نظمت هيئة شئون الأنصار ورشة عمل في الفترة 16 - 18 أغسطس تحت عنوان: نحو مرجعية إسلامية جديدة متحررة من التعامل الانكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد. وكان الهدف من هذه الورشة هو التحضير لمؤتمر إسلامي جامع يشارك فيه المفكرين والعلماء المسلمين من جميع المشارب الفقهية والدول داخل وخارج العالم الإسلامي. ونحن إذ نستعرض في هذا المنبر ما قدمته هيئة شئون الأنصار بورشتها، نود الإستنارة والإستئناس برأي الجميع بغية التوصل إلى رأي موحد يجمع شمل المسلمين حول كثير من المسائل والقضايا الإسلامية المعاصرة. وهذه دعوة للأعضاء من أهل الإختصاص والمهتمين لإثراء الحوار.
الأخ العزيز حمزاوي سلام يا زول يا رائع أتعشم في تعليقكم إثراء للحوار، وقطعاً نؤمن بالحكمة "نصف الرأي عند أخيك".
الحبيب يعقوب البشير سلام يا غالي
سأستعرض هنا أهم ورقة أي الورقة الأساسية في الورشة والتي أعدها الحبيب الإمام الصادق المهدي، وكما تعلم أن هذه الورقة تم مناقشتها من قبل التيارات الفكرية المختلفة، فضلاً على أنها خلاصة تجارب وفكر الرجل لما يقارب الأربعين عاماً.
08-22-2004, 03:41 AM
هاشم نوريت
هاشم نوريت
تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 13622
العزيز هاشم دبايوا الأوراق جاهزة وكما أسلفت سأستعرض الورقة الأساسية على الرقم من كبر حجمها إلا أنها تناولت قضايا حساسة للغاية محصورة في واحد وثلاثين نقطة.. والهدف من ذلك أخي هاشم هو عمل خالص لله سبحانه وتعالي وهو جهد المسلم تجاه دينه خاصة وأننا معشر المسلمين متفرقين إلى شيع وطوائف.. فإذن إلى الورقة الرئيسية.
08-22-2004, 03:50 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
مقدمة نحن المسلمون المعاصرين قد تأخرنا خلف الدرجة الرفيعة التي احتلها ماضينا في خريطة الحضارة الإنسانية. وتأخرنا كثيرا وراء الدرجة المتقدمة التي بلغتها الحضارة الإنسانية المعاصرة. التخلف العلمي والتقني مخيم على عالمنا، والاستبداد متحكم على رقاب شعوبنا، وبؤر الظلم المذل منثورة في مناطقنا من فلسطين غربا إلى غرب الصين شرقا، ومن كادونا جنوبا إلى شيشانيا شمالا. ونحن أكثر حضارات العالم معاناة من إشكالية التعامل الصحي مع الوافد من ماضينا والوافد من خارج حدودنا. واندلعت محاولات حماسية لإيجاد مخرج من هذا المستنقع وكان أكثرها طموحا في المنطقة العربية أيديولوجيات الصحوة القومية كالناصرية والبعثية ولكنهما مع ما حققتا من صحوة قومية دفعتا ثمنا لذلك قهرا للشعوب غيب عطاءها، وانحيازا للمعسكر الشرقي في الحرب الباردة استفاد منه العدو باصطفاف غربي أكثر فاعلية إلى جانبه. ثم أقدمت حركات إسلاموية حاولت أن تحقق بعثا باسم الإسلام.. محاولات أهمها وأفضلها الثورة الإسلامية في إيران ولكن التجربة الإيرانية حبستها عقيدة ولاية الفقيه مذهبيا كما حجبتها عن مفهوم ولاية الأمة الأوسع. ومحاولات لم تحقق مقاصدها كما هو الحال في السودان، أما في أفغانستان والتحالف مع القاعدة فإن المحاولة جرت إلى عالمنا الإسلامي حربا مدمرة. وفي حالتي السودان وأفغانستان فإن نتيجة الحماسة الإسلامية غير المرشدة أدت في الظروف الدولية المعاصرة إلى تدخلات دولية فرضت على البلدان المعنية هيمنة دولية. نعم هنالك في الغرب نزعة هيمنة دولية تحالفت مع العدوان الصهيوني لإخضاع عالمنا الإسلامي لإرادتهما. ولكن هذا الإخضاع يستغل نقاط ضعف فينا ليحقق مقاصده. إن الطغاة يخلقون تناقضا مع الشعوب كما أن الغلاة يخلقون تناقضا مع العصر والغزاة يستغلون هذه التناقضات لفرض إرادتهم. إننا بحاجة ماسة لنسيج فكري اجتهادي يوفق بين ضرورات التأصيل والتحديث، ويحقق الحكم الراشد الذي فيه تتضامن الشعوب وحكوماتها. وعلى الصعيد النظري علينا أن نجري اجتهادا جماعيا يعالج ثنائية الوافد من الماضي والوافد من الخارج، وثنائية الرسمي والشعبي ويضع أساسا لمرجعية إسلامية جديدة. فيما يلي أهم ثلاثين مسألة هامة يرجى أن يطولها هذا الاجتهاد. نقدمها لقائمة من العلماء والمفكرين لتدارسها يلتقون في بقعة حرة لتداول الرأي المفضي إن شاء الله لوضع نواة لمرجعية جديدة تؤلف بين قلوب المسلمين.
يتبع..
08-22-2004, 03:56 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
1. العطاء الإنساني بين اللاهوت والناسوت: أهم نظريتين حول مكانة الإنسان في الكون هما: النظرية اللاهوتية التي تعتبر الإنسان متلقيا للحقيقة من الغيب عبر الوحي، فمعارفه هي ما نزل به الوحي. النظرية المناقضة لها تماما هي النظرية الناسوتية التي تعتبر الإنسان مستقلا بذاته ومعارفه هي ما تطولها قدراته العقلية والتجريبية. النظرة الإسلامية تؤكد أن في الكون غيب لا يدركه الإنسان بذاته. قال تعالىمَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا هذا هو مجال الوحي الذي يدركه الإنسان عن طريق التنزيل وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ . هناك مجال ناسوتي مشروع لمدارك الإنسان وهو متعلق بالكتاب المشاهد أي الطبيعة التي خلقها الله بالحق وجعل سننها ونواميسها متاحة لمعارف الإنسان العقلية والتجريبية. قال تعالى عن هذا الكتاب المشاهدمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ٍ وقال عن سنن الطبيعة: : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى وقال عن الجهد المطلوب لمعرفة حقائق الطبيعة: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ . روى ابن خزامة أن النبي ( سئل: أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقي نسترقيها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: "هي من قدر الله". 2. وسائل المعرفة: إن للإنسان أربع وسائل معرفية تتكامل ولا تتناقض: أ- فالوحي هو وسيلة معرفة الغيب. ب- والإلهام هو وسيلة المعارف غير الحسية: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ . ج- والعقل وسيلة معرفة لما يطوله العقل. إن في ذلك إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ د- والتجربة وسيلة معرفة لما تدركه الحواس قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون ؟. 3. أسلمة المعرفة: تعني طرد افتراض العلوم الطبيعية الإلحاد، لأن هذا الافتراض جزء من النزاع بين الكنيسة والعلم ولا أساس له، لأن العلوم الطبيعية لا شأن لها بهذا الأمر. كذلك كتابة تاريخ العلم الحقيقي وليس الأيديولوجي الغربي وهو ما يؤكد عالمية المعرفة العلمية ودور الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات في ذلك. 4. الإسلام والأديان: إن القران يطلق على أهل الكتاب صفة الإسلام وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ويعترف للأديان الكتابية بقيمة روحية لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ويعترف بأن في التجربة الإنسانية وسائل لمعرفة الحق بوساطة الفطرة الإنسانية أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ! وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، والصابئون هم الذين اهتدوا من غير وحي للحقيقة الإلهية مثل أمية بن أبي الصلت وسائر الحنفاء المعروفين قبل الإسلام والقرآن يؤكد أن محمد ( لم يأت بدين جديد قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ، ولم يأت بدين غريب على الإنسانية: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، ولابدين مناقض شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وهنالك طائفة من الأحاديث تعزز هذا الفهم قال النبي (: "نحن معشر الرسل أولاد علات ديننا واحد وإن اختلفت الشرائع." هنالك فهمان: فهم إسلامي طائفي ينكر ما للأديان الأخرى من قيمة روحية وخلقية. وفهم أوسع هو ما ذهبنا إليه. وفي الحقيقة فإن وجود ثنائية في فهم النصوص الإسلامية موجود في أمور كثيرة إذ أن هذه الثنائيات كثيرة في الإسلام، مثل قوله تعالى )اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وقوله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم . ومثل قوله تعالى: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وقوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . ونحن نعلم أن هناك آيات محكمة وآيات متشابهة فعلينا أن نهتدي للمحكمة عن طريق الحكمة، ومقاصد الشريعة، وغيرها من الوسائل التي سوف نتطرق إليها فيما بعد. إن الفهم المتسامح لهداية الإسلام هو الذي يطابق مقاصد الشريعة وهو الذي يواكب ظروفنا المعاصرة وهو الذي يخدم مصلحة الإسلام لأن في مناخه صار الإسلام أوسع الأديان انتشارا في كل القارات. ولكن مع هذا الفهم الواسع ماذا يبقى للإسلام من خصوصية؟ يبقى له: أولا: أنه الدين الوحيد بين الأديان العالمية الذي يقبل التعددية الدينية من حيث المبدأ لا كأمر واقع. فالأديان الكبرى الأخرى مكبلة بقيود لا تسمح لها بالحركة إلا على حساب إسقاط بعض عقائدها: فالهندوكية مقترنة بالاثنية الهندية وهي والبوذية تعتبران العالم شرا لا تتحقق النجاة إلا بالخلاص منه. واليهودية تقترن بصورة عضوية بأصل اثني. والمسيحية تفترض سقوط الإنسانية كلها في الشر الذي يحيط بها حتما إلا إذا آمنت بفداء السيد المسيح عليه السلام. الإنسانية محتاجة للدين ولكن الدين الذي يناسبها هو الذي ينطلق من قيم روحية وخلقية تقوم على مقاييس غير ذاتية وفي نفس الوقت تتعامل مع الحياة الدنيا بإيجابية وتتطلع لدين لا يحصر القيمة الدينية حصرا طائفيا. هذان الشرطان لا يتوافران إلا في الإسلام مما يعطيه خصوصية استيعابية لا خصوصية انطوائية. ثانيا: الأديان الأخرى حققت جدوى روحية وخلقية وأهملت العدالة الاجتماعية وهذه ميزة انفردت بها الرسالة المحمدية. ثالثا: الأديان الأخرى تواجه مشكلة التناقض بين الوحي والعقل، وبين الغيب والطبيعة، ولكن الإسلام وهو يعني الامتثال لإرادة الله يدخل في تلك الإرادة حقائق الوحي، وقوانين الطبيعة، والعقل، وحرية الاختيار كما أوضحنا.
يتبع..
08-22-2004, 04:00 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
5. الإسلام والأخلاق: الأخلاق هي مراجع النفس الإنسانية وركائز تماسك المجتمعات، الفكر العلماني يقيم الأخلاق على المنافع، والفكر الإسلامي المنكفئ يقيمها على أوامر الشارع ونواهيه. ولكن الفهم الصحيح هو أن للأخلاق أسساً موضوعية تبدأ في أدنى حالاتها بالمماثلة. أي أن تفعل للآخرين ما تحب أن يفعله لك الآخرون. وهذا يطابق الآية: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ . وتتدرج الأخلاق سمواً لتقوم على إثبات ما يتعارف الناس على حمده وإنكار ما يتعارفون على ذمه. أي تقوم على المعروف والمنكر كما نصت الآية: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ . وتسمو الأخلاق لتبلغ درجة أداء الواجب على حساب المنفعة الذاتية "الإيثار": وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ . هذه أسس موضوعية للأخلاق والشرع الإسلامي يقرها، وبإقرارها يسبغ عليها قيمة روحية ويرتب على إتيانها جزاءاً أخروياً ورضاً إلهياً. 6. التأصيل بلا انكفاء:استطاع الاجتهاد التقليدي الإسلامي أن يصدر أحكاما في كافة القضايا، وقد اعتبرت هذه الأحكام مؤسسة على النصوص المقدسة في القرآن والسنة. نصوص انطلق منها المجتهدون من السلف الصالح وبإعمال آليات القياس والإجماع مددوا أحكام تلك النصوص، وبينما أئمة السلف المجتهدين لم يوجبوا على الخلف اتباع اجتهاداتهم على نحو ما جاء في أحاديثهم ذما للتقليد، فقد أتى حين من الدهر على حركة الفقه الإسلامي سادت فيها أطروحة قفل باب الاجتهاد فأوجبت على الخلف اتباع السلف على نحو ما جاء في جوهرة التوحيد: وما لك وسائـــــر الأئمة وأبو القاسم هداة الأمة فواجب تقليد حبـــــر منهم كذا حكى القوم بقول يفهم
أطروحتي التي ما برحت أكررها أن هذا الركود الفكري المؤسس على التقليد لم ينشأ من فراغ بل سببته عوامل كثيرة داخلية وخارجية: العوامل الداخلية: أهمها ثلاثة: العامل الأول: معرفي؛ وفحواه أن حقائق الوحي فصلت في الكتاب والسنة وأن ما فعله المجتهدون من السلف هو استخدام القياس والإجماع وسائر أدوات الاجتهاد المشروعة لتمديد تلك الحقائق حتى تشمل كل الحياة الخاصة والعامة. ولذلك صارت النتيجة تبياناً للإرادة الإلهية بعلم واجتهاد السلف فما على الخلف إلا اتباعهم. كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ما سوى ذاك وسواس الشياطين العامل الثاني: استبدادي؛ لأسباب تاريخية فصلتها في كتابي "الدولة في الإسلام" تحولت الخلافة إلى ملك عضود. ومنذ ذلك الحين تعاقبت على الأمة الإسلامية دول غيبت الشورى والمشاركة وفرضت سلطة أحادية بمنطق القوة على حد تعبير "يزيد بن المقفع" الذي حضر مع معاوية مجلس البيعة لابنه يزيد فقام وقال: أمير المؤمنين هذا وأشار لمعاوية، فإن هلك فهذا وأشار ليزيد، ومن أبى فهذا وأشار إلى سيفه. فقال له معاوية: اجلس فإنك سيد الخطباء. هذه المقولة تشكل في جوهرها دستور كافة الدول التي تعاقبت على حكم المسلمين إلا قليلا نادرا. الحكم الأحادي وضع قيدا صارما على كل اجتهاد يمس شرعية السلطة من قريب أو بعيد فالإمام مالك جلد لأنه قال "ليس على مكره يمين" وهذا يمس شرعية بيعة الإكراه. العامل الثالث: دفاعي؛ لقد انفتح المسلمون على كافة حضارات وثقافات وأديان العالم المعمور فأثروا فيها وتأثروا بها، فخشي حماة العقيدة والشريعة من حلوليات الاستشراق وعقلانيات اليونان والتمسوا دفاعات كثيرة مثل مقولة: "من تمنطق تزندق"أما الفلسفة: لا خير فيما الفل أوله وآخره سفه!
هيمنة حزمة التقليد، والاستبداد، والانكفاء؛ مهدت السبيل للغزاة ورسخت عدم الرضا عن الذات والإعجاب بالوافد. العوامل الخارجية هنالك أسباب خارجية لسيادة ذهنية الانكفاء في العالم الإسلامي وإعطائها زخما عاطفيا كبيرا. لقد اتسم اللقاح الحضاري العالمي على طول التاريخ بالسمات الآتية: أولا: الحركة البطيئة. فالبوذية انتشرت في الصين بعد ستة قرون من ظهورها في شمال الهند. ثانيا: الانحصار الجغرافي. فالهندوسية انحصرت في شبه القارة الهندية وكذلك الحضارة اليابانية. حضارتان فقط من بين الحضارات العالمية انفردتا بأمرين هامين هما: الأول: الانتشار السريع، والثاني: تجاوز الجهوية إلى العالمية. هاتان الحضارتان هما: الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة. هذه الصفة المشتركة جعلتهما متنافستين وأعطت التنافس بينهما خصوصية. لمدة ألف عام كانت القوة السياسية والعسكرية الإسلامية خطرا مباشرا على وجود واستقلال دول أوروبا الغربية. ومع محافظة دول أوروبا على استقلالها السياسي والعسكري، فإن فكرها وثقافتها وحضارتها استمدت كثيرا من عناصرها ومكوناتها من الحضارة الإسلامية. لهذه الأسباب صارت نظرة الحضارة الغربية للحضارة الإسلامية محملة بأعباء وخصوصيات وآراء ومشاعر مختلفة عن رؤيتها لأية حضارة أخرى. كل حضارات الإنسان في أوج مجدها أظهرت نزعة استعلائية على الآخرين. وكل الحضارات المغلوبة أظهرت شعورا بالدونية نحو الحضارة الغالبة وحاولت تقليدها أو نقمت عليها واستعدت لمواجهتها. الفرق هو أن الحضارة الغربية الحديثة أظهرت درجة أعلى من القوة، والهيمنة، والمثابرة، والعالمية. وهي تواجه كافة حضارات العالم اليوم بمنطق الاستعلاء، وهي مع هذا تعاني من عيوبٍ أساسية هي: أولاً: غياب الغايات والخلو من الأهداف العليا التي ترسمها عادةً المثل الروحية العليا والأخلاق. هذا العيب أفرز ثلاثة عيوب حوّل العلم إلى العلموية والتقنية إلى التقنوية والسياسة إلى الميكافلية. ثانياً: الاستعلاء على الآخرين وهذا العيب أفرز ثلاثة عيوب أخرى هي: العجب الذاتـي - الاستخفاف بعطاء الآخريـن - العدوانيـــة. إن خصوصية العلاقة بين الإسلام والغرب، وعيوب الحضارة الغربية المذكورة، في ظل هيمنة هذه الحضارة كلها عوامل تشجع الاتجاه الانكفائي في رفض الحضارة الغربية المطلق والانكفاء على الماضي ورفض التحديث جملة وتفصيلا. إن تعاملنا باستخفاف مع الحضارة الغربية إنكاراً لمنجزاتها وتركيزاً على عيوبها وهمٌ سخيف، ففي هذه الحضارة منجزات إنسانية عظيمة، والانكفاء دون تلك المنجزات يكلف أصحابه ثمناً باهظاً دون أن ينال من الحقيقة شيئا.ً لا بد من نشدان التأصيل بشكل صحوي بعيدا عن تقليد الماضي والانكفاء عليه رفضا لمنجزات الحضارة الحديثة.
يتبع..
08-22-2004, 04:05 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
7. التحديث بلا تبعية: من أفضــل كتــب المستشــرقين عن الإسلام كتاب "مغامرة الإسلام"The Venture of Islam" لكاتبه العلامة الأمريكي مارشال هودجسون . شرح هذا الكتاب كيف اندفع الإسلام في القرن السابع ليهيمن على الربع المعمور من العالم لمدة ألف عام من 700م إلى 1700م. لكن هذا التفوق الإسلامي أطاحت به عوامل تعفن داخلية وأفسده الركود الفكري والاستبداد السياسي حتى صار في الحالة التي وصفه بها مالك بن نبي (حالة القابلية للاستعمار قبل أن يغزوه الاستعمار)، وصار من ألمُـوا بحضارة الغرب مُعجبين بها قبل أن تفتح ديارهم جيوشه. لقد أبدى الطهطاوي المصري وخير الدين التونسي إعجابهما بحضارة أوربا قبل الاحتلال الأوربي لوطنيهما. لقد كانت ملامسات الغرب للإسلام في الماضي القديم كلها لصالح الإسلام لكن الغرب وبعد فترة ظلامية سماها القرون الوسطى خاض حركة الإصلاح ثم البعث ثم التنوير، ومنذ 1600م طفر عبر ثلاث ثورات في ثلاثة مجالات هامة: حقق ثورة سياسية من منطلقات الثورة الفرنسية، وثورة اقتصادية من منطلقات الثورة الصناعية في بريطانيا، وثورة ثقافية حققت حرية البحث العلمي، وبموجب هذه الطفرات صنع الغرب الحضارة الحديثة. الحداثة بكل جوانبها عمت دول أوربا الغربية وبفضلها حققت لهذه الدول تفوقاً علمياً وتكنولوجياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً مكّنها من إخضاع العالم لسيطرتها فاقتسمت العالم (بما فيه العالم الإسلامي) الإمبراطوريات الأوربية " البريطانية ، والفرنسية، والإيطالية، والألمانية ، والهولندية، والبرتغالية. الحضارة الأوربية الحديثة بهرت العالم بصورة سار بها الركبان ورددتها الأمثال العامية: "كل فرنجي برنجي" ، "النصارى للبصارة" .. الخ. وعلى صعيد المفكرين صار التغني بحضارة الغرب واسع الانتشار قال ضياء غوك ألب التركي " إن حضارة الغرب هي المستقبل وإن حضارتنا الماضية إلى الإعدام"، وما قاله د. طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" يقع في ذات النطاق. وكان سلامة موسى في كتابه (اليوم والغد) أقوى عاطفة إذ قال: " أنا كافرٌ بالشرق مؤمنٌ بالغرب". لقد كان التصور الغالب هو أن الحضارة الغربية بكل ما فيها تمثل مستقبل الإنسانية وليس على الحضارات الأخرى إلا أن تجد لنفسها مقابر تدفن فيها . ونادى برهان غليون بعلمنة الإسلام؛ وحرص نصر حامد أبو زيد على تاريخية النص القرآني؛ ونادى محمد عابد الجابري إلى قطيعة ابستمولوجية (أي معرفية مع التراث.. وما إعجاب لجنة نوبل برواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وهي من أسوأ مؤلفاته وأكثرها تهافتا إلا إنها حولت تراثنا الديني إلى خرافة وأكدت حتمية نهايتها في عصر العلم.. ليس قدرنا أن نكون أسرى للانكفاء أو نقيضه الاستلاب. بل عبر الاجتهاد الجديد نحقق التأصيل بلا انكفاء، والتحديث بلا تبعية. وحتى عندما انطلقت من رحم الحضارة الغربية أيديولوجية تتحداها: الأيديولوجية الشيوعية فإن الافتراض الشيوعي صار أنها الوارثة للنظام الرأسمالي وبالتالي لمستقبل الإنسانية كله. وأثناء الحرب الباردة (1946 – 1991م) كان الافتراض هو أن إحداهما سوف ترث العالم لذلك عندما انتصر النظام الغربي لم يكن غريباً أن يعلن بعض مفكريه نهاية التاريخ وهيمنة النظام الغربي على العالم. والمفاهيم السائدة في ذهن هؤلاء لا تفرق بين الحداثة والتغريب، فالفهم الدارج هو على حد تعبير طه حسين: " الغرب بخيره وشره هو مستقبل الإنسانية".
شبهات تفوق الغرب: صحب هذا الإعجاب بالغرب شبهات عززت أحقيته بالتفوق أهمها: أولاً: الحضارة الغربية أعطت صورة لنفسها تصفها بالتفرد والعبقرية والنقاء الذاتي. قال مارتن برنال في كتابه: "أثينا السوداء" مبدداً هذا الوهم أنه "لدى دراسته لمفردات اللغة اليونانية اكتشف أن 25% منها تعود لأصول سامية، وأن 25% أخرى تعود لأصول مصرية بما في ذلك معظم أسماء الآلهـة والأماكن اليونانية، وتعود بقية المفردات لأصول هندية أوربية".وقال أنه عندما درس تاريخ اليونان القديم وجد أن اليونانيين القدامى كانوا يعتقدون أن حضارتهم نشأت نتيجة استيطان مصري فينيقي، واختلاط هؤلاء مع سكان أصليين حوالي عام 1500 قبل المسيح. وأن اليونانيين استمروا يستمدون كثيراً من ثقافات الشرق الأدنى. وكشف منتجمري واط في كتابه" "أثر الحضارة الإسلامية العربية على أوربا القرون الوسطى"، ما استمده الغرب منها في كل مجالات الحياة. وفي الحالين أثبت الكاتبان أن الشوفينية الاثنية والثقافية هي التي جعلت الأوربيين يحجبون هذه الحقائق. ثانياً: شبهة موضوعية المعارف الغربية وأنها خالية من العلائق الذاتية وأنها صالحة لتكون مفخرة وانتماء لكل الإنسانية. لقد كان أول ما فتح ذهني - وأنا طالب بأكسفورد - لما في المعارف الغربية من تخليط اطلاعي على كتاب مرجعي كنا ندرسه هو كتاب: "التاريخ الدستوري البريطاني"، لكاتبه: دافيد انسور، تحدث الكاتب عن المهدي في السودان قائلاً أنه "كان موظفاً لدى الحكومة الخديوية في السودان ثم اشتغل بتجارة الرقيق ! وتتبعت بعد ذلك هذه العيوب في مجالات أخرى فوجدت مزيداً من دلائل التخليط: 1. الكتب العلمية تفترض الإلحاد مع أن العلم في حد ذاته لا يستطيع القطع فيما وراء المشاهدات. 2. استخدام المعارف الأثرية والإنسانية والتاريخية لإثبات دونية الثقافات الأخرى ودعم دعوى رسالة الرجل الأبيض المنوط به تهذيب الإنسان. 3. بالنسبة للحضارة الإسلامية فإن كتابي الدكتور إدوارد سعيد –رحمه الله- "المستشرقون" و"تغطية الإسلام" يكشفان مدى تحريف المعارف الغربية للحقائق الموضوعية لخدمة مصالح ذاتية. ثالثاً: شبهة علمانية الحضارة الغربية وعزلها للدين عن الدولة وعن السياسة. نعم الفكر الأوربي في فترات معينة رفع شعارات من هذا القبيل، فالثورة الفرنسية في قمة حماستها قررت إلغاء الدين واضطهدت رجال الدين وحرمت العبادة، ولكن نابليون الذي انقلب على حكومة الإدارة (1799م) خف لمصالحة الكنيسة وعقد معها عهداً. إن مظاهر العبادة في الكنائس قلت ولكن الكنائس كمؤسسات دينية، اجتماعية، خيرية وتعليمية في المجتمعات الغربية قوية للغاية. ومهما نصت الدساتير الغربية على "علمانيتها" فإن وجود الدين في حياتها الدستورية والسياسية لا تخطئه العين. فرؤساء الدول، والشهود، والمتهمون، يؤدون قسماً على الإنجيل قبل ممارسة أدوارهم التنفيذية والتشريعية والقضائية، قسماً يفترض التزامهم بمحتواه وهو قسمٌ لامعنىً له –كما قال جورج واشنطون الرئيس الأمريكي – إذا لم يكن المقسمون معترفين بقدسية الإنجيل. وكثير من البلدان الأوربية ترسم الصليب على العلم. والدولار أيقونة الاقتصاد الحديث مكتوب عليه (علَى اللهِ توكلنا). والأحزاب السياسية في الغرب تتخذ أسماءً مسيحية وحتى إن لم تفعل فإنها تتنافس في كسب تأييد الكنائس بحيث يمكن تحديد صلة كل حزب بهذه الكنيسة أو تلك. ولرجال الدين دور كبير في الحياة السياسية في البلدان الغربية لاسيما في الولايات المتحدة، وكان 63% من الأمريكيين المتدينين قد صوتوا لبوش في الانتخابات الماضية ورجحوا كفته، بل قال سيمور مارتن " إن الولايات المتحدة هي الأكثر تديناً بين الدول الصناعية". إن الفكر العلماني اللاديني لم يستطع طرد الدين من الدولة ولا من السياسة ولا من الحياة العامة، بل توصلت المجتمعات الغربية لمعادلة تعايش تزيد من تأكيد أن الحضارة الغربية حضارة مسيحية. هذا الوصف لها ليس للإساءة إليها ولكن لنفي حيدتها وعقلانيتها الخالصـة. رابعاً: شبهة انقراض ثقافات الماضي وأن التراث ـ على حد تعبير د. زكي نجيب محمود في كتابه الفلسفي عن المنطقية الإيجابية ـ لا يسوى شيئاً بل أولى به سلة المهملات. هذا الموقف من ثقافات الإنسان العريقة كان شائعاً ولكنه منذ الثمانينيات تراجع ليخلفه موقف سائد لدى الأوساط العلمية في اليونسكو وغيرها يعترف بقيمة هذه الثقافات. لقد بين تقرير المفوضية العالمية للثقافة والتنمية، وهي منظمة مكونة بالتعاون بين اليونسكو والأمم المتحدة في نوفمبر 1995م بعنوان (التنوع البشري الخلاق) كيف أن مشاريع التنمية الاقتصادية التي لم تأخذ الثقافة في حسبانها باءت بالفشل، يقول التقرير: "التنمية خارج السياق الإنساني والثقافي نموٌ بلا روح" وبعد تناول كافة الأمور المتعلقة بالثقافة يرى التقرير أن تضاف الثقافة بنداً جديداً في حقوق الإنسان العالمية. خامساً: هنالك تيار علماني في الغرب اتخذ موقفاً عدائياً من الدين وحمّله مسئولية التخلف والظلامية والعنف في الحياة الغربية نفسها، هذه الإدانة للدين في الغرب أسقطها بعض المفكرين المسلمين على دور الإسلام. وجهر هؤلاء بفكرة أن الفكر الحديث الجاد والعلم قد طردا الدين نهائياً من الحياة لتقوم الحياة على العلم. هذه الشبهات مضافة لحقائق التفوق الغربي خلقت ذهنية شرقية كارهة لذاتها مفتونة بالوافد0 هؤلاء يعبّرون عن الحداثة كاستلاب0 وموقفهم هذا يغذي موقف الأصل كانكفاء ويؤجج نيران الصدام بينهما في الحرب الأهلية الدائرة في المجتمعات الإسلامية 0بل إنهما يقيمان انفصاماً في نفوس كثير من الأفراد بحيث صارت نفس الواحد منهم كالإله الروماني يانوس ذي الرأسين:رأس ينظر في اتجاه والرأس الآخر ينظر في الاتجاه المعاكس 0الإله يانوس ذو الرأسين هو الذي سمي به شهر يناير لأنه ينظر في اتجاه السنة الماضية وفي اتجاه السنة الجديدة 0
يتبع...
08-22-2004, 03:58 AM
هاشم نوريت
هاشم نوريت
تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 13622
العزيز هاشم سأواصل مساء إن شاء الله حال ما يفرغ المتصفحين من النقاط السبع الواردة أعلاه.. كما أسلفت الورقة تناولت قضايا حساسة للغاية خاصة في الجوانب الإقتصادية كالمواريث والإقتصاد الإسلامي وغيرها من النقاط الحيوية والهامة...
إلى الملتقى أتمنى لك وللمتصفحين عموماً وقتاً سعيداً
أخوك وراق
08-22-2004, 05:41 AM
هاشم نوريت
هاشم نوريت
تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 13622
استاذ وراق دبايوا قلت فى العنوان ورشة هيئة شئون الانصار وفهمت انها ورشة وسررت بها لاننى كنت ارى ان الصادق هو مفكر الحزب والانصار ولكن عند قرائتى فوجئت بان الكلام كله للصادق حيث يقول عندما كان طالبا فى اكسفورد وكتبت فى كتابى كذا المهم هذه ملاحظة ولا اريد منك الرد واصل.
Quote: أولا: أنه الدين الوحيد بين الأديان العالمية الذي يقبل التعددية الدينية من حيث المبدأ لا كأمر واقع. فالأديان الكبرى الأخرى مكبلة بقيود لا تسمح لها بالحركة إلا على حساب إسقاط بعض عقائدها: فالهندوكية مقترنة بالاثنية الهندية وهي والبوذية تعتبران العالم شرا لا تتحقق النجاة إلا بالخلاص منه. واليهودية تقترن بصورة عضوية بأصل اثني. والمسيحية تفترض سقوط الإنسانية كلها في الشر الذي يحيط بها حتما إلا إذا آمنت بفداء السيد المسيح عليه السلام. الإنسانية محتاجة للدين ولكن الدين الذي يناسبها هو الذي ينطلق من قيم روحية وخلقية تقوم على مقاييس غير ذاتية وفي نفس الوقت تتعامل مع الحياة الدنيا بإيجابية وتتطلع لدين لا يحصر القيمة الدينية حصرا طائفيا. هذان الشرطان لا يتوافران إلا في الإسلام مما يعطيه خصوصية استيعابية لا خصوصية انطوائية. ثانيا: الأديان الأخرى حققت جدوى روحية وخلقية وأهملت العدالة الاجتماعية وهذه ميزة انفردت بها الرسالة المحمدية. ثالثا: الأديان الأخرى تواجه مشكلة التناقض بين الوحي والعقل، وبين الغيب والطبيعة، ولكن الإسلام وهو يعني الامتثال لإرادة الله يدخل في تلك الإرادة حقائق الوحي، وقوانين الطبيعة، والعقل، وحرية الاختيار كما أوضحنا.
08-22-2004, 10:38 AM
محمد عبدالرحمن
محمد عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 03-15-2004
مجموع المشاركات: 9059
اسماعيل وراق جهد جميل والصادق جزء من الانصار يجلس معهم ويكتب معهم ألخ ارجو اكمال الورقة حتي نبداء في النقاش والمداخلات . ونحن هنا لسنا علي اختلاف حزبي حيث تتفارق وجهات النظر في النظريات الاقتصادية مثلا.
08-22-2004, 09:03 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الأحباب الكرام جميعاً لكم ودي وتقديري القريب الصديق أحمد الشايقي نحن المسلمون علينا أن نسعى نحو نقاط الإلتقاء وتقريب وجهات النظر المختلفة بين جماعاتنا وطوائفنا، ولا يتأتي ذلك إلا بالحوار... لك التحية أخي أحمد وأتعشم في إثراءكم للحوار لما عرف فيكم من رجاحة عقل وقوة منطق.
العزيز هشام نوريت شاكر لك متابعتك ودون شك سيكون لك إسهام قيم في هذا الخيط... بخصوص موضوع البوست .. نعم هو ورشة لهيئة شئون الأنصار ولكن ذكرت في مقدمة البوست بأنني سوف أستعرض الورقة الأساسية التي حظيت بنقاش واسع من قبل كل التيارات الفكرية وهي الورقة المقدمة من السيد الصادق، ولعل الهدف من هذه الورشة ومن هذا البوست هو الخروج من جهد الأفراد إلى المؤسسية.. وسوف آتيك ببقية الأوراق.. لك التحية مجدداً.
العزيز الحبيب/ محمد عبد الرحمن تحياتي وخالص الود. نعم نتعشم في حوار هادي، والهدف من ذلك هو رفع ملاحظات وتوصيات المتداخلين من القراء المتصفحين للمنبر والأعضاء.
العزيز سيف ارجو اكمال الورقة حتي نبداء في النقاش والمداخلات . ونحن هنا لسنا علي اختلاف حزبي حيث تتفارق وجهات النظر في النظريات الاقتصادية مثلا. حديث عميق ينم عن فهم متقدم. لك التحية في البدء والختام
08-22-2004, 09:07 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
8. الحكـــــــــــــم: إن في الإسلام مبادئ سياسية وأحكاماً ولكن ليس فيه شكل معين لدولة .. الدول التي حكمت المسلمين في الغالب كانت دولاً استبدادية غير آبهة بمبادئ الإسلام السياسية حتى كاد أن يطويها النسيان. أما على الصعيد النظري فقد نشأت نظريات حول الدولة الإسلامية أهمها نظريتان: • النظرية السنية: هذه النظرية حددت معالم الدولة الإسلامية قياساً على تجربة عهد الخلفاء الراشدين. نظرية فصلها على اختلاف في التفاصيل الإمام الشافعي في كتابه (الأم)، وابن قتيبة في كتابه (الإمامة والسياسة)، والماوردي في كتـابـه (الأحـكام السلطانية).. الخليفة الذي يقود هذه الدولة هو خليفة النبي ( في حراسة الدين وسياسة الدنيا ، وينبغي أن تتوافر فيه مؤهلات أهمها أن يكون عالماً مجتهداً، شجاعا ً، سليم البدن والحواس ، قرشي النسب وأن يختاره للخلافة أهل الحل والعقد وهم خيار الأمة بمقياس الشرع من الرجال العدول. هذه الآراء حظيت بقبول واسع لدى أهل السنة ولكنها لم تطبق ولم تقم بموجبها مؤسسات بل ظلت محض نظرية لأن الحكام منذ الخليفة معاوية بن أبي سفيان أقاموا سلطانهم على القوة لا على الشورى وتداولوا السلطة بموجب الوراثة . هذا النهج اعترف به جمهور الفقهاء . وألزموا الناس طاعته خوف الفتنة . • النظرية الشيعية: علـى النقيض من هذا الرأي قرر جمهور الشيعة أن قيادة الأمة أي الإمامة ركنٌ من أركان الدين وهي اختيار إلهي مثل النبوة لا يفرقها منها إلا الوحي . والإمام معصوم مطاع على الأمة أن تطيعه مثلما تطيع النبي (، والإمام هو الذي يبين للأمة دينها فلا حاجة لإجماع أو قياس بل الإمام بعلمه اللدني هو والي الأمة في كل شأنها. والإمامة بعد النبي ( للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويليه في هذا المنصب أحد عشر إماماً هم أبناؤه الحسن والحسين وتسعة بعدهما من نسل الحسين رضي الله عنه . وآخر هؤلاء الأئمة هو محمد الحجة بن الحسن العسكري. وقد غاب منذ نيف وألف سنة وسوف يعود يوماً وهو المهدي المنتظر قائم آل محمد . وفي غيبة الإمام وعلى مر الأيام نشأت مؤسسة شيعية يقودها مراجع التقليد وهم فقهاء علماء يسمون آيات الله الكبرى وعلى الجمهور تقليدهم في غيبة الإمام . وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران أصبحت المؤسسة الشيعية هي المسئولة سياسياً ودينياً عن قيادة إيران. وتبنـى الدستور الإيراني نظرية ولاية الفقـيه التي دعا إليها آية الله الخميني ، الفقيه صاحب الولاية صلاحياته مثل صلاحيات الإمام الغائب تولاها آية الله الخميني حتى وفاته ثم آية الله خامينئي المرشد الحالي . إن نظام ولاية الفقيه له جذوره في الفهم الشيعي للقيادة الدينية ولكنه لن يجد قبولاً في النطاق السني وإن كانت فكرة الحاكمية التي نادى بها الشيخ أبو الأعلى المودودي تلتقي مع ولاية الفقيه في كثير من الجوانب . ولكن حتى في الإطار الشيعي توجد تحفظات على ولاية الفقيه – تحفظات جهر بها آية الله شريعة مداري وآية الله محمد منتظري وآخرون . أمام التصور الشيعي للإمامة توجد التحفظات الآتية: أولاً: لقد تولى أمر المسلمين بعد النبي ( ) الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وبايعه بعد تأخير لنصف عام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يتول الإمام علي بن أبي طالب الخلافة إلا بعد مقتل الخليفة الثالث . أما أئمة الشيعة الآخرون فلم يتول أي واحدٍ منهم ولاية عامة على المسلمين. والحسن بن علي الذي بُويع بعد مقتل والده تنازل عن بيعته وبايع معاوية . ومهما كان استحقاق هؤلاء الأئمة فإن الولاء لهم لم يتعد حدود شيعتهم. ثم غاب آخرهم ولم يعد متصلاً بالأمة والحكمة في الإمامة أن يكون صاحبها حياً وعلى اتصال بالناس لأن عليه واجب إرشادهم مثلما عليهم واجب طاعته . ثانياً: في غيبة الإمام التقليد لمراجع التقليد في كل شيء من أمور الدين والدنيا. هذه الطاعة تفترض أن علمهم بعلوم الدين والدنيا أوسع من علم الناس ولكن الحقيقة هي أن معرفتهم بالعلوم التقليدية واسعة ولكن معرفتهم بالعلوم الحديثة متواضعة، فكيف يفرض تقليدهم في علوم يجهلونها؟ ثالثاً: ولاية الفقيه تقيم وصاية على الأمة وتجعل مؤسسات البلاد الدستورية المنتخبة مقيدة. هذا الموقف يمكن احتماله عندما يكون الفقيه صاحب الولاية هو نفسه صاحب الأغلبية الشعبية دون منازع، ولكن منذ عام 1997م لدى انتخاب السيد/ محمد خاتمي اختلف الأمر وصار المرشد والمحافظون المشتغلون بولاية الفقيه أمام قيادة تمثل ولاية الجمهور. هذا الموقف أفرز استقطاباً حاداً داخل مؤسسات الحكم ، وفي الموقف السياسي في إيران ، وهذا التوتر يضر باستقرار التجربة الدستورية الإيرانية ولا يُرجى حسمه إلا ضمن أحد ثلاثة خيارات: • انتصار ولاية الجمهور بالسند الشعبي وتسليم الطرف الآخر بذلك وتعديل فكرة مؤسسة ولاية الفقيه على النحو الذي قال به آية الله شريعة مداري . • فرض ولاية الفقيه إرادتها بالشرعية الثورية أي بالقوة وقفل باب الإصلاح . • الاتفاق على ولاية فقيه دستورية بمعنى أنها تملك ولا تحكم وتترك الحكم للمؤسسات المنتخبة . هاتان النظريتان السنية والشيعية لا تصلحان أساساً لدولةٍ عصرية . الدولة في الإسلام الدولة هي سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ، وشعب ، وأرض . بهذا الفهم لا توجد دولة إسلامية ملزمة للمسلمين في كل زمان ومكان: • ففي الصدر الأول تولى النبي ( والخلفاء الراشدين أمر المسلمين بطرق مختلفة ، ومارسوا صلاحيات مختلفة، وحكموا شعوباً مختلفة وبقاعاً مختلفة . • والدول التي حكمت المسلمين لمدة خمسمائة وألف عام دول متعددة النظم ونظمها أشبه بنظم الحكم الوضعية المعاصرة لها منها بدولة الخلفاء الراشدين . • وضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد أن يجمع في يده كل السلطات مثلما فعل الخلفاء تاريخيا ً. وواقع الحال لم يعد يسمح ببسط دولة واحدة سلطانها على كل المسلمين وهي ظاهرة اختفت من دنيا المسلمين منذ سقوط الدولة الأموية في 150 هـ وبعدها تعددت الدول التي حكمت المسلمين قبل أن يتسلط عليهم الحكم الأجنبي ويرسخ تفرق دولهم . إن مبادئ الإسلام ، وحقائق التجربة التاريخية لا تقول بوجود دولة إسلامية معينة ملزمة للمسلمين ، إنما توجد مبادئ سياسية إسلامية كالشورى ، والعدالة ، والحرية ، والوفاء بالعهد ... الخ . كما توجد أحكام معينة ملزمة للمسلم . إن مبادئ الإسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم المسئولون عن محاسبته أي أنه حاكم مدني مفوض أمره للجمهور . ومبادئ الإسلام السياسية تقبل الفصل بين سلطات الدولة، قال القاضي أبو يعلي في كتابه (الأحكام السلطانية) " القاضي إذا ولاه الإمام صار ناظراً للمسلمين لا عن من ولاه فيكون القاضي في حكم الإمام في كل بلد". هذا مبدأ استقلال القضاء . إن مبادئ استقلال القضاء، ومدنية الدولة ، والفصل بين السلطات توجد متناثرة في اجتهادات فقهاء السلف ، ولكن التجربة الدستورية الغربية هي التي أجْلَت هذه المفاهيم وأقامت لها المؤسسات وضبطت ممارستها . إن العدل من أهم مقاصد الشريعة وإن الفصل بين السلطات من أهم شروط العدل وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . واقع المسلمين اليوم تحكمه دول قُطرية مسئولة عن الإدارة والمعيشة وحفظ الأمن . وهذا الواقع يقوم عليه ويدعمه نظام الأمم المتحدة . إن المواطنة التي تقوم عليها الدولة القُطرية عهد ، كذلك مواثيق ونظم الأمم المتحدة تقوم على عهود ، وليس في هذه العهود الملزمة ما يمنع قيام اتحادات بين الدول لتحقيق مصالح معينة أو لتحقيق مبادئ معينة، ولكنها اتحادات سوف تقوم على التراضي والمصلحة المشتركـة . التطلع لإمام واحد بالتعيين الإلهي، أو لخليفة واحد بصلاحيات الخلافة التي عددها الماوردي يجمعا في أيديهما كل سلطات الدولة ويمارسانها على كافة الشعوب الإسلامية تطلع يناسب الظروف التاريخية الأبوية ولا يناسب النظم المؤسسية الحديثة في إدارة الشأن العام . إن الاتفاق على شخص واحد ليقود المسلمين حتى في الأمور الدينية وفي الوطن الواحد غير ممكن وفرضه بالقوة مستحيل لأن الاجتهادات الدينية متعددة ، كذلك الفرق والمذاهب . والمتاح في كل هذه الأمور هو التراضي والتعاون عبر مؤسسات . الحكم الراشد: الحكم الراشد قيمة تطلع إليها الإنسان عبر العصور وهو يقوم على أربعة أركان: المشاركة- المساءلة- الشفافية- وسيادة حكم القانون. هذه القيم كلها توجد في النصوص القطعية الإسلامية.. إنها تتطابق مع مبادئ الإسلام السياسية- أي الشورى، والنصيحة، والصدق، وسيادة أحكام الشريعة.. أخرج الطبري في تاريخه وابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسلمان (الفارسي): أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة.. فاستعبر عمر – بكى- وأخرج ابن سعد عن عمر أيضا أنه قال: "والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟" فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم! قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا. قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في حق. وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا" . هذه شواهد من ثقافتنا الإسلامية. والشواهد من الثقافة الإنسانية كثيرة. قال اللورد أكتون وهو مؤرخ بريطاني شهير: إن حس الإنسان الخلقي يضمر كلما زادت سطوته. وقال: "عندما تتركز السلطة في أيد قليلة غالبا ما يسيطر رجال بذهنية العصابات، هذا ما أثبته التاريخ"، وقال: "كل سلطة تفسد، والسلطة المطلقة إفساد مطلق". والنصوص الإسلامية التي تؤكد مبادئ الشفافية وتحرص على نقاء ذمة الحكام وانتفاء المحسوبية وغير ذلك من مصادات الفساد كثيرة، ومع اختلاف تفسيرات الآية: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، إلا أن البعض يذهب إلى أن المقصود منها رشوة الحكام للحصول على منافع بالباطل.. وقد روى عدد من الصحابة أحاديث نبوية عن لعنة الراشي والمرتشي في الحكم، ومع أن الهدية وتقبل الهدايا مما أثر عن النبي ( كما أثر عنه حثه على التهادي، إلا أن الإمام البخاري أفرد بَابا "في مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ لِعِلَّةٍ" وَأن عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قال: "كَانَتِ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ"، مما يؤكد الحرص على برء ذمة الحكام من الرشوة. أما المحسوبية فقد روي عن النبي ( قوله: " إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا " . وكذلك القرآن غني بالآيات عن أداء الأمانات إلى أهلها، والعدل رغم الشنآن، ولا يمكننا في هذا المقام بالطبع حصر كافة النصوص التي تحارب فساد الحكم وتحث على نزاهته في الإسلام، فتكفي الإشارة لهذه المبادئ الحاكمة للمعاملات الاقتصادية والمالية والإدارية في السياسة الشرعية. وحيثما افتقد المسلمون هذه المبادئ طالبوا بها واحتجوا على الحكام.. لقد احتج بعض الصحابة على ممارسات الخليفة الثالث عثمان بن عفان عندما أقطع أرض كسرى الخاصة لنفسه وجعل منها عطاياه وصلاته. وكان أبو ذر الغفاري كبير المحتجين حتى أن عثمان نفاه من المدينة.. هذا الاحتجاج كان أكثر حدة لدى الخليفة الأموي الأول الذي جعل الخلافة ملكا وتوالت بينه وبين أبي ذر المواجهات: قال أبو ذر لمعاوية: ما يدعوك أن تسمي مال المسلمين مال الله ؟ قال معاوية: يرحمك الله يا أبا ذر. قال أبو ذر: فلا تقله. قال معاوية: فإني لا أقول أنه ليس لله ولكن سأقول مال المسلمين. ثم جاء حكم بني مروان الذي أوغل في الاستبداد وبالتالي في الفساد: مهر الفتــاة بألف ألف كامل وتبيت سادات الجنود جياعا لولا أبي حفص أقول مقالتي وأقص ما سأقصكم لارتـاعا المشاركة تنفي الانفراد بالرأي الجالب للفساد كما بينا آنفا، قال تعالى: إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ، والمثل السوداني يقول "القادر عايب". والمساءلة نافية للتصرف دون وجه حق وهو ما يسمح به الانفراد بالأمر ويصوره المثل السوداني الخاص بـ "نعامة المك"، ونعامة المك هذه تتحرك بحرية تقتحم مزارع الناس ومحصولاتهم ولا يجرؤ أحد على طردها: "منو البقدر يقول ليها تك"!!. وإذا غابت الشفافية استطاع الطغاة أن يخفوا أعمالهم الظالمة.. إن البشر يحبون أن يخفوا الأعمال السيئة، والشفافية تصدهم عن ذلك، لذلك قيل إن "الليل قواد" بمعنى أنه يساعد على التخفي، وإن "النهار نمام" بمعنى أنه كاشف للخفاء. أما سيادة حكم القانون فهي التي تؤكد للكافة أنه لا كبير على القانون فيخضع الجميع له.
يتبع..
08-22-2004, 09:11 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
9. بين الشورى والديمقراطية: الشورى هي المبدأ الديني المنصوص عليه في القرآن لتحقيق مشاركة المسلمين فيما يليهم من أمور وأمرهم شورى بينهم. وقيل أنه استشارة أهل الرأي ثم اتباع ما يشيرون به. ولكن اختلف حول هذا الأمر هل الشورى معلمة؟ أم ملزمة؟ ومن هم أهل الرأي؟. أقول: الشورى هي إشراك الآخرين في الأمر الخاص والعام، إنها مبدأ المشاركة، وهي مبدأ خلقي سياسي كالعدالة، وهما ضمن مبادئ أخرى يمثلان منظومة مبادئ الإسلام السياسية، كالوفاء بالعهد، والقيادة الرشيدة، والرعاية الاجتماعية، وهلم جرا. لا معنى للشورى إذا لم تتوافر معها ثلاثة أسس مساندة لها هي: • الحرية: إذ لا فائدة من شورى مكرهين مرعوبين. الحرية التي تكفلها نصوص إسلامية ناصعة: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ . إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر. فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ . • منع الانفراد بالسلطة أو باتخاذ القرار والتزام ولي الأمر بتداول الأمر بينه وبين الآخرين.. قال النبي : "ثَلَاثَةٌ لَا تَرْتَفِعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا" منهم "رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ" . وتدل السيرة النبوية على أنه كان أكثر الناس استشارة لأصحابه "وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ " َ. ويروي الإمام أحمد أن النبي قال لصاحبيه أبي بكر وعمر رَضِي اللَّه عَنْهمَا "لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا" . • الاعتراف بمشروعية تعدد الآراء والتعددية الاجتهادية. قال : "َاسْتَفْتِ نَفْسَكَ" إلى أن قال: "وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ" وقال " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" الخلاصة: أن ولاية الأمر العام في الإسلام تقوم على الشورى على نحو ما قال عمر (رض): " مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا" . وأن على الحاكم أن يمارس الشورى في كل أمره. قال أبو بكر (رض): "وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني" .. هذا مناخ فيه المخاطبون أحرار. الشورى كمبدأ سياسي لاختيار الحاكم ولإدارة الشأن العام مورس ثم اختفى وصار فريضة غائبة. يروي الدارمي عن أن الحاكم الأموي سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وسأل عن كبار التابعين فقيل له عن أبي حازم فلقيه، وسأله عن أمور شتى حتى قال له "َمَا تَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيه"؟ِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَ تُعْفِينِي قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ لَا وَلَكِنْ نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا إِلَيَّ قَالَ: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ آبَاءَكَ قَهَرُوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ وَأَخذُوا هَذَا الْمُلْكَ عَنْوَةً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا رِضَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً فَقَدِ ارْتَحَلُوا عَنْهَا فَلَوْ أُشْعِرْتَ مَا قَالُوا وَمَا قِيلَ لَهُمْ" . لقد صار نظام الحكم في عهد بني أمية ثم بني العباس نظاما سلطانيا شبيها بما كان عليه نظام الحكم البيزنطي والفارسي. قال المغيرة بن شعبة لمعاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية: "لقد رأيت ما كان من سفك دماء واختلاف بعد عثمان. وفي يزيد منك خلف فاعقد له فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا منك. فلا تسفك دماء ولا تكون فتنة" . وأخذت البيعة ليزيد بوسائل صورها ابن الأثير في ذكره لمجلس معاوية مع زعماء القبائل. قال يزيد بن المقفع في المجلس:" أمير المؤمنين هذا " وأشار إلى معاوية،" فإن هلك فهذا " وأشار إلى يزيد. ثم قال: "ومن أبي فهذا" وأشار إلى سيفه. فقال له معاوية: "اجلس فإنك سيد الخطباء"!! . هذا النهج الوضعي طبع نظم الحكم في البلدان الإسلامية على طول التاريخ مع استثناءات قليلة: • معاوية الثاني خلع نفسه ليبايع غيره. • عمر بن عبد العزيز خلع نفسه من بيعة الإكراه وبويع اختياريا. • المأمون حاول تعديل التسلسل الوراثي بأخذ البيعة لعلي الرضا بعده كمحاولة للمصالحة مع الشيعة ولكن خطته أجهضت. • الأباضية منذ القرن الثامن الميلادي إلى القرن الخامس عشر اختاروا أربعة وثلاثين إماما منتخبا. هذه الاستثناءات التاريخية بسيطة، والحقيقة هي أنه مع وضوح مبادئ الإسلام السياسية وواجبية الشورى، غابت الشورى عن نظم الحكم في البلدان الإسلامية. على المستوى النظري صور الماوردي في الأحكام السلطانية نهجا لولاية الأمر يقوم على شورى أهل الحل والعقد . لكن نظريته لم تعرف طريقها إلى الواقع. أما النظرية الشيعية فهي تعتبر الأئمة المعصومين مختارين إلهيا وطاعتهم واجبة دينا . في واقع الحال غابت الشورى من ولاية الأمر وصارت ولاية الأمر للمتغلب على شفرات السيوف وأسنة الرماح، فقتل الأخ أخاه كما فعل المأمون بالأمين ، وقتل الابن أباه كما فعل المنتصر بالمتوكل وقتلت الأم ابنها كما فعلت الخيزران بالهادي .. إلى آخره. حتى قال الشهرستاني صاحب الملل والنحل: "وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة" . تكاثر الفتن وسفك الدماء جعل بعض العلماء يقولون بالاستغناء عن الإمامة نفسها. قال هشام بن عمرو الغوطي : "إن الإجماع ضروري لهذا الأمر. وما دام الإجماع محال. فلا داعي أن نحتكم لأمر مثير للفتنة". وتمنى أبو بكر الأصم أمنية مماثلة قائلا: "إذا تكافَّ الناس عن التظالم استغنوا عن السلطان". الشورى وأخواتها المساعدة مبادئ سياسية إسلامية سميتها فرائض الإسلام السياسية . الشورى نص قرآني يتلى وتذكر معه الأحاديث النبوية المطالبة به، ولكنه انقطع من الواقع الممارس في البلدان الإسلامية قبل أن تمسها الفتوحات الغربية. إن الصدمة التي هزت المجتمع المسلم باختلافات الصحابة الدامية حول ولاية الأمر وما صحب الفتنة الكبرى من نزاعات صارخة أفضت إلى العهد الأموي، ثم نزاعات العهد الأموي، وما انتهى إليه من صراعات أدت إلى العهد العباسي، ثم صراعات العباسيين وما صحبها من نزاعات أدت إلى ميل رأي عام كبير في ديار الإسلام يفضل الاستقرار الذي يحققه المتغلبون على أية نزاعات تلهبها المبادئ السياسية السامية كالشورى والعدالة.
الديمقراطية: باستثناء تجربة أثينا القديمة، فإن الحكم في العالم القديم قام على الوراثة والاستبداد. النظام السياسي الأوروبي الحديث نشأ مع صلح وستفاليا، ثم الثورتين الأمريكية والفرنسية ما أسفر عن نظم دستورية نيابية مؤسسية تقوم على فصل السلطات، صاحبتها الثورة الصناعية في بريطانيا. كل ذلك أدى للدولة الوطنية والنظام الديمقراطي والنيابي والنظام الرأسمالي الحديث. واجه النظام الديمقراطي التحدي الفاشستي ثم التحدي الشيوعي الذي انتهى في 1991م. أهم إنجازات العقل والتجربة السياسية الغربية هي: الاعتراف بحقوق الإنسان الذي تطور عبر درجات، التداول السلمي للسلطة، القوات المسلحة المنضبطة الخاضعة للقرار المدني، وتحقيق معادلة تعايش بين الدين والسياسة. ضج القرن العشرين بالاضطرابات ثم انتهى إلى أهمية الحكم الصالح وأفضل وسائله الديمقراطية كما جاء في إعلان الأمم المتحدة للألفية الثالثة. ولكن البلدان الإسلامية التي غيبت الشورى قبل الاتصال بالحضارة الغربية، غيبت الديمقراطية بعده، دفعها لذلك: النظم الأوتقراطية الحاكمة- العزوف الغربي عن الديمقراطية خارج الغرب- موقف بعض الإسلاميين العدائي تجاه الديمقراطية- وزهد الصفوة في البلدان العربية في الديمقراطية. أخفقت نظم الوصاية الاشتراكية والقومية والإسلاموية التي فرضت نفسها بالقوة، وتعددت اعترافات مختلف الفصائل في الآونة الأخيرة برجحان الديمقراطية. أما مواقف الغرب فإنها خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م تحولت وأظهرت العديد من المقالات فكرة أن الإرهاب ينمو في ظل القهر والقضاء عليه يتطلب الإطاحة بالطغاة. المجتمعات العربية تعاني من كساد اقتصادي مظاهره ارتفاع نسب النمو السكاني مقارنة بالاقتصادي- بلدان النفط ريعية الاقتصاد- وارتفاع نسبة الأموال المغربة. وتوجد مظاهر اجتماعية سالبة مثل تهميش النساء والشباب والعطالة والتطلع الكبير للهجرة للغرب.. هذه المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السالبة تهدد السلام الاجتماعي. نشرت منظمة الأمم المتحدة للتنمية تقريرا عن التنمية البشرية في الشرق الأوسط في عام 2002م، وآخر في عام 2003، هذان التقريران وضعا نظم الحكم العربية من حيث توافر الحكم الصالح بمقياس ديمقراطي في خانة الإدانة. أربع مقولات تدفع هذه الإدانة هي: المقولة الأولى: مقولة هجومية ترى أن الديمقراطية جزء من غزو فكري وثقافي دخيل. وهي مرفوضة إسلامياً بل الدعوة إليها دعوة للخروج من الدين. هذا هو موقف حركات الغلو الإسلامي التي صار يمثل صوتها الأعلى جماعة القاعدة وطالبان . المقولة الثانية: مقولة تبريرية ترى أن الديمقراطية لا تناسبنا. وعندنا الشورى وهي أفضل منها وأكثر ملائمة لأحوالنا. هذا ما تقول به أكثرية نظم الحكم في البلدان العربية. المقولة الثالثة: مقولة اعتذارية ترى أن الديمقراطية غير مجدية في مجتمعات جاهلة ومسكونة بالولاءات الطائفية والقبلية فهي لا تفهم معنى الديمقراطية وتسوقها ولاءات وعصبيات موروثة. وبلداننا محتاجة لنظم حكم مستقرة وفاعلة لتحقيق أهدافها الوطنية مثل التنمية، والتحديث، والعدالة، والتأصيل. هذا ما تدفع به النظم الانقلابية التي تفرض وصاية يسارية (التنمية، والتحديث، والعدالة.) أو نظم يمينية (التأصيل، والتنمية.) المقولة الرابعة: مقولة هجومية أخرى فحواها أن الديمقراطية زائفة. فلا أحد يستطيع النيابة عن أحد. والتكتل الحزبي يمزق الشعب. والمطلوب هو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه مباشرةً والتخلي تماماً عن آليات الحكم التي تتطلبها الديمقراطية كالنيابة وحرية التنظيم السياسي وغيرها. ما هي حقيقة هذه المقولات؟
المقولة الأولى: الهجومية من حيث المبدأ فإن رفض المفاهيم والنظم بحجة أنها آتية من مصادر غير إسلامية موقف ينافي مبادئ الإسلام والتجارب الإسلامية التاريخية. قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ وقال: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ومنذ الصدر الأول استصحب المسلمون نظماً وممارسات وافدة مثل استخدام النقود، وسك العملة، وجباية الخراج، وتدوين الدواوين. وفي هذا الصدد قال بن قيم الجوزية:" قال الشافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع. قال ابن عقيل : " السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يصنعه الرسول ولا نزول به وحي. فإن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح. وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط، وتغليط للصحابة. فقد أحرق عثمان المصاحف وكان رأياً اعتمد فيه على مصلحة الأمة." ومضى يشجب هذا التضييق ويرمي أصحابه بأنهم "جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة لغيرها، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من معرفة الحق والتنفيذ له. " قال المستشرق البريطاني الضليع مونتجمري واط: إن الكيفية التي استصحب بها الإسلام حضارات الشرق الأوسط القديم طريقة مدهشة معجزة لأنه استطاع أن يستصحبها وأن يهضمها وأن يثري بها فكره وثقافته . لكن الفرق بين اليوم والأمس هو أن المسلمين كانوا يستصحبون ثقافات أمم مغلوبة. واليوم نحن بصدد استصحاب ثقافة أمة أو حضارة غالبة. إن التعامل مع الحضارة الغربية يتعدى مجرد قضية التواصل الحضاري ويثير سلبيات مرتبطة بالتعامل بين الإسلام والغرب. وبصرف النظر عن السلبيات القديمة المتبادلة مثل الحملات الصليبية، وما جرى في الأندلس، وفتح القسطنطينية، والحرب الدينية والثقافية الباردة المستمرة بين الطرفين. أقول بصرف النظر عن تلك المنازلات التاريخية وما ترسب بعدها في العقول والقلوب من تنافر فإن العصر الحديث جاء بأسباب جديدة للتنافر. عندما أزمع الحلفاء إبرام اتفاقية فرساي بعد الحرب الأطلسية الأولى، وعلم جان سمتس بمحتوياتها. قال للويد جورج رئيس وزراء بريطانيا:"إن اتفاقية مثل هذه سوف تؤدي لحرب أخرى بعد جيل من الزمان." واقتنع لويد جورج بالحجة. وكتب مذكرة لزملائه قال فيها:" إن الغزو والظلم الذي يصحب انتصاراتنا لن ينسى وسوف تكون له عواقب وخيمة" هذه المذكرة سربت للرأي العام وثار ضدها 200 من نواب البرلمان البريطاني. ووقف إلى جانبهم اللورد نورثكليف صاحب جريدة التايمز، وأنذروا لويد جورج في برقية نشرتها التايمز فوراً جاء فيها: "إننا نعارض أية محاولة لتخفيف شروط السلام." فتراجع لويد جورج. وأبرمت اتفاقية فرساي بشروطها المجحفة. فكانت البذرة الأولى التي فرخت النازية فالحرب الأطلسية الثانية. إن غرور المنتصرين الفائق وظلم المهزومين المبالغ فيه ولد إحساسا بالإهانة والإذلال ومهد للنازية وحماستها الانتقامية. إن معاملة الغرب للمسلمين عامة وللعرب خاصة سلسلة من إهانات أسوأ من "فرساي" لذلك فرخت غضباً هو الكامن وراء حملات الاحتجاج الواسعة النطاق. إن رفض الظلم واجب وكذلك الاحتجاج عليه. ولكن المهم ألا تكون وسائل الاحتجاج من النوع الذي يأباه الشرع، ولا من النوع الذي يهزم مقاصده ويأتي بنتائج عكسية. الاحتجاج على سياسات الدول الغربية الظالمة ومقاومتها المشروعة ينبغي ألا تعمينا عن منجزات الحضارة الغربية واستصحاب النافع منها لأنه إذا كان لتلك المنجزات قيمة موضوعية فإن رفضها يجعلنا نحن الخاسرين. الإسلام يجيز استصحاب النافع من التراث الإنساني، "الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها" . وهيمنة الحضارة الغربية ورفض ظلاماتها ينبغي ألا تحملنا على مقاطعة عمياء لها. المقاطعة العمياء للحضارة الغربية انقطاع من تيار حي في حضارة الإنسان وانكفاء يحيط صاحبه بقوقعة مميتة. هذا علاوة على ما سنتطرق له لاحقا من أن هذه المنجزات الإنسانية التي بلورتها الحضارة الغربية الحديثة قد اعتمدت فيها على إرث حضاري متنوع كانت الحضارة الإسلامية من أهم روافده.
المقولة الثانية: التبريرية: نعم الشورى مبدأ سياسي عظيم كالعدالة. ولكن العدالة لا تتحقق إلا عبر مؤسسات القضاء المستقل. فما هي المؤسسة المماثلة للشورى؟ كل الحديث عن أهل الحل والعقد وعن استشارتهم حديث عام لذلك الذين ينادون بأفضلية الشورى يجدون متسعاً للمناداة بها دون الالتزام بضوابط معينة. الديمقراطية تتفق مع الشورى في نقاط عديدة: منع الانفراد بالحكم، وإيجاب حقوق للإنسان، واحترام سيادة القانون وغيرها من المبادئ ولكن مع الاتفاق في هذه الأشياء فالديمقراطية ملحقة بها آليات ومؤسسات لتطبيق تلك المبادئ وهذا ما لم يتحقق للشورى. هنالك نوعان من الناس يحرصون على مقولة أن الشورى والديمقراطية مختلفان اختلافاً جوهرياً:
النوع الأول: الذين يخافون الديمقراطية وآلياتها الملزمة ويريدون أن يواصلوا الانفراد بالحكم تحت راية الشورى التي لا تلزمهم بمؤسسات وآليات محددة.
النوع الثاني: علمانيون يرون أن الإنجازات الإنسانية أغنت عن المفاهيم التراثية ولذلك علينا أن نأخذ بالديمقراطية وكفى فالشورى في نظرهم نمط تقليدي تجاوزه الزمن وأتى بمفهوم محدد هو الديمقراطية وآلياتها وهي ثمرة التطور الإنساني وعن طريقها يمكن للمجتمع أن يقرر ما يشاء في حياته العامة والخاصة. المنادون بالشورى الحريصون على نفي الديمقراطية يقبلون هذا المنطق ويقولون أنه من عيوب الديمقراطية أنها تتيح لأصحاب الأغلبية البشرية حرية بلا سقف مما يتيح لهم تعطيل قطعيات الشريعة وإبطال دور الدين في الحياة العامة. ولكن لا توجد ديمقراطية تعمل دون سقف. فالديمقراطية حيثما وجدت يصحبها توازن ويضبطها دستور وقوانين وتهيمن عليها حقوق مستعلية إلى درجة التقديس، كالسيادة الوطنية، وحقوق الإنسان، والحقوق الدينية، والحقوق الثقافية، وهلم جرا. لا توجد في العالم ديمقراطية سائبة سادرة متفلتة ولا توجد إلا في خيال غلاة العلمانية وغلاة الإسلاموية. فالديمقراطية الممارسة في الواقع توجد دائماً مسترشدة بقيم وثوابت المجتمع.
المقولة الثالثة : الإعتذارية هؤلاء يقولون: الديمقراطية في الغرب سبقها تكوين أفق سياسي محدد هو الدولة الوطنية، وسبقها تمكين اقتصادي حققته الثورة الصناعية، وسبقها بلوغ درجة عالية من محو الأمية وانتشار التعليم، وهي جميعها عوامل أدت لانحسار الولاءات الموروثة وفتحت الطريق لنجاح الديمقراطية. أما في بلدان " العالم الثالث" فإن الدولة الوطنية كوعاء للممارسة السياسية ما زالت هشة تتنازعها ولاءات أوسع من الوطن كالولاء للأمة، وولاءات ضيقة جداً كالولاء للطائفة أو العشيرة. وما زالت هذه البلدان غاطسة في مستنقع الفقر وشعوبها جاهلة أمية. لذلك فإن هذه المجتمعات غير مستعدة للديمقراطية ولا تناسبها إلا نظم حكم أبوية ترعاها حتى تتسق الديمقراطية في مستقبل بعيد. هذه الحجة استخدمتها انقلابات عسكرية استولت على السلطة وفرضت سلطتها بالقوة منفردة أو متحالفة مع تيار فكري شمولي يساري أو يميني أو قومي. هذه الأطروحة كامنة في مبررات كثير من النظم العربية, ومن فرط ما استخدمت في السودان جعلته أشبه بحقل تجارب عرف النسخة اليسارية منها والنسخة اليمينية. إن حالة التردي التي آل إليها السودان الآن بعد أن خضع لحكم استبدادي في 75% من عمر حياته المستقلة تعود بلا نزاع للشمولية والأيدلوجية بوجهيها اليساري واليميني. أصدرت في عام 1989م كتاباً بعنوان "الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة". استعرضت في الكتاب أداء ثلاثة نظم ديمقراطية وعمرها القصير وأداء ثلاثة نظم دكتاتورية وعمرها الطويل، وقارنت بينها، وقدمت الدلائل على أن النظم الديمقراطية مع هشاشتها كانت أفضل أداءاً في معالجة قضايا الوطن والمجتمع من النظم الديكتاتورية. وأوضحت كيف أن النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الإنسان وسيادة القانون، بينما النظم الدكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وحقوق الإنسان. وأوضحت أن النظم الديمقراطية سمحت بالتطور السياسي بحيث كان أداؤها صاعداً من التجربة الأولى، صعوداً للثانية، فالثالثة . ولكن النظم الديكتاتورية منعت التطور السياسي لذلك كان أداؤها متدنياً من الأولى تدنياً للثانية، وتدنياُ للثالثة. إن أقوى دليل على بطلان الحجة الإعتذارية هذه هو التجربة الهندية. الهند مع فقرها وتنوع ولاءاتها الموروثة بصورة مبالغ فيها، مارست تجربة ديمقراطية ناجحة، بينما تردت الباكستان في ظلمات الانقلابات المتكررة ونشهد اليوم دلائل متكررة لجدوى الديمقراطية فأكبر دولتين في أفريقيا وهما جنوب أفريقيا ونيجريا ديمقراطيتان. وتقف تجربة إندونيسيا- وماليزيا وبنقلاديش في آسيا، والسنغال وبنين في أفريقيا دليلاً على أن البلدان الإسلامية تستطيع أن تمارس الديمقراطية. المقولة الرابعة: الحجة الهيكلية هذه تعتبر أن النيابة التي تقوم عليها الديمقراطية مسألة زائفة, وأن التكتل الحزبي الذي يوجبه التنافس الديمقراطي مسألة ممزقة للشعوب. والبديل الصحيح لهذا التزييف هو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه مباشرة. في نطاق قرية محدودة رقعةً وسكاناً وإذا لم توجد اختلافات فكرية بين سكان القرية، فإن هؤلاء يمكن أن يستغنوا عن التحزب وأن يحكموا أنفسهم حكماً مباشراً. أما في نطاق وطن مترامي الأطراف كثير السكان فإن النيابة هي الآلية الوحيدة للمشاركة في الشأن العام. كذلك إذا وجدت في المجتمع تعددية فكرية وهي ظاهرة لا يخلو منها مجتمع فإن الحزبية هي الوسيلة الوحيدة لتنظيم التنافس بين الجماعات المختلفة. إن المجتمعات البشرية سوف تظهر فيها حتماً ثلاثة أنواع من الاختلافات: • اختلافات موروثة دينية وقبلية وهي أكثر شيوعاً في المجتمعات التقليدية. • اختلافات فكرية وحتى داخل المنظومة الفكرية الواحدة اختلافات بين محافظين ومعتدلين وتقدميين . • اختلافات طبقية. لا سبيل لإلغاء هذه الاختلافات إلا بإلغاء الحرية. الديمقراطية وآلياتها هي وسيلة لإدارة هذه الاختلافات بوسائل سلمية. إن التعددية الحزبية نتيجة حتمية للحرية ولا يمكن إلغاؤها إلا بالقوة. صحيح ينبغي تنظيم الحرية لكيلا تؤدي للفوضى. وهذا يعني ضرورة ترشيد التعددية. كما يمكن تقصير ظل النيابة بوسائل مختلفة بين النائب وناخبيه. إن للديمقراطية بحق عيوباً كثيرة ولكن عيوب البدائل المتاحة لها كلها أفدح. "الديمقراطية أسوأ نظام حكم إذا استثنينا النظم الأخرى البديلة." مقاربة ومقارنة بين الشورى والديمقراطية بين الشورى والديمقراطية عوامل مشتركة أهمها: • كلاهما يوجب اعترافاً بكرامة الإنسان ويكفل حقوق الإنسان. حقوق الإنسان في الإسلام تنطلق من قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. ، وقوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وتبدأ من المهد حيث يولد في عش الزوجية المفروش بالسكينة والرحمة والمودة وجوباً، إلى مثواه الأخير حيث يشيع في جنازة مهيبة: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا" ، إلى الصلاة على الميت ودفنه بطريقة تستر جثمانه. وفي ما بين المولد والدفن للإنسان حق الحياة، وسلامة الجسد، والحرية، والمساواة في المعاملة، والملكية الخاصة، وحرية الضمير، وسماع أقوال المدعي والمدعي عليه قانوناً وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته، وأن لا عقاب بلا سابق إنذار، وحمايته من التعذيب، وحق التنقل، وحق اللجوء. • كلاهما يمنع الانفراد بالسلطة. • كلاهما يوجب احترام استقلال القضاء وسيادة حكم القانون. مع هذه العوامل المقاربة هناك قطعاً اختلاف بحيث يمكن القول: أن الشورى مماثلة للديمقراطية ولكنها ملتزمة بسقوف كما أن الديمقراطية مماثلة للشورى ولكنها مرتبطة بآليات تطبيقية. بل أقول إن التأقلم الثقافي يوجب على الديمقراطية أن تراعي سقوف الشورى. وأقول أن الجدوى التطبيقية توجب على الشورى استصحاب آليات الديمقراطية. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولكن مع هذا اللقاح بين المفهومين فبالإشارة للتجربة الغربية تبقى ثلاثة خصوصيات يوجبها الالتزام الإسلامي هي: أ- حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإن تطابقت إلى حد كبير في الحالين فإنها في المفهوم الإسلامي تستند إلى جذور روحية وخلقية تعطيها قدسية وعمقاً إضافياً. ب- التوجه الإسلامي يراعي التربية الروحية والخلقية على الصعيد الفردي، ويهتم بالرعاية الاجتماعية والعدل والتكافل وبنهج موزون يصون الإنسان والحيوان والنبات والجماد. وهي معان ٍ لا يلتزم بها النهج الغربي الفردي. ولكن الفكر الغربي المستنير لا يغفلها. ج- لقد أشرت كثيرا لحضور الدين في السياسة الغربية وفق معادلة تجعل للكنائس دورا غير مصدق به رسميا في قيادة المجتمع. ولكن من الجانب النظري، فإنه وفي إطار التجربة الغربية يقوم التعايش بين الأديان على أساس إبعادها من الشأن العام أي مساواة سلبية. في الإطار الإسلامي يقوم التعايش نظريا على أساس إيجابي لأنها تعبر عن قيم روحية وخلقية وتعبر عن غايات الحياة العليا وهي مسائل هامة لحياة الإنسان الخاصة والعامة. أي أن التعايش هنا يقوم على أساس إيجابي.
يتبع..
08-22-2004, 09:16 PM
حمزاوي
حمزاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 11622
عزيزي الاخ / اسماعيل (ابومحمد) السلام عليكم جعلتنا نعيش لحظات روحانية جميلة بنبرات وايحاءات من حملوا راية لا اله الا الله محمد رسول الله وبنوا عليه اول دولة سودانية موحدة تحت هذه الرآية مستمرين في الاطلاع واصل
08-22-2004, 09:19 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
العزيز حمزاوي سلام وتحية أين أنت يا رجل كما يقول الشوام ناطرين إتصالك
النقاط اللاحقة تتناول التالي: 1- تجارب تطبيق الشريعة في العصر الراهن (التجربة الباكستانية، الأفغانية، السودانية والإيرانية. 2- التشريع 3- القضاء 4- الإقتصاد (وهو محور فيه نقاط هامة للغاية)
08-23-2004, 02:26 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
10. تجارب تطبيق الشريعة في العصر الراهن تمت محاولات لتطبيق التشريع الإسلامي في العصر الراهن نتناول جانبا منها بالتحليل: أولا السودان : تجربة تطبيق الشريعة الأولى في السودان الحديث بدأها نظام نميري في سبتمبر 1983م . كان الديكتاتور نميري في مأزق فقد كان يواجه معارضة سياسية واسعة وإضرابات نقابية. ولإرباكه قدم القضاة استقالات جماعية لذلك لجأ نميري للشريعة الإسلامية كأداة تمنح نظامه شرعية يفتقدها. ولإرباك خصومه وإرهابهم بالإسلام كمؤسسة عقابية. لقد فاجأ نميري الجميع بإصداره قانون العقوبات الجنائية الإسلامية بمرسوم في سبتمبر 1983م . وتبعته سلسلة من القوانين في الأمور المدنية والزكاة وغيرها. وأعلن أنه بتطبيقه للشريعة فقد صارت سلطته مقدسة ومن الآن فصاعدا : إن الذين يطيعونني إنما يطيعون الله والذين يخالفونني إنما يخالفون الله ). أدخل نميري قانون أمن الدولة الوحشي في القانون الجنائي. لقد تمت صياغة القانون بعجلة شديدة وتمت إجازته بمرسوم بالرغم من وجود برلمان يبصم على كل ما يريده. لقد استهل نميري تطبيق الشريعة بالقانون الجنائي وأسرف في تقطيع الأيادي حتى بلغت مائتي حالة في ستة أشهر في عام 83-1984م حينما كان السودان يمر بمجاعة. قال الشيخ حسن البنا: ( لا يجب قطع الأيدي حتى توفر للشخص حقوقه في الصحة والتعليم والمسكن والملبس وأن توفى ديونه إن كان مدينا). ( دستورنا ص 11 ). لقد ألغت تشريعات نميري الفوائد على الديون ولكن لأنه لم يسن نظاما بديلا فقد سمح باستثناءات خاصة في التعامل مع البنوك الأجنبية. وسن قانونا للزكاة يطبق على المسلم كزكاة وعلى غير المسلم كضريبة اجتماعية. لقد ألغى قانون الزكاة كل الضرائب المباشرة واستبدلها بالزكاة. وكما لم يتقيد بالضوابط الإسلامية الخاصة بتحصيل الزكاة، لم يتقيد أيضا بتلك الضوابط في صرفها. وفي سبتمبر عام 1984م احتفل بمرور عام على تطبيق الشريعة ودعا ضيوفا من أنحاء العالم الإسلامي المختلفة. لقد هنأ هؤلاء الضيوف نميري على إنجازه ولكن بعد سقوط نظامه دعوت في فبراير 1987م علماء ومفكرين من كل أنحاء العالم الإسلامي- وأحدهم بالمناسبة من نيجيريا- ليأتوا ويراجعوا مغامرة نميري الإسلامية. وبعد أن درسوها قالوا إنها معيبة في جوهرها وصياغتها وتطبيقها. التجربة الثانية: لتطبيق الشريعة كانت في عهد الحكومة الديمقراطية.لقد وضعنا أربعة مبادئ هادية لمداولاتنا: المبدأ الأول: أن يكون التشريع بوسائل ديمقراطية. المبدأ الثاني: أن يراعي التشريع الإسلامي الظروف المتغيرة في العصر الحديث وأن يستصحب اجتهادا جديدا. المبدأ الثالث : ألا تقام العلاقات الخارجية على تلك الأسس التي صاغها الفقهاء في الماضي والتي تقسم العالم إلى معسكرين: دار الإسلام ودار المحاربين . نحن نسعى لتأسيس العلاقات الخارجية على قاعدة: لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم . المبدأ الرابع: مناقشة الأسس الدستورية مع المواطنين غير المسلمين والضمانات المطلوبة لتطمينهم على حقوقهم الدينية والمدنية. ولكن قبل الانتهاء من هذه المهمة اغتصب انقلاب عسكري السلطة في السودان في يونيو 1989م . لقد كان نقدهم الأساسي هو استبطاء برنامجنا في التطبيق الإسلامي. التجربة الثالثة لتطبيق الشريعة في السودان: بعد عام ونصف من استيلائه على السلطة، طلب النظام البيعة لقائده. قال النبي (: من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه. لقد وصفوا المسلمين الذين لم يقبلوا برنامجهم القهري كمارقين فخلقوا صدعا عميقا بين الأغلبية المسلمة في السودان. لقد سموا الحرب الدائرة الآن في جنوب السودان جهادا فنتج عن ذلك للمرة الأولى المطلب الجنوبي بتقرير المصير بحجة أن البلد الذي تقوم هويته على الإسلام يستبعد غير المسلمين بالضرورة. لقد أصدروا قانونا للزكاة لم يلتزموا فيه بالضوابط الإسلامية فعلى سبيل المثال يقتطع القانون الزكاة من المرتبات والأجور من مصدرها من غير أية مراعاة لحاجة الموظف. كذلك فرضوا الزكاة على المستغلات مثل عربات التاكسي، وتتم جباية الزكاة منهم في بداية السنة، وهكذا. إن قانون الزكاة جعلها ضريبة مزدوجة على المسلمين، وبما أنه لا تؤخذ زكاة من غير المسلمين سوى الضرائب المعتادة فقد فرض القانون عبئا ماليا على الشخص لكونه مسلما لأنه يدفع الزكاة والضرائب في نفس الوقت. كذلك يتم صرف عائد الزكاة عبر قنوات حزبية. وأصدروا قانونا للعقوبات من غير مشاركة المواطنين الآخرين. كذلك تبنوا نظام المرابحة والسلم في البنوك بدلا عن سعر الفائدة، فكانت فوائدهم والضمانات المطلوبة أعلى من تلك التي تؤخذ في البنوك العادية. إن كل التجربة بحاجة للمراجعة. ولحسن الحظ فهنالك الآن نهج منفتح سيقود في الظروف الصحيحة إلى اتفاقية سلام عادل وخطة للتحول الديمقراطي ومن ثم لمراجعة كل تلك التجاوزات.
يتبع..
08-23-2004, 02:35 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
التجربة الباكستانية: منذ البداية كان هنالك تناقض بالنسبة لمفهوم التطلعات الإسلامية الباكستانية بين الرابطة الإسلامية (جناح) التي نظرت إلى تلك التطلعات على أسس قومية، والجماعة الإسلامية (المودودي) التي نظرت إليها على أسس إسلامية أصولية. في عهد ذي الفقار علي بوتو وفي منتصف السبعينيات اتحدت 9 أحزاب مكونة التحالف الوطني الباكستاني لمنافسة حزب الشعب الباكستاني (حزب بوتو). وخاض كلا الجانبين انتخابات 1977 مستخدمين الشعار الإسلامي. انتهت الانتخابات بفوز حزب الشعب الباكستاني وشكك التحالف الوطني الباكستاني في نزاهتها، وقاد ذلك الانقسام في النهاية للانقلاب الذي أتى بضياء الحق للسلطة. لقد حكم ضياء الحق بشرعية ضعيفة للغاية لذلك وعد بإجراء انتخابات حرة خلال ثلاثة أشهر، ولكنه لم يف بذلك وكذلك أخلف هذا الوعد مرتين لاحقتين. فأخذ يبحث عن الشرعية من خلال تطبيق الشريعة، وأعد برنامجا لتطبيق الشريعة وأجرى عليه استفتاء شعبيا واشترط بأنه إذا صوت المواطنون لتطبيق الشريعة فسيكونون تلقائيا قد صوتوا له ليحكم خمس سنوات أخرى.. هذا هو الضرر الأساسي الذي سببه للإسلام، وهو أن يربط الإسلام بالديكتاتورية. كان يقول بأن الإسلام فوق الديمقراطية وكأنهما من جنس واحد. وتبني سياسات مركزية قابضة انتهت بزيادة التوتر الإثني والسياسي مما جعل حكم باكستان أكثر صعوبة من ذي قبل.
التجربة الأفغانية أما تجربة الأسلمة الأفغانية فقد شوشت عليها قضايا الحرب الباردة والنزاع العميق بين الأطراف الأفغانية والانقسام الإثني. وبالرغم من تواري عوامل النزاع المذكورة أثناء المواجهة مع القوات السوفيتية، ولكن حينما انسحب الجيش السوفيتي في فبراير 1989م وأعقبه سقوط النظام الدمية في 1992م سرعان ما أدارت الفصائل الأفغانية سلاحها ضد بعضها البعض ومزقت بعضها البعض. نظمت باكستان كل الطلبة الأفغان بالمدارس الدينية في باكستان وكونت حركة طالبان. وفي فترة وجيزة اكتسحت طالبان الأحزاب الأخرى وسيطرت على 80% من أراضي أفغانستان وحققت نوعا من الاستقرار. ولكن الحركة اعتبرت عملها جهادا وتبنت برنامجا غاية في الانكفاء فكفرت الآخرين. و حظر العلماء الأحزاب السياسية واعتبروا الديمقراطية تقليدا لا يمت للإسلام بصلة. وأحرقوا الكتب الإسلامية الأخرى بما فيها تفسير سيد قطب "في ظلال القرآن" وكتاب "تفهيم القرآن" للمودودي. وأغلقت الحركة مؤسسات التعليم المدني وحظرت التصوير الفوتوغرافي، وأغلقت محطات التلفزيون واعتبرت الفنون الجميلة رجسا منكرا. وألزمت النساء المنازل، ومنعت خروجهن. وأخيرا عوضت نضوب إيرادات الدولة بإنتاج 400 طن من الأفيون في السنة مشوهة اسم الإسلام أكثر.
التجربة الإيرانية تمثل الثورة الإسلامية في إيران انتفاضة أصيلة ضد الظلم الداخلي والتبعية الأجنبية. كذلك مثلت استعادة راديكالية لهوية البلاد الإسلامية. ومثلت ميلا نحو العدالة الاجتماعية وخطوات على طريق الديمقراطية. وهي تمثل التعبير الأكثر جدية والأكثر أصالة والأكثر وضوحا للقوة الشعبية من بين التجارب الإسلامية المعاصرة ولكن الفشل في استيعاب الآخر قاد لتواصل جولات العنف . القيد الآخر الذي كبح التجربة من الانطلاق هو التزام النظام العميق بالقيد المذهبي إذ التزم بمذهب شيعي محدد . ويواجه النظام تناقضات معينة مثل التناقض بين الملالي وأصحاب التعليم المدني، وبين المحافظين والإصلاحيين ولكن بصورة خاصة بين ولاية رجال الدين وولاية الجمهور. والقوة الشعبية الغالبة التي ساندت آية الله الخميني حتى النصر تقف الآن خلف الرئيس خاتمي والذي يقف برنامجه إلى جانب الحريات المدنية وحرية الصحافة وحكم القانون والعدالة الاجتماعية والشفافية والانفتاح على العالم وحوار الحضارات. يمكن حل النزاع القائم فقط بالقبول بولاية الجمهور وإعطاء ولاية الفقيه وضعا رمزيا
الدروس المستفادة من هذه التجارب:- 1. تطبيق الشريعة ملزم شرعيا للمسلم. 2. تطبيق الشريعة في النطاق الخاص والشخصي أمر يتعلق بالمجتمع المتدين. 3. ولكن في النطاق العام هناك جوانب يجب مراعاتها مثل : تغير الزمان والمكان- حقوق غير المسلمين-أحوال المجتمع الدولي وغيرها. وعلى المسلم أن يعي بأنه في مثل هذه الأمور فإن هامش التطبيق واسع يجعل بعض الالتزامات ضرورية في حالات معينة وبعضها أقل ضرورة وأخرى غير ضرورية لأنها قد تضر بمقاصد الشريعة النهائية . إن نص الإسلام الموحى ( القرآن ) يسمح للمسلم في بعض الأحيان بالتصريح بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وفي أحيان أخرى يتوقع منه اتباع كل المبادئ والتعاليم. والقرآن يشير إلى تقوى الله ما استطعنا وكذلك إلى تقواه حق تقاته. وهو يتحدث عن : كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة في مكة، وعن مواجهة الظلم في المدينة، وهكذا. على المسلم بلا شك الرجوع للنصوص، ولكن عليه أيضا استخدام ملكات ومواهب وهبها الله له مثل الحكمة والميزان والقسط. 4. مسألة الشريعة مسألة هامة للغاية وخطيرة، ويجب الشروع فيها بعد جهد مكثف لوضع البرنامج الذي يمكن تحقيقه، والأولويات التي يجب اتخاذها، والتطمينات المطلوبة. 5. استغلال الإسلام لخدمة الطموحات السلطوية إساءة بالغة للإسلام. 6. لا وصاية لأي شخص أو حزب لفرض برنامجه على الآخرين، ولكن يجب أن يحصل على ذلك التفويض من الشعب ويسعى للتغيير المطلوب بالوسائل الديمقراطية . .. هذه التجارب حبلى بالدروس فهناك جهات عديدة داخليا وخارجيا ينبغي تطمينها وهناك مصالح كثيرة ثابتة يجب أن توضع في الحسبان، لقد اقترحت على عدد من المؤتمرات العلمية الإسلامية عقد مؤتمر خاص يبحث الدروس المستفادة من تجارب تطبيق الشريعة المعاصرة وليضع تحليلا موضوعيا للتجارب ويصدر إعلانا ليكون موجها للعالم الإسلامي قاطبة .
يتبع...
08-23-2004, 02:43 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
11. التشريع إن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الإسلامي وجعل أحكامه مادة للقوانين هي تكوين مؤسسة مكونة من ثلاثة شعب:
الشعبة الأولى: هيئة الموسوعة. وهي هيئة للموسوعة الإسلامية مهمتها إحصاء كل آراء المجتهدين المسلمين عبر العصور، وإحصاء وتنظيم أدلة الآراء المختلفة وبيان الآراء التي كانت محل اتفاق الجمهور وآراء الآحاد والأقليات، وجعل كل تراث الفقه الإسلامي وتفسير القرآن والأحاديث مبوبا ومرتبا، بحيث يسهل الرجوع إليها بسرعة ودون عناء.
الشعبة الثانية: هيئة الخبراء. وهي تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء ومتخصصين في القانون الوضعي وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الإدارة وفي العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا بحيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة واقتراح ديوان شامل :جنائي، مدني، شخصي، دولي، وحيثما لا يتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة.
الشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهي هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات، على أن تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من أن تشريعاتها لا تعارض أصلا قطعيا من أصول الشريعة الإسلامية. هذه المؤسسات ذات الثلاث شعب هي المؤسسة التشريعية الإسلامية الملائمة لمبادئ الإسلام والمناسبة للعصر الحديث.
يبتع..
08-23-2004, 09:40 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
12. القضاء نتيجة لمجهود واجتهاد المؤسسة التشريعية المقترحة أعلاه سوف ينمو الفقه في أحضان الشريعة وفي ظروف العصر الحديث، وسوف تتكون قوانين شرعية وعصرية. قال الشيخ عبد الوهاب خلاف: "ليس في الإسلام ما يمنع وضع نظام للسلطة القضائية يحدد اختصاصها ويكفل تنفيذ أحكامها ويضمن لرجالها حريتهم في إقامة العدل بين الناس " .. ولكننا نقول استنادا لما قاله القاضي أبو يعلي، واتعاظا بالتاريخ الذي أضاع فيه العدالة تدخل الحكام في شئون القضاء، واعتبارا لمقاصد الشريعة التي توجب إقامة العدل وسيادة القانون على الجميع.. نقول إن الإسلام يوجب استقلال القضاء. لقد كان القضاء تابعا لرئاسة الدولة في عهد النبوة وفي عهد النبوة قامت عوامل روحية وخلقية بكفالة العدالة رغم توحيد السلطات في يد واحدة. وفي العهود اللاحقة ضاعت الشورى وأدى توحيد السلطات في يد الحاكم إلى فساد السياسة وضياع العدالة. وامتثالا لمقاصد الشريعة نادى بعض الفقهاء النابهين باستقلال القضاء ولكن نداءهم لم يجد آذانا صاغية، لأن النظام السياسي القائم على الإكراه يجعل كل مؤسسات الدولة أدوات للإكراه. لا سبيل لكفالة العدالة التي يوجبها الإسلام إلا إذا تحققت الأسس الآتية: 1- استقلال القضاء: أن يكون القضاء مستقلا بحيث يطبق القانون بنزاهة تامة دون رغبة أو رهبة. 2- حياد القضاء: والشرط المكمل لاستقلال القضاء هو حياده، لأنه إذا لم يكن محايدا حيادا تاما صار استقلاله باب مفسدة كبيرة تسخر الاستقلال ضد العدالة. 3- توحيد القضاء: ينبغي توحيد القضاء تحت إدارة واحدة لتتمكن من تنظيم إجراءاته على أسلم الوجوه لكيلا يسمح بنشأة فروع للقضاء إلا من جنسه. أما الفروع الموازية له التي تسلب منه بعض صلاحياته فإنها وسائل تحايل على استقلال القضاء. وإذا أوجبت الظروف تكوين محاكم خاصة فلابد أن تكون فيها نفس ضوابط العدالة التي في القضاء. 4- هيئة قضائية: وينبغي تأمين القضاء فتكون له هيئة يعترف بها ويحدد صلاحيتها النظام السياسي. هيئة من شأنها أن توفر للقضاة توظيفا يكفل معيشتهم وينظم مطالب الحياة بمستوى يريح بالهم ويطمئن نفوسهم ويعدل في ترقياتهم وتنقلاتهم ومحاسبتهم، لأن من تجبره ضرورات الحياة يضعف أمامها، ومن لا يجد العدالة في معاملته الخاصة به فلن يوفرها للآخرين. 5- تقنين الأحكام: تقاليد القضاء الإسلامي تترك القاضي لتقديراته، وتقاليد القضاء الوضعي تحد صلاحيات القاضي بتضييق خياراته فيما ينزل من عقاب. واليوم مع كثرة التقاضي واتساع مهام القضاء ينبغي تقنين الأحكام تقنينا مفصلا في مراجع قانونية يستند إليها القضاة، على أن يراعى في التقنين تقليد القضاء الإسلامي. ويمكن للهيئة التشريعية أن تراعي ذلك في تقنين الأحكام. وسوف تكون صلاحيات القاضي مع تلك المراعاة أوسع من نظيرتها في النظم الوضعية وسوف تستمر المرونة لسببين: الأول لأن الأحكام المقننة نفسها قابلة للمراجعة من وقت لآخر بواسطة المؤسسة التشريعية وبواسطة السوابق القضائية. الثاني لأن الأحكام المقننة ستبقى على مقدار من الخيار للقاضي في تطبيق العقوبات على الجرائم المختلفة. 6-اختيار القضاة: القضاء ولاية هامة في نظام الإسلام، بل وفي أي نظام ينشد العدالة، ولا يصلح لمهنة القضاء كل الناس، ولا حتى كل المؤهلين بعلم الفقه والقانون، ولا كل الذين يصلحون لتولي المسئوليات والمناصب العامة. ينبغي أن تتوافر في الذين يختارون للقضاء –على الأقل –الصفات الآتية: التقوى، والاستقامة، والعلم بالقوانين، والوعي بأحوال الناس النفسية والاجتماعية، وحسن التصرف الذي يوحي بالثقة فيه. 7-التنسيق بين المؤسسات: إن استقلال القضاء لا يعني سيادة القضاء، بل لابد أن ينسق النظام السياسي بين كل أجهزة الدولة ومؤسساتها تنسيقا يوفق بينها في الأداء العام ويضع الضوابط التي تمنع التنسيق أن يصير مدخلا لتدخلات تضر بالعدالة.. هذا التنسيق الذي تكفله نظم دقيقة أمر ضروري، ولكنه لن يجدي إلا إذا كان الأشخاص أنفسهم -في المجالات المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية – ملتزمين بالتصرف في حدود صلاحياتهم ومراعين الضوابط ومدركين أن مصلحتهم ومصلحة الجماعة ومصلحة العدالة تقتضي احترام اختصاصات الآخرين. هذه الأسس السبعة ينبغي أن ينص عليها ويحميها النظام السياسي الإسلامي ويضع القوانين اللازمة لذلك، فإن لم يفعل بكل الوضوح والحزم فإنه لن يستطيع توفير العدالة، فيفوته ركن هام من مقاصد الشريعة.
يتبع.،،
08-24-2004, 00:36 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
وسائل النظام القضائي الوضعي: لقد استحدث نظام القضاء الوضعي وسائل لضمان مزيد من العدالة مثل نظام الاستئناف من محاكم دنيا إلى محاكم عليا وتعدد القضاة في المحكمة الواحدة ونظام المحاماة فما هي النظرة الإسلامية لهذه الوسائل؟.
أولا- نظام تعدد القضاة في المحكمة الواحدة ونظام الاستئناف: إن نظام القضاء الإسلامي يقوم غالبا على انفراد القاضي بقراره فلا يشاركه فيه أحد ولا يرفع الحكم لمحاكم أعلى استئنافا وذلك لأن ضمانات العدالة في البينات كانت دقيقة جدا وواضحة والقاضي يعتبر نفسه محاسبا أمام الله فيستحضر محكمة أعلى روحية ويجهد نفسه في تحقيق العدل. وكان هذا الانفراد بالقرار سببا في تبسيط إجراءات المحاكمة والإسراع بالحكم، لأن من رأي كثير من الفقهاء إن تأخير إجراءات المحاكمة يقوض العدالة بل كثيرون يرون أن التأخير إذا بلغ شهرا واحدا يكفي لإسقاط العقوبة نفسها. هذه هي المعاني المرتبطة بتبسيط إجراءات المحاكمة والإسراع بها ورغم ذلك فإن ما يشبه نظام الاستئناف نشأ في العهد العباسي عندما تولى أبو يوسف القضاء وكان أبو يوسف يشرف على القضاة دونه وربما نقض أحكامهم . كذلك دخلت الشورى والمشاركة في بعض ممارسات القضاة فلم ينفردوا دائما بالقرار، بل كان القاضي أحيانا يستشير رجال الفقه قبل أن يقضي بحكمه فيما يعرض عليه من قضايا . وهذه الحقائق تدل أن تاريخ القضاء الإسلامي عرف كلا من: تعدد القضاة في القضية الواحدة، والاستئناف من مرحلة قضائية أدنى إلى مرحلة أعلى. ونحن إن رأينا أن ذلك أجلب للعدالة يمكننا أن نفصل ما شئنا من تلك الوسائل في نظمنا القضائية الإسلامية الحديثة.
ثانيا: نظام المحاماة: نظام المحاماة نظريا ذراع من أذرعة العدالة الوضعية ويسمونه القضاء الواقف، باعتبار أن القضاء العادي هو القضاء الجالس والنظرية هي أن للمحاماة مساهمة حقيقية في تحقيق العدالة بما تقوم به من تبصرة المتهمين بحقوقهم في القانون، وبما تقوم به من دفاع عنهم أمام القضاء الجالس وبما تقوم به من توضيح نقاط قانونية لينظر فيها القضاة. فالمحاماة نظريا تتكامل مع القضاء في تحقيق العدالة. ولكن هذا الدور النظري لا ينطبق على الواقع. صحيح أن يقال أن المحاماة لعبت دورا حقيقيا في تطوير التفسيرات التي أوضحت القانون وفي الدفاع عن موكليهم من المتهمين خدمة لهم وبالتالي خدمة للعدالة ولكن: أ-صارت المحاماة مهنة تجارية وساقتها المصالح في بعض الأحيان إلى عرقلة العدالة وتعطيلها خدمة لموكليهم ولقد اتسع دور المحاماة كطرف في صفقة تجارية ينال بموجبها منافع مالية ويحقق بموجبها براءة موكليه بصرف النظر عن العدالة. ب-وفي ظل النظام الرأسمالي أو أي نظام اقتصادي يسمح باستقطاب الثروة بين قلة موسرة وكثرة فقيرة فإن الأغنياء يستطيعون الحصول بأموالهم على أفضل وأقوى خدمات المحامين فيدعمون موقفهم دعما كبيرا في حالتي الدفاع والاتهام وهذا يميل بالعدالة إلى جانب المال. إن للمحاماة دورا قانونيا هاما ويمكن أن تكون مهنة يعيش منها أفرادها ويخدمون العدالة ولكن ينبغي أن تصان من مضار التحايل على القانون وترجيح المصلحة التجارية. وهذه المضار طبعا واردة في شأن كل مهنة وان كانت فرص الإفساد في المحاماة أوسع من غيرها – هذا ما يعترف به قادة المهنة ويحاولون إصلاحه.
لقد عرف تاريخ الفقه الإسلامي نظائر لدور المحاماة: أ- فاختلاف الآراء الفقهية نفسه يلعب دورا في تبرئة المتهمين كما لعب دورا في تطوير الفقه ولذلك قال الناس: اختلاف الأئمة رحمة. ب-كان القضاة كما ذكرنا يستشيرون غيرهم من الفقهاء وطبعا كان المتهمون يلتمسون مشورة العارفين بالمسائل الفقهية وهذان الإجراءان يساعدان في توضيح مسائل قانونية للقضاة وفي تبصرة المتهمين بحقوقهم القانونية. ج-ويجيز كثير من الفقهاء ما يسمى بالحيل الشرعية وهي تصرفات فيها التزام بشكل الأحكام لا بروحها وقد برع فيها فقهاء الحنفية لأنهم كما ذكرنا يميلون إلى الجانب القانوني من الشريعة. هذه السوابق وتجربة المحاماة الوضعية يمكن أن يوفرا مادة لإصلاح نظام المحاماة فيكون -قدر المستطاع-مبرأ من الأضرار التي ذكرناها ويكون – قدر المستطاع- موجها لخدمة العدالة وتطوير القانون وتبرئة البريء وإدانة المذنب ومساعدة القاضي لإصدار الحكم الصحيح وإتاحة مجال مهني نافع للمشتغلين بالمحاماة.
يتبع..
08-24-2004, 04:28 AM
هاشم نوريت
هاشم نوريت
تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 13622
يا خوي نشفتا ريقنا ما تخلص وتريحنا الشباب الكلام واقف ليهم في حلقهم ولا اصلواالعسل بينزل نقطة نقطة فيه شفاء للناس
شيخ هاشم دبايو تصدق يا حبيب انت مكانك الطبيعي هنا محل الفكر والنقاش وليس حلبات الصراع لكن زي ما بيقولوا لكل جواد كبوة كبوتك صغيرة بتنجبر لك الود كله لا ينقص مثقال حبة ,,,,,,
08-24-2004, 06:41 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
13. الاقتصاد: المشكلة الاقتصادية واحدة ، إنها تتعلق بندرة السلع والخدمات وسعة حاجة الناس لهما. الإنتاج الذي تشترك فيه عوامل عديدة: الخامات ، ورؤوس الأموال ، والأيدي العاملة يسعى لإنتاج السلع والخدمات لكي تلبي حاجة الناس . عملية الإنتاج تواجه مشكلتين ، الأولى: اختيار الاستخدامات البديلة للموارد ، والثانية: توزيع عائد الإنتاج بين العوامل المساهمة فيه . المذاهب الاقتصادية تختلف حـول اختيار الاستخدامات البديلة ، وتختلف أكثر حول توزيع العائد بين عوامل الإنتاج المختلفة. الاقتصاد كعلم له قوانينه ونظمه ولكن القيم والمذاهب تتدخل في تحديد اختيارات الاستخدام المفضلة للموارد، وفي توزيع العائد . هنالك مبادئ إسلامية ذات محتوىً اقتصادي، وهنالك أحكام إسلامية كالزكاة، وكتحريم الربا ذات أثر اقتصادي إذ أنهما تحولان دون تعطيل المال وتساهمان في عدالة توزيع الثروة بين الناس . المبادئ ذات المحتوى الاقتصادي في الإسلام
هنالك طائفة من المبادئ الإسـلامية ذات المحتوى الاقتصادي ، أهمها ثلاثة: الأول: التعمير ، إنه الجهد المطلوب لتنمية الثروة وإزالة الحاجة. قال تعالى: هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاستعْمَرَكُمْ فِيهَا أي جعلكم عمارها00 وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أنس عن النبي ( أنه قال: (ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) . وقال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتشرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ . وعلى هذه النصوص وغيرها رتب الفقهاء مفاهيم واضحة عن مقاصد الشريعة في المجال الاقتصادي . قال صاحب المنهاج: " ومن فروض الكفاية الحرف والصناعات وما يتم به المعاش". قال شارح هذا المعنى مبيناً العلة: "يتوقف قيام الدين على قيام الدنيا"، وقيامها على ذينك (الحرف والصنائع) ثم زاد:"ولا يحتاج لأمر الناس بها لكونهم جبلوا على القيام بها ولكن لو تمالئوا على تركها أثموا وقوتلوا".
الثاني: الملكية ، وهي من ناحية الأصل لله أي أنه مالك كل شيء في الوجود والثروة ملك له، ولكن هذا الأساس لا يترتب عليه معنىً دينياً (ثيوقراطيا)ً لأن الإنسان ـ كل بني الإنسان ـ مستخلف على هذه الثروة ومسلط عليها وهي مسخرة له . ولا يجوز لأحد بموجب ملته أو نفوذه أو لمؤسسة أن تدعي النيابة عن الله . الملكية الاستخلافية هذه عامة ومشاعة ويمكن أن تصبح فردية عن طريق: الكسب ، والعقود الناقلة للملكية ، والوراثة . هذه هي وسائل الملكية الفردية ، ولكن تحقيقها عن طريق الغش ، أو القمار ، أو الربا ، أو الاحتكار ، أو الغرر يجعلها ملكية باطلة .
الثالث: التكافل، إن للمال المملوك جماعياً أو فردياً وظيفة اجتماعية هي التكافل، قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وقال: كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ . المال في مبادئ الإسلام يؤدى وظيفة اجتماعية . الأحكام المالية إلى جانب هذه المبادئ العامة ذات المحتوى الاقتصادي توجد أحكام محددة أهمها: أ- تحريم الربا. ب- تحريم وسائل الكسب الزائفة مثل الغرر ، والقمار ، والاحتكار. ج- إيجاب الزكاة على المسلمين . د- إيجاب الجزية على غير المسلمين . ه- بناء مالية الدولة على الزكاة، والجزية ، والعشور والخراج . وهي موارد دورية، وإيرادات غير دورية هي: خمس الغنائم ، والفيء ، والتركة بلا وارث ، والمال الذي لا يعرف له مستحق .
يتبع...
08-24-2004, 06:46 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
نظرة للفقه الاقتصادي الموروث لقد انتقد بعض المتأخرين فقهاء السلف ، قال أحد الكتاب:" فالنمط الأشهر في فقه الفقهاء المجتهدين كان فقه فتاوي فرعية ، وقليلاً ما كانوا يكتبون الكتب المنهجية النظرية ، وقال نفس الكاتب عنهم: "كانت الحياة تدور بعيداً عنهم ". إن في هذه الأوصاف تجنياً على هؤلاء الرجال فقد كانوا في لب الحياة يعملون لكسـب قوتهم بينما يواصلون دراساتهم واجتهاداتهم . وكثير منهم اكتسب اسمه من نوع عمله الجصاص ، والخصاف ، والغزال ، والقاضي مثل القاضي أبو يعلي ، والقاضي عبد الجبار ...الخ ً. ومع أن الحكام الطغاة كانوا لهم بالمرصاد فإنهم تحدوهم وفازوا بخير الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر قالها مالك وأبو حنيفة وأحمد وتعرضوا لبطش الطغاة . أما التنظير فقد كان منه الكثير ، بل ربما بالغوا فيه لأنه كان وسيلة من وسائل النقد لواقع مرفوض: أن تتحدث عن الأمثل دون أن تتعرض للواقع وتترك للقارئ استنتاج الاعوجاج. ففي المجال السياسي تمثل كتب " الأحكام السلطانية" للماوردي وأبي يعلي ، و"الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن قيم الجوزية وغيرها نظريات سياسية مضادة لنظم الحكم المعاصر لهم . وكانت كتب الزهري عن "السنة في مواضع الصدقة" و"الخراج" لأبي يوسف ، و"الأموال" لأبي القاسم و" مقدمة ابن خلدون" إفادات علمية تحليلية ونظرية . إن المتصفح لأعمال فقهاء السلف لا يسعه إلا أن يقول معنا "هؤلاء الرجال الأتقياء النيرة بصائرهم ، النافذة عقولهم ، تصدوا للنصوص الإسلامية الثابتة وعرفوا دور العقل ، والمصلحة ، واستوعبوا النافع من ثقافات عصورهم ، وأحاطـوا بظروف مجتمعاتهم ، واستخدموا وسائل نافذة ذكية فاستنبطوا أحكاماً دقيقة المعاني عادلة ونافعة فأرضوا ربهم وأورثونا ثروة غنية" لقد طبقوا ـ ما استطاعوا ـ مبادئ الإسلام في الاقتصاد والأحكام على واقعهم التاريخي. تلك التجربة التاريخية ذات قيمة من حيث استصحاب الأساليب والمناهج التي استخدموها. ولكن اعتبار ما حققوه أنموذجاً لاقتصاد إسلامي دائم وعلينا في العصر الحديث أن نقيس عليه أو نطبقه – افتراضٌ غير مُجدٍ ومحاولة لإحياء جسم فارقته الحياة لاختلاف كبير في الظروف . الاختلاف بين ظروف الماضي والعصر الحديث أذكر من ذلك الاختلاف الآتي:
أولاً: طبيعة الأموال كانت مباشرة من أنعام وزروع وصناعات وأعراض تجارة . وملكيتها كذلك كانت مباشرة . اليوم نشأت واتسعت الشركات المحدودة المسئولية وشركات المساهمة العامة والملكية فيها غير مباشرة لأسهم قيمتها في حركةٍ مستمرة تحددها بورصة الأسهم حسب أداء الشركات المعنية ربحاً وخسارة .
ثانياً: مالية الدولة كانت تقوم على الزكاة، والجزية ، والخراج ، والكفارات ، وهي مصادر تتوقف على اختلاف ملة دافعيها . اليوم تقوم مالية الدولة على أساس ضرائب على دافعيها كمواطنين دون اعتبار لاعتقادهم الديني . نعم وجوب دفع الزكاة قائم ولكن هنالك اختلاف واسع بين الأمس واليوم حول الزكاة كما سوف نبين لاحقاً .
ثالثاً: نظام الفيء والغنائم يقوم على افتراض الحرب حالة مستمرة. واليوم عبر المواثيق الدولية ومنظمة الأمم المتحدة الافتراض هو أن يكون السلام حالة دائمة .
رابعاً: كانت المعاملات المالية بين المقرض والمقترض تقوم على علاقة مباشرة بحيث يفرض المقرض على المقترض شروطه الربوية ، اليوم هذا النوع من المعاملات يتم عبر مؤسسات ائتمان محددة يحكمها القانون الذي يحكم النظام المصرفي. والنظام المصرفي وسيلة لتنظيم الائتمان وللتحكم في حجم الادخار، وفي حجم كمية النقود المتداولة، وهذه الوظائف غير مسبوقة في الماضي .
خامساً: كانت النقود معدنية مصكوكة بالذهب والفضة وثابتة القيمة مع الزمن ، أما اليوم فالنقود صارت عملة ورقية متحركة القيمة من ساعةٍ لساعة حسب أسعار تبادل العملات في الأسواق المالية . هذا بدوره يجعل أي قرض اليوم شيئاً مختلف القيمة عنه غداً أو بعد غد ، هذا يعنى أن قيمة المبلغ المقترض اليوم مختلفة تماماً عن قيمة نفس المبلغ بعد شهر أو سنة . هذه ظاهرةٌ جديدة .
سادساً: إذا استعرضنا الأحكام المحددة المحرمة كالربا ، والواجبة كالزكاة لوجدنا أن الاختلاف الشامل في ظروف اليوم والأمس يقتضيان اجتهاداً جديداً يطبقها على ضوء مقاصد الشريعة لا على أساس الصيغة القديمة لأن تطبيقها على أساس تلك الصيغة يأتي بنتائج عكسية ويهزم مقاصد الشريعة.
يتبع..
08-24-2004, 09:30 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
نظرة للأحكام الخاصة بالربا والزكاة والمواريث الربــا: الربا محرم شرعاً لأنه يقوم على استغلال صاحب المال لصاحب الحاجة فيفرض عليه زيادة في حجم القرض مقابل الإمهال للسداد بعد فترة زمنية معينة. هذه المعاملة تقتضي: أن يكون انتقال المال من غنيٍ لفقير. أن يستغل الغني حاجة الفقير. أن يزيد حجم المال مقابل الإمهال في مساومة غير متكافئة بين الطرفين. افتراض ثبات قيمة المال بحيث لا يؤثر الإمهال سلباً عليها عن طريق التضخم أو اختلاف سعر صرف النقود .
سعر الفائدة: إن فائدة البنوك اليوم آلية مختلفة لأنها:- • مرتبطة بمؤسسات ائتمان قانونية ومحددة الشروط وغير قابلة للمساومة بين مقرضٍ ومقترض. • أموال المصارف اليوم مكونة من أسهم وودائع لجمهور عريض منهم الغني والفقير، بينما القروض تذهب في الغالب لمستثمرين لزيادة حجم الاستثمار لا لحاجة خاصة بهم . وهؤلاء يقدمون مشروعات مجدية اقتصادياً وضمانات تؤكد أنهم من قطاعات المجتمع الأغنى لا الأفقر. وسعر الفائدة اليوم – في إطار المؤسسات المالية التقليدية - يقوم بوظائف نقدية ومالية لا غنى عنها إلا إذا وجد بديل مناسب له في أداء هذه الوظائف الهامة والضرورية: • إنه يشكل حافزاً للادخار. • إنه ينظم حجم المال المتداول ومن ثمَّ ضبط النشاط الاقتصادي تمدداً وإنكماشاً. • يعطي مقياساً للمفاضلة بين الاختيارات الاستثمارية المختلفة . • يعوض عن تدهور قيمة العملة مع الزمن عن طريق التضخم وهبوط سعر تبادل العملة . • نعم إن سعر الفائدة الزائد عن حد معين يشكل استغلالاً ويضر بالنشاط الاقتصادي نفسه، إنه في هذا الصدد يشبه معاملات أخرى كثيرة ذات طابع استغلالي. قال النبي ( " الربا ثلاثة وسبعون باباً" ـ أي نوعاًـ. وقال: " غبن المسترسل" (الذي لا يعرف قيمة الأشياء لجهله أو لغفلته أو لأنه غريب ربا. وإشارةً لهذا المعنى الواسع للربا وصف ابن عربي (الفقيه لا الصوفي) كل ربح أو كسب يزيد عن المثل بأنه ربا. هذا معناه أنك إذا ربحت ربحاً فاحشاً من تجارة محتكرة، أو أجرت منزلاً بأجرة باهظة استغلالاً لحاجة المستأجر ، فالمعاملة في الحالين زائدة عن المثل ـ وهذا ربا . لقـد جرت محاولات مصرفية إسلامية لإيجاد بديل لسعر الفائدة في العصر الحديث . هذه المعاملات معيبة من وجوه كثيرة أهمهما: أ- لم تعط بديلاً لسعر الفائدة في وظائفه غير الائتمانية . ب- قبلت التعامل مع المؤسسات المالية والنقدية خارجها على أساس سعر الفائدة بحكم الأمر الواقع . ج- أحلت المرابحة محل سعر الفائدة في المعاملات التجارية والصناعية والتعدينية وأوجبت ضمانات أكبر من ضمانات المصارف التي تقوم على سعر الفائدة وفرضت نسباً لصالح رأس المال أكبر من نسب سعر الفائدة ، وركزت على الصفقات قصيرة الأجل معرضة عن تمويل الاستثمار الصناعي والتعديني طويل الأجل . د- أحلت السلم محل سعر الفائدة في تمويل الائتمان الزراعي وأوجبت نسباً أعلى من سعر الفائدة لصالح رأس المال، وركزت على الائتمان قصير الأجل وتجنبت تمويل الاستثمار طويل الأجل. ه- الجانب الوحيد الذي نجحت فيه المعاملات المصرفية "الإسلامية" هو تنظيم الائتمان والاستثمار عن طريق المضاربة والمشاركة. ولكنها في هذا المجال سلبت المستثمرين المرونة التي يحرصون عليها في إدارة أعمالهم. عرف مؤتمر علماء المسلمين السابع المنعقد في القاهرة في عام 1972م الربا بأنه فائدة الإقراض . هذا تعريف نظري شجع على اعتبار سعر الفائدة هو الربا المحرم شرعاً وفتح الباب أمام الممارسات البديلة المذكورة هنا وهي ممارسات كما أوضحنا مختلفة اسما عن سعر الفائدة ولكنها أسوأ منه فعلاً إذا قيست بمقاصد الشريعة ولا تحل محله في أداء وظائف أخرى هامة . البدائل المحددة لسعر الفائدة في ممارسات المصارف "الإسلامية" المعاصرة لا تمثل بدائل مجدية لسعر الفائدة وهي في الوقت نفسه لاسيما في صيغتي المرابحة والسلم أكثر استغلالاً للمستثمر وانحيازاً لصاحب المال بمراحل من سعر الفائدة وأقل حرصاً على تمويل الأنشطة الاستثمارية الصناعية ، والزراعية ، والتعدينية، والبنية التحتية . المطلوب الكف عن الفتاوى العاطفية التي يصدرها فقهاء حسنو النية ولكنهم غير مدركين لحقيقة الاقتصاد الحديث وتوضيح الفرق بين الربا وسعر الفائدة ووضع ضوابط لسعر الفائدة ليؤدي دوره المطلوب وفق مقاصد الشريعة ، فإن كان سعر الفائدة شراً فإن البدائل المقترحة له أكثر شرا منه . ومن مقاصد الشريعة في هذه الحالة ارتكاب أخف الشرين . إن فقهاً نافذاً ملماً بمقاصد الشريعة وحقائق الاقتصاد الحديث سوف يسوق البرهان على أن سعر الفائدة المنضبط ضرورة اقتصادية . إن ما حدث في السودان باسم تطبيق النظام المصرفي الإسلامي في الفترة الأولى (83 ـ 1985م) وفي الفترة الحالية (1989م ـ وحتى الآن) يُساق دليلاً واضحاً على تهافت الصيغ المسماة "إسلامية" وعلى عجزها التام عن تقديم بديل مجدٍ لسعر الفائدة . لقد قدمت تجربتا السودان البرهان التام على فشل البدائل المصرفية الإسلامية وتدمير النظام المصرفي السوداني الذي كان ناجحاً بكل المقاييس .
يتبع...
08-24-2004, 09:40 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الزكـــاة: الزكاة فريضة إسلامية ، وهي من حيث المبدأ تعني تطهير المال الزائد عن الحاجة . هذا معنى روحي ، وهي توجب نقل المال من مستكفٍ إلى محتاج ، هذا معنى اجتماعي . ولكن مع تأكيد ديمومة هذين المعنيين فإن أمر الزكاة محل اختلافات واسعة بين المجتهدين في الماضي حتى قال يحيى بن معين ـ وهو من أئمة الحديث ـ مشيراً لاتساع الاختلافات: " لم يصح في فرائض الصدقة حديث" (أي في مقاديرها) . • اختلفوا حول المزكي بين مضيقين وموسعين . المضيقون حصروا الزكاة في ثمانية أنواع من المال: ثلاثة أنواع من الحيوان ، وثلاثة أنواع من الثمار ونوعين من النقد هما الذهب والفضة فلم يوجبوا الزكاة فيما وراء ذلك من مال . لم يوجبوها في أي نقد آخر ولا في عروض التجارة ولا في الأملاك مثل العمارات والمصانع ولا في رواتب أصحاب الديوان ولا في الثمار الأخرى . الموسعون أوجبوا الزكاة في كل مال مهما كان نوعه. • واختلفوا حول قسمة الزكاة بين المواضع المختلفة: الجمهور قال بجواز صرفها على بنـد أو أكثر من مصارفها باجتهاد الإمام . الإمام الشافعي قال بوجوب قسمتها على ثمانية أجزاء تقسيماً ملزماً. • واختلفوا حول جواز نقل الزكاة ولزوم صرفها في محل المال المزكي . فالشافعية والمالكية والحنابلة يتشددون في وجوب عدم ترحيل الزكاة ، والحنفية يقولون بجواز نقلها كراهةً . والقرطبي يقول: سهم الفقراء والمساكين يقسم في موضع المال . أما السهام الأخرى فتنقل باجتهاد الإمام . • وقال بعضهم: المصارف الثمانية باقية كما هي . وقال آخرون: بل سقط سهم المؤلفة قلوبهم. • واختلفوا هل يصرف من الزكاة لغير المسلم؟.قال الجمهور: لا ، لأن الحديث يقول تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ـ أي المسلمين . قال آخرون نعم والضمير في الحديث عائد لأهل الجهة لا للمسلمين . هكذا قال ابن سيرين والزهري . • واختلفوا حول هل يخرج المزكي الزكاة للدولة ؟ وهي التي تتولى أمر صرفها لمستحقيها؟ أم يخرجها هو نفسه لمستحقيها؟ قال الجمهور: الأموال الظاهرة (المواشي والزروع) تتولى جباية زكاتها وتوزيعها على مستحقيها الدولة (ولي الأمر) أما الأموال الباطنة (النقود وعروض التجارة) فلصاحب المال أن يفعل بها الواجب. قال الحنفية الأموال الباطنة مفوضة لأربابها . وقال المالكية الأمر في المال الظاهر والباطن واحد . وقال الشافعية: للمالك أن يفرق أمواله بنفسه في الأموال الباطنة . أما الحنابلة فكان رأيهم أنه لا يجب دفع الزكاة لولي الأمر . وجاء في المغنى لابن قدامة: يستحب للمالك أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها لمستحقيها سواءً كانت ظاهرة أو باطنة. وفي هذا الصدد تضاربت أقوال الفقهاء . قال الحسن البصري للمزكي: ضعها (أي الزكاة) في موضعها واخفها عن الولاة. وجاء عن الكندي قوله: سألت سعيد بن جبير عن الزكاة فقال ادفعها للولاة . فلما قام سعيد تبعته وقلت: أمرتني بكذا ولكنهم يفعلون بها كذا وكذا ، فقال لي سعيد: ضعها حيث أمرك الله . سألتني على رؤوس الأشهاد فلم أكن لأخبرك . • واختلفوا هل على المال الخاص التزام سوى الزكاة؟ قال ابن عمر: لا، فالمال كله لصاحبه إذا أدى زكاته. وقال أبو ذر: نعم ، وكل مال زاد عن حاجة صاحبه كنز مقيت يدخل في وعيد الله، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم . فأي آراء مجتهدي السلف تناسب ظروفنا المعاصرة؟ وهنالك أمور أخرى تحتاج لاجتهاد مثل: ما هو حد الكفاية وحد الغنى والكفاف في هذا الزمان؟ وهنالك حاجة لمراجعة النصاب ونسبة الزكاة منه فحسب النسب القديمة فإن سعر الزكاة كالآتي: الثروة الحيوانية حوالي 2.5% في السنة. التجارة وربحها عليها 2.5% في السنة. الإنتاج الزراعي عليه 10% إن كان ريه طبيعياً (بالمطر) وعليه 5% إن كان ريه بالآلات . النقود عليها 2.5% إذا حال عليها الحول. المعادن عليها 20%. هذه النسب يجب أن تراجع على أساس مقاصد الشريعة في إيجاب الزكاة على المستكفي وصرفها على المحتاج.
يتبع..
08-24-2004, 09:52 PM
حمزاوي
حمزاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 11622
الزكاة والضرائب: ولا يمكن معاملة الزكاة كشأن عام لا غير - مثل الضريبة - لأن في الأمر مسئولية شخصية للمزكي ، ولا يمكن معاملتها كشأن خاص وحسب لأن في الأمر وجوباً. وفي المؤسسات العصرية آلية يمكن أن تحقق الأمرين معاً وهي آلية تكوين شخصية اعتبارية للدولة فيها حضور كمراقب وللمزكين فيها حضور كأصحاب حق . يمكن أن تتولى الزكاة مؤسسة مختلطة بين القطاع العام والخاص ، ويمكن أن تكون هذه المؤسسات المكونة بهذه الصفة جهوية بحيث تشبع طابع الربط بين المال المزكي وأهل الجهة المعنية. وهنالك أمر هام متعلق بموقف الزكاة في حالة إلزام المواطنين بضرائب واسعة إلزاماً قانونياً كما هو الحال في زماننا هذا. قال أبو جعفر البلخي: ما يضربه السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير ديناً واجباً وحقاً مستحقاً كالخراج . أي يدفع الإنسان ما عليه من ضرائب فإذا كان ما بقي له يبلغ نصاباً يدفع منه الزكاة حسب شروطها. أو يدفع المسلمون الزكاة ثم يخصمون ما دفعوا للزكاة من التزامهم الضريبي ويدفعون الباقي لمصلحة الضرائب. أي يعفون من الضرائب بقدر ما دفعوا من الزكاة. هذا الباب بالذات كان سبباً في إفساد قوانين الزكاة التي طبقها النظامان السودانيان في أمر الزكاة. نظام جعفر نميري الذي طبق قانوناً للزكاة (1983ـ 1985م) ضمن ما سماه تطبيق الشريعة _ طبق الزكاة كضريبة مباشرة على كل المواطنين وسماها زكاة للمسلمين، ونفس الجباية سماها ضريبة تكافل اجتماعي لغير المسلمين. وبموجب هذه الضريبة المباشرة أُلغيت الضرائب المباشرة وغير المباشرة على المواطنين وخوّل القانون لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في أمر الزكاة جبايةً وصرفاً خرجت عن الضوابط الشرعية المعروفة. لقد كان قصد النظام في ذلك الوقت زيادة إيرادات الدولة للقضاء على عجز الميزانية وتصور أن التوسع في جباية الضريبة باسم الزكاة والتكافل الاجتماعي كفيل بتحقيق التوازن في ميزانية الدولة إذ قُدمت له تقديرات خيالية عن حجم الجباية باسم الزكاة فسارع في إصدار قانون بذلك. كانت التجربة غير ملتزمة بالضوابط الشرعية وفاشلة في تحقيق أهدافها الوضعية كوسيلة أفضل للجباية. أما في النظام الحالي (1989- حتى الآن) فقد طبق القانون الزكاة على المسلمين وحدهم ولكنه توسع في الزكاة بحيث فرضها على كل المعاملات المالية، والتجارية ، والاستثمارية والتبادلية، دون استثناء كأنها دمغة على كل المعاملات الاقتصادية. هذا الإجراء غير مصحوب بأية ضوابط تتعلق بحولان الحول ، ولا أية ضوابط تتعلق بالمسح الاجتماعي المطلوب ليدفعها المستكفي . إنها جباية عامة على المعاملات الاقتصادية دون إشارة لحالة المُزكي، ولا لبراءته من دين ولا لحولان الحول. هذا من ناحية الجباية ، أما من ناحية الصرف فقد تحكمت فيه أولويات سياسية لا حاجة المحتاجين . أوجب القانون هذه الجباية الواسعة باسم الزكاة على المسلمين ولم يفرض القانون على غير المسلمين أية جباية سوى جباية الضرائب العامة على كل المواطنين . فالعدول عن الجزية في السودان - باعتبار أن العلاقة تقوم على عهد المواطنة لا على عهد الذمة - أدى إلى إعفاء غير المسلمين عن أية جباية سوى الضرائب العامة . هذه الظروف أدت إلى ازدواجية العبء الضريبي على المسلم فصار المسلم في السودان باسم تطبيق الشريعة يتحمل جباية مضاعفة، لذلك صار كثير من المسلمين يجرون كثيراً من المعاملات والصفقات بأسماء أصدقاء أو أعوان غير مسلمين تجنباً لازدواجية العبء الضريبى باسم الزكاة . إن الزكاة كما تمارس في السودان تهزم مقاصد الشريعة وتشوه الزكاة، فالسودانيون قبل هذا التقنين كانوا يؤدون زكواتهم بإخراجها مباشرةً لمستحقيها أو عن طريق مشايخهم . ومع أن ذلك الوضع كان محتاجاً لإصلاح وتقنين، فإن التقنين البديل الذي أدخله النظام أسوا مما كان عليه الحال وأبعد من مقاصد الشريعة.
يتبع..
08-25-2004, 05:58 AM
degna
degna
تاريخ التسجيل: 06-04-2002
مجموع المشاركات: 2981
السلام عليكم للجميع. الاخ حمزاوى سلامات اشكرك اخى و اتمنى ان يتجه المنبر الى المهادنة و الحوار بالحسنى رغم اشياء مؤلمة نراها ولكن هذه الطبية السودانية.
الاخ ود العمدة يارايق لك التحية
الاخ وراق سلامات واصل وانا متابع واعانى من مشكلة فى الحاسوب والسلام
الحبيب المثابر على نشر و تعميم فكر الصحوة الاسلامية الحبيب اسماعيل وراق لك التحية ووفقك الله فى مهمتك الرسالية هذه فى اوائل الثمانينات قدم صحفى بمجلة تسمي [المسلمون]التى كانت تصدر من لندن-قدم السيد الصادق المهدى بالكلمات الآتية :"السيد الصادق المهدى حفيد الامام المهدى ،باحث اسلامى نشط يجمع بين التنظير الفكرى و الممارسة العملية السياسية " وبما انى انصارى فقد كنت متحمسا لهذا التقديم ومعجبا به،ولكننى لم اقف كثيرا عند نقطة [الممارسة العملية السياسية]لأتأملها،ولكن الآن اتضح لى جليا انها انضجت الفكر النظرى للامام السيد الصادق المهدى ،فطرحه المتكامل هذا ينم عن فكر رجل دولة انضجته التجارب وصهرته التحديات واستوعب العصر بمستجداته،واصطصحب الاصل باجتهاداته المختلفة فقدم اجتهادا حداثيا استحق به ان يكون من المتقدمين لصفوف الصحوة الاسلامية فله منا التجلة يعقوب
08-26-2004, 06:46 AM
برير اسماعيل يوسف
برير اسماعيل يوسف
تاريخ التسجيل: 06-03-2004
مجموع المشاركات: 4445
يا اخي العزيز هل انتهت الورقة ام ان هنالك بقية ؟ نأمل ان نعرف منك ذلك, حتي ندلو بدلونا ان شاء الله, و نشكرك جزيل الشكر على هذا الجهد المقدر و لك التقدير.
08-28-2004, 02:27 AM
الصادق خليفة
الصادق خليفة
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 2351
الحبيب الغالي يعقوب البشير لك التحية والتقدير على المرور، وتعلمي أخي الحبيب كم هو صعب في زماننا هذا التمسك بالفكر والعمل في نشره، وفكر الصحوة يستوجب منا دراسات عميقة ونقد بناء بغية الوصول لصيغة أجماع تخرج أمتنا من حالة الركود العام سيما الفكري منها. أتعشم في مداخلاتك العميقة.
لك الشكر على إيراد هذه المادة الغنية من المعلومات الواردة كسلة الفواكه المشكلة تحوي الثمرات النضرة من معارف الإمام السيد الصادق الجمة حتى لا يكاد يستبين الفكري من السياسي من الشرعي وكل ذلك مصاغ بقالب الرصانة اللغوية مما جعل المزيج دسماً على هضم الأذهان. نزلت المادة وأخرني في التداخل عدم تمكني من إتمام قراءتها وكنت مصراً على مواصلة الاستمتاع حتى الثمالة. في الحقيقة تحتوي ورقة العمل أكثر مما يحتويه أي مرجع والمعلومات فيها مضغوطة بشكل مركز يجعل أي مرور عليها لمناقشتها أمراًُُ يحدث الخلل. بدأت الورقة بتحليل موضوعي لنشأة الحضارات وسيادتها ثم انزوائها وقدم التحليل الواقعي لواقع الحضارة الإسلامية وتحليل لمواقف غلاة المسلمين ومعتدليهم ومغربيهم ثم حلل أسباب نشوء الحضارة الغربية وأسباب سيادتها وشبهات تفوقها ولم يقصر بإيراد بحث عن طبيعة علاقات هذه الحضارة بالحضارات الأخرى وبحضارتنا على وجه التحديد وأبان (بقلم الخبير) علل هذه العلاقات وذرائعها ومآلاتها. ناقش السيد الصادق النظريات الإسلامية في الحكم وهو باب يسمى بالسياسة الشرعية التي تتناول الأحكام الدستورية المفصلة لأحكام الدين المنطبقة على الدولة بشكلها ونظامها ومؤسساتها وخلص بعد الإفاضة في التفصيل إلى أن النظريتان السنية والشيعية لا تصلحان لدولة عصرية تتكون من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية. بدا لي هذا القول شجاعاً جداً فهو قول لم أسمعه يتردد إلا من معارضي النظام الديني وتدخله في أمور الحكم مع علمي بأن القائل مؤهل للقول فهو ليس بظنين على الدين ولا بحدث على السياسة ولا ببعيد عن الحكم. وهو بالطبع لا يلقيه كالذين يلقون أقوالهم ولا هدف لهم سوى الهدم والتجريح فهو يطرح القول حاملاً البديل ومقترحاً الحلول وهي حلول لا تبعد عن النصوص وتلتزم بضرورات الدين وحدوده. وإذا كان لا بد من تعليق على هذه الجزئية فهي ما يلي:- 1. حالت ظروف الحكم في العالم الإسلامي بعد الخلافة الراشدة (التي لم تحكم طويلاً) دون تطور علم السياسة الشرعية فأصبحت من العلوم المسكوت عنها وذلك لأن الحكم تحول عند بني أمية ومن جاء بعدهم إلى ملكية موروثة تتبع العلماء وتوجه مسيرة إجتهاداتهم وكان الحكام من القسوة أن وصلوا لمراحل قتل الفقهاء من التابعين وتابعي التابعين (سعيد بن جبير) إذا ما أفتوا في أمور تهز مشروعية ملكهم. وكما ذكر السيد الصادق فإن النظرية الشيعية لم تكن أحسن حالاً فهي لم تجد التطبيق لعد تمكن الشيعة من الحكم عبر القرون, إذن بقيت النظريتان على حالهما دون أن يتمكن الفقهاء والمفكرون من الإضافة إليهما زهاء ثلاثة عشر قرناً مما أوجد مفارقة كبيرة بين ما اختط في تلك الكتب (الأم للشافعي) و (السياسة الشرعية) لابن تيمية وغيرها وحتى الكتب التي تعتبر مراجعاً في السياسة الشرعية (كالأحكام السلطانية) للماوردي والآخر للقاضي أبو يعلى الفراء, وبين واقع تعقيدات أجهزة ومؤسسات الدولة الحديثة مما لا يحيط به الموروث من الإجتهاد اليسير في هذا المجال من فقهاء الإسلام. 2. يجدر أن أشير إلى جانب هام من الخير الذي احتوته النظرية السنية وهي إجماع جمهور الفقهاء في تحديد طريقة تولي الإمام للولاية في منهجين على وجه الحصر هما طريقة الاختيار وطريقة الجبر وإجماعهم على عدم مشروعية الجبر طريقة لتولية الإمامة. 3. يفضح هذا الشح في الاجتهاد في علم السياسة الشرعية وفي فكر الدولة السياسي قصور المشاريع التي تصدت لعملية التأصيل والأسلمة ووصل بعضها لقياد السلطة كما في السودان وهي لا تلوي على قيم إسلامية تؤصل الأحكام وتقدم البدائل وتقترح الحلول لاستنباط البرامج السياسية ولإقامة النماذج الدستورية (التي تجعل الدولة عابدة لله) فما زاد اجتهاد هؤلاء على بسط الهيمنة الشمولية الظالمة والنائية عن روح الدين في التولية والمحاسبة والشفافية ومقاييس التفضيل وتقليب الرأي واتخاذ القرارات ومراعاة مصالح الأمة ولم يفلحوا حتى بعد توليهم مقاليد الحكم في إيجاد النماذج التي كان يتعين عليهم تبنيها ابتداء كبرامج سياسية ودستورية رغم غلبة العناصر التي تحمل المؤهلات القانونية في قياداتهم. 4. آمل أن يشمل اجتهاد المفكرين والعلماء (بناء على الإجماع القاضي بالاختيار طريقة وحيدة لتولية الولاة) إصدار الفتاوى التي تضع النهاية المرجوة للأنظمة الدكتاتورية التي تسود في العالم الإسلامي طولاً وعرضاَ وتأثيم الإنقلابات العسكرية والأنظمة الشمولية وتحميل الظلمة مسئولية الأرواح التي تزهق في سبيل العراك على اغتصاب السلطة. 5. تجريم الانقلاب على الحكومات المنتخبة باعتبارها حكومات نصبت برصيد شعبي من غالبية الأمة
هــذا ولنا عــودة
أحمــد الشايـقي
08-30-2004, 00:11 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
العزيز الصديق المستشار أحمد محمود الشايقي دوماً عميق النظرة واسع الإطلاع سديد الرأي... لك تحياتي أخي أحمد وأنت تساهم معنا بمداخلتك القيمة هذه، وأنا على ثقة بأنك ستثري هذا البوست طالما أنني مقتنع ببعد نظرك الثاقب ونظرتك التحليلة الموضوعية بعيداً عن الأطر الضيقة.
أخى الحبيب أحمد الشايقى لك التحية: كلام جميل ورصين يدل على اطلاعك الواسع وثقافتك الاسلامية الثرة. فى انتظار عودتك وفى نتظار الحبيب أبو محمد ليكمل الورقة المرجع. ولك الود. يعقوب
أخواتي واخواني الكرام السلام عليكم أخونا اسماعيل وراق (ابومحمد) لديه مشكلة بسيطة في النت وان شاء الله عند اصلاح العطل سيعود لمواصلة الكتابة وتكملة ورشة الانصار ولكم الشكر
08-30-2004, 00:20 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
المواريــث: المواريث من الأحكام المحددة في الشريعة الإسلامية، الإرث في الإسلام يدور على أمرين: الأول: درجة القرابة من المتوفى. الثاني: حاجـة الورثـة. الحاجة الأعم في الوراثة اقتضت أن للذكر مثل حظ الأنثيين. هذا الأمر متعلق بحقيقة أن الأمومة تفرض على المرأة ظروفاً تعطل سعيها للرزق فهي الحامل، والنفساء ، والمرضع ، والحاضنة المباشرة للطفل ، لذلك وزعت الاختصاصات وألزم الرجل بواجب الإنفاق. إن حظ الرجل المضاعف في الإرث مرتبط بإلزامه بالصرف على الأسرة. ولكن نصف نصيب المرأة من الإرث ليس مرتبطاً بمجرد الأنوثة وليس دليلاً على دونيتها بالنسبة للرجل كما تـوهم بعض الناس . والدليل على ذلك هو أنه في حالة غياب ما للرجل من التزام أكبر ـ مثلما هو حال الوالدين الذين هلك ولدهما فالنصيب في الورثة متساوٍ. قال تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ . فــي منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري تفسير لهذه الآية كالآتي: أ- ترث الأم الثلث إن لم يكن للهالك ولد ولا جمع من الإخوة (اثنان فأكثر). ب- ترث الأم السدس إن كان للهالك ولد أو جمع من الإخوة (اثنان فأكثر). ج- يرث الوالد السدس مطلقاً سواءً كان للهالك ولد أو لم يكن له ولد. هذا معناه أن الأم ترث أكثر من الأب إن لم يكن للهالك ولد أو جمع من الأخوة . وفي حالة الأخوة لأم يكون السدس للأخ لأم ذكراً كان أو أنثى، ويرثه إن لم يكن للوارث أب ولا جد ولا ولد ولا حفيد ذكراً كان أو أنثى بشرط أن يكون الأخ أو الأخت منفرداً ، فإن تعدد الإخوة ورثوا الثلث شراكة . وفي حالة الجد والجدة: الجد عند فقد الأب يرث السدس ، والجدة إن لم يكن للوارث أم ترث السدس أيضاً. هنالك ظروف جـدّت على بعض المجتمعات تعاظم فيها دور المرأة الإنفاقي ، وفي السودان اليوم نسبة معتبرة من الأسر تقع فيها مسئولية الإنفاق على المرأة لأسباب مثل نسبة الطلاق العالية وتخلي كثير من الآباء عن الإنفاق على أولادهم ، هجرة عدد كبير من الرجال خارج البلاد ورفع يدهم عن أسرهم إهمالاً لمسئولياتهم ، حصول النساء على مصادر دخل عن طريق العمل الخاص أو الوظيفة مع عطالة أزواجهن عن العمل الخاص والوظيفة . هذه الظروف جعلت إنفاق النساء على الأسرة يبلغ نسبة معتبرة . فماذا يكون أثر ذلك على نصيبهن من الورثة؟ ربما أمكن استيعاب هذه الحقائق الجديدة عن طريق إعطاء نصيب لهن من الثلث الذي فوض للمورث تحديده . ولكن مع اتساع أعداد الأسر التي تعولها نساء ، لا يمكن تطبيق أحكام الوراثة بصورة لا تراعي مقاصد الشريعة وتأخذ المستجدات في الحسبان . هكذا ينبغي أن تراجع أشكال الأحكام الإسلامية ذات المضمون الاقتصادي لتأخذ المستجدات في الحسبان ولكي تحقق مقاصد الشريعة في ظروف العصر الحديث . في هذا العصر الحديث هنالك ثلاثة مهام للفكر الاقتصادي وللأداء الاقتصادي هي: • تحقيق التنمية بمعدلات عالية . • العدالة الاجتماعية . • قيام علاقات اقتصادية دولية في كل المجالات تحقق مصالح مشتركة لكل أطرافها . آلية الاقتصاد الحديث ستقوم بالدور الأهم في تحقيق التنمية ولكن التنمية تتوقف على دوافع وسلوك العنصر البشري. الانضباط الخلقي والسلوك غير الاستهلاكي وهي من شروط تحقيق التنمية تعتمد على قيم خلقية مستفادة من الإسلام . آليات التنمية تركز على الربح وعلى التنافس ولكن العدالة الاجتماعية مطلوبة في حد ذاتها كقيمة خلقية وإنسانية ، ومطلوبة لأنها شرط للسلام الاجتماعي وهي من الغايات التي يحث عليها الإسلام وتتطلبها النظرة الحكيمة للتنمية . والعلاقات الاقتصادية الدولية ينبغي أن تقوم على أسس مصالح متبادلة ومتكافئة ، هذه المعاني تجعل العلاقات الاقتصادية الدولية مستدامة وهي تجد من الإسلام على قاعدة لا تظلِمون ولا تُظلمون سنداً روحياً خلقياً .
يتبع..
08-30-2004, 01:54 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
14. الوطنية: الدولة الوطنية شكل سياسي جديد اتخذته الكيانات الأوربية بعد أن تخلصت من وحـدة أكبر هي الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، وتخلصت من وحدات أصغر هي المقاطعات الإقطاعية ، هذا التطور في أوربا تم بعد حروب كثيرة انتهت إلى"صلح وستفاليا" في عام 1648م والاعتراف المتبادل بيـن الدول الأوروبية . لقد عرف الإسلام رابطة الأسرة والقبيلة ويمكن اعتبار صحيفة المدينة مؤسسة لدولة مدينة يقوم الولاء فيها على التناصر والأمن المتبادل لا على الانتماء الديني أو القبلي، ولكن عبر دولة الخلفاء الراشدين تأسس خضوع المسلمين لدولة واحدة . هذا الشكل استمر لمدة 150عاماً فقط ومنذ نهاية العهد الأموي في عام 150هـ عاش المسلمون تحت سلطات سياسية متعددة ، أي أن هذا التعدد في الكيانات السياسية سبق الاستعمار ولم يكن نتيجة له . ولكن الاستعمار عزز هذا التوجه وقننه . الوطنية الحديثة التي تشكل الأساس للدولة الوطنية تقوم على أساس ثقافة مشتركة ، وتاريخ مشترك ، ومصالح مشتركة لشعب معين مرتبط بأرض معينة . المواطنة هي الرابطة التي تجمع بين شرائح هذا الوطن في ظل سلطة سياسية موحدة هي الدولة الوطنية . لقد قام مفهوم الدولة الوطنية على أساس صارم للسيادة الوطنية. ولكن عوامل كثيرة جعلت هذا المفهوم يتراجع بحيث نمت وحدات جبهوية داخل الدولة على أساس جهوي أو فدرالي أو كنفدرالي ، كما نمت روابط أوسع بين الدول على أساس اتحادات تضم عدداً من الدول. إن الدولة الوطنية تكوينٌ اكتسب وجوداً ودوراً مفيداً في تحقيق الأمن وكفالة سبل المعيشة والتنمية والنظرة إليه من منطلقات طوباوية لا تجدي. والنظرة الأسلم هي اعتبار الرابطة الوطنية تطويراً أوسع لرابطة الأسرة والقبيلة صالحاً لأداء وظائف أمنية وتنموية معينة وقابلاً لاستيعاب وحدات جهوية أصغر وقابلاً للتطور إلى وحدات تضم أكثر من دولة لأغراض ترضاها الدول الأعضاء . ينبغي أن نحدد أساسا واضحا للتعامل مع الآخر الملي في أوطاننا. إنهم وجدوا معنا في هذه الأوطان واستمروا فيها باختيارهم، وإن هذا الموقف أكسبهم موقف أهل العهد –عهد المواطنة- وإن نحن سحبنا منهم هذا الحق فإنهم في نطاق القانون الدولي المعاصر سوف يسعون إلى حق تقرير المصير. إن عهد المواطنة يقتضي الاتفاق على حد أدنى من الحقوق لكل المجموعات الوطنية، وإلا دفعناهم دفعا نحو العمل لتقرير المصير ومن ثم التمزق الحتمي. علينا إذن أن نقر عهد المواطنة وحق المواطنة كأساس للكيان الوطني، فالوطن لكل سكانه بموجب عهد المواطنة، ولكن هذا لا يتعارض مع الحقوق الدينية والثقافية للمجموعات الوطنية المختلفة ما دامت لا تطالب بوضع ينتقص من حقوق المجموعات الأخرى. مبادئ الوحدة للدولة الوطنية 1. المساواة في المواطنة . 2. المواطنة أساس الحقوق الدستورية . 3. حرية الانتماء الديني والهوية الثقافية، ولهذه ثلاثة شروط: • لا تنال أية مجموعة امتيازا بسبب انتمائها . • لا تجور على حقوق غيرها . • تحقق تطلعاتها بآلية ديمقراطية لا تحكما . 4. التكوينات السياسية التي تسعى لتداول السلطة تكون بحكم دستورها والدستور القومي مفتوحة لكل مواطن . 5. أساس العلاقة: عهد المواطنة مكتوبا أو غير مكتوب . الصحيح عدم النظر للرابطة الوطنية بريبة وعدم وضعها في مقابل الولاء للأمة الأكبر ، بل تعتبر الرابطة الوطنية صالحة في حدودها المختارة قابلة للتوسع.
يتبع...
08-30-2004, 01:56 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
15. القومية: إن في رحاب الأمة الإسلامية قوميات عديدة ، الإسلام لم ينف الانتماء القومي بل استصحبه بصورة جعلت العرب يحققون بالإسلام أمجد أيامهم، كذلك حققت القوميات الأخرى الطورانية ، والفارسية ، والهندية ، والأفريقية ، بالإسلام أمجد أيامها وأفضل عطائها . إن علينا الاعتراف بأهمية الانتماء القومي لاسيما على أساس ثقافي ولغوي لا عرقي ، وهذا بالفهم المرن لا يتعارض مع انتماءات أوسع للأمة ، ولا أضيق للوطن ، اللهم إلا إذا ارتبطت القومية بالعصبية ، العصبية هي الشعور الذي يمقته ويرفضه الإسـلام . قال الإمام علي ابن أبي طالب: "ليست العصبية أن يحب المرء قومه بل العصبية أن يرى أشرار قومه خيرا من خيار الآخرين". الفهم الحصري أي الذي ينفي غيره هو الذي يؤدي للتناقض في الانتماء الوطني والقومي والإسلامي، ولكن الفهم الوسطي يسمح بتكامل هذه الروابط .
يتبع...
08-30-2004, 02:00 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
16. الجهاد: الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله في نفس الإنسان وفي كل دروب الحياة، فالإنسان يغالب الشر في نفسه مجاهداً، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة مجاهداً، ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهدا، ويقاتل لكي لا يفتن في دينه ودفاعاً عن نفسه جهادا. الجهاد بهذا الفهم الواسع ليس حصة في الحياة، إنه كل حياة المسلم، إنه رهبانية الأمة. هنالك فهم آخر ضيق للجهاد، هذا الفهم الضيق يجعل الجهاد قتالاً هجومياً بموجب آيات السيف. قال الأستاذ سيد قطب: (إن في كتاب الله سورة هي سورة التوبة تضمنت أحكاماً نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم في الأرض). وقبل ذلك اعتبر ابن القيم آية السيف الواردة في سـورة التوبة الآية المحكمة الناسخة لكل ماعداهـا. آيات السيف هي: • آية 5 سورة التوبة: فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرٌ الْحُرُمٌ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . • آية 29 التوبة: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. • آية 36 التوبة: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين.َ الآية 5 من التوبة سبقتها آية 4 ونصها: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ هذه الآية أعطت الأمان لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمسلمين عدائيا. وأعقبتها آية 6 ونصها: وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ استجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ. هاتان الآيتان السابقة للآية 5 واللاحقة لها تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكما يسري في ظرف معين أي أن الآية الخامسة معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان وهمت بإخراجهم من ديارهم . الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية. قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سببا لغزوة تبوك. أما الآية 36 فهي بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل تقول وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة، مثل الآية: فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ . الفيصل في تبرير القتال واضح في الآية 13 من سورة التوبة: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا إيمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ اتخشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين. ومما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أن في القرآن مائة آية موزعة على 48 سورة تأمر بالتعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن . مثلا الآية 8 من سورة الممتحنة. الإسلام هو دين ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . الدعوة لله في الإسلام بالحسنى أما القتال فهو لرد العدوان: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . إننا نلمس آثار هذا الاجتهاد في كتب سيرة المصطفى (. لقد تناول السيرة ما لا يقل عن ألف كتاب. ومع أن بيعة العقبة بيعة دفاعية فإن كثيرا من تلك الكتب تظهر النبي ( غازيا مبادرا مركزا على واجبات القتال. والحقيقة هي أن دور المغازي في نجاح الدعوة كان متواضعا. في حياة النبي كان القتال ما بين عام 3هـ و9 هـ وكان عدد المقتولين في جميع الغزوات والسرايا: 259 شهيدا من المسلمين 759 قتيلا من غير المسلمين 1018 جملة وكانت الحرب بين الطرفين سجالا ولكن حكمة النبي ( حققت أهم ثلاثة إنجازات للدعوة دون قتال هي: أولا: أسس الدولة في المدينة عام الهجرة دون قتال. ثانيا: استمال غالبية الجزيرة العربية للدعوة في عامي صلح الحديبية. ثالثا: فتح مكة دون قتال. ولكن المغازي جعلت صورة النبي ( نبيا حربيا كملوك العهد القديم. ومن الناحية التاريخية فإن الإسلام، وقد كان نبيه عربيا وكان دعاته الأوائل عربا في الغالب، فانه ألهم وحرك قوميات أخرى حتى صار أهم إنجاز القوميات الفارسية والتركية والهندية في ظل الإسلام. كما إن الإسلام استصحب حضارات الإنسانية السابقة له بصورة نادرة في كل تاريخ الإنسانية مما جعل المستشرق البريطاني مونتجمري وات يقول إن في استصحاب الإسلام لحضارات العالم القديم إنجازا معجزا. مصلحتنا في التعايش: بالإضافة لهذه الحقائق فإن مصلحة الإسلام في العصر الحديث تكمن في التسامح والتعايش مع حضارات الإنسان الأخرى للأسباب الآتية: أولا: مع أن المسلمين في أضعف حالاتهم من الناحية السياسية فإن الدين الإسلامي ينتشر بسرعة في كل قارات العالم بالقدوة وبالتي هي أحسن. الإسلام اليوم وفي مناخ التسامح الديني أوسع الأديان انتشارا في أغلب القارات. ثانيا: علماء الاستشراق ومن لف لفهم، وقد كانوا - في الغالـب - حربا على الإسلام، بدا منهم منذ حين اتجاه جديد أكثر موضوعية في تناول الإسلام. ثالثا: ثلث المسلمين اليوم يعيشون أقليات مع أغلبيات مغايرة، كذلك يعيش الباقون غالبا مع أقليات مغايرة. ولا سبيل للتعامل في كل هذه الظروف، لا سيما في المناخ الدولي المعاصر، إلا بالتسامح والتعايش. إن الجهاد يعني إلزام النفس بمقاصد الشريعة واستخدام كل الوسائل لنشر مقاصد الشريعة ولا يستخدم العنف إلا في حالة : الدفاع عن النفس- مقاومة الاضطهاد الديني.
يتبع..
08-30-2004, 11:25 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
17 العلاقات الدولية: لقد كانت الدولة الإسلامية في نزاع حربي مع الدول الأخرى. وكانت الحرب هي الحالة السائدة في العلاقات الدولية. وكانت الدولة الإسلامية دولة غالبة في حلبة الصراع الدولي على طول العهدين الأموي والعباسي. وواقع العالم وصورته في نظر الفقهاء يومئذ كان منقسما إلى دار الإسلام ودار الحرب، وهذه تضم كل العالم غير الإسلامي باستثناء عدد قليل من الدول التي عاهدت الدولة الإسلامية عهدا فيه اعتراف ضمني بهيمنة الدولة الإسلامية. هذا الحال كله كان يعتبر مؤقتا، فالرسالة المحمدية للناس كافة. والمسلمون مطالبون بنشر الإسلام في العالم كله عن طريق الجهاد بمفهومه الواسع. لقد ناقشنا أعلاه آيات السيف وفسرنا الظروف التي ربطتها بالقتال. السياسة الدولية التي أوجبها جمهور الفقهاء يومئذ هي: علاقات دولية تقوم على الحرب. وواجب جهادي يفرض على المسلم نشر الإسلام بالقوة. ومعاملة للمغلوب تقوم على استرقاقه إن غلب في الحرب أو على الاتفاق معه في عهد غير متكافئ إن استسلم دون حرب. وإن عاش غير المسلم في ظل الدولة الإسلامية بصفة دائمة فهو في ذمتهم ينظم حقوقه وواجباته عهد الذمة. وما دامت الحرب مستمرة فإن الذميين يعاملون بحذر شديد فتحجب عنهم أسرار الدولة لأنهم ربما ظاهروا العدو وسببوا أذى بليغا، أو ربما خدعوا المسلمين على نحو ما ذكرت الآية الكريمة: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . وعلى هذه السياسة الدولية قامت الأحكام التي أوجبها جمهور الفقهاء لتنظيم العلاقات بين المسلمين وغيرهم. العالم المعاصر: فإذا قفزنا قفزة تاريخية من ذلك الحال إلى عالم اليوم لوجدنا واقع المسلمين والعالم الذي يعيشون فيه الآن هو: أ-واقع المسلمين اليوم: • دول بها أغلبيات من المسلمين يدينون بمذاهب شتى تتراوح بين السنة (البلاد العربية وأكثرية البلاد الآسيوية والأفريقية) والشيعة(إيران والعراق ولبنان وجيوب أخرى في البلاد العربية) والأباضية (عمان) وبين هؤلاء المسلمين تاريخ طويل من النزاع والتفرق. • وتحكم البلاد الإسلامية في الغالب نظم استبدادية تدين لحكم الفرد وراثة أو غصبا عسكريا. • هذه الدول الإسلامية علاقتها فيما بينها واهية وعلاقتها الأقوى هي علاقات ثنائية أو جماعية تربطها بدول غير إسلامية وتقوم على أساس المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. • وتوجد جماعات إسلامية ضخمة – ربما قارب عددها عدد المسلمين في البلاد الإسلامية – في بلاد غير ذات توجه إسلامي: في الصين الشيوعية (110 ملايين) وفي الاتحاد السوفيتي (85 مليونا) وفي الهند (80 مليونا) وفي أثيوبيا (15 مليونا) وفي لبنان مليونان. وهلم جرا. ب- وصارت البلاد غير الإسلامية هي اليوم بالمقاييس الاقتصادية والعسكرية متفوقة على البلاد الإسلامية تفوقا مطلقا، بل صارت بقروضها، ومعونتها وما تملك من قدرات علمية وفنية، وما تتجر فيه من أسلحة وذخائر، وما تقوم به من تدريب علمي وفني وعسكري، مهيمنة على البلاد الإسلامية هيمنة تفرض على البلاد الإسلامية علاقات غير متكافئة. ج- وفي القرن العشرين الميلادي نشأت تنظيمات دولية بمقتضى مواثيق- ميثاق الأمم المتحدة- فقام تنظيم دولي ضم كل الدول وكل الناس على اختلاف مللهم وأعراقهم. تنظيم جعل السلام، هو أساس العلاقات الدولية ووضع ترتيبات لحماية السلام وحرم الحرب إلا الدفاعية، ونظم واجبات الدول في التصدي للعدوان. والدول الإسلامية اليوم كلها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة ملتزمة بميثاقها وبميثاق حقوق الإنسان. د- وبالإضافة للمواثيق والمنظمات ارتبطت مصالح وعلاقات واتصالات الأسرة الدولية فنشأ رأي عالمي منحاز إلى السلام في العلاقات الدولية وملتزم باحترام الحريات الأساسية وعلى رأسها حرية الاعتقاد والفكر، وصار الجميع- بصدق أو خداع – يلتزمون بالدعوة لمعتقداتهم بالتي هي أحسن مما اقتضى: • فنونا في تبليغ المعتقدات تقوم على المنطق والحجة ودواعي المصلحة العامة والخاصة. • وقيام تنظيمات ثقافية، واقتصادية، واجتماعية، وسياسية، ورياضية، وفنية، ذات فاعلية في خدمة المعتقدات والدعوة السلمية لها. • وتنظيم تحركات داخل المجموعات المراد تحويلها إلى معتقد معين ليكون تحويلها إن حدث بإرادتها الذاتية وممارستها في تقرير مصيرها. • وصارت النظم والمواثيق والقيم السائدة تشجب الإملاء الخارجي والغزو العسكري لتحقيق أو فرض عقيدة معينة على جماعة بعينها.
يتبع..
08-30-2004, 11:28 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
هـ-وظهرت حقائق جديدة هي: * وجود جماعات كبيرة غير مسلمة تساكن المسلمين في ديار غالبيتها من المسلمين، وتم ذلك على النحو الآتي: - انتشرت الدعوة الإسلامية سلميا ودعمتها الهجرات العربية حتى أسلم واستعرب غالبية السكان ولكن بقي منهم على غير الإسلام جماعات –مثلا- في السودان. - غلب المسلمون على البلاد عسكريا ثم سقطت سلطة الدولة الإسلامية بفعل الاستعمار أو بالتخلي عن حكم الشريعة. وتبدلت العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين بطول المساكنة والمخالطة الاجتماعية وحلت المواطنة محل الذمة في علاقات الجماعات المسلمة وغير المسلمة –مثلا- في مصر والشام. - أسلمت أكثرية السكان سلميا على مدى زمن طويل وبقيت بينها أقلية غير مسلمة –مثلا- في إندونيسيا وتنزانيا. والملاحظ في هذا الصدد أن الإسلام انتشر في أفريقيا السمراء وفي الشرق الأقصى وينتشر في أوروبا الغربية وفي أمريكا إبان فترات ضعف الدول الإسلامية السياسي والعسكري والاقتصادي. وهذا معناه أن ظروف الحرية الدينية كانت لصالح انتشار الإسلام –في تقرير عن انتشار الإسلام والمسيحية في أفريقيا السمراء في الستينات. ذكر ذلك التقرير أن مقابل كل واحد يتنصر يسلم عشرة أشخاص. - وجدت دول غير إسلامية قوية تجاور البلاد الإسلامية وتمنح الأقليات غير المسلمة فيها نوعا من الحماية مما يحول دون فرض علاقات الغلبة عليهم. وإن فرضوها رغم ذلك فإن من شأنها أن تجرد المسلمين من حق المطالبة بإنصاف الأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية. - وحل واقع جديد لا يمكن نقضه إلا بالحرب. ذلك الواقع يمنع تصنيف الناس إلى أحرار وعبيد لأن أبواب الرق قد أغلقت ولا يفتحها إلا فرض نظام دولي جديد. - والواقع الجديد يمنع اعتبار الأقليات الدينية في البلاد الإسلامية أهل ذمة لأنهم اكتسبوا حقوقا فوق ذلك لن يتنازلوا عنها إلا إذا غلبوا على أمرهم بالقوة.
يتبع..
08-30-2004, 11:31 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
نحو اجتهاد جديد في العلاقات الإسلامية الدولية المعاصرة: هذا هو واقع المسلمين اليوم، وواقع العالم المعاصر، وواقع الحقائق الجديدة، فإذا قام نظام إسلامي يلتزم بالأحكام التي رآها جمهور الفقهاء في العلاقات الدولية فإن هذا يقتضي الآتي: أ- إلغاء المواثيق والنظم الحالية لأنها قائمة على أساس مساواة الحقوق الإنسانية وعلى المعاملة بالمثل. ب- تنظيم العلاقات مع غير المسلمين على أساس الحرب المستمرة، اللهم إلا الذين قبلوا إقامة علاقات ثنائية مع المسلمين تقوم على عهد يقر للمسلمين باليد العليا. ج- استعداد المسلمين لخوض قتال ضد كل الذين لا يقبلون الإسلام دينا. د- فرض نظم الذمة والرق على الأقليات الدينية وعلى الذين غلبوا نتيجة القتال الشرعي الذي يخوضه المسلمون لنشر الإسلام. هـ- إلزام الأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية بالهجرة إلى دار الإسلام-وهم كما رأينا مئات الملايين من البشر. بهذه النتيجة يفرح العلمانيون فرحا شديدا، ويستشهدون بها على عدم صلاحية الإسلام للعصر الحديث. ويقولون أن للإسلام أن يستمر كعقيدة وعبادة ما آمن به الناس ولكنه لا يصلح كأساس للقوانين ونظم الحكم وتنظيم العلاقات الدولية. الخيار الذي يراه هؤلاء هو بين علاقات دولية تقوم على الأحكام التي اتفق عليها جمهور الفقهاء الأقدمين وبين العلاقات الدولية الحالية التي تقوم على مبادئ علمانية تناقض النظام الدولي الذي صوره الفقهاء في جوهره وفي كل تفاصيله وفي هذا الخيار فإنهم يرون أن الاختيار سيكون حتما لصالح العلاقات الدولية العلمانية الحالية. والسؤال هو: هل يمكن قيام العلاقات الخارجية على العهد في الشريعة الإسلامية؟ أقول: أ- إن أول عهد يشبه تنظيم علاقة خارجية هو الذي قام بين النبي وأهل يثرب والذي سمي في السيرة "بيعة العقبة الكبرى" وفحواه أنهم عاهدوا النبي على حمايته مما يحمون منه أهلهم وذويهم-أي أنه كان عهدا دفاعيا. ب- ثم هاجر النبي إلى المدينة، وهنالك كان أول إجراء قام به هو كتابة دستور-هو أول دستور مكتوب في التاريخ-سمته السيرة "صحيفة المدينة".. صحيفة المدينة هذه حددت حقوق وواجبات كل سكان يثرب من مسلمين وغير مسلمين وألزمت الجميع بالدفاع عن هذا المجتمع الجديد. ج- وكان القرشيون المشركون يسومون المسلمين سوء العذاب فاضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة ومنعوهم من العبادة وحاربوهم في الرزق وطاردوهم حتى كانت الهجرة الأولى إلى المدينة، فكانت العلاقة بين المسلمين وقريش علاقة عدوان مستحكم بدأه وواصله القرشيون، لذلك قام القتال بين المسلمين والقرشيين على حد قوله تعالى:أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ. أوضحت هذه الآية منطق القتال الذي تواصل بين المسلمين وقريش وكانت أول آية نزلت في الإذن بالقتال قد أوضحت سبب ذلك الإذن هي الآية التي قال فيها تعالي: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. د-وكاتب النبي الملوك والأمراء والحكام خارج الجزيرة العربية يدعوهم إلى الدين الجديد. هؤلاء لم يقدروا خطاباته بل عدوه متمردا وأرسلوا لعملائهم من العرب أو لعمالهم في المناطق القريبة من الحجاز أن يستبينوا هذا المتمرد وإلا بعثوا برأسه. فردوا على الدعوة للإسلام بالعدوان على صاحبها. هـ- وكانت البلاد المجاورة للجزيرة العربية مستعمرات يحكمها الفرس أو البيزنطيون ويفرضون على شعوبها ألوانا من القهر الديني والاستغلال الاقتصادي. لذلك تعاونت هذه الشعوب على حكوماتها مع المسلمين فسهلت لهم مهمة الفتح بل فتحوها محررين لها من نير ظلم أجنبي ولم يجبروها على الإسلام بعد الفتح بل منحوها حرية دينية فاقت أضعافا مضاعفة ما وجدوه في ظل الفرس والروم(البيزنطيين) وأما الجزية التي فرضها المسلمون مقابل حماية هذه البلدان فقد كانت خفيفة جدا بالمقارنة بالأعباء الاقتصادية الفادحة التي كان يفرضها الفرس والروم. كانت الجزية مفروضة على القادرين على القتال من الرجال، فلا يدخل فيها الشيوخ ولا النساء ولا الأطفال، وكانت مقاديرها طفيفة. قال الإمام أبو حنيفة: "الجزية على الفقير 12 درهما (في السنة) وعلى المتوسط 24 درهما، وعلى الغني 48 درهما" وكان الدينار يساوي 12 درهما. والدينار بنقد السودان في الستينات يساوي ثلاثين قرشا. أي أن الجزية كانت تساوي ثلاثين قرشا سودانيا للفقير في السنة، وستين قرشا للمتوسط ومائة وعشرين قرشا للغني. وهي مبالغ زهيدة جدا. فلم يجبر المسلمون الآخرين على الإسلام لا بالقهر الديني ولا بالضغط الاقتصادي. لذلك بقيت أغلبية سكان البلدان التي فتحها المسلمون على دينها القديم قرونا بعد الفتح الإسلامي إلى أن أسلمت أغلبيتها باختيارها وبالهجرات العربية إليها. فالقول بأن الجهاد لنشر الإسلام، وأن الإسلام انتشر بحد السيف أكذوبة. والجهاد ليس محصورا في القتال كما بينا..
يتبع..
08-30-2004, 11:33 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
إن نصوص الشريعة الإسلامية التي ينبغي أن نراعيها في إقامة علاقاتنا الدولية هي: أولا- أن الإنسان مكرم لمجرد إنسانيته: قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. ثانيا- العدل مأمور به ومطلوب دائما وفي كل الحالات: قال تعالى وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. ثالثا- الوفاء بالعهد واجب دائما وفي كل حال. قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وقال : "ثلاثة الكفر والإيمان فيهن سواء: العهد والأمانة والرحم. فإن عاهدت فأوف العهد، وإن ائتمنت فأد الأمانة لأهلها، وصل الرحم، سواء أكان المعاهد والمؤتمن وذو الرحم مؤمنا أو كافرا". رابعا- والتعاون مع الناس من غير ملتنا مطلوب ما لم يظلمونا. قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . خامسا- حرية العقيدة.قال تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ . سادسا- إن هذه الدنيا وما فيها من مخلوقات: حيوانها ونباتها وجمادها، خليقة موزونة إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ – ومسخرة لانتفاع الإنسان وهو مطالب بتعميرها هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا. -أي جعلكم عمارها. سابعا-الأمة الإسلامية واحدة من حيث أن كتابها واحد، ورسولها واحد، وقبلتها واحدة، ووحدتها التامة هدف أساسي لا يتخلى المسلم من التطلع إليه فإن فات تحقيقه لأسباب قاهرة فينبغي الحرص على اتخاذ أوسع الخطوات في سبيله، وهذا يقتضي: أ- العمل على توحيد المذاهب الإسلامية على الكتاب والسنة أصلا مع جواز الاختلاف في التفسير والاستنباط لتقوم بين أهل القبلة قناة وحدة روحية تنظم ممارسة العبادات والشعائر. وقناة وحدة فكرية تنسق الاجتهاد وتضع خطة لتطوير الثقافة الإسلامية، وتضع منهاجا للاستفادة من الثقافات الإنسانية الأخرى. ب- إيجاد مؤسسات تحقق أعلى درجات ممكنة من التعاون السياسي والاقتصادي والدفاعي بين البلاد الإسلامية. ج- إقامة نظم تحكيم مشتركة مهمتها التصدي لكل المشاكل التي تنشأ بين الدول الإسلامية لعلاجها علاجا عادلا. د- تكوين منظمة للشعوب الإسلامية تضم علماء، وفقهاء، ومفكرين، وحركات الدعوة الإسلامية لتوحيد حركة الدعوة الإسلامية على الصعيد الشعبي وتوحيد عطائها في طريق البعث الإسلامي. ثامنا- على كل المسلمين أن يحموا أنفسهم ويدافعوا عن أراضيهم ويصونوا قوتهم وعليهم ألا يتعاملوا أبدا مع غير المسلمين تعاملا على التبعية فإن وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ . تاسعا- على المسلمين أن ينظموا علاقاتهم مع غير المسلمين بموجب معاهدات ومواثيق عادلة، فإن لم توجد لأي سبب من الأسباب فالقاعدة المثلى للتعامل مع الآخرين هي المعاملة بالمثل. قال تعالى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ . عاشرا- على المسلمين إيجاب الجهاد، وهو يعني العمل بكل الوسائل لتكون كلمة الله هي العليا ولبث الدعوة الإسلامية حيث لم تصل، والدعوة لإقامة الشريعة حيث عطلت، وبذل الوسع كله في سبيل هذين الهدفين، والاستعداد الدائم تدريبا وعتادا ووعيا بأساليب القتال لبذل الروح والمال والولد قتالا فدائيا في سبيل الله إذا منعت حرية الدعوة للإسلام أو إذا وقع عدوان على بلاد الإسلام. فالجهاد هو موقف دائم وغرس تربوي واستعداد يجمع صاحبه بين روحانية الراهب وتحفز الجندي، تصوره الصلاة -عماد الدين- خير تصوير: ففي الصلاة جمع فريد بين حركة الجندية وتجرد الرهبانية. لذلك كان الجهاد –ومازال وسوف يظل – سنام الإسلام، كما كان الترهب-ومازال وسوف يظل –سنام المسيحية، وهذا هو معنى قوله "لكل أمة رهبانية ورهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله". الالتزام بهذه المبادئ العشرة يعني الآتي: أولا-التخلي عن السياسة الدولية كما استنبط أحكامها جمهور الفقهاء وصاغ نظرياتها وأحكامها –مع اختلاف بينه وبين غيره في التفاصيل – الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه السير.. التخلي عنها واعتبارها نظريات وأحكاما لعبت دورها التاريخي في مرحلة من مراحل تطور الفقه الإسلامي. وينبغي أن يخلفها اليوم فقه يستنبط أحكامه اجتهاد جديد من نصوص ومقاصد الشريعة التي ذكرناها في النقاط العشر. ثانيا-مراجعة مواثيق ونظم النظام الدولي الحالي على ضوء هذه المبادئ العشرة، فما وجدناه معارضا لها تخلينا عن الالتزام به وسعينا إلى تعديله. ثالثا-أن نجعل تلك المبادئ موجهة لعلاقتنا الدولية، فلا ندخل في أي التزامات أو مواثيق لا تتمشى معها.
يتبع..
08-31-2004, 07:28 PM
Shams eldin Alsanosi
Shams eldin Alsanosi
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 2135
الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد تعقيب على ورشة عمل الانصار "نحو مرجعية اسلامية جديدة ..." الحلقة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً ، إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ، إن الله عليم بما تفعلون * وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله!! ولكن تصديق الذي بين يديه ، وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه؟! قل فاتوا بسورة مثله ، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله!! كذلك كذب الذين من قبلهم ، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) صدق الله العظيم
(1)
نظمت هيئة شئون الانصار ، ورشة عمل في الفترة 16-18 أغسطس عام 2004 تحت عنوان "نحو مرجعية إسلامية جديدة متحررة من التعامل الانكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد". ولم تطرح في وسائل الاعلام الا ورقة السيد الصادق المهدي ، باعتبارها أهم ما طرح في الورشة ، فهي إذن تمثل الخلاصة الفكرية ، والدينية ، لما يقدمه حزب الأمة ، وكيان الانصار، في هذه المرحلة ، كحل لمشكلة السودان ، بل حل لمشاكل العالم الاسلامي بأسره .. لهذا جاء في اهداف الورقة "اننا في حاجة ماسة لنسيج فكري إجتهادي يوفق بين ضرورات التأصيل والتحديث ، ويحقق الحكم الراشد الذي فيه تتضامن الشعوب وحكوماتها . وعلى الصعيد النظري علينا ان نجري اجتهاداً جماعياً يعالج ثنائية الوافد من الماضي والوافد من الخارج ، وثنائية الرسمي والشعبي ويضع اساساً لمرجعية إسلامية جديدة". ولسائل ان يسأل لماذا طرح السيد الصادق ، الحاجة لمرجعية اسلامية ، في هذا الوقت بالذات؟ وهل هي حقاً إجتهاد جديد أم انها مجرد شعارات ، وتعريفات مرتبة رقمياً، ومسميات كتلك التي يطلقها الرجل كلما أخفق سياسياً ، وعجز ان يقدم انجازاً ملموساً؟ ألم يطرح في أزمات مماثلة "نهج الصحوة" و"الجهاد المدني" و "السندكالية" وجاء الآن بـ"الانكفائية"؟! فلقد خرج من السودان ، ولحق بالمعارضة ، وانضم للتجمع الذي كان يسعى لاسقاط النظام ، ثم اختلف مع التجمع ، وهاجم د. جون قرنق ، وعاد ليصالح النظام ، ولكن النظام لم يعطه ما يريد ، وأعضاء الحزب رفض معظمهم المصالحة ، وانشق بعضهم ولحق بالنظام.. ولقد حاول السيد الصادق ان يرجع مرة ثانية للتجمع دون جدوى. وكان واضحاً أنه لم يستطع أن يقدم نفسه في مستوى د. قرنق ، أو مستوى السيد محمد عثمان الميرغني. وعندما طرحت مبادرة السلام الاخيرة ، وشعر بان هنالك تغيير قادم لن يكون له فيه وجود ، هرع الى طرح المفاهيم التي ربما اوهمت قطاع من المثقفين بان لديه رؤية جديدة فلماذا لا يعطى فرصة لتجريبها؟! ان توقيع اتفاقية السلام بين الحركة الشعبية والحكومة ، ثم ما حدث في دارفور ، وما سيؤدي اليه من مفاوضات مماثلة ، سيخلق واقعاً جديداً في السودان ، وهذا الواقع الجديد لا بد له من رفض اطروحة الجبهة الاسلامية ، باعتبارانها السبب المباشر فيما حاق بالوطن .. ومن نتائج سقوط شعارات الجبهة الاسلامية ، هذا الواقع الجديد الذي فرض القبول بالآخر ، وفرض السلام ، واحترام التنوع ، واعتبار الهامش .. والصادق يخشى ان يسقط فكرياً مع الجبهة الاسلامية ، لانه كان حليفها في آخر فترة ديمقراطية ، ولأنه سعى مراراً لمصالحتها ، بعد ان اغتصبت منه السلطة ، ولانه ، وهذا هو الأهم ، لا يختلف منها فكرياً .. فقد كان رئيس الحكومة في فترة 85-89 ولم يوقف الحرب بين الشمال والجنوب ، بل لم يقبل اتفاقية السلام التي وقعها السيد محمد عثمان الميرغني مع الحركة الشعبية ، ولم يلغ قوانين سبتمبر التي رفضها كل الشعب السوداني ما عدا الجبهة الاسلامية ، ثم هو الذي ابتدر تسليح القبائل العربية في كردفان ودارفور، الامر الذي واصلت فيه حكومة الجبهة حتى ادى الى ماساة دارفور الراهنة .. فهو لكل هذا الماضي المخزي ، يريد ان يثبت انه يختلف من التيارات الاسلامية المتشددة ، وانه مجدد يستلهم روح العصر ، ولهذا لا بد ان يكون له مكان في الساحة الجديدة .. ثم للمحافظة على الانصار الذين بايعوه اماماً ، لا بد ان يؤكد انه مع التأصيل والشريعة ، ويورد أيات من القرآن تؤكد موقفه!!
(2)
في مقدمة ورقته ، استعرض السيد الصادق الحركات الاسلامية ، التي حاولت ان تحقق بعثاً باسم الاسلام ، واعتبر ان أفضل هذه التجارب ، التجربة الايرانية ، وقال "وافضلها الثورة الاسلامية في ايران ، ولكن التجربة الايرانية حبستها عقيدة ولاية الفقيه مذهبياً كما حجبتها عن مفهوم ولاية الأمة الاوسع" .. فالسيد الصادق يعتقد ان فتنة الخميني ، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الايرانيين بسبب الجهل والعنف والتطرف ، هي افضل التجارب ولا يأخذ عليها الا موضوع ولاية الفقية!! وما دام السيد الصادق ، يريد ان يقرب بين اعتقادات المسلمين ، ويؤلف بين قلوبهم ، فليحدثنا عن رأية في قول الامام الخميني: "فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل"!! ان اعجاب السيد الصادق بالخميني قديم ، ولقد كان لنا شرف التنبيه على الخلل العقيدي ، الذي وقع فيه السيد الصادق ، حين قام بافتتاح اسبوع النشاط الايراني بجامعة الخرطوم عام 1980 وتحدث في كلمة الافتتاح مشيداً بالفكر الشيعي . فقد قلنا في ذلك الوقت ، ان الصادق المهدي الذي يقوم كل مجده على انه حفيد المهدي الذي ظهر ومضى لربه ، يناصر ويؤيد الشيعة الذين يقوم كل أمرهم على انتظار المهدي الذي لم يأت بعد!! فإن صح اعتقاد الانصار بان الامام محمد أحمد بن عبد الله السوداني هو المهدي بطلت عقيدة الشيعة ، وسقط كل ما تعتمد عليه اطروحات الخميني .. أما ان صح رأي الشيعة في ان المقصود هو محمد الحسن العسكري ، وانه هو الامام الغائب وهو المهدي المنتظر، وهو لم يأت بعد ، بطلت عقيدة الانصار ، واصبح الامام محمد أحمد مدعياً لمقام المهدية ، الامر الذي يسقط اي اعتبار ديني لدعوته ، وينزع عن الصادق المجد الموروث ، الذي بسببه أصبح زعيماً للانصار .. فاذا جاء السيد الصادق ليحدثنا الآن بعد كل هذا الوقت ، بان خلل الشيعة هو فقط في ولاية الفقيه ، يتضح لنا انه لا يزال على موقفه من الاشادة بالشيعة ، وان زعمه الآن بانه يقدم اجتهاداً مغايراً ليس الا محاولة تضليل ..
(3)
قدم السيد الصادق لورقته بقوله "فيما يلي أهم ثلاثين مسالة هامة يرجى ان يطولها هذا الاجتهاد. نقدمها لقائمة من العلماء والمفكرين لتدارسها يلتقون في بقعة حرة لتداول الرأي المفضي إن شاء الله لوضع نواة لمرجعية إسلامية جديدة"!! فالسيد الصادق لا يطرح فكراً ليقنع به الناس ، وانما يقدم اجتهاده لطائفة يختارها من العلماء ، يريد لهم ان يتداولوا النقاط التي افترض انها اهم ثلاثين مسالة ليلتقوا بناء عليها على نواة لمرجعية اسلامية جديدة ، وما عليك ايها القارئ وما عليّ ، وغيرنا من سائر المسلمين ، الا ان نسلم لهؤلاء العلماء المختارين ، ونقبل ما اتفقوا عليه باعتباره المرجعية التي نحتكم اليها في أمور ديننا!! ان رجلاً يظن ان الفكر يتم الاتفاق عليه بالمداولات في المؤتمرات ، وان مجموعة ممن يعتبرهم "العلماء" تغني عن عامة الناس ، لا علاقة له بالفكر ولا بالجماهير التي تضطلع بمسؤولية التغيير .. والصادق هو هذا الرجل تماماً ، فقد اعتاد على ان يقرر للجموع ما يشاء وما عليها الا ان تتبع بالاشارة ، فلماذا يحاول اقناعهم .. ثم هو هنا لا يملك فكراً ينهض للحجة والاعتراض ، وانما يريد ان يقدم آراء لصفوة ، يمكن ان تقبلها جميعاً او تضيف عليها ، والمهم عنده في النهاية ان يتاهل لمكانة مرموقة في الحكومة القادمة ولا يبعد عنها بسبب فشله المتكرر السابق .. ومع ذلك فساناقش الافكار التي اوردها السيد الصادق المهدي حتى يتضح ، خاصة لشباب حزب الامة ، انه لا يعرف من الدين ما يكفي لزعامة اي جماعة دينية ، تريد ان تنهض ببعث جديد ، وانه لا يختلف في فهمه من الجماعات السلفية التي سماها الفكر "الانكفائي" .. ولقد وضح من كثرة الفرص التي وجدها في الحكم ، واخفق فيها ، انه لا يستحق زعامة أي جماعة سياسية ، وما سعيه للحصول على البيعة ، وانتخابه لرئاسة الحزب ، الا محاولة في التشبث بالزعامة ، التي قصرت قامته، عن قمتها ، قصوراً مزرياً .. في أول نقاطه الثلاثين يقول السيد الصادق "أهم نظريتين حول مكانة الانسان في الكون هما: النظرية اللاهوتية التي تعتبر الانسان متلقياً للمعرفة من الغيب عبر الوحي فمعارفه هي ما نزل به الوحي . النظرية المناقضة لها تماماً هي النظرية الناسوتية التي تعتبر الانسان مستقلاً بذاته ومعارفه هي ما تطولها قدراته العقلية والتجريبية"!! ولم يحدثنا السيد الصادق من الذي وضع هاتين النظريتين؟! وهل هما نظريتان حول مكانة الانسان في الكون أم حول وسائل معرفة الانسان؟! ومن يقول بهما من المسلمين السابقين أو اللاحقين؟! ولماذا هما متناقضتان ، كما قرر، ما دام الشخص يمكن ان يحصل بعض معارفه من التجربة بقدرته العقليه ، ويلهم بعضها من الله؟! أقرأ ان شئت (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها) .. على ان الصادق مهتم بتفخيم العبارات ، أكثر من تفهيم المعاني ، والا فما الداعي لاستعمال كلمتي "اللاهوت" و "الناسوت" ، اللتين كان يمكن ان يستعيض عنهما بكلمتي "الله" و "الانسان"؟! خاصة اذا كان لا يريد ان يتعمق في شرح هذه المعاني وانما استعملها فقط في الاشارة الى العلم العقلي والعلم الالهامي .. يقول السيد الصادق المهدي ان "النظرة الاسلامية تؤكد ان في الكون غيب لا يدركه الانسان بذاته. قال تعالى (ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً) هذا هو مجال الوحي الذي يدركه الانسان عن طريق التنزيل (وبالحق انزلناه وبالحق نزل)" .. هذه العبارة معممة ، وسطحية ، لانه مع ان الكون بعضه "غيب" وبعضه "شهادة" الا ان من الغيب ما ادركه الانسان بقدراته المحدودة .. فالغيب هو ما غاب عن الحواس ، وحين طور الانسان ادواته واستعان بالآلة أدخل طرفاً من "الغيب" في "الشهادة " . فقد كانت الجراثيم في الماضي غيباً ولكنها لم تعد كذلك بعد اختراع المكبرات المتطورة . وقد كنا لا نعرف الجنين في بطن أمه ، اذكر هو أم انثى ، ولكننا بفضل الله ، ثم بفضل تطور العلم نستطيع الآن ذلك ، وكذلك رصد حالات الطقس وتوقع الزلازل وغير ذلك .. فنحن لا نحتاج للوحي عن طريق التنزيل ، لنعرف طرفاً من الغيب ، كما قرر السيد الصادق .. وفي مستوى أعمق من هذا ، فان عبارة السيد الصادق "لا يدركه الانسان بذاته" تحتاج لمراجعة .. ففي الحقيقة لا يعلم الانسان أي شئ بذاته ، وانما يعلم من "الغيب" و من "الشهادة" ما يعلمه له الله .. قال تعالى في ذلك (ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء) .. وهو تبارك وتعالى ، يشاء لنا ان نتعلم من علمه كلما تاهلنا لذلك ، وحين نتأهل لمعرفة عالم الشهادة بالعلم المادي التجريبي ، نتأهل لمعرفة عالم الغيب بالعلم الروحي التجريبي ، والى هذا الاشارة بقوله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) .. فالتقوى هي وسيلة العلم الروحي ، أو قل العلم بحقائق الاشياء ، التي لا يدرك العلم المادي الا مظهرها .. ولما كان هذا العلم يؤخذ من لدن الله بلا واسطة ، سماه السادة الصوفية العلم اللدني . ولقد ذكره الله لنا في قصة موسى والخضر ، حين قال تعالى من قائل (فوجدا عبداً من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنّا علماً) .. ولقد تأهل الانسان بمحض الفضل الالهي ، قبل سائر المخلوقات ليرث العلم بشقيه ، لان فيه قبس من روح الله .. قال تعالى (فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ومن هنا، من حقيقة اننا نسعى بروح الله في إهابنا ، فانه ليس هناك تناقض بين "اللاهوت" و"الناسوت" ، كما انه ليس هناك تناقض بين "الغيب" و "الشهادة" وانما الاختلاف اختلاف مقدار لا اختلاف نوع .. فالمادة التي نراها بعيوننا ، ونحسها بحواسنا ، قد فجر العلم الحديث نواتها ، فاذا هي طاقة تدرك الحواس تأثيرها ، وتجهل كنهها ، تجهل حقيقتها التي تظل غيباً ، ففي المادة الواحدة ، بل في كل ذرة من ذرات الوجود يجتمع الغيب والشهادة ، هذا هو التوحيد في مستوى وحدة الوجود ..
(4)
يقرر السيد الصادق في نقطته الثانية "ان للانسان أربع وسائل معرفية تتكامل ولا تتناقص: أ- فالوحي هو وسيلة معرفة الغيب . ب- الالهام هو وسيلة المعارف غير الحسية (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به) ج- والعقل وسيلة معرفة لما يطوله العقل (ان في ذلك لايات لقوم يعقلون) د- والتجربة وسيلة معرفة لما تدركه الحواس . قال تعالى (وفي الارض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلاتبصرون)" هذا ما قاله السيد الصادق وكأنه حقائق لا يتطرق اليها الشك .. أما نحن فقد أوضحنا خطل القول بان "الوحي هو وسيلة معرفة الغيب" ، اذ ان من الغيب ما يدرك بمجرد تطور العلم المادي ، والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة ، ومنه ما يدرك بالتقوى ، على قاعدة (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) .. كما ان الوحي أيضاً قد يكون مجرد إلهام بما يحفظ غريزة الحياة ، ويمكن ان يكون مجرد إلهام لفعل الصواب .. ومن ذلك قوله تعالى (وأوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) ، وقوله (وأوحينا الى أم موسى أن أرضعيه ، فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ، ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) .. ففي حالة النحل وحالة أم موسى ، فان الوحي هو عين الالهام ، ولهذا فان اعتبار الصادق الالهام وسيلة مختلفة عن الوحي خطأ، لانه حالة من حالاته .. ولان السيد الصادق مفتون بالعبارات الانشائية ، ووضع المعلومات في ارقام متسلسلة ، وقد قرر ان الوحي هو وسيلة معرفة الغيب ، فلا بد ان يجد شيئاً للالهام الذي وضعه في المرتبة الثانية ، وكذلك قال "الالهام هو وسيلة المعارف غير الحسية"!! ولكن المعارف غير الحسية ، هي المعارف الغيبية ، التي ذكر ان وسيلتها هي فقط الوحي ، واوضحنا خطأه في ذلك .. اما قوله "والعقل وسيلة معرفة لما يطوله العقل (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)" فعبارة لا معنى لها ، لانه لم يوضح لنا ما الذي يطوله العقل ، وما الذي لا يطوله ، واستدلاله بهذا الجزء من الآية لم يكن موفقاً لان المشار اليه ب "ذلك" ، قد ورد في أول الآية ، ولم يرد في الجزء لذي أورده!! فالآية هي قوله تبارك وتعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) أو قوله تعالى (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى من ماء واحد ونفضل بعضه على بعض في الاكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) أو قوله عز من قائل (ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) .. وكلها تشير الى ان العقل وسيلة ادراك البيئة المادية التي يعيش فيها الانسان .. ونوافذ العقل على البيئة الحواس ، فلولاها ما عقل العقل ، والتجربة انما تركز المعرفة في العقل ، ولا تتم معرفة التجربة بلا عقل .. فاذا وضح هذا ، فان عبارة السيد الصادق "والتجربة وسيلة معرفة لما تدركه الحواس" تصبح مجرد كلمات مرصوصة بلا محتوى!! وذلك لأن الحواس لا تدرك وانما العقل هو الذي يدرك عن طريق الحواس ، والتجربة ليست وسيلة معرفة قائمة بذاتها ، وانما هي من عمل العقل .. نخلص من هذا الى ان السيد الصادق قد ذكر وسيلتين فقط للمعرفة: الوحي والعقل . فاذا صح ان الوحي انما يخاطب في الانسان العقل ، وان العقل هو الذي يدرك مقاصد الوحي ، نصل الى ان المعرفة ، حسب تحليل خطاب الصادق ، لها وسيلة واحدة هي العقل .. والحق ان للمعرفة وسيلتان هما القلب والعقل .. والقلب هو الوسيلة الاساسية للادراك ، لانه وسيلة ادراك أكبر الحقائق – الله ، والى ذلك الاشارة في الحديث القدسي (ما وسعني ارضي ولا سمائي وانما وسعني قلب عبدي المؤمن) والقلب لا يسع الله مكاناً وانما يسعه معرفة .. ولهذا نزل القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى (من كان عدواً لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) وقال أيضاً (نزل به الروح الامين * على قلبك لتكون من المنذرين) ومن هنا ، من كونه محل الحقائق الكبرى ، اعطي القلب منزلة الشرف في القرآن وقدم على العقل في سائره ، واعتبر ادراكه هو ما به العبرة .. قال تعالى في ذلك (افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او اذان يسمعون بها فانها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ، وقال أيضاً (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد) فالذكرى تنفع اولاً صاحب القلب السليم ثم بعد ذلك صاحب العقل الواعي اليقظ المنتبه ، والذي اشار اليه بقوله (القى السمع وهو شهيد) .. والعقل يدرك الله في مستوى تنزلاته ، ولا يدرك الذات الالهية لانه مقيد بالثنائية ، فهو يدرك بالاضداد ، فبالحار يعرف البارد ، وبالحلو يعرف المر، وهكذا .. وليس لذات الله ضد مكافئ (لم يكن له كفؤاً أحد) ، وهذا هو السر في نهي النبي صلى الله عليه وسلم لنا (تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتضلوا) .. وعن ادراك العقل بالثنائية ، واننا يجب ان نتجاوز ذلك الى الوحدة ، قال تعالى (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون * ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين) ..
هذا ، وعلى الله قصد السبيل -نواصل - عمر القراي
09-01-2004, 00:38 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الأخ العزيز شمس الدين سعيد أيما سعادة لمرورك هنا، وكم أسعدني ذكرك لبعض أحباب حالت الغربة - قاتلها الله - دون لقاءهم.. لك التحية ولكل من ذكرتهم أزكي سلام..
الأخ عبد الله عثمان تحية طيبة وبعد.، جميل أن تأتينا برأي الأخ الدكتور عمر القراي والذي يمثل دون شك رؤية الجمهوريين لما طرح في ورشة هيئة شون الأنصار.. وبعد إكتمال الورقة سأقوم بالتعليق على ما بعض ما ورد ذكره في مقال القراي، وما يهمني حقيقة هو نقد هذه الورقة وغربتلها حتى نصل للمفيد، فهذا هو الهدف الأساسي من قيام الورشة الفكرية آنفة الذكر، فالسيد الصادق طرح رؤيته ولم يقل أنها ملزمة للجميع بل وأنما ينتظر نقد الناقدين وتقييم المهتمين من أجل بلورة رؤية محددة لكثير من القضايا الإسلامية المعاصرة الملحة.
دمت أخي عبد الله مرة أخرى لنقل مقال القراي وفي إنتظار مساهمة بقية الأخوة.
09-01-2004, 01:17 AM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50058
Quote: جميل أن تأتينا برأي الأخ الدكتور عمر القراي والذي يمثل دون شك رؤية الجمهوريين لما طرح في ورشة هيئة شون الأنصار
لم يقل الأخ القراي أنه يتحدث باسم الجمهوريين، فلماذا تقول أنت بأن كتابته تمثل بلا شك رأي الجمهوريين ؟؟ ولا أعتقد أن ايراد الأخ عبد الله لها يعني ما ذهبت أنت اليه. أرجو أن تواجه محتوى الكتابة فتتيح لنا جميعا، نحن القراء، الاستفادة من تلاقح الأفكار، بدون اقحام النغمة التنافسية الحزبية . وأنا شخصيا قد حمدت لحزب الأمة الاهتمام بالكتابة والنشر. وأرى أن مثل هذا السلوك هو مما يساعد على تطور الأحزاب لدينا، ولكن النظر الى كتابات المثقفين على أنها تمثل رأي جماعة معينة، خاصة اذا لم تجيء الكتابة تحت هذا الوصف، لا يأتي بخير. أرجو أن أطلعك على التعليق الذي كتبته على مداخلة الأخ القراي في منبر الجمهوريين.
Quote: لقد أعجبت بتعقيب الأخ القراي على ورشة عمل الأنصار، وأحب أن أشيد بموضوعية كتابته ودقتها ورصانتها وهدوئها..
استوقفتني بعض النقاط التي أود أن أعلق الآن على واحدة منها ريثما أعود الى جهاز يمكنني من الكتابة بطريقة أكفأ من الماوس الذي أستعمله الآن.
يقول الأخ القراي فقد كان رئيس الحكومة في فترة 85-89 ولم يوقف الحرب بين الشمال والجنوب ، بل لم يقبل اتفاقية السلام التي وقعها السيد محمد عثمان الميرغني مع الحركة الشعبية ، ولم يلغ قوانين سبتمبر التي رفضها كل الشعب السوداني ما عدا الجبهة الاسلامية
لا أعتقد أن غالبية الشعب السوداني آنئذ قد رفضت قوانين سبتمبر، بل ولا حتى غالبية المتعلمين السودانيين.. وهذا، في تقديري، هو الذي مكن الجبهة الاسلامية من ابتزاز الحزبين الكبيرين، وثبطهما من محاولة الغائها في البرلمان، فاكتفوا بتجميد العمل بها. ولدى التدقيق نجد أن الجبهة، بعد استيلائها على الحكم بقوة السلاح، تمكنت من احياء العمل بتلك القوانين، وصارت تبتز معارضيها باظهارهم كمن يعارض شرع الله، وأفلحت في ذلك حتى الآن..
09-01-2004, 01:46 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الأخ العزيز دكتور ياسر الشريف تحية طيبة وبعد.، ربما لم أكن دقيقاً إذ قلت أن رأي الدكتور القراي يمثل رأي الأخوة الجمهوريين ولكن هذا لا ينفي أن الدكتور عمر القراي يعتمد في آرائه ومقالاته إعتماد كلي على ركيزة الفكر الجمهوري..
الدكتور ياسر قلت
Quote: أرجو أن تواجه محتوى الكتابة فتتيح لنا جميعا، نحن القراء، الاستفادة من تلاقح الأفكار، بدون اقحام النغمة التنافسية الحزبية . وأنا شخصيا قد حمدت لحزب الأمة الاهتمام بالكتابة والنشر.
أنا لم أذهب لهذا المنحى ولم يكن في ذهني ما ذهبت إليه أخي ياسر ولكن الذي أقحم الشئون الحزبية هو عمر القراي، فنلاحظ أنه خلط خلطاً كبيراً ما بين حزب الأمة المؤسسة السياسية المدنية وما بين هيئة شئون الأنصار المؤسسة الدينية الدعوية.. تجدني متفق معك أخي ياسر في ضرورة تلاقح الأفكار بعيداً عن إلباسها ثوب الأطر الفكرية أو الحزبية الضيقة.
الاخ عبدلله عثمان لشكر لك على نقل مداخلة الاستاذ عمر القراى اكاد لا اصدق ان هذه المداخلة خطها بنان القراى لما يفترض فيه من موضوعية المفكرين .لقد راعنى ان اقرا مثل هذا الكلام للاخ القراى،واشد ما راعنى فى مداخلته خلطه الواضح للامور ،كخلطه بين القلب و العقل فى الدين،وكذلك خلطه بين الوحى و الالهام ،اضافة الى خلطه بين مفهومي المهدية فى الفكر الشيعى و المهدية فى الفكر السنى و بينهما بون شاسع،كما اعيب عليه اصراره ان الامام الصادق المهدي معجب بالفكر الشيعى ،والحقيقة ان الامام طرح النظرية الشيعية فى الحكم الاسلامي كواحدة من نظريات الفكرالسياسي الاسلامى ليبين اوجه القصور فيها . وسوف اعود لاحقا بالتفصيل بعد ان يكمل الاخ القراى كل مداخلاته ولكم الود
09-01-2004, 04:56 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
18 الأمم المتحدة: العلاقات الدولية اليوم تفترض أن الدول وحدات وطنية ذات سيادة، وأنها تلتزم بميثاق الأمم المتحدة وبالمنظمة الدولية (الأمم المتحدة) كمؤسسة عالمية جامعة . إن الوحدات التي تلتزم بهذا الميثاق وتضمها الأمم المتحدة هي الدول الوطنية وقد بينا الموقف الصحيح من الرابطة الوطنية. إن ميثاق الأمم المتحدة وثيقة جليلة ، ومنظمة الأمم المتحدة منظومة جامعة كما أن منظمات الأمم المتحدة المتخصصة منظمات ضرورية وبالغة الفائدة في مجالاتها . ولكن ما يعاب على النظام الدولي الراهن بمقياس العدل هو: أ) الأمم المتحدة لا تقوم على المساواة بين أعضائها، إذ تمنح الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن حق النقض، فكل واحد منهم يستطيع بصوت واحد أن ينقض قرار المجموعة الدولية كلها. وهؤلاء الأعضاء الدائمون لم يستحقوا حق النقض بموجب مؤهلات موضوعية، بل لأنهم هم الحلفاء الخمسة الذين هزموا دول المحور في الحرب الكبرى الثانية (1939-1945م). ب) والأمم المتحدة تقف عاجزة أمام الخطر الذي يهدد السلام العالمي، لأن الأعضاء الذين لهم حق النقض يحابون بعض حلفائهم، أو يتحدون حقوق الآخرين، وعندما تتحرك الأسرة الدولية لتشجب العدوان يحال بينها وبين قرارها عن طريق حق النقض. وصار عدوان المعتدين يحتمي من المحاسبة الدولية بحماية أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. ج) وكثير من أعضاء الأمم المتحدة يوقعون على ميثاق حقوق الإنسان ويلتزمون التزامات نظرية، ولكنهم في واقع الحال يستخفون بكل الحقوق والمواثيق، ولا بد من إيجاد وسيلة لمساءلة الدول التي تستخف بحقوق الإنسان وتتلاعب بالالتزامات الدولية. د) إن منظمات هيئة الأمم المتحدة المتخصصة - في الخدمات الزراعية والثقافية والصحية – هي أفضل أنشطة الأمم المتحدة عملا وأكثرها عطاء، ولكن المنظمات المتخصصة في الشئون التنموية والمالية والنقدية -مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي – تقوم على أسس منحازة تماما للنظام الرأسمالي، وخاضعة لتوجيهات الدول الغنية، فكل الأنشطة الدولية الحالية المالية والنقدية والتجارية تقوم في بنيتها كمؤسسات، وتتبع سياسات منحازة إلى اتجاهات ومصالح الدول الغنية على حساب الدول الفقيرة. ه) لقد وضعت الدول الغنية هذه المؤسسات وحددت دساتيرها وسياساتها في غيبة الدول الفقيرة بعد الحرب الكبرى الثانية مباشرة، ولا بد من مراجعتها بعد حضورها لأخذ حقوقها ومصالحها في الحسبان. و) ووجود رئاسة الأمم المتحدة في أرض غير محايدة تعطي الدولة المضيفة امتيازات ربما استخدمتها ضد بعض أعضاء الهيئة أو حتى ضد الهيئة نفسها. ز) ولقد أقامت الدول الكبرى نظما دولية خارج المنظمة الدولية، وهي تسعى بوسائل كثيرة لفرض هيمنتها على الدول الصغيرة، والأمم المتحدة تقف عاجزة أمام هذه الأنشطة التي تشكل خطرا كبيرا على السلام العالمي، ولابد من أن تعي الدول الصغيرة هذا الخطر وتتكتل لدرئه.. أولا: بمنع قيام علاقات غير متكافئة بين الدول الصغيرة والدول الكبرى. وثانيا: بإيجاد وسائل حماية جماعية تستفيد منها الدول الصغيرة. ح) وهناك دول تشكل خطرا على السلام بما تمارس من عنصرية وعدوانية وقمع مثل إسرائيل في آسيا ، ومهما كان رأي الأسرة الدولية واضحا في إدانة هاتين الدولة فإنها تجد حماية من أثر تلك الإدانة، وتعمل دون انقطاع على خلق واقع ينشر سياسات لا يمكن أن يكون معها سلام في آسيا. ولابد من إيجاد وسيلة لدرء هذا الخطر. ط) إن الدول الإسلامية تتحرك اليوم آحادا في السياسة الدولية، وينبغي إيجاد صيغة لتتحرك بموجبها تحركا جماعيا وأن تضم معها الدول المستضعفة المتطلعة إلى نظام دولي أعدل وأفضل.
يتبع...
09-01-2004, 05:42 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
إصلاحات ضرورية لمواثيق ونظام الأمم المتحدة: أولاً: ضرورة مراجعة المواثيق لإدخال القيم الروحية ، والخلقية ، والثقافية ، والبيئية فيها لأنها كتبت في ظروف أغفلت تلك الجوانب الهامة في حياة البشرية . ثانياً: ضرورة تكوين منظمات متخصصة للأمم المتحدة في مجالي حوار ووئام الحضارات ، وحوار ووفاق الأديان . ثالثا : تجاوز رواسب الحرب الأطلسية الثانية نهائيا وحسم كل المسائل المتعلقة بها فالذين كانوا يواجهون بعضا في خنادق الحرب اليوم أصدقاء في نطاق سلام واحد والمطلوب أن تقنن الحدود والحقوق نهائيا بحيث لا يسمح بالعودة لظروف ما قبل الحرب. القوى التي خسرت الحرب كألمانيا، واليابان، ينبغي ألا تعامل من الآن فصاعدا على أساس ماضيها ولكن على أساس وضعها الراهن فأجيالها الحالية لا تقبل أن تعاقب على جنايات أجيال سبقت وأية محاولة لفرض ذلك عليهم ستأتي برد فعل مضر للسلام العالمي. رابعا: النظام الدولي الحالي الذي تجسده الأمم المتحدة نظام أقامه المنتصرون وهو نظام خطا بالعلاقات الدولية في الاتجاه الصحيح . ولكن ينبغي الآن على ضوء تجربة الأربعين عاما الماضية، وعلى ضوء آراء الذين لم يشاركوا فيه مشاركة تأسيسية من الدول التي هزمت ودول العالم الجنوبي أن يراجع ليصبح بحق برلمانا دوليا. كما يراجع تكوين مجلس الأمن ليصبح أداة للسلام والتعاون الدولي عادلة التمثيل للأسرة الدولية . إن الفكر اللبرالي قد وضع مقاييس لكيفية النيابة والقيادة وهي مقاييس عادلة ولا يجوز أن تكون المؤسسة الدولية الأولى نابية في تكوينها عن تلك المقاييس. في هذا الصدد فإن العالم محتاج بحق إلى شرطة دولية وهو دور ينبغي ألا تقوم به أية دولة مهما عظمت قوتها ولكن تقوم به الدول ضمن ضوابط النظام الدولي والقانون الدولي. الدور واجب وإهماله تفريط في السلام الدولي وممارسته بضوابط عادلة ضرورة. خامسا: لقد تطورت المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة تطورا صحيا والتزمت بمقاييس التمثيل العادل مثل منظمة الصحة العالمية ، منظمة الفاو، اليونسكو، وغيرها ولكن هذه المنظمات قعدت بها الإمكانات المادية والفنية دون تحقيق درجات أعلى من العطاء . إن مراجعة نظام الأمم المتحدة بحيث يخرج من كونه ظلا لهيمنة المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية سوف يوظف موارد مادية أو سع لتمويل المنظمات المتخصصة.. هنالك قضايا خطيرة جدا استجدت على الساحة الدولية وزاد خطرها مثل : الحروب الإقليمية- العنف الدولي- الدين الخارجي- المخدرات- تدهور البيئة- التوازن السكاني- الجفاف والتصحر- الفقر- والأمراض الفتاكة لا سيما الإيدز . .. هذه القضايا ينبغي علاجها في إطار دولي ليتعاون الجميع وفق رؤية متفق عليها لمواجهتها بحزم شديد وكفاءة عالية. سادسا: لقد لعب البنك الدولي دورا إيجابيا ، كذلك صندوق النقد الدولي ومنظمة القات للتجارة العالمية . ولكن مطلوب تطوير هذه المؤسسات على نحو توصيات لجنة برانت -وزيادة- لتناول وحل مشاكل ما كانت في حسبان الذين خططوا لهذه المؤسسات .إن ثروة العالم اليوم قائمة على وجود نظام اقتصادي، ومالي ، وتجاري عالمي حر ومستقر. إن النظام الحالي مع الدور العالي الذي يقوم به مدفوع بأنه نظام منحاز لمصالح مخططيه. الآن توجد فرصة كما لم تكن في الماضي أبدا للتخطيط لنظام اقتصادي عالمي حر يرتضيه الجميع بعد أن يشاركوا في التخطيط له ويجنبوه مظالم وأخطاء التجربة التي حدثت بعد الحرب الأطلسية الثانية. سابعا: إن في العالم الجنوبي في أمريكا الجنوبية ، وفي بعض بلاد آسيا، وفي أفريقيا مشاكل تنموية من نوع خاص بكل إقليم منها بحيث أن أسوأها هي مشاكل أفريقيا السوداء. هذه البلاد تعاني من مشاكل هيكلية لا يمكن حلها إلا في إطار تعاقد بين دولها وجهة دولية متخصصة ومؤهلة ومشاكل استثمارية ينبغي حلها في إطار تفاوض بين الدول الفقيرة والشركات الاستثمارية العالمية للاتفاق على برامج استثمارية تقبل عليها الشركات وترتضيها الدول المعنية. المطلوب في هذا الصدد هو تكليف هيئة متخصصة مؤهلة لوضع أسس تتعاقد عليها الدول المعنية لإحداث حقنة تنموية تعالج المشاكل المزمنة في العالم الجنوبي وتنتشله من الهاوية وتعده للمساهمة في بناء حضارة الإنسان. إن العالم الغني المستنير المدرك لوحدة مصير الإنسان مطالب بتطوير نظرته لمشاكل العالم الجنوبي على نمط الأسلوب الذي عالجوا به مشاكل الفقر والتظلم الاجتماعي داخل مجتمعاتهم الوطنية. أي درجة من الاهتمام أقل من ذلك لا تجدي. في هيكل الأمم المتحدة يقوم مجلس الأمن بدور هام في قيادة الأمم المتحدة في قضايا الأمن الدولي. ينبغي تكوين مجلس مواز لقيادة المهام الاقتصادية الاجتماعية البيئوية فالأمن بمعناه يعني الحرص على عالم يكفل لسكانه حياة كريمة وعادلة ومستدامة. ثامنا: إن للقوة العسكرية حدودا في تحقيق الأهداف السياسية , هذا هو الدرس المستفاد من تجربة أمريكا في فيتنام وروسيا في أفغانستان. و لا جدوى لسباق التسلح لأن ما تحقق من توازن الرعب جعل كل طرف قادرا على تحطيم الآخر ولا يستفيد البادئ بل كلاهما يواجه مصيرا واحدا هو الدمار الشامل النتيجة لن تكون غالبا ومغلوبا ولكن مغلوبين." . هذه الخطة ذات الثمانية أضلع هي الأرضية التي تمهد للحوار بين الحضارات بإنهاء أوجه الغبن التنموي والإستعلاء الغربي، ولكنها محتاجة لمتطلبات "ذهنية" للغرب في قبول الآخر واحترامه واحترام دوره وطوعية خياراته الحضارية.
يتبع..
09-01-2004, 06:35 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
19- الوحدة الإسلامية: التطورات العالمية نحو العولمة تزيد من الوعي بالذات الحضاري وبالمصالح الوطنية الإقليمية لذلك نشطت مع العولمة تيارات التكوينات القومية والإقليمية لتحقيق أقصى درجات الانتفاع بالواقع العالمي الجديد وحماية المصالح الخاصة والحماية من الهيمنة. ماذا عن الوحدة الإسلامية؟. الوحدة المتجسدة في دولة واحدة لم تعد ممكنة في المستقبل المنظور، إنها اختفت من الواقع الإسلامي منذ نهاية العهد الأموي في عام 150هـ. إن مفهوم القيادة العليا الواحدة كما كان متاحا للخليفة لم يعد واردا لأن ضوابط العدالة صارت تقتضي أن يكون رئيس الدولة مختصا بالسلطة التنفيذية، ضمن إطار يحدد مؤسسات السلطة التشريعية والقضائية، وآليات تبسط الشورى والمشاركة على نطاق واسع عبر مؤسسات المجتمع المدني والصحافة وآليات البحث العلمي والاجتهاد الفكري والتطور الثقافي، وهي آليات لها دورها ووزنها ووظيفتها القانونية. حتى في إطار دولة قطرية واحدة لم تعد توجد مؤسسة قيادة شاملة مطلقة إلا في الدولة الاستبدادية. إن وجود دول مختلفة محكومة بنظم دستورية لا يمنع التعامل مع مفهوم السيادة الوطنية بمرونة وتحقيق وحدة في مجالات عديدة: 1. في المجال الروحي والعبادي إذ يمكن للمسلمين الاتفاق على ما يجمع بينهم والتعايش فيما يفرق بينهم على أن يقيموا تنظيما موحدا يقرر بشأن المسائل العقدية والعبادية ويتخذ تكوينا جماعيا شوريا. 2. تكوين محكمة استئناف عليا ذات صلاحيات متفق عليها للحكم في قضايا معينة. 3. برنامج موحد للتعليم الديني وتعاون في كافة المجالات التعليمية. برنامج يحقق التعاون في مجالات معينة ويفسح مجال التنوع. 4. تعاون ثقافي وإعلامي. 5. تنسيق تنموي وتجاري في المجال الاقتصادي والتجاري. 6. تحديد آليات للحوار الداخلي بين المسلمين وأخرى للحوار مع غيرهم. إن الإبقاء على تعدد الدول لا يتنافى مع تحقيق درجة عالية من التنسيق والتوحد في المجالات الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والحضارية لبلوغ درجة من الوحدة الإسلامية وترك المجال مفتوحا للتطوير المستقبلي.
يتبع...
09-01-2004, 06:52 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
20- العولمة: ما هي العولمة؟ وما هو أثرها على عقائد الناس وعلى هوياتهم الثقافية؟: أ. هنالك عولمة فرضها إدراك البشر لمصلحة مشتركة في كوكب الأرض ، المقام المشترك للإنسان: الأرض الكوكب الواحد ميراث الإنسانية، والأصول المملوكة للبشرية كأعماق البحار والفضاء، والغلاف الجوي، والقطبان- مملوكات للبشرية كلها توجب نظرة مشتركة في التعامل معها. ب. هنالك عولمة فرضها الوعي الإنساني بالمصير المشترك للإنسانية وتوالت المؤتمرات العالمية لتدرس موضوعاتها المختلفة، ولتضع استراتيجية موحدة للتعامل مع مشكلاتها مثل: مؤتمر البيئة 1992، ومؤتمر السكان 1995م، والمؤتمر الاجتماعي 1996م، وهكذا. ج. هنالك العولمة التي ارتبطت بها العبارة أكثر من غيرها .. إنها العولمة التي صنعتها ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات والتي حولت المعاملات التجارية والمالية والاستثمارية، إلى سوق عالمي واحد.. هذه العولمة التي مكنت أصحاب السندات والأسهم وطلاب الصفقات التجارية من الانتقال عبر الآليات الإلكترونية بسرعة مذهلة وعلى نطاق عالمي، كما مكنت الشركات المتعددة الجنسية من توزيع عملياتها على نطاق عالمي، ومن نقل خياراتها الاستثمارية حيث التكلفة الأقل والربح الأكبر. هذه الوجوه الثلاثة للعولمة: الاستعداد لإدارة الملكية الكوكبية المشتركة، وبرنامج المصير الإنساني المشترك، والسوق العالمي الذي فتحته ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات تمثل عولمة حميدة. هنالك عولمة خبيثة هي: أ. صحبت العولمة ظاهرة "الرأسمالية النفاثة". وهي حماسة للتنافس والربحية تندفع غير مبالية بآثار سلبية إنسانية و اجتماعية لا سيما في مجالين :المجال الأول:- يتوقع أن تؤدي العولمة المرتبطة بالرأسمالية النفاثة إلى تراجع عن دولة الرعاية الاجتماعية في الرأسمالية المتقدمة- كذلك عدم الاهتمام بالآثار السلبية التي تحدثها وسائل الإنتاج الحديثة على توظيف الأيدي العاملة. لقد كانت الإصلاحات التي لجأ إليها النظام الرأسمالي فاهتم بمصالح القوة العاملة، واتبع برامج رعاية اجتماعية، من أهم أسباب صنع السلام الاجتماعي في البلدان الرأسمالية مما أبطل نبوءات كارل ماركس الصدامية.إن تيارات العولمة توشك أن تقوض البرامج الواعية التي أدت للسلام الاجتماعي والاستقرار السياسي. المقولة الصحيحة في هذا الصدد: المجتمع الحر الذي يعجز عن مساعدة الأكثرية الفقيرة من مواطنيه سوف يعجز عن حماية الأقلية الغنية. المجال الثاني: تراجع الشمال المتقدم من كل المفاهيم والسياسات التي اقترنت بحوار الشمال والجنوب التي أوجبت اهتمام الشمال بالتنمية في الجنوب كوسيلة من وسائل بناء الاستقرار العالمي. مثلما حققت الرأسمالية سلاما اجتماعيا في أوطانها بسياسات نقابية مستنيرة وببرامج رعاية اجتماعية متقدمة فإن الدول الغنية مطالبة بالاهتمام بتنمية الجنوب الفقير لبناء السلام والاستقرار في العالم. ولكن التيار الراجح في ظل تيارات العولمة هو ترك هذه الأمور كلها لعوامل السوق الحر.. السوق الحر في البلدان الفقيرة لا يمكن افتراض وجوده بل المطلوب القيام بأعمال كثيرة لتكوينه. ب. توزيع الثروة والقوة الاقتصادية، والقوة الاستراتيجية في العالم توزيع غير متوازن. لقد أتاحت العولمة بإمكانات الاتصال والمعلومات والمواصلات للقوة الأعظم في العالم فرصة هيمنة إعلامية بحيث تستطيع غسل أدمغة الآخرين، وأتاحت لها فرصة هيمنة اقتصادية واستراتيجية لم يعهد التاريخ مثلها من قبل. إن العولمة في هذه المجالات صارت هيمنة القطبية الأحادية على السياسة الدولية. ج. كذلك أتاحت العولمة بالسوق العالمي الواحد، ووسائل الاتصالات والمواصلات والمعلومات فرصة لقوى الجريمة المنظمة لتصبح الجريمة معولمة من حيث التخطيط، والتنفيذ، والتدريب، وحماية عملياتها، وغسيل أموالها، واقتحام السوق التجاري والمالي الاستثماري. د. ثورة المعلومات، وطفرة وسائل الإعلام، والاتصالات والمواصلات، أتاحت فرصة هائلة لعولمة ثقافة التسلية الأمريكية، وهي ثقافة رائجة بالغناء الصاخب، والرقص الماجن، والمشروبات الفوارة، والمأكولات المحمولة، والملابس العارية. ومقترنة بسلوك الاستلاب واللامبالاة. إن انتشار ثقافة التسلية يعبر عن وجود فراغ روحي وعاطفي، ويغذيه، ويدفع ضحاياه في كل اتجاه، يحاولون ملء الفراغ الروحي والعاطفي بتكوينات رافضة غريبة، وبالانغماس في الكحوليات والمخدرات. إن المجتمعات الرأسمالية المتقدمة تعاني من أبشع صور المجاعة الروحية والعاطفية. .. هذه الوجوه الأربعة من العولمة- الرأسمالية النفاثة، واختلال ميزان الثروة والقوة العالمي، والجريمة الدولية المنظمة، وثقافة التسلية الأمريكية- تمثل عولمة خبيثة. الجوانب الخبيثة من العولمة استفزت كثيرا من المجتمعات لانفعال مضاد يعادي العولمة، ويلتمس الحماية لاستقراره الاجتماعي في حصون التأصيل الديني والانتماء الثقافي. هذه الانفعالات المضادة للعولمة اتخذت في كثير من الأحيان طابعا متعصبا منكفئا يرفض العولمة جملة وتفصيلا حميدها وخبيثها. بل يعادي الحداثة كلها ويحاول بعث ماض ذهبي معالمه مستقرة في ذاكرة المجتمعات الجمعية تتطلع إليه كلما أحاطت بها التحديات. هنالك أسباب مختلفة لانبعاث نداءات التأصيل الديني والثقافي في العالم في الخمس الأخير من القرن العشرين. إن التماس الحماية من استلابات العولمة من أسباب انبعاث تلك النداءات. لقد شهد العالم في الخمس الأخير من القرن العشرين مظاهر تعصب ديني منكفئ هندوسي، ويهودي، ومسيحي، وإسلامي.. إن كثيرا من الإيمانيين ودعاة التأصيل الثقافي التفوا حول هذه المظاهر المتعصبة، وتطاولوا بقهر الرأي الآخر، واستخدموا الإرهاب وسيلة للاحتجاج والتعبير الصارخ عن مواقفهم. إن التمادي في العولمة حميدها وخبيثها، دون الاستهداء بأيكولوجية إنسانية سوف يزيد من حدة نداءات الاحتجاج الديني والثقافي فتتخذ أشكالا مهووسة عمياء تتيح الفرصة لقوى سياسية - بعضها مخلص لأهدافه المنكفئة، وبعضها انتهازي – لتزعزع السلام الاجتماعي والأمن الوطني والاستقرار العالمي باسم الدين وباسم التأصيل الثقافي. إن المفكرين والساسة الذين أسقطوا الدين من معادلة الحياة، واعتبروا الهوية الحضارية والثقافية نفايات سوف تزيل العولمة آثارها، يستشهدون بهوس دعاة التأصيل الديني والثقافي على صحة مواقفهم. إن النظرة الاستئصالية التي يقول بها هؤلاء لاستئصال الدين والانتماء الثقافي من الحياة. والنظرة الاستئصالية المضادة التي يقول بها أصحاب التعصب الديني والانكفاء الثقافي رفضا للعولمة، نظرتان صداميتان يمكن لهما أن تقوضا السلام الاجتماعي داخل البلدان، وأن تقوضا الأمن والتعاون الدوليين. إننا في هذا المنحنى التاريخي من تطور الإنسانية جدير بنا أن نؤكد مرة أخرى أن الدين هام للحياة البشرية، وأن الهوية الثقافية جزء من تركيب المجتمعات الإنسانية. كذلك جدير بنا أن ندرك أن الإنسانية تخطت الحداثة في حركة تطور لا رجعة منها إلى الوراء، بل تقفز عبر العولمة إلى عالم جديد لا يسعد إنسانه ولا يستقر حاله إذا لم يوازن بين مطالب الأصل ومطالب العصر. إن التمسك بالتأصيل وحده معناه التمسك بوفاء لا مستقبل له، كما أن التطلع للحداثة والعولمة وحدهما معناه التطلع لمستقبل لا وفاء له.
يتبع..
09-01-2004, 06:27 AM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50058
Quote: ولكن الذي أقحم الشئون الحزبية هو عمر القراي، فنلاحظ أنه خلط خلطاً كبيراً ما بين حزب الأمة المؤسسة السياسية المدنية وما بين هيئة شئون الأنصار المؤسسة الدينية الدعوية..
أنا لا أرى أن في الأمر خلط.. فالأخ القراي قد تحدث عن ورقة شئون الأنصار.. وإمام الأنصار، السيد الصادق، هو في نفس الوقت رئيس حزب الأمة.. وأنت كحزب أمة لا بد تعرف القاعدة التي تقول: كل شخص أنصاري هو حزب أمة ولكن ليس كل شخص حزب أمة هو أنصاري.. كان هذا صحيحا حتى في أيام انقسام الحزب إلى جناحين، جناح الإمام الهادي وجناح السيد الصادق في الستينات..
وحتى في الانقسام الحالي، فإن بعض أعضاء حزب الإصلاح والتجديد هم من الأنصار، ولا أدري مدى تسليمهم لإمامة السيد الصادق، ولكنهم أنصار، كما أن بعض الأعضاء، ومنهم وزراء ليسوا بأنصار من أساسه.. ومن الظاهر والمعروف توافق الجناحين مع الفهم السلفي للدين..
وشكرا ياسر
09-01-2004, 07:04 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
Quote: ولكن الذي أقحم الشئون الحزبية هو عمر القراي، فنلاحظ أنه خلط خلطاً كبيراً ما بين حزب الأمة المؤسسة السياسية المدنية وما بين هيئة شئون الأنصار المؤسسة الدينية الدعوية..
ورددت أخي ياسر بالآتي
Quote: أنا لا أرى أن في الأمر خلط.. فالأخ القراي قد تحدث عن ورقة شئون الأنصار.. وإمام الأنصار، السيد الصادق، هو في نفس الوقت رئيس حزب الأمة.. وأنت كحزب أمة لا بد تعرف القاعدة التي تقول: كل شخص أنصاري هو حزب أمة ولكن ليس كل شخص حزب أمة هو أنصاري.. كان هذا صحيحا حتى في أيام انقسام الحزب إلى جناحين، جناح الإمام الهادي وجناح السيد الصادق في الستينات..
وحتى في الانقسام الحالي، فإن بعض أعضاء حزب الإصلاح والتجديد هم من الأنصار، ولا أدري مدى تسليمهم لإمامة السيد الصادق، ولكنهم أنصار، كما أن بعض الأعضاء، ومنهم وزراء ليسوا بأنصار من أساسه.. ومن الظاهر والمعروف توافق الجناحين مع الفهم السلفي للدين..
أخي ياسر أراك لم تصب الحقيقة، ويجب علينا بنفس الفهم الذي طالبتني بتصحيحه وهو أن فهم القراي ومقال القراي لا يعني رأي الجمهوريين علينا أيضاً أن نميز من باب الموضوعية بين هيئة شئون الأنصار وحزب الأمة القومي وإن كان على رأس المؤسستين شخص واحد (الصادق المهدي) حزب الأمة حزب سياسي مدني يضم المسلم كما يضم المسيحي هيئة شئون الأنصار مؤسسة دينية دعوية تضم المسلمين فقط وعليه يكون خطاب السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة يختلف عن خطاب الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار. وددت أن نكون أخي ياسر أكثر إلتزاماً بالرؤية المؤسسية وهي أن نعطي كل مؤسسة حقها وشخصيتها الإعتبارية وألا نخلط هذا الخلط الذي وقع فيه القراي، تلاحظ أنني مصر على أن القراي وقع في خلط رهيب وهذا بدوره يوضح بعض الغلط في مقاله.. سأعود بالتعقيب على القراي بعد إكمال الورقة..
لعلك تذكر خطاب السيد الصادق الأخير للرئيس أوباسانجو، والغرض منه أمر سياسي كما تعرف.. فلنر كيف وقع السيد الصادق في نهاية الخطاب:
Quote: مخلصكم
رئيس وزراء السودان المنتخب أبريل 1986م رئيس حزب الأمة المنتخب أبريل 2003م إمام الأنصار المنتخب ديسمبر 2002م
صورة للأمين العام للأمم المتحدة صورة لحكومة السودان. صورة للقوى السياسية.
فإذا كانت إمامة الأنصار أمر دعوي لا علاقة لها بالسياسة من بعيد أو قريب فلماذا يذكرها السيد الصادق؟؟ إذن هيئة شئون الأنصار لها موقع في السياسة.. هذا فضلا عن أن الأخ القراي تناول التناقض الفكري للدراسة، وهذا أمر مشروع وليس فيه أي خلط.. ولك شكري مجددا.. ياسر
09-01-2004, 10:42 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الأخ دكتور ياسر أنا لم أٌٌٌقل أن هيئة شئون الأنصار ليس لها علاقة بالسياسة، ولكني قلت أن هذه الورقة عبارة عن أطروحة فكرية مقدمة في ورشة تخص الهيئة المؤسسة الدينية غير المحترفة للعمل السياسي على العكس من الحزب، ويبدو أن الخيط الذي يفصل ما بين الهيئة والحزب السياسي غير واضح بالنسبة لك. اما فيما يتعلق بتوقيع السيد الصادق المهدي بانه رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار لا أرى أنه دليل داعم لمقولتك، فطبيعة الخطاب تحتم ذلك، إّذ أنه مرسل من الصادق رئيس الحزب وإمام الأنصار وفي ذات الوقت رئيس الوزراء الشرعي المنتخب من قبل الشعب السوداني، فحينما يخاطب السيد الصادق الحزب يكون تزييل خطابه بإسم رئيس حزب الأمة على العكس من الهيئة فيكون التزييل بإسم الإمام الصادق المهدي. ولكن دعنا نتجاوز ذلك كله، ما هو رأي القراي أو رأيكم أخي ياسر حول ما طرح، هناك ثلاثون نقطة نرى أنها محل خلاف بين كثير من الطوائف والجماعات الإسلامية وبما أنكم أصحاب فكرة إسلامية فهنا أتمنى مساهماتكم بعيداً عن صفة الصادق الرئاسية أو الإمامية.
09-01-2004, 07:28 AM
Habib_bldo
Habib_bldo
تاريخ التسجيل: 04-04-2002
مجموع المشاركات: 2350
الحبيب وراق أولا لك التحية والتقدير حقيقة فتح هذه النافذة على ورشة شئون الانصار (نحو مرجعية إسلامية متجددة .) أثرت هذا المنبر بحوار جاد أنصب في فتح آفاق واسعة للنقاش والحوار في موضوع في غاية الاهمية في هذا المنعطف الخطير في حياة الامة الاسلامية في عصر أختلفت فيه كل أدوات الحوار الثقافي والاقتصادي والسياسي والعسكري أدوات معظمها غير متاحة في معظم الدول الاسلامية لذا كانت أهمية هذه الورشة زمانا ومكانا وكونك فتحت لنا هذه الكوة عبر المنبر لنطل منها على مجريات الورشة نساهم ونتفاعل مع الأوراق المقدمة والموضوعات المطروحة بادرة كريمة منك وسبق لحزب الامة وشئون الانصار يحمدون عليها
09-01-2004, 07:41 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
العزيز الصديق حبيب بلدو تحية وسلام نعم أخي وليد، في زماننا هذا نحن في حاجة ماسة للإتفاق وأعني أمتنا الإسلامية ولن يتأتي ذلك إلا بالحوار والنقاش حول مجمل القضايا المختلف حولها، وها هو السيد الصادق المهدي يقدم لنا خلاصة تجربته الفكرية التي إمتدت لقرابة الأربعين عاماً في كبسولة فكرية أعتبرها خطوة إيجابية نحو الإتجاه الصحيح، فهل ساهمت معنا مختلف الطوائف والجماعات الفكرية في نقاش هذه الورقة وتعديل ما يجب تعديله وإضافة ما يستوجب إضافته.
09-01-2004, 11:25 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
21- الإرهاب هنالك عبارات دخلت في لغة السياسة الدولية تفتقر إلى تعريف يضبطها ويحول دون سوء الفهم فيها أهمها مفهوم الإرهاب وعلاقته بمفهوم الجهاد والتداخل المؤسف الذي وقع بينهما. والرأي عندي أن ترجمة TERRORISM بإرهاب خطأ والترجمة الصحيحة هي: الإرعاب أو الترويع وهو الاستخدام التعسفي للعنف لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ويشمل الآتي: استخدام العنف لتحقيق تلك الأهداف ضد سلطة شرعية. استخدام العنف لتحقيق تلك الأهداف ضد المجتمع المدني. استخدام السلطة للعنف ضد معارضيها. العنف الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد حركات التحرير. ممارسات العنف التي تخرق قانون الحرب في حالات الاقتتال. الموقف من الإرعاب (الإرهاب): إن للقانون الدولي موقفا موثقا ضد الإرهاب هذا ينبغي تطويره على نحو ما تم لدى تطوير مبادئ حقوق الإنسان وإيجاب تطوير قوانين محاربة الإرهاب في الدول الأعضاء وتكوين آلية دولية لمتابعة الموضوع تشرف على : توحيد القوانين القطرية- تحقيق تعاون على أعلى المستويات الإقليمية ضد الإرهاب- تنظيم حملة توعية وإعلام واسعة ضد الإرهاب- توحيد الإجراءات القانونية لتسليم الإرهابيين وتبديد تنظيماتهم- وتوحيد الإجراءات العقابية ضد الإرهاب. إن الأنشطة الإرهابية تتغذى من وجود مظالم في مجالات كثيرة، ولمحاصرة هذه الأنشطة لا بد من: احتواء التفرقة العنصرية في العالم- القيام بإصلاحات سياسية تحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان- بذل جهد عالمي تنموي للمساعدة على تنمية البلاد والفقيرة وإعفاء ديونها- توجيه برامج جادة ضد المظالم الاجتماعية- وأخيرا وليس آخرا تركيز جهد عالمي جاد لإطفاء بؤر الالتهاب العالمية وأهمها: قضية فلسطين، قضية كشمير، قضية جنوب السودان، وقضية أنغولا، وكافة رواسب تصفية النظام الاستعماري في أنحاء العالم المختلفة. مصالح الأمة الاستراتيجية وحرب الإرهاب: أولا: ينبغي ضبط عبارة التوجه الإسلامي بصورة تحول دون العواصف العاطفية التي تهزم مقاصدها. هذا الضبط يوجب حوارا إسلاميا عبر مؤتمرات ومنابر مجدية. ثانيا : ينبغي اتخاذ موقف أساسي ضد الإرعاب ( الإرهاب) بصورة تحول دون استغلال الحرب المطلوبة ضده. هذا يوجب تعريف " الإرعاب" وإجراء حوار دولي عبر مؤتمر مؤهل لبحث وحسم القضية. لقد قدمنا تعريفنا للإرعاب أعلاه، ونرى أن يتم بحث الأمر والاتفاق حوله عبر الحوار المقترح. ثالثا: الشرعية هي : رضا المحكومين بحكومتهم. في كثير من البلدان الإسلامية تراجع هذا الرضا وظهرت فجوة شرعية. لقد نخر في أساس الشرعية أمران : الأول: قياسها بمقاييس إسلامية كالشورى والعدالة والحرية. والثاني: قياسها بمقاييس إنسانية كحقوق الإنسان والحريات العامة. فجوة الشرعية هذه أوقدت مقاومة فكرية وسياسية وقتالية لذلك برزت في كثير من البلدان الإسلامية صورة حكم ناف للآخر ومقاومة تريد استئصاله. هذه الصورة تهز الاستقرار الداخلي وتتفاعل مع الاضطرابات على الصعيد الدولي . إن علاج فجوة الشرعية في كثير من البلدان الإسلامية بصورة سلمية واجب إسلامي وإنساني. رابعا : لقد ذكرنا وجود بؤر التهاب دولية كانت ولا زالت وسوف تستمر تشكل مصادر للعنف ولا يرجى تحقيق وحفظ السلام العالمي إذا بقيت مشتعلة. لقد طرحت تصورات للتعامل العادل مع تلك البؤر في دراسات مختلفة. واكتفي هنا بالتركيز على قضية فلسطين. وأهم معالم مشروع حل هذه القضية هي: أ- الحل العادل للقضية والسلام المؤسس عليه هدف وطني، وقومي، وإسلامي، وإنساني، ودولي. ب- الحد الأدنى لهذا السلام العادل هو: - انسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط من كافة الأراضي المحتلة عام 1967م. - حق الشعب الفلسطيني المشرد منذ تأسيس إسرائيل في العودة أو التعويض. - تصفية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. - حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم . - تطبيع الدولة بحيث يلغى قانون العودة الذي منح يهود العالم حقا استثنائيا في المواطنة وبحيث يصبح المواطن العربي فيها مساويا للآخرين في حقوق المواطنة. ج- لأسباب محددة لا يرجى أن يقبل الناخب الإسرائيلي في الظروف العادية هذا الحد الأدنى. العوامل التي تحول دون ذلك القبول هي : وعود توراتية جعلت الأرض جزءا من العقيدة الدينية- مخاوف رسبتها تجارب اليهود في أوربا- ومخاوف جديدة خلقتها ردود الفعل العربية لسياسات إسرائيل القمعية. د- المسألة اليهودية وما صحبها من شحناء أنبتت الحركة الصهيونية وهي ظاهرة أوروبية دخيلة على المنطقة العربية فالعرب أبناء عمومة لليهود والإسلام يعترف باليهودية دينا إلهيا. القرارات التي أدت لتكوين إسرائيل ابتداء من وعد بلفور إلى قرار الأمم المتحدة عام 1948م بقيام إسرائيل، قرارات دولية أمليت على المنطقة دون أخذ رأي سكانها. وحتى عمليات السلام ابتداءا من القرار 242 و338 وكامب ديفيد وأخواتها: مدريد، وأوسلو وغيرها من المحطات هندسات للأسرة الدولية اليد العليا فيها. ه- لا توجد إمكانية لسلام عادل عن طريق التفاوض بين طرفي النزاع فالحد الأدني الذي يقبله المعتدى عليهم لا يقبله المعتدون. لذلك سوف تستمر القضية تمزق الاستقرار في إسرائيل، وفي الدول المجاورة، وفي الإقليم، وفي العالم ولا سبيل للخروج من هذا الحريق الذي أشعلته الأسرة الدولية إلا بإقدامها بقيادة الولايات المتحدة على فرض السلام العادل. وإلى حين ذلك ينبغي أن تستمر المقاومة ويستمر دعمها. ما ينبغي عمله على المدى القريب: عالم الجنوب وكافة منظماته الإقليمية مؤتمر الدول الإسلامية، جامعة الدول العربية، الاتحاد الأفريقي.. الخ. ينبغي ألا تقف أسيرة لمخاوفها من البأس الأمريكي من ناحية ومن الغضب الشعبي من الناحية الأخرى. إذا وقفت هكذا أسيرة فإنها سوف تسمح للمتطرفين في الغرب والمتطرفين في الشرق أن يملوا أجندات التحرك الدولي إملاء هو الوبال لمستقبل الإنسانية. وإذا اكتفوا باجتماعات مراسمية لإعلان بيانات فوقية فإنهم بذلك يعلنون التنازل عن دورهم، الواجب يقتضي تحركهم السريع الفعال للتأثير على الأحداث. أولا: الاتفاق على تعريف الإرعاب (الإرهاب) وتبني الدعوة للمؤتمر الدولي والقيام بدور إيجابي في آليات التصدي له. ثانيا: تتبنى الجهات المعنية تشجيع الدعوة لمؤتمر الحوار الإسلامي / الإسلامي للتصدي للقضايا المذكورة. إن توجيه جهد دولي واسع على صعيد أمني، وسياسي، ودبلوماسي، مطلوب بإلحاح ولكن تجفيف مصادر الإرهاب التزام هام.
يتبع..
09-03-2004, 09:47 PM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
22- الاجتهاد إن الأحكام التي اتفق عليها جمهور الفقهاء في كثير من القضايا لا تلائم عصرنا مما يوجب اجتهادا جديدا، كما أن نصوص ومقاصد الشريعة أوسع من الأحكام التي استنبطها الجمهور مما يتيح المجال للاجتهاد الجديد.. فيما يلي أبين الحاجة للاجتهاد وأبين أدواته المشروعة التي تستوعب الحاجة للتجديد دون استلاب يخلص المريض من آلامه بقتله على نهج ما فعلت " البصيرة أم حمد " !!. من أهم أسباب الحاجة للاجتهاد هو أن النصوص الإسلامية نفسها يوجد حولها اختلاف، بيانه: أ- القرآن : القرآن قطعي الورود ولكن نصوصه ليست قطعية الدلالة. قال تعالي: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ وقال: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ووصف الإمام علي آيات القرآن بأنها حمالة أوجه. وبيانا لذلك أستعرض المسائل الآتية: • هل يقول الإسلام بالجبر أم بالاختيار: الإنسان أهو مسير أم مخير ؟ القائلون بالجبر استشهدوا بآيات مثل قوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ والقائلون بالاختيار استشهدوا بآيات مثل) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا . • وما هي درجة التقوى المطلوبة؟ قال تعالى)اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وقال فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم . • وهل تقبل التعددية الدينية؟ قال تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين ِ وقال: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ • وقال تعالي: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وقال وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه . • وقال: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وقال: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ • وقال وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وقال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه . • ووصفت الذات الإلهية بصفات مماثلة للبشر. وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . • ووصفت الجنة بأوصاف مشابهة للمعهود في الدنيا. وقال تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ. فهم هذه الثنائيات -وهي كثيرة- يوجب تفقهاً وتدبراً على نحو ما حث عليه القرآن نفسه. قال تعالي: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وقال: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا
يتبع..
09-05-2004, 04:03 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
ب. السنة : قليل من السنة قطعي الورود. وكثير منها ظني الدلالة وفي الإحاطة بمعناها عقبات أساسية توجب اجتهادا كثيرا: • النبي صلى الله عليه وسلم منع تدوين أحاديثه وإلا لكانت دونت مثلما دون القرآن ولم يبدأ التدوين إلا بعد قرن من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. إن الوهم والنسيان يدركان الرواية ما لم تدون. • علم الحديث –خاصة لدى صحيحي البخاري ومسلم الأوثق مرجعية- اهتم بالسند اكثر من المتن. • تدوين الأحاديث في الصحاح مبوب حسب موضوعاتها لا حسب تواريخ النطق بها. • في الصحاح – مثلا – الإمام البخاري يورد أحاديث عن أن القيامة سوف تقوم بعمر أصغر واحد من رهط حددهم. هذا ناقضه الواقع. • في الصحاح أحاديث تتناقض مع العلم كالحديث عن الذكورة والأنوثة وأنه إذا غلب ماء الرجل كان ابنا وإذا غلب ماء المرأة كانت بنتاً. مع أن القرآن ينسب الذكورة و الأنوثة لماء الرجل: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى . • وفي الصحاح أحاديث تتناقض مع القرآن – مثلا – حديث أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. وهذا يناقض قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . • وأحاديث ذات دافع سياسي واضح كما ورد في صحيح البخاري عن الصبر على ظلم الولاة لأن من يأتي بعدهم حتماً أسوأ منهم. أو حديث ابن أبي بكرة الذي استشهد به في الامتناع عن القيام مع السيدة عائشة بأنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وهذا الصحابي يعلم أن صحابة آخرون أكبر منه درجة قاموا معها. وهو على أية حال أحد ثلاثة حدهم للقذف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، على اتهام المغيرة بن شعبة أي لا تقبل شهادته بنص الآية المبينة لحد القذف. • صحيح الإمام البخاري مقدم على سواه ولكن الإمام البخاري اتخذ في تمحيصه للأحاديث فقط جانب السند، فصنف سلاسل الرواة وصحح ما صحح منها وصرف نظره عما سواها. ولا شك أن صحة السند هي إحدى وسائل التصنيف ولكن كيف نضعها الوسيلة الوحيدة؟ إن ذلك يحجب عنا كثيرا من الحديث الحاوي لهدي النبوة فقط لأن أحد الرواة مثلا مشهور بالنسيان أو يروي بالمعنى. كما أنه يدخل الكثير من الروايات المناقضة للقرآن وللواقع التاريخي المحقق وللعقل بدون أن يجري عليها أي نوع من التدقيق والمراجعة. آليات الاجتهاد : كان القياس والإجماع هما آليات الاجتهاد بالإضافة لآليات أخرى مختلف على حجيتها، القياس ليس محكما لأنه لا يكون التشابه محكما أبدا وكذلك الإجماع لم يتحقق اللهم إلا في الأمور غير الخلافية. لا سبيل للخروج من محدودية المنطق الصوري هذا إلا بالركون لوسائل أخرى أجدى أهمها: المقاصد: فلدى التعارض بين نصوص الجبر والاختيار فان مقاصد الشريعة ترجح أن تكون آيات الاختيار هي المحكمة لان إنكار الاختيار يهدم مسئولية الإنسان عن أعماله وهذا يهدم الأخلاق. الحكمة: في كثير من النصوص يذكر الكتاب والحكمة وهي ملكة متاحة للرسل ولغيرهم من البشر قال تعالي: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا . وجاءت في القرآن إشارة للقمان الحكيم وغالب الظن أن لقمان هذا هو أركمان أو أرقمان أحد ملوك مروي العظام، وهو يصور في مقبرته بعين كبيرة تعبر عن الحكمة. قال تعالى: آتَيْنَا لُقْمَان الحِكْمَةََ . والأثر يقول الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. المصلحة: يقول نجم الدين الطوفي أن المصلحة مرجعية راجحة في الشريعة لأنها تنشد: لا ضرر ولا ضرار. العقل: على حد تعبير الإمام الشاطبي فإن مطالب الشريعة لا تناقض مدركات العقول. العدل: قال الإمام ابن القيم كلما تحقق به العدل هو من الشرع وإن لم يرد به نص. السياسة الشرعية: وهذه تمكن قيادة المجتمع الشرعية أن تتخذ سياسات لم يرد بها نص ولا قياس ولا إجماع مثل ما فعله عثمان بن عفان رضى الله عنه من توحيد نص المصحف وإحراق النصوص الأخرى. وما فعله عمر رضى الله عنه من عدم توزيع أرض السواد غنيمة للمجاهدين وهلم جرا. المعرفة: الاعتراف بالمعرفة التي يدركها الإنسان عن طريق العقل، والتجربة، والحواس، في أمر الكتاب المشاهد أي الطبيعية التي فطرها الله على سنن وقال: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى . وقال: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِين * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الميزان والقسط: وهي ملكات يتوقع من المسلم أن يستغلها لتحقيق مصالحه ومصالح المجتمع قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ التعددية الاجتهادية هنالك نظرة سلبية جدا لدينا نحو التعددية في المسائل الاجتهادية. ينبغي أن تكون نظرتنا لكل أنواع التعددية المذهبية والفكرية الإسلامية إيجابية لأنها إحدى نتائج الحرية اللازمة. على أن نلتزم في هذا الصدد بأمرين هما: الأول: التسليم بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من نصوص الإسلام. الثاني: تجنب التعصب لاجتهادنا الخاص.والتعامل معه بقاعدة اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ، واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب. هذه النظرية المرنة للتعامل مع التراث المنقول ومع العطاء الإنساني ومع الاجتهاد الآخر هو المطلوب لإخراج أنفسنا من الانكفاء ومن التعصب الذميم. التعددية فيما عدا وحدانية الذات الإلهية جزء لا يتجزأ من نظام الكون، وينبغي التخلص من النظر إلى فرقة واحدة ناجية فمن كفر مسلما فقد باء بالكفر أحدهما، ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه. إن الإنسان هو محور رسالة الإسلام لإسعاده في الدنيا والآخرة. وكل هداية للإنسان ينبغي أن تراعي عوامل الزمان والمكان. الشريعة الإسلامية تفوقت على الملل والنحل الأخرى لاعترافها بالإنسان كإنسان وتكريمها للإنسان كإنسان، ومراعاتها لظروف المكان والزمان.. إن إهدار هذه المعاني إهدار لمقاصد الشريعة. وللإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن هي: المطالب الروحية- الخلقية- العاطفية- المعرفية- المادية- الاجتماعية- البيئية- الجمالية- الرياضية- والترفيهية. إن الإسلام دين الفطرة.. فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا . مستبين لتلك المطالب ولضرورة إشباعها إشباعا موزونا ينبغي على المسلمين السعي لتحقيقه اجتهاديا في ظروف الزمان والمكان المختلفة.
يتبع...
09-05-2004, 04:06 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
23-أساليب الدعوة والتغيير الاجتماعي: في ظروف معينة، وأمام زحف التتار على ديار المسلمين اجتهد بعض الفقهاء ورأوا أن حماية بيضة الإسلام توجب تقديس المسئولية السياسية، وعلى نفس النمط اجتهد الشيخ أبو الأعلى المودودي وصاغ مفهوم الحاكمية لله على نحو مشابه لمقولة الإمرة لله. إن الذين رأوا باجتهاد معاصر أن يعطوا الإمرة أو القيادة السياسية قدسية تناهز قدسية العقائد والعبادات مهدوا للتطرف الإسلامي المعاصر الذي جعل اجتهاد أصحابه السياسي هو موقف الأمة كل الأمة ونفى رأي الآخرين باعتباره كفرا وخروجا عن ملة الإسلام. هذا الاعتقاد هو الذي مهد للتيارات الاحتجاجية المتطرفة المعاصرة، عبر تكريسه للاستبداد وفتح باب المظالم السياسية والاجتماعية. نعم إن المسلمين في محنة ويواجهون اضطهادا عظيما وإذلالا على يد الهيمنة الدولية وإسرائيل. إن أصحاب هذا الاتجاه اعتبروا أنفسهم مبعوثي العناية الإلهية واستحلوا لأنفسهم العمل لاستلام السلطة بالقوة والانفراد بها واستحلوا لأنفسهم استخدام أساليب العنف العشوائي الذي يزهق الأرواح البريئة ويدمر الأملاك في سبيل تحقيق أهدافهم. الإمرة لا تكون في شريعة الإسلام إلا عن طريق: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ . والعمل من أجل الأهداف مهما عظمت لا يكون إلا بموجب: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .. وخُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ وقوله: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ وقوله: إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر. وقوله: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ. والقتال في الإسلام له ضوابطه وهي: الدفاع عن النفس وعن حرية الدعوة. إن ربط الإسلام بالسلطة السياسية المستبدة، وربط العمل الإسلامي بأساليب العنف العشوائي جلب للإسلام ضررا كبيرا وأعطى أعداءه حجة قوية للنيل من ديباجته الوضاءة. إن علينا معشر أهل القبلة أن نرفض أية عملية استيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة لا سيما الانقلاب العسكري. وأن نرفض أية دولة تقوم على أساس بوليسي يقهر الناس. وأن نرفض أية صلة بين الدعوة للإسلام والعنف العشوائي. وأن نعتبر الاستيلاء على السلطة باسم الإسلام ترهيبا بعيدا عن مقاصد الشريعة، كما نعتبر أية دولة بوليسية قاهرة خارجة على مقاصد الشريعة. لقد صار نهج الذين ربطوا الإسلام بالاستبداد الغاشم وهم في السلطة، والذين انتهجوا العنف العشوائي كأسلوب لمعارضة النظم الشرعية، وإن كانت شرعيتها ظنية، سبة على الإسلام، ووسيلة للإساءة إليه، ومخلب قط للتدخل الأجنبي، لذلك وجب علينا أن نتبرأ منهم وندين نهجهم .. هذا طبعا لا ينطبق على الذين يتخذون العنف أسلوبا لمقاومة الاحتلال الأجنبي، فهم إنما يردون على العدوان بمثله: فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ . إن أسلوب الدعوة المشروع هو بالتي هي أحسن، والتغيير المشروع هو بالتعبئة الشعبية وبالعمل المدني الخدمي وبالترجيح الديمقراطي لأن أساليب العنف ضد النظم المؤسسة بشرعية ذات قبول واسع يؤدي لنتائج عكسية، لا سيما العنف العشوائي والانقلابات العسكرية التي ما بنت قصرا إلا هدمت مصرا وما ادعت عمل إصلاح إلا أتت أضعاف أضعافه من الإخفاق .
يتبع..
09-19-2004, 02:39 AM
إسماعيل وراق
إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة