|
|
 إضاءة على منتدى مجموعة الثمانية واليونسكو حول التعليم والبحث العلمي والإبداع/بقلم عمر عبدالعذيذ
|
* اتيحت لي الفرصة أثناء وجودي بمدينة (تريستا) بايطاليا ان احضر منتدى مجموعة الثمانية واليونسكو حول التعليم والبحث العلمي والإبداع تحت شعار: شركاء جدد للتنمية المستدامة الذي عقد في الفترة من 10-12 مايو 2007 كما تصادف وجود اساتذة اجلاء حضروا هذا المنتدى- بصفتهم الشخصية- هم: الدكتور اسامة يسن عميد كلية العلوم جامعة النيلين، الدكتور كارلو اويل عميد كلية الكمبوني والدكتورة تهاني الشاطر استاذة الليزر بجامعة الخرطوم، وانضم الينا اخيراً الاستاذ ابراهيم ادريس من هيئة الطاقة الذرية السودانية.
أقيم هذا المنتدى تحت رعاية الحكومة الايطالية بالتعاون مع هيئات اخرى في مقدمتها المركز العالمي للفيزياء النظرية المعروف بمركز عبد السلام، هذا المركز الذي يعتبر قبلة لكثير من العلماء والباحثين في دول العالم- خصوصاً النامية والمتوسطة الدخل- للالتقاء وعمل البحوث. يقول مدير المركز العالمي للفيزياء النظرية البروفيسور سيرني فيسان: ان فكرة هذا المنتدى إنبعثت من اجتماع مجموعة الثمانية ببطرسبرج والابداع التقني وكيفية تطبيق هذه المفاهيم على الدول النامية والاستفادة منها في عملية التنمية المستدامة.
دخلت اليونسكو شريكاً في المشروع ببرنامج يسمى التعليم لتنمية مستدامة (2005-2015م) وقد اعطى دخولها الفكرة بعداً عالمياً كونها من منظمات الأمم المتحدة.
إن انعقاد المنتدى في مدينة تريستا لم يكن وليد الصدفة، فقد اختيرت لمكانتها العلمية ومجهوداتها المقدرة في خدمة العلماء والباحثين من الدول النامية، هذا الدور الذي ظلت تلعبه لاكثر من اربعين عاماً منذ ان بدأ العالم عبد السلام بإنشاء المركز العالمي للفيزيا النظرية. وقد انشئت بها في العقود الاخيرة عدة مراكز علمية عالمية منها:
1. أكاديمية العلوم للدول النامية.
2/ المركز العالمي للهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحياتية.
3/ مركز العلوم والتكنولوجيا المتقدمة.
* المنتدى يعتبر بوتقة لصهر وجهات نظر وافكاراً متباينة للخروج بمقترحات يمكن دعمها من اجل تقليل الفروقات التكنولوجية بين الدول وقد حضره ستمائة شخص يمثلون ستين دولة.
اود من خلال هذا المقال إلقاء الضوء على هذا المنتدى المهم، كما اود عكس صورة عامة عن القارة السمراء في مجالات التعليم والصحة من خلال الاحصاءات التي قدمها خبراء وعلماء، علماً بأن المنتدى قد عقد جلسة خاصة لافريقيا.
تحدث في الجلسة الافتتاحية عدد من المسؤولين الايطاليين منهم وزير التعليم الايطالي قيوسيب فيروني الذي حث على إنشاء المعاهد والمختبرات العلمية بالجامعات لاجراء التجارب، وقال بوجوب عدم الفصل بين ماهو انساني وماهو علمي.
وقال حاكم اقليم Friuli venezia giuild ريكاردو الي في خطابه مرحباً بكم في مدينة العلوم تريستا ومرحباً بكم في اقليم الابداع وذكر فيما ذكر ان التنمية تعتمد على الابداع، والاثنان يعتمدان على البحث، وقد نوه الى ان التنمية المستدامة تتطلب التركيز على مواضيع بعينها هى: الطاقة والبيئة.
رئيس الوزراء الايطالي روماني برودو قال ان هناك كثيراً من النقاط الساخنة والمشكلات ومشكلتنا الاساسية هى من اين نبدأ وكيف؟ كما اشار الى قصور يعتري الكل وهو عدم المتابعة، وقد طلب الى المنتدى الخروج بخطة علمية وعملية واضحة عن كيفية البدء في إنفاذ وتحقيق اهداف مشاريع التنمية المستدامة، واخيراً طلب الى المنتدى كتابة التوصيات وتسليمها له لعرضها في اجتماع الثمانية القادم بالمانيا (يونيو 2007) وقد اجمع المنتدى على قيام المركز العالمي للفيزياءالنظرية بهذه المهمة.
أيضاً خاطب المنتدى السيد/ ماتسور مدير اليونسكو موضحاً بأن العلوم والتكنولوجيا والابداع العلمي هى ملك للجميع، وحث المنتدى على التعاون في مجالات الصحة والتعليم وابحث والابداع لخلق عالم آمن تتساوى فيه الفرص، وذكر بأن المعرفة تولد الابداع الذي يجب تسخيره لتلبية الحاجات الملحة للانسانية، مشيراً الى ان العلوم والتكنولوجيا ليست فقط نتاج إشباع فضول الانسان وأنما هى ايضاً لتلبية حاجيات الانسانية الاساسية، وقال في معرض حديثه أننا يجب ان نركز علي اصلاح العالم وذلك عن طريق:
1/ تحقيق تعليم اساسي ذو نوعية جيدة ومحو الامية وتساوي الفرص بين الجنسين.
2/ بناء مؤسسات عالمية وتقنية لخلق الابداع.
3/ حماية وتطوير المعرفة المحلية.
4/ إتاحة المعلومات للعامة.
5/ انشاء مؤسسات خارجية تتيح تبادل المعلومات مجاناً.
* كانت الجلسة الاولى بعنوان ماهو نوع الشراكة المطلوبة بين الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الصناعية لخلق مجتمع عالمي مبدع؟ وقد حاول المتحدثون الاجابة على الاسئلة التالية:-
1/ ماهو دور الجامعات في خلق المشاريع والابداع.
2/ كيف يمكن ان تتعاون المؤسسات العامة والخاصة لخلق المعرفة ونشرها.
3 تحديد العوائق التي تمنع التعاون بين القطاعات المختلفة وازالتها وتشجيع الاستثمار في المجالات التعليمية والبحثية. كما عقدت جلسة مسائية تحدث فيها بروفيسور مارك باري من اليونسكو، كان عنوان محاضرته: انجازات مشروع التعليم للجميع، والتي عكس فيها الانجازات التي حققها المشروع مشيراً في نفس الوقت الي اوجه القصور فيه وذكر بأن المشروع يمشي بخطوات واسعة لكنها بيطئة.
وبالرغم من الانجازات المحققة فقد قدم هذه الاحصائيات:
1/ خُمس سكان العالم البالغين - أي 771 مليون شخص لا يزالون أميين.
2/ 86 دولة لم تحقق تكافؤ الفرص بين الجنسين وليس من المؤمل ان تحققه حتى بحلول عام 2051م.
3/ 77 مليون طفل خارج المدرسة، نصف هذا العدد في دول شبه الصحراء بافريقيا- والثلث في دول مثل الهند ونيجيريا والباكستان واثيوبيا.
4/ هنالك حوالي 20 مليون طفل تركوا المدارس منذ عام 1999م في جنوب اسيا- وقد عزى هذه الظاهرة لثلاث عوامل هى: الفقر، امية الام وبقاء الاطفال في اماكن نائية.
وقدم المحاضر بعض الحلول والاقتراحات لتجاوز هذه المآسي. وذلك بزيادة اعداد الداخلين للمدارس الابتدائية وتوفير تعليم اساسي مجاني لهم وذا نوعية جيدة وازالة التمييز بين الجنسين في المراحل الاولية والثانوية.
كما خصصت جلسة بعنوان البيئة والتحديات العالمية، حاول فيها المحاضرون الاجابة عن كيفية خلق نظام تعليم وبحوث متكامل لحل مشكلات البيئة وتأثيراتها كتغير المناخ وتلوث الماء والهواء والامطار الحامضية وازدياد الكثافة السكانية. وقد اقترحت وكيلة وزارة البيئة وحماية الارض والبحار الايطالية ادخال ضلع اخر لمثلث المعرفة وهو مفهوم الحفاظ على المعرفة المحلية المكتسبة والحفاظ على الموروث والتقاليد- واشار بروفيسور سيفركر من السويد ان الاستثمار في التعليم والعلوم هو استثمار في البيئة، ايضاً قدمت جلسة بعنوان الابداع والمجتمع- دار النقاش فيها عن كيفية تقوية ثقافة الابداع في المجتمع وتم توضيح الدور الذي يمكن ان يلعبه القطاع العام في التسريع لخلق مجتمع مبدع، وأهم شيء برأيي انها وضعت مواصفات الحكومات العالمية والمحلية التي يمكن ان تطرح برامج وسياسات فاعلة تخلق مجموعات مبدعة.
جلسة اخرى قدمت بعنوان الصحة والتنمية المستدامة ناقش فيها العلماء كيفية خلق نظام صحي متكامل لمجابهة تحديات القرن الواحد والعشرين المتمثلة في امراض الشيخوخة والتدهور البيئي او احتمال حدوث طاعون عالمي، كما حاولت هذه الجلسة ان تحدد مواضيع فكرية متعلقة بالصحة وابراز صورة عنها في الدول النامية، فمثلاً اشار احد المحاضرين الى ان حوالي 11 مليون طفل يموتون سنوياً بسبب الاسهالات والالتهابات والملاريا، ونصف هذا العدد يموتون بسوء التغذية، وأن هنالك 000،529 ام تموت سنوياً (000،68 حالة وفاة منها بسبب عملية الاجهاض غير السليمة) وان هنالك حوالي 300 مليون ام تعاني من امراض مستديمة أو عارضة بسبب الولادة غير السليمة!! والمشكلة الحقيقية ان هنالك بعض الدول لا تقدم بيانات عن الحالة الصحية للنساء ولا معلومات عن المواليد. وقد تعرضت هذه الجلسة لبعض المواضيع البحثية التي تشغل بال العالم هذه الايام- ومنها على سبيل المثال البحوث في مجال البايو نانو تكنولوجي، وفي مجال الاحياء الجزيئية والهندسة الوراثية والطب عن بعد واستحداث طرق جديدة لعلاج السرطان.
كما تحدث صاحب مستشفيات ابولو الخاصة بالهند ودول اخرى عن تجربتهم في مجال العلاج الخاص وكيف ان هذه المستشفيات قد تمكنت من اجراء عمليات متقدمة كجراحة القلب وبأسعار رخيصة مقارنة بالعلاج بالخارج، مشيراً الى انهم اجروا 000،59 عملية قلب بلغت نسبة نجاحها 6،99% خصصت جلسة للحديث عن الطاقة والتنمية من اجل تحديد الخيارات المتاحة من الطاقة، وحاول العلماء الاجابة عن كيفية خلق نظام متكامل من البحوث لحل مشكلات الطاقة في القرن الواحد وعشرين. وقد اجمعوا على ان الطاقات المتاحة الآن كالبترول والغاز ستنضب في القريب العاجل، وأن الخيار المتاح يتمثل في خيارات بديلة كالطاقة الشمسية. وعرض ممثل شركة kyocera للخلايا الشمسية الامكانيات التي يمكن ان توفرها الطاقة الشمسية في الدول النامية، فقد تم استخدامها في الطب، والزراعة والتعليم في المناطق النائية.
هنالك جلسة خصصت للبحوث والابداع، والدور المنوط بالحكومات تجاهها.. وكيفية جذب القطاع الخاص لدعم الجامعات والبحوث وتعزيز التعاون بين الجامعات والمؤسسات الصناعية، كما بحثت امكانية تعاون الحكومات مع القطاع الخاص لبناء نظام تعليمي وبحثي جديد وامكانية تعاونها مع كافة القطاعات لجذب الموارد وتسخيرها لخدمة التعليم العالي، وفي هذا الصدد قدم وزير التعليم والبحث العلمي الباكستاني تجربة بلاده في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي وكيفية اقناع الرئيس برويز مشرف بالصرف والاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وهى بحق تجربة مميزة ادهشت الجميع.
عقدت في اليوم الاخير جلسة بعنوان العلوم والتكنولوجيا والابداع من منظور افريقي، وقد ركزت هذه الجلسة على بحث التعاون الممكن في مجال العلوم والبحث بين افريقيا والغرب او دول آسيوية كمجموعة النمور الخمسة.
على ان افضل محاضرة قدمت في اعتقادي واجماع غالبية الحضور، هى التي قدمها بروفيسور احمد حاج علي حسن رئيس اكاديمية افريقيا للعلوم والدينمو المحرك لاكاديمية العلوم للدول النامية، فقد كانت محاضرته بسيطة ولكنها عميقة المستوى وتدل على فهم حصيف للمشاكل الافريقية، وحوت احصائيات وحقائق مهمة- اورد ايضاً منها على سبيل المثال:-
- أن افريقيا افقر جزء في العالم، ونصف سكانها يعيشون على اقل من دولار في اليوم.
- 166 مليون افريقي يعيشون في أحياء قذرة مزدحمة بالسكان. 42% من السكان لا يحصلون على مياه نظيفة للشرب.
- 73% من السكان لا تتوافر لديهم الكهرباء.
- افريقيا اكثر عرضة للتغيرات المناخية، وذلك لهشاشة العلاقة بين الكائنات والبيئة المحيطة بها.
كما تطرق لمشكلة هجرة العقول الافريقية، وهى مشكلة لا يمكن حلها بسهولة، غير انه قدم حلولاً لكل المشاكل المطروحة، موضحاً الفرص المتاحة للقارة السمراء في الخروج من وضعها الراهن: ذلك ان القارة تمثل مصدراً كبيراً للطاقة والطاقة والنفطية التي يمكن ان تمد بها اوربا- الا وهى الطاقة الشمسية، فالكيلومتر المربع الواحد في الصحراء الافريقية يمكن ان يولد طاقة شمسية سنوية تكافيأ 5،1 مليون برميل بترول، وإن الطاقة الشمسية الممكن توليدها من صحاري العالم تفوق استهلاكه السنوي بألف مرة، واضاف بأن 50 مليون طن من الاتربة (الكتاحة) تنتقل الى غابات امريكا الجنوبية وهذه الاتربة غنية بالمواد والمعادن المغذية للتربة.
هنالك ايضاً بصيص أمل في حل مشكلات القارة عبر التزام الدول الافريقية لتخصيص نسبة 1% من اجمالي الدخل القومي للبحوث، وهذا ما بدأت به بعض الدول فعلاً- ليس من بينها السودان- فرواندا مثلاً خصصت للبحوث نسبة 6،1% من دخلها القومي يؤمل زيادتها في السنوات الخمسة القادمة الى 3%، وزامبيا اقترضت مبلغ 30 مليون دولار من البنك الافريقي للتنمية لبناء قاعدة للبحوث والتنمية.
الجدير بالذكر ان مجموعة الثمانية قد خصصت مبلغ 5 بلايين دولار لاعادة بناء الجامعات و3 بلايين دولار لانشاء مراكز بحثية مميزة في افريقيا.
شهد هذا المنتدى الكثير من المداخلات الساخنة من الحضور- خاصة الافارقة، فقد علق احدهم افكاركم جيدة وممتازة- حصلنا على الدعم لبناء المدارس وتم ذلك، لكن بحلول الحادية عشرة ظهراً يفقد التلاميذ الصغار تركيزهم بسبب الجوع!!).. واضاف آخر عظيم، هنالك مجهودات مقدرة لامداد افريقيا بأجهزة الكمبيوتر، وهنالك طرح من ميكرو سوفت بتجميع كل الاجهزة القديمة واعادة صيانتها ومن ثم بيعها لافريقيا بأسعار زهيدة- اثنين دولار!! لكن: من أين سنحصل على الكهرباء لتشغيلها؟). وقال احد الآسيويين ركزتم على التعليم العالي والبحث العلمي، وماذا عن التعليم الاساسي وهو مهم جدا؟).
غير ان اقوى مداخلة كانت من البروفيسور باولو بروبس- ايطالي الجنسية ومن مؤسسي المركز العالمي للفيزياء النظرية مع العالم عبد السلام- قال بعد توزيع تعهد موقع من رؤساء مجموعة الثمانية بالتزامهم بمساعدة الدول النامية شكرآً على ما قدمتموه من معلومات وافية على الحلول المطروحة، لكن كل ما قيل معروف لدينا من اربعين عاماً وقد ناقشناه ومعنا العالم عبد السلام.. (لكن ما لا يزال ينقصنا هو الدعم المادي).وبعد، فقد حاولت تقديم لمحة عن هذا المنتدى ولكن لكثرة المعلومات وكثافتها لم اكتب بالتفصيل إلا فيما اقتضته الضرورة.
كل المعلومات الواردة في هذا المقال موثقة بكل تفاصيلها في المواقع الالكتروني التالية:-
www.g8foum.ictp.it
www.ictp.it
* باحث وخبير في مجال الفيزياء الطبية
د. عمر عبد العزيز علي *
|
|
 
|
|
|
|
ALI KHAIR
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست