|
حوار مع الاستاذ عمر القراى حول الاستاذ محمود والجمهوريين 2
|
ويواصل الاستاذ القراى فيقول :
أدان المقال الجمهوريين بسبب عدم نقدهم لآراء الاستاذ محمود فقال ( إلا ان الظلم الحقيقي يتبدى في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن ان ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه ..) والحق ان هذا واجب غيرهم من المثقفين ، لان الجمهوريين مؤمنين بصحة ، وصلاحية ، وواقعية أفكار الاستاذ محمود ، وهو يسعون لمعيشتها ، ويدعو بعضهم لاشاعتها وسط الناس .. فاذا كانت الفكرة الجمهورية تحتاج الى نقد ، فان المناقشة الموضوعية تتوقع من المثقفين ، ولقد كنت اود لو استطاع الاستاذ عادل ، القيام بهذا الدور ، ليضع ايدينا على الخطأ في صلب الفكرة ، بدلاً من مطالبتنا نحن ، بادانة الحق الذي لا مراء فيه .. أم لعل الاخ عادل يظن انه قد قام بهذا الدور ، بكتابته لهذا المقال الذي بين ايدينا؟!
ورغم ان الاستاذ عمر يبدا فى صدر مقاله من التبرير ؛ والقاء المسؤولية على الاخرين ؛ الا انه فى متن مقاله ياتى للموافقة على بعض ارائى ؛ ويكيل من النقد للجمهوريين ؛ ما لامسته انا مجرد ملامسه ؛ ولا اعتقد انى فى تقييمى للجمهوريين ؛ ولردة فعلهم بعد مقتل الاستاذ ؛ قد اختلفت كثيرا عن اراء الاستاذ عمر عن رفاق دربه ؛ وحالة الانكفاء والنكوص التى ركبتهم ؛ ولا تزال تتلبس الكثير منهم . .
كمالا ازعم انا ان مقالى ذاك المتواضع ؛ قد قام بمهمة النقد والتحليل للفكر الجمهورى ؛ وذلك بسبب ظروفه التى قام فيها ؛ ولامكانياتى المتواضعة فى هذا الصدد ؛ ولاسباب اخرى . الا انى قد حاولت مقاربة هذه المهمة ؛ حين كتبت مقالا بعنوان :"الاخوان الجمهوريين تحت منظار النقد والتاريخ 1945-1985 "؛ والذى قمت بنشر الجزء الاول منه على الشبكة العالمية ؛ وببعض الصحف . وقد تفضل الاخوان ياسر الشريف وعمر عبدالله بالرد على بعض اطروحات هذا المقال ؛ وتصحيح بعض المعلومات . ورغم انى قد اخذت بعين الاعتبار تصحيحاتهما فيما يتعلق بالاحداث ؛ الا انى احتفظت برايى كما هو فيما يتعلق بالتحليل ؛ والذى يعتمد على منهجى ونظرتى ؛ وليس منهج الجمهوريين او نظرتهم .
وفى الرد على كل من المقالين ؛ عن محمود والجمهوريين ؛ والذين حرصت على ارسال نسخ منهما الى بعض الجمهوريين للاستئناس بارائهم ؛ فقد كانت بعض التعليقات حادة جافة ؛ فى اسلوب لم اعهده من الجمهوريين ؛ وكنت اتمنى لو كان الاحترام مشتركا ؛ والنظر بعين العطف الى الاجتهاد مبذولا ؛ حتى ولو ارتكب صاحبه الاخطاء ؛ طالما كان مبغاه الحقيقة وحاول ان يلتزم فيه بقواعد البحث والمراجع المتوفرة .
يقول الاستاذ عمر :
أورد المقال شذرات من بعض أراء الصوفية دون أن يناقشها ، وكأن خطأها أمراً مفروغاً منه ، ولقد كانت العلمية تقتضي ان يورد دفعهم عنها ، وشرحهم لها ، حتى لا يظن القراء ان أصحابها أوردوها بهذه الصورة المبتورة ، ودون حجة من صريح النصوص ..
وفى الحقيقة فقد دهشت لهذه الفقرة . فحين اوردت شذرات من اقوال الصوفية ؛ فلم اشر تلميحا او تصريحا بانها خطا ؛ ولم افترض الخطا فيها . وانما اعتمدت علييها كنصوص تفسر رؤيتى لماساة محمود ؛ وذلك مثل قول الجنيد " لا يبلغ أحد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه ألف صديق ؛ بأنه زنديق" ؛ وفى متن النص اوردت اقوال لبعض الصوفية ؛ وذلك لمقاربة الاتفاق والاختلاف بينها وبين اطرحات الاستاذ محمود ؛ ولم يكن موقفى منها فى كل ذلك موقف الحكم ؛ ناهيك ان افترض خطأها او ادفع القارى الى هذه النتيجة ؛ والتى لم تطرا على بالى ؛ ولا ادرى تحت اى ظرف توصل اليها الاستاذ القراى .
بعد هذه المقدمة ؛ حاور الاستاذ عمر اطروحاتى فى ثلاثة محاور رئيسية ؛ وهى صوفية الاستاذ محمود ؛ وتقييم الجمهورين ما لهم وما عليهم ؛ وبؤس النقد اليسارى للفكر الجمهورى ؛ وفى هذا الصدد فانى اعلق ببضع جمل عامة ؛ دون الدخول فى التفاصيل .
اما حول صوفية الاستاذ محمود ؛ فقد اورد الاستاذ عمر ما يراه من طريق الصوفية ؛ ومن مقاربتها لسنة الرسول ؛ ومن تقدير الاستاذ محمود للصوفيين . وهو فى كل هذا وذاك لم ينقض ما رايناه من تماهى الفكر الصوفى مع الفكر الجمهورى ؛ وقد راينا نحن ان منهج الاستاذ محمود ؛ حين يتقارب مع الصوفية ؛ الا انه ايضا يتقاطع معها ؛ فكتبنت :
أن محمود في فكره ؛ يتماهى مع الحلاج والسهروردى وابن عربي ؛ وان كان في صورة سودانية معصرنة ؛أي بالشكل الذي فرضه واقع الزمان والمكان الجديدين
إن محمود بتنظيمه للحزب الجمهوري ؛ ومن بعد للإخوان الجمهوريين ؛ قد خالف طريق الصوفية الفردي ؛ فإذا كانت العلاقة بين الصوفي والمريد ؛ بين الشيخ والحوار ؛ بين القطب والسالك ؛ هي علاقة فردية قائمة على الاتصال الشخصي والتأثير المباشر ؛فان محمود حاول بناءها عن طريق تنظيم ؛ رابطة ؛ جماعة ؛ تغير اسمها من الحزب إلى الإخوان ؛ إلا إنها احتفظت دائما بصورتها كتنظيم له أفكاره الفلسفية والاجتماعية وله نشاطه السياسي .[iv]
ومن الطبيعي أن نمو الأحزاب السياسية والنقابات ومعركة الاستقلال ؛ وهى الأحداث التي عاصرها محمود ؛ ووجود ونشاط التنظيمات الدينية القديمة والجديدة ؛ في شكل طرائق دينية أو طرق صوفية أو حركات سلفية ؛ قد فرضت على أي مفكر جاد الانخراط في درجة من درجات العمل التنظيمي والفعل الاجتماعي والسياسي ؛
إن محمود في سعيه لنشر فكره ؛ قد كان مواجه بمشكلة الأداة ؛ وقد اختارها بان يطرح كل أفكاره أو جلها في كتبه وإصداراته ؛ حتى يتصل بها مع تلاميذه ومؤيديه ؛ لكنه بهذا طرحها أمام الجميع ؛ فعرضها بذلك لسوء الفهم –أو سوء النية – المعشعشة في البيئة السلفية ؛ التي حاصرت بها المؤسسات الدينية الرسمية المسلم العادي في وسط وشمال السودان لعشرات السنين.
انى وان ان زعمت مماهاة سيرة الاستاذ للسهروردى والحلاج ؛ بنهايتهما الماساوية ؛ الا اننا رايت ان قتل كل منهم قد كان لاسباب سياسية ؛ حيث كتبت :
وفى الحقيقة فهناك تشابهات مذهلة ما بين شخصية محمود ومصيره وشخصية الحلاج ومنتهاه – يذكر هادى العلوي أن الحلاج قد قتل لتأسيسه تنظيما سريا لمعارضة السلطة ؛ وليس لشطحاته الصوفية – ومحمود رغم انه لم يذهب إلى مرحلة الحلاج ؛ من معارضة السلطة منذ البدء أو تصريحات الانجذاب ؛الا انه قد قتل حتما لاسباب سياسية.
ان هذا الذى ذكرت ؛ يقف فى تناقض واضح مع النتيجة التى توصل اليها الاستاذ عمر القراى ؛ حيث يكتب :
. ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع..
ويمضى الاستاذ عمر ؛ فى تحليل طويل لسلوك الاستاذ محمود السياسى ؛ ليصل لاثبات التناقض والاضطراب فى تحليلاتنا ؛ الذى اشار اليه فى البدء ؛ حين قال :
اتسم المقال بالاضطراب ، فتأرجح بين الثناء على موقف الاستاذ تارة ، وبين أدانته تارة أخرى ، فهو مرة يقول ( قد رفض محمود التعامل معها (المحكمة) وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ...) ومرة أخرى يقول (ان محمود بهذا النص القصير ( امام المحكمة) قد سجل تقدماً في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ) !!
وانى ازعم بن لا تناقض ولا اضطراب ؛ فموقف محمود الكلى بعدم التعامل مع المحكمة احسبه فى دائرة الخطا السياسى ؛ حيث كان يجب اتخاذ موقف اكثر ايجابية من مجرد المقاطعة . وفى هذا لا ادعو انا الى الانكسار للقانون الظالم وقضاة السوء ؛ كما فعل الاب فيليب عباس غبوش ؛ وانما الى مقارعة الجلادين ؛ وهزيمتهم حتى فى المحاكم؛ والاستفادة من التحركات الشعبية ؛ والتى حصرها الجمهوريون فى انفسهم ؛ بمسيراتهم السلمية . ورفضوا التنسيق مع الاخرين ؛ لبناء جبهة مقاومة لمحاكمة الاستاذ ؛ ولتسيير المظاهرات ضدها – وهذا ما حدث فى عطبرة مثلا – وفى كل هذا فقد ضيعوا فرصا للعمل المعارض لا تعوض .
اما تقييمى العالى لمقولة الاستاذ امام المحكمة ؛ وهى تفصيل خرج به عن عموم رفض التعامل ؛ فينبع من تسجيلها لتطور موقف محود ووصوله الى قناعات راسخة مع الديمقراطية والتعددية وكرامة الانسان ؛ ومقاربته للفكرة العلمانية ؛ وقطعه لاخر الخطوط مع النظام المايوى ؛ والذى وقف معه الجمهوريين فى كل تقلباته حتى العانم 1983 .
وانى اذ احيى الاستاذ عمر فى ايصاله لنا المعلومات عن تطور حركة الجمهوريين بعد مقتل الاستاذ ؛ ونقده لبعض المواقف والاراء والسلوكيات ؛ من موقعه هو كجمهورى ؛ فانى لا ازال احتفظ بارائى التى سطرتها فى ذلك المقال ؛ واضيف اليها فى تقييم الجمهوريين ما كتبته عنهم تحت منظار النقد والتاريخ ؛ وهو مقال اعد بنشر الجزء الثانى منه قريبا بالشبكة العالمية .
|
|
|
|
|
|