|
شيبون: فلنفجّر شعرنا فوهة بركان.. نضال (9)
|
شيبون: فلنفجّر شعرنا فوهة بركان.. نضال (9) خالد أحمد بابكر
يقول شيبون في رثاء المناضل الإفريقي (باترس لوممبا): يا لومببا أي اسم في ذري التاريخ أربى وتناهى صار للشهداء قطبا هام بالكنغو فشق له على الألغام دربا ناداه للبذل الضنين فكان قلبا هزّه شوق إلى المجد فلبى وتحدى ملء سمع الكون غربا هم أرادوا أن تكون الغصنَ سهل القطف رطبا فكنت صلباً، كنت كالفولاذ صلبا أصليتهم حمم الكفاح، وسمتهم ركلاً وضربا
ولد الشاعر والكاتب الصحافي محمد عبد الرحمن شيبون في أبي زبد بكردفان (180 كيلومتر) غربي مدينة الأبيض في عام 1931م. درس المرحلة الأولية بمدرسة أبي زبد الأولية، والوسطى بمدرسة الأبيض الأميرية وانتقل في المرحلة الثانوية للدراسة بحنتوب، حيث دخل جامعة الخرطوم – كلية الآداب عام 1951م وفُصل منها في عامه الدراسي الثاني مع محمد إبراهيم نقد والأمين حاج الشيخ أبو. يقول شقيقه مكي عبد الرحمن شيبون إن شاعرنا كان قليل الزيارة لأبي زبد وربما حضر في إجازات متفرقة وفي أوقات متباعدة.. كان ضنين الحديث يرهف السمع في أغلب الأوقات للراديو ويشغل نفسه كثيراً بالمطالعة الدؤوبة للكتب والمجلات.. وكان من أصدقائه المقربين مولانا أحمد التجاني عبد الهادي زميله منذ المرحلة الأولية وحتى الجامعة. بعد فصله من الجامعة مع من ذكرنا، اجتمع بهم الأستاذ عبد الخالق محجوب – كما ذكر الأستاذ عبد الوهاب سليمان، وأطلعهم على أمر بعثة لبلغاريا. لكن الحزب الشيوعي اختار لتلك البعثة فرداً واحداً هو محمد إبراهيم نقد دون الآخرين. مع علم الجميع أن شيبون كان أجدر من غيره بهذه البعثة، وقد كشف ذلك عن خساسة وضعة – كما قال صلاح أحمد إبراهيم. وبرغم هذا التواطؤ المكشوف، لم تؤثر هذه الحادثة على انخراط شيبون في صفوف الحزب. وقد أبان الأستاذ عبد الوهاب سليمان أن شيبون لم يعرها اهتماماً أبداً. في سياق آخر، كان الدكتور عبد الله علي إبراهيم قد شكك في صداقة صلاح أحمد إبراهيم لشيبون. وهو آخر شيء كنا نتوقعه منه. فقد قال في خاتمة مقالاته حول شيبون: « هل كان صلاح صديقاً لشيبون حقاً أم أنه كان مجرد (زميل) صبا وجسارة أشواق؟ هل كان شيبون يسوى عند صلاح شيئاً بغير ظلم الشيوعيين له أو كما قال». وأضاف: «لم يشفِ لي غليلاً تلميح غامض من جهة صلاح ورد في إهدائه ديوانه (نحن والردى) لشيبون. وفي العبارة ندامة من صلاح لأن شيبون لم يكاشفه بأزمته فلربما تداركا معاً الانتحار واضعين من جديد (يداً على يد في طريق جديد والغاية هي هي). وهنا العبارة الغامضة. فقد قال صلاح: وقد يكون هذا نفسه ما خطر لك من عتاب لي دون أن تجد فرصة بثه قبل أن يسبق السيف العزل». أقول إن الدكتور عبد الله علي إبراهيم لم يلتقِِ بشيبون في حياته، ولا يعرفه إلا من حيث إشارات صلاح عنه كما أكد ذلك في الحلقة الثانية من مقالاته عن شيبون، فقد قال: « إن ما كتبه صلاح عنه – أي شيبون - هو كل ما نعرفه عن الرجل». فقد انتمى الدكتور عبد الله علي إبراهيم للحزب الشيوعي في عام 1960م – كما ذكر في أكثر من مناسبة، وبعدها بعام واحد انتحر شيبون. ألا يكفي د. عبد الله من صداقة صلاح لشيبون أن صلاحاً هو الوحيد من بين الشيوعيين من ذكره حتى في غمرة معاركه السياسية التي خاضها ضد الحزب الشيوعي؟ وهو أول من دافع عنه ونوّه به من ضمن شعراء السودان دون أن يرد ذكر له في أدبيات الحزب الشيوعي أو مجرد الإشارة إليه ككادر مهم قدّم التضحيات الجسام في سبيل فكرته. ألا يكفيه قول صلاح في قصيدته (حنتوب – شاعر شعب): كان شيبون مع ذلك إنساناً بسيطا كان ريفي كان كالسيل وكالظل الوريف قال لي فوق ندى العشب الخريفي والثعابين لها نحو (الصديقين) التفات يا صلاح.. ما حياتي إن أنا ضيعتها دون أن أبني بناء للغد أنا إنْ عشت وشعبي مرهق مستغل ثم لم أمدد يدي فأنا لست بإنسان له عيد ميلاد أنا لم أولد هكذا غنّى كمال فلنفجر شعرنا فوهة بركان نضال ألا يكفي د. عبد الله علي إبراهيم تصريح صلاح العلني في الأبيات أعلاه أن شيبون كان صديقاً حميماً؟ فمن غير هؤلاء (الصديقين) إنْ لم يكونا (صلاح وشيبون)؟ فكيف تكون عبارة صلاح غامضة وهي تتحدث عن عتاب صلاح لصديقه بأنه لم يكاشفه في أمر ما. هذه العبارة لا تدل إلا على ما وقع بينهما من عتاب، ولا تنفي صلة الصداقة بينهما. وعبارته (قبل أن يسبق السيف العزل) يُقصد بها الأمر الذي حملهم على هذا العتاب، والعتاب أمر طبيعي بين الأصدقاء، ولا يعني بأية حال نهاية معرفتهما وصداقتهما الأصيلة النبيلة. واسم (كمال) الوارد في القصيدة هو إشارة للشاعر المصري كمال عبد الحليم صاحب ديوان (إصرار) الصادر في نهاية الأربعينيات. أمر آخر، هو أن الأستاذ عبد الوهاب سليمان صديقهما وثالثهما، قد أكد متانة العلاقة التي جمعتهما، وأن هناك مراسلات كانت بين شيبون وصلاح حتى عندما كان صلاح خارج الوطن. وكانا على اتصال طوال الأوقات المتباعدة. وكما هو معلوم، فإن صلاحاً فوجئ بانتحار شيبون أثناء وجوده بغانا، وقد أثّر فيه ذلك أيما تأثير، وكان يقول لعبد الوهاب سليمان: إنهم يسعون للنيل مني مثلما نالوا من شيبون. لم يختزل صلاح صديقه شيبون في عدائه تجاه الحزب الشيوعي – كما قال د. عبد الله، بل خلّده بذكره في تاريخ الثقافة السودانية، بينما تغافلت عنه جموع الشيوعيين قاطبة. فلم يرد ذكر لشيبون عندهم مقروناً بالإنصاف لأسباب كثيرة معلومة لدى قطاع كبير منهم، فشيبون عُرف بمواقفه الحادة والشُجاعة حيال قيادة الحزب الشيوعي، ولم يكن يماري ويداري عورات الحزب في كثير من المواقف التي وقفها. في المشاركات الثقافية في الخمسينيات عبر الصحف، كان لشيبون مساجلة شهيرة دارت على صفحات جريدة (الصراحة) في عام 1954م مع الشاعر حسين بازرعة حول قصيدته (أرضنا الطيبة)، حيث تصدى لها بالنقد من منظور الواقعية السائدة في ذلك الزمان. فكتب يقول معلقاً:« أين (جومو) من أرضنا الطيبة؟». وجومو هو الزعيم الإفريقي والقائد الكيني الذي قاد (ثورة الماوماو) وأول رئيس كيني قاد بلاده للاستقلال. يقول الدكتور تاج السر الحسن في قصيدته (آسيا وإفريقيا) مشيراً لكينيا وزعيمها (جومو كنياتا): وهو الاسم الحركي للرئيس الكيني ويعني (الرمح الملتهب): الذي غرسه في أحشاء الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس: أنتِ يا غابات كينيا يا أزاهر يا نجوماً سمقت مثل المنائر وقوله: قد رأيت الناس في قلب الملايو مثلما شاهدتُ جومو ولقد شاهدتُ جومو مثلما امتد كضوء الفجر يومه فقول شيبون في انتقاده لبازرعة (أين جومو من أرضنا الطيبة) يشي عن إلمام بالثقافة من حوله، ودور المناضلين الأفارقة وتضحياتهم في سبيل أوطانهم. وكان رد الشاعر بازرعة عليه بأبيات يقول فيها: أقسم بالشمس التي أحرقت دمي وبالإنسان في كينيا وقرآني أنا إفريقي وإفريقيتي حمقاء كالنارِ
|
|
|
|
|
|