كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
(قرنق).. الموت على حافة الإنتظار والإنتصار
|
(1)
عثروا على جتثه تتوسط (خور أبوعنجة) بعد أن تلقى عدة طعنات غادرة على جنبه الأيمن من الخلف ).
لا أدري من أين أتى به (عبدالكريم الكابلي) , فقد جاءنا بعد أن تربى ببيته ..
حياته التي وضع فيها بقلوبنا ذكري ومحبة لاتفنيان , لم تتعد الثمانية عشر
عاماً , كان هاشاً باشاً خدوماً مقداماً , سمحاً لا يكدره زل تشرده وحاجته ويتمه
وإلتحافه السماء أمام دكان (بلال ) بعد أن غادر منزل (الكابلي) ليعمل مساعداً
(لبلال البقال) .
و(بلال) هو أحد أبناء (الدويم) الذين حلوا محل (أبناء دارفور ومن قبلهم
اليمانية) في سوق البقالة بأزقة أمدرمان وحواريها .
كان (قرنق) سهل القياد مطيعاً نشطاً لا تصدر منه (العيبة) , يحترم الكبير
والصغير ويخفض جناح الزل لأمهاتنامن الرحمة , أحببناه وصار أحد أفراد ذلك
الحي وتلك الأسر الأمدرمانية الممتدة التي تسكن بأجيالها المختلفة داخل (حيشان
مو######## ) كابراً عن كابر .
إقتحمها (قرنق الجنوبي المسيحي ) الذي صار أسمه أيضاً (عبدالله الجنوبي ) دون
أن يترك المسيحية أو يدخل الإسلام , كان هكذا ,أبننا جميعاً وأخاناً جميعاً ,
أقباطاً ومسلمين ,
شماليين وجنوبيين وحتى من تعود أصولهم إلى الهند أو الشام أو مصر من أبناء
ذلك الحي لم يصعب على (قرنق) أو (عبدالله) إقتحام حيواتهم ومشاطرتهم أفراحهم
وأحزانهم .
لا تستطيع أن تفوت على نفسك متعة المرور بدكان (بلال ) لرؤية (قرنق) صباحاً
عندما يتجمع طلاب الجامعات التي تتخذ من الحي مقراً لها لتناول وجبة الإفطار
على يد (قرنق) وعلى أنغام مداعبته للفتيان والفتيات وترديده أغنيات
(كابلي ) بصوت عزب رخيم , لاهو شمالي ولا هو بجنوبي , صوت تحبه وتطرب له ,
لأنه لايجبرك على البحث عن هويته , فهو على غير طبيعة الأشياء في تلك البلاد,
سوداني فقط دون تخصيص .
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 06-26-2007, 08:31 PM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: (قرنق).. الموت على حافة الإنتظار والإنتصار (Re: كمال علي الزين)
|
(2)
(قرنق الصغير) كان طرفاً في حرب أخرى غير التي خاضها سمييه (الكبير) , كان يحارب من
أجل لقمة عيشه وموضع رأسه ليلاً (وهذه لا تنفصل عن تلك الحرب) , إلى أنه كان يخوضها
بمحبة وقناعة ورضاء بماقسمه له الله وماناوشته من خطوب الدنيا وهو بعد غضاً .
لا أدري لماذا ماتا (قرنق الكبير والصغير ) , بعد أن أنتصرا كل على طريقته , فقد
شهدنا جميعنا إنتصار أخانا (قرنق الصغير) حين صار أحد أركان ذلك الحي وتلك البيوت ,
إلا أن ما يثير الدهشة ويعد من غرائب الأمور , أنه ثمة مايربط (قرنق الصغير) بسمييه
(قرنق الكبير) والذي رافقه إلى الآخرة أيضاً ..!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (قرنق).. الموت على حافة الإنتظار والإنتصار (Re: كمال علي الزين)
|
(3)
يتوعده دائماً قائلاً وإبتسامته لا تفارق محياها:
(بكرة يابلال عمي قرنق بجي الخرطوم وبخلص منك القديم والجديد)
يرد عليه بلال ساخراً : شوف إبن الكلب أنا سويت ليك شنو ؟ بعدين ياخوي قوم (بل الفول ) باين إنتظارك لي عمك قرنق حايطول .
ويضجا ضاحكين بعد أن كانا في أشد حالات العداء والركل والرفس .
يهم (قرنق) بأداء عمله في تكاسل متعمد وهو يتمتم :
بكرة لما يجي عمو (قرنق) الخرطوم , أمانة أتعبك تعب ..!
يرد بلال بسرعة :
ياخوي لا تتعبني ولا أتعبك يجي عمك ده يسوقك وتغور كده ولا كدة من خلقتي وأرتاح منك ومن قلة أدبك دي .
إلا أن (قرنق ) سرعان ما يجد مبتغاه حين يهتف بوجهه :
يسوقني وين يالذيذ , بعدها أنا حا أبقى سيد الدكان وإنتا تشتغل شغلي ده وفوقوا تغسل هدومي إنتا قايل هو منتظروا عشان يجي يحكم البلد دي , لا والله البلد تطير أنا منتظرو عشان حاجتين .
يرد بلال :
والله يا العفين كمان بقيت تتكلم زي ناس المفاوضات وعندك شروط , أها ورينا (أجندتك) ياقول ناس السياسة ؟
يرد (قرنق ) وهو يشعل النار لينضج الفول :
الحاجة الأولي إنو أنا أعكس الآية يعني أنا أبقى بلال وإنتا تبقى قرنق وأنجضك شغل ومشاوير وقلة نوم زي مانجضتني .
يرد بلال :
دي هينا مبروك عليك (محلات هارديز دي) , طبعاً يا جاهل مابتعرف (هارديز دي شنو ) ماعلينا والحاجة التانية شنو كمان ؟؟
يرد (قرنق) :
دي كان قلتها ليك الليلة مابننوم , أحسن تخليها لما يجي عمو قرنق مفاجأة يعني ؟
يعتدل بلال في رقدته ليقول : مفاجآت شنو يا (قرنق )السجم , أوعا تكون عاوز تطردني من بيتي كمان وتستولى عليهو , ماياهو ده الفضل ؟
يرد (قرنق) في خبث وفرح مصطنع :
بس قربت والله , هو ما حا أطردك ولا حاجة لكن حا ...
يقاطعه بلال : حا شنو
يرد قرنق : حا .. حا ..
أعرس (البيضا) أختك ديك .
ويواصل جررة بلال إلى غضبته تلك التي تجعلهما يتراكضان ويتصارعان ثم يعاودا عملهما في
صمت .
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 06-26-2007, 09:19 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|