|
ظلام يسيل.. قصيدة أم قراءة ليوم أسود آت؟ اليوم أغتيل محمد طه محدمد أحمد
|
في الساعات الأخيرة الفائتة أردت أن أكتب عن "مظاهراتنا ومظاهراتهم"، أردت أن أترجم قصة البريطانية التي ظنت المسئول الذي طرق باب بيتها قد جاء يخبرها عن إصابة إبنها المجند في العراق فإذا به يخبرها عن مقتل إبنها الثاني الذي ذهب في رحلة سياحية إلى الأردن.أردت أن أكتب عن منبر النقاش في هايد بارك وعن تصريحات ميركل رئيسة ألمانيا وعن خيبة أمل في نساء تولين مناصب كانت قصرا على الرجال .أردت أن اكتب عن أصحاب القبعات الزرقاء المتوقع وصولهم إلى بلادنا قريبا. وقبل أن أبدأ الكتابة في أي من تلك المواضيع جلست أتابع نشرة الأخبار على قناة الجزيرة فإذا بي أقرأ خبرإختطاف وإغتيال رئيس تحرير الوفاق . إتجهت إلى العربية فإذا بشريط الأخبار فيها ينشر الخبر. إتجهت إلى تلفزيون السودان فإذا بكل شيء يسير عاديا والفضائية تبث فلم كرتون.تذكرت أن تلفزيون بلادي لا يغير برامجه إلا لأمر جلل.كأن يغادر عالمنا رئيس دولة ما أو شخص ما،أو يزور بلادنا رئيس ما أو شخص ما.
محمد طه محمدأحمد عرفناه وهو طالب في كليةالقانون يدافع عن لأتجاه الأسلامي بضراوة واختلفنا معه في الطريقةالتي يهاجم بها خصومه . قرأنا له أعدادا من جريدته الحائطية واختلفنا معه حتى في تسميتها (أشواك.) رأيناه يواصل الكتابة في صحف الجبهةالأسلامية في الديموقراطية الثالثة بذات الطريقة التي انتهجها في أركان النقاش بالجامعة حادة وصريحة وصاخبة ومتطرفة في الخصومة وهي تهييء للأنقضاض على الديموقراطية الثالثة . وعندما جاءت الأنقاذ بكل مشاريعها ومواعينها ضاقت مساحات الأعلام فيها بمحمد طه وصراحته وتلقته المعتقلات التي تلقت من قبل خصوم النظام. وعاد إلى السلطة الرابعة وأنشا صحيفة الوفاق ليجد لنفسه مساحات خبر رحابتهامن قبل في جريدة أشواك ويخوض معارك قادت اخيرا إلى هذا الأمر الجلل.
هاهي قناة العربية تظهر جثمان الفقيد تحيط به جموع الصحفيين وهذا سيدأحمد خليفة يشير بيده وكأنه ينعي للعالم أجمع محمد طه. لننتظر السودانية فقد يكون هناك تفاصيل أكثر.تغطية واسعة لرحلة الرئيس ربما للشرق. الرئيس يقسم بأنه لن يسمح بدخول القوات الدولية. نعم . نحن أيضا ضد القوات الدولية الأستعمارية ولكن ثمة أمر جلل يحيط ببلادنا، يخرب دواخلناويقوض أجمل مافينا. هذا الأمر الجلل نراه ذهولا على وجه إدريس حسن ذلك الصحفي القدير الذي شهد أحداثاجساما مرت بها الصحافة والصحفيين ولكن ما يحدث الآن يبدوفوق الكلمات والتعبير. وسيد احمد خليفة مخضرم المعتقلات والمطاردات يحاول أن يعبر عن صدمته وغضبه واستنكاره.
وزير الداخلية بروفيسور الزبير يبدو عليه الحزن وكذلك مدير الشرطة. ويا سيدي البروفيسور كيف يحدث كل هذا الآن وفي هذا الوقت؟ عثمان ميرغني يعلن أنها "لشرارة الأولى " وويلاه من مستصغر الشرر. فقد سبق وأن أعتدي على مكاتب الوفاق في وضح النهار وأصيب بعض العاملين فيها.
الذهول والبكاء والدموع. دموع الرجال والنساء،تلك صورة المشهد كما نقلته شاشة الفضائية السودانية. محمد طه الذي وصفه ضياء البلال بالرجل الذي أثار كثيرا من الجدل أثار مقتله الكثير من البلبلة والأستنكار والغضب . صحف الخرطوم تعلن الحداد وتتشح بالسواد.
محمد طه محمد أحمد عرفناه واختلفنا معه كثيرا واحترمناه كثيرا،فقد عاش ومات صادقا مع نفسه. الذين اختلفوا معه ، قد لا نعرفهم جميعا ولكنا نستطيع أن نخمن من هم. الذين أدانوه قد لا نعرفهم جميعا ولكننا نسطيع أن نخمن من هم. الذين إختطفوه من بين أهله وأطفاله وإجتزوا عنقه لا نعرفهم ولا نستطيع أن نخمن من هم. هؤلاء غرباء عن الوطن الذي عرفناه وربما جاءوا مع الظلام الذي يسيل. وربما كانوا هم الظلام الذي يسيل.
وعذراأستاذنا الكبير بشرى الفاضل إذ استعرت مطلع قصيدتك فأنا أعرف ما يفعله الغموض بالمعاني. ولكني وللحق أجدها تعبر عن هذا الأمر الجلل.
ظلام يسيل مدينتنا أدخرت ضوءها للظلام الأخير ولكنه جاءها سائلا وفاجأها أحدبا مائلا
|
|
|
|
|
|