|
رسالة الى ابنى عثمان فى عيد مولده
|
غدا".. 25 يوليو .. كان مولدك قبل عامين ومولدى قبل ستة وثلاثون عام
نفس التوقيت فى الميلاد ... ونفس النهار و اختراق الصمت اقبية السؤال .. لماذا هذا التشابه فى
الحضور ايها الابن البار الصغير ( عثمان) لماذا حينما تنظر لى بعينيك الصغيرتين تلتهمنى الدهشة
كانما انظر الى قاع نفسى .ايها الطفل المشاكس هل يعقل ان تكون انت نسخة منى لدرجة التوقيت فى
الزفير والشهيق .
هل يعقل ان تتوقت رموش عينيك مع اغتماضى ورؤيتى
بينى وبينك عشق امك .... وستة وثلاثون عام
هل تدرى انك ابن من رماد الاغتراب ومن حب قام على اعمدة الغياب .. وانتهاك العطش
لوطن المغبات السبع والحياة المستحيلة .. عطش الروح وارتواءها من بئر يوسف التى
لايمر بها سيارة ولا ينزل فى اعماقها دلو سوى الظلام ... ونور الشمس ...والمطر ..
انها جدلية ( الجب ) و(بورتريه الغياب) .. لتأتى انت .(رحال جديد فى وطن الرحيل )
هل ياترى تدرى بان اباك اختار (الجب) لتعيش انت ..اختار هذه الصحراء الصفراء
لينجبك صحيحا" من كذب الحلائف وصلف العساكر والمجاملات الوضيعة ... وانشقاق
الاحزاب وغباء الحكومات التى تكذب على شعبها نهارا" جهارا .
وحتى لاترى .. كيف هو سلوك الشحاذين فى بلاده الذين يمدون ايديهم الضعيفة
امام زجاج نوافذ السيارات الفارهة الاسود المظلل ... لتقبض رئتهم كربون الاحتراق (دخان
اسود) واسفلت .
وحتى لا تتالم من تلك الارصفة التى تقام عليها عمارات سوامق ...
من صفقة انا وانت وامك لادخل لنا بها ولكننا قسرا" قبضنا ثمنها الرخيص (قنطار غياب )
ورؤية والدينا واحباءنا فى الشتاء من كل عام او عامين لقد حرمنا من رؤية المطر وهو يلامس تلك
الارض السمراء فتفوح رائحة العشب والتراب والجدار المبلل ... حرمنا من (العصافير ) فى الصباح وصوت القمرى
حُرمنا من مشاهدة اولاد وبنات المدارس ذوى السحنة السمراء ..
ومن زيارة الجار .. وزغرودة المفاجآت ومآذرة الفاجعات .
حُرمنا من النظر الى النيل .. ومن نهايات عصر وبدايات مغيب .. وونسة ضحى وفنجان قهوة
ومن المشى فى الاسواق ..ومن السلام البار ..
هَزمتنا تلك الراحلة التى لا تتوقف .. ابدا .. راحلة الصحراء الى مدن الملح
حتى حوافر النياق استلزمت منا (رخصة اقامة ) وجواز مرور
تكة الختم .. ودقة القلب يتشابهان .. فهل دقة قلبك تحمل تكة ختم الرحيل ايضا" يابن كبدى
وعذاباتى
لم يسعفنى الرحيل ان اتلمس وجه ابى (جدك ) العابس وهو يودعك فى نفس الشتاء
اظنه ازدوج فى تالمه فقد كان يودع ابنا" واحدا" فصار يودع نسختين .. ان الالم مضاعق
والحزن مرتين .
اشتهى بسمة امى فى الصباح .. واعتباس ابى عند الظهيرة
اشتهى الاصدقاء .. والضحك المعافى ..
اشتهى ان اكون عائدا" سالما" من حفيف الليل فى مساء سمر ...
ساقول لك غدا" كل عام وانت بخير ..
وسترد لى بماماة العابثين ..وساعرف ردك من عيون امك ..
ستترجم لى قولك بانك .. لن تكون بخير الا اذا جلس دينق وملوال وعلى وابكر وادروب فى
مائدة واحدة .. واكلو حتى شبعو .. وقامو للعمل .
لن تكون بخير الا اذا ..
كتبت تلك الطفلة (ايمان )
بخط يديها فى كراسة انشاء
موضوعا" عن حقوق الانسان ..
وصححه الناظر باطمئنان .
وكتب فى اعلى الورقة
وفقك الله ياايمان ..
سوف لن تكون بخير
الا اذا اذن الفجر ..
فصلى الناس
وتفرقو للعمل
او دقت اجراس الكنائس .. فالتقى المسلم والمسيحى على المفارق ..والقو التحية
بشرط الا يكون وراء صلاة فجر اجتماع سرى لدين مسيس
ولا بين اروقة الكنائس نشيد غامض .
سوف لن تكون بخير الا اذا
لم يتجرع جدك وجدتك وداعك مرتين
فى كل شتاء .
|
|
|
|
|
|