كتب الدكتور عبد الرحمن الغالي نائب أمين عام حزب الأمة القومي مقالاً بعنوان: مع المحكمة الجنائية: لأننا وطنيون.. وبما أن أجهزة الأمن الإعلامي منعت كل وسائل الإعلام بالسودان من نقل أي خبر يتعلق بحزب الأمة أو أي تصريحات لقادته، ولفائدة الجميع سأنشر مقال الحبيب الغالي هنا بالمنبر الحر.
04-11-2005, 00:30 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
تكلفة الثلج والشراب البارد "للمحتجين" على القرار، أجرة الناقلات، وأجرة كُتّاب الأعمدة يخوِّنون الضحايا وأهاليهم وطالبي العدالة، وأجرة المخبرين عن العمل الإضافي : فلتسكت الأقلام ولتنم الضمائر، فواتير السماسرة الذين يبتغون إطعام أفواه أطفالهم الجائعة.قال المجذوب( المعزى تلحس الجدار. نقصٌ في الأملاح ، علمٌ لدني متخصص ما أغلى كل نَفْس!) وقال المهدي (الإنسان المرضان ياكل الطين .. ده دليل مرض باطنه!) وتستمر الرواية المملة: محاولة سيطرة الطغاة على الضحايا عبر مفاتح ثلاثة: مفتاح الروح والدين: تألَّها مثل فرعون أو إدعاء وكالة عن الإله مثل كثير من أحبار أهل الكتاب ورهبانهم ومفتاح البدن ترغيباً وترهيباً ومفتاح النفس سجنا ونفيا، ولا تحسبن المستوكل وكيلاً، إذ قذف النميري بأوراق الكتاب الكريم جانبا وقال سنحاكمكم بالدين "البطال".
(2)
ثارت ثائرة الإنقاذ لما صارت أقاويل المحاسبة حقيقة ماثلة، ولم تكن تلك الأقاويل تخرصات أو أمانٍ شامتة وإنما كانت مقدمات منطقية لنتائج حتمية. استبد بالإنقاذ وهمٌ لذيذ فحواه بأن (التعاون) الكامل مع كل أعدائها الخارجين (جيرانا ذوي قربى أو جنبا أو غيرهم) سيفتح لها صفحة جديدة، وستقول لها أمريكا ما قالته سابقاً لبريطانيا حينما طالبتها بالتنازل عن السودان لمصر إذ لا يعقل أن تضيع المصالح الاستراتيجية بسبب حفنة من الأفارقة. نصح حزب الأمة وأكثرَ النصح للإنقاذ حتى أغضب بكثرة نصحه الآخرين، نصحها بأن المأساة الإنسانية لا شك جالبة التدخل الأجنبي وأن الفظائع المرتكبة لن ولا يجب أن تمر هَدَراً فلابد من تكوين لجنة قومية قضائية مستقلة ومحايدة للنظر في الانتهاكات. قال حزب الأمة النصيحة وفي يده القرطاس والقلم فأنى يستجاب له لأن ما يحمله في فقه الإنقاذ كان كالنظارة في فقه القرد الأعمش وكيف يرد الزجاج البصر. تكونت لجنة دولية لتقصي الحقائق في دار فور برئاسة القاضي انطونيو كاسيس الذي كان رئيس المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة (93-1997) التي تشكلت لمحاكمة مجرمي الحرب والانتهاكات ضد المسلمين! ومحمد فايق المصري وحنا جيلاني الباكستانية وديوميسا نتسبيزا مفوض لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا (تلك اللجنة التي حققت في جرائم البيض!) ورئيس سابق لرابطة المحامين السود بجنوب أفريقيا. والآنسة تيريز سترنقر سكوت الغانية عضوة لجنة التحقيق في العنف والتخويف في جنوب أفريقيا وهي تركيبة من الصعب اتهامها بالخضوع لهيمنة إمبريالية!. تكونت لجنة التحري الدولية فقبلتها الإنقاذ، وقابلت اللجنة النائب الأول الذي لم يرفض لقاءها، وكذلك فعل أقرانه الباقون: وزير الخارجية والداخلية والعدل والدفاع وشئون الحكم الاتحادي ورئيس البرلمان ومدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات ورئيس القضاء والولاة وأممٌ غير ذلك كثير. ونحن لا نعلم ما دار في تلك اللقاءات داخل الحجرات المغلقة المكيفة ولكن ما ذكره السيد رئيس اللجنة (انتونيو كاسيس) في تقريره المنشور يوضح مدى ما تم إطلاعهم عليه رغم تعهده للإنقاذ بأن تحافظ اللجنة على سرية ما أطلعته عليهم الإنقاذ. ولما خرجت اللجنة بتقريرها تهللت أسارير الإنقاذ إذ خلت صحيفة الاتهام من تهمة الإبادة الجماعية. إذ كان في ظنها أن أهم دواعي تكوين تلك اللجنة هو التحقق من تهمة الإبادة الجماعية، وظنت الإنقاذ إنها قادرة عبر الصين على الاستمرار في مسلسل المساومات. ولكن دعونا مما تظن الإنقاذ ومن كل أحاديث الظنون لنعد إلى هجير واقعنا البائس. لم يدر بخلدي ـ وأنا أطالع مذكرات الشيخ بابكر بدري، الذي روى بصراحة صادقة أيام الغزو الإنجليزي الباطش وكيف أن الغزاة عفُّوا عن استباحة الأغراض السودانية، لم يدر بخلدي أن يحدث ذلك في السودان، وأكبر من ذلك هو قتل آلاف الأنفس البريئة المدنية، دعك من التحاف الملايين الأرض بعيدا عن قراهم وموارد رزقهم. هل هناك إنسان ذو ضمير يأبى إحقاق الحق ويرفض مبدأ العدالة تحت أية حجة كانت؟ أليس في عرف كل الشرائع والملل والنحل أن ينال الجاني جزاءه؟ وكيف تتم حماية المدنيين الباقين إذ ذهبنا مع منطق الذين يقولون أن تحقيق الحماية مقدم على تحقيق العدالة، إذ كيف يمتنع ويرتدع المجرمون عن الأذى إذ رأوا التساهل في العقاب. إن الوقوف بحزم مع مبدأ العدالة مبدأ أخلاقي وإنساني. أنا لا أنكر على الجاني أن يرفض العقاب ولكن أعجب أشد العجب من الذين ينساقون مع منطقة وأعجب أكثر من الذين يسوقون موقفه ويدعمون حجته الداحضة عند ربنا وعندنا وعند كل ذي عقل وفطرة. فما هي حجته: حجة السيادة: جاءت الإنقاذ والسودان دولة ذات سيادة وانتهت بنا الآن إلى دولة اندثرت سيادتها كرها وطوعا. وأنا لا أود الحديث عن مفهوم السيادة والتحول الذي طرأ عليه نتيجة لنهاية الحرب الباردة ونتيجة للعولمة وللمفاهيم الجديدة للسيادة التي منها ما أسماه محمد سحنون وقاريث أيفانز السيادة كمسئولية ( Sovereignty As Responsibility) ولكني أريد أن انفذ مباشرة إلى اللحم الحي من القول الذي من نافلته التذكير بأن الإنقاذ قد فرطت في السيادة الوطنية بأي معني من المعاني: فإذا تحدثنا عن سيادة الدولة على الأرض فقد تم اقتطاع السودان في شماله وشرقه ودخلته الجيوش الأجنبية، تم هذا كرها أما الذي تم طوعا فقد سمحت الإنقاذ للجيش اليوغندي بمطاردة جيش الرب داخل السودان في اتفاقات مكتوبة تجدد. هل نتحدث عن السماح لوكالة الاستخبارات الأمريكية علنا بالمجيء للسودان والمكوث حينا من الدهر. أم نتحدث عن تدويل الشأن السوداني وإقحام الإيقاد وأصدقائها وشركائها وجيراننا حتى حفظنا قرى كينيا ومنتجعاتها قرية قرية. أم نتحدث عن الوساطة التي تحولت إلى وصاية وتحكيم . هل نسى أهل الإنقاذ أنهم قبولا المقترح الأمريكي حول أبيي كما هو بل ونسوا أن يحذفوا من الاتفاق الحاشية التي تذكر بكل وضوح إن هذا هو المقترح الذي قدمه "القس" دانفورث! هل من السيادة أن تحرم القوى من المساهمة في كتابة دستورها ويسمح لمعهد ماكس بلانك الألماني بذلك؟ هذا بالإضافة لقبول الإنقاذ بالرقابة الدولية على الاتفاق: عسكرية ومدنية إذ طلب الطرفان من الأمم المتحدة قوات رقابة تحت الفصل السادس إضافة للرقابة المدنية. ولكن الغريب حقا أن الأمم المتحدة في قرارها 1590 حولت مهام هذه القوات من الفصل السادس إلى الفصل السابع إذ أتاح القرار دخول عشرة آلاف جندي وأباح لهم استخدام القوة لحماية المدنيين. فإذا كان ثمة اعتراض من الإنقاذ فليكن على هذا القرار ولكنها سلبت الحياء في الدين والدنيا، فاعترضت فقط على القرار 1593 الذي يحاكم بعض منسوبيها. ولو كان بها بعض الحياء لغلفت ذلك برفضها للقرارات كلها. 1. المحاكمة في السودان: الحجة الثانية للإنقاذ ولغيرها من المعترضين على قرار مجلس الأمن هي أن تتم المحاكمة في السودان وقبل استعراض الحجج لتفنيد هذا المنطق لابد من الإشارة إلى أسلوب الإنقاذ في التلبيس وإسقاط المعاني المجردة على مواقف وممارسات وأجهزة بعينها لتكتسب تلك المواقف والممارسات والأجهزة قدسية وحصانة. مثلا ينسبون نظامهم السياسي للإسلام فيصير نقده نقدا للإسلام، تم ينسبون أنفسهم لنظامهم السياسي الذي هو الإسلام فيصير نقدهم نقدا للإسلام نفسه. كذلك الآن يحاولون استغلال تاريخ القضاء السوداني الناصع في معظم فتراته لإكساب القضاء الآن قدسية فيتردد الآخرون في نقده ولكن هذه الحيلة البائسة لا ينبغي أن تنطلي على أحد. أولا: القضاء السوداني الآن من حيث المؤسسات غير مستقل عن تأثير السلطة التنفيذية، للأسباب الآتية: 1. الحكومة تعين القضاة تعيينا سياسيا وتفصلهم فصلا سياسيا فقد فصلت أكثر من 500 قاض للصالح العام. 2. الحكومة تعين رئيس القضاء ورئيس المحكمة الدستورية وغيرهم من قادة الأجهزة العدلية والقضائية. 3. دستور الحكومة لعام 1998 لا ينص على خضوع الدولة لحكم القانون. 4. أجرت الحكومة تعديلا على بعض القوانين فاقمت من سوء الوضع مثلا: التعديل الأخير على قانون الإجراءات المدنية الذي حصّن الحكومة من تنفيذ أحكام القضاء. ولكن قبل هذا القانون لم تكن الحكومة تلتزم بتنفيذ أحكام القضاء وما قضية معاشيي البنوك الذين حكم القضاء في أربعة مستويات من مستوياته لصالحهم وامتنعت الحكومة عن التنفيذ وهناك مثال أعضاء هيئة شئون الأنصار الذين برأتهم المحكمة واعتقلهم الأمن قبل الإفراج عنهم وكذلك قضية المتهمين في المحاولة الأخيرة المنسوبين للمؤتمر الشعبي. وهنك مثال آخر هو تعديل قانون المحكمة الدستورية بإلغاء المادة 11 (و) التي تفرض رقابة المحكمة على أحكام القضاء لضمان خضوعها للدستور وللحقوق الدستورية.ومن أراد المزيد عن حال القضاء فليرجع على سبيل المثال إلى مذكرة القضاة التي قدموها في يناير 2005 لرئيس الجمهورية. ثانيا: القضاء السوداني غير مؤهل للفصل في هذه القضية لسبب آخر بسيط وهو خلو القوانين السودانية من تهم الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب على سبيل المثال. ثالثا: هناك متهمون تحت ولاية الدولة وهناك آخرون خارج تطاق سيطرتها إما أجانب أو تحت سيطرة الحركات المسلحة المقاتلة للحكومة فكيف تتم محاكمتهم. ولكن قبل كل هذا هل الحكومة جادة في إحقاق الحق ومحاسبة المجرمين، إذا كانت جادة فماذا تنتظر بمحاكمة المجرمين وهل قدمت اللجنة الحزبية التي كونتها برئاسة دفع الله الحاج يوسف أسماء المتهمين ولماذا لم تعلن؟ 2. المحكمة الجنائية الدولية : أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة دولية مستقلة عن الأمم المتحدة نفسها وعن الحكومات الأعضاء فيها وهي محكمة مهنية وليست سياسية وتختص بمحاكمة أربعة أنواع من الجرائم هي جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان. وقضاتها مؤهلون فنيا وتتطلب المحكمة شروطا قاسية لقضاتها ويتم تكوين المحكمة بالانتخاب ويحرم النظام الأساسي للمحكمة أن يكون هناك قاضيان من رعايا دولة واحدة. ومن بين الدول القليلة التي لم توقع على نظام المحكمة أمريكا وإسرائيل! ولذلك فالمحكمة تتوفر فيها فرص عدالة أكبر من أية جهة أخرى لأنها غير سياسية. محاولة الإلقاء في روع المواطنين السودانيين أن أمريكا وراء القرار 1593 وبالتالي تريد محاكمة المتهمين عبر آليات هيمنة دولية غير صحيحة إذ امتنعت أمريكا عن التصويت احتجاجا على الإحالة للمحكمة الجنائية.بينما امتنعت البرازيل احتجاجا على مراعاة موقف أمريكا من المحكمة الجنائية. أن تهرب الولايات المتحدة من الاعتراف بالمحكمة الجنائية وعدم توقيعها على نظام المحكمة الأساسي خطأ في رأيي ما في ذلك شك ولكن هذا الموضوع لا يغير شيئاً في قضيتنا الوطنية (لأن سفاهة أمريكا مثلاً لا تعني باشوية الإنقاذ على حسب المثل). هناك ضحايا يجب أن يعوضوا وهناك مجرمون يجب أن ينالوا عقابهم. وهناك متهمون إذا كانوا أبرياء فلتبرئهم المحكمة وحينها سنكون من أسعد الناس ببراءتهم إحقاقاً للحق، أما حساب الشعب السياسي فهو أقدر على اقتضائه . أما حديث المخرج الوطني فذلك هو المقال القادم بإذن الله تعالى.
04-11-2005, 02:18 AM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50063
عزيزي إسماعيل وراق، تحية طيبة طبعا المقال أعجبني جدا، وآسف أنني لم أعبر عن ذلك بصورة واضحة.. وأنا معجب بموقف حزب الأمة وآمل أن يمتد حتى يطالب بإلغاء قوانين 1991 لأنها نسخة أسوأ من قوانين سبتمبر.. ولك شكري.. ياسر
04-11-2005, 06:15 AM
إسماعيل التاج
إسماعيل التاج
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 2514
وفعلاً لن تجدي محاولة تخوين ( الضحايا وأهاليهم وطالبي العدالة)، فـلـقـد جربها صدام حسين مع طالباني، ثم رأى الأول الأخير يُـنتخب رئيسـاً للعراق بينما هــو قابع في زنزانة وحيداً يستعيد أرقام الضحايا الذين ذهبوا على يد نظامـه.
العدالة وليس سواهــا لضحايا دارفور.
04-11-2005, 08:17 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة