|
|
 مالذى بين بوب مارلى و مصطفى سيد احمد؟
|
بسم الله الرحمن الرحيم
مالذى بين بوب مارلى و مصطفى سيد أحمد ؟
ابوبكر على خلف الله
[email protected]
مقدمة:
خمس و عشرون سنة على رحيل بوب مارلى, و أحد عشر عاما على رحيل مصطفى سيد أحمد , ما أنقطع الصدى و لا انحسر الظل. محيط زاخر و الاف الاميال فصلت بينهما و خلفيات ثقافية متباينة, و لكنهما مع ذلك جمعتهما قواسم مشتركة تثير الدهشة و الحيرة. فمنذ الميلاد الذى كان فى منتصف الذى كان فى منتصف القرن المنصرم و الى معاناة النشاة التى طوقتهما فى شرخ الصبا, فوصولا الى هذه المرحلة يمكن قول ان ليس فى الامر عجب, و لكن أن يلاقيا نفس معاناة بداية المشوار الفنى و أن يتاثرا دينيا و سياسيا و ان يتقاسما موهبة الكتابة و التلحين و الاداء و ان يختارا نصوصا رفيعة المستوى مباشرة او رمزية, هذا هو المحير. و ليس هذا فحسب, بل تقاسما عمرا فنيا قصيرا استطاعا قهر سنيه القصار فى شجاعة منقطعة النظير. و هى نفس الصلابة التى اقتسامها و مرض عضال يجوس فى احشائهما و يتسبب فى توقف خفقان قلبيهما.
كل هذه المحطات السابق ذكرها هى حقا ما اقتسماه فى هذه الحياة و التى ساقوم بتفصيلها حتى نتيقن الى اى حد كانا متماثلين, و الشئ المثير للدهشة أن مصطفى كان يستمع لبوب فى مرحلة أهتم فيها بثقافات اخرى اقليمية و عالمية, ترى هل فكر مصطفى أن أقدارهما تسير على نفس الطريق!
1/ نشأة و معاناة:
ولد روبرت نيستا مارلى – بوب مارلى – فى 6/2/1945 برودن هول فى شمال جامايكا لابوين متباينى الاعراق, فأمه سيديلا بووكر جامايكية الاصل, اما أبوه الكابتن نورفال سنكلير مارلى فانجليزى الاصل – من لفربول – كان يعمل فى جزر الهند الغربية الانجليزى. انتقل بوب مع أمه للعيش فى مدينة ترنش تاون الفقيرة باالقرب من كنغستون العاصمة.
وولد مصطفى سيد أحمد بودسلفاب – ولاية الجزيرة – عام 1953و تلقى تعليمه الاساسى بها و انتقل بعدها لبورتسودان حيث ارتاد المرحلة الثانوية هناك, و عاد لولاية الجزيرة حيث عمل معلما بمدارسها لفترة وجيزة و بعدها انتقل للخرطوم و عمل كمصمم بمصنع النسيج ببحرى.
عانى بوب كثيرا منذ نعومة أظفاره, حتى أنه كان بالكاد يرى والده الذى كان كثير التغيب, و لأنه كان لابد من العمل لجلب الخبز, قطع بوب دراسته فى مرحلة مبكرة و عمل فى محل للحام المعادن. و نشا مصطفى فى اسرة فقيرة سرعان ماتولى زمام الامور فيها بعد وفاة والده و اخوه الاكبر, و عمل بجهد لأنه كان أخ لسبع بنات.
2/ مشوار فنى:
عقد بوب فى بداية حياته بترنش تاون صداقات متعددة كان من أهمها صداقته مع الصبى الصغير نوفيل اورلى و الذى خطا معه بوب أول خطواته الموسيقية و الذى صار يعرف لاحقا باسم بونى ويلر. كانا ينصتان باهتمام الاى محطات الازاعة التى كانت تبث الحانا متميزة لمشاهير مثل راى تشارلز و بروك بينتون هناكى فى الولايات المتحدة الامريكية , و لم يغفلا قطعا الاهتمام بالموسيقى الجامايكية.
جاءت ضربة البداية على يدى المغنى جو هقز الذى كان يقدم دروسا موسيقية و تدريبات فى الاداء الصوتى, و فى واحدة من هذه التدريبات التقيا الشاب بيتر مكنتوش – بيتر توش – ذى الحس الموسيقى العالى.
أول تجربة اداء قدمها بوب كانت امام متعهد فنى محلى يدعى لزلى كونغ و الذى راقته التجربة تمام ووافق على الفور ان يسجل اول اغنية لبوب و هى Judge Not (لا تدين), و قرروا الثلاثة ان يعملوا كفرقة اطلقوا عليها اسم Wailing Rude Boys , و استبدلوه باسم اخر و هو Wailing Wailers بعد انضمام جونيور برايت وايت و فتاتين تدعيا بفرلى كسلو و جيرى قرين. و بدات المتاعب تلقى بظلالها على الفرقة اليافعة, فانسلخ بعض الأعضاء للصعوبات المالية على الرغم من الشهرة العريضة التى حازتها الفرقة و تم اطلاق اسم جديد و هو Wailers The (النائحون). و ليس هذها فحسب, بل ان انجرافهم الشديد نحو الراستفارى جلب عليهم سخط شركة كوكسون دود التى كانت قد تعاقدت معهم سابقا, الشئ الذى جعلهم يقررون إنشاء شركة انتاج و توزيع فنى خاصة بهم لادارة اعمالهم, و لكنهم اخفقوا تمام لعدم درايتهم بمثل هذه الامور. و فى عام 1973, و بعد عودتهم من رحلة فنية بلندن, انسلخ واحد من اهم الاعضاء و هو نوفيل اورلى و قرر ان يعمل وحده و اطلق على نفسه اسم فنى و هو بونى ويلر, و حل مكانه معلم بوب الاول جو هقز. و أنطلقوا بعد تجاوز المحنة صوب الولايات المتحدة الامريكية, و اثناء اقامتهم هناك, عملوا بمصنع للحوم, و عملوا ايضا كعازفى موسيقى و مغنيين مساعديين لعدد من الفرق الموسيقية مثل ذا فاملى ستون و مغنيين شباب مثل بروس سبرنغ. و لان المصائب لا تاتى فرادى كان انسلاخ بيتر مكنتوش مؤلما, الذى قرر ان يستقل بنفسه و اطلق على نفسه اسم جديد و هو بيتر توش, و بقى بوب وحده يغنى ولكن لاحقا انضممن اليه عضوات فريق I – Threes النسائى المكون من زوجته ريتا مارلى و جودى ماوات و مارشيا غريفتز, و اطلق على الفرقة اسم جديد و هو بوب مارلى و الويلرز, و الذى استمر حتى يومنا هذا.
و لم يكن حال مصطفى بأفضل من بوب من ناحية المعاناة , ففى بداية حياته الفنية تلقى تدريبا فى العزف على الة العود من قريب له, و كان يردد اعمال غنائية لعدة فنانين مثل عثمان الشفيع و احمد المصطفى (سكون الليل). استهل مشواره بالتمرد على الواقع الغنائى و تحديدا الممارسات التقليدية بين الشعراء و الملحنين و الفنانين الشئ الذى جلب اليه سخط الكثيرين,فوصفوه بالتمثال حيث ظنوا ان سكونه و تأمله جمودا الا أن ذلك كان اقصى حالات الاصغاء لداخله المتوثب للمستقبل, و ايضا تمثلت معاناة البداية فى صعوبة تسجيله للاعمال و بثها, و لكنه كان محظوظا بوجود ايادى بيضاء دفعت بالتجربة الى الامام, فلم تنل منه الصعوبات و لم تفت فى عضده. ومثلما اول الغيث قطرة و اول الليل الشفق, ايضا اضاف اليها اوائل اخر, فكان اول من استبدل لفظ قعدة الى جلسة استماع, و اول من فتح بابا للحوار مع المغنى و المتلقى حتى أنه كان يصطحب معه الاف الحناجر و هو يردد(والله نحنا مع الطيور- لحافظ عباس) و(أدينى احساس بالأمل- لمدنى النخلى) و (قمر الزمان- لصلاح حاج سعيد )فى اداء كورالى متناغم و هو ذات التاثير الطاغى الذى حظى به بوب مارلى و لن يمحى من الذاكرة عام 1976 بلندن فى قاعة الليسيوم بالرووم, حينما صدح الجمهور مرددا أغنية No Woman No Cry ( لا تبكى يا إمراة).
تشكلت ملاح مصطفى الفنية بمدينة الحصاحيصا, ووقتها أطلق رائعته (غدار دموعك) فى اول رمية للنرد, و أتبعها باعمال أخرى مثل (والله ايام يا زمان و الملام) و كان ذهنه يبحث عن اعمال تصب فى صالح المتلقى من حيث المردود الثقافى و النفسى , و على الجانب الاخر كان الشعراء يبحثون عن صوت يلائم كتاباتهم, و حدث لقاء السحاب الذى أمطرنا روائعا لازالت تهمى و تنساب.
أحدث البوم بوب و الفرقة الاول Simmer Down ضجة هائلة فى جامايكا و حاز على المرتبة الاولى فى لائحة الالبومات, الشئ الذى جعل شركة كوكسون دود توالى التسجيل للفرقة, و استطاعوا كسب كلمات مؤلف الاغانى الشهير رودى بوى الذى كان مهتما باحوال الفقراء. حينها صارت الموسيقى الجامايكية تتحول شيئا فشيئا الى تناول قضايا مهمة لم يتم التطرق اليها سابقا, و احدثت الفرقة تاثيرا جذريا فى الموسيقى , فتحولت من ايقاع السكا Ska السريع الى ايقاع بطيئ و عاطفى و هو الروك ستيدى Rock Steady . و فى خطوة نحو النضج الفنى , تعاونت الفرقة مع السيد لى بيرى, و الذى استطاع بعبقريته فى الانتاج الفنى و التسجيل ان يحول أعمالهم الى قطع فنية رائعة. و حل عام 1970, الذى التحق فيه بالفرقة الاخوين استون باريت (عازف الايقاع) و كارلتون باريت (عازف الباص جيتار) و كان لانضمامهما التاثير الملحوظ لامتلاكهما ناصية الابداع. لم ينتظر بوب كثيرا للتحليق بعيدا, ففى عام 1962 وقعوا عقدا مع أضخم شركة إنتاج فنى و هى تسجيلات الجزيرة و التى تعرف بانها من اهم مصادر الموسيقى الجامايكية. و استطاع البومهم الاول مع الشركة كسر كل المعايير. و تتالت الالبومات و التى كانت تحتل المراتب الاولى فى الولايات المتحدة الامريكية دون كثير عناء. و قد تضمنت روزنامة مواعيدهم حشدا يقدر بقرابة المائة الف نسمة فى ميلان بايطاليا و دعوة رسمية من روبرت موجابى رئيس جمهورية زمبابوى المستقلة حديثا عام 1980. بكل بساطة بالامكان القول ان بوب مارلى و الفرقة كانوا يعدون من اهم الفرق على الاطلاق, و كدليل على ذلك, حاز البومهم الجديد وقتها Uprising عام 1980 المراكز الاولى فى جميع سباقات الالبومات الاوربية.
و كان أيضا مصطفى على موعد مع التحليق, فجاءت الشجن الأليم نصا مختلفا و تناثرت الدرر بعد ذلك (ضليت – لقاسم ابوزيد) و(ياضلنا- ليحى فضل الله) و(حاجة فيك- لهاشم صديق) و(واقف براك- لمدنى النخلى) و (صابرين- للقدال) و (الحزن النبيل- لصلاح حاج سعيد) فجئن جميعهن محتشدات تشكيلا و مترعات رمزا, فمعظم شعراء مصطفى يستدعون النص الغنائى من واقع عميق يستشف به ماورائيات النص الذى يفتح بابا للتأويل الافتراضى له. و حلق بعيدا كما لو انه يسابق الزمن, فجاءت عبقريته اللحنية تؤكد قدرته الفريدة فى ادخال اللحن فى مفاصل النص, و كأصدق مثال تأتى (وجيدة) تشهد على انها فشل فى تلحينها كثر, لكن مع مصطفى الامر مختلف, فجائته طائعة مختارة, و هى من كلمات الشاعر قريب الله محمد. و بعد ذلك تواصل اكتشلفه للنصوص عبر شعراء كانوا موجودون اصلا قبل تعاملهم معه, و كانت اسهاماتهم معه متسقة مع وجهة نظره و طموحه الفنى لاغنية ذات علاقة بهموم الناس و تطلعاتهم.
3/تأثيرات عقائدية و سياسية:
يظهر التاثير العقائدى عند بوب واضحا جدا كالشمس فى رابعة النهار, فشعره المجدول و لحيته غير المشذبة هى جزء من تقاليد خاصة يمارسها الراستا. و كلمة راستفارى اخذت من اسم الامبراطور الاثيوبى هيلا سيلاسى الذى كان اسمه الحقيقى (راس تفارى ماكونين) و الذى كان قد تنبأ باعتلائه عرش الارض المقدسة - و يقصدون اثيوبيا – قس جامايكى يدعى ماركوس جارفى. و كان ان تزامنت عودة بوب من الولايات المتحدة الامريكية مع الزيارة الشهيرة للامبراطور الاثيوبى و سرعان ماكسبت الراستفارى عضوا مهما و مؤثرا للغاية, وعكس بوب هذا التاثير فى اغانيه حتى ان البوم Rastaman Vibration يعتبر اوضح دليل على ذلك لاحتوائه اغان مثل Johnny Was و Who The Cap Fit و الاغنية الشهيرة جدا (War) التى جاءت كلماتها من حديث للامبراطور الاثيوبى امام الامم المتحدة بنيويورك.
اقحام بوب للسياسة جلب اليه المتاعب, فنجاح أغنية War العالمى عضد من قدراته السياسية, و كان ان وجدت الاغنية اذانا صاغية من شباب القيتو الثوار, فاراد بوب ان يعبر عن امتنانه لوعيهم السياسى فاعلن عن قيامه باداء حفل خيرى, ولكن دعوة الحكومة لانتخابات مبكرة فجرت حرب القيتو مرة اخرى, و فى مساء يوم الحفل اقتحم مسلح منزل بوب مارلى واطلق عليه النار, و بعد تماثله للشفاء, أقام بوب الحفل تحت حماية افراد مسلحين, وانتقل للاقامة بلندن.
و بعيدا عن جامايكا, و فى ولاية الجزيرة, نشأ مصطفى ملتزما دينيا و أخلاقيا, و كانت الكثير من صفاته تدل على ذلك, فكان يكره تماما الخوض فى سيرة الناس فى غيابهم و يرفض تماما فعل اى عمل يفرق بينهم, بل كان يسعى فى التقريب بين الاضداد, إضافة الى زهده فى المهاترات. عكف مصطفى فى ايامه الاخيرة على دراسة محى الدين بن عربى وايضا ردد بعض اناشيد الختمية.
لم يعلن مصطفى انتمائه لجهة سياسية محددة او حزب معين لكنه كان يميل لادب اليسار, حيث كان يتقاسم معهم الاهتمام بالانسان و البحث عن اطر لحياة كريمة فى تقاسم الحقوق و الواجبات. و هناك فى القاهرة كان الكل يرغب فى اجتذابه, لكنه قطعا فضل الانتماء للانسان و الارض, و لكن لا يمكن اغفال ان اعماله صبغت بصبغة سياسية ذلك للهتاف العالى فى البعض منها و هى حالة أشبه للغناء للوطن.
4/ ثلاثية الكتابة و التلحين و الاداء:
أ/ الكتابة:
كتب بوب و مصطفى الكثير من النصوص, و اقتسما شيئا مهما للغاية, وهو انهما كتبا اول أعمالهما الخاصة بنفسيهما, فكتب بوب Judge Not (لا تدين) و كتب مصطفى (غدار دموك).
و كتب بوب العديد من أغانيه الشهيرة و لم يلتزم بضرب محدد, فجاءت نصوصه مختلفة, ففيها العاطفى و الثورى و الاجتماعى. فأروع اغانيه العاطفية جاءت من كلماته, Is this love? (أهو الحب؟) تمتاز بلغة سهلة و لحن سلس ياخذ باللألباب, و كتب ايضا رائعته Waiting In Vain (أنتظرك عبثا) و التى يبدو فيها أن حبه للانتظار كان اعظم من انتظاره للحب. و الثورية و النضال عند بوب لاتخفى على احد, حتى ان اخر البوم له طرحه جاء بعنوان Survival (بقاء) و الذى ظهرت فى غلافه اعلام الدول الافريقية المستقلة, و كتب ايضا One Love و التى صارت سفيرة للنوايا الحسنة فى كل انحاء العالم, و عكست جزء مهم افكاره و معتقداته و هى الوحدة و السلام للعالم قاطبة. و نسخة الاغنية التى ظهرت فى البوم Songs of Freedom جاءت متضمنة لكلمات اغنية كيرتس مايفيلد People Get Ready , فصارتا اغنية واحدة. و التى يطرح بوب عبرها سؤال مهم للغاية, فيقول هو سؤال واحد ارغب فى طرحه, هل سيجد المذنب ملاذا امنا و هو الذى احال حياة جميع البشر الى بؤس فقط لتنعم روحه؟) و يضيف حينما تحين المعركة الفاصلة بين الخير و الشر, لن يجد و قتها مكانا يختبئ فيه). و كتب بوب العديد من الاغانى الثورية, و يقول فى One Drop لقد جعلو ا الاعالم بائسا, ففى كل يوم علينا ان نحارب, و فى كل يوم يموت الناس), و كتب ايضا اغنية Three Little Birds و هى اغنية للامل, و قد كتبها على عتبة باب بيته حيث كانت المكان المفضل لديه لتأليف الاغانى, و الكتابات عند بوب متعددة و متنوعة. و لكن ايضا غنى نصوص اخرى لم يكتبها بنفسه مثل Rat Race و No Woman No Cry .
و لمصطفى ايضا تجارب خاصة مثل (تحرمنى منك) و (يابت يانيل) و (صديقى الاول) و (اخر شعاع), و ايضا شارك فى كتابة بعض النصوص مثل نهاية (علمى عيونى السفر – مدنى النخلى), و ايضا شارك فى كتابة (حتى الفصول صابة الجفاف) و(طوريتك) واختار مصطفى15 بيتا متفرقاً من نص (كان نفسى اقولك من زمان) لصلاح حاج سعيد والذى كان يتكون اصلاً من ثلاثين بيتاً دون ان يختل المعنى العام . واختار عدد من الابيات فى قصيدة محمد الحسن حميد بين الموجة والخزان حلم انسان (هردت لهاتى بالغنوات) ليغنيها والنص الاصلى للقصيدة طويل جدا . وكذلك اختار ابيات متفرقة من نص (شوق الشوك) لحميد ايضاً من جملة النص الاصلى ايضاً . ومن قصيدة حميد (نورا والحلم المدردح) اخرج للنور وركب نصين هما نوراوكتين يضيع عرق الجباه الشم) و (يامطر عز الحريق).
ب/ الالحان:
قال شاعر الريقى المطبوع لنتون كريس ظهر الى حيز الوجود اسلوب جديد لموسيقى الريقى, مزجت فيه عدة انواع من الموسيقى مع بعضها البعض, مثل (الروك و السول) و (البلوز و الفنك) و الذى سرعان ماصار معروفا). و قال الدكتور الموسيقار يوسف الموصلى أكثر مايميز مصطفى فى الجانب الموسيقى هو الوضوح الشديد فى الرؤية الموسيقية و اهتمامه الواضح بعملية البناء اللحنى).
هذان التعليقان ماكانا ليردا لو لم يكن بوب و مصطفى اهل لذلك, فمقدرتهما فى وضع الالحان تعد متميزة و رفيعة المستوى, و ليس هذا فحسب, بل سيظل الاثر الذى تركاه فى مجال الالحان علامة بارزة فى تاريخ الموسيقى.
و بلا ادنى شك, يمكن القول ان بوب هو رائد موسيقى الريقى و التى ينسب البعض ميلادها للسيد لى بيرى - اشهر منتج فنى فى كل منطقة الكاريبى انذاك – و التى ازاحت موسيقى السكا Ska الراقصة. و كانت هذه الموسيقى رائجة جدا فى بداية مشوار بوب و الفرقة الفنى, و هى عبارة عن مزيج بين موروثات جامايكية و افريقية مع تأثير قوى لموسيقى البلوز الامريكية. و لكن مع ظهور موسيقيين جدد مثل بوب, تحولت الموسيقى الجامايكية الى اسلوب جديد و هو الروك ستيدى (الروك الهادئ) و كان ذلك فى عام 1966. و يقول بوب فى مقابلة مع الكاتب تيموثى وايت استطاع الشباب قلب الطاولة على القدامى) و يضيف لقد أصابهم الرعب و توقفوا عن العزف, و بالمقابل لم نكن نحن نرغب فى الاستمرار بالاسلوب القديم). و شيئا فشيئا تحول الروك الهادئ الى موسيقى الريقى, و التى يأخذ فيها الجيتار الايقاعى (Bass Guitar) موقعا مهما, و عن ذلك يقول استون باريت عضو الفرقة و عازف الجيتار الشهير الجيتار الايقاعى هو العمود الفقرى لموسيقى الريقى).
تعاون مصطفى فى بداية حياته الفنية مع عدد من الملحنيين, و لكنه راهن على قدراته و قرر ان يضع الحانه بنفسه, و كم كان محقا فى ذلك. فجاء لحن (المسافة) رائعا – اول اعماله – و كل الاعمال التى تلتها من ألحانه, ماعدا بعض الاعمال, فلحن له بدرالدين عجاج (كيف أنساك – لمحمد مريخة) (ولمحتك- للكتيابى) و يمتلك مصطفى خاصية نادرة يحسد عليها, و هى مقدرته ادخال اللحن فى مفاصل النص, و كدليل على ذلك, استطاع تلحين (حاجة فيك- لهاشم صديق) الذى كان يعتبره الكثيرون نصا صعبا.
و يوضح الدكتور يوسف الموصلى مقدرة فى وضع الالحان بالقول أكثر ما يميز مصطفى فى الجانب الموسيقى هو الوضوح الشديد فى الرؤية الموسيقية, بالاضافة الى انه يهتم كثيرا بعملية البناء اللحنى. و بدا الموسيقيون ينظرون الى العمل الفنى كبناء متكامل, و ليس مجرد لحن و اداء, حيث يعتمد فيه على لحن أساسى و عدة الحان أخرىتعمل فى نفس الوقت كاطار جميل و تستمد احساسها من اللحن الاساسى. ومن هنا يتضح ان مصطفى كان مهتما بموضوع البناء اللحنى و يعتبره مصدر الجدة, و على الرغم من هذه العمليه التى انتهجها, لكن لا يستطيع المتلقى ان يألف اعماله للوهلة الاولى, و هذه الميزة فى اعتقادى تكسب العمل الفنى قدرته على الاستمرارية و استنباط معانى جديدة مع مرور الوقت. و يجب تاكيد ان بعض الفنانين تعاملوا مع اللحن كبناء, و لكن ربما ادى ذلك لاختلاط الامر لدى عدد كبير من النقاد فلم يروا الا التشابه فى الالحان او التماثل فى الكتل اللحنية او هكذا احساسهم بها, غير ان هذه العملية تحتاج لوقت طويل حتى يتسنى التفريق بين الكتل اللحنية و علاقتها ببعضها البعض. فمصطفى كان يهتم بالبناء اللحنى كما اسلفت, و ليس هذا فحسب, بل كان يتقبل فى ذلك النقد بصدر رحب و هو سلوك متقدم لانسان كانت الرؤية واضحة تماما امامه, و بهذا المفهوم شارك فى البوم (طفل العالم الثالث) و كذلك البومى الحزن النبيل والبنت الحديقة).
و الشئ المهم جدا و الذى ينشر لاول مرة, ان مصطفى وضع لحنا لاغنية (فرحانة بيك كل النجوم – لمدنى النخلى) بطريقة مختلفة تماما عن لحن الدكتور يوسف الموصلى, و لكنه احتفظ به احتراما للموصلى. و ايضا الشى الاخر الذى ينشر لاول مرة هو ان اخر نص لحنه مصطفى و كان يقوم بتحفيظه للفنان خالد الصحافة, كان قبل ثمانية و اربعين ساعة لوفاته, و النص يقول (افرح لما اجيك حزنان .. و انسى الالم السورنى .. و برضى اغالط فيك ظنى) من كلمات الاستاذ مدنى النخلى و بعدها غادر خالد للبحرين, و لكن سرعان ماعاد للدوحة مرة اخرى بعد ان عرف بخبر رحيل مصطفى.
ج/ الاداء:
اختلف بوب و مصطفى فى طريقة الاداء, و لكنهما اتفقا فى انهما يأسرا المتلقى تمام, فهناك متلقى لا ينبس ببنت شفة حتى نهاية الاغنية, و هناك اخر يظل يردد معهما كلمة كلمة منذ البداية. و بوب تارة يكون هادئا و أخرى يغلى كالمرجل, فبين هذى و تلك تمور الاغنية داخله فتنعكس على طريقة ادائه. و من ناحية طبقات الصوت, فبوب ينتمى الى طبقة التينور.
و عرف مصطفى بسكونه الجميل, فهو كما لو انه يقصر الحركة فقط على صوته الذى يتمدد فى كل الانحاء, و صوته ينبع من طبقة البريتون باص – اغلظ الطبقات على الاطلاق – و لكن مع ذلك تميز بقدرته على اداء درجات حادة توصله بكل يسر الى طبقة التينور الحادة , و هى اشارة واضحة للمساحة الكبيرة التى يتمدد فيها صوته.
5/ رمزية:
تنوعت نصوص بوب و مصطفى من حيث الطرح,و طالما ان الرمزية تفتح بابا للتاويل, جاء حضورها جميلا و فتحت افاق للتأمل و الابحار العميق سبرا لاغوار النص. الباب عند بوب هو رمزا للامل و هو لا يمل الطرق عليه مرارا و تكرار لانه لو لا الامل لانفطر الفؤاد, لذا تكرر ذكر البابا كثيرا. فباب Coming In From The Cold هو نفسه باب Waiting In Vain , و الاصابع جاءت رمزا للتقليل من شأن احد ما يكن لبوب عداوة و بغضاء, فاصابع Judge Not لا تختلف كثيرا عن اصابع Talkin' Blues , و ان كانت الاخيرة اروع فى الرمزية, حيث يقول فيها لذلك الشخص ان قدميه اكبر من حذائه. و الشئ المثير للدهشة هو ان استخدام بوب و مصطفى للقطار كرمز للتغيير, فاطلاق صافرته هو اعلان لانتهاء محطة وبداية اخرى. و كم كانت الاغنية الرائعة Rat Race مدهشة, لأنها تضمنت رمزية رفيعة المستوى ممزوجة بنكهة سياسية عالية التركيز. كتبت الاغنية عام 1976, من كلمات ريتا مارلى (زوجته), ووقتها كانت جامايكا فى خضم الانتخابات العامة, و الرات ريس هو اسم احزاب سياسية كانت فى ائتلاف سياسى, و الكلمة اذا ترجمت للعربية تعنى الجرذ, و بعربية اعمق تعنى جنس قذر, و تقول ريتا فى اخرها من العار ان يتحول البشر الى هذا الجنس القذر. فيحتار المتلقى مالمقصود بكلمتى رات ريس, و لكن المعنى المقصود قطعا هى احزاب الرات ريس السياسية, و لكن ريتا رمزت اليها بشكل جميل للغاية يكتنفه شئ من الغموض.
و شعراء مصطفى يتنفسون الرمزية, حتى المباشر عندهم يعتنبر رمزا. و فى نص (فى عينيك عشم باكر) تتجذر الحبيبة فى الوطن. و القطار عند مصطفى هو رمز للتغيير (شفع العرب الفتارى .. يجرو ساكين القطارى), و هو نفس القطار الذى دهس عم عبدالرحيم فى صورة عالية التكثيف و مشحونة بدراما لاهثة. و السفر هو الامل (الامانى الفى سفر) و (و الله نحن مع الطيور) و (وكيف انسى تزكارات هواك .. و نتحمل الغربة و نعانى .. ونصبر عشان نكسب رضاك .. و نغنى لو زاد الحنين .. ياريتو كان سفرا معاك) و فى عبارة (سفرا معاك) كان مصطفى يصطحب معه الوطن و النيل و المحبوبة.
6/ عمر فنى قصير:
لم يحدث فى يوم من الايام ان حسبت ساعات الفنان التى قضاها فى الحياة كالطيار, و لكننى رغبت ان اوضح انه على الرغم من قصر عمريهما الفنى- بوب 36 عاما و مصطفى 43سنة - و لكنهما استطاعا قهر السنوات و سابقا الزمن ليمنحانا انتاج فنى غزير فى زمن وجيز للغاية. و بلغة الارقام بدأ بوب مشواره الفنى بتقديمه أول تجربة أداء عام 1962, و طرح اول البوم له فى العام التالى. و فى عام 1980 طرح بوب اخر البوم له و للفرقة, و بالطبع طرحت عدة البومات بعد رحيله. اذا هى ثماني عشرة عام وهى كل ماتوفرت لديه ليمنحنا هذا الانتاج الغزير.
و جاءت بداية مصطفى الفنية فى بداية السبعينات و استمر تدفق عطاءه الفنى حتى قبل وفاته بيومين فقط, اى خمس و عشرين سنة تقريبا. و لكن هل انقطع الصدى؟ قطعا لا, فالاثر الذى تركاه لن يمحى و اصدق دليل على ذلك هى هذى الاجيال الشابة و التى لم تعاصرهم و لكنهم يعرفونهم كما لو انهم بعد احياء. فبوب و مصطفى سيظلا رابضين فوق الثرى دون التقهقر قيد انملة عن المقام الذى ارتقياه, و حتما سيذكر فى دوائر المعرفة أن العمر لم يستطع قهرهما.
7/ بعد انسانى و تواضع:
لم يحدث اى تبدل لاخلاق بوب و مصطفى حتى سكون خفقان قلبيهما, و على الرغم من الشهرة الطاغية التى حازوها و لكنهما ظلا كما كانا فى بادئ الامر, و هو مقام لا ليس بمقدور الشخص العادى ان يحتمله او يستطيع الصبر عليه. فلم تؤثر فيهما الشهرة و الاضواء مطلقا لانهما لم ينسيا ماضيهما.
فبوب لا ينسى الماضى, و دوما يتذكر ايامه الاولى فى ترنش تاون, و كلمات اغنية No Woman No Cry (لا تبكى ياامرأة) تشير الى ان الذكرى هى افضل مضاد للغرور و التكبر (كان لنا اصدقاء رائعون ,و لكن فقدناهم فى دروب الحياة. اذا رنا المرء الى مستقبل مشرق ,فلا يجب ان ينسى ماضيه). وتتواتر الاخبار من لندن, كيف انهم اجهشوا بالبكاء حينما وقعوا عقدا مع شركة تسجيلات الجزيرة منحتهم بموجبه مبلغ اربعة الاف جنيه استرلينى, فكان بكاؤهم تذكرا لحالهم كيف كان فى السابق, و كيف ان بعض الاعضاء انسلخوا من الفرقة لاجل الضائقة المالية. و بوب متواضع للغاية, حتى انه سمح للمغنى جونى ناش بان يغنى رائعته Stir It Up لمدة عشر سنوات, بالاضافة الى عدم ترفعهم عن العمل, حيث قد عملوا فى مصنع للحوم اثناء قيامهم برحلة فنية للولايات المتحدة الامريكية فى ايامهم الاولى. و فى الغابون حزن بوب كثيرا لانه عرف متاخرا انهم كانوا يؤدون اغانيهم امام صفوة المجتمع دون عامة الشعب, و هو الذى دوما يقول ان رسالته هى للعموم بغض النظر عن الأعراق و المستويات الاجتماعية.
و مصطفى كان مثالا للتواضع ايضا, و كان كل همه هو الانسان, و كان دائما يبتدر اتصاله الهاتفى حينما كان بالدوحة بسؤال (الناس كيف؟ ). و درج البعض و للاسف على ان يطلقوا عليه لقب فنان الصفوة, و هى لعمرى فرية لا يستحقها, فالمتفحص لكلمات اغانيه سيتيقن انها لم توجه لفئة محددة. و كان مصطفى يبدى امتعاضا لارتدائه الحلة الكاملة و يقول (لولا الفن لم ارتديتها). و كان اذا كتب نصا لا يقول انه من كلماته و ينتظر ريثما ينضج تمام باضافة اللحن ثم يعلنها بعد ذلك.و متقشفا للغاية, حيث كان كثير التعلق بالاطعمة الشعبية و يرفض تناول الدسمة و عن ذلك يقول ان مذاق الاطعمة الدسمة يكون ماسخا حينما يتذر الاخرين, و حتى التفاح يقول انه تعامله معه يكون فى حدود رائحته اكثر من طعمه. و اتصف بالعطف الشديد و مساعدة الناس, الشئ الذى جعله يقوم بمساعدة فتاتين اريتريتين ايام الازمة الاريترية ماديا حتى تمكنا من الذهاب للولايات المتحدة الامريكية للدراسة.
8/ مرض عضال و رحيل:
و فى خطوة ينعقد له الحاجبان دهشة, تقاسم بوب و مصطفى مرضا عضالا تسبب فى رحيلهما عن الحياة, و هو شئ اغرب مايكون للخيال, فتقاسما كل شئ حتى المرض الذى لا شفاء منه.
كان بوب يعشق لعب كرة القدم, و لكن هى لم تبادله نفس الحب, فكان ان اصيب فى اصبع قدمه اليمنى و ادماه اثناء لعبه مع المنتخب الفرنسى فى مايو 1977, و فى يوم 7/7/1977 اصطحبه دينيس ميلز المساعد التنفيذى فى شركة تسجيلات الجزيرة, لا ستشارة الطبيب, و الذى اخبرهم ان الجرح يبدو سيئا للغاية. و نصحه مجموعة من الاطباء بلندن ان يبتر الاصبع, و لكنه رفض قائلا ان تقاليد الراستفارى لا تقر عمليات بتر الاعضاء. و تسرطن الجرح و بدا يسرى فى اعضاء جسده شيئا فشيئا, و كان لابد من العلاج,فالتحق بوب و بسرية تامة بمركز سلون كيترنغ بمنهاتن الطبى, و لكن سرعان ماتناقلت وسائل الاعلام خبر علاجه الاشعاعى, فعلى الفور غادر المركز. سافر بوب الى المانيا للالتحاق بعيادة الطبيب الالمانى الشهير اسحق اسلز الذى حاول كثيرا و لكن اخيرا اخبره بان السرطان وصل الى مرحلة لا يجدى معها العلاج نفعا. و قرر بوب ان يعود لجامايكا عبر مدينة ميامى الامريكية و هى الرحلة التى لم تكتمل ابدا, لأن قلبه توقف عن الخفقان فى 11:45صباحا بمستشفى ميامي يوم الاثنين 11/5/1981. و فى يوم الخميس 21/5/1981, أقيمت جنازة رسمية للسيد روبرت نيستا مارلى – بوب مارلى – بمشاركة حكومية و شعبية, و بعد انتهاء المراسم نقل جثمانه الى منطقة ناين مايل بشمال جامايكا حيث كان مسقط رأسه.
و بدات رحلة مصطفى مع المرض عام 1979, حينما اكتشف انه مصاب بما يسمى (بوليسيستك كيدنى – كلية متعددة الاكياس) و هو مرض يؤدى الى فشل كلوى و علاجه هو زراعة كلية بديلة. فقرر ان يكتم الامر حتى لا يثير قلق اى احد. و فى عام 1984, سافر الى القاهرة و اجرى تحاليل طبية تطابقت مع التحاليل السابقة. و قرر ان يعتمد على نفسه فى العلاج لاسيما و ان اغانيه باتت مسموعة و تفائل كثيرا بان يعالج نفسه من عائدات الحفلات والتسجيلات. و فى يوليو من عام 1990, سافر مصطفى الى موسكو, بعد ان نجح فى جمع كافة المبالغ اللازمة لاجراء العملية, و هناك ظل يلبى طلبات جلسات الاستماع بكل صبر.و فى مساء الثلاثاء 21/3/1991, أتصل به هاتفيا طبيبه المباشر و أبلغه بانهم سيجرون العملية فى اليوم التالى, و كانوا قد حصلوا على الكلية المراد زرعها. استغرقت العملية ثلاث ساعات, و سرعان ماانهالت برقيات معلنة نجاح العملية. طلب منه الطبيب ان يبقى فى روسيا و لكن لم يستطع البقاء, فأنتقل للاقامة بالقاهرة, و ظلت حالته الصحية فى تحسن مستمر, و طلب من اعضاء فرقته ان يلحقوا به, و بالفعل حضروا و انخرطوا فى التدريبات الموسيقية. و سافر فى رحلة فنية الى ليبيا و لكن سرعان ماعاد للقاهرة بعد أن عاودته الالام مرة اخرى حينها احس باعراض الرفض المزمن.
و تم نقله الى الدوحة بواسطة اصدقاؤه مدنى النخلى و بهاءالدين بكرى, لاجراء فحوصات بواسطة البوفيسور عمر عبود الا ان الفحوصات تمخض عنها استئصال الكلية المزروعة, و عاد مرة اخرى لمرحلة التعب المستمر حيث كان يجرى غسيل بمعدل ثلاث مرات اسبوعيا, وكان معه رفقاء فى الغسيل, فقال عن معاناتهم (ضرب الابرة فوق الابرة..راسم زى وشم فى ساعدو..كل مايقول قريب..تعكس ظروفو تباعدو) و طلب من مدنى النخلى اكمالها فأتمها. و كانت المحاولات متواصلة لاعادة زراعة كلية اخرى من مبادرة لصلاح ادريس رجل الاعمال الا ان الاطباء استبعدو ذلك تماما.
و ظل مصطفى يكابد مشاق الرحلة بين الحياة و الموت و يسابق الزمن فى فعل تراجيدى غير مسبوق لامتلاكه شجاعة قلما تتوفر لشخص يمر بمثل حالته, و هو الموزع بين مسئولية الخاص و العام فى تجربة يلهث للحاق بنجاحاتها و تتويج بشاراتها, الى ان غادر فى مساء من مساءات الغربة والسفر والرحيل و هو الذى ردد مع ابوذكرى (أيها الراحل فى الليل وحيدا) و هاهو يرحل بعيدا عن ارض الوطن.
9/ بريقا لن ينطفئ:
يقال أن الاساطير لا تموت, و طائر العنقاء (الفينيق – Phoenix) ينتفض من رماده بعد مضى مئات الاعوام. لكن بوب و مصطفى اسطورتان لا تنتفضا من رمادهما, لأنهما معنا و بيننا على الدوام.
منح بوب العديد من الالقاب و الجوائز العالمية, ففى عام 1999 منحت مجلة التايم الانجليزية البوم Exodus لقب البوم القرن و ايضا هيئة الازاعة البريطانية منحت أغنية One Love لقب اغنية الالفية. و صدرت عدة كتب اذكر منها Marley Legend و The Book Of Exodus و كتاب تيموثى وايت الشهير Catch Afire. الان مضى على رحيل بوب خمس و عشرين سنة, و لكنه لازال قادرا على اجتذاب اجيال جديدة و شابة و هذا دليل على ان رسالته ماضية بلا توقف.
قال مصطفى ذات مرة (اطلقتها داوية), و لان و بعد احد عشر عاما على رحيله نوقن تمام انها كانت داوية, فعناصر الاستمرار فى تجربته كثيرة, و الطاقات الابداعية التى فجرها وسط الشباب واضحة وجلية, و لأنهم كانوا يحملون نفس صفات الوراثة مع اصرار مشروع لخلق تجاربهم الخاصة, فكان خالد الصحافة على قدر التحدى و عمر خليل و عاطف أنيس و ابوبكر سيد احمد و عبد المنعم النذير, و البقية سياتون لان السنبر حتما سيعود و ان طال السفر.
10/ توقيعات:
أ/ قالوا عن بوب مارلى:
(يرقى المخزون الموسيقى الذى خلفه بوب مارلى الى مصاف دوائر المعرفة الشاملة).
جودى ماوات,(عضو الفرقة و عضوة فريق I Threes).
(ان تستمر رسالته فى المضى قدما كان اهم عنده من بقائه على قيد الحياة).
فيفيان قولدمان, مؤلفة كتاب The Book Of Exodus.
(الان بفضله صارت موسيقى الريقى فى كل مكان, و البومه الشهير Legend لا يزال على قوائم البلبورد على الرغم من مرور عشرين سنة على صدوره)
كريستوفر فارلى, مؤلف كتاب Before the Legend: The Rise Of Bob Marley
(تمددت اسطورته حتى عمت جميع ارجاء العالم, هو شخص تمكن من فتح عقول الكثيرين).
السيد هينكى, مدير Rock & Roll Hall Of Fame
(خمس و عشرين عاما مضت على رحيله و لكن موسيقاه لازالت حية, و تأثيره العالمى لازال يتنامى)
ايفيلين مكدونيل, صحفية امريكية, ميامى هيرالد.
(منح بوب مارلى العالم موسيقى رائعة و اغان متفردة على مدى عقدين من الزمان من دون أن يتقهقر الى الوراء قيد أنملة عن المكانة التى ارتقى اليها)
ا.ع. بوباك, صحفى.
ب/ قالوا عن مصطفى سيد أحمد:
(تجربة مصطفى كالحقيقة لا يمكن تجزئتها, شمس اطلت علينا من افق داكن السواد و شيئا فشيئا استطاعت ان تتمدد فيه حتى احالته الى ضياء).
مدنى يوسف النخلى.
(صوته يشبه موجة عريضة تطوف بكل حواف الكون ثم تتكسر الى مالانهاية)
روس بولتر, موسيقار استرالى.
(انه يغنى من القلب الى القلب, و من الروح الى الروح, صوته مشبع باحاسيس الاغانى التى يتغنى بها, و من غير أن افهم اللغة العربية, أحس بتصاوير المعانى العميقة التى فيها)
شيلا.ج.ويجنول, شاعرة استرالية.
(صوته المتفائل يشتعل كنيران عصية على الاخماد, أحس به يغنى و هو يدعو لما يوحد الناس)
دون.ب.ويجنول, شاعر و مغنى استرالى.
(... يرحل عنا بأسرع مايمكن اجمل الناس و اصدقهم و احقهم بالحياة و كأن حياتنا لا تروق لهم)
حسن بيومى, شاعر مصرى, غنى له مصطفى عجاج البحر.
11/ مقارنة نصين:
Waiting In Vain
عبثا انتظرك
كلمات: بوب مارلى ترجمة: ابوبكر على
لكم سئمت انتظار حبك عبثا.
لكم سئمت انتظار حبك عبثا .
لقد كان حبا من النظرة الاولى ,
خفق له قلبى الولهان طربا .
يقينى ان فى استسلامى ضعفا,
حقيقة انكرها بيد ان حبك اقوى.
معاملتك لى كدمية تحزننى ,
الا اننى متيقن من حقيقة امرى.
فلا تتكلمى اذا اعتقدتنى ابكما ,
فسيأتى يوم فيه تضعفين .
حل الصيف و انا قابع فى مكانى ,
وجاء الشتاء و لا زلت منتظرا.
ثلاثة اعوام مضت لطرقى على بابك,
لم ايأس بل زادت بى الاشواق .
ايعقل ما الاقيه منك ؟ تمنيت لو اعرف ,
لان دقاتى و طرقاتى ستزداد .
هى الحياة احزان و آلام نقضيها,
و لكن حبك حقيقة ستظل باقية.
و سيظل دمعى المدرار منهمرا ,
لحين عودة اخرى الى الطرق .
الحزن النبيل
كلمات: صلاح حاج سعيد
وبقيت أغني عليك
غناوي الحسرة والأسف الطويل
وعشان أجيب ليك الفرح
رضيان مشيت للمستحيل
ومعاك لي آخر المدى
فتينى يا هجعة مواعيدي القبيل
بعتيني لي حضن الأسى
وسبتيني للحزن النبيل
ومشيت معاك كل الخطاوى الممكنة
وبقدر عليها وبعرفها
أوفيت وما قصرت في حقك
ولا كان عرفه غيرك أصادفها
وقدر هواك يجيبني ليك
جمع قلوبنا وولفها
وكتين بقيتي معاي في أعماقي
في أعماق مشاعري المرهفة
لا منك ابتدت الظروف
لا بيك انتهت الأماني المترفه
ندمان أنا
ابداً وحاتك
عمري ما شلت الندم
ما اصلو حال الدنيا
تسرق منيه في لحظة عشم
وأنا عندي ليك كان الفرح
رغم احتمالي أساك
يا جرح الألم
كان خوفي منك
جاي من لهفة خطاك
على المواعيد الوهم
اهو نحن في الأخر سوا
باعنا الهوى
ماشين على سكة عدم
كنت قد ذكرت سابقا أن بوب و مصطفى تميزا بحسن اختيار النصوص و هي ميزة مهمة تدل على ان التذوق عندهما منقطع النظير, و حتى أنه ليس من المبالغة القول أنه لم يحدث ان فشل لهما نص. فصارا كالفراشة التي تتخير من الرحيق أطيبه, في نشاط دؤوب و شهية مفتوحة, تمخض عنها إنتاج فني غزير, يستحيل معه تفضيل اى نص على أخر, لأن كل نص يمتلك لونا مختلفا و طعما فريدا. فيبدأ المتلقى في إطلاق النعوت بعد المداومة على سماع نصوص بوب مثلا, ( ثلاث عصافير صغيرة) ساحرة, و يكتشف أن (لا تبكى يا امرأة) رائعة, و أن (أهو الحب؟) مذهلة و أن (عبثا انتظرك) و ..., و المستمع للنصوص مصطفى يفعل نفس الشئ , فيحب (لمحتك) و يعشق (مريم الأخرى) و ينتشي مع (وضاحة) و ..., و في نهاية الأمر يتضح أنه قد أحب كل النصوص.
(عبثا انتظرك) و (الحزن النبيل) نصان عاطفيان, كتبا بلغة محتشدة بالشجن و الحزن , و التي تعتمل في دواخل المتلقى فتحدث تأثيرا قويا. و قطعا لن يفوت على فطنة القارئ ان بوب مارلى و صلاح حاج سعيد ليس بالضرورة ان تكون هذه الأحداث حدثت لهما في الحقيقة.
يبدأ النصان من النهاية , في أسلوب شعري بارع يخلف سؤالا في ذهن المتلقى (مالذى حدث سابقا؟) و سيبحث عن الإجابة و سيجدها. فبوب مارلى سئم انتظار حب بلا جدوى, و صلاح حاج سعيد تحسر عليه و أسف كثيرا, و طالما ان حديثيهما جاء في صيغة الماضى, فحتما هناك قصة ستروى. فيرويا القصة من بدايتها و يعترفا بأن الخطأ كان في انقيادهما الشديد وراء العواطف, فيقول بوب يقيني أن في استسلامي ضعف) و يقول صلاح رضيان مشيت للمستحيل), و الضعف مؤشر خطير لم يحسنا قراءته أو تعمدا ذلك لأن الحب أعمى كما يقال, و الضعف عند بوب مستفحل, فهو ينكره تماما على الرغم من وجوده. و تمضى القصة و نعرف أنهما لقيا معاملة سيئة لم يتوقعانها, لانهما يوضحان انهما فعلا كل شئ , فيقول صلاح اوفيت و ماقصرت فى حقك) فماذا كان الجزاء. فبوب كان يعامل كالدمية التى ترمى من مكان لأخر و صلاح لقي الهجر و الصدود. و يسأل كل واحد منهما نفسه, فيقول بوب (أيعقل ماالاقيه منك؟) و يقول صلاح (ندمان أنا), فيجيب بوب و الضعف قد تملكه تمام رغما عن كل الذي لاقاه بان سؤاله كان ليؤكد ان اليأس لن يعرف طريقه الى قلبه, و أيضا يجيب صلاح ان الندم لن يؤثر عليه. و الفرق هنا واضح و جلي , فبوب لا يزال يأمل بينما صلاح أذعن للأمر تماما.
فى اخر النصين تلميح بان الحب ذهب الى غير رجعة, فبوب يقول ان الحب سيبقى و لكن كذكرى و سيظل دمعه ينهمر حتى يجد حب آخر يعوضه و هو مايفهم من الجملة الاخير (الى حين عودة أخرى إلى الطرق) , و صلاح يؤكد ذلك بالقول (باعنا الهوى .. ماشين على سكة عدم).
خاتمة:
بوب مارلى و مصطفى سيد أحمد ..
(أحبكما)
و لن أضع نقطة في آخر السطر
|
|
 
|
|
|
|
عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد
محمد الامين احمد
abdulhalim altilib
Muna Khugali
الفاتح ميرغني
Haleem Abu-Gusseisa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست