|
الشاعر/ عبد الله شابو.. وكرستوفر كولمبس The Admiral of the Sea
|
عبد الله شابو.. وكرستوفر كولمبس The Admiral of the Sea خالد أحمد بابكر
ابتُعثَ الشاعر عبد الله شابو إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة في عام 1960م ومكث فيها حتى عام 1963م.. في تلك البعثة استفاد الشاعر من الآداب الأمريكية، واطلع على شعراء كثر أحب شعرهم. كان والت وايتمان Walt Whitman من أكثرهم، خصوصاً قصيدته (أوراق العشب The Leaves of the Grass).. واستذاد شاعرنا معرفة بالفلسفة والآداب. بجانب ذلك، فإنه من القلائل الذين يتحدثون بعمق عن المستكشف الأسباني الأصل (كرستوفر كولمبس): الذي يسميه الأمريكيون The Admiral of the Sea، كما يطلقون عليه: The Viceroy of India. وقد حملت بعض أبيات شاعرنا شابو إشارات لكولمبس منها قوله: من يخبر فاتنتي أن العالم يسرقني منها الآن من يخبرها أنّا في الحانة كنا أكثر من مائة نسبء زقاً للعشق ونشربُ نخب صباها لكن الحانةَ لم تعد الحانةُ تستهوي السُمّار يا سيدتي لو أنّ كولمبس كان حصيفا ما أبحر في بحر الظلمات وما فكّ شراعاً أصلا ولكان وجيهاً في جنوة أو غرناطة المعروف أن الأمريكيين كان يستهويهم الذهاب إلى سواحل أوربا الجنوبية South Europe لقضاء عطلاتهم، وبصورة أدق (أسبانيا والبرتقال)، بعد عناء عام كامل يقضونه في العمل. ومن أقوالهم المأثورة في ذلك: We get money to spend، ومن أشهر الأفلام الأمريكية التي تحدثت حول هذا الموضوع هو فيلم: Pleasure Seekers: الباحثون عن المتعة. المقاطع السابقة استوحاها الشاعر من قصة إحدى السيدات الأمريكيات – التي عشقت طبيباً أسبانياً بالغ الوسامة، وقد كان حظ السيدة عاثراً، فالطبيب المعشوق كان قد تجاهلها كثيراً ولم يعرها أدنى اهتماماً، وبعد محاولات عديدة باءت جميعها بالإخفاق، وقفت يوماً أمامه والغيظ يفور بداخلها ويغلي، وقالت تخاطبه: If Christopher Stayed home, I wouldn’t have been in this God dame ولعل السيدة الأمريكية قصدت بهذه اللعنة الالهية التي حلت عليها أو ذاك الغضب الالهي، هو ما حمل (كرستوفر كولمبس) على الإبحار في المحيط ليصل في خاتمة مطافه إلى أمريكا. وقد رأت أن بقاءه في بلاده كان أدعى له ولما كان قد دفع بها إلى هذه الورطة التي اعتبرتها لعنة. ولعل كذلك أن شيخنا شابو قد استفاد من هذه القصة ونسج أبياته على غرار قولة السيدة الأمريكية، لكنه كان أكثر حصافة حيث زاد على قولها (ولكان وجيهاً في جنوة أو غرناطة)، يقصد كولمبس. وفي معنى شاعرنا أن كولمبس لو لم يغامر بهذه الرحلة لكان رمزاً من رموز تلك المدن المشار إليها. فالرؤية الشعرية هنا قد لا تتحقق إذا عاد الزمان مرة أخرى للوراء.. وقد لا يصبح كولمبس وجيهاً في غرناطة إن لم يبحر عبر المحيط أبداً. وربما كان إنساناً بسيطاً من سكان تلك المدن لا يعرفه سوى جيرانه وأهل حيه. وأظن أن بلاغة الرؤية وجمالها يكمن في تحريف الواقع تحريفاً جمالياً والاستعاضة عنه بما سيؤول إليه لو رجعنا إلى الوراء – وليس إذا نظرنا إلى المستقبل. في شعر شابو رصانة الشيوخ وحكمتهم وبراعتهم في استقاء المعاني والدلالات والمفردات المعبّرة.. وفيه كذلك العلوم الحديثة والتقانة والفلسفة وشتى المعارف الإنسانية. اقرأ معه حين ينشد: أشهد أنّا طوعنا الجينات وأنّا فككنا التركيب النووي وعبأنا كفيه، جحيماً موتا أشهد أنّا جذفنا في النسبي وسافرنا في الزمن المطلق هذا حسنٌ بالطبع وجدا لكني أتحدث عن قلبٍ يسع الدنيا عن قلبٍ مسكونٍ بالحب ومشحون مقتا عن قلبٍ لا يتعلم ابدا قلبُ الشاعر لا يهدأ أبدا في شعر شابو (حداثة مفاهيم) ورؤى عصرية تبدو في كثير من استخداماته اللغوية الفارعة. أنظر (طوعنا الجينات): إشارة للتقنية الحديثة في الطب، والجينات – كما هو معروف – كشف مستحدث في العلوم الطبية وهندسة الوراثة. وكذا (التركيب النووي). أما قوله (جدفنا في النسبي): فهو إشارة فلسفية، وكذا (سافرنا في الزمن المطلق). كثير من الناس لا يعلم أن شابو جارى (مريا) لصلاح أحمد إبراهيم منذ أواخر الخمسينيات، وقرأها في حضرته وأثنى عليها.. وهي من القصائد التي لم تُنشر في ديوان، وبالكاد استطاع أن يستحضر منها قوله: يا مريا ليت لي ألف مريا ليت باخوس سقاني بالكؤوس العسجدية وأذاب اللحن روحي في الليالي البابلية يا مريا حدثيني كيف سالت كلمات بالتحية هل تندّى في الصخور كالندى فوق الرياض المخملية أم تغنى كالخرير في تماويج العشية
|
|
|
|
|
|