|
دجاجات جدتي خمس نجوم:من مدونة الصحفي القدير الصادق عبدالسلام
|
http://sadiqabdulsalam.blogunited.org أخي الحبيب الصادق عبدالسلام بجانب كونه صحفياً موهوباً فهو كاتب موهوب للغاية وعضو اتحاد المدونين، وهذه دعوة مني لتصفح مدونته الجذابة بقصصها المنوعة و الجميلة بدءً من دجاجات جدته الخمسة نجوم
دجاجات جدتي خمس نجوم كانت جدتي امرأة حكيمة فقد كانت تشتري دجاجات وتطلق سراحها داخل المنزل لتأكل من خشاش الأرض من دون رقيب أو حسيب، وأحياناً كانت ترسلني إلى السوق لأشتري حبوب الذرة وبقايا الخضراوات التي تقطعها قطعاً صغيرة؛ لتعلفها بهذا المزيج بل كانت أكثر من حرص من كثير من زعماء العالم الثالث على مواطنيهم.. وكنت ألمح البسمة على محياها وهي ترانا على المائدة نتلذذ بالتهام دجاجاتها: لحماً وبيضاً.. وريشاً أحياناً. وفي أحد الأيام، وعلى غفلة من جدتي، مزجتُ الماء المخصص للدجاجات بدواء أعطاني إياه طبيب بيطري من معارفنا بدعوى أنه يقوي مناعتها ويزيد من إنتاجية بيضها.. لكن العجوز لاحظت الفرق ليس من زيادة البيض، وإنما من رائحة الماء؛ فقامت بعملية تقصٍ دقيقة لمعرفة الحقيقة. وعقدت جلسات «استجواب» مع كل أفراد المنزل. وعندما جاء دوري لم أجد مفراً من الاعتراف؛ فثارت عليَّ وأصدرت الحكم بإعدام الدجاجات شنقاً حتى الموت، ورمي بيضها في القمامة. أخذ شقيقي على عاتقه أمر الإعدام، فالإجرام كان يلمع في عينيه منذ الصغر، أما أنا فأخذت البيضات ألطّخ بها جدران بيوت الناس. ومن يومها ضربت جدتي طوقاً كبيراً حول الدجاجات الجديدة باعتبار كل واحدة هي من فئة «خمس نجوم» في المناعة، ولم تترك شيئاً أو أحداً يقترب من دجاجاتها إلا فحصته، خصوصاً حين تسوّل لي نفسي الاقتراب منها. وكان أفضل وصفة علاج تقدمها لدجاجاتها في حالة المرض، وهي حالة نادرة تتمثل في تغيير الماء المعدّ لها أولاً، ثم عزل الدجاجة المريضة وزيادة جرعتها الغذائية، وتركها أياماً لمراقبة أثر ذلك فيها؛ فإن شفيت فأهلاً وسهلاً، وإن لم تُشفَ تُذبح وتُقدَّم على المائدة لأنها كانت متأكدة من أن طبخ الدجاج على درجة حرارة عالية يضمن القضاء على المرض نهائياً، أما إن نفقت الدجاجة فيؤخذ جثمانها الطاهر إلى مكان بعيد، ثم يُحرق للتأكد من القضاء على الفيروس. أنفلونزا الشيخوخة وليس أنفلونزا الطيور كان وراء موت جدتي، ومات معها الزمن اللذيذ. حالما رحلت عنا هجرنا دجاجات جدتي وهجمنا على دجاجات السوبرماركت القادمة من فنادق خمسة نجوم: زرائب مكيفة لا تكاد ترى من خلالها ضوء الشمس، تأكل فيها أطباق من الهورمونات وأعلاف التسمين؛ حتى لو كانت لا تناسب الكائنات «النباتية».. وكلما اشتكت دجاجة من صداع طفيف أمطرها خبراء البيطرة بأنواع من الإبر والعقاقير فماذا حصدنا غير «بعبع الطيور».. فقد أعلنت أسرة في الإمارات حالة الطوارئ في بعد مشاهدتها طائراً صغيراً حطَّ على نافذة المنزل؛ فاتصلت ربة الأسرة بالبلدية مطالبة بـ «قوات التدخل السريع» للسيطرة على الوضع. وعندما جاء الخبراء، ومعهم جيش جرار من العمال بكامل معداتهم وأسلحتهم، وجدوا أن ذلك الطائر لا يحمل فيروس «إنفلونزا الطيور» لكنه كان يعطس كثيراً من الزكام.. لاحظت مرة أن جيب صديقي منتفخ وعلى غير العادة؛ فمازحته قائلاً: لا بد وأنك ورثت من أسلافك.. ولإبعاد التهمة عن نفسه أدخل يده في جيبه وأخرج منها كمّامات كالتي يستعملها الأطباء في العمليات، وقال إنه يضعها في جيبه لاستخدامها عند مروره بالقرب من شاورما الدجاج.. ألم أقل إن جدتي كانت حكيمة؟
|
|
|
|
|
|