|
عبدالوهاب البونى ينعى الشهيد
|
رحل أبوالرنتيسى ما ان وطئت قدماه أرض جامعة الخرطوم في منتصف السبعينات من القرن الماضي ومن أول اسبوع له الا وكان حديث الطلاب، فقد دخل قهوة النشاط واقتحم ركن الجمهوريين الذى كان يديره «الركاني» الكبير السريع البديهة والساخر احمد المصطفى دالي وما زالت ترن في اذني كلمات محمد طه محمد احمد «يا دالي عرف لي الكهربية» و«عرف لي» هذه قالها باصالة شايقية «طازجة» أضحكت كل الحاضرين، ثم شرع في اصدار صحيفته الحائطية «اشواك»، حيث كان الكلام عن الطيب صالح ونجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله واحسان عبدالقدوس والمنفلوطي وما زلت أذكر أحد عناوين اشواك الذى يقول «لو وجدت مجلة الجامعة ملقاة على الأرض لما كلفت نفسي الانحناءة لاخذها».
بعد التخرج ظهر محمد طه كمقاوم لنظام نميرى ورغم مصالحة الجماعة الاسلامية التي ينتمى اليها محمد طه إلا انه ظل مستقلاً في تفكيره، كان اقرب للمعارضة منه لموالاة الحكومة وبعد نهاية نظام نميرى كان محمد طه احد نجوم الاعلام الاسلامي المعارض فصحيفة «الراية» كانت المساحة التي تمدد فيها محمد طه وما زلت اذكر احد عناوينه البارزة في أيام فيضان 1988م حيث انعدمت الخدمات في العاصمة «حكومة العطش والجوع والظلام».
بعد مجيء الانقاذ تجول محمد طه في عدة صحف الى ان استقر به المقام في صحيفته الخاصة «الوفاق» التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في يوم من الأيام، الآن وبعد عشر سنوات من صدور «الوفاق» التي صال وجال فيها محمد طه وقام فيها بتحريك الشخوص السياسية كما يشاء يوماً في خانة الصديق ويوم آخر في خانة العدو، قلم محمد طه لا يعرف التحالفات ولا يعرف الاصدقاء الدائمين ولا يعرف الاعداء الدائمين انما يعرف الصدق مع النفس، فاللحظة التي يمسك فيها محمد طه بالقلم هي التي تفرض عليه ما يكتب لا يعرف قبلها ولا يريد ان يعرف بعدها، بعد عشر سنوات من صدور «الوفاق» ارتفعت روح صاحبها الى بارئها وبطريقة لا سابقة لها مثلما كان محمد طه نفسه لا سابق له، اذ كان فريد زمانه وقد كان «رجل نفسه» لم يكن مطية لأحد أو مؤسسة أو تنظيم لذلك كان داوياً في حياته وداوياً في مماته..
بكل المقاييس قد انجز محمد طه في عمره القصير ما لم ينجزه أناس ولجوا العمل العام وعاشوا ضعف ما عاشه محمد طه من سنين.. وأشهد الله انني سمعته بأم أذني وأكثر من مرة وهو يقول انه يريد ان ينجز اشياءه بسرعة لأنه سيرحل بسرعة ولن يعمر في ارض السودان هذه. فمحمد طه قال كلمته في الوطن وفي الدين وفي المجتمع وكانت رؤيته في غاية الوضوح اتفقنا أم اختلفنا معه. ولكننا جميعاً نعترف بأنه صاحب مشروع وصاحب رؤية ولم يكن متسيباً أو متناقضاً أو جباناً في طرح أفكاره، اللهم أرحمه وأغفر له وأنزل شآبيب رحمتك على قبره وأجعل البركة في ذريته
|
|
|
|
|
|