دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
أسباب إنتشار ظاهرة التكفير في الأمة الإسلامية ونشأته التاريخية ومصادره الفكرية
|
أسباب إنتشار ظاهرة التكفير في الأمة الإسلامية ونشأته التاريخية ومصادره الفكرية
المصدر : مقتطفات من كتاب \ التكفير وضوابطه. تأليف \ الدكتور. إبراهيم بن عامر الرحيلي. الاستاذ المشارك في كلية الدعوة وأصول الدين. قسم العقيدة. بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
الحمدلله الذي لا إله إلا هو له الحمد في الاولى والآخره، بعث رسوله بالدين القويم وأحسن له في الدارين العاقبه، وشرف أمته على سائر الأمم فهي إلى كل خير سابقة، أحمده على نعمه وآلائه السابغة، وأصلي وأسلم على رسوله ذي المناقب العالية، والدرجة الرفيعة الباسقة، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى قيام الساعه. وبعد:
بدء نشأة التكفير بغير دليل في الأمة وأسبابه.. :
ترجع نشأة التكفير بغير دليل إلى وقتٍ مبكر من تاريخ الأمة، حتى إن العلماء ذكروا أن التكفير بالذنوب هو أول البدع التي ظهرت في الأمة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (( ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفر أهلها المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم )).
وكان أول من أظهر التكفير بغير حق هم الخوارج، وقد كان الكثير منهم في جيش علي -رضي الله عنه- يوم صفين، فلما اتفق علي ومعاوية -رضي الله عنهما- على التحكيم، وكان ذلك في شهر رمضان من السنة السابعة والثلاثين من الهجرة أنكر الخوارج أمر التحكيم، وبالغوا في الإنكار على علي وقالوا له: حكمت الرجال في كتاب الله، لا حكم إلا لله، ثم صرحوا بكفره. قال أبو الحسن الأشعري: (( أجمعت الخوارج على إكفار علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- أن حكم، وهم مختلفون: هل كفره شرك أم لا ؟ وأجمعوا على أن كل كبيره كفره، إلا النجدات، فإنها لا تقول ذلك )).
وذكر بعض المحققين في المقالات والفرق: إجماع الخوارج على: إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما والخروج على السلطان الجائر.. ثم أن الخوارج بعد رجوع علي -رضي الله عنه- من صفين انحازوا إلى حروراء فسموا حرورية لذلك، وكان عددهم اثني عشر ألفاً، فأرسل إليهم علي- رضي الله عنه- ابن عباس -رضي الله عنهما- فناظرهم فرجع نصفهم، والآخرون أغاروا على ماشية الناس، واستحلوا دماءهم.
وقتلوا عبدالله بن خباب بن الأرت، ثم دخلوا منزله فقتلوا ولده، وجاريته أم ولده، ثم عسكروا بنهروان، فسار إليهم علي -رضي الله عنه- في أربعة آلاف من أصحابه، فلما قرب منهم أرسل إليهم: أن سلموا قاتل عبدالله ابن خباب، فأرسلوا إليه: إنا كلنا قتله، فقاتلهم علي -رضي الله عنه، وقتلهم جميعاً ولم يفلت منهم إلا تسعة، ولم يقتل من أصحاب علي إلا سبعة، وقيل تسعة. وجعل علي يمشي بين القتلى منهم، ويقول: بؤساً لكم، لقد ضركم من غركم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ومن غرهم؟ قال: الشيطان، وأنفس بالسوء أمارة غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي ونبأتهم أنهم ظاهرون..
فكان الخوارج هم أول من عرف في الأمة بالتكفير بالذنوب، وتكفير أهل الإسلام بغير حق، لكنه لم يبقَ محصوراً فيهم، بل شاركهم في ذلك الرافضة الذين هم شر منهم -في التكفير وغيره من عقائدهم- حيث كفّر الرافضة خيار الأمة، وهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتقدوا ردّتهم بترك ولايةعلي -بزعمهم- ،جاء في كتاب الكافي، وهو من أصح الكتب وأوثقها عندهم ،عن أبي جعفر -بزعمهم- أنه قال (( كان الناس أهل ردّة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ثلاثة، فقلت ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد ابن الأسود، وأبو ذر الغفار، وسلمان الفارسي )). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (( الرافضة كفَّرت أبا بكر وعمر وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفّروا جماهير أمة محمد من المتقدمين والمتأخرين )).
ثم أن عدوى التكفير من الرافضة والخوارج، إلى القدرية والمعتزلة، الذين ظهرت بدعتهم في القدر في آخر عصر الصحابة، فتبرأ من أدركهم من الصحابة منهم، ومن بدعتهم..
وهكذا لا يزال داء التكفير بغير برهان، ولا مستند شرعي، يستشري من طائفة إلى طائفة من اهل البدع حتى أصبح سمة بارزة، وعلامة ظاهره لعامة الفرق المبتدعة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (( من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين، بل يجعلونها من الإيمان الذي لابد منه، ويكفرون من خالفهم فيها، ويستحلون دمه، كفعل الخوارج، والجهمية، والرافضة، والمعتزلة، وغيرهم. وأهل السنة لا يبتدعون قولاً، ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفاً لهم، مكفراً لهم، مستحلاً لدمائهم، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان، وعلي، ومن والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين )).
التكفير في العصر الحديث ومصادره.. :
لقد انتشر التكفير في هذا العصر انتشاراً كبيراً ، يفوق ما كان عليه في العصور الماضية. ومن أبرز المصادر والأسباب التي أدّت إلى إنتشار التكفير في أوساط المسلمين اليوم حتى عم هذا الداء خلقاً كثيراً ممن لم يكونوا معروفين ببدعة بعض الجماعات الدعوية المعاصرة التي لم تنشأ على السنة، بل تتخبط فب البدع والضّلالات، إما لسوء مقاصد القائمين عليها.(........)، وإما لجهلهم بالدين!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
فكان من نتاج الجماعات كثير من تلك الكتب المسماه بـ : (الكتب الفكرية)، التي أفسدت عقائد كثير من المسلمين وانحرفت بهم عن جادة الدين، فهي تنظر للمجتمعات الإسلاميه المعاصره أنها مجتمعات جاهلية كافرة، نبذت الإسلام ظهرياً، واعتنقت الكفر الصريح، ولم يسلم من ذلك أحد من أفراد الأمة حكاماً، ومحكومين، ذكوراً وإناثاً، شيباً وشباباً، مما كان له أكبر الأثر في وجود جيل معاصر تربى على هذه الكتب، فزرعت في نفوسهم بذرة التكفير العام للمجتمعات الإسلامية المعاصرة، حتى أصبحت عقيدة راسخة عند هؤلاء، ولا يسأل بعد ذلك ما وراء هذا الاعتقاد من فتن وشرور.
تعريف الكفر..:
في اللغة: الستر والتغطية. وفي الشرع: وقد جاء تعريفه في كلام العلماء بعدة ألفاظ: نقل الأزهري عن الليث في تعريفه، أنه (( نقيض الإيمان )). وقال ابن القيم: (( الكفر جحد ما علم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاء به، سواء كان من المسائل التي يسمّونها علمية أو عملية، فمن جحد ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد معرفته بأنه جاء به فهو كافر في دق الدين وجله )). وقال السعدي: (( حدّ الكفر الجامع لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده هو: جحد ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو جحد بعضه )).
الفرق بين الكفر والشرك والنفاق.. :
اختلف العلماء في التفريق بين الكفر والشرك، هل هما بمعنىً واحدٍ ... فذهب بعضهم إلى أن الشرك والكفر بمعنىً واحدٍ، وإليه ذهب أبو بكر الأصم. قال (( كل من جحد رسالته فهو مشرك، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (النساء). فقد دلّت الآية على أن ما سوى الشرك قد يغفره الله تعالى في الجملة، فلو كان كفر اليهود والنصارى ليس بشرك، لوجب أن يغفره الله في الجملة، وذلك باطل )). وذهب فرق آخر من العلماء إلى التفريق بينهما وأن الكفر أعم من الشرك. قال الإمام النووي (( إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وهو: الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما، فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك. والله أعلم )).
الشرك لغةً: يدل على مقارنة وخلاف انفراد. ذكر هذا ابن فارس. وفي الشرع: عرفه العلماء بانه: (( جعل شريك لله في حقه )). فتبين بهذا عموم الكفر وشموله لكثير من الأفراد، كإنكار شئ مما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم، أو سب الله ورسوله، أو امتهان المصحف، أو الاستهزاء بالدين، مما لا يدخل تحت الحقيقة اللغوية أو الشرعية للشرك، وهذا بخلاف الكفر فهو متضمن معنى الشرك وأكثر.
أما النفاق لغةً: هو إخفاء شئ وإغماضه وقيل مخالفة الظاهر للباطن. في الشرع: هو ستر الكفر وإظهار الإيمان .. قاله ابن الأثير. وقال ابن القيم: (( هو: أن يظهر بلسانه الإيمان وينوي بقلبه على التكذيب )). فالفرق هنا بين الكفر والنفاق.. أن الكفر: من اعتقد الكفر وأظهره. والنفاق: من اعتقد الكفر وأظهر الإيمان. فيجتمعان في اعتقادعما الكفر باطناً، ويفترقان في أن الكافر نظهر كفره، والنافق مسر له.
أقسام الكفر باعتبار حكمه..: ينقسم إلى قسمين : أكبر وأصغر، ومن النصوص الدالة على ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفُرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان " .. فدل الحديث على انقسام الكفر إلى قسمين: كفر أكبر، وهو: الكفر بالله، وكفر أصغر، وهو: كفر النعمة والإحسان، ولذا ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله (( باب كفران العشير وكفر دون كفر )).
قال ابن القيم: (( فأما الكفر فنوعان: كفر أكبر وكفر أصغر، فالكفر الأكبر؛ هو الموجب للخلود في النار، والأصغر؛ موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود )). (مدارج السالكين).
أقسام الكفر باعتبار ما يقوم به من أعضاء البدن..
ينقسم إلى ثلاثة أقسام: ( كفر قلبي - وكفر قولي - وكفر عملي )... 1- الكفر القلبي:
وهو ما يقوم بالقلب من الاعتقادات المكفرة كاعتقاد كذب الرسول -صلى الله عليه وسلم- او التكذيب بشئ مما جاء به أو الشك في صدقه، أو اعتقاد شريك لله في ربوبيته، او أسمائه، أو صفاته، أو في ألوهيته، او اعتقاد استباحة المحرمات الظاهره. 2- الكفر القولي:
وهو ما يجري على اللسان من الأقوال المكفرة على وجه الاختيار، مثل: سب الله، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أو ادعاء النبوة. يقول النووي (( وتحصل الرّدّة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء )). فهذا الكفر ينقسم إلى قسمين: أكبر مخرج من الملة، أصغر لا يخرج من الملة. 3- الكفر العملي:
وهو ما يقوم بالجوارح من الأعمال التي جاء في النصوص وصفها... وهو ينقسم إلى قسمين: أكبر مخرج من الملة، وأصغر لا يخرج من الملة..
قال ابن القيم -رحمه الله- (( وأما كفر العمل فينقسم إلى: ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وسبه يضاد الإيمان، وأما الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة، فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه، فالحاكم بغير ما انزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر، بنص النبي -صلى الله عليه وسلم، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد )).
بيان من له حق النظر والحكم في التكفير..: الكفر من الأحكام الشرعية، وأنه توقيفي مرجعه للسمع لا مجال فيه للنظر العقلي، بل هو حق لله ورسوله، فلا يجوز إطلاق الكفر على فعل، أو عمل، أنه كفر كما لا يجوز أن يطلق على معيّن بانه كافر إلا بدليل سمعي قطعـــــي.. وإذا تقرر هذا تبين أن النظر في هذا الباب، لا يكون إلا لأهل العلم الراسخين، القادرين على استنباط الحكم الشرعي في هذه المسألة من النصوص الشرعية، فيراعى في الناظر في مسألة التكفير توفر الشروط المعتبرة في المفتي في الأحكام الشرعية الأخرى، على ما هي موضحة في كتب أصول الفقه.
يقول الشافعي -رحمه الله- (( ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله وجهة العلم بعد الكتاب والسنة، والإجماع والآثار وما وصفت من القياس عليها.. ولا يقيس إلا مَن جمع الآلة التي له القياس بها وهي: العلم بأحكام كتاب الله فرضه، وأدبه، وناسخه، ومنسوخه، وعامه وخاصه، وإرشاده )).
|
|
|
|
|
|
|
|
|