|
|
 ... اللحم ليكم والعضم لينا ...
|
.
.
الحرية .. الديمقراطية .. مفردتان كل منهما تسوقانا إلى تشعبات مصطلحية كثيرة .. إلا إننا الآن بصدد الحديث عن الحرية لانها أساس والديمقراطية تابع .. وإن المدقق في المجمتع السوداني يجد إن هنالك تشوهات كثيرة في ذلك الجسد الإجتماعي السوداني حيث كانت هذه التشوهات ماهي إلا نتاج لمجموعة من القيم والتقاليد والأعراف المجتمعية المغلوطه التي لم يحاول مثقفونا أن يعملوا على تشريح الذات السودانية ودراسة مقوماتها بصورة تحررها من كثير من هذه العادات والتقاليد التي أمست بمثابة دين ثاني للشعب السوداني ..
وفيما يخص الحرية .. تلك الكلمة البراقة التي ظل مثقفونا منذ فترة ماقبل الإستقلال يتشدقون بها ومن أجلها سيروا المسيرات ومن أجلها نظموا الندوات والمؤتمرات وكل منهم ينطلق من خاص بمدينة فاضلة يمارس فيها حريته التي إذا ما بحث عنها في دواخله لا يجد لها أي ملامح إلا من خلال قراءات لكتابات وافده لكنه لم يتدرب يوماً ليعيشها أو يمارسها ... ومتى ما تثنى له الوقوف على أعتاب تلك المدينة الفاضلة = الحرية = حتى غدا كالثور الهائج في مخزن الخزف فيحطم كل شي جميل بحجة أنها الحرية ... حتى ترسخ في أذهان الأجيال اللاحقة إن الحرية والفوضى العبثية هما توأم سيامي .
بل إن الباحث في تفاصيل الحياة السودانية على مختلف ضروبها لن يجد سوى .. الكبت .. القهر .. التسلط .. التغييب ..
أدري اخي القارئ إنك قد تعترض لكنها هي الحقيقة الموجودة وإن تفاوتت نسبها – نعم يجدها أما الحرية فلن تجدها إلا فيها ما يشبه المكياج لدى حسناوات المدينة حيث يتزين بها هي وعبارات في المهرجات والإحتفالات والمؤتمرات وبعدها تزال كما يزيل أي مهرج في أي سيرك مجموعة الألوان التي يغطي بها وجه وهو يمارس عبرها النفاق في وجوه القادمين لحضور تلك المهرجانات والندوات ويعود وهو يحمل أدواته التي تمثل دوماً شخصيته .. الكبت .. القهر .. التسلط .. التغييب ..
بل إن ذلك الباحث إن أعاد النظر كرة أخرى في تلك المنظومة المجتمعية ذات الأعراف والتقاليد لوجد مجموعة من الخطوط الحمراء التي تمنع حتى التفكير في ميلاد الحرية والتي حتى لو أتت لأتت مسخاً مشوهاً ... لا يكون إلقاء القول على عواهنه دعونا نحاول معاً تشريح مراحل تنشئة الإنسان السوداني عبر مراحل حياته المختلفة علنا نجد ما يخطي ما ذهبنا إليه ..
لما كانت الحرية ليست بدعة وهذا ما دعت إليه الاديان السماوية وطالبت بها الفطرة البشرية كما إنها ليست حدثاً طارئاً وإنما هي حق مكفول للإنسان ... فإن ذلك الباحث إذا نظر إلى التنشئة الإجتماعية للإنسان السوداني لوجدها تتجافى شكلاً ومضموناً عن ذلك الحق الإنساني الأصيل =الحرية= ... حيث أنه في بدايات رسم ملامح شخصية ذلك الإنسان السوداني داخل مؤسسة التنشئة الإجتماعية الإولى =الأسرة= نجد إن الأب فيها منذ البداية يرسم ملامح (الدكتاتور) كما يرسم ملامح (التابع المضطهد ) وهو بذلك وبدون ان يدري يضع أولى بذور الغبن الذي يولد التمرد والتملق واللتين متى ما وجد صاحبها المساحة إلا وتحول إلى طاغية آخر في منظومة تلك الأسرة ... وهذا ما يتضح لنا من مجموعة التقنيات التربوية التي ينتهجها ذلك الأب حيث إنه دوماً يمثل (الصاح) في الفعل والقول والذي لا ياتيه الخطإ من بين يدية ولا خلفه كما يقوم بترسيخ مجموعة من القواعد الذهبية التي يجب أن تتبع دون مناقشة ومنها إن الكبير في الأسرة وخارجها هو الذي يعرف أكثر وهو الذي يفهم اكثر فيجب على الأصغر طاعته في كل شي (....) وإن على الأخت طاعة أخوها حتى ولو كان أصغر منها سناً وأقل درايه وفهماً بل يصل الأمر أن يقصى رأيها إذا طرح أخيها رأياً آخر ... وكل تلك التقنيات التربوية وغيرها في إعتقادي لا تؤسس إلا لطاغية او متمرد واحسب أنها جميعاً لا تتوافق والحرية ...
وتأتي بعد ذلك المؤسسات التربوية النظامية الأولى الروضة و (الخلوه) ليكملان بدورهما ما قام به الأب فيعملان على تجفيف روح المبادرة لدى الناشئ عبر مجموعة من الآليات التربوية التي تؤسس تحت شعار ( اللحم ليكم والعضم لينا ) والتي عبرها يوضع الأمر في يد الشيخ ليشكل ذلك الناشئ كيفما يشاء ولست بذلك اقدح في دور الشيخ في الخلوة لكن الأمر يحتاج إلى بعض التقويم وكثير من التدقيق ... حيث مازالت شخصية ذلك الناشئ تتشكل ليجد نفسه في بيئة منهجها العقاب للمخطئ دون تحديد ملامح الأخطاء وحدودها لتجنبها وبالمقابل تجاهل للإجتهاد أو دعم قليل لايشبه حجم العقوبة عند الخطأ ...
ثم يدخل المرحلة الأولية أو الاساس ليعيش وضعاً مغايراً حيث إن قانونه الإطاري يقول بأن ( الخير يخص والشر يعم ) وبذلك نجد إن بجريرة احدهم يعاقب الجميع ومتى ما احسن أحدهم فأقصى حافز له كلمة (جيد جداً) بالقلم الأحمر في طرف الكراس ..
وما بين ما يريده الأب لأبنه أن يكون وما بين ماعليه ان ينجزه من فروض داخل اسوار المدرسة يتحول ذلك الناشئ في المرحلة الثانوية إلى شي أشبه بجهاز التسجيل يطبع في راسه الصغير كل مايلقن من علوم دون أن يستوعب معظمها أو يناقش في أمر حيث أرتسمت في دواخله صورة ذلك المعلم وهو يحمل (البسطونه) في يمناه وهو يجمع أشياؤه في نهايات الحصة ويردد بصور ميكانيكية وهو يضرب بتلك البسطونه على احد الأدراج (في حد ما فاهم) فيسبق الذعر الأسئلة الحيرى لدى هذا السوداني الصغير فيخبي وجهه خلف ظهر زميله ويرددوا جيمعاً وبصوت واحد لاملامح له (فاهمين يا أستاذ) ليمضي الأستاذ ويبقى هو وحده ذلك الإنسان السوداني الصغير وقد تعلم أن يتوارى بعيداً برايه وإستفساره وحيرته كما تعلم أن ينفذ فرضه المدرسي حتى ولو لم يفهمه كي لا يغضب أباه وأن يتجنب غضبة معلمه وفي حالتين تكون البسطونه هي الرفيق للمعلم والاب ...
من كل ما سبق ترتسم ملامح شخصية ذلك السوداني في العقل اللاواعي وتتشكل لديه مجموعة من الثقافات الأولية والتي من ضمن مفرداتها لا توجد مفردة تعنى بالحرية وتوابعها أو تشير إليها ليدخل بعدها المرحلة الجامعية وهو يصطحب معه الرقيب الداخلي أو حارس البوابه لكل ممارساته الحياتية على ضوء كل تلك الثقافات القمعيه التي تربى في كنفها وفي الجامعة يكون احد شخصين أما أن يكون جهازاً لتسجيل الأكاديميات حتى تلك التي لم يفهمها ويترك الفهم لما بعد التخرج أو يكون طالباً طائشاً يمارس أفعال كانه عبرها ينتقم منه نفسه وطاعتها للتعليمات كل ذلك الزمن أو انه ينتقم من أبوه واسرته والمجتمع عبر ممارسته الفشل المستمر ..
وإنه وعند دخوله المرحلة الجامعية يستصدم بمجموعات الإستقطاب السياسي ليفاجا عبرها على مفرده تسمى (حريه) بل ويطالب أن يمارسها وينادي بها ويدافع عنها وبوقته وصحته ودمه حتى ... فيقبل بنهم للتعرف على تلك المدعوة (الحرية) بل يسوقه جنوح المراهق وحب المغامرة في ذلك السن ليمارس هذه الحرية التي قرأ أو سمع عنها من ثقافات وافده ... فيكون أول حقل لتجاربه هو ذلك الإنسان الذي يمثل في عقله الباطن أحد أعظم قلاع الأستبداد وهما (الأب والاستاذ) فيمارس حرية من داخل الروابط والجمعيات والإتحادات عبر مجموعة من الإنفلاتات التي لا تشبه الحرية في شي ...
بل سواء ما يقوم به سياسيو البلد عبر تنظيماتهم المختلفة في إستغلالهم لتلك الكتل المتراصة من المشاعر المنفلتة والأذهان المشوشة لتحقيق ...
وأدرك شهريار الصباح وسكت عن الكلام المباح
|
|
 
|
|
|
|
أبو عبيدة البصاص
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست