخرى للجسد خارج زمن المدينة المسطحة بـ(تلك العمارات التي لا يطل منها أحد) هي الأسرار التي يعيشها يوميا ، ويراها في عيون المارة : (أولئك الذين تحرقهم الرغبة في اختراق جسد تكسوه بعض النعومة ، ليتمكنوا من مغالبة العيش لأيام كثيرة قادمة) .وخلال تلك التداعيات تستعيد (ذاكرة الجسد) مسراتها العابرة وتتأمل التجارب الفردية المتنوعة ، والتي عادة ما تختلف باختلاف النساء في تلك المدينة ، حيث يكتشف الراوي حالات مأساوية لنسائه تضفي على ذكرياته المستعادة علاقات إنسانية ، ومشاركة وجدانية تعقب تلك التجارب .
    يتحرك فضاء السرد في عوالم متداخلة . إذ يصاحب التخييل المستعاد عن المدينة الأوربية ذات ( الواجهات الزجاجية والشوارع المغسولة) عالمه المعتم في المدينة المسطحة ، ويبدو هذا الاستصحاب تعويضا مجازيا للجسد الذي يفيض بالحرمان .
    بينما يتحرك السرد الروائي في القسم الثاني من الرواية في فضاء سوداني داخلي وخارجي . الخارجي هو أيضا تداعيات للمحيط الداخلي . ذلك أن غربة الرواي المزدوجة ، عن المدينة وعن محيط الشركة الأمريكية التي يعمل بها ، ترده إلى محيط ضيق يرتبط بعلته الأولى في هذه المدينة . فـ(زهرة) التي يتعرف عليها الرواي ، تصبح منذ اليوم الأول للقاء تعويضا لذلك الحرمان العاطفي دون أن يتحول ذلك اللقاء إلى متعة جسدية مباشرة. فهو يرتبط مع زهرة ـ التي يكتشف في أثناء الحوار معها أنها كانت تسكن نفس الحي الذي عاش فيه الرواي طفولته بالخرطوم ـ بهامش ناعم يسمح له بالعيش في علاقة إنسانية سوية معها ـ لكن هذه العلاقة تبدو أكثر من كافية ، قياسا إلى الجفاف الذي يلقاه الإنسان في هذه المدينة . ذلك أن زهرة التي عاشت طويلا في هذه المدينة أدمنت الحرمان الذي فرضته عليها . فجسد (زهرة) يقول الراوي ( بدا لي أنه استسلم منذ زمن للموات ... ضاع في هذه المدينة ذات النوافذ الكثيرة التي لا تفتح أبدا) ..الخوف هو سجن الجسد في هذه المدينة ، وحين يدمن الراوي ترديد الهواجس إزاء مغامرات الجسد ، تكتسب علاقاته بزهرة حظوة منقوصة لكنها تصبح عالمه الأثير بعد الساعة الثالثة ظهرا حين يغادر مقر الشركة إلى مجلسها الذي تدير عبره علاقات غامضة مع سيدات المدينة ، تتمكن عبرها من قضاء بعض مشاكلهن الزوجية عبر الوصفات والأعشاب ... طوال النص لا يذكر الراوي اسم المدينة إلا بوصف عام كالبحر ووصف الحارات الشعبية ، في تأويل ربما كان انعكاسا لمشاعره ورغباته الضائعة فيها (عامان ونصف منذ هبوطي هذه المدينة ولا أقدر حتى الآن تحديد جهة الشمال من جهة الغرب) وخلال هذين العامين يتدرب الرواي على الخوف من الجسد حتى في محيط آمن مثل محيط الشركة الأمريكية ، فحين تلامسه مسز( فليروود) بجسدها عبر حركات حسية عابرة ، ينتفض خائفا ً ، بالرغم من إدراكه أن هذا العرض الذي يجده من زميلته الإنجليزية هدية نادرة في مكان آمن ( إنها ببساطة تمد حبل غوايتها ، وهو أمر لن تظفر به في هذا الجزء من العالم) هكذا يتحول الخوف من الجسد إلى عاهة نفسية ، بعد أن عانى الرواي من ضغوط هائلة كلما ذهب إلى تلك الغرفة المعتمة في الحارة الشعبية ، خصوصا بعد أن سمع بجريمة قتل في ذلك الحي بعد يومين من زيارته الأخيرة . فقد كان النظام الدقيق الذي يعبر متاريسه إلى تلك الغرفة من ذلك الحي يثير فيه رعبا ً لو اختل هذا النظام ، ربما وجدوك ملقى في صندوق القمامة في طرف الحي) ولكي يمنح خوفه معنى في محيط الشركة ظن الراوي (رغبة) مسز( فليروود) باعتبارها شركا تنصبه له تمهيدا لطرده من الشركة ، فعلاقته بمحيط الشركة الاجتماعي كانت مقطوعة تماما . ولكن ما يثير التساؤل هو أن الراوي ، الذي عاش طرفا من حياته في مدينة أوربية مفتوحة ، كيف يمكن أن نفسر عزلته عن محيط الشركة ؟ ربما كان ضغط الخوف وإغواء مسز فليروود ، وتعرفه على زهرة كل ذلك أدى به إلى تلك الحالة من الغربة عن محيط الشركة والمدينة في آن ، ولذلك يستغرب الراوي إحساس زملائه في الشركة ببعده عنهم والاندماج في جو المدينة !: (كيف يقضون ليلهم في هذه المدينة الغريبة عنهم ... أم هل يظنونني واحدا من أهل المدينة لمجرد أنني أتحدث لغة أهلها واسمي لا يختلف كثيرا عن أسماء أهلها) فغربة الرواي المزدوجة عن المدينة وعن محيط الشركة تحيل إلى رغبته في حياة مدنية مفتوحة أكثر من رغبته في توثيق علاقات مقننة بطبيعة العمل ومغلقة بطبيعة حياة المدينة! (في هذه المدينة لا حاجة لارتداء بدلة كاملة) ربما كانت غربة الراوي في المدينة بسبب سحنته السمراء ، التي تغاير سحنة المدينة ، فترده إلى سحنته (الآفروعربية) الهجينة ، التي يتناظر عبرها مع سحنة (زهرة) الأفريقية الصافية وشعرها المذبذب، وبالرغم من أن فرز الهوية الإثنية في المجتمع السوداني ينطوي على إشكال ثقافي لا عرقي ، إلا أن الفوارق الطفيفة بين الأعراق تكتسب اهتماما شعبويا بصفاء متوهم ، يقول الراوي ( منذ الطفولة تدربنا على التحديق في جذور الشعر) كأن الشعر يضفي صفاء ً مخصوصا على هوية الشمال السوداني !؟ وكما يخضع الرواي ضحية للخوف حفاظا على الجسد ، يخضع للعلاج من الأرق على يدي (زهرة) التي تدلك جسده بحواس ميتة !؟ ومع خوف الراوي من فقدان وظيفته في الشركة يلجأ إلى علاقات زهرة التي تساعده في البحث عن وظيفة أخرى مقابل بعض الخدمات التي يقدمها لها . وهكذا تتحول العلاقة بين الراوي الأفندي ، وزهرة صاحبة (الودع) إلى مصاف تنتفي معها المكانة الاعتبارية وترتد إلى علاقة خدمية ـ إن صح التعبير ـ فالراوي خوفا من يومه الأخير في الشركة ، يستجيب إلى مطالب (زهرة) بطريقة سينيكية تنتهي به إلى (خناقة) وصراع مع (نعمات) عدوة زهرة اللدودة ، مطالبا إياها بمبلغ كبير كانت استلفته من زهرة... يرتفع صراخ نعمات داخل المنزل فيخنقها بوساده وحين ترتخي أعضائها وتهدأ يتسلل من منزلها عائدا إلى غرفته، دون أن يدري حتى ما إذا كانت ميتة أم لا؟ .. ينتهي الراوي إلى غرفته ويستمر في الوصف بضمير المتكلم الذي هو صوت السرد(أسند ظهري إلى الحائط . أفكر في غلق التلفزيون ولكني أغلق الصوت وأبقى مع الصور المتحركة تشع في الظلام) هكذا تنتهي رواية (الأسرار) دون أن نعرف أسرارها إلا بذلك التأويل الذي أسلفناه سابقا ، فأن تعيش الأسرار أخطر بكثير من أن ترويها !؟
    *****
    محمد جميل احمد

    ترقبوا قريبا نشر الجزء الثاني من الرواية
                  

02-05-2008, 10:17 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    العزيز عمر عبد السلام ... تحياتي
    شكرا على إعادة نشر المقال النقدي الذي كتبته ـ بصحيفة الحياة اللندنية ـ عن رواية (الأسرار) لشقيقك وصديقنا الأستاذ عبد الفتاح عبد السلام .
    حين دخلت هذا البوست ورأيتك تسلسل أجزاء الرواية ؛ خطر على بالي أن أعيد نشر المقال مرة أخرى في خانة الرد ، ولكنك سبقتني ، فشكرا لك .
    طبعا أنا وفتاح نتواصل هاتفيا من حين إلى آخر .
    تحياتي لك ولفتاح
    محمد جميل
                  

02-08-2008, 06:01 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: شكرا على إعادة نشر المقال النقدي الذي كتبته ـ بصحيفة الحياة اللندنية ـ عن رواية (الأسرار) لشقيقك وصديقنا الأستاذ عبد الفتاح عبد السلام .
    حين دخلت هذا البوست ورأيتك تسلسل أجزاء الرواية ؛ خطر على بالي أن أعيد نشر المقال مرة أخرى في خانة الرد ، ولكنك سبقتني ، فشكرا لك .

    زميلنا العزيز / محمد جميل
    القلوب عند بعضها
    بالتأكيد كان مقالك النقدي الرائع عن الرواية محل تقديري ولاشك تقدير كل من أطلع عليه سواء في صحيفة الحياة اللندنية او المنبر ، فكان لابد من اعادة نشره في البوست حتى تعم الفائدة مع نشر فصول الروية التي اتوقع نشر الجزء الثاني منها على المنبر قريبا [/B
    -******
                  

02-12-2008, 06:55 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    الجزء الثاني من رواية { الأسرار }
    ************************************
    Quote:




    5

    قضيتُ نهار العطلة نائما وأثر صداع في مؤخرة رأسي.

    ثمة رغبة مبهمة في الخروج لأختلط بالجموع وسط مدينة البحر . قدتُ عربتي ورطوبة المساء تتمطى برائحتها علي الشوارع . عبق الملح وأكسيد الكربون . وفي سوق تظلله فسقية طويلة رأيتُ أناساً كُثر تحت أضواء المحلات . دخلتُ محلا لأنظف نظارتي التي اتسخت حواف عدساتها بفعل القِدم . حاول البائع الآسيوي التعبير عن استيائه بلي فمه . بما يعني أنهم هنا يبيعون البصريات ، لا ينظفون ما اتسخ منها . و لكنه تناول النظارة بلا اهتمام وراح يدعكها بعد أن صب سائلا من زجاجة . أخذتُ عويناتي بعد أن شكرته وفضلت العودة لغرفتي.

    صباح السبت كان عليّ أن أراجع ملفات كثيرة تحتوي أوراق شحن البضائع . عمل ممل ولكن لا مفر ... فهو مجزٍ علي نحو ما . فكرتُ في الليلة السابقة . لا أعلم أن كنت سأذهب إليهن مرة أخري . كنت قلقا ومرعوبا في آن وأنا في الظلمة أغالب النوم والكوابيس . طيف ديدي كدّرني كثيرا . لا أعلم حتى الآن كيف اختفت. انتبهتُ إلى صوت زر كاميرا وضوء الفلاش ومسز فليروود تنحني أمام الباب لتلتقط صورا لي.



    ـ سأعطيك صورة أو اثنتين غدا ..

    وأضافت بنغمة متوددة:

    ـ تبدو متعبا . هل نمت جيدا ؟

    ـ بلي I'm all right

    هذه ليست مسز فليروود التي أعرفها منذ شهور . ما أشبهها بديدي . من حسن الحظ أنني اهتديتُ إلى ذلك البيت السري وإلاّ كانت أرعبتني . داهمني إحساس غامض أنها تحصي حركاتي . سألتني أمام شيخو:

    - لماذا لم تأت البارحة لتتعرف علي الممرضات الإنجليزيات؟

    كانت تشير إلى حفل خاص في منزل المدير . لبرهة اعتقدتُ أنها همست لشيخو:

    "ربما يخاف الفتيات"...

    صباح اليوم التالي ، وكان يوم أحد ، حمل إلىّ شيخو برقية مزيلة باسم خالي "والدتك توفيت . دفنّاها بالأمس . جعل الله الجنة مثواها".

    اندفعتُ داخل مكتب مسز فليروود وجلستُ علي الكرسي الملاصق للطاولة . أبدتْ تأثرها وسألتني إن كانت عانت من مرض ما.

    جاء المدير وقدم عزاءه بكلمات صادقة . مددتُ له يدي وربما كنتُ ساعتها أغالبُ حشرجة في الحلق . ذكرَ أنه يمكنني أخذ ما أحتاجه من مالية المكتب لشراء التذاكر والسفر لحضور المأتم . شكرته . وناولتني مسز فليروود مرتب الشهر مقدما. وأوصت شيخو أن يأخذني لوكالة السفر.

    شيخو حاول تعزيتي بطريقته:

    - أموال الدنيا ما تسوا موت واحد عزيز.

    وجدتُ كلماته حقيقية مع ما خُيل إليّ من تهكم خفي محبوك بنبرتها . قاد سيارة الشركة بصمت وأوصلني إلى وكالة السفر . أدهشني أني كنت أجهل مكانها تماما. موظفو الحجز والتذاكر يؤدون عملهم بميكانيكية لا تخطئها العين . تولي شيخو مهمة شراء التذكرة وتحديد موعد السفر . ويبدو أنه لاحظ شرودي . في واقع الأمر كنتُ أحدق في الأشجار التي اصطفت علي رصيف المبني . كأنني أري الشجر لأول مرة.

    لم أنتبه إلاّ في السيارة وهو يكرر بإلحاح:

    - الطائرة ستغادر صباح الغد.

    و من غرفتي الصندوقية التي عدتُ إليها منهكا رأيتُ الشوارع والبنايات بعيون أخري.


    ***************

    نتابع ....

    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 02-12-2008, 07:25 PM)
    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 02-12-2008, 07:27 PM)
    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 02-12-2008, 07:34 PM)

                  

02-13-2008, 05:04 PM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)


    ابو انس كيفنك
    شغل نضيف والله

    نسختي بجي اشيلها منك
                  

02-13-2008, 05:32 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: نسختي بجي اشيلها منك

    شكرا ابوريم على المرور .......نسختك في الحفظ والصون
    مرحب بيك اي وقت لتجد - الأسرار - - في انتظارك
                  

02-13-2008, 06:54 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    نتابع فصول الرواية
    *************************
    Quote: سافرتُ إلى الخرطوم وعدتُ في أسبوعين ويوم.

    عند الثامنة ودقائق من صباح السبت كنتُ أقف عند مدخل مكتب المسز فليروود . كانت كما عهِدتها تدخن بهدوء . تحدق في أوراق علي آلتها الكاتبة . قلت لها بكلمات حيية أنها يمكنها اقتطاع أسبوع من مرتبي لأني قضيتُ ستة عشر يوما اضطرارا ، لوفاة أمي . لم ترفع رأسها عن آلتها الكاتبة . وأظنها لم تحفل بالرد عليّ.

    في مكتبي وجدتُ أكواما من أوراق الشحن الواردة باسم الشركة . دهشتُ لمرأى تلك الأوراق . كأن أحدهم أفرغ جوالا منها هناك . شرعتُ في فرزها متمهلا وحزن أثيم يحوم حولي . فاجأني صوتها وهي متكئة بقامتها علي إفريز الباب المفتوح:

    ـ المدير يود التحدث معك.

    صوتها أجوف هذه المرة.

    وأنا أخطو متثاقلا نحو مكتبه في آخر الرواق توقعتُ أن يعيد علي مسمعي تعاطفه الذي أبداه قبل سفري . حييته تحية الصباح ولكنه لم يردها.

    أمرني بالجلوس علي أحد المقاعد الملاصقة للحائط . كان صوته مضخما . كأنه مقبل علي أمر عظيم . رأيته يسرع نحو باب مكتبه ويغلقه ، ويسألني عن سبب تأخري في العودة إلى العمل.

    هناك شئ ما في الأفق . يبدو أنه لم ينم الليل . شعره الأشهب مشعث قليلا كأنه مشطه علي عجل . عينان واسعتان . مائيتان . لأول مرة أتبين لونهما عن قرب. لون الرصاص الفضي السائل.

    جاهدتُ للدفاع عن نفسي . ذكرتُ له أنني رجوتُ شيخو ونحن قادمين من وكالة السفر أن يبلغ مسز فليروود أنني سأعود بعد أسبوعين.

    ـ لكنك لم تخبر مسز فليروود قبل سفرك أنك سوف تتأخر كل

    هذه المدة ...

    كانت عيناه تتضخمان لتصبحا بحجم الحوائط.

    - اسمع ! انك تستحق ثلاثة أيام فقط في مثل حالتك ، وفقا

    لقانون الشركة هنا في هذه المدينة أو إدارتها في لندن أو فروعها في أية بقعة في هذا العالم . ولكنك أمضيت ثلاثة أسابيع ‍‍‍‍‍‍‍‍! ثلاثة أسابييييع ...

    ـ لقد حاولتُ ولكنني ...

    ـ لقد قررنا الاستغناء عن خدماتك بنهاية الثلاثة أشهر القادمة

    ...

    أُسقط في يدي . غمرني إحساس طاغ باليأس والرجل مسترسل في استخدام سلطته المهيمنة. وأذهلني عندما أشار إلى أن المستر ثورو والمسز فليروود رأياني في أكثر من مناسبة وأنا أحملق عبر النافذة إلى أعالي الأشجار والبنايات في الشارع المقابل . و يسألني الآن إن كنت أشتكي من علة ما.

    أذكر أنني تمتمت بكلمات لا أدري إن كان لها معني . غير أن الرجل الجالس إلى المكتب العالي بدا كأنه مصمم علي المضي إلى نهاية الشوط . ولكنني أقول مستعطفاً:

    ـ أرجو أن تمنحوني فرصة.

    ـ أجرك في السنة يقارب أجر نائب مدير المكتب هذا . ثم أنك

    لا تحفل بنا . لا تسأل عنا ولا تخالطنا بعد ساعات العمل

    الرسمية...

    ـ يمكن خفض مرتبي إن كنتم ترونه كبيرا ... و ...

    جاء الرد صاعقا :

    ـ إنني لا أعبث هنا ، و"I'm not an Arab Sheikh" ....

    قام من مقعده إيذانا بانتهاء الكلام ، فاتجهتُ إلى مكتبي في نهاية الممر . ولمحتُ مسز فليروود ، ولكني توجهتُ رأسا حيث جلستُ إلى مكتبي وانكببت علي الأوراق . ورقة اثر أخري ... حتى آخر النهار . لم أكلم أحدا ولم يكلمني أحد . عقلي يعمل كمكبس. كان في حقيقة الأمر خاويا ... إلاّ من الأوراق والملفات التي تكومت أمامي.

    تابع........
                  

02-14-2008, 06:02 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: مكثتُ في المكتب بعد أن انصرف الجميع بعيد الثالثة . وفي البيت لم أستطع النوم رغم التعب الذي يقطر من دماغي . كنت فقط أحدق في أثاث الغرفة.

    خرجتُ إلى فناء البناية . انتبهتُ إلى الأشجار والحديقة الصغيرة المهملة . ثمة رغبة غير عادية في التحدث إلى شخص ما.

    رأيتُ شبحا يجلس في ظل المبني المجاور . المبني تحت التشييد . لا بد أنه حارس. كيف لمْ أره من قبل ؟ رفعتُ يدي ناحيته فصاح:

    - أهلا إتفدل !

    من أي ناحية هو ؟ أو بالأحرى من أي قبيلة من قبائل تلك البلاد الشاسعة التي يفترض أنني أحمل هويتها؟ اتجهتُ إليه فدعاني للجلوس علي حصيرة بجانب الحائط. بدا مسنا ، ذا بشرة داكنة وشارب أبيض ، ولحية صغيرة ، بيضاء أيضا . ملابسه ريفية بسيطة . يبدو قويا رغم ضآلة بنيته . ثمة وعاء كبير لحفظ الشاي الساخن. صبَ لي كأسا . كان يتحدث بلكنة صعبة.

    حكيتُ له أن أمي ماتت قبل أكثر من ثلاثة أسابيع وأنني سافرتُ وشهدت الأيام الأخيرة من المأتم . عزّاني بكلمات آسية ثم قال أنه كانت لديه في قريته البعيدة طفلة صغيرة لم تتعد أعوامها الأربعة . و عندما ماتت بكي كالأطفال فلامه أهل القرية.

    دعوتُه لزيارتي.

    في الليل لم يأتيني النوم . داهمني أرق مختلط بأثاث الغرفة.

    أري الحائط بكل وضوح الآن . شعاع أخير من الليل انعكس علي سقف الغرفة. وأري أيضا الأوراق البيضاء لرزنامة السنة الجديدة التي كاد ينقضي أول شهر منها. أقوم وأشعل نور الصالة ليتدفق ضوء قليل ، ولكنه كاف . السبت ، السابع والعشرون من يناير. قبل أعوام سبعة ،كان آخر عهدي بمدينة الزجاج . وفكرتُ أن أبقي التاريخ و اليوم و لا أنزع ورقتهما.

    الليلة ليلة السبت إذن . السبت آخر أيامي في مدينة الصقيع.

    في المطار في الصباح الباكر من يوم ثلجي في السابع والعشرين من يناير . جوليا بجانبي . ملتصقة بي . تتطلع إلي وجهي بقامتها القصيرة . أمدُ بصري إلى حيث اللوحة الضخمة التي أضاءتها مواعيد إقلاع الطائرات.

    جوليا يحتويها معطف الشتاء . معطف أصفر وحذاءان طويلان حمراوان . وأنا مرهق . لم ننم سوي ساعة أو ساعتين . جفونها سوداء . صوتها هامس . لم استيقظ من قبل في مثل تلك الساعة المبكرة من الصباح . فبالكاد أستطيع أن أتبين هيئتها الضئيلة التي تتمسح بكتفي . وبالكاد أري ـ عبر نظاراتي التي غيّمها ضباب آخر الليل ـ عددا من سكان المدينة بمعاطفهم الأنيقة . سيدات وقورات يحملن باقات الورد الطازجة لوداع الأحبة . وجوليا لم تكن تحمل وردا. إذ أنها أمضت الليلة الأخيرة معي في فراشي . بعيدا عن طفليها و زوجها.

    الوحيدة ، من كل أهل المدينة ، تصحبني في رحلة الوداع . كل شئ يخص علاقتي بها مضي هكذا دون قصد . ودون تآمر ، من جانبي علي الأقل . معطفها الأصفر . هل هو أصفر حقا ؟ ولكن من الجلي أنه بعيد عن الموضة ـ خارج السياق. أو كما قالت ذات ليلة في غرفتي "لا يدير رجال هذه المدينة رؤوسهم ليتأملوا واحدة مثلي" . في المطار ليس لديّ ما أقوله . فهئنذا أوشكُ علي الانسحاب النهائي والطيران إلى عالمي الذي أتيتُ منه . يخُيل لي أني قبلتها . لست متأكدا إن علي الخد أو علي الشفتين . إذ أنني طالما تحاشيتُ التقبيل أمام الملأ.

    لازلتُ احتفظ بنسخة من رسالة واحدة أرسلتها لها قبل عام ، في عيد المرأة . غير أنني لم أتلق ردا. ربما لم تصلها أصلا . أتصور أنني قد أسافر يوما إلى تلك المدينة لأبحث عنها . لا أعرف موقع بيتها وان كان عنوانها باقٍ في واحدة من دفاتري الصغيرة . هل أعطتني رقم هاتفها ؟ أظنه كان الثامن من مارس . يقولون في تلك المدينة أن النساء يخرجن في مارس يبحثن عن أيدي ناضجة تزيل الصدأ عن أثدائهن وأردافهن المتجمدة.

    إذن كان ذلك في مارس . في أول المساء . وحيدا في ركن قصي من مقهي في وسط المدينة. سنة أو أكثر منذ اختفت ديدي . المقهى مزدحم . سأغادره حالما يشتد زحامه . تستهويني مقطوعة يعزفها رجل وقور علي الأرغن . يجلس خلف الآلة علي منصة ليراه الجميع . فتاتان تبحثان عن طاولة . عن مقعدين فارغين . عن طاولة لا يجلس إليها أحد . لم يكن سوي مقعدين فارغين … علي طاولتي. تستأذنان علي استحياء ، بلمحة من العيون الجادة، فأشيرُ بلا اكتراث إلي المقعدين. أقدمُ لهما صندوق سجائري . تسحب واحدة سيجارة بينما تمتنع الأخرى.

    و قبل أن نغادر المقهى أسرُ إليهما أنهما إذا استقلتا أوتوبوس 80 فيمكنهما الوصول بسرعة إلى حيث غرفتي في البناية رقم 81 ، مدخل A ، الطابق الخامس ، شقة 6 . من اللائق ، بل ومن الأجدر ، أن نستقل ثلاثتنا تاكسي ، متلاصقين علي المقعد الخلفي . أو ... احتراما للسائق ... أنا في المقدمة ، بجانبه . ولكني أنفر من سواق التاكسيات . في تلك المدينة بعضهم يرمقك بنظرات تحتار في تفسيرها . وبعضهم قد يورطك في موقف حرج بين يدي الفتاتين . و في المطر الهاطل أراهما تصعدان الباب الخلفي للأوتوبوس . أهرول وأصعدُ وراءهما . تجلسان متجاورتين في مؤخرة المركبة . وأتخير مقعدا في وسطها . وأهبطُ المحطة قبلهما . تسيران علي مسافة مني . خمسون … مائة متر . وفي مصعد البناية أشير لهما بإصبعي لكي لا تحدثا أية جلبة . تستجيبان . و أهمس برقم الممر المؤدي لغرفتي ، وأن عليهما أن تدفعا الباب الذي سيكون مواربا ، لأنني سأنتظرهما داخل الغرفة . تفعلان مثل ما طلبتُ. خمس دقائق وتندفعا . تتضاحكان بصوت خفيض . يبدو لهما الأمر مسلٍ . أستضيفهما بشراب الكونياك . جوليا أكثر جرأة . تجلسْ إلي جانبي في السرير، وتفضل صاحبتها الجلوس علي المقعد الوحيد . تتعلمان في كلية الطب ... ويتعين عليهما حضور حصة في الصباح الباكر . لن يكون أحد قد انتبه إلى دخولهما غرفتي. تتماثلان في ضآلة الجسم والقِصر ، مع ملاحة في العينين . جوليا تسبقها ضحكتها ولا تكف عن الابتسام . وعندما تحين ساعة النوم تندس جوليا بجانبي ، بينما تتجه صاحبتها وتنام علي كنبة ضيقة محشورة في المطبخ.

    **************
    نتابع....
                  

02-15-2008, 06:15 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: جوليا تنزلق بجسدها بخفة . كأنني صديق قديم . في الحمّام والضوء مشتعل تقف بقوامها الطفولي تحت الدش الساخن ... يلفها البخار . تدعك جلدها غير مبالية بنظراتي. منتشية بالبخار المتصاعد من مسامها.

    ولكنها تفاجئني في مساء آخر بنبرة محبطة.

    ـ تريد الاحتفاظ بي ... في فراشك . لكي أكون دوما هناك، كلما رغبت . كي لا تنشغل عن امتحانك الأخير . لا يهم . فليكن.

    دهشتُ . ولكن لأن وجهي لا يتلون ، فلقد كنت واثقا من أنها لن تكتشف حيرتي. عجبتُ لذكائها . نعم في حقيقة الأمر لا وقت لديّ أضيعه في العثور علي واحدة. واحدة تجعلني أحس أنني أتصرف كأهل تلك المدينة ، كأي شاب من شبابها تحديدا. واستطعت إخفاء دهشتي أيضا أمام صاحبتها فيما بعد عندما قالت:

    - لا أصدق أنك لا تعرف أنها متزوجة . ألم تلاحظ بطنها؟

    لم تقل إن بطن جوليا متهدل ، ولكنها أكدت أن لديها طفلان.

    و في ليلة احتشد جمع صغير يرقصون ويشربون.

    قال محمود:

    - تبدو قزمة أمامك.

    ضحكتُ وأنا أحيطها بيدي أراقصها ورأسها ملتصق بصدري . قلت لنفسي إنها ضئيلة فعلا . بعد ذلك رأينا المضي إلى جهة لا أذكرها

    نتابع...........
                  

02-16-2008, 10:39 AM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: . كان الوقت قبيل السابعة أو الثامنة . كنا في انتظار تاكسي . وتوقف تاكسي وبعد تردد قال سائقه الأشقر إن وجهته إلي محطة القطار . ولم يلبث أن تحرك مبتعدا عنّا . أحسسنا أنه يكذب . محمود قال متأففا:

    - يحسبونها غجرية.

    قال ذلك بلغة عربية كي لا تفهم جوليا . أحسستُ بغيظ مكتوم . هنا لا يحبون الغجر. نعم ... شعرها فاحم السواد وعيناها بلون الكرز وإنها حقا ترتدي معطفا رخيصا. وفي اليوم التالي رأيتُ زوجها لأول مرة . كانت تنتظرني أمام بوابة سينما في قلب المدينة. بالمعطف الأصفر . أيقنتُ أنه كان يتلصص خلفها . إذ ما أن دلفنا إلي البهو حتى تركتني واستدارت مهرولة إليه .كان وجهها محرجا. تهمس في أذنه ، وتسحبه بعيدا . اختفيا في ضجيج الشارع . كأنه خجول . لا يريد افتعال معركة أمام الناس. بدا قصيرا مثلها . بل أطول قليلا. و في المساء هاتفتني . تأكدتْ من وجودي في الغرفة . ثم جاءت وأنفاسها تتلاحق . أفلتتْ من مطاردته ولن يعرف علي وجه اليقين أين اختفت . قالت إن زوجها شرطي و أنه يخونها.

    تابع.....
                  

02-17-2008, 05:38 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: انتفضتُ من نومي ، أتصبب عرقا وصدري يلهث . جلستُ علي السرير وحدقت في الظلمة ، إلى السقف والجدار . كانت الجدران سليمة والفجر بخلفية غير محددة. نطحتْ رأسي عبارات المدير الرهيبة وبقيت ساهما حتى مطلع الشمس.












    6




    سأكون بالمكتب في الموعد المحدد . في الثامنة تماما . فيما مضي ، قبل أن أتلقي برقية وفاة أمي ، كنت أصل متأخرا دائما ما بين خمس إلى عشر دقائق . الآن وأنا أمتطي هذه العربة الصبورة بين أزقة الحي الذي أسكنه ، أنظر إلى النوافذ المغلقة والبلكونات المهجورة . خطر لي أنني أري المشهد للمرة الأولي . كأنه لم يكن هنا من قبل . و وهلة تيقنت أن هناك ثلاث بورتريهات معلقّة علي جدران دماغي ... المدير ونائبه ومسز فليروود . لم أكن أذكرهم من قبل مطلقا خارج الساعات الثماني التي أقضيها في المكتب . هل كان المدير يقصد أني عزوف عن الاختلاط بهم ؟ لم أسألهم مطلقا كيف يقضون بقية يومهم وليلهم في هذه المدينة الغريبة عنهم . أم هل يظنني واحدا من أهل المدينة لمجرد أنني أتحدث لغة أهلها ... واسمي لا يختلف كثيرا عن أسماء أهلها ؟

    أسير الآن في الشارع المؤدي إلى مبني الشركة قبل موعد بدء الدوام بعشرين دقيقة. توقفتُ قرب أحد الأكشاك وأملت ظهر المقعد إلى الخلف وأغمضتُ عيني. أحسستُ بالتعب. إحساس أقرب إلى المرض . تذكرتُ أنه وفي يوم السبت ذاك … حين فاجأني المدير بقراره الحاسم كنت أرتدي قميصا جديدا طالما تطيرتُ منه فيما بعد. وتذكرتُ أيضا أنه لزمن ليس ببعيد أصبح السبت يوم النحس الأول . لاحظت أن قميصي الآن جديد أيضا … فداهمتني المخاوف . اخترقت رأسي فكرة … "ماتت أمي في توقيت خاطئ" . وجدوا فرصة سانحة للتخلص مني . لعل مسز فليروود العجوز كانت وراء كل ذلك . ولكن لماذا ؟ كنت أقوم بكل الأعباء والاتصالات التي تطلبها مني بصدر رحب . كانت تبدو مهذبة إلى حد ما . قبل ستة أشهر تمسحتني بمؤخرتها الرخوة عندما كنا في المطبخ الضيّق . قفزت الواقعة أمامي كأنها حدثت بالأمس . فيومها كنت أعد كأسا من الشاي الأحمر . وكانت هي هناك . لاحظتْ مسز فليروود أنني كنت أبحث عن ملعقة صغيرة في الخزانة المثبتة علي الحائط . قالت بسرعة "دعني أناولك إياها!". وتمطت بيديها وحشرت جسدها أمامي مباشرة ، بل ضغطتني إلي الحائط . أحسست برخاوتها غير أنى ظللت ثابتا وباردا متظاهرا بقصدها المطلي بالبراءة . ثم غادرتُ المكان كأن شيئا لم يكن.

    تابع......
                  

02-18-2008, 06:32 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: أفكرُ الآن أنني اقترفت خطأ ما . أظنُ أنه كان عليّ التجاوب مع عرضها الصارخ. ربما سارت الأمور علي نحو مختلف منذ ساعتها . فربما تسني لي استمالتها بالولوج في طراوة أسرارها الخبيئة . أم أنني تصرفت بما يمليه العقل حينئذ ؟ فكرتُ الآن أن الساحرة رغبت في توريطي بالوشاية لدي المدير . ولكنها علي أية حال كان يمكنها اختراع أية قصة مشابهة دون اللجوء إلى دعك أردافها اللينة ببطني . ربما جرت الأمور بصورة مغايرة لو أنني لم أكن اكتشفت البيت السري . لكنت استسلمت رغما عن كل شئ لإغرائها الأملس . لقد وهبتْك الماكرةُ نفسها ، وهو أمر افتقدته لسنين طويلة . اقشعر بدني … وقدت العربة بعيون مثقلة.

    عندما دلفت إلى مكتبي كانت مسز فليروود قد وصلت لتوها . حييتها باقتضاب. انهمكتُ في العمل بطريقة آلية . علي أن أثبت جديتي وأحقيتي بالعمل. لكي أكون مثلهم . العمل ... العمل ... هذا المارد الذي لا فكاك من مخالبه.

    *******************

    تابع.........
                  

02-19-2008, 05:56 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: في حوالي العاشرة ذهبتُ إلى مكتب مسز فليروود عاقدا العزم علي التصرف بشكل طبيعي. دعوتها إلى مكتبي فاستجابت بعفوية . جلستْ علي الكرسي الملاصق لمقدمة المكتب الخشبي. أذكر الآن أنها فعلت ذلك مرة أو مرتين ... فقط في أيامي الأولي هنا.
    ـ أعتقدُ أنني ارتكبت خطأ فادحا . أعني أخذي أياما زائدة عن المسموح به ، بسبب سفري ، لوفاة أمي ...
    لم تُعلِق.
    لعنتُها في أعماقي.
    ـ كان عليّ العودة بأسرع ما يمكن ...
    لم تتفضل بكلمة أيضا . سألتني بنبرة مسطحة:
    ـ ماذا قال لك المدير قبل أيام ؟
    لم أتوقع هذا السؤال . أعرف أنه قد يكون أطلعها علي كل شئ .
    ـ لم يكن راضيا لأنني تأخرتُ في العودة . كان عليّ
    إخطاركم . ولكن ألم يخبرك شيخو أو وكالة السفر بميعاد عودتي ؟
    ـ كلا ! ولكنه ... ماذا قال لك بالتحديد ؟

    بذلت جهدا خارقا لأخفي حقيقة معرفتها بأنني مُنحت مهلة محددة لطردي . في تلك اللحظة أحسست أنها لا تعدو أن تكون غولا ، بل تنينا مقبلا علي غرس أنيابه في جمجمة مرة الطعم. ربما كانت وراء المؤامرة بأكملها . اخترقتْ رأسي فكرة القتل. ماذا لو قتلتها وأتبعتها بالمدير ونائبه ؟ سيكون حدثا مدويا . لعلهم استغلوا موت أمي ...؟ لكنني أفلحُ في الثبات. وعمل وجهي المسطح وعينيّ عملهما في إتقان الدور، تغطية ما يعتمل داخل عقلي المرهق . اعتقد أنني عدت لبرهة لأكون الشخص نفسه الذي كان هنا قبل أكثر من ثلاثة أسابيع . أظنني تجنبتُ سؤالها الماكر بالحديث والحديث عن أي شئ ، دون أن أعي تماما عمّ أتحدث . غير أنها كانت قد غادرت مكتبي ولاحظت فيما بعد أن الساعات مرت بسرعة لأن عقلي ويدي انكبا في العمل.


    تابع......
                  

02-20-2008, 06:31 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: بُعيد الظهر خرجت من غرفتي إلى المبني المجاور ودعوتُ العجوز لغداء ابتعته من مطعم . كنت فاقد الشهية تماما . جاء العجوز وأكل علي استحياء . ربما كان يتساءل عن مغزى هذه الدعوة . صنعتُ شايا وناولته كأسا . طفق يتحدث بعربيته المكسّرة عن بلدته وعائلته التي تركها خلفه قبل عامين.
    في لحظةٍ غبطتُه . لا مدير أمامه و لا مسز فليروود . يمكنه التخلي عن عمله البائس متي شاء . لن يستوضحه أحد عن سبب تخليه عن العمل . لن يشعر بالعار لأنه طُرد . كنت أستمع إليه ساهما . رجوته أن يبقي معي أكثر ففعل علي استحياء. في الخرطوم قد يعدونه دونيا لسمته وسواده المغرق ولغته المتعثرة . كان الناس سيندهشون لو رأوني أتحدث معه أو دعوته لمجالستي.
    عند الغروب أستأذن الرجل الشيخ لأنه يتعين عليه حراسة المبني الخالي الذي يقيم فيه. شكرته علي مؤانستي . ربما اكتشف أن فقدي كان ثقيلا عليّ ولكني لم أسر إليه بالمشكلة الحقيقية التي واجهتي في العمل . اعتقدتُ أنه لن يفيدني في شيء . كان خوفي أن يداهمني جنونٌ علي نحو ما.


    *************

    تابع........
                  

02-21-2008, 05:29 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote:
    بعد أيام عاد المستر ثورو نائب المدير من إجازته في إنجلترا . جاءني بمكتبي وقدم تعازيه ، وشكرته . بعد قليل عاد حاملا جريدة محلية تصدر باللغة الإنجليزية وبها إعلان لشركة تبحث عن موظفين . تناولتهاُ منه وتفحصتُ الإعلان.

    - هل شرعتَ في البحث عن وظيفة ؟
    قالها بعفوية بعيدة عن الحياد ...

    ـ نعم . وهل ستساعدني ؟ أعني إذا احتجتُ لتوصية أو…
    شهادة خدمة ممتازة مثلا ...؟
    ـ أوه ، بالطبع . بالتأكيد .
    تراءى لي أنه لم يستطع إخفاء غبطته . غبطة تبدو خلف نظارتيه المدورتين وفي الفم المزمم. تساءلتُ ... لمَ يرغب كل منهم في التخلص منّي ؟؟ . خمّنتُ أنه حصل علي تفاصيل ما جري من مسز فليروود . بل من المؤكد أنها أسرتْ إليه أنني حاولت الكذب عليها عندما أخفيت عنها ما قرره مدير الشركة.
    فكرة جهنمية بارتكاب مجزرة حامت حول رأسي . تخيلتُ أنى أحمل بندقية سريعة الطلقات ، كبيرة الحجم . من النوع الذي رأيته في أفلام الحرب والعصابات . ممسكا بها بقوة لأحصد الجميع . ولكنني لم أولد لأقتل أحدا . إذا كانت تلك رغبتهم ... فليكن . أبحث عن وظيفة أخري ؟ غير أني سمعت أن لا وظائف هناك . وهب أنك حصلت عليها فلن تكون علي الإطلاق مجزية كهذه . لقد تدنت أسعار النفط بشكل مأساوي . ولم أكن علي علم بذلك. أدركتُ كم أنا بعيد عن كل شئ في هذه المدينة.


    ****************

    وحلّ رأس السنة ، فدعا مدير الشركة عشرات من رجال الأعمال . و توجهتُ إلى الفيلا التي يسكنها . فيللا من طابقين في أرقي أحياء المدينة . ليست بعيدة عن البحر.
    يتعين عليّ التصرف كمضيف ، كموظف في الشركة . لم آتِ في حفل السنة الماضية. مازالت عباراته التي أسمعني إياها قبل أيام تطن في رأسي:

    "You have your own life. You don't bother about us."


    تابع.............
                  

02-22-2008, 05:49 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: لمحتُ مسز فليروود ملتصقة بزوجها . حييتُ الزوج كما يفعل الأصدقاء . بدا أنه لم يعرفني. لم تخاطبني الماكرة كما كانت تفعل من قبل . بل ولم تدعُني للانضمام للحلقة التي تجمعهم. كان كوكتيلا ، حيث أن الجموع تتشكل في دوائر هامسة في البدء . بذلتُ جهدا لكي لا أظهر بمظهر الضيف . كنت أرتدي ملابس عادية فاكتشفت أنني جد مختلف . لم أكن امتلك بدلة كاملة ، أو حتى جاكيت اسبور. في هذه المدينة لا حاجة لارتداء بدلة كاملة . غير أنه وفي حفل كهذا كان معظم الحاضرين في أبهى حللهم وأناقتهم . جاء بعضهم مصطحبين نساءهم . ولم أكن أعرف أيا منهم. أحسست بالسخف . لذا أخذت كأسا من البراندي وانتحيت في ردهة صغيرة جانبية.
    أمي ماتت في نفس اليوم ، الثلاثاء ، قبل شهر . احتسيتُ كأسي ودارت رأسي كما يجب أن تدور . منذ زمن بعيد لم أتذوق خمرة مثل هذه . تمنيت أن ينتهي الحفل بسرعة ، لأستعيد نفسي المبتورة مرة أخري . مرقت مسز فليروود مرتين في طريقها إلى حمام النساء في الدور العلوي . كانت تبدو منتشية . في كل مرة كانت تستدير وترمقني بنظرة مستطلعة . لم أستطع تفسير نظرتها . ربما دهشتْ لمنظري وأنا واقف وحدي وأمامي كأس ممتلئة بالبراندي علي طاولة مرتفعة . "عليها اللعنة" قلت هامسا.

    تابع...........
                  

02-23-2008, 05:16 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: والحفل يقارب الانتهاء ، في العاشرة أو الحادية عشرة ، كانت هناك فتاتان . بدا من امتلاء الساقين والعيون المدورة أنهما من الجزر البريطانية . تتجادلان مع نادل البار في الركن القصي من الردهة . غاضبتان لأنه امتنع عن صب المزيد من الشراب في كؤوسهما . تدخلتُ في تلك اللحظة وتصرفتُ بأدب علي مرأى من المدير لأفض الشجار . قالت إحداهن :
    - من أنتَ ؟
    - موظف بالشركة .
    - حسنا . تبدو لطيفا . ما اسمك ؟

    لاحظتُ علي الفور أن وجهها عريض وذقنها بارز ، يتناقض مع جسدها المثير . ثم ما لبثت أن اختفت وذابت في الجمع الذي علا ضجيجه.


    عدتُ إلى غرفتي أخيرا وبي رغبة عارمة في الغناء.
    رأيتُني طفلا ، أركض عاريا تجاه البيت . كان البيت مغمورا بضوء أبيض ... تحول إلى أزرق فسفوري عند مدخل الغرفة ذي الفتحة المقوسة . كوتان كبيرتان تظهران كعيني قناع مسرحي . كان المدخل مظلما وبدا كأنف أسود طويل لوجه ساحر . أدخلُ غرفة نصفها مظلم ونصفها الآخر مضاء بألوان وهاجة . ثمة دخان أبيض معطّر ... ينبعث من حفرة في الأرض المتربة . وثمة امرأة عارية جالسة علي الحفرة والعرق يتصبب من فودها . بدت كتمثال من الشمع الأصفر الداكن. كان وجهها بلا عينين ... بلا أنف ! جسدها مكتمل . نهدان في حجم القريب فروت وخصر مشدود و فخذان هائلان . كانت تمسك بضفيرتها المجعدة بيديها وبدا إبطها حليقا وبلون خمري . دعتني للجلوس في حجرها ...
    ـ انت هنا ؟ تعال … انت خايف ؟
    قالت المرأة الغريبة المنظر.

    تابع..........................
                  

02-25-2008, 05:49 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: رأيتني أجري إلى حيث وقفت حمارة بيضاء … ناصعة البياض . علي ظهرها لمع سرج أحمر. اعتليتُ السرج وأمسكت باللجام . قفزتْ المرأة بخفة خلف السرج. قبعتْ خلفي علي ظهر المطية العاري . لم التفت إلى الوراء لأري وجهها، لأستوثق أنها بلا عينين أو أنف. نهداها العاريان يضغطان ظهري . ظهرتْ امرأة لها وجه كوجه أمي من وراء البيت … غير أنها تبدو أصغر… بل أصغر بكثير . حزينة وباكية … ترتدي أسمالا وبيدها سكين يقطر دما أزرق . كانت تحدق في الأرض. عندما شرعت حمارتنا في المسير رأيتُها تلج إلى الغرفة المظلمة ذات الباب الذي يشبه أنوف السحرة واختفت . سرنا عبر الدروب التي شقتها حوافر الدواب . قالت المرأة العارية:
    - درب الخلاء فاضي . أخاف الرجال يشوفوني هناك . أنا
    عريانة ...
    اتجهنا صوب الصحراء . لازالت يداها وصدرها متشبثان بي . كانت تضغط ... و تضغط كلما أمعنّا في المسير . تلهث بطريقة مرعبة ... و ... أنين مكتوم يعلو ويهبط . وعلي التو أجفلت الحمارة وحادت عن الدرب وتوقفت . كانت هناك جثة ممزقة و جمع من النسور جاثم يترقب . رأيت واحدا يقفز مرتين ثم يحلق مبتعدا نحو الجبال السوداء في الأفق.
    استيقظتُ في ظلمة الليل . وفي المطبخ تجرعتُ قدرا كبيرا من الماء المثلج . حلقي يؤلمني. كانت الساعة تشير إلى الخامسة بقليل.

    تابع
                  

02-26-2008, 04:43 AM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    الأخ عمر

    عمل رائع وممتع، أتابع بشغف شديد، كيف احصل على نسخة من الرواية.

    سيف الدين عيسى مختار
                  

02-26-2008, 05:34 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    الأخ/ سيف الدين شكرا على المرور
    الرواية صدرت عن دار { كاف نون } المصرية بالقاهرة
    وتتولى توزيعها الشركة العربية للنشر بالقاهرة والتى اعتقد انها ستشارك في معرض الكتب بجدة قريبا
    نتمنى ان تحصل على نسخة هناك ..او اتمنى ان امدك بنسخة بالبريد اذا وصلتني نسخ اضافية بالمغرب
                  

02-26-2008, 06:06 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    نواصل
    **************
    Quote: أديرُ زر الراديو قبل شروق الشمس . المؤشر علي اذاعة البي بي سي . تماما كما كان يفعل سولومون منذ سنوات في الغرفة 503 بالطابق الخامس . قديما كنت استعذب المقدمة الموسيقية التي تعقب "هنا لندن". إسبرطية النكهة.

    أغلق الراديو بعد المعزوفة القصيرة وأحدق عبر النافذة في السماء المعدنية التي تبدو شديدة العلو.

    بعد إنصاته لمقدمة النشرة والتي لم أكن أحفل بها كثيرا ، يدير سولومون زر الإغلاق محدثا صوتا مميزا ... كليك !. أسمعه بوضوح وأنا داخل بطاطيني الدافئة يغالبني نوم الصباح.

    ينزل من فراشه العالي حاملا بشكيرا علي كتفه متجها إلى الحمّام ، مرتديا الروب المزركش لأخذ دش والنهار لم يعلن عن نفسه بعد . كنت أتعجب ، لأن البرد كان دائما صاعقا في الصباح المظلم . قادما من الحمام خفيفا نشطا يصفّر بعض الألحان الأثيرة ثم يضع اسطوانة جيم ريفز ويصاحب بعض مقاطعها بصوته الغليظ. قبل أن يمضي خارجا بعد السادسة بقليل يكون قد أعدّ قهوته الفرنسية بالحليب في إناء زجاجي . أجزم أنني لم أرَ ذلك الإناء الأنيق سوي في واجهات المحلات الراقية في مدن الصقيع.

    لديَّ بعض تسجيلات جيم ريفز الآن في أشرطة كاسيت . أدركتُ أنني الآن لا أتوفر علي المزاج الذي يحفزني لسماعها.

    كان سولومون معتادا السفر إلى بريطانيا كل صيف . يركب القطارات من وسط أوروبا في رحلة طويلة ويعبر المانش . هناك يعمل في البقالات الصغيرة أو المطاعم لا أدري ، ويشتري بما يكسبه ملابس واسطوانات.

    تغيب مريا عن الغرفة 503 أياما وأسابيع فتتبدل أحوال سولومون . يغدو كثير الكلام وتقل حركته . يغلبه ميل طاغ لموسيقي الروح والبلوز . وفي المساء يخر راكعا علي لحافه المدفأ بالكهرباء . اشتراه بعد عودته من عطلة صيف لندنية . يضم كفيه إلى وجهه متمتما بتراتيل مبهمة ثم ينهض ليطفئ الأنوار . ولكنه وقبل منتصف الليل لا يدعني أنام . فقد لف وسطه بقماش إفريقي مزركش وجلس إلى الطاولة يكتب رسالة طويلة إلى رئيس الجمهورية.

    تابع........
                  

02-27-2008, 05:47 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: أتكئ علي راحة يدي اليمني وأنا أستمع إليه يقرأ:

    " سيدي الجنرال ، قائد المجلس العسكري . أنا سولومون … الطالب المبتعث إلى هذه البلاد لنيل الشهادة في الاقتصاد وتنمية الريف . بالأمس بينما كنت أسير وصديقتي الطالبة المحترمة هجم علينا ثلاثة من حليقي الرؤوس صغار السن ، يرتدون بزات سوداء . تراجعوا عندا أشهرتُ مظلة المطر الكبيرة في وجوههم. ولكنهم أسمعوا صديقتي كلاما قاسيا لا أستطيع كتابته في هذه الرسالة لشدة بذاءته".

    يلتفت نحوي بنظارتيه .
    - سألتمس لديه أن يوجه المسئولين هنا في هذه البلاد للجم هؤلاء الرعاع.

    ثم كأنه يكلم نفسه:
    - لست متأكدا من العنوان الصحيح للرئيس . هو من شمال
    نيجريا. رجل غيور علي أبنائه من أمثالنا . علي كل ، سأعرف العنوان وسأذهب بنفسي إلى البريد المركزي في وسط المدينة واشتري الطوابع وأؤكد لموظفة البريد أن الرسالة تغادر في أقرب طائرة . ولكن كيف لي أن أعرف والطائرة تنقطع في الشتاء . طائرة موسمية في الصيف ؟
    ثم يسألني:
    - هل تري أنه أمر مجدٍ أن أكتب للرئيس ؟

    أقول أن الأمر يعتمد علي الظروف . لم أتبين أنه استمع لكلماتي إذ أنني نطقتها بصوت خفيض.

    ولكن مريا لم تعد.

    يجئ سولومون متأخرا في آخر الليل علي غير عادته . فاتته نشرة البي بي سي . ينفض بقايا الثلج عن معطفه ومظلته ، ويتقدم بخطي لاهثة نحو سريره .

    - خسارة . أطاح انقلاب برئيس جمهوريتنا …

    ينحني علي الردايو . انتهت نشرة البي بي سي منذ زمن . وأراه ينظر إلي ساعته بسأم. يضع يديه علي خديه مستسلما.

    - من حسن الحظ أني مزقت الرسالة البارحة.

    ونصغي باهتمام للخبر : اختفاء رئيس الجمهورية السيد الجنرال في انقلاب.

    ومريا لم تعد.


    .....تابع
                  

02-28-2008, 05:39 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: وتنشب بعد أيام معركة في الغرفة 503 . بطلاها سولومون و"أسايا حميدو" من سيراليون . استعار حميدو الغرامافون وتلكأ في إعادته . غضب سولومون واشتبك معه في معركة بالأيدي أفلح آخرون في فضها .

    وجدتُ سولومون حزينا تلك الليلة . قال بأسي:

    - أمثال هذا الوضيع يهاجرون إلى بلادنا ليشتغلوا في مسح الأحذية والخدمة في البيوت.

    و صادفتُ حميدو في ردهة النزُل ، سألني كيف أطيق سولومون ؟ لماذا أرضي بالسكن معه . يده كانت ملفوفة بضماد طبي معلق إلي كتفه.

    - مجرد مصادفة . ثم أنت تعلم أننا من كُلّية واحدة .

    - عموما هل شهدت المعركة بيننا ذلك المساء ؟ لا أظن أنك
    كنت هناك . لقد وجهتُ له لكمة لولا أنه تفاداها لهشمت وجهه القبيح. هذا المغرور . اغتاظ عندما قلت له إنني أكثر ذكاء منه ومالاُ ، بل و شكلاً . فلينظر إلى وجهه في المرآة.

    ومريا لم تعد.


    تابع........
                  

02-29-2008, 05:02 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    شكر للمتابعين من مؤلف الرواية
    ***********************************
    وصلتنا الرسالة التالية من كاتب الرواية / عبدالفتاح
    Quote: شكر وتقدير خاص للناقد والشاعر والكاتب محمد جميل علي المتابعة
    والشكر أيضا للاخوان طارق جبريل وسيف الدين عيسى مختار علي الاهتمام

    |أخوكم عبدالفتاح

    (عدل بواسطة omer abdelsalam on 02-29-2008, 05:03 PM)

                  

02-29-2008, 06:43 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    نواصل السرد
    *****************
    Quote: في آخر ليلة قبل افتراقنا الأخير نهاية العام الدراسي ، طفق سولومون يتحدث عنها وظل ساهرا . قال أنها أهدته قميصا في عيد ميلاده . وقال أنه سيذهب غدا ينتظر أمام مدخل جامعتها ، لعله يراها . واذا رآها فلن يكلمها ، فهي حرة في نهاية الأمر ، فقط يراها من بعيد ، حتي لو كانت بصحبة رجل آخر.

    غير أنها أبداً لم تعد.

    *********************

    تبينتُ اليوم أنه لا رغبة لديّ حتي لسماع موسيقي موتسارت وشايكوفسكي وترانيم موسيقي الشامبر التي أعشقها . تخيلت أنها قد تذكرني المدير ونائبه ومسز فليروود.

    حاولتُ جاهدا أن أنهض من السرير لأتوجه للعمل . تذكرتُ البيت السري . لا رغبة لديّ في معاودة زيارته . لاحظتُ بفزع أن ملابسي اتسعت حول كتفي و وسطي. مسز فليروود أشارت قبل يومين إلى أنني فقدتُ قدرا معتبرا من وزني . هي لا تكف عن مراقبتي ... فكرتُ . نفس الإحساس الذي اكتويت به زمنا بعد زيارة ابنة ديدي لي . المرة الأولي والوحيدة التي رأيتها فيها . قالت بعد أن دخلتْ وهي تلهث أنها داخت في أرجاء الحي شوارعه وفي المعاهد التي يرتادها الأجانب تسأل حتي عثرتْ علي مسكني.

    - الكل يعرف أنك هنا ولكن لا أحد يعرف اسمك.

    عشرة أيام أو نحوها تبحث عني بعد اختفاء أمها . ولكنها عندما جلستْ بقوامها البديع علي المقعد أحسست أن المدينة كلها ترقبني . وهاهي مسز فليروود تعيد الكرّة . تحدق في وسطي لتري مدي الهزال الذي أصابني وتصر أسنانها تشفيا ، في انتظار اليوم المضروب لي بمغادرة الشركة . وهاهو وجه ابنة ديدي لم يفارقني منذ يومين. ما اسمها؟ تذكرتُ الآن أنه وفي غمرة اضطرابي لم أسألها.

    عبثتْ الفتاة داخل حقيبتها الأنيقة وأخرجت صورة في حجم صور جوازات السفر. كانت بالأبيض والأسود لسيدة محترمة ترتدي قبعة.

    ـ تعرفها ؟

    لم أجب.

    ـ ولا عنوانها ؟


    كانت عيناها مثبتتين علي وجهي.

    أخيرا قلتُ إنني أعرف تلفونها فحسب . وتناولتُ قلما كتبتُ به الرقم علي ورقة بيضاء تتوسط الطاولة.

    تابع............
                  

03-02-2008, 10:24 AM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: ـ هل تعلم إنني ابنتها ؟

    دهشتُ حقيقة . نفس القوام . والشعر الأصفر . أكثر صفاء من شعر ديدي. والعينان الخضراوان . جسد أملس كعارضات الأزياء . النوع الذي طالما اشتهيته ولا أظن أنني ظفرتُ به طيلة سنيي في مدينة الصقيع.

    أكّدتُ لها أنني لا أعلم أن لديها ابنة . كل ما أعرفه أنها تعمل في مكان ما في هذه المدينة، وأنها تسكن في مكان ما في هذه المدينة وأن اسمها "ديدي".

    اتسعتْ العينان وقالت بصوت واثق أن هذا ليس اسمها . ثم أضافت أنها لم تجئ للبحث و التقصي . فهي ليست محققة في دائرة البوليس كما قالت.

    قدمتُ لها كأسا من الكونياك فاعتذرتْ لأنها تقود سيارتها التي ركنتها في الشارع المظلم المحاذي للبناية . فقلت سأحتسيه نيابة عنها . جرعتُ الكأس وأنا أسترق النظر إلى قوامها البديع . سألتني إن كنت أعلم أن أمها اختفت . فأكدتُ لها أن المحقق زارني في نفس الغرفة وأنني لم أره بعد ذلك . وأنني اعتقدتُ أن السيدة صاحبة الصورة عادت إلى بيتها وانتهي الأمر . قالت إن أمها مازالت غائبة وإن كانت واثقة من عودتها . وأن مرؤسيها في العمل فوجئوا بغيابها . ظنوا أنها مريضة.

    رجتني أن أخبرها إن شئتُ عن أخر مرة رأيتها فيها . هل كانت محبطة ؟ هل كنا معاً في نفس الغرفة ؟

    قلت كانت طبيعية وإنني كنت أتوقع أن تأتيني مرة أخري كعادتها . مرة في الأسبوع. وأضفتُ متصنعا الجدية ...

    ـ آخر مرة التقينا فيها لم تكن بهذه الغرفة ، بل في حديقة لست متأكدا من موقعها تماما . بعد التاسعة أو العاشرة مساء . مكثنا هناك ساعة ثم استأذنتني وعادت إلى بيتها ...


    ما لم أقله للبنت أن أمها "ديدي" كانت بانتظاري خارج الحديقة ذات الإضاءة الخافتة . وعندما رأتني من بعيد مشتْ في ممرٍ باتجاه دغل كثيف . تظهر مرة وتختفي أخري بين الأشجار . في معطف أسود بالغ الأناقة وحذاء طويل يلمع في أنوار الليل . كانت نادرا ما ترتدي ذلك الزي .

    تابع.......................
                  

03-03-2008, 05:32 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: كنتُ احتسي ساعتها الكأس الثالثة . ولكني لم أسترسل في الكلام . أحسستُ بالحسرة لأن البنت البهية المنظر لم يكن في مقدورها تذوق الشراب . ربما كانت ستنشرح في الحديث وتنسي ما جاءت لأجله . لم أستطع لجم نفسي ، إذ رغبتُها من أعماقي . غير أني تجنبـتُ النظر في وجهها وجسدها البديع . ما يضير لو أعلنتْ رغبتها أمامي الآن . إذن لبدأتُ معها برفق . ولمسحتُ ظهرها ورقبتها وأفخاذها الناعمة بكريم اللوسيون . مثلما كانت أمها تستهل طقوسها كلما زارتني . فزجاجة الكريم التي ابتاعتها الأم لا تزال هناك . في مكانها في أحد الأدراج . غير أن هذه البنت من صنف مختلف . من ذلك النوع الذي يمضي في سبيله غير عابئ . قالت إنها لم تكن تسكن مع أمها في السنوات الأخيرة . كانت تزورها من حين لآخر . في عطلات نهاية الأسبوع . وأنه لولا رقم الهاتف الذي عثرتْ عليه لما عرفتْ علاقتها بي . وقالت أنها هاتفتها قبل يومين من منتجع صغير في الضواحي . ربما سئمت عملها وحياتها . ثم صمتتْ الابنة وأخذت تجيل النظر في الغرفة ومحتوياتها . سألتني إن كنت أعمل وأدرس . ربما دهشت لفخامة الغرفة . هل تعلم ان أمها تكفلت بكل شئ فيها ؟

    ـ لو رغبتَ في العمل في الأمسيات فهناك بعض الأفروـ
    أميريكيين المقيمين هنا يمكنهم مساعدتك . يمكنك التعرف عليهم إذا كنت ترتاد النوادي الليلة . لديهم محل معروف في المدينة...

    في تلك الليلة بدتْ ديدي من بعيد كامرأة في الثلاثين . بشعرها الأصفر المنسدل علي كتفيها ... ينتقل من جانب إلى آخر . تسير دون أن تلتفت لتراني . وتوغلتْ في الدغل . وانسلتْ بين أشجاره القصيرة . و كانت هناك أريكة خشبية . ضحكتْ ديدي عندما جلسنا ملتصقين علي تلك الأريكة.


    ـ أتعلم أنني اكتشفتُ هذا المكان بالصدفة . مررتُ من هنا
    عند ساعة الغداء.


    تابع.....
                  

03-04-2008, 06:08 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: إذن مكان عملك في الجوار؟

    ـ أيها الشيطان ! نعم . هناك . تعال .

    سحبتني من يدي ... وأزاحت بيدها الأخرى أغصان الشجر ...

    ـ أتري هناك ، ذلك البناء العالي . نعم هناك . مكتبنا في
    الطابق السابع . لا تفكر أبدا في المجيء للبحث عني . سأنتقم منك إن فعلت.

    وضغطتْ فخذي . كانت في إحدى نوباتها.

    عندما جلسنا ثانية علي الأريكة فتحتْ حقيبتها جذلة وأخذت مسجلا صغيرا ...

    ـ أنظر ماذا جلبت لك الليلة . أغنية تحبها . سايمون آند غارفنكل. أغنية The Boxer . اسمع ! لن نثير صخبا هنا . في هذه الغابة ربما داهمنا بعض الصعاليك . ستجتذبهم الموسيقي كما الفئران.
    وقالت أيضا
    ـ ألا يذكرك هذا المكان بعرين الأسد ؟ انه مناسب
    للمراهقين .

    وضعتْ ديدي سماعة مزدوجة ، واحدة في أذني والأخرى في أذنها . ثم ضغطتْ زر المسجل فانسابت الأغنية الأثيرة . لبثنا نستمع في صمت . ثمة شوارع في الجانب الآخر من الحديقة . مركبات مسرعة . و أضواء صفراء تطل من الأعمدة.

    بردَ الدغل فخُيل إليّ أنّ نصف ديدي الأسفل تحول تمثالاً من الذهب الأصفر . وجهها الذي لم أعد أراه ... يبكي ويتأوه لا يكف عن الهمس بصوت مبحوح ومتقطع . لم يقو انضباطها المعهود في لجمه . وأفلحتْ أخيرا في وضع وجهها بين فرجات النبات الكثيف وهي تراقب المارة ... والسيارات المنطلقة غير بعيد عن المكمن.

    أذكرُ أنني وقفتُ صامتا متحفزا . ديدي أمامي ... نصف تمثال من الذهب ونصف امرأة. لا أري وجهها . الدغل يرتفع وقبة المدينة تنشق عن ضوء أصفر يبتلع نصف امرأة أمامي.

    مرّ كل ذلك الشريط في مخيلتي وابنة ديدي جالسة تحتسي القهوة السوداء . فكرتُ أن أدير اسطوانة وأدعوها للرقص . أحببتُ احتضانها . ولكنها كانت سبقتني . إذ هبتْ للانصراف وشكرتني وبدت محرجة لاقتحامها مسكني ـ كما قالت ـ دون موعد مسبق . ولم أرها بعد ذلك.



    تابع..............................
                  

03-05-2008, 05:54 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: مضي الآن شهران . شهران منذ ذلك اليوم المشهود حيث فاجأني مدير الشركة برغبتهم في الاستغناء عنّي.

    أعملُ الآن كالملدوغ . بل وأحمل بعض الملفات إلى غرفتي لإكمال المناقصات . لم انقطع عن رؤية صديقي العجوز وان علي فترات أقل . أحس بأنني أصغي إليه الآن بلا اكتراث.

    في كل يوم أري أنني لن أعثر علي أي عمل آخر . لم أكن أدري أن ْ أسعار النفط تدنت سريعا . فقد توقفتُ عن قراءة الصحف منذ زمن . و لا استمع لنشرات الأخبار . أرسلتُ سيرتي العملية إلى شركات عديدة علي مدي شهرين . في مرة اتصلتُ هاتفيا بشركة واقترح الصوت في الطرف الآخر أن أوافيهم للمعاينة . مضيتُ إليهم بعد الثالثة. كنت مؤملا في الخلاص من مسز فليروود . سألني الموظف المسئول عن المرتب الذي أتوقعه عندهم . ذكرتُ له رقما ، يقل عن ما أتقاضاه في الشركة البريطانية. فأجابني متأسفا بأن لا يظن أن في مقدورهم تحمُل مبلغ كهذا.

    استمر الأرق والصداع . أدير زر المصباح لأبقي الضوء وهاجا . يخيل إليّ أحيانا أن الحوائط تتشقق و تتدلى منها رؤوس كلاب ميتة.

    أخرجُ إلى الشارع بعد منتصف الليل . يلفحني هواء ساخن رطب قادم من جهة البحر. المدينة نائمة وأنوارها مشتعلة . جاري العجوز واقف هناك . في ركن المبني، بثوبه الأبيض. ألوحُ إليه من بعيد ثم أعود إلى غرفتي.



    تابع............
                  

03-09-2008, 09:56 AM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: في أول الليل ومعي شيخو عبرْنا أزقة ضيقة الملامح . في جهة لا أعرفها في حي لمزار . نتوقفُ أمام دكان مغلق ، يبدو مهجورا . نوصدُ نوافذ العربة ونترجل لنمشي في الممرات . شيخو يسبقني وفي كل مرة يلتفت ويحثني المسير . يوصيني ألاّ أتكلم حتي تسألني المرأة التي سوف تشفيني من الأرق والصداع . شيخو لا يعلم أنني خشيتُ من الذهاب إلى طبيب الشركة حتي لا يتسرب ما أعانيه لمسامع مسز فليروود. أوهمه أنني لا أثق في أيّ طبيب . فيؤكدّ أن الأطباء ليس لهم دواء لهذه العلل . يقول كمن يحدث نفسه "يجوز عين صابتك . عين مرة" . يتكلم بلغة لبنانية صرف ولكني أفهم ما قصده "النساء بارعات في تسديدها" . ثم يعود بلهجة جادة أقرب إلى الفصحى:

    - يسجن أهل هذه المدينة نساوينها ـ من شان ما يبلعها
    البحر بميّته السخنة في الليل والناس نايمة …

    ويؤكد أن هذا ما سمعه من عجوز ملتوية الفك في هذه المدينة ، كما يصفها وهو يضحك ضحكة تحاكي طنين الجنادب بعد غروب الشمس . شيخو يتكلم ونحن ماضيان نحو دكان يبيع الأغاني.

    ينظرَ البائع في وجهي ويقول سآخذكما بعد ساعتين إلي زهرة . كدتُ أسأل أية زهرة ...؟ ونبقي معه في دكانه الصغير . الزبائن يأتون للنظر في الكاسيتات المرصوصة علي الأرفف. أري أنهم لا يعرفون القراءة . إذ يسألون البائع عن أسماء المغنين ، بينما يقلّبون الأغلفة البلاستيكية . نسوة من غرب أفريقيا، صغيرات السن ، يلقين تحية المساء وهن غاديات علي الطريق . أستطلعُ الأرفف المكدسّة . شرائط من كل لون . عربية وهندية وإفريقية ... من الصحاري ومن السافنا.

    تابع......
                  

03-10-2008, 05:42 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: نسير خلف بائع الكاسيتات . نطوي الدروب المظلمة . يرجونا أن ننتظره في أحد الأركان، ويصف لشيخو مكانا سنجده فيه . شيخو يؤكد أن البائع أقنعها بعد جهد كي تستقبلني. فقد أقلعتْ منذ زمن عن استقبال الغرباء مثلنا ..."مشغولة بزبوناتها الغنيات".

    يعود بائع الأغنيات . يتحدث إلى شيخو ثم ينصرف إلى دكانه فيما يبدو . فننحرفُ يمينا نحو الجهة التي أتي منها . ونسيرُ في باحة نتوقف بعدها أمام باب حديدي مطلي بلون داكن. عندما ندلف إلى الغرفة الصغيرة التي تضيئها لمبة من النيون في أعلي السقف نري زهرة. تجلس علي سجادة . تلف رأسها وجسدها بثوب وردي اللون، يضفي مهابة علي وجهها البنفسجي . هل اسمها مختلقٌ أيضا ؟ و تحييني دون أن تمد يدها . ونجلسُ علي وسادات، بعيدين عنها ، مسندين ظهورنا إلى الحائط.

    شيخو يحدثها بصوت لم أستطع أن أتبينه ، ويلتفت إليّ من حين لآخر . تشيرُ إليّ أن اقترب منها ، و ينسحب شيخو لينتظرني في غرفة أخري . لم ينس أن يهمس في أذني أن أضع المبلغ المعلوم تحت سجادتها.

    تأمرني أن أغمض عيني ، وتلفُ غطاء داكنا حول جبهتي وعينيّ . تقرأ كلاما هامسا اختلطت فيه آيات وأدعية وأهازيج وهذيانات لا تتبين منها سوى همهمات غريبة. ثم صوت غطاء إناء ُيفتح وذرات مسحوق معطر ُينثر علي رأسي . أسمعُها تقول كأنها تحدث نفسها "زعفران...." . وتبخُ رذاذا من سائل ذي رائحة عبقة. تكرر هذا زمنا طويلا وأنا مربوط الرأس والعينين في حضرتها . تعطيني في نهاية الأمر كيسا صغيرا به أوراق تفوح منها رائحة حبر معتق . عليّ أن انقعها في الماء وأمسح بها رأسي وأسفل بطني قبل النوم . وترجوني أن أوافيها بعد أسبوع.

    تابع........
                  

03-11-2008, 05:24 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: عدتُ إلي غرفتي قبل متصف الليل . أخذتُ الكيس وأخرجتُ الأوراق الملفوفة. وأحضرت ِقدرا ملأتُه ماء وغمست فيه الأوراق . ثم انتظرتُ حتى طفح الحبر الأسود . مسحتُ رأسي وصدري . وترددتُ كثيرا قبل أن أمسح ما تبقي في القدر بأسفل البطن … في المنطقة المحرمة . لبرهة خلتُ أن الماء المتضمخ بالحبر يحوي كل الأسرار . أسرار البيوت المسوّرة ، وأسرار الروائح الهائمة من النوافذ المغلقة. غمرتُ أصابعي عميقا في قعر الإناء . كان ماء لزجا ، خِلتُه مُلتبسا بالأحرف وروح زهرة وشياطينها . قضيت وقتا طويلا حتي أيقنتُ أن المنطقة المحرمة أخذت نصيبها من المرهم السري . ولففتُ وسطي بملاءة السرير . و رغم ذلك بتُ أرِقا ساعات بعد انتصاف الليل . وفي الصباح استيقظتُ متعبا وتوجهتُ إلى المكتب .

    أستحضرُ الطقوس نفسها في كل ليلة وكنت لا أنام إلاّ والليل قد انقضي أكثره.

    اختفي الصداع في أيام وظل الأرق باقيا ومتربعا مقدمة رأسى . أحتالُ علي النوم بكرا وحينما أفشل أتأبط ما تبقى لدى من حسرة وأتمشى في الشوارع الخالية.



    **************

    تابع........
                  

03-12-2008, 05:16 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: انطلقتُ مسرعا ذلك المساء . موعدي مع زهرة .

    كرر بائع الكاسيتات ما فعله في المرة الأولي . همْهمَ بعد أن نفحتُه ورقتين . أغلق دكانه ، وفي الركن الذي انتظرناه فيه قبل أسبوع أخذ في استطلاع الطرقات . يتلفتُ يمنة ويسرة محدقا في عمق الممرات . وقبل أن يدور راجعا أوصاني ألاّ يراني أحد وأنا أدلف بيتها.

    طرقتُ الباب برفق وانتظرت . فتحتْ واحدة . بدت حذرة . وبدا أنها عرفتني فأخفت جسدها خلف الباب لكي أمر دون أن أمسها . سألتني إن كان رآني أحد فقلت لا أحد في الطريق . بدا صوتها مغايرا لذلك النغم الكهنوتي في الليلة الأولي. لهجتها أليفة. الثوب الوردي علي رأسها وجسدها . سألتني عن بلدي في السودان قلت لها إنني من الخرطوم . من حسن الحظ أنها لم تسألني في أول ليلة رأيتها فيها عن اسمي . تبدو لي مألوفة بوجهها المتعدد الهويات .

    دارت في رأسي رائحة فنيك مخلوطة بصابون الغسيل . رائحة الحمامات القديمة التي تستنشقها وأنت مار في الشوارع القديمة في الخرطوم جنوب . الشوارع المتربة والمساحات الخالية بين الأحياء . سألتني إن كنت أشعر بتحسن فذكرت لها أن الصداع اختفي وأن الأرق باقِ . وجهها صاف و جسدها رحب . كم عمرها ؟ أحسستُ تحت جلبابها الكثيف أن فخذيها عظيمان . لجسدها مظهر آلة الكونترباس. أنفاسها تصعد وتهبط وهي تعصر رأسي براحتيها. قالت وهي تلتقط أوراقا صفراء من تحت السجاد إن حالتي ليست غريبة . ولكنها تري أن تمسحني بزيت مخلوط بالدم. ذلك سوف يبعد عني الأشباح ... والأرواح الميتة.

    سألتْني إن كنت متزوجا . وأشارتُ عليّ ألاّ أقرب النساء مدة شهر. فقلت متهكما:

    - نساء ؟ في هذه المدينة ؟

    ضحكتْ وبانت أسنانها النضيدة . سألتني عن اسمي فذكرتُ لها اسما مختلقا . أين أعمل ؟ ذكرت لها اسم شركة وهمية .

    مدتْ لي ورقة صفراء وقالت اكتب لي هذه الورقة . أملتْ عليّ كلاما لا أفقهه ... بلغة غريبة .




    **************

    تابع........
                  

03-14-2008, 05:41 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: لم يحدث جديد في المكتب . فقد غادرتُه ذلك اليوم بعيد الثالثة بقليل . كان المدير ونائبه قد خرجا أولا وتبعتهما مسز فليروود التي كانت تتطلع من النافذة مترقبة قدوم الميني بص الذي سيقلها مع عدد من النسوة الأوروبيات وبعض الأطفال إلى حيث تسكن . لم تعد في الآونة الأخيرة تودعني كما كان الأمر في الأشهر الأولي ، ملوحة براحتها "باي" . بعد أن خلا المبني حملتُ حقيبتي الصغيرة وتسللت خارجا . كنت عازما علي التوجه رأسا إلى منزل زهرة . غير أنني تبينت أن ملابسي ليست مناسبة. ومن ثم توجهت إلى بيتي ، و هناك خلعت ربطة العنق والقميص الأبيض، الحزام ، البنطلون الغامق ، الجوارب والحذاء البني. ارتديت تي شيرت وبنطلون عادي وخف صيفي من الجلد الصناعي . علي الأقل لن يثير منظري أحدا . ولكن اسمي مختلق ، نفس الاسم الذي استخدمته مذ وطأت قدماي تراب حي لمزار . والآن أنا شخص آخر.

    دٌهشتْ زهرة لمّا رأتني وبدت محرجة علي نحو ما . حييتها كمن يعرفها منذ زمن بعيد . فعندما كنت أنزل درجات السلم الصامت في مبني الشركة فكرتُ أنني أريد رؤيتها نهارا . سئمتُ حقا أمسيات مسكنها المظلم . فما دامت شفتني من الصداع فلا بد أن لديها دواء للأرق الذي لم يعد يفارقني . فبالكاد نمت ساعة أو ساعتين ليلة البارحة.

    تابع.......
                  

03-16-2008, 06:07 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: مشتْ قُدامي في الممر المكشوف . كان ضوء النهار غامرا والجدران تنفث بخارها الحار . قادتني إلى غرفة أخري ، غير تلك التي استقبلتني فيها من قبل . رأيتها تحرر قدميها وتضعهما فوق ممسحة خشنة مثبتة أمام الباب ، ففعلتُ مثلها مبديا عدم التكلف . صدمتني برودة الغرفة المظلمة . أشعلت زهرة ضوءا فسفوريا خافتا وأزالت الثوب وبقيت بفستان بنفسجي يعتصر جسدها . غير أنها أبقت غطاء الرأس الذي تبدو من أسفله جوانب من شعرها القاسي . لاحظت أيضا جديلة من الشعر المستعار تتدلي ناعمة من تحت الغطاء . أستطيع الآن أن أخمن أصلها وفصلها . ظِل لونها الداكن لا يبدو أخضراً بما يكفي ، وحمرة خفيفة تكسو شفتيها . لو نزعت الغطاء عن شعرها لانكشف كل شئ . فمنذ الطفولة تدربنا علي التحديق في جذور الشعر ، خصوصا ملتقى العنق ومؤخرة الجمجمة ، مرورا بالمنخرين وغلظة الشفاه أو اعتدالهما.

    تابع.......
                  

03-17-2008, 06:45 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول رواية {الأسرار } للكاتب عبدالفتاح عبدالسلام (Re: omer abdelsalam)

    Quote: مع الضوء الخافت شاهدتُ طنافس ورياشا ملونا ، وثريا معلقة بالسقف . جهاز تلفزيون ضخم وتحته ما يشبه الفيديو . التلفزيون يعرض صورا بلا صوت . قالت إنها لا تدعو أحدا إلى هذه الغرفة . وتتمني أن تبني واحدة مثلها إن عادت يوما إلي الخرطوم . كانت رائحة الفنيك الممزوج بالصابون قد اختفت مذ دلفنا من الممر. جاءت خادمة آسيوية بأكواب العصير المثلج ، ثم جهزت النارجيلة لسيدتها . ولم تمض سوي دقائق حتي غطي الدخان الأبيض سماء الغرفة . عرضتْ عليّ أنبوب الدخان فاعتذرتُ شاكرا . و استغرقتْ في الدخان. بدت عيناها شديدتا السواد، شديدتا البياض . وعمّ الصمت سوي طقطقة الجمرات في أعلي الشيشة . ساقاها الممتلئتان تتمددان برشاقة ظاهرة . بزاوية ، لا تجيدها إلا نسوة قليلات. كم أمضت في هذه المدينة يا تري ؟ تبدو سعيدة بدخانها الذي تتعرج خيوطه كديدان بيضاء. هي في عالم آخر . لا وظيفة تمقتها . لا مدراء ... عيونهم من الرصاص الأزرق الذائب . لا تهديد بالطرد.

    تابع.........
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de