دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ع ع ابراهيم بين الصحفنة والفكرنة والاكدمة
|
عبد الله علي إبراهيم: بين الصحفنة والفكرنة والأكدمة (1) د. حيدر ابراهيم علي 1. بمثابة المدخل :-
ليس من اغراض هذه الكتابة نقد عبد الله أو الهجوم عليه، بمقدار ماهي تعبير عن أمل خاب واضيف للخيبات المتراكمة. ولكن خيبة الأمل في مثقف "كنا ندخره ليوم لقا وبدميها يتوشح" يكون أقرب إلى المرثية حين يكتب عن تعداد مآثره وامكاناته بأثر رجعي. وحين نتابع الهدر والنزف الاسبوعي أو المستمر لقدرات نادرة في اللغة و التحليل ولكنها تنساب في مسارب إلى برك راكدة ولا تكون التنابع المعطاء أبداً. هذا بلد فقير وشحيح في كل شئ، لذلك يزداد الحزن مع فقدان مبدع لندرة المبدعين. لذلك كانت من أشد لحظات حزني متابعة مآلات الشاعر صلاح أحمد ابراهيم والآن المبدع عبد الله على إبراهيم.
ظللت اتابع كتابات عبدالله بحب وشغف ولذة منذ سنوات طويلة و احتفظ بها. وفي هذه اللحظة أمامي مجلة الخرطوم أبريل 1970 بسبب مقال عبدالله: شهادات عن التجاني الماحي، والتي أكاد احفظها وبالقرب منها الطبعة الأولى من المهدي و العلماء عام 1968م وهو جديد أخشى عليه من أجل كتابته وتصميم صابر أبو عمر. ولا أفوت أية كتابة لعبدالله، وهو ليس حاضراً فقط من خلال كتبه بل كحكاية نموذج ومثال. فقد كان موضوعاً من موضوعات نقاشات شرسة مع المرحوم عمك يونس الدسوقي. فحين تمر سيرة عبدالله، أقول له:- والله انا زعلان للزول دا كان ممكن يكون جمال الغيطاني قبله بكثير. يقذفني بشيوعية بلا حدود لا ترى غير عبدالله الخارجي، وينفعل:- يا أخي سيبنا من تنظيراتك الفارغة دي، هو الغيطاني ذاتو يعني إيه؟ وبالفعل كانت كتابات عبدالله القديمة العبقة بعطر معتق من التاريخ بلا افتعال.
لكن - وما أقساها - أين عبدالله الشاب الذي يختم مقالته بتعريف نفسه مثل طريقة المداحين في آخر القصيدة :-
« كتب هذه السطور الحوار المحقور المبتغى شمول عناية ربه الغفور، عبدالله بن علي بن ابراهيم العبد الميسير و الاشتراكي المغيرير و البرجوازي الصغير تحريرا في يوم الخميس مطلع ربيع الثاني من سنة ثمان وثمانين وثلاثة عشر للهجرة النبوية الكريمة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم.»
و التصغير - بالمناسبة - لا يعني دائماً التقليل فقد يقصد به التعظيم و التضخيم. وفي إهداء كتاب " المهدي والعلماء" يكتب :-
« إلى علي ابراهيم علي ابراهيم - شِقتّت - ومرد الاسم إلى الشقاوة كونه كان يمسح رجله بالزيت ويعرض للناس في " درب الترك" فإذا اتسخت بالغبار جعل ليلهم أظلم من سجم الدواك.
إلى جمال بت أحمد ود حمد ود إزيرق الذي قال عنه الشاعر:-
" آحنك البليد البوم"
إلى أبي .. إلى أمي
لانني تلك الشقاوة ما ازال
وحَنك البليد البوم ... وساظل"
لأنك وعدتنا ان تظل " حَنك البليد البوم" واظنك تعرفه بذكائك اللماح، وكيف يعاني الآن تحت الظلام، نكتب مع العشم و الأمل أن تنطق باسمه وخاصة وقد صرت كثير الكتابة و الكلام. ولكن المسيكين البليد البوم، لا نسمع صوته من خلالك. فكانت مخاطبتك ضرورية، لأن الذكرى تنفع المؤمنين خاصة وانت من المؤمنين الجدد.
كان عبدالله يجلد طبقة الافندية أو البورجوازية الصغيرة لانها ممحوقة وقليلة الخير والفائدة، حين قارنها بالتجاني الماحي ولكنه الآن يقف في صفها ويدعمها، ليس لانه اختار ذلك ، ولكن لانه رفض الحداثة، و التجديد، و الانفتاح على الآخر، و الأصالة. يقول عن تلك الفئة الاجتماعية :-
" من ظننا فيهم الخير وتوسمنا فيهم القدوة تركونا لمناهج المدارس ومقرراتها العجفاء وتدافعوا بالمناكب يجنون ثمار السودنة بولع وشره ودناءة نفس وأخمدوا ما كان مأمولاً أن يسطع بدراً، وفقأوا عين نار القرآن والعلم، فقأ الله عيونهم فلا حكمة تصيب عندهم ولا حقيقة، تتضور مكاتباتهم جوعاً فلا جديد يضاف إليها منذ عهد الرسالة وكتابات جرجي زيدان وبعض كتابات دكينز التي غطاها الاهمال و الزهو الزائف طبقة من الغبار. واستهوتهم مسرات الحياة: البوتجاز و الثلاجة وراديو العربة وسلسلة مفتاح العربة وجراج العربة، وحصاد العربة في الطرقات المظلمة و المضيئة معاً، نحن ابناء الليلة المظلمة حقاً لان كل منارة وعدت بخير ووميض ذات يوم، عادت فانتكست وتسرب إليها السوس وماتت طمأنينة ومتعة حسية" ( مجلة الخرطوم ابريل 1970، ص 39-40)
ياترى كيف يشعر عبدالله مع الاسطر الاخيرة التي كتبها قبل 38 سنة؟
يمثل عبدالله مأساة يونانية قديمة في زمن جديد، أن يعيش الانسان حياتين في عمر واحد. ففي بعض المسرحيات يبحث البطل عن مكان لاخفاء جثة أو قتيله الخاص، وعبدالله يبحث عن اخفاء تاريخه أو دفنه في مكان لا يرى و الأهم من ذلك ألا يلاحقه. ولكن عبدالله وجد نفسه في حياة لها جغرافية ملأى بالمرآيا التي تظهر وجهه القديم ووجوهه الجديدة. وصار تاريخه كطائر البوم الذي ييقظه كلما اراد أن ينام ويهدأ. ويظن عبدالله أنه يطالبه بثأر ما فيمسك عبدالله بالقلم. ويهرب إلى الكتابة أملاً في المطهر (Catharsis) من التاريخ و الحاضر و المستقبل . لذلك تأتي كتابة عبدالله، رغم معالجتها لقضايا يومية شديدة التجريد فوق الارض و الناس، وفوق السماء أيضاً.
2- الكتابة لماذا؟
يفترض أن يكون عبدالله من اكثر الناس إلماماً بالالتزام في الكتابة وانحيازها كما كان شعار الصراحة يقول: لجانب الشعب فهو لم يكن عضواً شيوعياً عادياً، كان مسؤولا عن الثقافة والتثقيف والمسرح والفنون ... الخ، فليس من اللياقة أن أعلمه ماذا يعني الالتزام ومسؤولية الكلمة. ولكنني في الفترة الاخيرة، وبعد كل مقال أو كتابة، اردد في داخلي: هل سأل عبدالله نفسه : لماذا أكتب؟ وماذا أريد أن أقول أو أوصل بالضبط. وكان المعلمون الفلاسفة يسألون طلابهم الجدد وزملاءهم :-
- ما عطشك ؟
فما عطشك يا عبدالله حين تكتب وبهذه الكثرة؟ ماهى القضية أو القضايا التي تلاحقها؟ وماهى الحقيقة التي تريد أن تجلي عنها الغموض؟ بالمناسبة ، يصعب أن تكتب عن قانون الشرطة وحتى ثقافة ما بعد الكولونيالية أو الحداثة، دون أن تتبين الفكرة الجوهرية في كل مقال. إذ يفترض بعد كل مقال أن يخرج القارئ بالفكرة الاساسية وان يدعي القارئ انك أردت أن تقول كذا وكذا ، وتكون بالفعل قصدت ما قلته.
إستن عبدالله بينة قرائن الاحوال - في كتابته عن منصور خالد وفتح باب التأويل والاجتهاد أو حتى تخريب النص، لكي يثبت فرضياته. لذلك، قد أعطي نفسي الحق في الاجابة عن سؤال لماذ يكتب عبدالله طوال السنوات الممتدة من نهاية السبعينات؟ يكتب عبدالله وفي ذهنه كيف يكيد ويغيظ الاعداء وهم كثر في مخيلته. وبدأت المسألة دفاعية ولكنها أصبحت جزءاً من دوافع وشخصية الكاتب: لا بد أن تجد مقالته من تغيظ أو تستفز. ولا أدري فقد يكون أثر أيقونته الجديدة: الشيخ حسن الترابي، ليس بعيداً وهو صاحب فكرة المكايدة. ولان هاجس المكايدة يغلب على عبدالله فهو ينسى ويهمل اساليب الكتابة التي يجيدها تماماً. فاصبحت مقالات عبدالله مثل القصائد الجاهلية تفتقد وحدة الموضوع والترابط. وهى طريقة قد تكون في بعض الكتابات مرغوبة: تداعي، تيار الشعور... الخ. وقد تعجب القارئ كتابة من نافذة القطار لعبدالله الطيب. ولكن حين الموضوع راهنا وساخناً ومؤثراً في السياسة أو المجتمع. ويبدو أن عبدالله يجلس ويبدأ يكتب كردة فعل لحدث أو مقال ما ، ثم أثناء الكتابة نفسها وليس قبلها تظهر فكرة / افكار وقد لا تقابله، ليس مهما فاللغة رشيقة. ولو صادفه الحزب الشيوعي في تجواله فستكون هذه غاية المنى.
تقودني النقطة الأخيرة لتحليل آخر لدوافع الكتابة. فعبدالله يرى نفسه - سلباً أو ايجابياً - في مرآة الحزب الشيوعي أو الشيوعيين وهنا أكرر أن خروج الانسان من تنظيم الحزب لا يعني بالضرورة أن الحزب قد خرج منه. ويظل أثر الحزب الوشم (tattoo) النفسي والسلوكي والروحي والفكري، لا يمكن ازالته. فالشباب في اوربا والغرب يرسمون وشماً في فترة الشباب والهوى، وعندما يكبرون يخجلون منه ويحاولون إزالته دون جدوى. واظن أن غارودي قد قال قولاً مثل هذا حين فصل من الحزب الشيوعي الفرنسي. (نواصل).
- نقلاً عن صحيفة الصحافة اليومية – السبت 15 مارس 2008م
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ع ع ابراهيم بين الصحفنة والفكرنة والاكدمة (Re: mohmmed said ahmed)
|
سلامات يا محمد سيد أحمد.. مشتاقين..
قرات مقال د. حيدر في بوست عبد الله عثمان وهو مقال تحليلي رصين..
والآن أشكرك على إفراد بوست له لأهميته..
قلبي ودعواتي مع الدكتور عبد الله علي إبراهيم، وأرجو أن يكون في مشوار تحتاج إليه نفسه ثم يعود..
بالمناسبة: ارجو أن تكون لاحظت أن شرائح المحكمة قد قمت بوضعها في يوتيوب وفي سودان فورأول، فقد تذكرت يوما أنك طلبت شريط المحكمة..
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ع ع ابراهيم بين الصحفنة والفكرنة والاكدمة (Re: mohmmed said ahmed)
|
والرجل، حاله حال الإسلاميين الجدد، لا هو حفيظ على الإسلام ولا هو حفيظ على "الجدة"!! أقرأ لوجدى الكردى فى بابه حروف متقاطعة بالرأى العام عن إسلامى "جديد" آخر (راشد عبدالرحيم)
راشد عبد الرحيم عقب عودته من أديس أبابا كتب الأسطر التالية في (الرأي العام) دون أن يتم التنكيل به من قبل (الباب العالي)، على الأقل حتى الآن، راشد كتب:
(كانت مغامرة على طبق من الانجيرة لا يقلل من حُسنه، حُسن من يقدمه.. ومع كل طبق تتقاطر عليك (الحسان) طبقا إثر طبق، يفتح الشهية ويفتح (الأمل) لمرضى السكر في وجبة مُشبعة مأمونة لاسيما وأن الأنجيرة متوافرة في أسواقنا ولمن هم في (مثل حالنا) ..
ولعله (إلى من يهمها الأمر) أن تعلم أن عليها البحث عن (مدخلات الانجيرة) في الخرطوم وتتعلم صنعها أو البحث في إحتمال تعايش سلمي مع (رفيقة) من أهل الهضبة..
عزيزي الاستاذ راشد عبد الرحيم:
ولو..!
(ي)
http://www.rayaam.net/hikayat/coulm1.htm
| |
|
|
|
|
|
|
|