|
يسألونك عن المهدية
|
ذكرت في بوست الأخ بلير بأن هناك خلط لدي بعض الجمهور حول علاقة الفكر الأنصاري بالفكر الشيعي، وفي هذه المساحة سوف أقوم بتسليط الضوء على هذه النقطة من خلال كتاب يسألونك عن المهدية، وكما أسلفت هو كتاب قيم يتناول فكرة المهدية ومدارسها في الإسلام بصورة عامة، كما يتناول بالتفصيل فكرة المهدية في السودان.
ترقبونا قريباً مع تحياتي.، وراق
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: الزنجي)
|
الحبيب وراق ألف تحية وسلام أتمنى أن تسرع الخطى في إنزال ذلك السفر المميز لعل وعسى أن يبعدنا ولو قليلاً من النعرات القبلية والعنصرية المتفشية هذه الأيام وغيرها مما يصيبك بالغثيان والدوار والتي أشفقنا فيها على هذا المنبر من هؤلاء ... (من أين أتى هؤلاء) . لك الله ياحبيب .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: حمزاوي)
|
الاخ العزيز سمعه مع التحية اتمنى أن تكون بخير وصحة جيدة
احيك على هذا المجهود وأتمنى دائما ان لا نحرم من مشاركاتك ومساهماتك القيمة وفقك الله وسدد خطاك.
اخوك المهدي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
الحبيب وراق كم صادفت فرحا فى انفسنا بشارتك بانزال كتاب يسالونك عن المهدية هنا ارجو ان تنزله كله ان استطعت فهو من اقيم ما كتب الحبيب الامام الصادق المهدى ولان الكتاب لم تعد طباعته كثيرا وبحكم تداوله بين الايدى و الاحباب فقد لدى كثيرين منهم، وان استطعت انزال احاديث الغربة و العقوبات تكون مشكووووووووووورا و ما قصرت ، لك منى المحبة و التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: محمد عبد القادر سليمان)
|
الأحباب الرائعون روعة بلدي الزنجي... لك التحية يا غالي... متابع رحلتكم الجميلة .. وأبقوا عشرة على خالد.. فهو إنسان
إبراهيم علي... الحبيب الذي يغيب ويأتي .. كيف أنت... أتمنى أن يكون الكتاب مفيداً للجميع.
حمزاوي.. والله الشوق بحر.. لا أنما بحور... لا خبر ولا إتصال .. برضو مقبولة منك.. لك تحياتي.،
الحبيب المهدي... شكراً على الطلة... كان آملي أن نتقابل حسب وعدنا.
العزيزة لنا مهدي.. نعم أن كتاب يسألونك عن المهدية يعتبر نادراً... حيث أنه لم يطبع في الوقت القريب... آمل أن يرضي طموحات الجميع.
الحبيب محمد عبد القادر لك التحية وأنت تدير دفة الحوار في مداخلاتك بعقلانية ونفس هادئ... إلى الأمام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: PLAYER)
|
العزيز بلير لك ما تشتهي وما تود سأقوم بإنزال المادة عبر فصول، ولا بأس من المقاطعة، والهدف يا صديقي هو الحوار والفائدة المرجوة منه. لا تظلم نفسك فعقلك ليس بسيط، والكتاب مادة سهلة سلسلة.. سأرد على بعض أسئلتك الواردة في بوست هل هناك شيعة في السودان والمتعلقة بقول الإمام المهدي "من لم يؤمن بمهديتي فقد كفر" وما يتعلق أيضاً ببيعة الإمام الصادق... فتوقع ردي هناك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)
|
الأخ العزيز ود الشيخ تحية طيبة.، ٍخطر ببالي أن أقوم بتنزيل القسم الخاص فقط بالمهدية ولكن للفائدة وبعض إشارة بعض الأحباب سوف أٌقوم بإنزال الكتاب كاملاً. أتمنى أن يكون الكتاب خفيفاً رغم أني أخشى عليكم من الإطالة. إتمنى ألا تفوت الأخطاء الطباعية على فطنة القارئ. فيما يخص المراجع سوف أقوم بتثبيتها بعد الإنتهاء من تنزيل المادة.
فإلى حلقات الكتاب....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة قال تعالى( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)). وهذه الآية تنطق بوعد دائم بأن دعوة الدين الحق منصورة مهما تأخر النصر وأحاط بأهلها الضعف والخوف، فهذا شاهد من صحيح المنقول. وإذا تلفتنا لواقع حياتنا لوجدنا أدلة عقلية تشير إلى حتمية بعث الإسلام بعثا جديدا. لقد سيطر على الفكر الإنساني منذ قرن من الزمان تفكير ينكر وجود الله أو يهمله ويدير قفاه للمعاني الروحية ولا يقر وجودها في كيان الإنسان ولا في نظام حياته. وراجت فلسفات تفسر الإنسان وحياته ومصيره تفسيرا ماديا. ولكن هذه التفسيرات المادية واجهتها عقبات: لوحظ أن سلوك الكائنات الحية يتخطى النظم المعهودة ويتنوع ويجدد، ولوحظ أن عقل الإنسان أوسع معنى من دماغه، ولوحظ أن الجماعة الإنسانية لها قدرات تفوق مجموع قدرات أفرادها. هذه الملاحظات معناها أن التفسير المادي لحياة الإنسان المفرد والجماعة تفسير ناقص. لذلك تقهقرت الفلسفة المادية وانبعثت اتجاهات فكرية تقر بأن في حياة الإنسان ونظام الكون عنصرا روحيا. وأدى تقهقر الفلسفة المادية إلى ضعف المذهب الشيوعي لأن الشيوعية تقوم على فهم مادي لحياة الإنسان ونظام العالم. لقد وجدت الشيوعية تجاوبا في أوروبا في القرن التاسع عشر لأنها فضحت نظاما رأسماليا مشبعا بالمظالم الاجتماعية فأدانته ووعدت بإسقاطه وبإقامة نظام عادل في مكانه يحقق للناس فردوسا في الأرض. وفي الخمسين عاما الماضية استطاع المذهب الشيوعي أن يقوم بالثورة في بعض البلدان وأن يتسلم السلطة. ولكنه لم يستطع إقامة الفردوس الموعود، بل تكشفت تجربته عن سلبيات فأتت بأنواع جديدة من الظلم الاجتماعي. ولم تستطع الشيوعية طرد النزعات الروحية في نفوس الناس، ولا طرد المشاعر القومية من قلوبهم. وفي نفس الوقت تنبهت المجتمعات الرأسمالية لإصلاح بعض مظالم النظام الرأسمالي وتحقيق بعض العدل الاجتماعي. وفي العالم الثالث وجدت الشيوعية تجاوبا في بعض البلدان لأنها بشرت بالتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وشاركت في التصدي للاستعمار وإعانة حركات التحرير. وعلى مر الأيام تأكد للجميع أن التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الاستعمار ليست حكرا تحتكره الشيوعية. واتضح للناظرين أن الشيوعية تشترط لاعتناقها إلغاء الاعتقاد الروحي، والانتماء القومي وتسلخ روادها من جلدتهم وتصبهم في قوالب انتماء طبقي والتزام أممي. وهذه الشروط ضد طبائع البشر فلا يرجى فلاحها. ولم تستطع القيادة الشيوعية نفسها أن تتخلص من مشاعرها القومية بل ظلت المشاعر القومية تلعب دورا في تفسير المذهب الشيوعي لديها. وكان التأثر بمشاعر قومية مختلفة من أسباب الاختلاف بين أكبر دولتين شيوعيتين. تلك الأسباب مجتمعة أدت إلى الإعراض عن المذهب الشيوعي في العالم الثالث، وهذا طبعا لم يمنع تعامل كثير من بلدان العالم الثالث مع دول شيوعية في قضايا التنمية الاقتصادية ومحاربة الاستعمار. وكما عجزت الشيوعية في توجيه العالم الثالث نحوها عجز النظام اللبرالي في أن يحقق النهضة في العالم الثالث. لقد دعا بعض المفكرين والقادة للنظام اللبرالي قياسا بنهج الحياة في أوروبا الغربية وأمريكا، ولكن المعلوم من حقائق التاريخ أن اللبرالية نوع من الاسترخاء مارسته مجتمعات أوروبا وأمريكا في مرحلة متقدمة من نهوضها الاقتصادي والاجتماعي. لقد خدم الفكر اللبرالي الإنسانية بتحديده لبعض المبادئ التي لا غنى عنها لحفظ كرامة الإنسان مثل بيان حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والحريات الأساسية، وصارت هذه المبادئ حقا يطالب به الناس في كل مكان، ولكن الأخذ بالمذهب اللبرالي كله ليس متاحا لمجتمعات تحبو تحت أقدام العالم يقيد خطواتها التمزق والتخلف والتبعية ولا نهضة لها دون تخطيط وترشيد. وفي العالم العربي هب مذهب قومي أعلن عجز اللبرالية والشيوعية وقلة جدواهما ودعا لبعث عربي يتحد بموجبه العرب ويحققون العدالة الاجتماعية ويتحررون من الاستعمار. لقد واجه الفكر القومي مشكلات من أهمها أن يحدد ماهية دور الإسلام في حركة البعث العربي لقد تعددت الآراء في هذا الصدد : فمن المفكرين القوميين من قال أن الإسلام إشراقة من إشراقات العروبة فلا بد من معاملته كتراث عربي فهما صنوان يتضامنان في بناء المصير العربي هذه التصورات لدور الإسلام عديمة الجدوى. الإسلام هو الرسالة الخالدة وهو وحده الأساس وانبعاثه من جديد أمر تشير إليه طائفة من المؤشرات فإذا سلمنا بذلك صار البعث العربي بعض ما سوف يعالج في نطاق البعث الإسلامي. إن للقومية إيجابيات ومن سلبيات التعلق بعصبية الدم، والاستعلاء على الآخرين، ومن إيجابياتها تأكيد رابطة اللغة، وإذكاء حب الوطن، ودعم المصالح المشتركة. والسلبيات لا بد من إسقاطها، أما الجوانب الإيجابية ففي متناول الإسلام أن يفعل بها ما فعله بالواقع الإنساني حيثما وجده وهو: طرد ما به من شرك وجاهلية، وإسقاط ما يعوق المثل العليا، واستيعاب الجوانب الإيجابية في إطاره الواسع أي أن الإسلام في متناوله أن يستصحب العروبة وهذا وحده هو السبيل الصحيح لبيان دور الإسلام وموقفه من البعث العربي. هذا الاتجاه هو الحق وهو الذي يحل تناقضات المفكرين ويستقطب الجماهير العربية المسلمة. وهو يقر بحقيقة الإخاء بين المسلم العربي وغير العربي، ويقر أيضا بأن العلاقة بين العرب المسلمين أكثر خصوصية وأدنى قربى وهذا واقع إنكاره نوع من المكابرة المجدبة. هذا الاتجاه قد يأباه أصناف من الناس هم: الصنف الأول: الذين لا يقبلون في تفسير حقائق الإسلام إلا الأدلة النقلية وتفسيراتها تفسيرات نقلية أيضا. ولدى هؤلاء أن لا وجود إلا لكيانين في النظام الإسلامي: كيان أكبر هو الأمة، وكيان أصغر هو الأسرة. أما كيان الأمة فقد انقسم منذ 132 هـ (750م) وعندما وقع الانقلاب العباسي قامت إلى جانبه خلافة أموية ثانية في الأندلس. وعلى مر الأيام تعددت الانقسامات ثم تغيرت الظروف حتى ولدت الشعور القومي الذي دعمته وحدة اللغة والاتصال الجغرافي، ودعمته مصالح مشتركة ومواقف مشتركة. كل هذا أدى لقيام كيان قومي توسط بين الكيان الأكبر والأصغر. وخير لحركة البعث الإسلامي تبين تلك الحقائق والعمل على ترشيد حركة الكيان الأوسط لتسير في طريق حركة الكيان الأكبر. وهذا نهج إسلامي أصيل. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمن العصبية أن أنصر قومي؟ فأجاب: لا، ولكن من العصبية أن تنصرهم في باطل". الصنف الثاني: وهم على طرفي نقيض من الصنف الأول ورأيهم أن الإسلام يعارض العصر الحديث الذي أتى للإنسان بالرقي، والتقدم، والثورة الصناعية،والثورة العلمية، والحرية، والديمقراطية، والاشتراكية وغيرها من المنجزات. لذلك فلا معنى للبحث عن دور الإسلام لديهم لأن دوره لديهم انطوى في التاريخ وكلما أسرعنا بالاعتراف بهذا واتجهنا لبناء حياة عصرية تقدمية كلما تخلصنا من قيود الماضي المظلم. هؤلاء هم أسرى الاستعمار الفكري: إنهم "بادية" أوربا بشقيها وأمريكا، ومقياس التقدم عندهم ما يجري في " البندر". والحقيقة هي أن الإسلام لا يعارض الرقي الحقيقي للفرد ولا للجماعة بل يحرص عليه ويقدمه في نظام موزون. والغموض الذي يحيط بهذه الحقيقة سوف يزول لا محالة عندما يعنى بالكتابة عن الإسلام مفكرون ملمون بحقائق هذا العصر. والصنف الثالث: المسيحيون العرب الذين يجدون تعارضا بين عروبتهم والإسلام وهم جماعة ذات شأن هام في تطور الفكر العربي وشاركوا في الكفاح القومي فلا سبيل لإغفال وجودهم ولا إنكار دورهم. هؤلاء طبعا يدركون أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعترف بأديان السماء الأخرى وينظم حقوق أهلها الدينية والمدنية، ويكفل لهم الحرية الدينية ويتعامل مع أهل الملل بأن لا إكراه في الدين. لذلك ليست أمامهم مشكلة "دينية" في نظام مسلم ولا يجرد الإسلام العروبة بالمعنى الذي ذكرناه من دورها ولذلك فإنهم لا يعانون من حرمان "قومي" في ظل مجتمع مسلم. والخلاصة هي أن ظروف الوطن العربي تسير إلى حتمية بعث إسلامي. وفي العالم الأفريقي كان المفكرون والقادة مشغولين بقضايا التحرر من الاستعمار، وعندما ضعفت قبضته المباشرة اتجه اهتمامهم نحو قضايا التنمية، والحكم، والعدل الاجتماعي، والبحث عن الذاتية وغيرها. وتجسيدا للماهية والذاتية الأفريقية قامت حركة الوحدة الأفريقية، وإشباعا للشعور بالذاتية نهضت تيارات فكرية مثل فكرة العزة الزنجية Negritude وفكرة سيادة السود وغيرها ولما كان الإسلام في افريقيا هو دين أغلبيات في غرب القارة وشرقها الشمالي، وأقليات كبيرة في شرقها ووسطها وجنوبها فان حركة البحث عن الذاتية والماهية أنعشت الشعور بالذاتية الإسلامية التي كان الاستعمار في أيام سطوته ينكر وجودها ويهضم حقوقها ويحارب أهلها، لذلك كان رحيل الاستعمار فاتحة صحوة إسلامية في افريقيا تزداد بقدر ما يتقلص سلطان الرجل الأبيض وبقدر ما يتبن المفكرون والجماهير الأفريقية اشتمال الإسلام على مزايا مطلوبة بإلحاح في المسرح الأفريقي مثل استطاعته أن يقيم إخاء بين أجناس مختلفة العرق واللون، أي أن البعث الإسلامي يلوح في الأفق الأفريقي أيضا. فإذا تأملنا المصير الإسلامي لوجب علينا أن نبحث الأرضية التي يتم فوقها البعث الإسلامي: علينا أن نتساءل ونعرف واقع المسلمين في بقاع العالم الإسلامي المختلفة. ومن هنا تنبع أهمية هذا الكتاب لأنه يتعرض لدراسة دعوة للبعث الإسلامي قامت في السودان قبل قرن من الزمان وما زالت حية في نفوس ملايين من أهل البلاد ولها أنصار في عدد من بلدان السودان الأكبر الممتد من بحر القلزم ( الأحمر) شرقا إلى بحر الظلمات (المحيط الأطلنطي) غربا، تلك الدعوة هي دعوة الإمام محمد المهدي بن عبد الله. لقد اتضح لي ولغيري من مناظرات دارت في سجون السودان ومعتقلاته، عبر الأعوام الخمس الماضية، جرت عن طريق الحوار المباشر والمراسلات واشتركت في طرف يسير منها، أن ماهية دعوة الإمام المهدي تفتقر إلى بيان يساهم في وضوح الرؤية لدى المؤمنين بها أنفسهم، ويقدمها لشركائهم في الوطن والمصير، ويبين موقعها في الإسلام ودورها في حركة بعثه. لقد ضمت سجون السودان ومعتقلاته في السنوات الخمس الماضية جماعات من كل مشارب الحياة: كان منهم المنتسبون لفئات دينية، وسياسية، ومهنيون: أطباء، ومحامون، ومهندسون، وزراعيون، وبياطرة، وجنود، وإداريون، ورجال شرطة وسجون. وفنيون: مهندسون، ومحاسبون، وكتبه، وممرضون. ونقابيون: عمال مهرة وغير مهرة، ومزارعون، وأساتذة ومدرسون وطلاب، وحرفيون، وتجار، ورعاة من البادية. وكانت اتجاهاتهم الفكرية عينات من أنواع الفكر الموجود في المجتمع السوداني. والمناظرات التي أشرنا إليها دارت بين هؤلاء فتناولت كل أمر جليل الشأن وحقيرة، وتطرقت للبحث في ماهية الدعوة المهدية مما حفزني لتستطير هذا الكتاب.لقد ذاع عن الدعوة المهدية ما كتبه خصومها بتوجيه من ونجت باشا رئيس قلم مخابرات الجيش الذي غزا السودان ودمر الدولة المهدية في 1898 م لقد كتب ونجت عن المهدية واستكتب آخرين أمثال نعوم شقير ، وإبراهيم فوزي، وسلاطين. وساعد على نشر ما كتبه الموتورون أمثال أوهرولد. ولم تقتصر تلك المؤلفات على تشويه أحداث تاريخ المهدية ومهاجمة نظامها السياسي والإداري بل اهتمت دعايتها أيضا بطعن عقيدة المهدية وفكرها سلخا لها من جميع أصولها وإبعادا لها من الإسلام حتى لا يتعاطف معها المسلمون في كل مكان أثناء حملة الغزو والإبادة. ولكن بعد أن مضى على الغزو أكثر من ثلث قرن بدأ بعض المؤرخين يؤلف وينشر كتبا دافعها البحث والدرس لا الانتقام والتشويه، ومن هؤلاء المؤرخين ثيوبولد وهولت من البريطانيين. كذلك انبرى لدراسة التاريخ وكتابته مؤرخون سودانيون فكتبوا بدافع الدراسة الموضوعية لحقائق التاريخ، أذكر من هؤلاء السيد محمد عبد الرحيم، والسيد صالح ضرار من الجيل القديم. وأذكر الدكتور مكي شبيكة من الجيل المخضرم، والدكتور محمد إبراهيم أبو سليم، والدكتور يوسف فضل، والرائد عصمت حسن زلفو من جيل الكهول والشباب. ويضاف إلى هؤلاء عدد كبير من الدارسين المؤرخين الذين نشروا كتبهم والذين لم ينشروها بعد. لقد فتحت كتابات هؤلاء أبواب تنوير وتعليم بحقائق تاريخ السودان. وساعد حركة التبصرة هذه نشاط وحدة السودان بجامعة الخرطوم وساهم في التعريف بتاريخ المهدية نشاط دار الوثائق المركزية. وكان لمدير دار الوثائق المركزية الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم دور فريد في تنظيم وتبويب وثائق المهدية ولفتت مؤلفاته النظر لفكر المهدية ونظامها. لقد استفدت كثيرا مما كتب هؤلاء المؤرخون الوطنيون والأجانب، ولا شك عندي أن كتاباتهم هي الرد الموضوعي على الأباطيل التي ألفها ونشرها مؤلفو الدعاية الحربية أعوان ونجت الجاسوس وكتشنر الانتقامي. أما الكتاب الحالي فإنه مع حرصه على الموضوعية مكتوب عن الدعوة المهدية من ناحية الاعتقاد والفكر وحدهما، ومن داخل الدعوة. وهذا المؤلف وغيره مما ذكرنا آنفا ذو أهمية بالغة لأننا مهما شغلنا أنفسنا بحركات التقدم الاجتماعي لن نخبر أمرها إلا إذا تيسر لنا الإلمام بخلفية المجتمعات المراد إنهاضها، إن كثيرا من القادة والمفكرين يخططون لمستقبل شعوبهم استنادا إلى تحليلات مستمدة من أحوال مجتمعات غريبة عنها تماما، إذا لم نحلل واقعنا ونلم بماهية وحداته الاجتماعية التليدة والطارفة فكيف نطمع أن نخطط لتحرك اجتماعي ناجح؟ إن الذين يزرعون دون معرفة المناخ وتحليل التربة وإحصاء مقوماتها إنما يعبثون. وختاما تقع مواد هذا الكتاب في ثلاثة أقسام وفصولها ألخصها فيما يلي: القسم الأول: 1. لقد وقع خلاف حقيقي في الفكر الإسلامي بدأ من أصول إسلامية ثم اتسع ودخلت عوامل عليه وافدة. 2. صحبت الافتراق الفكري انقسامات سياسية تداخلت معها عوامل اقتصادية واجتماعية فاشتركت كلها في زيادة تمزيق الفكر الإسلامي وتقسيم الكيان السياسي الإسلامي مما أضعفه وجعله لقمة سهلة للفتن الداخلية والغزو الاستعماري من الخارج. 3. إن افتراق الرأي والتمزق السياسي مهما كانت أسبابهما نفر منهما المسلمون نفورا شديدا فقامت محاولات جادة للتخلص منهما. هذه المحاولات قادها مصلحون وثوار ودعاة. 4. وكانت هذه المحاولات أحيانا تأخذ طابع حركة اجتماعية فيتجاوب مع داعية الإصلاح آخرون وينال قولهم رضا عاما مثل التجاوب الذي أدى لترجيح قفل باب الاجتهاد. 5. وأحيانا تأخذ حركة الإنقاذ الفكري طابعا فرديا: يقوم في معمعان النزاع عملاق يجمع أطراف النزاع و يقدم حلا توفيقيا على مستوى أعلى من اتحاد الفكر. هؤلاء العمالقة يستجيب الواحد منهم لحاجة جماعية عميقة. ويتحدث بالمنطق السائد في زمانه، وبتعابير المعارف المتاحة له الرائجة في ذلك الزمان. ومن صفات هؤلاء العمالقة أن الواحد منهم يفوق أقرانه بثقة مستمدة من يقينه بأنه ملهم. 6. وخاتمة القسم تحكي قصة التفرق التوفيق حتى القرن التاسع عشر الميلادي وتبين ما وصل إليه المسلمون من ضيق وتمزق وما يتطلعون إليه من خلاص. القسم الثاني: 1. إن للفكرة المهدية أصولا إسلامية واضحة. وإن لها دوافع تاريخية. 2. إن الفكرة المهدية مهما كانت أصولها الإسلامية ودوافعها التاريخية تشعبت وتعقدت لدى الفكر الشيعي، ولدى الفلاسفة وعلقت بها ألوان من المبالغات من المزايدات ومن الأدب الشعبي. 3. إن العالم الإسلامي حدثت فيه مجموعة من حركات المهدية، وتلك الحركات تفاوتت في مضمونها، وقيمتها، وهدفها، ولا بد من اختيار مقياس معين للحكم عليها وبيان معناها. القسم الثالث: 1. إن للإسلام في السودان وانتشار العروبة فيه ظروف خاصة هي التي كونت مزاج أهل السودان، فإذا أضفنا إلى المشاكل التي خلقتها تلك الظروف أحوال البلاد تحت ظلم الحكم العثماني الخديوي والتحالف الاستعماري الأوروبي أدركنا شدة حاجة البلاد للإنقاذ. 2. السودان خاصة، والعالم الإسلامي، والعربي، الأفريقي والآسيوي عامة كانوا يتطلعون لنجدة: كل يرسم لها تصورا معينا. 3. إن الجذور الإسلامية للمهدية، وحاجة المسلمين الملحة للإنقاذ، والضرورات السياسية والاجتماعية المتحرقة للخلاص من الواقع الأليم المتطلعة للبعث والتحرير، وغيرها من عوامل هي الظروف الموضوعية التي أحاطت بالدعوة المهدية. 4. كان الشيخ محمد أحمد منصرفا للإصلاح الذاتي ولكن حالة " هجمت " عليه نقلته من إصلاح ذاته فقط إلى إصلاح ما حوله كذلك: اتجه من عمارة الداخل إلى عمارة الداخل والخارج، وكان الشيخ محمد أحمد شابا مشهودا له بالصدق والأمانة لذلك عندما أعلن أنه المهدي المنتظر آمنت بدعوته عصبة من الناس، والتقت هذه الأحوال الذاتية بتلك الظروف الموضوعية فشقت الدعوة عنان السماء. 5. وكما "هجمت" الدعوة على المهدي هجمت عليه أصول هداية تجمع ما تفرق في كثير من مشارب الفكر الإسلامي مسبوكا في قالب موحد. 6. وبالرغم من هزيمة الدولة المهدية في كرري فإن الدعوة المهدية تركت أثرا باقيا في حال الإسلام، والسودان، وفي قلوب الأنصار. 7. إن معرفة حقيقة الدعوة المهدية وموقعها في الإسلام مهمة في حد ذاتها، ومهمة لمعرفة ماهية الأنصار، ومهمة للبحث في واقع المسلمين عن روابط الإخاء الواجب قيامها بين أهل القبلة طلبا للمشاركة في البعث الإسلامي. وغاية هذه الدراسة التي تمت في ظروف السجن التي لم تتوفر فيها كل المراجع المطلوبة أن تخدم قضية البعث الإسلامي في الواقع السوداني، والعربي، والأفريقي المعاصر. والله أسال التوفيق والسداد
الصادق المهدي
سجن بور تسودان في 21 صفر 1394هـ
15 مارس 1974م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
أخي وراق
اشكرك لإستجابتك وهذه المقدمه جعلتني في تشوق لقرأة المزيد فقد سمعت عن الكتاب ولم يشرفني أن انال نسخة منه ولعل الغربه والبعد عن الوطن من هذه الاسباب ليس بالضرورة أن اكون انصاريا أو متحيزاً للأنصار ولكن إذ كنت قد قرأت لسلاطين وعصمت زلفو أو حتى للدكتور منصور خالد وعبد الرحمن مختار وكل دلى بدلوه في قضايا مختلفة من تاريخ وطنا فحقيق بي أن اقرأ للصادق المهدي أنا مولع بكل شئ فيه حكوى عن وطني حتى كلام المقرضين منهم فلن تعرف المليح حتى تستطعم القبيح لذا خلق الله لكل شئ ضد ولك تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
شكرا للاخ اسماعيل وراق
طولت من قراءت مداخلات الاخ اسماعيل و اتمني ان نقراء خيطا مفيدا. ان جاز لي ان اطلب فاني الفت نظر الاخ اسماعيل لخيط الاستاذ شوفي بدري (المسكوت عنه) و الرد علي الاراء المنشوره فيه.
اين الاستاذ ابوساره؟
شكرا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: Omer54)
|
العزيز ود الشيخ لك التحية سأقوم بإنزال الكتاب كاملاً وتقريباً كل المادة جاهزة ولكني فضلت أن أنزلها على فصول حتى لا يمل القارئ.
الغالي عمر54 أتمنى أن نكون قدر العشم فيما يخص بوست شوقي أحتفظت به في إرشيفي وسوف أرجع له ولكن بعد حين. أبو سارة موجود... ولكن يبدو أن لديه بعض المشغوليات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
الفصل الأول ضوء على الصدر الأول
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحكام الشريعة للمجتمع الجديد تأتي عن طريق ما ينزل من قرآن، وما يبينه النبي بقوله وفعله من أحكام. وكان الاتصال المباشر بين النبي وأصحابه يمنح الجماعة قيادة مباشرة وبيانا عمليا لواجبات الدين. وكان الهدف الأساسي واضحا: بناء مجتمع موحد لله مستمسك بالإخاء والعمل الصالح محارب لعقيدة الشرك وحياة الجاهلية. وكانت الأمور مبسطة فعدد الجماعة الإسلامية في العام الأول للهجرة لم يتجاوز ألفا وخمس مائة رجل وعدد الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا هذا ما كان من أمر بساطة الكم. أما بساطة الكيف فمردها إلى يسر الاتصال بين النبي وأصحابه وعلو مكانته في نفوسهم مما جعل قوله فاصلا، ونزول القرآن باستمرار للهداية والإرشاد. لقد كان عهد الكلمة الموحدة والسريرة الصافية، ولكن بالرغم من كل ذلك فإنه لم يخل من خلاف في الرأي وذلك لسببين: الأول/ إن الإسلام نفسه يحث على التفكر والتدبر والشورى وهي أمور تفتح باب الاجتهاد بالرأي. والاجتهاد بالرأي يتيح مجال إختلاف. والثاني: لأن الإنسان وإن اتفق في الأسس يختلف في النظرة للأمور. وأصدق مثل لهذا ما روى عن النبي واصفا صاحبيه أبا بكر وعمر فقال عن أبي بكر: إن مثله في الأنبياء كمثل إبراهيم إذا قال: "رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم". وقال عن عمر إن مثله في الأنبياء كمثل نوح إذ قال وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) " . لقد قصت علينا كتب السيرة النبوية بعض الخلافات التي حسمها فيما بعد القرآن نحو الاختلاف على ما يتم لأسرى بدر. أيقتلون أم تقبل عنهم الفدية؟ وكان رأي عمر الذي أيده القرآن فيما بعد أن يقتلوا. وهناك قصة الإفك التي اختلف فيها الرأي وخاض فيها من خاض حتى حسمها القرآن. وثمة الخلاف الذي وقع حول صلح الحديبية. وكان عمر وآخرون يرون ألا يقبل الصلح بذلك الشرط فحسم النبي الأمر بحزمه. وروت لنا كتب السيرة خلافات أخرى أدخلت تعدد الآراء نذكر منها: 1. روى ابن عبد البر عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " لا يصلي أحدكم العصر إلا في بني قريظة". فأدركهم وقت العصر في الطريق فقال بعضهم: " لا نصلي حتى نأتيها. وقال بعضهم بل نصلي ولم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي فلم يعنف واحدة من الطائفتين" . 2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من مشورة أصحابه قال أبو هريرة ما رأيت أحدا قط أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما روى عن هذه المواقف أنه شاورهم فيما يعملون لوقت الصلاة قبل اتخاذ الآذان. فقال بعضهم نشعل نارا، وبعضهم قال: ننفخ بوقا وآخرون: ناقوسا. وهكذا وعن عيسى الواسطي مرفوعا إلى النبي أنه قال: ما شقي عبد بمشورة ولا سعد عبد استغنى برأيه." 3. ولعل أهم اختلاف قائم على الرأي بين المسلمين ظهر أواخر عهد رسول الله هو ذلك الخلاف الذي رواه ابن حزم في كتاب الأحكام قال: عن ابن عباس قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي. قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط فقال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه. واستمر ابن حزم في بحث الأمر حتى جاء بحديث عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك الكتاب المراد كان في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه. والذي يهمنا هو الإشارة لفكر الكتاب، وإن كنا نستبعد أن يكون الغرض منه استخلاف آبي بكر رضي الله عنه وحده لأن إعلان ذلك على القوم كان كافيا. وإن كان النبي عليه السلام قد استخلف أبا بكر ففي ذلك حجة لتأييد بيعة أبي بكر ما كان يمكن كتمانها يوم السقيفة. تلك الروايات تشير إلى وجود اجتهاد بالرأي وخلاف بالرأي بين الصحابة في عهد رسول الله، وإن كان الخلاف محدودا وبموجب مبدأ الشورى، والاجتهاد مشروعا: قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن فقال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا ألو. قال معاذ: فضرب بيده في صدري وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله". في عهد أبي بكر الصديق: حدثت في عهد أبي بكر رضي الله عنه خلافات فرعية ولكن الأمر كان شبيها بما في عهد رسول الله من وحدة الكلمة وإخلاص السريرة، إلا أن أمرين هامين نشب فيهما خلاف حسم في وقته ولكن بذر بذورا كان لها ما بعدها: أما الأمر الأول فهو الخلافة: لقد كان بعض الأنصار يرون أنهم أولى بها، وكان بعض بني هاشم يرون أنهم أولى بها، وحسم الخلاف حزم عمر بن الخطاب إذ بايع أبا بكر وتبع الآخرون إما تقديرا لمكانة أبي بكر من رسول الله وإما خوفا من عمر وإما حرصا على وحدة الجماعة. ولكن سعد بن عبادة زعيم الأنصار، وعلى بن أبي طالب زعيم بني هاشم، لم يبايعا في بداية عهد أبي بكر. والخلاف الذي نما من ذلك الموقف هو: على أي أساس تكون الخلافة؟ وما هي المؤهلات لها؟ أما الأمر الثاني فإن بني حنيفة امتنعوا عن دفع الزكاة فاستعد أبو بكر لقتالهم وكان عمر يرى غير ذلك: فكيف نقاتلهم وقد قال عليه السلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله؟ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم. فقال أبو بكر: أليس قال: إلا بحقها؟ ومن حقها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو منعوني عقالا مما أدوه إلى النبي لقاتلتهم عليه. وفعل أبو بكر ما قال. لقد حسم الأمران في وقتيهما ولكن الأول تجدد في الصراع الذي أدى للفتنة الكبرى التي دارت رحاها حول الحق في الخلافة. والثاني تجدد في الخلاف الشهير حول: هل الإيمان دون عمل يكفي أم العمل جزء من الإيمان؟ أما في بقية عهد أبي بكر فالخلافان الأساسيان انزويا واستطاع أبو بكر أن يقمع الفتن وأن يوحد الكلمة وأن يحصل على بيعة على بن أبي طالب وأن يزيد ديار الإسلام بفتح اليمامة، وفتح بعض أطراف الشام والعراق. في عهد عمر بن الخطاب كان عمر بن الخطاب إماما كثير الحزم، وكثير الاجتهاد، وقد مكنه ذلك من تطبيق أحكام جديدة لمصلحة عامة رآها بالرغم من وجود نصوص تؤيد أحكاما أخرى. فقد جعل لفظ الطلاق ثلاثا مساويا لثلاث بالرغم من أن المأثور المعروف أن العدد اللفظي لا يزيد عن طلقة واحدة مهما كثر. فعل ذلك تأديبا للناس لإكثارهم التلفظ بالطلاق. وطبق كثيراً من الأحكام الاجتهادية مما سوف نتعرض له في مقام لاحق. ولكن من أعظم منجزات عمر بن الخطاب أنه فتح الفتوحات فأقام الدولة الإسلامية في الأوطان التي كانت تابعة لإمبراطوريتي الروم والفرس. وبعد الفتح أسس الدولة الإسلامية الكبرى فانتقل بالإسلام من دولة أو دويلة إلى دولة كبرى. لقد وضع الديوان وأسس بيت المال، ورتب للرعية ما يكفيها، وأقام جيشا نظاميا، وفوق هذا كله حفظ بحزم وعزم وحدة الأمة ولم يسمح للخلافات القديمة أن تطل برأسها ولا لخلافات جديدة أن تنشأ. في عهد عثمان بن عفان: لقد سار عثمان بن عفان في بداية عهده بالدولة الكبرى بالطريقة التي سار بها عمر بين الخطاب. ثم بدأت تؤخذ عليه المآخذ فرماه بعض الناس بالانحياز لأهله من بني أمية فمنحهم المناصب ومدهم بالعطايا وامتنع عن معاقبة الآثمين منهم عقابا صارما وعفا عن بعض الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفاهم.. وهكذا تولد من التهم تآمر أدى لقتله. وبالرغم من تلك الظروف فإن عثمان رضى الله عنه قام بعمل اجتهادي كبير: إذ أمر بجمع المصحف بين دفتين وهو أمر امتنع بعض الصحابة عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله. ثم وحد القراءة على حرف واحد بينما أجازها النبي على سبعة أحرف. وبعد أن جمع المصحف ووحده على حرف واحد استنسخه وأرسل نسخا لكل جهات العالم الإسلامي وأمر أن يحرق ما سواه وكان هذا العمل حازما وجريئا ونافعا لحفظ كتاب الله . في عهد على بن أبي طالب: عندما بدأ على خلافته هم بعزل الولاة الأمويين وأهمهم معاوية بن أبي سفيان والي الشام. أما معاوية فلم يذعن له وزعم أنه تستر على قتلة عثمان وتعاون معهم واستعد لمنازعته أمر الخلافة. وفي هذا العهد انتعشت كل مواطن الفتنة النائمة: لقد كان بين بني هاشم وبني أمية تنافس في زعامة قريش في الجاهلية صوره أحد الأمويين بقوله: " كنا وهاشم كفرسي رهان حتى إذا اشتد التنافس بيننا قالوا: منا نبي!!" وثمة الخلاف على الخلافة: إذا كان عثمان قد مات مقتولا مظلوما وكان أهله من بني أمية ولاة الأمر في كثير من البلدان، وكان معاوية واليا على الشام وهي منطقة قوية غنية فماذا يمنعه من الطمع في الخلافة ومعاقبة قتلة عثمان؟ وهذا الطلب إذا وضع مقابل موقف على بن أبي طالب بدأ قمة الصفاقة. كان على بن عم رسول الله وكان أول من آمن به وكان من أعلم أصحابه ومن أشجعهم وفاتته الخلافة ثلاث مرات فكيف يتطاول على منافسته معاوية بن أبي سفيان وليس له في حساب تلك الأمجاد ناقة ولا جمل؟ لقد كان لعلي بالإضافة لتلك المؤهلات هالة من الإعجاب لرجولته وفتوته فهو الذي نام في فراش النبي ليلة ائتمرت به بطون قريش لتمزقه نائما في فراشه. وهو الذي خلع باب خيبر وهو الذي نازل فرسان قريش وهو زوج فاطمة ووالد الحسنين وهو صاحب الصولة التي قيل أن النبي قال عنها: " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي!!". إن الشعور العميق بأنه ظلم والإعجاب الشديد به شمسا في سماء الإسلام أورثا بعض أتباعه ولاء شخصيا له تجاوز حدود الحب والإعجاب ليصير نوعا من التنزيه عن صفات البشر. ولكل فعل رد فعل فاختلف آخرون من أولئك وقالوا وهم ما زالوا في معسكر علي إن عليا بشر وعرضة للخطأ والصواب وقد أخطأ فعلا لأنه لم يجهر بتأييده لقتلة عثمان. لقد كان عثمان مذنبا في نظرهم ذنوبا جسيمة أوجبت إدانته وهدر دمه. لقد كان مقتل عثمان في عام 35هـ- 656 م ومنذ ذلك اليوم اندلعت فتنة كبرى فبويع علي للخلافة ونازعه معاوية لأن موقفه من قتلة عثمان يجرده من حقه في الخلافة. وكان علي بالرغم من مكانته، وقوة حجته، وشجاعته قليل الحيلة والسياسة بينما كان معاوية من دهاة العرب. لقد استطاع أن يستغل قميص عثمان الملطخ بالدم وأن يقدم على القتال بجيش مدرب على الربط والضبط والطاعة للقيادة حتى وصفهم معاوية لفرط انقيادهم بأنهم لا يميزون بين الناقة والبعير. أما معسكر على فقد كان يعاني تمزقا سببه الاطمئنان أن النصر حليفهم، ويعاني من حدة الخلاف بين الذين تعاظم عندهم الولاء لعلي حتى التزموا بأن يوالوا من والاه ويعادوا من عاداه، ونسبوا له العصمة من الخطأ. وبين الذين أنكروا ذلك الاتجاه وعدوا عليا بشرا قابلا للخطأ والصواب. وتفجر الموقف يوم التحكيم. عندما كاد جيش معاوية أن يهزم لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح مطالبين بتحكيم كتاب الله. ولم يكن علي موافقا على التحكيم لاعتباره حيلة لكن الجماعة المخالفة له في معسكره حملته على قبوله. وكان التحكيم حيلة غش فيها عمرو بن العاص ( مندوب معاوية) أبا موسى الأشعري (مندوب علي ) فأتت النتيجة لصالح معاوية وزادت من تيارات الفوضى والخلاف في معسكر على. وكان المخالفون لعلي أول من أدانه على قبوله التحكيم بالرغم من أنهم هم الذين حملوه عليه ونتيجة لهذا الموقف خرجوا عليه وجهروا بإدانته. من هؤلاء تأسست حركة الخوارج التي ائتمرت أن تقتل عليّ ومعاوية لتضع حدا للفتنة فنجحت في اغتيال عليّ وحده. لقد كان الذين والوا عليا ونزهوه نواة الشيعة والذين خرجوا عليه وأدانوه نواة الخوارج وعلى افتراقهم قام أول وأخطر انقسام بين المسلمين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)
|
العزيز ود الشيخ حسناً سأعمل بنصيحتك وسأحاول أن أكمل القسم الأول وهو قسم يتكون من أربع فصول لكي أسرع الخطى للقسم الثاني والذي يتحدث عن المهدية بأسهاب وعمق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
التصوف التصوف نزعة تجعل الإنسان زاهدا في الحياة المادية متجها نحو المعاني الروحية، وهو بهذا المعنى ظاهرة عرفتها كل البيئات باختلاف بينها في التفاصيل. وتروي لنا كتب السيرة أن أول حال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلوة والتبتل إلى جبل حراء حيث كان يخلو بربه ويتعبد حتى قالت العرب: "إن محمدا عشق ربه". وفي مسيرة الرسول ألوان من الإكثار من الذكر والتعبد والزهد. روى أنه قال: " مالي وللدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف، ثم راح وتركها". وروي عنه ألوان من الزهد: نحو ترقيع ثوبه وقوله لعائشة:" لا تخلعي ثوبا حتى ترقعيه". وفي كتاب الله آيات تحث على الإعراض عن الدنيا ومباهجها، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) وفي كتاب الله آيات تدل على أن المؤمن يستطيع أن يرتقي في درجات القربى من الله فينال مكانة أدنى وأكرم. قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) . وقال: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) .وقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وفي هذا الصدد روى حديث قدسي أنه قال: "مازال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته صرت يده التي يبطش بها، وقدمه الذي يسعى به، ولسانه الذي ينطق به". (أي أن نور الله يهدي سائر أفعاله). وفي النصوص الإسلامية دلائل على أن الأعمال بظاهرها لا تكفي فلا بد من إخلاص النوايا، قال عليه الصلاة والسلام: " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى". تلك الأصول الإسلامية هي التي نبت منها التصوف الإسلامي وهي: الزهد في الدنيا، والإكثار من العبادة فوق المكتوبة، وإخلاص النوايا قبل الأعمال، والتطلع لقربي روحيه مع الحق عز وجل. وتحدثت الروايات عن سلوك بعض الصحابة فقيل أن أول من آثر العزلة من الصحابة هو أبو ذر الغفاري وقيل عنه أنه يمشى بزهد عيسى بن مريم وهو سيد أهل الخلوة . وقيل أن الصحابي حذيفة بن اليمان كان يتحدث عن المعاني الروحية الكامنة وراء العبادات . وقيل أن الحسن البصري المتوفى 110هـ (728م) أخذ عن حذيفة الاهتمام بتلك المعاني والتحدث عن تلك الخفايا النفسية للتكاليف الإسلامية وقيل أن أبا حمزة الصوفي أخذ عن الحسن البصري ذلك الاتجاه. وكان أول ما واجه هؤلاء الزهاد المشغولين بأسرار الأعمال وبواطنها موضوع الظاهر والباطن. فمن بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم كثيرون كانوا يحرصون على تفهم النصوص الإسلامية بظاهرها الذي تدل عليه ولكن آخرين وجدوا أن هذا ليس ممكنا في كل الأحوال. ففي قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) . إذا نحن تبعنا التفسير بالمعنى الظاهر وجب علينا أن نقدر للسماء والأرض حياة، وسمعا، وبصرا، لفهم المخاطبة والامتثال. وهذا لا يستقيم فلا بد أن نقدر أن المشار إليه في الآية هو لسان الحال وأن المراد بيانه هو إنباء عن كون السماء والأرض مسخرتين بالضرورة. وفي قوله تعالى حاكيا المناظرات بين أهل الجنة وأهل النار: (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ) فالتفسير بظاهر المعنى يلح على حرفية العبارة والتفسير الآخر يشير إلى أن المعنى المراد هو لسان الحال. وهكذا الحال بالنسبة لتفسير الحديث نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن". فالمعنى الحرفي يبدو غريبا وبالتأويل يستقيم المعنى. هكذا أخذ فريق من الزهاد يتحدث عن المعاني الباطنية لكل النصوص الدينية ويعدون أنفسهم أهل حقيقة لا تكشفها النصوص المنقولة بل يهتدي إليها قلب المؤمن بنور الله. وهم يسوقون الدليل مع الدليل على أن للأمور أسرارا وراء الظاهر وأن قلب المؤمن هو الذي يهتدي بنور الله وينفذ لمعرفة تلك الأسرار. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك"، وقوله: " استفت نفسك وإن أفتاك المفتون". وهذا ما قال به المتصوفون. وصاروا يعدون لأنفسهم مكانة خاصة في الدين فلا تكاليفهم كتكاليف عامة الناس ولا عباداتهم كعبادات سائر الناس ولا هم مخاطبون بالنصوص الشرعية العادية: سئل أحدهم، كم يجب من الزكاة في مائتين درهم؟ قال: "أما على العامة فخمسة دراهم، أما نحن فعلينا بذل الجميع". ولو بقى الأمر في تلك الحدود لكان لونا من ألوان التفسير لنصوص الإسلام. ولكن إفساح مجال التأويل الفردي بغير حدود والتعرض لمؤثرات دينية وفكرية وافدة عقّدا الفكر الصوفي وأعطياه طابعا شديد التأثر بتراث فارس، والهند، واليونان. لقد كان أقوى أثر لتراث الهند هو القول بالأحدية أي أن الله والكون في النهاية واحد وأن ما يبدو لنا من تعدد في الوجود مرجعه للوهم. فإن تخلصنا من الوهم لوجدنا أن الكل في النهاية واحد. ومن هذه الأحدية نشأت فكرة وحدة الوجود وهي التي تقول: إن الموجودات التي نشهدها في الكون كالبشر، والحيوانات، والنباتات، والجمادات مظاهر ناقصة لذات كلية واحدة. ومن آثار هذا الفكر أيضا فكرة الحلول ومعناها: أن الموجودات التي في الكون ليست مستقلة الوجود بل الإله يتجلى في مخلوقاته كلها. هذه الأفكار صارت سارية لدى المتصوفة فصاروا يقولون: إنما يستوحش العباد والزهاد من الأشياء لغيبتهم عن الله. ولو شهدوا الله في كل شيء لم يستوحشوا من شيء. والاستدلال من المخلوقات لخالقها من المعاني الواردة في كل النصوص الإسلامية حتى أن الشاعر صاغها في قوله: وفي كل شيء له آية تدل على إنه واحد ولكن الفكر الصوفي لم يعد يقبل هذا فقال ابن العربي مبدلا معنى هذا البيت: وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه فما الوجود إلا الله، ولا يعرف الله إلا الله وفي هذا المعنى قال من قال: أنا الله. وهكذا ازدحم الأدب الصوفي بهذه المعاني: روي أن أحد الصوفية عندما سمع قول الشاعر يصف معشوقته بقوله: وجهك الوضاح حجتنا يوم يأتي الناس بالحجج عندما سمع هذا البيت مات من شدة الوجد لأنه عد ذلك الجمال تجليا لجمال الله. وضمن ابن الفارض مذهب وحدة الوجود في بعض أشعاره إذ قال: وفي الصحو بعد المحو لم أك غيرها وذاتي بذاتي إتحلت تجلت وما زلت إياها، وإياي لم تزل ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت إن مذهب وحدة الوجود إن سلمنا به يضع حدا نهائيا لميزان الأخلاق ولكل التكاليف لأن كل شيء في الوجود ليس إلا مظهرا لله وفي ذلك الخير والشر يستويان. وكان ابن العربي أوضح معبر عن منتهى الفكر الصوفي وكان يرى أن الخاصة من الناس يبلغون الولاية، والولاية مرتبة يستطيع صاحبها أن يطلع على أسرار الوجود وعلى الغيب. ولا فرق بين الولي والنبي إلا أن النبي ينزل عليه التشريع. ومحمد عليه الصلاة والسلام ليس بشرا رسولا في نظره بل هو الواسطة بين الله والكون. وفكرته هذه تشابه بعض ما في الفكر اليوناني الذي يرى أن الله لم يخلق الكون مباشرة لأن الله كامل والكون ناقص وصدور الناقص عن الكامل محال. والذي يصدر عن الله أو واجب الوجود هو النفس الكلية أو العقل الأول. وكان أفلاطون يرى أن الذي خلق العالم إله تنفيذي غير الإله الواحد. فبين الإله والكون واسطة هي إما النفس الكلية وإما العقل الأول وإما الإله التنفيذي. وهذه المفاهيم اليونانية الأصل هي التي أثرت في الفكر المسيحي وجعلته ينادي بوجود دور الهي للسيد المسيح فيغير طبيعة المسيحية من دين توحيدي خالص كما كان يرى آريوس إلى دين يؤله السيد المسيح إلى جانب الإله الأب وهذا ما دعى إليه القديس بولس. لقد نسج بولس من الديانة المسيحية ذات الأصل التوحيدي، ومن الفلسفة اليونانية نسيجا لم يكن واردا في تصورات الحواريين، الذين كانوا يعتبرون السيد المسيح مصححا للدين اليهودي مركزا على جوانب الهداية الروحية والخلقية التي نبأعنها رجال الدين لا إلها ذا دور الهي ناسوتي في الكون. وتحدث ابن العربي عن الحقيقة المحمدية وهي في نظره العماد الذي قامت عليه قبة الوجود. والحقيقة المحمدية هي القوة المدبرة للكون منذ الأزل وإلى الأبد. وهذا المعنى الذي يضع محمد صلى الله عليه وسلم حلقة في عقد الوجود بين الله والكون تسرب إلى الأدب الشعبي وصدح به المادحون ومن ذلك قول الشاعر يمدح الرسول: لولاه ما كان أرض لا ولا افق ولا زمان ولا خلق ولا جيل ودور النبي هذا دور أساسي في نظام الكون بدأ قبل مولده في الدنيا واستمر بعد وفاته. والنبي الذي هو صاحب الحقيقة المحمدية المدبرة لشئون الكون متصل بالناس عن طريق أولياء الله. ويشير ابن العربي لوجود دولة في الغيب يتم عن طريقها تدبير شئون الحياة. الأولياء على اتصال مباشر بالناس وهم بدورهم يتصلون بالحقيقة المحمدية المدبرة للكون نيابة عن الحق عز وجل. وهؤلاء الأولياء لهم في كل زمان رئيس هو الغوث وهو الواحد هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. تحت الغوث الأوتاد وهم أربعة، مكلفون بالقيام بشئون أركان العالم الأربعة. ثم يأتي تحتهم البدلاء وهم سبعة. وتحت هؤلاء النقباء وهم ثلاثمائة وعليهم استخراج خبايا النفوس، وتحتهم النجباء وهم أربعون وهم الذين يحملون أثقال الخلق. تلك هي دولة الصوفية وقد يصفها غيرهم بتفاصيل مختلفة ولكن الحقيقة المتفق عليها أنها دولة في الغيب يعرف حقيقتها أولئك الذي يبلغون مقاما روحيا خاصا هو مقام الحضرة وهو اجتماع روحي تتكشف فيه حقائق الأمور. وإلى جانب مقام الحضرة الذي يبلغه خواص الأولياء مقامات أخرى يبلغها الصالحون عن طريق العبادات، والمجاهدات، والتجرد والزهد. نحو مقام التوبة وهو الندم بالقلب عما ارتكب المرء، ومقام الفقر والفقراء مراتب أعلاها من لا يملك شيئا ولا يقبل إن أعطاه الناس، وأدناها من لا يملك شيئا ويقبل إن أعطاه الناس.. وهكذا فالمقامات على كثرتها تنال بالجهد المتواصل وخلاف المقامات توجد الأحوال وهي نوازل تنزل على المرء فيضا من الله نحو: حال الحب، وحال الإنس بالله وهكذا. وعندما أطل القرن العاشر الميلادي صار التصوف يقدم لأهله تفسيرا كاملا للوجود ولمكانة الإنسان فيه ولعلاقة الإنسان بالله. ومن لوازم هذا التفسير إن بعض الناس ينالون مكانة خاصة في نظام الكون وفي علاقة الله بالإنسان: أولئك هم أولياء الله. وحول الأولياء التف المريدون والطلاب يلتمسون النجاة والرشاد. هذا الاتصال بين المريد والولي حلقة أساسية لا بد أن يسعى إليها كل مريد لأنه عن طريق الولي يتصل بسلسلة الأولياء التي تنتهي من طرفها الآخر بالنبي عليه الصلاة والسلام. فمن لا شيخ له فهو هالك ولا سبيل له للتعلق بحبل النبي. على هذا الأساس قامت الطرق الصوفية فأقبل الناس وخاصة العامة إقبالا شديدا عليها حتى كادت تضم الناس كلهم في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي. وكان من أسباب رواجها أنها لبت حاجات نفسية للجماهير. لقد صارت القيادة الرسمية (أي الخلافة) بعيدة عن حياة الناس يحيط بها الصولجان ويحمي طريقها الحجاب ويتقلب خلفاؤها في علوية من قيصيرية قيصر أو كسروية كسرى. وطبقة العلماء رجال الفقه ولاة القضاء والإرشاد الديني أبعدتها الوظائف من الاتصال بالجماهير واحتلال المكانة في نفوسها فوجدت الجماهير في الطرق الصوفية وفي شيوخها إشباعا لما تتطلع إليه من قيادة وحلقات انتماء.. وسهل على الشخص العادي أن يلتمس النجاة في علاقة مباشرة بشيخ الطريق وصعب عليه طلبها في مبادئ مجردة. ولقرب الطرق الصوفية من البيئة الشعبية استخدمت وسائل في ذكر الله، ومدح الرسول، وإحياء للمناسبات الاجتماعية، والدينية، مستمدة من الأدب الشعبي والفنون الشعبية فدقت الطبول، أنشدت الأناشيد، أحرقت البخور، وخاطبت العاطفة الدينية في نشوة من الحماس والطرب. وكان المسلم العادي الذي توارث الاعتزاز بالإسلام، وبالأمة الإسلامية، يلمس منذ منتصف القرن الثالث عشر الميلادي سحابات قاتمة جدا في سماء دنياه. وكان يهرب من ذلك الواقع القبيح عن طريق قصص الغيب والكرامات التي وفرتها له الطرق وروادها فكانت نوعا من العلاج الجماعي لأسقام الجماعة. هكذا بدأ التصوف بسيطا إسلامي المولد ثم تعقد واقتبس حتى خرج من النطاق. وبالرغم من هذا فإن ظروفا جعلت التصوف عن طريق الطرق الصوفية يقدم للجماهير ديانة شعبية في حمى الإسلام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
أخي اسماعيل
اشكرك على تنزيل هذا القدر المشبع واحمد الله باني بدأت اول قرأتي بمدارج السلكين للإمام ابن القيم والذي ساقني لكثير من الكتب بحثا عن الحقيقة وانتهى بي المطاف بقرأة العواصم من القواصم ثم اتيت انت لتعيد الى ذاكرتي وتضيف إليها ما غاب عني او قصر عني فهمه بهذا الكتاب بوركت وجزاك الله كل خير وانا في تشوق لا يوصف للبقية
,د الشيخ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)
|
العزيز ود الشيخ تحية طيبة.، سبب إنقطاعي يعود لأسباب طارئة سوف أقوم بإنزال الفصل السادس وبالتالي يكون القسم الأول من الكتاب قد إكتمل. أما القسم الثاني المتعلق بالمهدية في الإسلام فسوف أقوم بإنزاله قريبا إن شاء الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
الحبيب اسماعيل سلام الاحبة لك
يلا نزل وماتتأخر الجميع ينتظرك ليقرا عن هذه المهدية التي
سبقت الجميع في محاولتها لخلق تعايش وتمازج بين ابناء هذا
الوطن سعيا لصهر جميع الاعراق والثقافات المختلفة .
لك الود الصديق الحبيب اسماعيل وراق
محمد عبدالرحمن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
القسم الثاني
المهدية في الإسلام
الفصل الأول
الأصول الإسلامية للفكرة لقد رأينا ببيان واضح أن الاتجاهات التي فرقت مشارب المسلمين بدأت من أصول إسلامية، وأن ظروفا معينة طرأت عليها فزادتها تعقيدا وخرجت بها أحيانا من نطاق ملة الإسلام. وللفكرة المهدية أصول إسلامية واضحة المعالم بيانها فيما يلي: المهدي لغة هو اسم المفعول من هدى، يهدي، هديا. والهدى نقيض الضلال ومعناه الرشاد. عبارة المهدي بمعناها الديني واللغوي معناها: رجل هداه الله فاهتدى وهي عبارة قديمة في اللسان العربي وقد جرى استخدامها في نصوص الأدب العربي العريقة. قال حسان بن ثابت في رثائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال عينيك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمد جزعا على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطئ الثرى لا تبعد واستعملها بمعنى المنسوب له الرشد جرير إذ قال يمدح الخليفة الأموي هشام: فقلت لها الخليفة غير شك هو المهدي والحكم الرشيد وروى ابن منظور في لسان العرب أن ابن الأثير قال: المهدي هو الذي هداه الله إلى الحق وبه سمى المهدي الذي بشر به رسول الله. والقرآن يشتمل على آيات تدل على تكليف أناس بأمر الهداية العامة محاربة الضلالات. قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) . وفي تفسير هذه الآية روى ابن كثير الآتي: "قال مسلم في صحيحه حدثنا ابن أبي عمر سفيان، عن عبد الملك بن عمر، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا. ثم تكلم رسول الله كلمة خفيت علي، فسألت أبي فقال: كلهم من قريش. ورواه البخاري من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير. قال ابن كثير: وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلا. وليسوا بأئمة الشيعة، فإن كثيرا من هؤلاء لم يكن لهم من الأمر شيئا ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعا ومتفرقا. وقد وجد منهم أربعة على الولاء هم الراشدون. ثم كانت بعدهم فترة. ثم وجد منهم ما شاء الله. ثم قد يوجد منهم من بقى في الوقت الذي يعلمه الله. ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله وكنيته تطابق كنيته يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. وثمة آيات أخرى: قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) . قال فخر الدين الرازي: الشهيد المقصود هنا ليس هو الذي قتله الكفار. بل الشهيد فعيل بمعنى فاعل: وهو الذي يشهد بصحة دين الله تعالى: تارة بالحجة والبيان، وأخرى بالسيف والسنان. فالشهداء هم القائمون بالقسط. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار في تفسير قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ، أن الشهادة التي تقوم بها حجة أهل الحق على أهل الباطل تكون بالقول والعمل والأخلاق والأحوال. فالشهداء هم حجة الله تعالى على المبطلين في الدنيا والآخرة بحسن سيرتهم. وروى الشيخ حديثا في هذا الصدد عن على بن أبي طالب أنه قال: إن الأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة. وفي آية أخرى قال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ) . وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) . وقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ) . وقال: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) . وقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) . وقال: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) . هذه الآيات صريحة في تكليف أفراد بالهداية والرشاد ورويت من أحاديث رسول الله مطابقات لهذا المعنى نحو قوله: "إن الله ليبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد دينها". ورويت أحاديث نبوية تذكر اسم المهدي بوجه خاص، وقد أخرج جماعة من الأئمة هذه الأحاديث منهم: الترمذي، وأبو داود، والبزاز، وابن ماجه، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلي الموصلي، واسندوها إلى جماعة من الصحابة رفعوها إلى رسول الله هم: على، وابن عباس، وطلحة، وابن مسعود، وأبو هريرة، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرة ابن أياس، وعلى الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيدها. وقد بلغت الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم في كتب هؤلاء الأئمة أكثر من ثلاثين حديثا تخبر عن المهدي. لقد تعرض بعض النقاد لهذه الأحاديث فرموا بعضها بالضعف، ووجدوا بعضها حسنا، وبعضها على شرط الشيخين، وكان ابن خلدون أشهر هؤلاء النقاد: ففي المقدمة تناول ابن خلدون أكثر تلك الأحاديث فطعن في صحة أكثرها، ولكنه اعترف بقوة أسانيد بعضها مثل الحديث الآتي: "روى الحاكم عن طريق عوف الإعرابي عن أبي الصديق النجي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جورا وظلما وعدوانا. ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا". وقال فيه الحاكم: " هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" . وحديث آخر رواه الحاكم عن طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمه عن مطر الوراق، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد، أن الرسول قال: " تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا، أو تسعا، فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما". أما ابن خلدون فإنه كان رافضا لفكرة المهدية في الإسلام لأسباب هي: أولا: لأن فكرة المهدية كما قال صارت مخلبا للحركات الثورية في الإسلام. وابن خلدون من أنصار الاستقرار وطاعة ولى الأمر حتى انه أهدى كتابه الشهير لولي الأمر في ذلك الحين من الزمان. ثانيا: لأنه كان يرى أن الدعوة المهدية تحاول أن تستند على عصبية بني هاشم وعصبية قريش في إقامة رئاستها وعصبية بني هاشم لم تعد قوية فلا طائل في الاستناد إليها ولا جدوى من ذلك. ثالثا: لأن الفكرة المهدية اختلطت بآراء شيعية وأخرى صوفية أحاطت بها المطاعن. وابن خلدون بالرغم من موقفه الناقد هذا ختم حديثه بما يؤكد صحة بعض الأحاديث النبوية المروية عن المهدي إذ قال: "فهذه جملة الأحاديث التي أخرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان. وهي كما رأيت لم يخلص من النقد منها إلا القليل". هكذا نرى من النظر في أدلة الإسلام: الكتاب والسنة أن ثمة معاني تشير لقائمين بأمر الدين بعد انفراط عقده. وكان كثير من أهل السنة يقولون بمجيء مصلح للعالم يبعث به الله ويسمونه المهدي: أي الذي هداه الله إلى الطريق السوي. والمهدي بهذا المعنى متوفر الدليل عليه في الآيات المذكورة. ومهما كانت التفاصيل فإن هذه الأصول أفهمت كثيرين بمجيء قيادة مختارة لإصلاح فساد الأحوال. وفي الأدلة الإسلامية أيضا ما يشير إلى إتيان قيادة ملهمة يلهمها الله الصواب ويهديها. قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِي) ، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) . وجاء في حديث الرسول ما يبين أن لله علاقات روحية مباشرة بالبشر عن طرق منها الرؤية الصادقة قال: " الرؤيا الصادقة جزء من 46 جزءا من النبوة". والإلهام معروف في حياة المسلمين. فعمر بن الخطاب كان يلهم المعنى ثم ينزل القرآن مؤيدا له. روى ابن سعد أن الصحابي الذي نقل الآذان أول مرة للنبي نقله عن رؤيا رآها في منامه. وقد روينا أن الإمام الأشعري استلهم مبادئ مذهبه كما قص علينا في رؤى منامية ظهر له النبي عليه الصلاة والسلام. وتحدث الإمام الشافعي عن استخارة الله قبل إقدامه على العمل الكبير الذي قام به. والإمام الغزالي كان أوضحهم عبارة في هذا الصدد: روى الغزالي أنه بعد أن عاش تجربة روحية استمرت عشر سنوات يصف حال الذين انصرفوا للحياة الروحية كالآتي: "ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد".. حتى قال: "وبالجملة فمن لم يرزق منه شيئا بالذوق فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسم. وكرامات الأولياء على التحقيق هي بدايات الأنبياء . وحتى خارج نطاق التراث الإسلامي فإن من يقر أن للإنسان جانبا روحيا لا يستطيع أن ينكر الإلهامات والحوادث غير المادية. لقد كان كثير من المفكرين يتشككون في أقوال الذين يرون مشاهدات، ويسمعون أصواتا، ويرون قصصا على معارف تأتيهم من غيب خارج عنهم. هذه المعاني لم يعد ينكرها علماء النفس فقد اكتشفوا وجود عقل باطن في الإنسان تقع فيه مناشط عديدة. أما الماديون من هؤلاء العلماء أمثال فرويد فقد وصفوا العقل الباطن بأنه مستودع لمشاعر وأفكار ورغبات استقرت فيه بعد أن مرت على العقل الواعي في المكان الأول. وآخرون مثل جونق أنكروا ذلك وأكدوا أن العقل الباطن قد يأتي للإنسان بمعارف جديدة كأن يطلع على غيب آت، أو يعثر على فكرة جديدة، أو يحقق اكتشافا طريفا، إنه ليس مستودعا فحسب بل هو أيضا يقوم بنشاط خلاق. هذا الاتجاه يطابق اكتشافات أولئك العلماء الذين أكدوا أن في الإنسان قدرات ذات طاقات غير مادية، فلا تحدها قوانين الزمان والمكان مثل قراءة أفكار الآخرين، وقراءة المستقبل، والنظر وراء حجاب المادة، وهكذا. إن الإلهام وارد في التراث الإسلامي، وارد ومدعم بالدراسات في التراث الإنساني عامة. إن في الأدلة الإسلامية مكانا واضحا لقيادة مهتدية مرشدة مصلحة للمفاسد يؤهلها صلاحها لاستقبال الهامات روحية. والنصوص الواردة في هذا الصدد في القرآن وفي بعض الأحاديث تعمم الإشارة لهذه الهداية المنتظرة. وفي بعض الأحاديث تخصص القول. وهذه الأصول الإسلامية للمهدية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
الحبيب اسماعيل وراق لك التحيات الغوالي على هذه النفحات العطرة وهذا التواصل المقيم فقد أفضت وأبنت حقائق وسير كان لابد من إيرادها لكي يطلع عليها الجميع وأستميحك عذراً في أنني سوف أقوم بنسخ للملف هل يسمح لي بذلك الحبيب ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
نحن في الانتظار وانا اجهل الكثير عن فكر الثوره المهديه وكل ما قراته يدور حول الثوره والحروبات وشخصية الامام امهدي وتنقصنا التفاصيل والفكر نفسه الذي لم نقرا عنه بعمق كلنا شوق يا اخي ولك الشكر .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)
|
الأخت هادية بدر الدين أولاً مرحباً بك في المنبر ثانياً لك جزيل الشكر بمرورك ومداخلتك في البوست من ناحيتي سوف أقوم بإنزال كل ما يتعلق بالجوانب الفكرية للثورة/الدعوة/الدولة المهدية. عشمي أن يكون على قدر طموحك ويلبي غاياتك
الأخ ود الشيخ كالعهد بك كنت عوناً وحافزاً ودافعاً، كم أغريتني رغم مشغولياتي بالإتيان للمنبر إيفاء بوعدي. لك التحية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
بارك الله فيك أخي اسماعيل ومجهودك لن يضيع عند الله سدا وانظر كم من القراء للموضوع واعتقد أن الكتاب سرد تاريخي اسلامي شرفني ما اطلعت عليه حتى الآن جزاك الله ومتعك بالصحة والعافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
هل كانت المهدية محض حركة سياسية [نضمت]كل فئات المجتمع السودانى فى سبحة واحدة لمقاومة الدخيل؟ام تراها خلاص لامة طالها [خبل وقعود]فاشرئبت الى عالم الشهادة علها تتخلص من طول ركون [مؤسس و متعمد]من فقهاء السلطان لتظل فى عالم الغيب شاخصة ابصارها الى اللاهوت دون الناسوت لاهية عن مؤامرات مدبرة من علماء السوء لتمعن فى انصرافها؟ هل كان الامام المهدى -عليه السلام-الذى وصفه اعدى اعدائه القس اهرولدر النمساوى بانه كان "عجيب الفتنة شديد السمرة تعلو وجهه دائما ابتسامة عذبة و كان اسلوبه فى الحديث عذبا بدرجة غير عادية ،لا يلوم احدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته يحمل اقوى راس و اصفى بصيرة ذهنية"هل كان الامام المهدى ثائرا خارق الذكاء ام مستغلا للدين فى توحيد السودانيين كما وصفه البعض؟؟ هل كان الامام المهدى هو المنقذ الذى يظهر على راس كل قرن هجرى "ليملا الارض عدلا بعد ان ملئت جورا"ام كان مصلحا اجتماعيا خدمته ظروف معينة ليطلق شرارة اكبر الثورات الافريقية وقتها و يقتلع المستعمر من جذوره مع احبابه [الراكبين عواتى الخيل]؟؟ ولماذا قابل السودانيون المهدى و دعوته بكل ذاك الشغف و كانهم ظامىء فى بيد لا متناهية وجد قطرةماء فكفته و انقذته؟؟ ننتظر وراق و ما لديه ليجيب عن كل الاسئلة السابقة و محبتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: lana mahdi)
|
الأخت العزيزة لنا مهدي تلخيصك للفصول القادمة كان رائعاً وحتى تكتمل الصورة البهية لدي المهتمين والمتابعين فها هي الفصول المتبقية تجيب عن مكنون إسئلتك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وفيما يلي بيان ملخص لأهم الطرق الصوفية في السودان: (1) القادرية: ويستمد اسمها من الشيخ عبد القادر الجيلاني وهي بعد الشاذلية أول طريقة دخلت السودان، لقد أسسها في القرن الثاني عشر الميلادي الشيخ عبد القادر في العراق ودخلت السودان في أوائل سلطنة الفونج في عام 1545م. وذلك حسن قدم تاج الدين البهاري من بغداد إلى السودان تلبية لدعوة أحد تجار أربجي الذين قابلوه في الحج. وأثناء تلك الزيارة انضم للطريقة القادرية بعض أعيان البلاد مثل الشيخ عجيب المانجلك شيخ العبدلاب، والشيخ محمد الأمين عبد الصادق جد الصادقاب، والشيخ بان النقا الضرير جد البعقوبات، والشيخ عبد الله العركي جد العركيين، والشيخ محمد سوار الذهب جد السواراب. وهؤلاء جميعا من أهم بيوتات السودان السناري. (2) السمانية: هذه الطريقة أصلها فرع من القادرية ومؤسسها الشيخ محمد الأمين السماني المدفون بالمدينة المنورة. وكان الشيخ أحمد الطيب البشير تلميذا له فقضى معه سبع سنوات ثم عاد للسودان وأسس الطريقة السمانية. وبعد وفاته تفرع منها فروع على رأس بعضها حفدة الشيخ الطيب نفسه، وعلى رأس بعضها كبار خلفائه ومريديه مثل : الشيخ القرشي، والشيخ البصير والشيخ البرير. (3) الشاذلية: هذه تنسب للإمام أبي الحسن الشاذلي المتوفى عام 1258م وهو عالم وفقيه وصوفي، لقد انتشرت الطريقة في مراكش في القرن الخامس عشر علي يد أبي محمد عبد الله محمد سليمان الجزولي. ويقال أن إحدى بناته تزوجت الشريف حمدابي دنانه الذي نزح إلى السودان وسكن هو وابنه المحمية 1445م. وانتشرت طريقتهما على يد الشيخ خوجلي عبد الرحمن المحسي الذي كان قادريا ثم صار شاذليا. ومن بعده تحولت الخلافة إلى الشيخ حمد بن محمد المجذوب المتوفى 1776م. والشيخ المجذوب أسس فرعا للشاذلية صار ينسب إليه هو: المجاذيب. (4) الخلوتية: وهي طريقة يقال أن الذي أسسها هو الشيخ محمود العركي وكان فقيها. وروى صاحب الطبقات أن الشيخ محمود عندما عاد للسودان من مصر وجد أن النساء لا يمارسن العدة بعد الموت والطلاق فعلم الناس العدة. (5) التيجانية: وهي طريقة أسسها الشيخ أحمد التيجاني في الجزائر عام 1781 ودخلت السودان في منتصف القرن التاسع عشر بعد سقوط دولة الفونج. (6) الميرغنية: ويروى أن السيد أحمد بن إدريس أوفد السيد محمد عثمان الميرغني ( الجد) إلى السودان في 1835م لنشر تعاليم الإسلام، وفي السودان لقي السيد محمد عثمان ترحيبا والتف حوله أتباع وأسس الطريقة الميرغنية أو الخاتمية. (7) السنوسية: وهذه تنسب للشيخ محمد بن علي السنوسي المتوفى عام 1859م وقد لقيت طريقته نجاحا كبيرا في شمال أفريقيا وغاربها وامتد أثرها إلى غرب السودان والصومال. ( الإسماعيلية: وهري طريقة أسسها السيد إسماعيل الولي المذكور آنفا. وقد كان من خلفاء الخاتمية ثم دعا إلى طريقة مستقلة سميت الإسماعيلية. ولا صلة لها بإسماعيلية الشيعة المنسوبة لإسماعيل ابن جعفر الصادق. هذه هي أهم الطرق الصوفية التي دخلت السودان في الفترة المعنية وحازت على ولاء أهله . الشيوخ والفقهاء والتركية: في عام 1820م قام في السودان حكم جديد على اثر حملة غزو أرسلها محمد علي باشا للسودان وسمى هذا الحكم في التراث السوداني بالتركية وأرسل محمد على باشا مع الحملة مجموعة من العلماء المؤهلين للإفتاء والقضاء وكلفهم أن يكونوا دعاة تأييد للحكم الجديد وأن يوجهوا أهل السودان باسم الإسلام لطاعته ففعلوا. واستوظف الحكم الجديد الفقهاء الوافدين والوطنيين في كثير من وظائف الدولية وخاصة في المحاكم. وكانت بين أهل السودان والحكم الجديد فجوة فقد جاء إليهم بأساليب لم يعهدوها وبدأ معهم بداية دموية أرهقتهم أثناء حملة الدفتردار العقابية التي قام بها انتقاما لمقتل إسماعيل بن محمد على باشا. ومع الأيام اتسعت الفجوة ومع اتساعها صار العاملون في وظائف الحكومة منحازين لجانبها.وهذا الانحياز إلى جانب السلطة التركية هن ما أتصف به غالبية الفقهاء. لقد انتموا لحزب الحكومة. هناك عوامل عديدة جعلت وزن الفقهاء يزداد في ظل الحكم الجديد وجعلت مكانتهم بالقياس لمكانة شيوخ الطرق تعلو. فنوع احكم الجديد، وزيادة عدد الفقهاء، واستجابتهم لتأييد الحكومة هي العوامل التي أعلت شأنهم في ظل التركية. ولكن الحكم الجديد لم يهمل شيوخ الطرق فقد كان يعلم التفاف الناس حولهم ولذلك حاول أن يكسب تأييدهم وأن يجعلهم إلى جانب الفقهاء سندا روحيا له وعمالا لنفوذه وهي محاولة لم يكتب لها النجاح التام لأن شيوخ الطرق لم يندفعوا في الاستجابة لمطالب الحكومة وصارت جزءا من حزبها تساندها وتساعدها في حل المشاكل مع المواطنين. وفئة كبيرة لاذت بالصمت والصبر فابتعدت عن الحكومة ولكنها لم تجهر بالرأي ضدها ولم تمانع في قبول عطاياها. وفئة ثالثة اتخذت موقفا معارضا للحكم ولم يثنها جبروته عن الجهر والتلميح برأي الناقد حينا والناصح حينا نذكر من هؤلاء السيد إسماعيل الولي الذي ضاقت الحكومة ذرعا بموقفه فحبسته. ولكن الحبس لم يحمله على الانقياد بل فسر المحنة لاتباعه بقوله: "فجاءني الخطاب من الحضرتين: أدبناك بهذا كله لأجل تأخرك عن إظهار طريقتك" .
يتبع...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
ومن المعارضين أيضا الشيخ العبيد محمد بدر القائل: " بئس الفقير إن طلب الأمير" . هؤلاء معارضون وجلهم من شيوخ الطرق وفيهم من الفقهاء آحاد نبضت أقوالهم بمشاعر الناس مثل الشيخ مضوي عبد الرحمن، والشيخ حسين الزهراء وغيرهم ساهموا في تعبئة الشعور العام ضد الدولة الظالمة ولكنه كانو عاجزين عن منازلة الدولة منازلة صريحة وتصفيتها وإقامة نظام آخر. وكلما تقدم الزمن احتد الاستقطاب بين احكم يكيل للناس المظالم الاقتصادية والاجتماعية ويسيء لأخلاقهم ولكرامتهم، وجمهور يتألم ويئن. وكان أنصار الحكومة من الفقهاء يجدون أنفسهم في حرج متزايد فهم أهل شريعة، وهو حكم لا يتلزم بالشريعة بل يتعدى الحدود بتوظيف أوروبيين على غير ملة الإسلام في مناصب عليا لإدارة شئون الناس. وبالرغم من الحرج مضى معظمهم ينصح الناس قائلا: " من خرج عن طاعة شبرا فقد عصى الله ومات ميتة جاهلية" . فمن الذي يضع حدا لهذا العبث؟ فالفقهاء في الغالب مع الدولة بوظائفهم والفئة المعارضة منهم لم تألف التصدي للعمل وسط الجماهير الشعبية. وشيوخ الطريق مع التصاقهم بالناس لم يألفوا التوجيه الإيجابي للقيام بعمل فإن نصحوا وانتقدوا فإلى حد محدود وبالإضافة إلى تلك أحاط بالضعف بموقف كثير من الخلفاء الذين لم يكن عنده صلاح آبائهم ولا نشاطهم الديني الاجتماعي فصار كثير منهم كمن يستثمر الجاه والخلافة والوراثة ويخلد لحياة العطالة.."يتناولون ما كان ساقطا في أعين آبائهم ومورثيهم من الجاه والمال وحسن الصيت ويتكالبون على الزيارة الدنيوية رغبة في الغانيات وقد سدهم غرور الزينة من الحالة الحسنية" . والزعامات القبلية انشغلت بالمصالح القبلية عن التصدي للدولة التي كانت تسودهم بسياسة فرق تسد. هؤلاء هم مظان القيادة في البلاد في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. وبالرغم من سوء الحال، ومعرفة بعضهم لذلك، وتنديدهم به، فإن الظروف المذكورة حالت بينهم وبين قيادة دعوة الخلاص. وصارت الظروف كلها تخبر بأن عافية الإسلام، وتحقيق مصالح البلاد الوطنية، ورفع المطالب الوطنية تتطلب قيادة قامتها غير القامات المعهود: قيادة تستوعب القوى الاجتماعية المفرقة في النظم التقليدية في ماعون أوسع، وكان أهل السودان من شدة تلفتهم وانتظارهم لنداء الخلاص "كلما رأوا رجلا صالحا يفضلهم عقلا ودراية وله الغيرة على الدين وأهله ظنوه المهدي" . وهذا التلفت والتطلع والانتظار للخلاص كان عاما في ديار الإسلام. (1) ففي المناطق التي دخلها الإسلام في مرحلة متأخرة اجتمعت طائفة من المشاكل والمواقف التي التمس القادة علاجها بمحاولة إقامة دولة إسلامية قوية. ولتحقيق هذا الهدف نهض عدد من الدعاة المجاهدين في تلك المناطق مثل الشيخ عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا، وأحمد بن عبد الله الحسن في الصومال، ودعوات أخرى. وكان الشعور الهامس المتكرر هو انبعاث دعوة مهدي تحقق الأمل المنشود. (2) وفي مواطن الإسلام الأولى كانت الأنظار تدور نحو عمل لبعث الإسلام، وتوحيد أهله، وطرد الظلم الاجتماعي، ونزع الولاية من خلافة صارت ملكا عثمانيا استبداديا، وللحماية من النهم الأوربي الاستعماري الذي بلغ ذروته في القرن التاسع عشر . فأدت تلك التطلعات لحركات بعث إسلامي، وتحرير عربي، وتحرير اجتماعي، مثل حركة محمد بن عبد الوهاب، والحركة العرابية، وحركة عبد القادر الجزائري، والحركة السنوسية، ونداءات الإمامين جمال الدين ومحمد عبده وغيرهما. إننا إذا تأملنا أحوال المسلمين في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر لحصلنا على قائمة واضحة من المشاكل الملحة والتطلعات، والآمال، التي تملأ النفوس الأفراد وتحن لإرضائها الجماعات. أغريب أن تولد دعوة وقيادة تأخذ على عاتقها تلبية ذلك النداء الصارخ؟
انتهى الفصل الخامس...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
واختتم الشيخ حديثه في هذا الأمر قائلا: "هذه الرؤية لا تقع وكان أولى أن تقع للصحابة عندما اختلفوا في الخلافة. وكيف تثبت تولية شخص على هذه الأمة بما لم تثبت به إمامة الصديق ولا غيره من الإلهة؟" وتعرض في ختام رسالته إلى تصحيح سهو وقع في بعض الكتب القديمة يفهم منه أن بعض الأئمة قالوا إن مولد المهدي في سنة خمس وخمسين ومائتين بعد الألف. والسهو هو زيادة عبارة: بعد الألف. لأن المهدي المشار إليه هو من ولد الحسن العسكري ومولده كان في شعبان 255هـ. أي أن الدعوة المهدية باطلة وطاعة السلطان والخديوي واجبة والخروج عليها حرام. على هذا المنوال سارت كتابات طائفة من الفقهاء. (3) تولى الرد على هذه الكتابات طائفة من علماء الأنصار المؤيدين لدعوة الإمام المهدي بيانه: أ- كتب الشيخ حسين الزهراء وهو من خريجي الأزهر رسالة سماها: " الآيات البينات في ظهور مهدي الزمان وغاية الغايات" خلاصتها: يذكر علامات مروية عن المهدي في النصوص المأثورة ويطابق بينها وبين ما هو حال الإمام المهدي. تلك العلامات هي: تكامل خلقه، حكمته في أقواله وأفعاله، تطابق أسمه مع اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه مع اسم أبيه، وذكر أن نسبه إلى بيت رسول الله، وأن نجما ذا ذنب طلع معلنا ظهوره، وأن الخال على خده الأيمن وارد في النصوص المأثورة وأنه طبقا للوعد المنصوص عنه ألغى المذاهب والطرق ووحد كلمة المسلمين، وأن راياته لا تهزم وطبقا لذلك لم تهزم رايات المهدي حيثما وجهها، وأن أوصافه الجسمانية تطابق الروايات. فهو أجلي الجبهة وأقني الأنف. أو على حد تعبير الشيخ حسين تنطبق عليه " مجموع الأحاديث النبوية والآثار السلفية، والفيوضات الكشفية مما حوته الدفاتر الإسلامية في وصفه".و ويتناول الشيخ الحسين الزهراء جانبا آخر هاما إذ يرى: أن نقد العلماء للمهدي ولمهديته ليس مجديا لأنهم علماء غير عاملين فالعلم يقتضي العمل وإلا فليس بعلم. والجاهل العادي أعلى مرتبة من عالم غير عامل أما العلماء حقيقة أي الذين يعملون فلهم المكانة السامية. وتعرض الشيخ حسين لفتوى علماء مصر بتأييد محاربة المهدي فانتقدها وأبطل ولاية آل عثمان ورتب على بطلان ولاية محمد على وأولاده. وأشاد بالثورة العرابية ولام الخديوي محمد توفيق الذي صار أداة للإنجليز لعلمهم "ما كان عليه من الغفلة والبلادة وفقد العلم والدين والسياسة والتدبير والحيلة. رجاء منهم أن يحصلوا في زمنه على مصر وملحقاتها من الأقطار السودانية لأن مصر باب طريقهم إلى الهند التي هي ينابيع ثروتهم ومجرى ماء حياتهم وأما السودان فلكونها البلاد المتوسطة بين مصر وأملاكهم الجنوبية الأفريقية وقد فازوا بأمنيتهم وصارت مصر في قبضتهم سائرة تحت بندر عساكرهم بجهل هذا الشاب الجهل وسوء تدبيره وخيبته ونفوره من عساكره ورؤساء جيشه وهم أبناء رعيته الذين هبوا لمساعدته (عرابي) لتحرير الوطن من أسره وربقته ورفعه من وهدة الذل وإقالته من عثرته، حيث استعان على كسر رعيته المسلمين بعساكر الإنجليز ومراكبهم". ب- رسالة أخرى هي التي كتبها الشيخ الحسن سعد محمد العبادي " سميتها الأنوار السنية الماحية لأنوار المنكرين على الحضرة المهدية على أن تكون لي حسنة أعدها من أوسع ما لدي مدخرا" خلاصتها: أورد الشروط التي ذكرها الأقدمون عن المهدي ووجدها مطابقة لحال صاحب الدعوة من ناحية أوصافه، وعكسوا الآية فاجبروا المسلمين على دفع الجزية، وطمعوا في امتلاك كل ديار الإسلام. لقد احتل الكفرة كما قال: مسجد العلماء، وعش الأولياء، مصر المحببة. وهذه الأمور تبرر قيام المهدي بدعوته وتوجب على المسلمين تأييدها وتلبية نداء الجهاد. هذا ملخص للمساجلة التي دارت على صعيد العلماء والفقهاء حول الدعوة المهدية. واشترك فيها كثيرون. والملاحظ أن خصوم الدعوة في الغالب لم ينكروا حقيقة المهدية في الإسلام بل كانوا يقرونها ولكنهم ينكرون مهدية الشيخ محمد احمد. (4) ومن زاوية أخرى كتب الشيخ محمد العوام وهو أحد زعماء الثورة العرابية في مصر، الثورة التي كانت تنشد تحرير البلاد من قبضة بلاط أجنبي الانتماء، خاضع للاستعمار، مستعبد لأهل مصر، مستغل لثرواتهم. لقد قاد أحمد عرابي ثورة ضد ذلك البلاط، ووضع الجيش المصري في خدمة الأغراض الوطنية، فساندت بريطانيا الخديوي توفيق وحاربت الجيش المصري في معركة التل الكبير، واحتلت البلاد في 1833. ووقع زعماء الثورة العرابية في قبضة جيش الاحتلال فعوقبوا وكان النفي للسودان من نصيب أحمد العوام. وفي السودان بلغته أخبار الدعوة المهدية فكتب رسالة سجل فيها رأيه عنها. وقد ظلت الرسالة سرية في حوزته إلى أن عثر عليها الأنصار بعد تحرير الخرطوم فعرضوها على المهدي فأجاز طبعها ونشرها. الرسالة عنوانها: " نصيحة العوام للخاص والعام من أخواني أهل الإيمان والإسلام " خلاصتها: أ- أن إمامة الخليفة العثماني سقطت لأنه لم يعد مطبقا للشريعة الإسلامية، ولم يعد مستقلا بسيادة دولته التي استباح حرماتها الأجانب. ب- ولاية الخديوي في مصر فقدت شرعيتها لأنها تخلت عن الشرع واستغلت شعب مصر، وظلمت الفلاح المصري. ج- لذلك وجب على المسلمين القيام ضد عبد الحميد الخليفة العثماني وضد توفيق الخديوي المصري. د- إن الوحدة بين المسلمين أمر واجب. ولا بد من التعاون بين أهل القبلة، وإيقاف الاقتتال بينهم والحرب الدائرة الآن في السودان مسئولة عنها السلطة العثمانية والخديوية لأنهما تخلتا عن الإسلام استعانتا بغرودن وهو أجنبي الدين، والوطن، والمصلحة، وهذا دليل على إفلاسهما. وقد وقع عبد الحميد (السلطان التركي) وتوفيق ( الخديوي) في خطأ فادح لأنهما لم يرسلا للمهدي العلماء لمناظرته، بل أرسلوا له الجيوش لمحاربته وحرضوا عليه موظفيهم من الفقهاء للهجوم عليه والتشهير به. ه- وعبد الحميد ليسا أهلا للإمامة الإسلامية لأن من شروطها أن يكون الإمام مسلما صحيح الإسلام، وقرشيا صحيح النسب، مبايعا من قبل أهل الحل والعقد أو مختارا بواسطة سلفه. وهذه الشروط مفقودة فيهما. و- حال الإسلام يتطلب أن ينهض ناهض بأمر الدين فنسأل الله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا وفاء لصادق وعده، وتصديقا لحديث نبيه، سواء كان بالإمام المهدي هذه عليه السلام فقد ظهرت كواكبه، ولاجت بوارقه، أو بغيره من عباده الصالحين. وفي نهاية الرسالة يوجه العوام نداء للمسلمين لتأييد الإمام المهدي. وعندما أطلع المهدي على رسالة العوام هذه بعد فتح الخرطوم أعجب بها وحولها للشيخ حسين الزهراء لمراجعتها فكتب عنها الشهادة الآتية: " فقد وقعت من حضرة المهدي الإشارة بأن أنظر فيها" " لتسد خلل بزيادة أو نقص عبارة فإذا هي وافية وفيما" "إرادة منها كافية جزاء الله عن نصيحة الأمة خيرا.." هذه هي رسالة العوام وهي تشبه في بعض ما جاء فيها ما عبر عنه الإمامان جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، حيال الدعوة المهدية في السودان في مجلة العروة الوثقى. وفيما يلي مقتطفات من أقوالهما: جاء في العروة الوثقى: "صرح اللورد جرانفيل في مجلس اللوردات بأن المقاومة الشديدة التي لاقاها من قبائل العرب ورئيسهم عثمان في سواحل البحر الأحمر، لم يكن القصد منها إلا الرغبة في تمكين سلطة محمد أحمد في البلاد السودانية، يريد من هذا أنه لم يحملهم على الثبات والترامي على الموت عدوانهم للإنجليز ولا طمعهم في توسيع الفتح وإنما كان الحامل هو الدفاع عن شوكة محمد أحمد في السودان خاصة. وهذا من اللورد أما غفلة أو تغافل عن لواحق دعوى المهدوية بل لوازمها لا تنفك عنها: فإن القائم بهذه الدعوة لا يقف في سيره عند غاية، ولا يقنع بملك وإنما يريد بسط دعوته في أقطار العالم واحياء الأوامر الإلهية التي جاء بها صاحب شريعته الذي يدعي النيابة عنها في تبليغها وصيانتها في نفوس الناس كافة. وسواء كان صادقا في دعواه أو كاذبا، فلن يتم له أمر ولن تتمكن له سلطة في بقعة من بقاع الأرض سودانا كان أو مصرا أو غيرها ن البلدان إلا بتقدمه إلى ما ورائها حتى يعلي كلمه دينه، ويرد إلى الحق من انحرف عنه، ويكون له التصرف التام في قلوب المسلمين، ويأخذ منها مكانا عليا يشرف منه على مطامح دعواه في غيرهم من الأمم، وسواء يسر الله له النجاح في ذلك أو باء بضده، هذا لا كلام لنا فيه الآن، ولكننا نتكلم في الخصائص الطبيعية لهذه الدعوة العظيمة.." وجاء فيها: " وردت برقية من تاشكند إلى جريدة الساندر الإنجليزية مفادها أنه حصل اضطراب عظيم في أفكار المسلمين سكنه بخارى عندما سمعوا بانتصار أعراب السودان وظفرهم الأول. وظهر فيهم داع جديد يحث على الحرب ومقاتلة الذين ينتهبون الأراض الإسلامية لتوسيع ممالكهم ويهدد صاحب السلطة العامة بين المسلمين بخلعه من مغرسه إذا لم ينشر اللواء الأخضر (المغالبة ومساهمة المتعدى عليهم ) هذا برهان جلي على ما أنذر به سابقا من أن دعوى المهدوية في السودان لهذه الأوقات التي صدم المسلمين فيها أشباه الحوادث الماضية في القرن الخامس والسادس من الهجرة ستدعو إلى حركة عامة يصيح منها الشرقي بالغربي ويصعب على الإنجليزي وهو في مجراها أن يتنكب عنها دون أن تعروه هزة من مفزعاتها خصوصا والمظاهرة الدينية في البلاد المحكومة بسلطة أقوى وأظهر". "إن بلاد بخاري بينها وبين السودان مسافات متطاولة وأبعاد متنائية ويظن الناظر في لوح الجغرافيا أن المواصلات بينها منقطعة ومع ذلك سرى التنافس بين القطرين في الغيرة بغاية السرعة فما ظنك ببلاد هي أقرب إلى مبعث الدعوى وأدنى منها منالا. يغلب على الظن أن الروح هبطت إليها ولكن تتحرك بحركة العقل وتنمو على القوانين الطبيعية والشرائع السياسية والاعتقادية فلا يشعر الأقوياء إلا وقد بات بحلاقيمهم المستضعفون والأرض أرض الله يورثها من يشاء من عباده الصالحين" .
يتبع...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
قال الإمام الغزالي مؤيدا هذه الحجة " لو فرضنا رجلا بلغ وعقل ولم يجرب المرض فمرض وله ولد مشفق حاذق بالطب يسمع دعواه في معرفة الطب منذ عقل. فعجن له ولده دواء فقال: هذا يصلح لمرضك ويشفيك من سقمك، فماذا يقتضيه عقله؟ وإن كان الدواء مرا كريه المذاق، أيتناوله؟ أو يكذب ويقول: أنا لا أعقل مناسبة هذا الدواء لتحصيل الشفاء ولم أجربه. فلا شك أنك تستحمقه إن فعل أهل البصائر في توقفه" إذا كان الشيخ محمد أحمد صبيا صادقا، صالحا، أمينا ولازمه ذلك الحال حتى قارب الأربعين فإن ذلك السلوك حجة قوية لصدقه فيما أعلن. (3) والمضمون الواضح لدعوة الإمام المهدي هو إحياء الإسلام عن طريقة الالتزام بالكتاب والسنة. ورفع التفرق من تمذهب وتطرق. وتطبيق النصوص بفهم ملائم لظروف البيئة. وهذا الفهم المتفتح لأدلة الإسلام هو الذي تحيا به السنة. ففي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الآيات تنسخها الآيات، والأحاديث تنسخها أحاديث. وهذا النسخ ليس في أمور العقائد والعبادات بل في الأمور المتعلقة بمصالح الأفراد والجماعات والنصوص الناسخة هي الأفضل ملائمة للظروف الجديدة. وبعد وفاة الرسول ان الشيخان يراعيان مصلحة الأمة في الظروف المختلفة. جاء عن أبي هريرة أنه قال: " لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عتاقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. قال عمر فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي للقتال فعرفت أنه الحق" (رواه الخمسة). وموقف أبي هذا فيه تصرف في النص مراعاة للمصلحة العامة كذلك كان تعيينه لعمر بن الخطاب خليفة بعده، مع العلم بأن النبي لم يستخلف، تجنبا لاختلاف الناس على الخلافة في ظروف حرجة. وعمر بن الخطاب منع الزكاة من المؤلفة قلوبهم مع أن الآية تنص لهم يسهم من الأسهم الثمانية تقديرا منه أن الإسلام لم يعد في حاجة لذلك. ومنع عمر تقسيم الأنفال على المجاهدين لدى فتح الشام والعراق لأن ذلك سوف يقتطع لهم ولذريتهم من بعدهم الأرض وربعها فعدل عن تقسيمها كما يطلب النص وقسم لهم الربع وحده. وفعل عثمان بن عفان فعلا صالحا عندما جمع القرآن بين دفتين ووحد القراءة ووحد ترتيب الصور والآيات الزم الناس بنسخه واحدة من القرآن وأعرض عن آراء الذين عارضوه في هذا الأمر بحجة أن النبي والشيخين لم يفعلوا ذلك. لقد كان في إجراء عثمان بن عفان رضي الله عنه صيانة لمصلحة الأمة. لذلك حق لنا أن نقول أن الفهم المتفتح الواعي لأدلة الشرع وتطبيقها المصحوب بإلمام بظروف الزمان والمكان والمصلحة العليا هو الذي يتمشى مع السنة ويجعلها حية. والإعراض عن ذلك والوقوف عند النصوص المنقولة وحدها هو البدعة لأنه يجعل النصوص يابسة فتكسر. (4) ودعوة الإمام المهدي مختلفة عن المهدية لدى الصوفية فمهدي الصوفية يقرأ اللوح المحفوظ ويقوم بدور أساسي في تدبير نظام الكون. وعندما توهم يوسف حسن الشلالي القائد المرسل من قبل الحكومة لمحاربة المهدي أن مهديته مطابقة للوصف الصوفي للمهدية طالبه بعدم إرسال الطلائع ما دام مهديا يقرأ الغيب، وعندما بلغت المهدي تلك المخاطبة رد عليها مخاطبا الشلالي قائلاك إن النبي نفسه كان يرسل الطلائع مثل الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان وإنما الغيب لله هو يعلمه لا غيره إلا أن يريد الله اطلاعه في بعض الأحيان لحكمه يعلمها هو . كما أن دعوته مختلفة عن المهدية التي ينتظرها الشيعة الذين ينتظرون الإمام الثاني عشر أن يرجع فيقوم بالدور المنحدر إلي من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. هذا التصور لم يكن ورادا أبدا في أقوال المهدي ولا في أفعاله. وبالرغم من أن المهدي كان يذكر نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يربط أبدا، على نحو ما يفعل الشيعة، بين القيادة الدينية والرابطة الرحمية. فالشيعة لا يقرون مكانة أبي بكر الصديق عند رسول الله، أما الإمام المهدي فقد أكد تكرارا ومرارا أن القيادة مربوطة بسلامة الدين واستقامة السلوك لا الحسب والنسب. فأكد تعظيمه لمكانة أبي بكر الصديق في منشوراته مثل قوله عن خليفة المهدي: آن الخليفة عبد الله هو خليفة أبي بكر الصديق، وأبو بكر الصديق هو الذي قال فيه النبي: ما طلعت شمس على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر. ومما يباعد بينه وبين المفاهيم الشيعية أنه جعل المكانة الثانية بعده لغير أولي قرباه. وعندما توهم بعض أهل المهدي أن علاقة الدم تفوق ما هداه زجرهم الإمام المهدي في خطبته بتاريخ 27 شعبان 1302هـ حيث قال مشيرا لأصحابه متحسرا على ذلك: فمنهم قحطان، ومنهم شبعان، خصوصا الأشراف فقد أهلكهم أحمد سليمان بالدنيا. وعبارته المشهورة في هذا الصدد "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" لذلك أقول: لقد صدق الإمام المهدي في دعوته ومن صدقه فقد صدقها. ومن كان يقر انفتاح أبواب الهداية بالإلهام في الإسلام ويعلم أن مضمون الدعوة هو إحياء الكتاب والسنة، ويدرك أن ظروف زمانه كانت مفتقرة إليها، لما وسعه أن يكذبه أو ينكرها. ومع تعب المواصفات والنعوت فإن الذي أصف به الدعوة المهدية هو: أنه نداء قيادة دينية ملهمة توحد الكلمة وتجدد الدين، وتلتزم بالكتب والسنة، وتملا فراغ الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولإزالة ما ألم بأهل الإسلام منظلم واستعباد وقوله " بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ. ونكون بمثابة بحث المصدر الإسلامي الأول وطاقاته الإيمانية التي تلين الحديد في ظروف طال على أهل الإسلام فيها الأمد.
إنتهى الفصل السادس..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: PLAYER)
|
الأخ بلير لك التحية وآمل أن يستفيد الجميع من الكتاب فيما يتعلق بأسئلتكم فهي ذات شقين الشق الأول متعلق بقول الإمام المهدي من شك في مهديتي فقد كفر والشق الثاني يتعلق بالبيعة الأخيرة في مؤتمر السقاي فيما يخص الشق الأول ربما تجد إجابة شافية في هذا الكتاب أما الشق الثاني فسأفرد له مساحة كبيرة إن شاء الله.
الآن سوف أقوم بإنزال بعض فصول الكتاب....
وراق...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وقال في منشور للملازمين في 1300هـ ( 1882م) الآتي: "وكما لا يخفاكم أن من أحبني فليقتد بي فإن على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمني مندرج في زمنه، وأصحابي على قدم أصحابه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبني فليستن بسنتي. وقال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي". وفي منشور إلغاء التسمي بالألقاب قال مشيرا لعهد رسول الله وأصحابه: ".. وحيث لم يتسم أصحابه (النبي ) بالأمراء فكذلك أصحاب المهدي لأنهم علا أثرهم وقدمهم: فكان من ولاه صلى الله عليه وسلم على بلدة أو قرية كان يلقب بأنه عامله على البلد الفلاني والجهة الفلانية والإمارة تذكر ممن لا يعرف حاله ولو ذكرت من العارف فبطريق الاستطراد على الانصرام لا بطريق الاعتياد على الدوام. ولأجل ذلك لم تجد رسم أسمائهم إلا خالية من الإمارة والسيادة والشياخة ونحو ذلك مع أنهم جراثيم الإمارة والسيادة والشياخة ونحو ذلك. ولكنهم علموا أن السيادة بالزهادة والارتفاع بالاتضاع..". ومن أقوال المهدي: " أني عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما". وقال: "ما جاءكم منسوبا لي إذا وجدتموه مخالفا للكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط". وقال: ".. أقفوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بما أمر به والنهي عما نهى عنه.." وقال: "وأعلم أني محي ما مات من الدين. ومظهر ما أندفن من سنن الأنبياء والمرسلين". ولما كان كل فحوى دعواه هن إحياء الكتاب والسنة، ولما كان بعد قيامه بهذه الدعوة واجبا على كل مسلم تأييده في إدانة فانه أعلن أن من تخلف فقد كفر. (4) في أنه رفع المذاهب: فكر الإمام المهدي في خطابه للشريف محمد الأمين الهندي عدم التعلق بأقوال أئمة المذاهب والتمسك بالكتاب والسنة وحدهما. وكتب المهدي للفتية بلل صابون ما جاء فيه: إنه نسخ جميع الكتب من فقه وتوحيد ما عدا القرآن العظيم والحديث الصحيح ثم قال: "لأن جميع الكتب المذكورة مصدرها القرآن العظيم. وأن من عمل بالقرآن بالآية المحكمة، والأحاديث الصحيحة كان بذلك جامعا لجميع ما ذكرته من الكتب خصوصا الفقه والتوحيد فمندرج في القرآن العظيم وداخل في الشهادة". وقال المهدي في منشور حياة الدين الكبرى الصادر بتاريخ 1201هـ (1884م) الآتي: "والذي ينقذكم من الهلاك ويورثكم عظيم المكانة عند الله هو أن تتركوا معارفكم السابقة وتصفوا لدلالتي بإذن واعية حيث وجب عليكم ذلك ولزمكم الانقياد لي والخروج عن ما عندكم". وقال خليفة المهدي في منشور بتاريخ 1301هـ مشيرا للمهدي: "ومعلوم عندكم وعند جميع أهل البصائر أنه على نور من الله، وتأييد من رسوله، وموعود أنه يرفع المذاهب، ويطهر الأرض من الخلاف ويعمل بالسنة حتى لا يبقى إلا الدين الخالص بحيث لو كان رسول الله موجودا لأقره على جميع أفعاله".
يتبع....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
(5) في موقف الإمام المهدي من أئمة المذاهب: سئل المهدي: معلوم أن المذاهب أربعة.. فما هو مذهب المهدي"؟ قال: "الأئمة الأربعة جزاهم الله خيرا قد درجوا الناس ووصلوهم إلينا، كمثل الرواية وصلت الماء من منهل إلى منهل حتى وصلت صاحبها. فهم رجال ونحن رجال ولو أدركونا لاتبعونا. وأن مذهبنا الكتاب السنة والتوكل على الله وقد طرحنا العمل بالمذاهب ورأي المشايخ". (6) في موقفه من مشايخ الطرق: قال الإمام المهدي عن المشايخ: "جزاهم الله خيرا وصلوا ووصلوا ولكن لو فرضنا أن كل قبيلة حفرت تمدة (حفيرة) لتشرب منها واعتادت أن تشرب منها زمنا طويلا فجاء البحر وغطاها كلها فماذا يفعلون بها؟ أيكتفون بأن يشربوا من البحر أم يبحثوا وراء تمدهم ليشربوا منها؟". فرد عليه الحاضرون: "إذا بحثوا عنها فلن يجدوها لأن البحر سيكون قد غطاها وصارت جزءا منه" فقال لهم: " هكذا الحال الآن". وقال له بعض الأنصار يوما: الناس تسألنا عن طريقتنا ومذهبنا فماذا نقول؟ قال: "قولوا لهم طريقتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله ومذهبنا السنة والكتاب: ما جاء من عند الله على رؤوسنا، وما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم على رقابنا، وما جاء من الصحابة إن شئنا عملنا به وإن لم نشأ تركناه". وأشار المهدي إلى أن دعوته جمعت محاسن ما في الطرق الصوفية، وأضافت ما يلزم للعمل الإيجابي والجهاد. هذا وارد بيانه في خطابه للشيخ محمد الطيب له في حضرة: " الطريقة فيها: الذل، والانكسار، وقلة الطعام والشراب، والصبر، وزيارة السادات. فتلك سنة. والمهدية أيضا فيها سنة: الحرب، والحزم، والعزم، والتوكل، والاعتماد على الله، واتفاق القول. فهذه الاثنا عشر لم تجتمع لأحد إلا لك". ودليل آخر في هذا الصدد هو الآتي: عندما أراد الإمام المهدي تعيين عامل له على البحر الأحمر استشار الشيخ الطيب المجذوب في أن يعين الشيخ الطاهر المجذوب عثمان دقنة. فقال الشيخ الطيب للمهدي: " هل المهدية تقوى وخلوة أم هي حزم وعزم؟". فرد الإمام المهدي قائلا: "المهدية تقوى وخلوة وحزم وعزم". فقال الشيخ الطيب: "إذا كان الأمر كذلك فعثمان دقنة أنسب". وكان الإمام المهدي يلمس أن الألقاب الدينية تكرس الفرقة بين الناس والعجب في النفوس ولذلك وجه إلى إلغاءها قال: "..من يتطلب الفانيات من الأغراض النفسية بصيت الدنيا وجاهها لينال غرضه من الدنيا فيقول أنا الفكي فلان أو الحاج فلان أو السيد فلان أو الأمير فلان أو نحو ذلك ومن عرف أن ذلك عار عند العارفين انكف عنه.." (7) في تأكيده لبطلان خلافه آل عثمان: قال المهدي في منشور بتاريخ 1299هـ (1882م) الآتي: "إن هؤلاء الترك لما بسط الله عليهم النعم ومد لهم في العمر وطول العافية ظنوا أن الملك لهم والأمر بأيديهم وخالفوا أمر الله وأنبيائه ومن أمره بالاقتداء بهم وحكموا بغير ما أنزل الله وغيروا شريعة سيدنا محمد وسبوا دين الله ووضعوا الجزية في رقابكم مع سائر المسلمين وكل ذلك لم يأمرهم به الله ولا رسوله. ومع ذلك أمهلهم الله وبسط عليهم النعم، فلم يتفكروا حتى خذلهم الله وسلبهم ثوب الملك والهيبة بتعديهم حدود الله" وجاء في نفس المنشور: " وإن الترك كانوا يسجنون رجالكم ويسحبونهم في القيود ويأسرون نساءكم وأولادكم ويقتلون النفس التي حرمها الله بغير حقها. وكل ذلك لأجل الجزية التي لم يأمر الله بها ولا رسوله. ومع ذلك لم يرحموا صغيركم، ولم يوقروا كبيركم. وكيف نسيتم هذا كله، ولم تأخذكم الغيرة في دين الله ولا في انتهاك محارمه؟". ( في أن المهدي اعتبر ما قبله فترة ضلال ودعوته لقيام عهد جديد: قال المهدي في منشور منه مشيرا لوجوب تجديد عصم زوجات الذين كانوا بمدينتي الأبيض وبارة موضحا دخولهم في عهد جديد يوجب تجديد عقودهم وذلك بتاريخ 1300هـ الآتي: " وعلى هذا فينبغي أنكم تجددوا عصم نسائكم السابقات المتأخرات عنكم في الخروج ولا تعولوا على العصم السابقة وتقيموا معهن بدون تجديد فإن ذلك محظور". لذلك كان يسمى الإمام ما قبله: الفترة. (9) في تركيزه على الجهاد: قال المهدي في منشور كتبه في 1300هـ الآتي: " فإني عزمت عليكم أن تتجردوا عن الدنيا وتعرضوا عنها بالزهد فيها اختيار ليصير فعلكم هذا في زمانكم هذا سنة حسنة للمقتدين بكم فيكون لكم أجرها وأجر من عمل بها كما في الحديث. فواجب عليكم أن تعملوا بذلك حسب ما ظننا بكم ولا تمسكوا شيئا من أرزاق الدنيا لتكثروه وتدخروه بعد هذا الإنذار والبيان بل أبذلوها في الله وتجهزوا بها للجهاد في سبيله بجميع آلات الاستعداد. لتكونوا دائما على أهبة واستعداد لحرب الجهاد وليوم الميعاد". وقال في منشور كتبه في 1301هـ (1884م) الآتي: "على أن شهوات الدنيا وراحاتها لا توضع في الميزان ولا تعلي عند الرحمن ولا يستحق صاحبها بها منازل أهل الشأن. فإذا فهم العاقل ذلك آثر ما يوضع في الميزان وما يعلو به عند الرحمن وما يسبق به أهل الشأن. ومن ذلك الجهاد في سبيل الله فقد نوه الله بفضله ورغب في نوله وزهده في حياة الدنيا وشهواتها فقال تعالى: ( مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ.. الآية) فإذا علم المؤمن خسة الدنيا وقلتها وقرب فواتها ومقتها عند خالقها، وعلم أن من أرادها لا نصيب له لا يلتفت إليها فيتأخر بسببها وبسبب شهواتها عن الجهاد وما يقريه عند الله تعالى". وقال في منشور آخر بتاريخ 1300هـ 1883م الآتي: "وجاهدوا في سبيل الله وأعلموا أن سيدنا سيفا سل في سبيل الله أفضل من عبادة سبعين سنة".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
(10) في أن الاتباع لا يمنع التجديد: قال المهدي في منشور بتاريخ 1302هـ (1885م) مشيرا إلى تبرير حكم من أحكامه بأن المصلحة هي التي اقتضته ذاكرا أن مراعاة المصلحة هي التي جعلت بعض الآيات تنسخ آيات أخرى. وبعض الأحاديث تنسخ أحاديث أخرى فالناسخ من الآيات والأحاديث يراعي المصلحة في ظروف تغيرت. قال المهدي في هذا الصدد: "وأظن أن الحكمة في ذلك إن كانت الآيات تنسخ الآيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب مصالح الخلق. وكذلك الأحاديث تنسخ بعضها البعض على حسب المصالح. فلأن مصالح الخلق الآن صارت.. الخ". أي أنه برر حكما جديدا باختلاف الظروف ومصالح الخلق. وقال المهدي في خطاب بتاريخ 1302هـ (1884م) الآتي: "وارفعوا حوائجكم إلى بالصدق مع الإقبال. ولا تعرضوا لي بنصوصكم وبعلومكم على المتقدمين: فلكل وقت ومقام حال. ولكل زمان وأوان رجال". (11) في أن لا واسطة بين العبد وربه: قال الإمام المهدي في رسالة لأحد عماله بالجزيرة بتاريخ 1301هـ (1884م): "وأما ما ذكر تم في الدعاء الذي يحمل الاستعاذة من السقم والعين ونحوه فهذا ليس من مذهبنا إنما مذهبنا التوكل على الله، حيث أنه النافع الضار وناصية كل شيء بيده. بل لا يخرج من قدرته فلتة ناظر. فينبغي لمن كان تابعا لنا أن يسلك طريقنا ويتوكل على الله وحده ولا يلتفت إلى غير لا وجود له بشيء". وكتب المهدي في خطاب له عن التوكل الآتي: أوحى الله في حديث قدسي إلى داود: "أما وعزتي وجلالي لا يستنصر بي عبد دون خلقي أعلم ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن إلا جعلت له منهن فرجا ومخرجا. أما وعزتي وجلالي وعظمتي لا يستعصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعلم ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات السبع من دونه واسخنت الأرض من تحته ولا أبالي في واد هلك". (12) في الموقف من العلماء الذين لا يعملون: كان المهدي يقول عن هؤلاء أن الدين قد صار على أيديهم متونا وحواشي لا حياة فيها يحفظونها ويرددونها ويستخدمونها في أغراض الحكام. قال الإمام المهدي في خطاب للشيخ محمد الخير عامله في بربر بتاريخ 1302هـ الآتي: "فأن نيل ما عند الله إنما هن بإيثار نصيب الآخرة الذي اندرس قصده بكثرة الوساخات الدنيوية والتفاخر بها وإظهار عظمة ذلك وتلبيس علماء السوء بفوز صاحبها وشكره في المجالس وقرناء السوء الذين يعلمون ظاهرا من الحياة وهم عن الآخرة هم غافلون". وقال في منشور في 1300هـ (1882م) مخاطبا العلماء الذين لا يعملون: " يا علماء السوء تصومون وتصلون وتتصدقون وتدرسون ما لا تفعلون فما سوء ما تحكمون. تثوبون بالقول والأماني ولا تعملون بالهدى". (13) في دعوته لتحرير وتوحيد الأقطار الإسلامية: بعد أن استتب الأمر للمهدي في السودان وجه الدعوة لخديوي مصر ولأهلها. ولأهالي مراكش، ومالي، وفاس، وغيرها من البلدان وكان قبل ذلك قد خاطب السنوسي في ليبيا، وحياتو بن سعيد بن عثمان في سكوتو، وجاءه وفد من الأراضي المقدسة. وخطاب المهدي للخديوي يجمع المعاني التي خاطب بها المسلمين في كل مكان. قال المهدي مخاطبا الخديوي توفيق: ".. وهكذا صارت جيوشك تأتيني ثلة بعد ثلة وأقدم لهم الإنذارات ولم تنفعهم، والله يؤيدني ونصرني عليهم كما وعدني ويقطع دابرهم. إلى أن قلت حيلتك وتلاشى أمرك فسلمت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأعداء الله الإنجليز وأحللت لهم دماءهم وأموالهم. وما كان يحسن بك أن تتخذوا الكافرين أولياء من دون الله وتستعينوا بهم على سفك دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أفلم تسمع قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وأعلم إن هذا الملك لم يصل إليك إلا بموت أو عزل من كان قبلك. وهو خارج من يدك بمثل ما صار إليك. فتدارك نفسك فيما ينجيك عند ربك، إذا مثلت بين يديه وسألك عما جرى منك. إياك والركون إلى قول علماء السوء الذين أسكرهم حب الجاه والمال، حتى اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فيهلكوك ما أهلكوا من قبلك. وليكن في علمك أن أمرنا هذا ديني مبني على هدى من الله ونور من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤيد من الله بجنود ظاهرية وباطنية، وما قصدنا منه إلا إحياء الدين وأثار الأنبياء والمرسلين. ولا نريد من ذلك ملكا لأحد ولا جاها ولا مالا. فإن نور الله بصيرتك وخالفت النفس الأمارة بالسوء وقبلت هدينا وأتيت إلى الله بنية خالصة، فعليك أمان الله ورسوله، وما بيننا إلا المحبة الخالصة لوجه الله تعالى ونكون نحن الجميع يد واحدة على إقامة الدين وإخراج أعداء الله من بلاد المسلمين، وقطع دابرهم باستئصالهم من عند آخرهم إن لم ينيبوا إلى الله ويسلموا. وقد حررت إليك هذا الكتاب وأنا بالخرطوم شفقة عليك وحرصا على هدايتك. فأرجو الله أن يشرح صدرك لقبوله وبدلك على صلاحك ورشادك في الدارين. وها أنا قادم إلى جهتك بجنود الله عن قريب إنشاء الله تعالى فإن أمر السودان قد انتهى". وقبل ذلك وجه المهدي الدعوة للشيخ محمد المهدي السنوسي أن يهاجر إلى السودان للعمل معه على إحياء الدين وتوحيد بلاد المسلمين وذلك في رجب 1300هـ وجاء في الخطاب: "وقد علمت أن الهجرة المذكور واجبه كتابا وسنة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو شبرا استوجب الجنة). ولم أقف على رد الشيخ السنوسي على هذا الخطاب، ولكن توجد رواية أن الإمام المهدي عينه الخليفة الرابع وبعد وفاة الإمام المهدي جدد الخليفة الاتصال بالشيخ السنوسي وكتب أيضا لأهل مصر والحجاز، وقبائل نجد وقريش وأهل المدينة، والسلطان عبد الحميد والملكة فكتوريا، وملك الحبشة، وسلطان وداي، وسلطان سكوتو، والسلطان رابح، وسمى بعضهم أمراء على بلادهم. (14) في تسمية الأنصار: من آمن بتلك المبادئ وبايع عليها صار من الأنصار، ولكن التعبير الدارج، والدعاية الحكومية، كانا يطلقان على اتباع المهدي لفظ الدراويش. واللفظ كما هو معلوم يوصف به اتباع رجال الطرق. وكان المهدي يرى أن هذا اللفظ يقصد به التحقير لأن الدرويش هو الذي لا يعرف مصلحته ولذلك فإن طلاب الدنيا هم الدراويش لأنهم يطاردون ما لا ينفع. أما الزهاد الذين التفوا حول دعوته فهؤلاء عرفوا المصلحة الحقيقية الدائمة ونصروا دعوة الحق ولذلك يلقبون بالأنصار. قال المهدي في منشور بتاريخ 20 جمادى الثاني 1301هـ الآتي: "فمن نفذ قلبه إلى ما عند الله من خير، وترك ما في الدنيا من ضير، لا يسمى درويشا وإنما يسمى عاقلا ومدركا وبصيرا، وناصرا لدين الله حيث أنه وافق أراده الله وترك ما لا يريده وذلك البصيرة فلزم من سمى مثل هذا بالدرويش الذي هو ذاهب العقل التغرير والجلد". وثائق الهدي الروحي: كان الإمام المهدي يوجه بالتماس الهداية في كتاب الله وتفاسيره، وأحاديث الرسول الأمين وشروحها. ومن الكتب القليلة التي أشاد بها خارج نطاق التفاسير القرآنية والأحاديث النبوية كتب الإمام الغزالي وخاصة كتاب أحياء علوم الدين. وكان الإمام الغزالي كما رأينا ينظر للتصوف باعتباره عمقا روحيا للواجبات الدينية لا بديلا عنها. وفي كتابات الإمام المهدي وسلوكه في العبادة والمعاملة والقيادة والإدارة دلائل متواترة على اهتمام بالغ بالجذور الروحية لسلوك المسلم. وفيما يلي الشواهد على ذلك: قال الإمام المهدي في المنشور المسمى حياة الدين الكبرى بتاريخ 1301هـ (1884م) الآتي: " اعلموا وتحققوا أن للدين أغوارا وبواطن لا يصلح الظاهر منه إلا بإصلاح تلك البواطن والتحقيق بها وثم تصلح ظواهر الدين بعد ذلك. وله ظواهر مبينة على حقائق لم تظهر لأحد ولا تمكن منها إلا من تلقى من أهل التحقيق الآخذين من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي مجموعة من المنشورات أوضح المعاني الروحية وراء العبادات كلها مثل منشور الصلاة ومنشور الصيام. ففيهما أفصح عن المعنى وراء كل حركة وسكون. قال في منشور الصلاة: أحبابي أعلموا أن الصلاة محل المصافات والموافاة والمناجاة كما هو معلوم أن الإنسان قبل الوصول إلى ديوان الملك لا يعرف قدرته على الحقيقة. ولا يجد عند الملك الكريم عطاء في حضرته. فإن الكبراء الوافدين إلى الملك فما يريدون الدخول عليه يتطهرون ويتفرغون من كل ما لا يرضيه ويدخلون على الإجلال له، راجين ما عنده بانكسارهم له وتفويضهم وامتثالهم لأمره. وأنت أيها المؤمن أن مسجد صلاتك محل مصافاتك أي مصادقتك مع ربك وموافاتك له ومناجاتك إذ قال تعالى: وأقم الصلاة لذكري.. وهكذا". وكان المهدي يرى فلاح الإنسان في الزهد. قال في منشور بتاريخ 1301هـ (1883م) الآتي: " ولما كان إنقاص الدنيا هو الفوز في الآخرة وقد سمعتم عن أحوال النبي وأهله وانهم يجوعون أياما، وما خفيت عليكم حكايات الصحابة فلا ترغبوا في المال الدنيوي والتمتع في الدنيا فتخذلوا دينكم وتنقضوا عهدكم وتنزلوا من قدم النبي. فلا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إذ قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه". وقال في منشور إلى أحبابه في 1300هـ (1882م) الآتي: "فهانا أوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن المهدية قائمة بهذين وشروطها الصفاء مع الله، والصدق بعبودية الله، والانصراف عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، والتواضع والذل والانكسار والالتفات إلى الله كما في الحديث: الفقراء جلساء الله، واختيار الآخرة على الدنيا وطلب ما عند الله وترك ما عند الناس، وتحمل الأذى وعدم مقابلة فاعلة. وخلاف النفس في كل ما تهواه، والتجرد عن الأشغال الدنيوية..".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وكان يؤكد أن التوكل على الله يورث الإنسان قوة روحية. قال في منشور بتاريخ ذي الحجة 1301هـ (1884م) الآتي: "والرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان متحاشيا رؤية شيء مع الله تعالى فلربما يحصل الالتفات من بعض كمل اتباعه كما حصل يوم حنين، فإن بعض الصحابة قال: لن نغلب اليوم من قلة لما كان الكافرون نحو 4 آلاف والصحابة نحو12 الفا. وقيل أن القائل بهذا القول هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه. فحصلت عليهم الهزيمة كما حكى الله في كتابه العزيز: ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ..الآية) حتى أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين. فحينئذ علم يقينا أن النصر من عند الله". وفي نفس المنشور أشار بأن المصائب والمحن.. " تزيد همتهم وتنور قلوبهم بالاعتماد على الله والوثوق به والخروج من الخلق إلى الخالق حيث أن المصائب تبين الحقائق وتخرج الدقائق، وتدر الأنوار وتصفي الأخيار كما قال بعضهم: لله در النائبات فإنها صدأ اللئام وصيقل الأحرار وقال الرسول: إذا أحب الله عبدا ابتلاه". وعلى منوال هذا المعنى وهو أن المصائب والشدائد تورث صاحبها تربية روحية وأنها من علامات الخير المعنوي كثرت كتابات الإمام المهدي. قال في منشور حياة الدين الكبرى بتاريخ 1301هـ الآتي: "لما رأوا وسمعوا من نبيهم كانوا للمسكنة محبين وعن حب التكاثر والعلو ورعين وإذا أقبل عليهم الرخاء حزنوا. وإذا أتتهم الشدة قالوا: الآن تعاهدنا ربنا. فبين الله أنهم هم الصادقون في الإيمان وفي طلب الآخرة، فقال تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ.. الآية) ولتجنبهم لحب العاجلة قال الله فيهم أولئك هم المتقون. وللزوم أن الفوز عند الله بذلك قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ.. الآية) . وفي منشور الصلاة الصادر بتاريخ 1301 هـ قال مؤكدا هذا المعنى ومشيرا إلى أن وجود البلايا يجعل الإنسان يتجه لربه وهذا الاتجاه فيه كل الخير قال معبرا عن ذلك: " ..والمعلوم أنه إذا كثرت أم قرانجة (قطاع الطريق) انجبر الإنسان إلى قرب الملك ولله المثل الأعلى. وهو قد سلط عليك هذه الأعداء ليحوشك إلى قربه والالتجاء إليه فنجد خير الدارين وتنال خلع المقربين. وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الصلاة إذا حزبه أمر، أي أهمه، خروجا من الحول والقوة واكتفاء بالله والتجاء إليه وتعريفا أنه لا يتولى الأمور إلا الله. ونظرا للخير المشكور عند الله ولعظمة مكانه عند الله قال صلى الله عليه وسلم: ما ابتلى نبي مثلما ابتليت. لأن المزايا على قدر البلايا ولعظمة مكانه عند الله خص مع كثرة البلايا بفريضة الجهاد هو وأمته لينالوا عظيم المكانة بالخروج عن النفس والمال والاكتفاء بالله الرغبة فيما عنده.." . وكان المهدي يقرن ما بين الزهد في الدنيا والصبر على مشاقها والتطلع للآخرة وبين تقوية روح الفداء. قال في منشور في 1300هـ (1883م) الآتي: " على أن الكفرة يقاتلون فيموتون ويجرحون من غير رجاء عند الله تعالى. فكيف لا يرضى المؤمن الطالب ما عند الله؟ قال تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) . فترك الجهاد بعد ذلك إما جهل بقدرة الله، أو كفر بآيات الله، أو جهل بعظيم ما عند الله من الثواب أو عدم معرفة بخسة الدنيا السراب مع أن الأجل موقت معلوم لا ينقضي إلا عند المدة التي كتبها الله له. وإذ تم الأجل المعلوم ومات عند انقضاء أجله في الجهاد فله ما لا يحصى من الخير كما هو معلوم. وإذا فر وترك الجهاد لا يزيد عمره ولا يزول عنه المكتوب له من جراح وغيره. قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) بل من فر وترك الجهاد وتخلف عن أمر الله بالجهاد يميته الله بأبشع ميتة حسرتها تقوم. ولو كانت هذه الميتة بإقبال في الجهاد لنال ما نال مع عدم الإحساس بألم الموت. قال تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ..الآية) وبالجملة أن الخوف عند الجهاد أما من عدم التوحيد أو من الجهل بقدرة الله وخسة الدنيا". ولا يكاد يخلو منشور من منشورات المهدي من الحث على الزهد في الدنيا، والاستبشار بالصعاب والمشقات، وشحذ روح التضحية والفداء واعتبار هذه المعاني دليلا على عمق إيمان المؤمن. وكان يرى أن الأمور المادية ليست مغنية فقلب الإنسان لا يملؤه إلى المعاني الروحية والأمور الدنيوية مهام تكاثرت أسبابها لا تشبع النفس بل تطمع في المزيد ثم المزيد. فاطمئنان القلب لا يتحقق إلا بالروح. قال في منشور بتاريخ 1301هـ: " وأعلم يا حبيبي أن القلب لا يملؤه شيء دون الله. أعني من لم ير قوة الله وقدرته على كل شيء، وصدق وعده وحسن ما عنده وفراغ ما في الدنيا ن النعم وعدم نفع شيء منها دون الله لا يمتلئ قلبه بشيء في الدنيا فكيف يمتلئ قلبه بما فيها؟ وقد قال الله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) فلا يمتلئ قلب أحد بقليل فإنه لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما واديا ثالثا كما ورد". وكان يرى أن كل الطاعات لا بد أن يصحبها عمق روحي وتلاوة القرآن لا بد أن يصحبها التدبر والتعمق. قال في خطاب منه إلى الشيخ الطاهر المجذوب بتاريخ 1302هـ (1885م)مشيرا إلى قراءة القرآن وترتيله الآتي: " وعليك بالترتيل فيه والتأمل في معانيه وقف عند كل آية وافهم الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وثمرة القصص والأخبار فعند الأمر أسأل الله التوفيق ولو بسرك. وكذلك عند النهي أسأل الله التباعد من المنهي عنه. وعند الوعد اسأل الله أن يجعلك من أهل ذلك. وعند الوعيد تعوذ بالله واستعن به. فكذلك في قصص الأنبياء وأصحابهم. وقصص المكذبين وأجزم عنه الأمر بالقيام به امتثالا مع السؤال ولو بالسر. وعند النهي أجزم بالترك. وكذلك في كل ما ذكر كن مستعينا بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". ومن ثمار هذا التهذيب الروحي أن يكون مضاء المرء الجهادي نافذا ضد أعداء الله، وأن يكون جانبه لينا نحو اخوته المؤمنين، فهم جميعا أحباب الله وأحباب في الله ولذلك كان الإمام المهدي يخاطب الأفراد والجماعات من الأنصار بعبارات المحبة، وهذه نماذج من مخاطباته: إلى "حبيبي"، "أحبابي" ، " حبيبي في الله" ، " أحبابي في الله وأتباعي على سكة رسول الله ".. وهكذا. ومعنى المخاطبة بعبارات المحبة أن العلاقة بين الراسل والمرسل إليه تقوم على المحبة المجردة من الأغراض الدنيوية الممحضة على الإخلاص لله وحده فكما أن الفدائية في ساحات الجهاد دليل على صدق الإيمان والتوحيد، فإن إخلاص المحبة بين المؤمنين دليل على أن تلك المحبة ليست مستقلة عن الله بل صادرة عن إيمانهم المشترك به وبوحدانيته. قال الإمام المهدي في هذا الصدد: "والحال أن محبتنا لما هو هنالك من رضاء الله وقربه العظيم المقدار أو لنعيم دوام دار الحوار، فالحب لغير ذلك هو نقص في الحقيقة، والمعلوم أن الحب من الأصحاب إنما هو لله" . وكان الإمام المهدي يتحدث عن الكرامات التي وقعت لتأييد دعوته ولكنه لا يجعلها أمرا أساسيا في موقفه. وكان يذكر المخاطبات النبوية وبعدها متاحة لكل أهل الكشف والصلاح. وكان يؤكد أن سيفه مصحوب بالنصر دائما لوعد تلقاه. وموقفه في هذه الأمور واضح في أقواله وكتاباته وهاكها: في خطابه ليوسف حسن الشلالي في رجب 1299هـ (مايو 1882م) قال عن الكرامات الآتي: "نحن ليس علينا إلا التبليغ ولا نطلب من الله إظهار آية على مهديتنا بل نقف معه على حد أدبنا وعبوديتنا فإن شاء آظهر آية كما ظهر لكثير من المؤمنين المحبين.."
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وفي نفس المنشور قال عن المخاطبات النبوية: "المخاطبة النبوية تعتبر أمرا مفتوحا لكل أهل الكشف كذلك الحضرات النبوية والقطبية.." وعن السيف المنصور قال في برقيته المرسلة للحكمدارية في 1298هـ الآتي عن سيف النصر: " وليكن المعلوم أنه أتاني من الحضرتين النبوية والقطبية سيف وأعلمت أنه لا ينصر على معه أحد". تلك هي شذرات من الهداية الروحية التي حفلت بها إرشادات الإمام المهدي. وقد كان راتبه مأدبة روحية جمعت المعاني الروحية التي ركز عليها وصقل بها نفوس أصحابه وستقدم دراسة للراتب في مقام لاحق إن شاء الله. بيانات الاتجاه السياسي كان نظام الحكم في السودان نظاما عسكريا إداريا مستمدا تفويضه السياسي من الخديوي الذي كان يخضع شكليا للخلافة العثمانية. وعلى رأس النظام في السودان قائد إداري عسكري يعاونه في الوظائف العليا أخلاط من الطبقة الحاكمة في مصر (وهي شبه أجنبية) ويعاونه عدد من المرتزقة الأوربيين. أما أهل البلاد فكانوا يستخدمون في وظائف دنيا إلا نادرا جدا. ودرجت السلطة الحاكمة على جمع الأعيان في مجالس في مجالس استشارية مهمتها مباركة سياسات الحكومة وفهم أوامرها. وبسقوط الحكم التركي سقط ذلك النظام وقامت دولة ذكرنا نبذة عن طبيعتها السياسية. ونذكر فيما يلي تفاصيل ما ذهبنا إليه: (1) أساس العلاقة السياسية التفويض لقيادة تسوس الناس بالمعروف الذي نصت عليه البيعة وفحواها ما نص عليه المنشور الصادر من الإمام المهدي في 1301 هـ والذي جاء فيه: ".. يا أحبابي إنكم قد بايعتموني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان ولا تعصوني في معروف على أنكم تختارون الآخرون فلا تطلبون إلا ما عند الله وآن تزهدوا الدنيا وتبذلوا أنفسكم وأموالكم في سبيل الله وأن لا تفروا من الجهاد رغبة فيما عند الله لا لرغبة في الدنيا ولا رياسة ولا ثناء فإذا كنت موفون لبيعتكم وعهدكم فإن بيعتكم هذه هي بيعة رسول الله..". (2) وعين المهدي أربعة خلفاء هم أعوانه في تصريف الأمور وكما كان المهدي خليفة لرسول الله كان أعوانه هؤلاء خلفاء لأبرز أعوان رسول الله: فالخليفة الأكبر خليفة أبي بكر الصديق، والثاني خليفة عمر بن الخطاب، والثالث خليفة عثمان بن عفان، والرابع خليفة على بن أبي طالب، ولكل خليفة راية ترمز لإقليم من أقاليم السودان ذات الوزن في ذلك الحين: الغرب، النيلان الأزرق والأبيض، الشمال والشرق. ويتولى كل خليفة شأن لواء من تلك الألوية. والخلفاء بالإضافة لكونهم قادة مجموعات معينة، ولكونهم خلفاء المهدي. أعضاء في مجلس أعلى للشورى وقد أشار المهدي لهذه الشورى في عدد من منشوراته مثل المنشور بتاريخ 22 شعبان 1302هـ (يونيو 1885م) قال: " ولذلك استصوب عندنا مع المشورة المسنونة أن تكتب إلى كافة المحبين أن يرفعوا أيديهم من الشارع.. الخ". وكان على الخلفاء أن ينظموا قبائل المناطق التابعة لهم تحت أمراء مختارين لهم من أبناء تلك القبائل. وكان المهدي يعقد اجتماعا دوريا لهؤلاء الأمراء وقد أشار إلى ذلك الاجتماع في عدد من مناشيره مثل ما جاء في منشور بتاريخ 1300هـ (1883م) إذ خاطب الأمراء بقوله: " و ما أشكل عليكم فأمروهم فيه بالصبر لغاية طلب الأمراء وجمعهم عندنا فيصير تنجيزه بحسب الحكم فيه من الله ورسوله". تلك الإجراءات كانت تكفل مشاركة للأقاليم والقبائل دون الاعتراف لها بذاتية تضعف انتماءها لكيان واحد فيصدق في وصف النتيجة العبارة: تعقد في وحدة. وكانت الرايات لا تقف عند حد تجنيد قوة نظامية ضاربة بل تنتظم في سلكها كل أهل السودان مستخدمة النظام القبلي لأغراض تتجاوزه وتصهره موفرة جيشا شعبيا عبر عنه المهدي بقوله: "بل استنفرنا جميع عباد الله إلى الجهاد". إن شأن المهدية مع الواقع الاجتماعي السوداني المفرق بين الأقاليم والقبائل، إنها عرفت حقيقته وأسقطت الجوانب الضارة منها، واستصحبت الجوانب الأخرى فأدخلتها في نظام جديد، فصنعت من ذلك الواقع المفرق أقوى وحدة عرفها السودان في تاريخه. (3) والعدل هو أساس الحكم ليطمئن الناس على حقوقهم وتتوفر الثقة بين الحاكم والمحكوم. قال المهدي في هذا الشأن: " أحبابي سألتكم بالله العظيم وبنبيه الكريم من كانت له عليّ مظلمة والحال أني ناس لذلك فليطلبني قبل الآخرة فإني قد اتهمت نفسي بذلك، ومن كانت له مظلمة على الخلفاء والأمراء والإشراف فليطلب ذلك.." وقال في خطابات عامة: " وأعلموا أيها الأمراء والنواب أن كل أمير منكم أ, مقدم أو نائب عنا في سائر الجهات فليتدارك الأمور والقضايا في جهته بالحكم فيها وراحة أصحابها.. وانظروا الوقائع واحكموا فيها على وجه الصواب. واعدلوا في حكمكم ولو على أنفسكم.. وردوا المظالم إلى أهلها ولو من أنفسكم واعلموا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجحد حقا عليه وليؤده فورا ولا يلجئه إلى سلطان وخصومه ليقطع بها حقه.." ومن موجبات العدل التزام القائمين بأمره بالحدود المشروعة. وفي هذا الصدد قال المهدي مخاطبا السجان: " فمن أتى إليك به للحبس فاستعمل فيه الرفق واجر عليه حسب الحدود المشروعة. ولا يصير تشغيل المحابيس إلا في ضرورة". (4) كان على عمال الدولة وأمرائها أن يراعوا الجانب الروحي والخلقي في جميع تصرفاتهم فلا فصل بين الواجب القيادي والإداري وبين السلوك الفردي الخلقي. قال الإمام المهدي في منشور للخلفاء والأمراء والنواب في عام 1300هـ الآتي: ".. فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين واعلموا أني لا أتمم لكم خلافتكم ولا إمارتكم ونيابتكم عنا في الأحكام والقضايا إلا أن تشفقوا على خلق الله وتهدوهم في الدنيا ليتركوها وترغبوهم في الآخرة ليطلبوها وتعلموهم عداوة أنفسهم له ليحذروها وتنصفوهم من أنفسكم إذا ادعوا عليكم حقا". وبشأن قبول الحكام للهدايا كتب المهدي إلى حبيبه عثمان خالد في عام 1302هـ (1885م) ما جاء فيه: " حبيبي إن البصيرة النيرة تأبى التدنيس بالدنيا وجزاك الله خيرا حيث رأيت الضرر فكاتبتنا. فكذلك إن العمال والحكام والقضاء كان المتقي منهم في السابق من الزمن لا يتدنس بالهدايا التي لا بد فيها من العلل ولو كان الواحد منهم في بيته واتى إليه من أهدى إليه الآن ما كان يهدي إليه وقتها سابقا. فلما كان كذلك يا حبيبي فتباعد عن ذلك. وكلما أتى إليك بشيء وأهدى إليك بهذه الوسيلة فأدخله بيت المال.." الخ. وفي نصيحة أخرى قال" "وقد بلغني أن من أتى إليك بهدية ترده فيحث أن المسلمين كالنفس(الواحدة) فأرد لهم ما تحبه لنفسك فلا ترد ما أخرجه لك من الدجنيا مخفيفا عنه، ولا تنتقل بها أتت، واجعلها في بيت (مال) المسلمين واستلامها على وجه الشفقة بمهديها شرطها أن تكون خالية من العلل فإن كنت تعلم فيها علة أو شفاعة في حكم أو نظر على إبطال أمر ديني فردها ولا تقبلها إذ أن الدنيا سحارة فعساها أن تأخذ ببعض القلب فتسوده فتزيل رغبة الآخرة لرغبة الدنيا".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
(5) وكان المهدي حريصا على الحزم، والانضباط، وتفويض المسئولين فيما أوكل إليهم تفويضا واضحا. قال في منشور بتاريخ الحجة 1301هـ الآتي: .. "إلى كافة الأمراء والمقاديم وأتباعهم وجميع من ينتمي إلينا من الأصحاب. يا أحبابي من المعلوم أن من شروط المهدية الحزم في أوامرها والنشاط في قوام الدين.. الخ". وفي منشور بتاريخ الحجة 1301هـ (1884م) قال: "قال صلى الله عليه وسلم: من اتبع أميري فقد اتبعني، ومن خالف أميري فقد خالفني وقد نبهت غير مرة في موافقة الأخوان لأمرائهم والأمراء لخلفائهم والكل للخليفة عبد الله ففي ذلك راحة بالنا وإقامة الدين". (6) وفي توجيهه أن المساواة بين الناس تورث الإخاء وتقضي على الغرور. قال في منشور إلى أحبابه بتاريخ 1301هـ " فمن أراد الآخرة صدقا لا يريد التميز على الأقران في الدنيا ولا التمتع الذي يعتب الحسرة عند المفارقة لأن المعلوم أنه على قدر ما يكثر الفاني تكثر الحسرة عند فراقه. ولا يدوم للعبد إلا ما وافق رضوان الله تعالى. قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) . وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يكره العبد المتميز عن أخيه المؤمن أعاذنا الله وإياكم من ذلك". وقال في منشور إلغاء الألقاب: "أيها الأحباب إن المعلوم أن العاقل العارف يسعى فيما يدوم ولا يسعى في فراغ لا يوصله إلى ما يدوم له من رضا الحي القيوم ولذلك قد كتبت للاخوان جميعا المنشورات بترك التسمي باسم الشيخ والسيد وغير ذلك من الألقاب التي تلفت إليها النفوس المغرورة بالزائلات إذا أن التفات النفس إلى علو الدنيا يذهب طلب الآخرة وإرادتها كما هو وارد والله تعالى عنده المنكسرة قلوبهم". وقال في بعض توجيهاته: " فلا ترغبوا فيما تسمى به الظالمون والكفرة المعرضون فإنهم لا يرضون إلا أن يسموهم بالوظائف. فلا تتسموا بذلك". (7) ولما كان المهدي قد ألغى المذاهب لم تكن المحاكم في المهدية ولا الأحكام مقلدة لمذهب من المذاهب المعروفة. بل كان المهدي والخليفة بعده وقضاة المحاكم يلزمون أنفسهم بنصوص القرآن وسنة النبي وما بينه الإمام المهدي من تطبيقات لتلك النصوص وإرشادات في الظروف المستجدة. ويوجد الآن كتاب جامع للأحكام التي أجاز المهدي العمل بها ويتضح من دراستها أنها لا تقل مذهبا من المذاهب المعروفة. بل تطابق بعض أحكام هذا المذهب أو ذاك حينا وتضع حكما مختلفا منها أحيانا. إنها أحكام إسلامية غير مقلدة لمذهب ما وإن كانت في كثير من نصوصها أقرب إلى مذهب الإمام الشافعي من غيره. بيان الاتجاه الاقتصادي 1. كان واضحا من منشورات الإمام المهدي وأقواله أن حركته هي مواجهة شاملة لأركان الظلم وحلفائهم الدخلاء على طول العالم الإسلامي وعرضه. وأثناء حرب البعث والتحرير هذه سيكون اقتصاد السودان اقتصاد طوارئ توجه فيه كل الطاقات لمعركة بعث الإسلام وتحرير دياره. وقد عبر عن هذا المعنى أوضح تعبير الشيخ الحسن محمد العبادي في رسالته المسماة الأقوال السنية والتي اطلع المهدي عليها وأجازها. قال الشيخ العبادي: "نجاهد مع المهدي الكفرة والخوارج، ونحمي ملتنا وأنفسنا، وعشيرتنا وأهلنا وجميع البلاد الإسلامية- ثم بعد الفراغ من النصر والفتح والاستحصال على مقصودنا ونشر الراحة العمومية يرجع كل واحد منا لما كان متلبسا به أن كان مطلوبا شرعا من تدريس، وتربية نفوس، ومعايش عائلية ضرورية". 2. والشيخ الحسين الزهراء يوضح أن حملة الإمام المهدي ضد الانشغال بالدنيا لم يقصد منها تعطيل الأرزاق الدنيوية فالالتفات إليها من الواجبات باتفاق الجميع لتوقف الاستقامة عليها. والمنشورات بالتخلي عن الدنيا متوجهة إلى ما وراء الأمور التي لا بد منها لتقويم البنية. وذلك لأن غالب الناس إنما كانت أنظارهم في التوسع في الدنيا. وفي ذلك صرفوا غاية وسعهم وتركوا الآخرة فنهاهم عن ذلك. قال هذا في رسالته المسماة الآيات البينات والتي اطلع عليها المهدي وأجازها. 3. إن المعنى الذي يكرره الإمام المهدي في علاقة الإنسان بأسباب المعايش الدنيوية هو ألا يسمح الإنسان لنفسه أن تستقر الدنيا في قلبه ويركن إليها ودعوته في الراتب هي: ولا تجعل في قلوبنا ركونا لشيء من الدنيا يا أرحم الراحمين. وفي رسالته لاتباعه بتاريخ صفر 1301هـ (1883م) أشار المهدي إلى وجود المال في أيدي أصحاب رسول الله وقدم تفسيرا أزال فيه التناقض بين الزهد في الدنيا واستخدام أسبابها لأغراض مشروعة قال: " وكان الذين عندهم سبب إنما هو في أيديهم لا في قلوبهم حتى يؤثر فيها حبا وأسفا أو التفاتا. وإنما هم عليها كالوكلاء ينفقونها حسب أوامر موكلهم ومولاهم ولذلك قال ربهم العالم بضمائرهم: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه. ولم يقل أنفقوا مما ملكتموه". 4. (أ) ولما كان المال مال الله فإنه عند الأفراد أمانة وعليهم أن يحسنوا التصرف فيه وإلا أخذ منهم وأضيف إلى بيت المال إن صرفوه في حرام أو في التباهي والتفاخر. وفي هذا الصدد قال المهدي مشيرا لموقف من صرف على الزواج أكثر من المقدار المحدد في منشور عن المهور بتاريخ 1300هـ الآتي: "فما زاد على ما ذكرت ما دام أن المال مال الله ومبذول للجهاد في سبيل الله، وعليه البيعة، فلا يخلو من سرقة، حيث لا أذن منا على ذلك فلازم أن يؤخذ منه للمساكين والمجاهدين في سبيل الله والسلام". (ب) والعمل التجاري الخاص يجب أن يخضع لضوابط تمتع الظلم والاستغلال ولا تتعدى الربح الحلال. قال المهدي في منشور بتاريخ شعبان 1300هـ (1882م) الآتي: "فعزيمة من محمد المهدي بن عبد الله لكل من بلغه هذا المنشور ودرى ما فيه أن لا يفتري على الله كذبا ولا يغش أحدا ولا يمكر و لا يخادع ولا ينقض عهدا ولا يحلف يمينا فاجره لاستجلاب حطام الدنيا الساحرة ولا يبخس ميزانا أو مكيالا ولا يطففه وأن يتخذ بين ذلك سبيلا ويلزم الصدق في أخذه وعطائه وبيعه وشرائه وجميع معاملاته دون خيانة وغدر مع الوقوف على حد السلامة بمقتضى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أوردناها فتلك تجارة رابحة إلى معادكم يوم لا ينفع مال ولا بنون" (ج) والذي ينبغي أن يكتفي به الفرد في أمر معاشه هو ما يلزم للضرورة. أما الزائد عن الضرورة إنما هو على العبد لا له كما هو مبين لمن فتح الله بصيرته والسلام". (د) ومن كان صاحب طين عليه أن يزرع منه ما يستطيع ويترك الباقي ليزرعه الآخرون دون مقابل لأن المؤمنين كالجسد الواحد ولتكون ثمرة الأرض لمن يفلحها قال الإمام المهدي في منشور بتاريخ 1301هـ (1884م) الآتي: "وتعلمون من تذكير الله وتذكير رسوله صلى الله عليه وسلم أن من بدأ بنصيب الآخرة ما يريد. وحيث أن الأمر كذلك وأنا أحب لكم ما يدوم نفعه فمن كان له طين فليزرع فيه ما استطاع زرعه وإذا عجز أو (فوق) ما احتاج إليه لا يأخذ فيه دقندي (أجرة الأرض) لأن المؤمنين كالجسد الواحد. وما يساوي به أخاه المؤمن يكون له في ميزانه دائما بدرجات عليا عند الله وليست المسابقة بين المؤمنين إلا فيما يبقى. وإن كل مؤمن ملكه من الطين له ولكن من باب إحراز نصيب الآخرة فما لا يحتاج إليه يعطيه لأخيه المؤمن المحتاج، وما عجز عنه وأراد به الآخرة خير له من نفع دقندي (أجر الأرض) يفنى عن قريب وتحسر عليه إذا لم يصرفه لآخرته.."
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
5. وقد جعل الإمام المهدي كل الأعمال الاقتصادية ذات الربح الكبير والمصالح التي تخدم الجمهور قطاعا عاما. وفيما يلي ثلاثة شواهد من منشوراته على ما أتخذ في هذا الصدد من إجراءات: (أ) كتب الإمام المهدي في 1302هـ (1885م) الآتي: أحبابي أن المقصد إقامة الدين وإزالة الضرورة عن كافة المسلمين وتفرغهم للديانة والمجاهدات والصلوات والرواتب المطلوبة. فليزم لذلك أن يفرغوا الإخوان جميع المواضع التي تنتج منها المصالح جميعا ولا يعرض لها أحد من الأنصار وذلك جميع الدكاكين، ولوكالات، والقصيريات، والعصاصير، والطواحين، والبنوك التي كنت بالبحر للإيجار ولو كانت غير مسكونة فيخرج منها من هو ساكن بها لما يترتب عليها من مصلحة عامة المسلمين من ضعفائهم ومجاهديهم وللملازمين الرواتب والصلوات. حيث أن كل ما هو ساكن بتلك المحلات يمكن أن يتدارك له مسكنا بنحو الشكاكيب (مظلات من قش ) ونحوها ولا يؤخر مصلحة المسلمين للمسكن الذي لا يدوم. وإنما المسكن للمؤمن في الآخرة وإنما الدنيا دار ممر فلا يطمئن بالممر دون المقر والسلام". (ب) وكتب في شعبان 1302هـ يونيو 1885م بعد مقدمة تحدث فيها عن المشارع ثم قال: "ولذلك استحسن لدينا أن تكون مصلحة المشارع لبيت مال المسلمين: وقال: (والمعلوم أن المشارع فيها أموال جسيمة وكل من استولى على مشرع جمع فيه مالا كثيرا ولا يجهز فيه غزوة ولا سرية بل استضر بكنزه. ولذلك استصوب عندنا مع المشورة المسنونة أن نكتب إلى كافة المحبين أن يرفعوا أيديهم من المشارع ولا يستخدموا الدنيا كما كانوا يستخدمونها سابقا وأن يكون همهم العمل لما عند الله. وإعانة المجاهدين وإقامة الدين.." وقال أيضا: " وفضلا عن ذلك فأنا ما أذنا لمن نحب له الخير أن يشتغل بنفسه وعياله عن الجهاد. بل استنفرنا جميع عباد الله إلى الجهاد. ومن انضم إلى البوارق صادقا تولاه الله في الدنيا والآخرة ووجد ضرورته.." (ج) كتب المهدي لمدير الجناين التي ضمت لبيت المال خطابا في ربيع ثاني 1302هـ يناير 1885م يوضح فيه بعض التعليمات قال: "حبيبي إن الاعتماد على الله وعليه المعول والتكلان. وحيث أن من الذي رزقه الله لنا الجناين وتذكرنا مع خليفة الصديق وإخوانه أن نقوم بنظارتها. الخ". ودولته دولة الكفاية قال الإمام المهدي: .."وقد عزمت على كل واحد من الاخوان: أن من كان يؤمن بالله ورسوله مهديه ألا يؤخر عن بيت المال درهما ولا دينارا وتكون راحة جميع الاخوان والأصحاب منبيت المال. ولتفرغ الاخوان لخدمة الدين وراحة المسلمين لا يخدم أحد لنفسه ولا لجماعته فكل مؤمن بالله ورسوله ومهديه ومعاون لي على هذا الدين تكون على راحة المسلمين.. ولتكن الراحة من بيت المال لجميع الأنصار وليبين من كان له عيال وأهل من كثير وقليل ومن ليس له إلا القليل فالكل يقنن له من بيت المال ما يكفيه والجميع خدمتهم لله..". خلاصة الهدي الاقتصادي: أن يكون المال في اليد لا في القلب. وإن يكتفي المؤمن منه بما يقتضي الحاجة الضرورية، وأن يعدل في بطشه المعاشي وألا يستغل غيره. وأن يعامل ما عنده من مال كأمانة من الله لا يصرفها إلا في مصارف الحلال والاعتدال والا أضاع واستحق العقاب. وأن تتولى الدولة المصالح العامة والأعمال المفرطة الربح لأن عليها أن توفر ما يسد حاجة كل الناس أي أن تقيم مجتمع الكفاية. بيانات الهدي الاجتماعي كان للمهدية كما أوضحنا اتجاهات واضحة فاهتمت بصياغة المجتمع السوداني وفق تلك الاتجاهات، وفيما يلي نماذج للسياسات والإجراءات التي اتخذتها. 1- كان الإمام المهدي ينهي عن جميع مظاهر الترف وتكرر ذلك في منشوراته وأقواله مثل ما جاء في المنشور بتاريخ رجب 1300هـ مايو1885م قال: "فم كان معنا فليتصف بهذه الصفات ولا ينظر إلى الدنيا بعين المحبة والشهوات، ولا يزيد الغنى على جارية لخدمة الداخل وأخرى للخارج، وليتجنب الترفهات، والركوب على فرواى الريف، وتعدد الغلمان في ركوبه ليسعوا خلف دابته. بل يقتصر على تابع واحد فقط يمشى خلفه لحفظ دابته ويكتفي بالجبة المرقعة عن عدد الملبوسات. فإن من نظر إلى الدنيا بعين المحبة جذبته الشهوات إلى الغلو. ومن لم يستطع على جهاد نفسه فليلق زمام أمره إلينا ويعاملنا بذلك ويرضى بحكم الله ورسوله بعد في نفسه وماله لما علمتم أن من صدق في بيع نفسه لله فارق حكمها.." أي من لم يستطع أن يقتصد إلى الحد الأدنى المذكور في الصرف على نفسه يفوض أمره وأمر ماله للمهدي ويرضى بحكمه فيه. 2- ولما كانت المفاسد قد عمت وتفشى الانحلال الخلقي فإن المهدي اتخذ أحكاما صارمة لتطهير المجتمع من المفاسد المحرمة مثل: الزنا، شرب الخمر، السرقة، الدخان ( وقد حرمه) والتبرج. وأصدر منشورات مجموعة في كتاب الأحكام تبين عقوبات مرتكبي تلك الآثام. كما حرص على صيانة حمة الأسرة بمنع الحلف بالطلاق والمبالغة في ألفاظه وحدد عقوبة لمن يعتدي على تلك الحرمة. وقرر عقوبات لكل من استخدم ألفاظا نابية 0كالشتائم، والقذف وكان الهدف من هذه الإجراءات التطهيرية هو: تحقيق الإخاء والصفاء بين الناس وترشيد العلاقات الاجتماعية وفق ما يرضى الله. ولما كانت المفاسد منتشرة بأقبح صورها فقد كانت العقوبات المقررة صارمة جدا للردع. 3- ولما كان الفساد الجنسي ذا أثر كبير على الانحطاط الخلقي، ولما كان غلاء المهور من عوائق الزواج، قرر المهدي تسهيل الزواج وتحديد نفقاته بسلطة الدولة. كتب في منشور بتاريخ 1300هـ 1883م الآتي إلى كافة أحبابه: "لا تزيد العزبة (مهرها) على 5 ريال ولا البكر على 10 ريال واللباس لا يزيد على ثوبين. وكل هذا خروجا من المباهاة وحب الدنيا. فما زاد على ما ذكرت فما دام أن المال لله ومبذول للجهاد في سبيل الله وعليه البيعة، فلا يخلو من سرقة، حيث لا إذن منا على ذلك ، فلازم أن يؤخذ منه للمساكين والمجاهدين في سبيل الله. أي حدد نفقات الزواج وجعل العقوبة على مخالفة ذلك مصادرة مال الجاني لأنه متلاعب بأمواله وهي في الحقيقة مال الله فإن لم يرغ فيها الاستقامة أخذت منه لتوضع في مصالح الجماعة. 4- وكان التوجيه الاجتماعي مناهضا للعادات السودانية البالية. وفي هذا الصدد كتب خليفة المهدي منشورا بتاريخ رمضان 1302هـ (يونيو 1885م) جاء فيه: "وكان المهدي عليه السلام نهى عن الحلف بالحرام والطلاق وقال يؤدب الفاعل وكفارة اليمين فيها. ونهى عن جعل الصمغ في رؤوس النساء". وحدد خليفة المهدي عقوبات لمخالفة هذه الأمور ثم قال: "فيكون العمل بمقتضى منشورنا هذا في المسائل الثلاثة وهي الحلف بالحرام، والطلاق، والصمغ، من وقت تنبيهنا هذا". وقال: " وكان المهدي عليه السلام نهى عن الفراش على الميت وبلغني أنه جارى فعل ذلك ورأينا أنه من الآن فصاعدا من بعد اجتماع الناس لتجهيز الميت ودفنه إذا عادوا وفعلوا الفراش وفرشوا له كالعادة السابقة فيؤخذ نصف مال الميت نفسه ونصف مال وليه الذي فرش له ويورد هذا لبيت المال. وإلا فأيهما له مال فيؤخذ نصفه ويورد كذلك جزاء على المخالفة وزجرا عن الإعادة لها". وكذلك كان النواح على الميت ممنوعا منعا باتا. وكان الإمام المهدي يقول أن موت الأحباب تذكرة لنا بتفاهة الدنيا وتحبيب لنا بالآخرة ولذلك فإن النظر في موت الأحباب بعين البصيرة يظهر فيه خيرا. قال المهدي في منشور إلى كافة أحبابه في ربيع آخر 1302هـ فبراير 1885م الآتي: "ومن الأحباب هو أعظم منفر لنا من دار السراب إلى ليم الأحباب في دار المآب. ولما كانت لا ولاية إلا ولاية الله فالحجاب عنها بولاية غيره شئوم فالأولى للعبد زواله عنه للاكتفاء بالله الذي لا يدوم سواه". وشدد المهدي على منع تبرج النساء ومنع الزينة البراقة وأوصى أن يكون التحلي بالسوميت والصدف والمرجان واللولو وأبطل حفلات اللهو. ومنع لباس شعر العارية(الشعر المكذوب) ومنع الحد وتسويد الباب حزنا وأبطل جميع أعمال السحر والشعوذة والرقي والتمايم وغيرها. 5- ومن الإرشاد الاجتماعي محاربة لبس أزياء الترك (المقصود اللباس الأجنبي عموما) ففي منشور بتاريخ ذو الحجة 1300هـ قال المهدي: "كل ما يؤدي إلى التشبه بالترك الكفرة الركوة كما قال تعالى في الحديث القدسي: قل لعبادي المتوجهين إلى لا يدخلوا مداخل أعدائي، ولا يلبسوا ملابس أعدائي، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي. فمن اللباس البرنيطة والبورى: وكل الذي يكون من علاماتهم ولباسهم فاتركوه. وتخلقوا بأخلاق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين". ومنع المهدي من ضرب السلاح فرحا وبطرا إذ قال: " لا تقتدوا بالترك الظالمين الذين نسوا الله واستقبلوا النعمة بالفرح والفخر وبضرب البنادق والمدافع". وأمر المهدي بسجدة الشكر عند الفرح قائلا: " وقد سجدنا شكرا لله على نصره الدين فافعلوا أنتم كذلك". وحارب كل العادات التي تورث التنافر والتفاخر بين الناس فلا يقتحم أحد بجواده الناس ولا يسل سيفه في غير موقف القتال. ويراعي الجميع قانونا عام يورث التعاون والمحبة بين الناس.." وعلى قدر ما يمكنكم انفعوا المؤمنين وأزيلوا عنهم جميع الضرر فإن من أضعف الإيمان إزالة الأذى عن الطريق". تلك النماذج المختصرة ضربنا بها المثل لبيان جوهر الهداية التي أفصحت عنها دعوة الإمام المهدي وفي وثائق المهدية المزيد لطالب.
إنتهى الفصل السابع...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)
|
العزيز ود الشيخ عميق الود وخالص التحايا حقيقة إفتقدتك في الأيام الخوالي أمنياتي أن تكون بخير.
أمافيما يتعلق بالكتاب فإن المتبقى فقط فصلين الفصل الثامن يتحدث عن شبهات حول المهدية... وهو فصل فيه رد شاف على كثير من الشبهات التي تحوم حول المهدية والمهدي.
الفصل التاسع وهو خاتمة وفيه تلخيص لكل فصول ومضمون الكتاب
أتمنى أن يشبع الكتاب رغباتك ورغباتنا جميعاً...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمره: " كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاة حتى تطلع الشمس". وعن ذكر الله في المساء: روى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يذكره من رحمة ربه يقول أنه قال: " يا ابن آدم اذكرني بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما . والمعهود حسب التوجيه قراءة الراتب في جماعة وفي شكل حلقة. وفي الأثر تحسين لذكر الله في جماعة في شكل حلقة. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده". عن أنس رضى الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قيل وما رياض الجنة؟ قال: "رياض الجنة حلق القرآن". 2- ولو أن راتب الإمام المهدي اشتمل على وصف الله بما لم يصف به نفسه تعالى ولا وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو القسم عليه بخلقه، أو بحقوقهم عليه دون إذنه، أو القسم بغيره، أو وصف رسول الله بما لا يصح وصفه به أو إسناد أفعال نابية إليه، أو الغلو في وصف الرسول بما لا يليق إلا لخالقه.. لو اشتمل الراتب على هذه الأمور لكان خروجا عن قصد السبيل. ويمكننا أن نتخذ هذه الأمور مقاييس لقياس سلامة أو انحراف رواتب وأوراد الذاكرين. فإن صحت الأفكار عندنا بهذا المقياس فلا مجال للنقد والتجريح بل الإشادة والاستزادة. وراتب الإمام المهدي مبرأ من تلك العيوب. إن راتب المهدي مكون من آيات قرآنية واردة في مستهله وعلى طوله وفي خواتمه. وهو تطلع للاهتداء بالقرآن. وبدعوات مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويشتمل كذلك على حمد لله، والشهادة بوحدانيته، وبرسالة نبيه، والتوبة إليه تعالى، واستغفاره وتسبيحه، وطلبه الهداية والتوكل عليه، ونسبة الأمور كلها إليه، والصلاة على رسول الله والاستعداد لاتباع سنته، والثناء عليه وعلى آله وصحبه، والدعوة للتضحية في سبيل الله وإذكاء روح الفداء، وتأكيد الصبر على الشدائد والمشاق، والزهد في الدنيا وطردها من الإحاطة بالقلب، والشوق للقاء الله، ومناجاة الخالق مناجاة العبد المجرم المسيء الراجع إلى مولاه خاضعا تائبا منكسرا. هذه هي المعاني التي اشتمل عليها الراتب دون سواها وفيما يلي نماذج منها: الآيات القرآنية في متن الراتب: توضح أمهات كتب التفسير مثل الطبري، وابن كثير، وصحاح كتب الحديث مثل البخاري أن لبعض السور ولبعض الآيات بركات خاصة-مثال ذلك: " عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم، ثم قال لي لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" . وهناك عشر آيات من البقرة وردت في الراتب روى عنها ابن مسعود الأثر الآتي: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة: أربع آيات من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث آيات من آخرها. وفي الراتب عامة تتلى مائة وواحد وخمسين آية قرآنية فمنها ما تقرأ مرة واحدة، ومنها ما تكرر ثلاث مرات، ومنها ما تكرر سبع مرات، وهي في جملتها تبلغ حوالي ثلث الراتب. الاهتداء بالقرآن: في الراتب ذوب قرآني فريد جعل الراتب كله قبسا من نور الذكر الحكيم وتداخلت فيه الدعوات والآيات تداخلا يسكب في القلوب فيضا من نور القرآن وهدية يربط المواظبين على قراءة الراتب رباطا وثيقا بالقرآن وتلاوته وتدبر معانية والعمل بما فيه، ويكفينا دليلا يسيرا على هذه الدعوة: "وأسألك الهم بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام، صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله واجعلنا من خاصة أهل الصدق والصفا، وأجذب قلوبنا إلى ما عندك زلفى، وعظم حبنا فيك وفي القرآن كلامك إلى حين الوفاة، ولقائك على الصفا، إنك أنت ولي المصطفي فاجعلنا من المصطفين عندك يا أرحم الراحمين. ويا من اضطرت الخلائق كلها إليه، فلا ملجأ لها إلا إليه، إذ هو الآخذ بنواصيها، فمنه مبدؤها واليه يلجيها، ويا من انزل لها قرآنا يحييها، وآياته لو نزلت على الصم الراسيات لخشعت من عظم ما فيها، ولما سمعتها جماعة من الجن اهتدت من حسن معانيها فوحدت بها باريها، ولما تنورت منها أقبلت على قومها منذرة من طيب معانيها، فنسألك ربنا أن نقذفها في قلوبنا ومن الغفلة عنها برحمتك ورأفتك تنجيها، وأنت أعلم بنا منا وقد قلت ولقد كرمنا بني آدم وبفضلك علينا قد انشأتنا من آدم عليه السلام الذي حمل نور من أنزلت عليه آيات القرآن التي عظمت مثانيها، وكان لها من الله ثناء وتنويها، فنورنا بها يا من عظمت مثانيها، وكان لها من الله ثناء وتنويها، فنورنا بها يا من بعثت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لينقذ العباد من غضب باريها وجعلته حريصا علينا رؤوفا بنا لإخراجنا من التيها، ولو رحمتنا وبرحمتك عقلناها وفتحت في قلوبنا أعينا تعيها، فنحن أولى بالبأثر بكلامك من الجبال الصم الراسيات إذ مننت علينا بنور الفؤاد وحواس الخيرات فارحمنا يا ربنا كما انك خلقتنا في أحسن تقويم، وأنقذنا من السقوط في اسفل سافلين بإيمان صادق بما أنزلت، لنؤثر ما عندك على ما ذممته مما اختبرتنا به من خيال هذه الدار، التي هي ليست بمحل قرار، وارفعنا من سفليتها إلى ما رفعت إليه الأخيار، وفهمنا حسن كلامك وما فيه ن الأسرار، ونورنا به من ظلمة السفل والإيار، يا واحد يا رحيم ياغفار.." وفي الراتب تتكرر المواقف التي تطلب الاهتداء بالقرآن مثل قوله: "فسلم قلوبنا من النظر لسواك، وأملاها من أنوارك العظام، واجعل القرآن العظيم ضوءها من الظلام". وقوله: "اقذف في قلوبنا عظمتك، وهيبة كلامك، وفهمنا ما فيه من المعاني الدالة إليك". وقوله: " إن تهب لنا حلاوة القرآن، وأن تبين لنا المعنى فيه أحسن البيان وأن توفقنا على العمل بما فيه يا رحمن".. وهكذا. الدعوات المأثورة: من يطلع على تفسيري الطبري وابن كثير، والصحيحين، وعلى كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، يقف على طائفة من الدعوات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدعوات الواردة في الراتب كلها وراد عنها الخبر في تلك المصادر مثال ذلك: في كتاب الدعوات في تصحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا اله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر من صنعت، أبوء لك بنعمتك علىّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وهذه الدعوة تتكرر ثلاث مرات في الراتب. وهكذا سائر الدعاء من المأثور. حمد الله: الحمد لله يتخلل الراتب كله فبه يبدأ الراتب بفاتحة الأنعام: " الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون". وقد ورد عن مطلع الأنعام أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها ما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى قوله (ويعلم ما تكسبون) يكتب له الملائكة أجرا، ويحجب من وسوسة الشيطان ويظله الله يوم لا ظل إلا ظله. وبحمد الله تعالى افتتح الإمام المهدي كل فصل من فصول الراتب الأربعة فالأول يبدأ بآيات الحمد من فاتحة الأنعام كما ذكرنا آنفا والدعاء يقرأ قبل المسبعات افتتح بقوله:" الحمد لك يا الله حمدا يوافي نعمك ويكافئ مزيدك ولك الحمد لذاتك حمدا يوافي مرضاتك..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
والدعاء الذي يقرأ قبل الآيات القرآنية افتتح بقوله: " اللهم يا رب العالمين لك الحمد لذاتك يا من يستحق جميع الحمد ولك الحمد على ما أنعمت وأعطيت كل القصد، وزدت من رحمتك وفضلك ما لم يكن بالعد، فأحمدك اللهم حمدا يرضيك، وبحمدك صل وسلم وبارك على سيدنا محمد دليلنا إلى مراضيك". والدعاء الذي يسبق تلاوة حزب القرآن افتتح بقوله: "اللهم أني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدكم القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم." وفي الراتب صيغات أخرى لحمد الله تعالى. والتشهد: قال في الراتب: "اللهم إني أصبحت أشهدك حملة عرشك، وملائكتك وأنبيائك وجميع خلقك، بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا محمدا عبدك ورسولك." وقال: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأنا أشهد بما شهد الله به وملائكته وأولوا العلم واستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (ثلاثا) وهكذا. التوبة: وردت في صيغات مختلفة مثل قوله في الراتب: "فسبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين، فلم يكن لي قول إلا أن اقر بظلمي واطلب منك المغفرة والتوبة والتوفيق والتولية في كل شان، فاغفر لي وتب على ووفقني وتولني يا من تولى كل ذي ولاية فلم يكن له من نفسه مكان وليس له من غيرك حال في جميع الأزمان". والاستغفار: تكرر الاستغفار وتنوع مثل قوله في الراتب: "استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا". التسبيح: تعددت جميع معاني الذكر كالتسبيح، والتكبير، والتعظيم، مثل قوله في الراتب: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" وهذه تكرر سبع مرات؟ وطلب الهداية: وهذا طلب تكرر كثيرا مثل قوله في الراتب: " اللهم إن عفوك عن ذنوبي، وتجاوزك عن خطيئتي، وسترك على قبيح عملي، أطمعني أن أسألك ما لا استوجبه مما قصرت فيه، أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا فإنك المحسن إلى، وأنا المسئ إلى نفسي فيما بيني وبينك، تتودد إلى بنعمك، أتبغض إليك بالمعاصي، ولكن الثقة بك، حملتني على الجرأة عليك، فعد بفضلك وإحسانك على أنك أنت التواب الرحيم". وهذا جزء من دعاء يكرر ثلاث مرات. وقوله: "فانقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك صلى الله عليه وسلم لأجلك يا من بيده الأكوان. آمين. وحقق اللهم إيماني وكمله مع نور الإيمان بلحمي ودمي ومخي وعظمي بعد أن تجعله في سويداء قلبي وتعظم نوره في لبي.." وهكذا. التوكل على الله: تعددت صيغ التوكل على الله مثل قوله في الراتب: "بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله، ما كان من نعمه فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أني آمنت بالله، ورجعت إلى الله، وتوكلت على الله، واعتصمت بالله، فوضت أمري إلى الله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله". يكرر ثلاثا. وقوله في التوكل: "اللهم إني تبرأت إليك من نفسي وتعوذت بك منها ومن جميع ما يصدني عنك، وتوكلت عليك ثقة بك وانبت إليك اختيارا لك، وايثارا لما عندك، فلا تؤاخذني يا رب بعيبي فتكلني إلى من يصدني عنك ويقعدني عن حسن وعدك والتنور بنورك.." نسبة كل الأمور لله: تكرر هذا المعنى في الراتب مثل قوله: "الهي اجعل ذكرك قمري في الليالي، وشمسي في ظلمة الأهوال، واجعل التفكر في عظمتك انسي، والاكتفاء بك والنظر إليك نصب عيني في جميع الأحوال واجعل لقاءك مأملي في جميع ساعات الليل والنهار.." وقوله: " فاجعل مطمع قلوبنا إليك ولا تجعل نظرها إلى ما كان من عدم وكذا حقيقته الراهنة بغيرك عدم، وسيعود ما فر من ظاهرها عدم، فعرفنا بالحقيقة يا ذا الكرم، فإن أمورنا بيدك وأنت بنا أعلم.." الصلاة على رسول الله: جاءت أكثر من عشر صيغ للصلاة على رسول الله في الراتب وبعضها يقرأ مرة وبعضها يكرر أكثر من مرة: "اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره، ورحمة للعالمين ظهوره عدد من مضى من خلقك ومن بقى، ومن سعد منهم ومن شقى، صلاة تستغرق العد، وتحيط بالحد، صلاة لا غاية لها ولا منتهى ولا الفساد، صلاة دائمة بدوامك، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مثل ذلك". عشر مرات. وقوله: "اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها أعلا الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات، من جميع الخيرات، في الحياة وبعد الممات.." وهكذا. التمسك بالتزام السنة: جاء في الراتب قوله: ".. وتغمدنا برحمتك وأوصلنا بنبيك المختار وأجعلنا على أثره، ولا تزغ بنا سكته، إذ بيدك تواصينا".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وجاء فيه: ".. فنسألك اللهم بحق كل كريم عندك وبجميع الأنوار، وبنور الأنوار، أن تفصل علينا بما تحب وترضى على التخلق بخلق نبيك صلى الله عليه وسلم. وأحسن لنا على نهجه بأحسن القدم، آمين يا رب العالمين.." وهكذا. تأكيد معاني التضحية والفداء والصبر على المشقة: جاء في الراتب قوله: "واجعل لنا منك نصيرا على أنفسنا وشياطين الإنس والجن، واجعل بدلها في قلوبنا نورك لنفسي بالصدق، ونقوم بالحق ولا نتزلزل عن رضائك إلى يوم لقائك يا أرحم الراحمين". يكرر ثلاث مرات. وجاء فيه: "اللهم اجعلنا من العارفين لحسن قدرك، الصابرين عليه رجاء لوعدك، ورغبة في الصلوات، والرحمة مع هدايتك، واجعلنا ممن آثر المسكنة لحسن الوعد الدائم عندك، ولا تجعلنا ممن آثر الشئون الفانية مع ذمك، والشهوات الزائلة مع تبعيدها عنك، واجعلنا ممن آثر التقوى والوفاق، الصبر على الشدايد والمشاق، رغبة في دوام القرب والتلاق وقوي نورنا ليهون علينا ذلك..". والآيات القرآنية التي تذكر الشدة والنعمة الآتية بعدها واردة في أماكن مختلفة من الراتب نحو قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) . وكذلك آيات الصمود مثل قوله تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) . الزهد في الدنيا والشوق للقاء الله: جاء في الراتب قوله مناجيا ربه.."أن تهب لنا حلاوة ذكرك، وهيبة حضرتك، ومعرفة عظمتك، وخوف سطوتك، ورجاء رحمتك، والطمع فيما عندك والشوق إليك، وشدة الحب فيك، وإيثارك في كل حال، والنظر إلى قدسك وجمالك والجلال، وأزل من قلوبنا الغفلة عنك، والالتفات إلى شئ دونك، والمح عنا جميع الاغترار والضلال، وجنبنا عدم المبالاة بوعدك ووعيدك، واجعلنا بفضلك على ما تحب وترضى، وقربنا منك في كل حال. ولا تجعل في قلوبنا ركونا لشيء من الدنيا يا أرحم الراحمين.(ثلاثا). وجاء فيه مناجيا الله: ".. فاصدق حسن ظننا بك، حتى لا نلجأ إلى غيرك ولا نلتفت إلى شيء ليس له شيء معك، وعظم نورنا حتى نقوى على شهودك، وتعظيم كلامك، فنأخذ منه بالمحبة الكاملة مع شدة الاشتياق إليك، يا نور النور، ويا من بيده الأكوان والدهور، لا تؤاخذنا يا رب بعيوبنا فتصرفنا عن قربك والتعظيم لك، فإنا مشتاقون إليك فحقق شوقنا لك، إذ أن أمورنا كلها بيدك، ولا تحرك لنا حاسة إلا بك، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا اقل من ذلك لأنا لا نجد خيرا من سواك". وجاء في الراتب قوله: "واقذف في قلوبنا حبك وعظمة كلامك والعمل بأوامرك فيه وشوقنا إلى لقائك يا أرحم الراحمين". ويناجي الإمام المهدي ربه مناجاة الذليل المنكسر لسيده، قال في الراتب: "ونسألك اللهم بحق أسمائك المكنونة العظيمة، وبما فيها من الأسرار، أن تستجيب لنا دعاءنا ولا تردنا عن بابك ولا تطردنا من جنابك بما علمته فينا من العيب يا رحيم يا ستار، وتغمدنا برحمتك وأوصلنا بنبيك المختار.." وقال في الراتب: "يا من يعطي للحقير عظيم الإحسان، فلا أحقر ممني إن لم تتولني فأنقذني إلى ما عندك لاؤثرك على جميع ما كان فلا تردني إلى المهاوي، بما علمته في من المساوئ، برحمتك يا أرحم الراحمين، فلا أعرف إلا فضلك مع كثرة دواعي السقوط في الأطيان فأنقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك صلى الله عليه وسلم..". وقال مناجيا ربه: "يا هادي المضلين، ويا راحم المذنبين، ويا مقبل عثرات العاثرين، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم، والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا مع الأحياء المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وبعد الفراغ من الراتب تحميدا وتسبيحا وتهليلا وتكبيرا يكون بمثابة المقدمة لحزب من القرآن يتلى في الصباح وحزب آخر يتلى في المساء يكون المرء قد قرأ على الأقل جزءا من القرآن كل يوم. ويختتم القرآن كل شهر كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمر رضى الله عنهما: "اقرأ القرآن في شهر قلت: إني أجد قوة حتى قال: اقرأه في سبع ولا ترد عن ذلك" . لقد وجه الإمام المهدي أتباعه على سكة رسول الله إن يتناولوا هذه الوجبة الروحية من ذكر مأثور وقرآن مرتين في اليوم في ساعتي الإجابة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها تطهرا لنفوسهم، وحجابا من الوسواس الخناس، وسحنا لطاقاتهم الروحية الإيمانية الوجدانية وأعدادا لهم لتحمل مهمة بعث الإسلام حيا فتيا وتحرير دياره من غانه إلى فرغانة. الحج إلى بيت الله 1. الحرص على تأمين طريق الحج وإزالة العوائق في سبيله كله حق أريد بها باطل. لقد كتب غردون للإمام المهدي وفيما بعد كتشنر للأمير عبد الرحمن النجومي وغيرهما من رجال الدولة الخديوية مظهرين الإشفاق على انقطاع سبل الحج بسبب القتال في الدائر في السودان. 2. وحقيقة الأمر هي أن الدعوة المهدية كانت موجهة لبعث الإسلام في كل دياره ولطرد المتسلطين عليها ولوضع حد لخلافة آل عثمان لأنها فقدت المؤهلات ونتيجة لذلك نشأت حرب جهادية بين المهدي في السودان والخلافة التركية، وكان السلطان عبد الحميد والخديوي توفيق يبسطان سلطانهما على طريق الحج وعلى الأراضي المقدسة. فلم يكن ثمة بد من مصاولة ذلك السلطان بالجهاد في سبيل الله وتحرير ديار الإسلام من السلطان الجائر المفارق لكتاب الله وسنة رسوله وإقامة الشريعة الإسلامية وتوحيد الأمة الإسلامية حول قيادة مؤهلة وعندئذ يطيب للمسلمين ممارسة شعائر الحج. لقد كان الإمام المهدي يعتبر الحرمين في أسر وما دام الموقف كذلك فلا سبيل لممارسة فريضة الحج في ظروف تسيطر على الحرمين سلطة معادية، قال تعالى مشيرا لظروف مماثلة: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) أي أن ظروف القهر تمنع أداء الحج.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
3. لقد كان واضحا من رد المهدي على المشفقين على الحج وزيارة قبر الرسول من رجال الدولة التركية أنه كان يعتبر إشفاقهم زائفا وأنه كان يرى الحج فريضة واجبة الأداء في ظروف قادمة وإليك الشواهد: (أ) في رده على يوسف حسن الشلالي بتاريخ 4 رجب 1299هـ- مايو 1881م. قال المهدي: " وقولكم قم واحضر عندنا وتوجه بنا إلى محل الهدى: مكة المشرفة فاعلموا أن توجهنا إنما يكون بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يريده الله". (ب) وفي رده على غردون بتاريخ 11 جماد أول 1301هـ الموافق مارس 1884م قال الإمام المهدي: " وكيف من يكون على خلاف سكة رسول الله يفتح باب زيارة قبره؟ ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن يرغب في زيارة الكلاب. كما ورد: أن الدنيا جيفة وطلابها كلاب. ولم يرغب ممن عبد غير الله، ونسى الله، وأعرض عن كلامه، وطلت متاع الحياة الدنيا الفانية. فإن كنت شفيقا على المسلمين فبالأولى أشفق على نفسك وخلصها من سخط خالقها، وقومها على ابتاع دين الحق، واتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أحيا ما اندرس من ملل الأنبياء والمرسلين وأتى مصدقا لما بين يديه من الكتاب لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولو حضروا لما سلكوا غير ملته". إن موقف المهدية من الحج هو أنه فريضة من فرائض الإسلام حال دون أدائها الجهاد في سبيل الله الذي كان متوقعا أن يبلغ الأراضي المقدسة فيقهر فيها سلطان آل عثمان فيعيد للإسلام سيرته التي كان عليها في الصدر الأول. وتراث المهدية الأدبي عامة وفي المدائح خاصة واضح في الإفصاح عن هذه الأهداف. قتال المسلمين لقد روينا آنفا حديث اختلاف أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب حول قتال مانعي الزكاة. ورأينا أن أبا بكر قال بقتالهم لأنهم منعوا الزكاة وأن عمر قال بأن نطقهم بالشهادة يعصم دمائهم وأموالهم حسب ما جاء في الحديث المذكور. وكان موقف أبي بكر هو أن النص إذا اختلفت الظروف يدور مع المصلحة العامة: فالحديث يخص موقف النبي من أهل بيئة جاهلية تجافي دعوة التوحيد في أساسها. فالنطق بشهادة الإسلام يكفي للانتقال بهؤلاء من الجاهلية العمياء إلى الإسلام. أما الموقف أيام أبي بكر فكان يخص مانعي الزكاة وهم قوم كانوا قد أسلموا وعملوا بواجبات الدين الجديد. هؤلاء لا يكفي في أمرهم النطق بشهادة الإسلام لأن انتقالهم من إيتاء الزكاة إلى منعها خطوة للوراء. لذلك لم يتقيد أبو بكر بالنص وحده بل راعي ظروفه وهذا هو السلوك الصحيح لمن يعتبر الدين حيا لا نصوصا دستورية صماء. وقال أبو بكر وفعل ما قال: والله لو منعوني عتاقا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. ومن هذه الخلفية نبحث موقف الإمام المهدي من قتال قوم نطقوا بشهادة الإسلام. قال الإمام المهدي مشيرا إلى بداية نشاطه الإصلاحي في خطاب بتاريخ شعبان 1298هـ 1881م أنه كان يدعو للإصلاح بوسيلة سلمية فردية: " وقد كنت قبل ذلك ساعيا في إحياء الدين وتقويم السنة". وكان المهدي لا يجد استجابة كافية لدعوة الإصلاح هذه. قال في خطابه للشيخ ود بقوي بتاريخ شوال 1298هـ : "ثم أني نبهت على بعض المشايخ وما أدركت من الأمراء ولم يساعدني على ذلك أحد". وكان المهدي يلمس مفارقات واضحة: فالدولة تدعي أنها إسلامية ولكنها تفعل الآتي: 1. تفوض غير المسلمين على حكم المسلمين مثل غردون، وجسي، وسلاطين، وبيكر، وغيرهم وتجبر المسلمين على دفع الجزية وما شاكلها من ضرائب فادحة. 2. وتسمح الدولة بالمفاسد الممارسة جهرا من بغاء وشراب خمر حتى أن المهدي وبعض تلاميذه كانوا يسيرون في بعض شوارع الخرطوم فعرضن البغايا لهن أنفسهن. 3. وتمنع تطبيق الأحكام الشرعية فقد كان المهدي جالسا مع قاضي الكوة فشكت امرأة للقاضي شخصا شرب عندها خمرا ولم يدفع لها الثمن. فكان المهدي ينتظر أن يطبق القاضي حكم الشريعة في شارب الخمر وبائعها لا أن يحكم في أمر الثمن الذي لم يدفع. فقال للقاضي: " احكم يا قاضي الإسلام" واعتذر القاضي بأن الأحكام التي عليه تطبيقها لا تشتمل على ذلك فخرج المهدي من مجلسه غاضبا. لتلك الأسباب وغيرها كثير في سيرته وحياته استقر في ذهن المهدي بحق أن ادعاء تلك الدولة أنها إسلامية إدعاء باطل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وفي مرحلة تالية عندما أعلن المهدي دعوته وجاهر بها أرسلت إليه الحكومة قوة لاعتقاله فهزمها. ثم تتالت اعتداءات الحكومة عليه حتى دبرت له مباغتة لقتله هو وأنصاره. قام راشد بك أيمن على رأس قوة هدفها محاصرة المهدي وأنصاره في قدير والانقضاض عليهم بغتة. فأخفقت مساعيهم وانتصر المهدي. وهكذا استمر الصدام بين المهدي الذي جهر بدعوة إسلامية تحريرية والحكومة التي اعتبرته مارقا وجندت ضده قوتها. ولم يكن المهدي معتديا في حروبه وقد كان يسبقها في كل حالة بالإنذار الكافي وكانت الحكومة دائما معتدية لا تراعي معه أدب الحرب وتحاول الغدر به وبجماعته. لقد كان المهدي يدعو لبعث الإسلام وتطبيق الشريعة وطرد الإنجليز وغيرهم من الفرنجة ولرفع المظالم عن كاهل الناس ويقول إن موقفه ينطلق من أنه مكلف بالخلافة الكبرى عن الرسول أي المهدية. وكانت الحكومة ترفض تلك المطالب مدعية أن كل شيء على ما يرام وترفض الاعتراف بحقه في قيادة أي دعوة. لذلك لم يكن من الحرب بين الطرفين بد. ولكن هل مسئولية إراقة الدماء تقع على عاتق المهدي أم الحكومة التركية؟. الإمام المهدي رد على هذا الموقف بجلاء قائلا: (أ) في رده على غردون بتاريخ جمادى الأولى 1301هـ الآتي: " وليكن معلوم عندك يا حضرة الباشا أن جميع الذين قتلوا على يدي قد أنذرتهم أولا إنذارا بليغا وهاهو واصل إليك إنذار ولد الشلالي من بعد مخاطبته لي وإنذار هكس بأجوبة عديدة للعامة وجواب مخصوص له ولأكابر جيشه. وقد أرسلنا إلى باشا الأبيض بجواب فقتل رسلنا". (ب) وفي الرد على ولد الشلالي أوضح بعض مبررات قتاله للحكومة الظالمة قال بتاريخ رجب 1299هـ الآتي: "وقولكم إن الذين قتلناهم من العسكر مسلمون ومتبعون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم نسأل عن دمائهم بين يدي الله باطل لأن القطب الدرديري قد نص في باب المحاربة على أن أمراء مصر وعساكرهم وجميع أتباعهم محاربون لأخذ أموال المسلمين منهم كرها فيجوز قتلهم كما قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ...) . لقد عرفت في أراء المسلمين نظرتان للحاكم الظالم: نظرة القعود والسلبية وهي التي تقول أن الحاكم مطاع ولا تشترط للطاعة عدلا ولا استقامة أخلاق. ونظرة أخرى هي التي انطلقت منها قوله أمير المؤمنين أبي بكر الصديق: إن أحسنت فسددوني وإن أسأت فقوموني. والتي انطلقت منها قوله المؤمن الذي رد على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قائلا: لئن أخطأت لقومناك بسيوفنا. وهي التي بموجبها قال الإمام مالك رضى الله عنه: ليس على مستكره طلاقة . هذه النظرة هي الإسلامية الأصلية وهي التي تمنح القائمين بأمر الإصلاح ونداء العدل شرعية إسلامية هي في أضيق معانيها شرعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي معناها الواسع فإنها تبيح منازلة الباطل بكل الوسائل. الموقف من العلماء 1. كلمة عالم ذات معان عديدة والمعنى المفضل لدينا هو ذلك الشخص الذي نال تأهيلا فقهيا في معهد نظامي وربما اشتغل بالتدريس أو القضاء، أو الإفتاء، في الأجهزة الرسمية لدولة الفونج أن دولة التركية التي قامت بعدها في السودان. 2. ومنذ أن تردد على ألسنة بعض الفقهاء أن باب الاجتهاد قد قفل في القرن الرابع الهجري نشأ اختلاف في المجتمع الإسلامي بين الذين تمسكوا بالمذاهب المعتمدة من ناحية، وبين أولئك الذين رفضوا دعوة قفل باب الاجتهاد وانطلقوا في الفكر الشيعي، أو العقلي، أو الصوفي، من الناحية الأخرى. وقد أوضحنا تعاريج هذه الخلافات في مكان سابق. وكانت الدولة الإسلامية السنية مثل الدولة العباسية ثم الدولة العثمانية توظف العلماء في الإفتاء والقضاء والتدريس. فكانون يميلون لتقليد المذاهب المعروفة ولمساندة النظام الحاكم. وكانت الاتجاهات الثورية في ظل النظام العباسي والعلماني تهل من مصادر شيعية، أو عقلية، أو صوفية وكان هؤلاء يعرضون عن التقليد للمذاهب. لذلك نشأ نزاع حاد بين الاتجاهين: اتجاه المقلدين وغير المقلدين. وكتابات الإمام الغزالي اصدق معبر عن مدى التباين الفكري بين نظرة المقلدين ومخالفيهم 3. وفي السودان كان العلماء يشغلون بعض وظائف القضاء والإفتاء والتدريس في ظل دولة الفونج وكان مشايخ الطرق الصوفية، وهم ينهلون من مصادر فكرية مخالفة لمصادر العلماء، يكونون الزوايا والطرق ويجمعون الجماهير حولهم ويقضون لهم حاجاتهم أحيانا لدى حكام الفونج. وكان موقف مشايخ الطرق هو الأرجح لأن الروايات الواردة عن تلك الفترة تروي الصراع وتروي انتهاءه لصالح رجال الطريق. وعندما قامت الدولة التركية في السودان أدخلت عددا من العلماء ووجهتهم لكسب الأهالي لجانب الدولة الجديدة. وكانت دواوين الدولة الجديدة وأجهزتها التدريسية، والقضائية والإفتائية أكثر وأوسع من أجهزة دولة الفونج مما ضاعف عدد العلماء. وقد صار ارتباط العلماء بالدولة أكبر وأعمق. 4. وعندما قامت الدعوة المهدية كان معظم العلماء يتخذون موقفا عدائيا منها للأسباب الآتية: (أ) لارتباطهم بالدولة القائمة فدافعوا عنها وقاموا الحركة الثائرة الموجه ضدها. (ب) لالتزامهم بالنظرة النقلية بحثوا الدعوة المهدية من ناحية النصوص وحدها، وعندما وجدوا عدم تطابق بين بعض النصوص أعلنوا بطلان الدعوة. وهذا التعلق بالنصوص منطقي مع موقف ينكر استطاعة الإنسان الحصول على معارف بوسائل وجدانية إلهامية. 5. لم يكن موقف المهدي ضد العلماء كعلماء فقد كان هو حريصا على التعلم والمزيد منه أخذ عليهم المآخذ الآتية: ( أ ) إنكارهم للمعرفة عن طريق الوسائل الإلهامية جعلهم عبيدا للنصوص وحدها وحاولوا تقييد إرادة الله بنصوص منقولة والنصوص لا تقيد إرادة الله فالآيات نسختها آيات، والأحاديث نسختها أحاديث مما يدل على أن النص وحده لا يقيد إرادة الله. فإنه يفعل ما يشاء ويختار. والعلماء الذين ربطوا أنفسهم بالنصوص وحده وقيدوا إرادة الله وقيدوا مداركهم وصاروا يقدسون الشكل لا الجوهر ويحكون النص وحده لا المصلحة معه. فتمادوا في تأييد حكم ظلم الناس وأباحوا المفاسد بحجة شكلية: هي وجوب طاعة ولي الأمر. (ج) وإنهم لا يعلمون بما يعلمون بل ينافقون وهذا ما أخذه المهدي عليهم بعنف فهم يعلمون وجوب تطبيق الشريعة وعدم جواز ولاية الإفرنج ولكنهم لا يفعلون شيئا في هذا الصدد بل يقبلون ما يقرر ولاة نعمتهم دون مراعاة للحق. بل يحرفون الحقائق نفسها إرضاء لولاة الأمر. فقد كان غردون وهو محاصر في الخرطوم ينتظر ارتفاع النيل ليستخدم الوابورات في فك الحصار عن الخرطوم وليسهل على نجدة الإنجليز الوصول إليه. وفي تلك السنة ارتفع النيل مع حلول شهر رمضان المعظم وكان غردون يرى أن الصيام يعطل أغراضه فلجأ لعلماء الخرطوم ليبيحوا الفطر والحرب في شهر رمضان ففعلوا ذلك وأفتوا بجواز الفطر والحرب في رمضان بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة في رمضان!!! إن هذا الاتجاه: الا يعملوا بما يعلمون، وأن يطوعوا الحقائق لمصلحة الحكام- هو الذي جعل الإمام المهدي يطلق عليهم عبارة علماء السوء. لم يكن المهدي ضد العلم والتعليم بل كان حريصا عليهما، ولم يكن كل العلماء ضد دعوته فقد ناصرها عدد كبير منهم. ولكن ربط المعرفة والهداية بالنصوص وحدها، والتسليم بما يفعل الحكام مهما كان باطلا، والرضا بظلم الناس واستغلالهم، وتلبية مطالب الحكام مهما كانت مزيفة هي أسباب ما اشتهر من موقف المهدي من مقلدة العلماء.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
الأخ وراق بافتراض ان الأنصار لا علاقة لهم بالشيعة
هل محمد احمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر ومن كان في انتظاره و هل هو مهدي أم مجدد مائة وهل هنالك عدة مهديين أم مهدي واحدوهل هي نسخ بالكربون أم مختلفة وهل هو منتظر للمعمورة كافة أم لفئة محدودة وبالنسبة لأنصار السودان لماذا إحتفظوا بإسم المهدي في نسيهم ولماذا إنحصرت الإمامة فيهم ولماذا لم يجسدوا تضحيات الإمامة و لماذا إستشرى التنازع بينهم ولك تقديري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: jini)
|
الأخ جني أسئلتك جميلة وهي دون شك أسئلة مشروعة... وستجد الإجابة عليها كاملة غير منقوصة بعد الإنتهاء من تفريغ الكتاب.. بعدها سنترك الفرصة للنقاش (زي ما بقولوا ناس الأركان).. وأتمنى أن تكون معنا على الخط.
ختاماً لك عميق ودي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
إن قصة افتراق الفكر الإسلامي ودرجات التفرق جزء لا يتجزأ من قصة الإسلام ومصيره إذ لا سبيل لإسقاط ما طرأ على عقلية المسلمين وتمنى العودة إلى حالة التقليد الأولى لأن ما طرأ صار راسبا في وعي المسلم وفي باطنه. إن ما طرأ على الفكر الإسلامي هو ما وصفه الإمام الغزالي كانكسار الزجاجة التي لا يتم إصلاحها بعد ذلك إلا بإذابتها وسبكها من جديد. وهذا هو ما فعله عمالقة الفكر الإسلامي في مجالات مختلفة. فالإمام الشافعي في ميدان الفقه لم يحاول إلغاء الصراع بين أهل الرأي وأهل الحديث، بل انطلق من الاعتراف به لتقديم مذهب يحقق مستوى أعلى من الوحدة بين الحديث، والرأي. وهكذا فعل الإمام الأشعري: فإنه لم يحاول إلغاء النزاع بين أهل النقل والعقل، بل قدم مدرسة تحقق مستوى أعلى من نهجي العقل والنقل. وكذلك فعل الإمام الغزالي بالنسبة للصراع الفكري القائم في زمانه: لم يقل بقفل العيون عن التفلسف كما قال بعض معاصريه، بل تناول من الفلسفة ما استطاع ومن التفقه، ومن التصوف، وقدم لنا هديا إسلاميا مستنيرا بكل تطورات الفكر حتى أيامه. وكان نهج هؤلاء الأئمة الغوص في لجة النزاعات القائمة واستلهام الله والتعرض لنفحاته ثم الأطلال على الدنيا بالاتجاه المهتدي. وسنرى أن هداية الإمام المهدي تتجاوز صراعات الفكر الإسلامي وتقدم هديا إسلاميا يمكن أن يحقق مستوى أعلى من الوفاق واتحاد الكلمة. لا أعني أن الإمام المهدي عالج هذه الأمور نظريا ثم قدم نداءه. بل إذا نظرنا لطبيعته الشخصية قبل المهدية لوجدناه يميل للهدوء والإصلاح الذاتي لا التعرض لقضايا صناعة التاريخ. ومن ذلك ما كتب يصف حاله قبل المهدية إذ قال.." وهو أني كنت في ابتداء أمري عازما على التوكل الخالص وعدم الالتفات لمخلوق أبدا إيثارا لما عند الله وكنت إذا حصلت لي ضرورة من جوع أو عرى أو غير ذلك أعد ذلك من النعم وأحمد الله عليها.." كان هذا الانصراف للنقاء الذاتي هو طبعه الشخصي. ولكنه كان إذا صادفته الأباطيل مجاهرا بإدانته وغضبه. وفي مرحلة لاحقة من حياته "هجمت " عليه المهدية فتغير تغييرا شاملا وتحولت كل طاقاته لأعمال إيجابية. وكما هجمت عليه المهدية دون إرادة منه وتحضير بالاستنتاج والاستدلال، هجمت عليه الهداية التي أفصحت عنها كتاباته. وإذا بحثنا معالم تلك الهداية لوجدناها مستوعبة لمعالم الفكر والتجربة الإسلامية في مستوى أعلى من الوحدة والوفاق فصار كل السيد في جوف الفرا. وكتابات الإمام المهدي وأقواله تشير إلى هذه المعاني: وإليك البيان: ( 1 ) كان الإمام المهدي حريصا على احترام النص في استخدام الأدلة الشرعية لذلك قال ما جاءكم منسوبا لي إذا وجدتموه مخالفا للقرآن والسنة فاضربوا به عرض الحائط، وهذا الحرص على النصوص يطابق موقف أهل السنة. وكان المهدي يكن احتراما خاصا لائمة المذاهب وهم ركائز أهل السنة وما قاله في أمرهم لا ينتقص شيئا من قدرهم. فقد كان معترفا بفضلهم واجتهادهم. ولكنه أعرض عن التفرق الذي جلبه التعصب المذهبي فرفع المذاهب واهتدى بالنصوص الأصلية. (2) والشواهد التي قدمناها مرارا توضح أن الإمام المهدي كان يقول إن حياة الدين تقتضي مراعاة الظروف في تحديد وتطبيق الأحكام الشرعية، وهذا معنى قوله في خطاب بتاريخ 1301هـ "فلكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال". وهذا الاتجاه يطابق ما قال به المعتدلون من أصحاب المذهب العقلي. (3) وكان المهدي يقر دور مشايخ الطرق في الماضي وقد قدمنا الشواهد على ذلك من أقواله. ولكنه كان يعلم أن ظروف توحيد كلمة المسلمين، وضرورة الخروج من نهج السبحة والخلوة إلى نهج الحزم والعزم، تجاوزت دور الطرق الصوفية. هذا كما أن المهدي كان يأخذ بكثير من وسائل الصوفية المعتدلة ويلح على أن للواجبات الدينية أغوارا روحية لا بد من إشباعها. (4) ودعوة المهدي خالفت التراث الشيعي في كثير من الأمور فلم تقبل عقيدة الأئمة الاثني عشر، ولم تفترض أن للمهدي كتابا مقدسا سريا، ولم تقلل من شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم تربط بين رابطة الدم وقيادة الدين. لكنها طابقت التراث الشيعي المعتدل في تأكيد أهمية القيادة الدينية المفوضة تفويضا شاملا بموجب البيعة. (5) ولم يقرن الإمام المهدي بين الإمامة والوراثة الهاشمية فبعض أهل السنة جعلوا النسب القرشي شرطا للخلافة، والشيعة جعلوا النسب الهاشمي الفاطمي شرطا للإمامة، أما الدعوة المهدية فلم تشترط من ذلك شيئا وكان الرجل الثاني بعد المهدي شخصا لا تربطه بالمهدي أي قرابة من الدم والرحم سوى إخلاصه للدعوة. هذا الاتجاه يماثل رأي أصحاب قطري بن الفجأة . لقد استوعبت الدعوة المهدية تيارات قوية من تيارات الفكر الإسلامي وهضمتها وتجاوزت تعددها وتفرقها بوحدة ربطتها بإحياء الكتاب والسنة معيدة الفروع إلى الأصول صاهرة الكل في بوتقة جديدة: لقد سبكتها سبكا جديدا. لقد نسجت الخيوط المتنافرة في ثوب إسلامي واحد فأعطت مثلا وأبانت وسيلة للبعث الإسلامي في زمانها وفي الزمان اللاحق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
أثرها السوداني (1) إقليم السودان الحالي مكون من إقليمي سلطنتي الفونج والفور وما امتد بينهما شمالا وجنوبا. وهذان الإقليمان لم يعرفا الاتحاد في تاريخهما القديم بل ساد بين السلطنتين النفور والنزاع. وعندما سقطت سلطنة الفونج في يد الغزو التركي في عام 1820م ظلت سلطنة الفور مستقلة حتى سقطت في عام 1875م على الزبير باشا . ولكن الزبير لم يجن ثمار فتحه لأن حاكم السودان يومئذ علاء الدين باشا ادعى الفتح لنفسه وخدع الزبير باشا فسافر إلى مصر بحثا عن الإنصاف فتم اعتقاله في القاهرة. أما إقليم دارفور فتم ضمه إلى إدارة السودان الموحد فكان هذا أول اتحاد بين الإقليمين: اتحاد تم بإرادة الغزاة. وبعد ست سنوات من ضم دارفور انطلقت الدعوة المهدية وكانت تستقطب جماهير دارفور وتخاطب فيهم نفس العوامل التي خاطبتها في بقية أجزاء السودان مما أدى إلى عصيان أهل دارفور لحاكمهم سلاطين باشا. وعندما أدرك سلاطين باشا درجة التجاوب بين الأهالي للدعوة المهدية حاول إرضاءهم بإعلان إسلامه ثم استسلم وسلم القيادة للأمير محمد خالد زقل الذي عينه المهدي عاملا على دارفور. كانت المهدية أول حركة تخاطب وجدان جميع أهل السودان وتجمع بينهم في مسيرة واحدة. إنها أول تاريخ مشترك بين أهل السودان وتجمع بينهم في مسيرة واحدة. إنها أول تاريخ مشترك بين أهل الإقليمين وما بينهما وأول عمل اشتركوا فيه معا قيادة وجماهير لذلك يحق لنا أن نقول إنها أول صنع للوجود السوداني بكيانه المعروف. إنها لأهل السودان كلهم الدعوة المؤسسة لوحدتهم الناسخة على الصعيد الشعبي وفي النطاق الوجداني لانشطارهم. (2) وهي الدعوة الموحدة لأهل السودان بمعنى آخر: ذلك إنها تجاوزت بهم روابط الطريقة والقبلية للانخراط في سلك بناء واحد وأداء واحد. إنها لم تلغ القبائل والطرق، فتلك النظم جزء من واقع لا يمكن إلغاؤه بالتعليمات ولكنا رشدت ذلك الواقع وإذابته في كيان أوسع: كانت القمة المنطقية لمواقع النمو في المجتمع السوداني. إن التجديد الحقيقي لا ينكر الواقع الماثل بل يعرفه ويعرف سلبياته وإيجابياته فيطرح السلبيات ويستصحب الإيجابيات. وهذا ما فعلته الدعوة المهدية بالواقع السوداني فأخرجه من دروب مفرقة إلى درب عريض. (3) ولأول مرة في تاريخ السودان اشتركت العناصر العربية والمستعربة، والنيلية والحامية، في حماس لحركة واحدة. لقد كان التنافر بين العناصر العربية وغير العربية كبيرا في داخل كيان سلطنة الفونج، وفي داخل كيان سلطنة الفور وكانت العناصر العربية تشكل المعارضة لدولة الفونج وكانت القبائل العربية تشكل معارضة لسلطنة الفور. هذا التفرق والتمزق نسخته الدعوة المهدية وانخرطت في سلك الدعوة القبائل المستعربة والحامية وبعض النيلية قتمت المشاركة في زحف واحد ومصير واحد لأول مرة. وكان أمراء المهدية من كل إقليم وقبيلة وكان الحماس لها لدى المسلاتي والرزيقي، والبرتاوي، والجعلي، والحمري، والبديري، والدنقلاوي، والبرقاوي، والكاهلي، والفوراوي، والبجاوي، والشلكاوي، والعبادي الخ.. هكذا كأنها أقامت عصبة لقبائل السودان. ومع أن بعض القبائل تخلفت عن هذا فإن بطونا منها وأفرادا ذوي بأس شاركوا في المسيرة العامة. (4) وكانت المهدية أول تحد شامل للحكم الأجنبي الدخيل في البلاد. لقد واجه الأتراك غداة غزو السودان مقاومة من بعض القبائل وكانت لقبائل الشايقية وقفة قوية في وجه الغزاة. ثم نصب زعيم قبيلة الجعليين فخا لإسماعيل باشا بن محمد على لأن إسماعيل أساء التصرف في معاملة أهله فأعد له ولمن معه ثم أحرقهم بالنار ليلا. وواجه الغزاة أيضا عصيان في كسلا ومقاومة مستمرة من سلطنة الفور التي ظلت مرفوعة الرأس ولم تسقط إلا بعد عشرات السنين من الفتح التركي لإقليم سلطنة الفونج . تلك هي وجوه المقاومة التي وجدها السلطان التركي في السودان ويضاف إليها أنواع من المقاومة السلبية والمدنية كالامتناع عن دفع الضرائب ونحوها من موقف مشهودة لبعض رجال الدين ورجال القبائل. (5) وكانت الحركة المهدية بمثابة إعلان وتعريف بالسودان ترابا وأهلا. فقد كان السودان قبلها ذا تاريخ قديم طواه النسيان وصار قبيل المهدية محافظة نائية من محافظات مصر الخديوية منزوية تتأثر بالأحداث ولا تؤثر فيها. ولكن بعد قيام الدعوة المهدية صار السودان مسرح أحداث عظام وقف العالم الإسلامي، والعربي، والأفريقي، والأوروبي والأسيوي يشاهدها ويتتبع أحوالها من موقع التعاطف في عالم إسلامي يتطلع للبعث والاتحاد، وعالم عربي يتحرق للتخلص من الظلم العثماني ولرد الكرامة العربية السليبة، وعالم أفريقي وآسيوي يتغنى بالخلاص من السلطان الأوروبي ويطرب طربا هائلا للحركات التي تتحداه تنازله تهزمه . ومن موقع الإشفاق والخوف في عالم أوروبي كان يرى أن ازدهاره الاقتصادي وضمان حصوله على المواد الخام وعلى الأسواق مقرونا بفرض الأسر والاستعمار والحماية على الأقطار الأخرى. لقد كانت أحداث شدت انتباه العالم كله وقذفت بالسودان إلى الأمام في مسرح التاريخ فخلقت له ولأهله اسما ذائع الصيت ما زال صداه يتردد. لقد صار السودان في لغة السياسة الدولية أول شعب تحرر بذاته من نير الظلم التركي والتحالف الأوروبي. الباقون على الإيمان بها الأنصار هم الجماعة التي بايعت الإمام المهدي وقبلت دعوته وهم قوم تجمعوا حول الدعوة من طرق شتى وقبائل متفرقة واستمروا على عهدهم بالرغم من سقوط الدولة المهدية. وهذا الكتاب ترجمان للعقائد، والأفكار، والمشاعر، والتعاليم التي يزخر بها تراثهم وتقوم عليها تربيتهم. ومقالي هذا محاولة لرسم مكونات عقيدة وشخصية الأنصار وبيان موقع الدعوة التي آمنوا بها في الإسلام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
إن دعوة المهدي لم تمت بعد الغزو الثنائي واستشهاد خليفة المهدي والخليفة على ود حلو والخليفة شريف وأبناء المهدي والأمراء بل عاشت في الضمائر وتحصنت بالقلوب. وكان الحكم الدخيل يدرك مدى إيمان أهلها بها لذلك أعد برنامجا مكثفا لمحوها من النفوس تماما. فمنع قراءة الراتب وقراءة منشورات المهدي وخليفته ودعم موقف كل من اتخذ موقفا عدائيا من المهدية وجرد الذين اتهموا بميل نحوها من كل شيء ومنع من بقى من أبناء المهدي من التسمي ببنوة المهدي. وكانت التوجيهات الصادرة للإداريين في كل أنحاء السودان أن يقتلعوا كل جذر للدعوة المهدي فطبقوا سياسة صارمة هدفها استئصال الاتجاه الأنصار بحزم وحسم وكان من أولى حملات الإبادة لمن بقي من قادة الأنصار الهجوم على بقايا أسرة المهدي المقيمة في العراء في منطقة الشكابة بالنيل الأزرق. وفي ذلك الهجوم قتل جنود الحكومة الخليفة شريف وابني المهدي الفاضل والبشرى وغيرهم من أعيان الأنصار وكان معهم طفل في الثالثة عشر من عمره من أبناء المهدي يدعى عبد الرحمن الصادق. هذا الطفل ضرب بالرصاص كما ضرب الآخرون ولكنه لم يمت. لقد شب الفتى عبد الرحمن الصادق فوجد دعوة أبيه ما زالت مستقرة في نفوس بعض الناس. ولكن مجرد الدليل على وجودها كان كافيا لتقوم الحكومة بحملة إبادة. وكانت الحكومة القائمة حكومة قوية بما يدعمها من موارد أجنبية وينفذ أمرها جيش حديث التسليح والتنظيم تمده الإمبراطورية البريطانية في عز قوتها. ولم يكن السيد عبد الرحمن معتبرا زعيما لبقايا الأنصار فالنظام القائم لا يعترف لهم بوجود ولا زعامة والخلفاء الذين عينهم المهدي وربما توارثوا الخلافة بعده استشهدوا جميعا والأمراء الكبار كانوا في الأسر والمنفي في مصر. هذا الفراغ في قيادة الأنصار مع وجود العقيدة في النفوس حض كثيرا من رجالات الأنصار على التصدي لقيادتهم فنهض عدد من الثوار باسمهم مثل عبد القادر ود حبوبة في الجزيرة، والفكي سنين في كبكابية بدارفور وحركة الشريف محمد الأمين في تقلي وانتفاضات في سنجة، وتلودي، وغيرها من بقاع السودان. وكانت الحكومة تبطش بهذه الحركات بطشا عنيفا. ولكن الجذوة لم تمت. وبالصبر الطويل والمعاناة استطاع السيد عبد الرحمن أن يصبح زعيما فعليا لبقايا الأنصار فوثقوا به وسلموه زمامهم. وبعد صبر ومصابرة بدأ يجدد معهم بيعة الإمام المهدي مختطا نهجا جديدا أوضحه قائلا: "البيعة تابعة لأمر الدين وتعديل الإمام القائم لها حسب ظروف الأزمنة مع سلامة العبادات واتباع الأثر. وهي لازمة لمن أقام عليها ولم ينقص حرفا منها إلا ما كان بحكم القهر. فإن الرضا بمراد الله يوجب التحليل منه لأنه مراد. وإن تفسير الجهاد بأنه جهاد النفس لا يختلف عن غيره خصوصا إذا تفهمنا أغراض الإمام المهدي في الجهاد وأنه دعا الخلق أولا إلى الله بغيرة. وأخيرا أمر بالجهاد تحقيقا بأنه على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئ. وزهد الدنيا وتركها أمر كان مطلوبا للتفرغ لجهاد العدو. أنا الآن فإن طلب الحلال فيها بالكسب الحلال واجب خصوصا إذا كان بذل الكسب في سبي الله معيشة الأولاد. وإننا في هاتين النقطتين نقر البيعة كما هي. ولما كان لقوام الإنسان في دينه حالتان نور يفيض على القلوب وسلطان يتحكم في الأبدان فإن أمرنا أن تكون بيعتنا بيعة رضا". ومن أراد مزيدا من بيان نهج الإمام عبد الرحمن الصادق وتفسيره لاستمرار العهد بين حاضره وماضي دعوة الإمام المهدي فليطلع على ذلك في كتاب جهاد في سبيل الاستقلال . وفي ذلك الكتاب يوضح الإمام عبد الرحمن الآتي: 1. أنه جارى أحوال الزمن المحيط، وحفظ دعوة المهدي في جوهرها، وحفظ للأنصار سلامة العبادات واتباع الأثر، وحفظ روحهم الفدائية كما هي. 2. أنه دعا لاستقلال السودان لرد كرامة أهل السودان في وجه من ادعوا السيادة عليهم. وأن الواجب اقتضاه أن يلح على استقلال السودان لنفض حق الفتح الثنائي الذي كان بعض الطامعين في السودان يرتبون عليه نتائج معينة. لا بد أن يقرر السودانيون مصيرهم دون اعتراف بحق الفتح لأحد. على هذه الاتجاهات سار الإمام عبد الرحمن الصادق يجمع فلول الأنصار من جديد ويجدد معهم العهد ويؤسس المساجد لتعليم القرآن والراتب وواجبات العبادة ويحافظ على روح الفداء في الأنصار ويقيم قرى (كوميونات) دينية النموذج الأول لها هو المجتمع الطاهر الذي أقامه في الجزيرة أبا. فكان مجتمعا يضم أشتاتا من قبائل السودان ويعيش حياة تكافل في ظل هداية الدين واقتداء بذلك المجتمع سارت كثير من القرى مثل الهدى والنورانية، والرحمانية وغيرها من البقاع في النيل الأبيض، والأزرق وفي كردفان دارفور والقضارف وفي بعض مناطق المديرية الشمالية هكذا كتب للأنصار عمر جديد واستيقظت في نفوسهم جذوة الدعوة المهدية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
البعث الإسلامي اليوم ونحن على عتبة الربع الأخير من القرن العشرين ننظر حولنا على خريطة الفكر فماذا نجد؟ في ضجة صراعات الفكر برزت مدارس محترمة في عالم العلم الفلسفة تعلن أن للإنسان قدرات غير مادية أي أن في تكوينه قبس من روح. واتضح أن الإنسان بكل قدراته مفتقر لوسيلة تتماسك بها شخصيته حتى لا تقتله الحسرة إن فاته ما يطلب، أو يحطمه الخوف إن أحاطت به المخاوف، أو تشتت إرادته الأمور إن لم يستطع التمييز بينها وهكذا. اتضح أن الإنسان كي يحصل على وسيلة تحقق تماسك شخصيته وترشد تفاعله الإيجابي مع ما حوله يفتقر إلى يقين يركن إليه وهن يواجه هواجس النفس وتقلبات ما حوله ويستمد منه مقياسا خلقيا يصنف به الأمور المحيطة به. الإنسان الفرد محتاج إلى يقين ليحيا هذا قانون روحي لا يشذ منه أحد أبدا. ودراسة أحوال الجماعة تؤكد أن بقاءها لا يتم بغير نظام والنظام لا يستقيم إلا على أساس خلقي. والأخلاق لها قانون روحي هو الإيثار: إن تحب لغيرك ما تحب لنفسك. ومهما تعددت الملل والنحل والفلسفات والآراء فلا تستقيم حياة الفرد دون يقين ولا حياة الجماعة دون نظام خلقي يحث على الإيثار. لقد استطاعت الملل الدينية أن تكفل تلك القوانين الروحية بدرجات متفاوتة وفي كثير من الحالات سيطرت على توجيه الملل الدينية سلطات استغل أفرادها مراكزهم وجعلوا الملة الدينية مطية مصالحهم الشخصية. هذا الموقف جلب نقدا لموقف الدين كله. فقيل إن الدين يزعم أنه يقدم هداية روحية ولكن الذي يحدث هو استغلال السواد الأعظم من الناس لخدمة المصالح المادية لقلة من الناس. أي وجه النقد ضد التدين على أنه يزعم أن الناحية الروحية هي وحدها المهمة بينما يوجه القادة كل همهم لتحقيق مآرب مادية وهذا يزيد من الظلم الاجتماعي فيزداد فقر السواد الأعظم من الناس ويزداد ثراء القلة المميزة. ووجه نقد آخر وهو أن السلطات الدينية تستغل موقعها لتحجر حرية البحث العلمي ونقد ثالث: إن الدين يتدخل في حرية الاعتقاد ويجعل التعايش بين أصحاب ملل مختلفة أمرا مستحيلا. تلك الانتقادات وهي في الحقيقة موجهة لأديان معينة أدت إلى انتقاص من شأن الدين بالرغم من وجود الحاجة الإنسانية الماسة ليقين وأساس للأخلاق. هذا التعارض بين حاجة الإنسان الملحة لإشباع قوانين روحية معينة كفلتها الأديان وبين وعي اجتماعي واقتصادي وعلمي هو الذي أدى إلى إضعاف الديانة المسيحية في أوروبا وأمريكا. ولكن حاجة الإنسان المستمرة لإرضاء الجانب الروحي في حياته الفردية والجماعية جعلت كثيرا من المفكرين الغربيين يلحون على ضرورة إيجاد قبلة روحية جديدة، فأدى هذا إلى تلفت في الفكر الأوروبي صاغه العالم النفساني الكبير جونق في عبارة: "الإنسان الحديث في بحث عن روح"، وأدى إلى بعث روحي جعل الفكر الأوروبي يحاول إحياء ملل هندية قديمة أو يعبر عن ضيقه بالمادية بحركات الرفض المعروفة . وإذا نحن نظرنا إلى الأديان المعروفة اليوم من زاوية مطالب البعث الروحي المشاهد اليوم لوجدنا أن أغلبها يعاني من مشاكل جوهرية تمنعه من تلبية نداء البعث الروحي. فبعضها (مثلا) لا يمكن أن يشبع نداء اليقين لأن في معتقداته أمورا يصعب التصديق بها. فالمؤشرات الإيمانية والعقلية تدل على توحيد الله بينما تشير تلك المعتقدات إلى تعدد الآلهة. وبعض تلك الأديان يناقض قانون الإيثار لأنها تقوم على أساس تصنيف للناس سلالات وطبقات. وبعضها يهدم ركنا من أركان الحياة لأنه لا يعترف بأهمية الناحية المادية في الحياة. وبعضها ينكر وجود أديان أخرى وينكر وجود الظلم الاجتماعي ولذلك فهو لا ينطوي على وسائل لمعالجة الظلم الاجتماعي ولا كيفية التعايش بين الأديان. إن دينا واحدا يلبي الحاجة الروحية تلبية مثلي ويلبي المطالب الأخرى فهو يهتم بالعدل الاجتماعي، ويعترف بأهمية الناحية المادية في الحياة، ويعترف بوجود أديان أخرى وينظم علاقته بها في تسامح، ويقر حرية البحث العلمي في مجالاته ولا يقر بوجود سلطة دينية. ذلك الدين هو الإسلام. وكل دين آخر يعيد النظر في بعض عقائده على ضوء الحق الذي أطل برأسه ومطالب الإنسان الروحية والاجتماعية سيجد نفسه يقارب من الإسلام ويتجه نحوه. وخلاصة القول: إن تيارات البعث الاجتماعي الروحي والوعي الاجتماعي الإنساني تشير إلى اتجاه بعث إسلامي. وإذا نظرنا للإسلام في واقع أقطاره لوجدنا كما ذكرنا دوافع أخرى للبعث الإسلامي. أوضحنا ظروف الإسلام في أفريقيا بما يفيد ذلك. وفي آسيا وبالرغم من انشطار باكستان فأن موقف الإسلام في شبه القارة الهندية، وفي إندونيسيا، وفي الملايو، وفي الفلبين، وفي إيران، وفي تركيا موقف تنفس بعد جمود. وكانت تركيا مسرح أعنف مشهد في تاريخ الإسلام الحديث. لقد فرت بها قيادتها الكمالية من رحاب الإسلام واتجهت بها نحو بعث القومية الطورانية ملتمسة برنامجا اقتصاديا اجتماعيا مقتبسا من حضارة أوروبا. وبالرغم من هذا كله تشهد تركيا اليوم حركة بعث إسلامي. وفي العالم العربي وجد الفكر المادي في بعض الأوساط تجاوبا إذ ركز دعايته على محاربة الاستعمار والظلم الاجتماعي، ووجد الفكر القومي تجاوبا أوسع إذ أقام جبهة مقاومة للتسلط العثماني، وللاستعمار، واستلهم رابطة اللغة، والامتداد الجغرافي، والمصلحة المشتركة، وأدخل في برامجه سياسة عدل اجتماعي. ولكن هذا الفكر القومي وصل مفترق طرق وانطرحت أمامه السبل الآتية: (أ) أن يقتفي الأثر الكمالي ويحاول أن يقيم القومية والبرنامج الاجتماعي المختار مقام الإسلام ويملأ بهما ساحة الوجود الفكري عاطفة وعقلا. (ب) إن يعتبر الإسلام وجها من وجوه العبقرية العربية فيحترمه كتراث وإذا أقر له دورا إرشاديا فباعتباره من رسالات السماء جنبا إلى جنب مع المسيحية وفي الحالين الأول والثاني تعتبر رسالة القومية العربية هي الرسالة الخالدة وهي الأساس الذي ترد إليه تيارات الفكر والمشاعر. (ج) الإقرار بأن الرسالة الخالدة هي الإسلام وأن العروبة لعبت دورا بارزا في تاريخ الإسلام فهي بعض منه وليس هو بعضا منها بل يتجاوزها ويشع هداية لا يحدها زمان ولا مكان. والقومية في ثياب القبلية الضيقة سبقت الإسلام، وهي في ثوبها الإقليمي الموسع بقيت بعد الإسلام ولعبت دور تعبئة ضد الظلم العثماني وتحرير من الاستعمار وتوعية ولكن قيامها مقام الإسلام ليس واردا أصلا بل الوارد في هذا الصدد أن يفعل بها الإسلام ما فعل طوال تاريخه: احتواء الواقع واستصحاب عناصره الإيجابية وإسقاط سلبياته. وسلبيات القومية الواجب إسقاطها هي: التعصب لرابطة الدم، والاستعلاء على الآخرين واتخاذ الحماس القومي بديلا عن المثل العليا والعدل الاجتماعي. وإيجابيات القومية الواجب استصحابها هي: رابطة اللغة، وحب الوطن، وتنظيم المصلحة المشتركة. وموقف الإسلام ليس جنبا إلى جنب مع المسيحية أو اليهودية لأنهما تدخلان في تفاصيله ولا يدخل في تفاصيلهما. فالإسلام يعلن أن دين الله واحد نزلت به كل الرسالات خلاصته: التوحيد لله والعمل الصالح للناس. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) . وقال: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ..) الآية. وقال (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ..) الآية. ويعلن الإسلام أن اختلاف الأديان السماوية اختلاف في شرائعها وأ، الشريعة الخاتمة هي أكملها فأثبتت ما أثبتت منها ونسخت من نسخت منها أضافت ما أضافت إليها. ومع ذلك فالإسلام يعامل غيره من أديان السماء بالاعتراف بها وتنظيم التعامل مع أهلها وعدم الإكراه في الدين. وهذه الخصال لا تتوفر في الأديان الأخرى لا في تعاملها مع بعضها ولا في علاقتها بالإسلام. فموقف الإسلام مهيمن على موقفها وليس ماثلا جنبا إلى جنب معها. إذن: سواء نظرنا من ناحية نظرية عامة، أو استعرضنا وجودا واقعيا محددا سنجد أن كل المؤشرات تعلن حتمية البعث الإسلامي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
وكان بإمكاننا أن نستدل على حتمية ذلك البعث عن طريق داخلي أي من نصوص القرآن فنورد قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) . وقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) . وقوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) . وهذا استدلال يقبله المؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وحدهم. ولكننا هنا سقنا أدلتنا من مشاهدات في الكون وحياة الإنسان للاستدلال على حتمية البعث الإسلامي. وهل الكون والإنسان إلا كتاب آخر من كتب الله؟ والاستدلال من الكون والإنسان على حقائق الدين وسيلة حث عليها القرآن وأكد جدواها. قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) . أن الدعوة التي بحثناها هنا هي دعوة بعث إسلامي في القرن الماضي ولكنها لم تذهب مع الأيام بل بقى منها في نفوس الملايين إخلاص لتكاليف الإسلام بكل الأغوار الروحية التي نطقت بها منشورات الإمام المهدي وراتبه، وبقي منها حماس ديني فريد وتعلق باتحاد المسلمين. وإحياء الدين في سلوك الفرد والجماعة وبقى منها في نفوسهم حب فدائي للوطن الذي سالت دماؤهم في كل رقعة من رقاعه وبقى منها استعداد متلهف لمواصلة رسالة البعث الإسلامي بلسان الزمان ووفق ظروفه: " فلكل وقت ومقام حال". الأنصار وغيرهم من أهل السودان شركاء في الوطن وفي المصير الإسلامي، والعربي، والأفريقي، والمصلحة العليا تقتضي أن تعرف كل جماعة ماهيتها وأن تعرف غيرها لا تشجيعا للتفرق والخلاف بل إحاطة بالحقائق وتزودا بها لتحديد الأهداف المشتركة ليتجه الجميع ومن كل موقع صوب القبلة. إن عالمنا الإسلامي، العربي، الأفريقي ميئوس منه إذا لم يقتلع نفسه من سبة التفرق والتخلف والتبعية ومن الخطوات الهامة في هذا السبيل أن نعرف حقائق واقعنا الاجتماعي لكي نحركه بالفعل الواعي لا بالوهم. لم يعد في الوقت متسع فإن الدول الكبرى بإرادتها الاستعلائية وأحجامها العملاقة ساعية لاقتسام العالم وفرض الوصاية على مصير سكانه. وأن قدراتها على سيادة الدنيا تتزايد يوما بعد يوم فإن نحن لم نفعل شيئا حاسما نوحد به إرادتنا ونحقق تقدمنا فسنكون الأقزام في عالم العمالقة. وسنظل أبدا "بادية" العالم المتقدم و "الخامة" التي يفعل بها ما يشاء.
وبهذا الفصل يكون كتاب يسألونك عن المهدية قد إنتهى... وتبقى لنا فقط تثبيت المراجع والهوامش. مع خالص ودي وتحياتي.، محبكم/ إسماعيل فتح الرحمن وراق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
|
أخي إسماعيل
لا ادري هل اقول شكراً ام ادعو لك منظهر غيب ولكن إن الله يحب الشكر فلك عميق امتنانا لجهدك الكبير ولكرمك الفائض في إشباع طمعنا في شخصكم ولكن لك أن تعذرنا فوجودنا في ارض المهجر حرمنا من اشياء كثيرة وهي هجرة كتبت علينا لم نسعى لها بارك الله فيك وجزاك عنا الف خير
| |
|
|
|
|
|
|
|