|
جيل العطاء فاطمة احمد ابراهيم مثالا (فاطنة السمحة) لمن ينكر ضوء الشمس من رمد!!
|
Quote: سيرتي الذاتية – بقلم: د.فاطمة أحمد محمد إبراهيم
البيئة والنشأة:
- ولدت بمدينة الخرطوم ، بمنزل جدي لامي الشيخ محمد احمد فضل ، الملاصق لمدرسة ابي جنزير الاولية للبنين وسط الخرطوم ، وهي اول مدرسة للبنين بالسودان وكان جدي ناظرا لها ، وقبل ذلك وخلال حقبة حكم المهدية ، كان نائبا للقاضي ، المرحوم محمد ابراهيم ، جدي لابي ، وبعد مجئ الاستعمار البريطاني ، سافر جدي لامي إلى مدينة القطينة في منطقة النيل الابيض ، واصبح اماما للمسجد لان الحكومة الاستعمارية فصلتهما من السلك القضائي ، وفيما بعد ارسل ابنه احمد – والدي – لمواصلة تعليمه في كلية غردون بالخرطوم – وفي تلك الاثناء كانت العلاقة بين الاسرتين مستمرة إلى ان توجت بزواج والدي من امي ، بعد تخرجه معلما من كلية غردون – لقد قام جدي لامي بخطوة جريئة ، اذ ادخل امي واخواتها في مدرسة البنين التي يراسها ، لانه لم تكن هنالك مدرسة للبنات في مدينة الخرطوم – والمدرسة الوحيدة للبنات في السودان انذاك ، اسسها صديقه الشيخ بابكر بدري ، بمدينة رفاعه – وقد تعرض جدي لهجوم عنيف من قبل اقربائه – ومعارفه – هذا وبعد ان اكملت والدتي واخواتها المدرسة الاولية مع الاولاد ، الحقهن والدهن بمدرسة الارسالية الانجليزية الوسطى للبنات بمدينة الخرطوم – وهكذا اصبحت امي اول سودانية تتعلم اللغة الانجليزية – وطبعا تعرض والدها لهجوم شديد خاصة من الاهل – الامر الذي دفعه لاخراجها من المدرسة بعد اكمال المرحلة المتوسطة ولكن اختها الصغرى – زينب – واصلت حتى الفصل الثاني من المرحلة الثانوية – ثم عينت مدرسة في نفس المدرسة – وهكذا نشأت في اسرة متعلمة ومتدينة من الناحيتين . - كانت لي شقيقتان ، نفيسه الكبرى والتومه الاصغر ، واربعة اشقاء ، مرتضى وصلاح والرشيد والهادي ، واثنان توفيا في سن الطفولة ، كانت امي تحب القراءة ، وتواظب ووالدي على قراءة الصحف ، وبالبيت مكتبة كبيرة عامرة بكتب مختلفة ودينية ، وكان النقاش يدور بينهما حول المسائل السياسية ، ونحن نستمع لهما ، وكانت والدتي تشجعنا على القراءة ، ولا زلت اذكر صيحاتها كلما طال وقوفي امام المرآة ، بقولها :"كفاية قيمتك ما في شعرك وتجميل وجهك ، قيمتك فيما بداخل راسك – احسن تملأية بالقراءة ، والمعرفة – وبعد تأسيس الاتحاد النسائي ، نظمنا دروسا في الاسعافات الاولية والتمريض المنزلي ، فاكملت دراستها ، ونلت شهادة جيدة – فعلقتها على حائط الغرفة ، وفي مرة ادخل شقيقي الاصغر رجله في جنزير الدراجة ، فانغرس في رجله وتطاير الدم من الجرح – فلما رأيته اغمى علي – فجاءت واسعفته واسعفتني – ثم دخلت الغرفة وانتزعت شهادتي من الحائط وقالت لي :"اياك والاستعراض الكاذب – ما فائدة الشهادات ، اذا انت عاجزة عن اسعاف شقيقك ، واصبحت انت نفسك في حاجة للاسعاف" ، وكل هذا اثر علي كثيرا – هذا وكانت تنظم لنا مطارحات شعرية اثناء تناول شاي المساء ، الامر الذي جعلنا نحرص على حفظ القصائد الشعرية ، وكان شقيقي صلاح دائما متفوق علينا – وظهرت موهبته الشعرية مبكراً – وكانت اول قصائده عن الشفيع احمد الشيخ ، القائد العمالي ، والذي تزوجني فيما بعد – هذا وفيما بعد اكتشفنا ان لأمي بعض المحاولات الشعرية ، فقد نظمت قصيدة لشقيقي الاكبر مرتضى ، وهو مهندس ، وبعث لبريطانيا للتخصص ، وايضا لاختى نفيسه بعض المحاولات القصصية ، وهي معلمة – وكذلك ولاول مرة نظمت شقيقتي التومة قصيدة في رثاء شقيقي صلاح – وهي موظفه – كما اصدر شقيقي مرتضى كتابا بعنوان : "الوزير المتمرد" ، بعد ان قدم استقالته من منصب وزير الري في حكومة جعفر نميري ، احتجاجا على سياساته التي ظل ينصحه باصلاحها ، فلم يستجب – وذلك بعد ان انتهى من تشييد خزان سنار . - لقد بدا وعينا السياسي مبكراً ، اذ تعرض والدي لضغوط ومشاكل كثيرة بعد تخرجه من كلية غردون ، من قبل ادارة التعليم البريطانية ، لانه كان مبرزا في اللغة الانجليزية لكنه رفض تدريس اللغة الانجليزية ، بحجة انها لغة المستعمر الكافر – فاضطر للاستقالة من المدرسة الحكومية ، والتحق بالتدريس بالمدرسة الاهلية ، استاذا للغة العربية والدين الاسلامي ، وكان معظم نقاشه مع والدتي يدور حول الاستعمار البريطاني ، ونحن من حولهم نستمع للنقاش ، وفي يوم من الايام اقتحم رجال الامن منزلنا واعتقلوا شقيقي صلاح ، بتهمة الكتابة على الحيطان وتوزيع منشورات الحزب الشيوعي ضد الاستعمار – ولكن اطلق سراحه لصغر سنه- وفيما بعد اتضح ان شقيقي مرتضى كان عضوا في الحزب الشيوعي – ولكنه استقال منه فيما بعد – وهذا ما ادى إلى اهتمامي بمعرفة نشاط الحزب الشيوعي ، ثم الانتماء لعضويته فيما بعد ، عندما تعرفت على مبادئه وبرامجه ، وبالذات اهتمامه بمساواة المرأة بالرجل ، ونضاله ضد الاستعمار واهتمامه بالفقراء والمضطهدين ، هذا ومن الاسباب الاساسية ايضا لتاثري بمعاناة الجماهير والظلم والاضطهاد ، وما دفعني لولوج الميدان السياسي والحركة النسائية ، هو التصاقي في طفولتي ، "بامي فضل الرحام" فقد كنا نقضي العطلة الصيفية مع اسرة والدي بمدينة القطينة – وهناك بجانب جدتي وعماتي كانت توجد امرأة ، تناديها عماتي :"بامي فضل الرحام" وكنت اعتقد انها اخت جدتي حسب معاملتهم لها – وكنت احبها جداً واجلس بجانبها ، وهي تطحن الذرة ، ثم تعد الكسرة ، وتطعمني منها ، واثناء عملية الطحن ، كانت تغني بصوت جميل لكنه حزين ، وبلغة لا افهمها – وبرغم ذلك كانت دموعي تنهمر ، وابكي بشدة – ومن جانبها تحتضنني وتبكي بشدة وحزن عميق – وفيما بعد علمت انها ليست اخت جدتي – وانما هي من جنوب السودان ، واختطفها احد تجار الرقيق من اسرتها ، وتم بيعها من شخص لاخر ، إلى ان استقرت مع اسرة والدي – وبالرغم من معاملتهم الحسنة لها ، الا انها بالطبع لم تنسى اطفالها وزوجها – واكتشاف هذه الحقيقة ، غرس بداخلي احساسا مؤلما بقسوة تجارة الرقيق ، وتجاه الظلم والاضطهاد بشكل عام – وبخاصة تجاه المواطنين من الجنوب وجبال النوبة ودارفور – الامر الذي جعلني سريعة التأثر والانفعال وكثيرة البكاء .
** التعليم والنشاط المدرسي: - لقد واصلت تعليمي الاولي والاوسط في مدارس اولية ووسطى في مدارس حكومية بمدينة مدني وام درمان وبربر وفي مدرسة الارسالية الانجليزية حسب تنقلات والدي ، ثم قبلت في مدرسة ام درمان الثانوية العليا ، الوحيدة آنذاك في كل السودان – وكانت الدراسة فيها لثلاث سنوات ، ثم نجلس لامتحان شهادة جامعة كمبردج ، لدخول جامعة الخرطوم – اذ لم تكن توجد آنذاك شهادة سودانية . - بدأت نشاطي بتحرير جريدة حائط باسم "الرائدة" حول حقوق المراة – وكذلك كنت اكتب في جريدة الصراحة بنفس التوقيع – اذ ان التقاليد آنذاك لا تسمح بأن يظهر اسم امرأة في الصحف – وبدون مقدمات ، قررت الناظرة البريطانية حذف كل المقررات العلمية من المقرر – الامر الذي يحرمنا من دخول كلية الطب ، والكليات العلمية الاخرى ، بجامعة الخرطوم – واضافت لنا بدلا عنها مادة التدبير المنزلي والخياطة – وكان رد الناظرة على تساؤلنا :"اننا معشر الطالبات السودانيات ، غير مؤهلات ذهنيا لدراسة المواد العلمية – ومهمة المدرسة ان تؤهلنا كربات بيوت وامهات صالحات – وبعد التشاور قررنا نشر ذلك القرار الظالم ، واحتجاجنا عليه في الصحيفة الانجليزية – ولكن قبل ان تنشر ارسلوها للناظرة – فقررت فصل كل الدفعة – وبالفعل طردتنا من المدرسة – فتوجهنا نحو منزلنا ، وعقدنا اجتماعا ، قررنا فيه الاتصال ببقية الطالبات في المدرسة واقناعهن بالدخول في اضراب عن الدراسة ، والاعتصام بالداخليات ، حتى يسمح لنا بالرجوع للدراسة ، والجلوس لامتحان شهادة كمبردج – وتم تكليفي مع زميلة اخرى ، بالاتصال ببقية الطالبات في المدرسة – وفعلا تم الاضراب – وكان ذلك اول اضراب نسائي بالسودان – وتدخلت شخصيات كثيرة – فوافقت الناظرة على السماح لنا بالجلوس للامتحان – وبالفعل تم ذلك ، وكانت نسبة النجاح عالية – وتم قبولي بجامعة الخرطوم كلية الاداب – ولكن لدهشتنا رفض والدي السماح لي بدخول الجامعة – وبعد الحاح صرح بأن جاره محمد سليمان ، والد زميلتي ام سلمه ، اخطره بان الاختلاط في الجامعة افسد الطالبات – واتفق معه على ان لا يسمحا لي ولابنته بدخول الجامعة . وقد اصر والدي على الاتفاق بالرغم من ان صديقه صاحب الاقتراح قد سمح لابنته بدخول الجامعة ، وهذا كان من اوائل الاذى الذي تعرضت له .
** انتمائي للاتحاد النسائي والحزب الشيوعي: - في عام 1952 ساهمت في تكوين الاتحاد النسائي ، واصبحت عضوا في لجنته التنفيذية وفي عام 1954 تقدمت باقتراح لاعضاء اللجنة التنفيذية ، لاصدار مجلة باسم الاتحاد النسائي – ولكن رفض اقتراحي باغلبية ، بحجة ان هذا سيعرض الاتحاد للنقد والهجوم ، فقررت اصدارها بالتعاون مع القلة التي ايدت الاقتراح ، وتقدمت بطلب للحصول على الرخصة من الجهات المختصة ، فرفض طلبي على اساس ان التقاليد لا تسمح للنساء بدخول مجال الصحافة – فذهبت إلى رئيس الوزراء آنذاك ، السيد اسماعيل الازهري بمنزله ، والذي كان زميلا لوالدي في كلية غردون ، وطلبت منه ان يتدخل – فوافق ولكنه اشترط علي ان لا نتعرض للسياسة – وقد اثار ذلك دهشتي – وبالفعل تدخل مشكورا – ومنحت الرخصة – فبعت حلي لادفع الرسوم المطلوبة – ثم جمعنا تبرعات لاصدار العدد الاول في يوليو سنة 1955 ، ثم قابلتنا مشكلة الاشراف عليها في المطبعة ، لان التقاليد آنذاك لا تسمح لنا بذلك – فتولى نيابة عنا تلك المهمة ، الاستاذ الكبير محجوب محمد صالح في الشهور الاولى مشكورا – هذا وقد لعبت مجلة صوت المرأة ، دورا رائدا في مقاومة حكم عبود العسكري – فهي اول صحيفة سودانية تستعمل الكاريكاتير لهذا الغرض الامر الذي ادى لانتشارها – وتعرضها للحظر لعدة مرات – لقد لعبت صوت المرأة دورا بارزا في توضيح قضية المرأة ، ومشاكل الاطفال ، والحركات النسائية ، وموقف الاسلام الحقيقي من المرأة ، وفي عام 1954 طالب الاتحاد النسائي بالحقوق السياسية للمرأة ، حق التصويت وحق الترشيح – فتعرضنا للهجوم من قبل الجبهة الاسلامية ، بحجة ان الاسلام لا يسمح بمساواة المرأة وانخراطها في السياسة – ونظمت حملة واسعة ضد الاتحاد النسائي وضدي شخصيا من ائمة المساجد ، لان والدي كان اماما ، وقد تعرض كذلك للهجوم ، وهذا ما دفعني للرجوع للقرآن الكريم لاثبت ان الاسلام ليس ضد مساواة المرأة ، ولا ضد اشتغالها بالسياسة ، وكانت تلك الوسيلة الوحيدة لاقناع الجماهير المسلمة ، والتي تتلقى معرفتها لاحكام الاسلام منهم .
- كنت اسمع عن الحزب الشيوعي من شقيقي صلاح ، الذي كان يحضر لي منشورات الحزب ويحدثني عن الاشتراكية – ولفت نظري تحليلها لاسباب اضهاد المرأة ، وبداية ابعادها عن مواقع العمل والانتاج ، وحصر دورها في المنزل – ومما جعلني اقرر الانتماء للحزب الشيوعي ، انه كان اول حزب فتح باب عضويته للنساء – وبالاضافة كان له فضل تكوين اول تنظيم نسائي بالسودان رابطة المرأة وفوق ذلك عدم معارضته للدين الاسلامي او الاديان الاخرى – وبالاضافة كان له الفضل في تكوين اول تنظيم نسائي بالسودان في عام 1946 ، فدخلت الحزب في عام 1954 ، وبعد فترة دخلت اللجنة المركزية – والجدير بالذكر ، ان والدي عندما سمع بذلك ثار ثورة شديدة – فطلبت مني امي ان احضر لها بعض اصدارات الحزب الشيوعي – فوضعتها تحت وسادته – فلما رقد احس بوجود اوراق تحت الوسادة ، فاخرجها – وقبل ان يسأل اخطرته بانها وضعتها له ليقرأها ، فاذا وجد أي كلمة ضد الاسلام او ضد الاخلاق ، فانها ستتولى اخراج ابنته واولاده من الحزب الشيوعي – وبعد ان قراها ، اقتنع وعلق بأن كل محتوياتها في مصلحة الفقراء والمضطهدين ولا توجد أي كلمة ضد الاسلام او الاخلاق – ووافق على عضويتي في الحزب .
- انتخبت رئيسه للاتحاد النسائي في الدورة سنة 1956 إلى سنة 1957 فحرصت حرصا شديدا على المحافظة على استقلال الاتحاد النسائي من أي نفوذ حزبي او سلطوي – لان هذه هي اول خطوة لتحويل المنظمة الديمقراطية ، إلى منظمة جماهيرية واسعة القاعدة – ولهذا ولنشاطه اصبح الاتحاد النسائي اكبر تنظيم نسائي في السودان وحتى الان ، بالرغم من انه تعرض للتعطيل خلال الثلاثة انظمة عسكرية التي حكمت السودان ، ولكنه كان يتحول إلى تنظيم سري خلالها .
** الحقوق السياسية وتجربة البرلمان:
نتيجة للدور الذي لعبته مجلة صوت المرأة ، ولعبة الاتحاد النسائي في مقاومة حكم عبود العسكري ، بالتوضيح المستمر للنساء عن العلاقة القوية بين سياسة الدولة وقوانينها والتعليم ...الخ ، وحتى في لبن الرضيع في ثدي امه ، اشتركت النساء في ثورة اكتوبر ، واستشهدت ربة البيت بخيته الحفيان ، وجرحت محاسن عبد العال و آمنه عبد الغفار ، عضوات الاتحاد النسائي – وبعد انتصار الثورة ، قبلت عضوية الاتحاد النسائي في جبهة الهيئات ، ونالت المرأة حق التصويت والترشيح – ولدهشتنا رشحت الجبهة الاسلامية احدى عضواتها ، بالرغم من انها هاجمتنا عندما طالبنا بالحقوق السياسية للمرأة بحجة انها ضد الاسلام – وكأنما الاسلام قد تغير – ولم تفز مرشحة الجبهة الاسلامية – وترشحت من جانبي ففزت واصبحت اول نائبة برلمانية في السودان والشرق الاوسط وافريقيا ، في عام 1965م وكان ترتيبي الثالثة في قائمة كل المرشحين ، والاولى في قائمة مرشحي الحزب وفي عام 1968 اجاز البرلمان السوداني كل الحقوق التي طالبنا بها وهي :
- حق الدخول في كل مجالات العمل ، الا التي حرمتها الامم المتحدة وهي : القضاء والقضاء الشرعي والسلك الدبلوماسي ، وكل ميادين العمل دخلتها المرأة السودانية في حين كان عملها من قبل محصورا في التعليم والتمريض فقط ، وفي هذا لم تسبقها أي امراة في العالم العربي او الافريقي .
- الاجر المتساوي للعمل المتساوي ، والمساواة في العلاوات والمكافآت ، والبدلات ، وفي كل شروط العمل ، وفي حق الترقي لاعلى الدرجات ، وفي حق المعاش ، وقد تحقق كل ذلك .
- عطلة الولادة مدفوعة الاجر – اربعة اسابيع قبل الوضع ، وثمانية اسابيع بعده ، مع ساعات للرضاعة ، حسب ما نصت عليه منظمة العمل الدولية (وقد تحقق ذلك) .
- الغاء قانون المشاهرة ، الذي يفرض على المرأة العاملة ، تقديم استقالتها بعد الزواج لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهرا بشهر (وتحقق ذلك) .
- توفير دور الحضانة ورياض الاطفال لتسهيل مهمة الام العاملة (لم يتحقق).
- ادخال خريجات الثانوي والمعاهد العليا تحت بند الخدمة المستديمة اسوة بزملائهن (وقد تحقق ذلك) .
- توفير الضمانات الاجتماعية لحماية الاسرة في حالة عجز او موت رب الاسرة (لم يتحقق) .
- توفير ادوات العمل المنزلي الحديثة وترخيص اسعارها حتى تسهل مهمة الام العاملة في البيت – هذا وقد تحقق معظم هذه الحقوق .
** الحقوق المتعلقة بالأحوال الشخصية :
لقد طالبنا بما يأتي:-
- منع زواج البنت قبل سن البلوغ .
- منح الفتاة حق الاستشارة عند الزواج – واي زيجة تتم بدون استشارتها ورغبتها تفسخ بواسطة المحكمة الشرعية .
- سن تشريع لتقييد الطلاق ، بحيث لا يتم الا امام قاضي حتى يضمن للزوجة حقوقها مباشرة بعد الطلاق .
- سن تشريع لتقييد تعدد الزوجات ، بناءا على الايات الكريمة التي تقول :"ان خفتم الا تعدلوا فواحده" والاية الكريمة الاخرى "ولن تستطيعوا ان تعدلوا حتى ولو حرصتم" .
- الغاء بيت الطاعة ، الذي يجبر الزوجة على الرجوع إلى زوجها بواسطة الشرطي لو غير الزوج رأيه بعد الطلاق ، حتى لو كانت متضررة ، وغير راغبة في الرجوع اليه .
- تعديل القانون بحيث تخصم نفقة الاطفال من دخل والدهم بعد الطلاق مباشرة .
- زيادة عدد المحاكم الشرعية ، بحيث يمكن سرعة البت في قضايا النفقة ، وتفادي تراكمها ثم تجميدها وتقسيطها في حين ان الام في حوجة شديدة لها .
- توفير العدد اللازم من القابلات المدربات ، ومراكز رعاية الطفولة والامومة خاصة في الاقاليم والارياف ، وتوفير العدد الكافي من اخصائي النساء والولادة واخصائي الاطفال خاصة في الاقاليم والارياف .
- سن قانون لمنع عمل الاطفال المبكر .
وقد اجاز البرلمان ، وقاضي القضاة تلك المطالب – وبدأ تطبيق معظمها – ولكن حدث انقلاب نميري في مايو سنة 1969م فاطاح بها فيما بعد .
وهنا لابد من وقفة لاذكر حقيقة مشرفة الا وهي ان هذه الحقوق كان يمكن ان لا تتحقق ، لولا مساندة النواب من مختلف الاحزاب ، ما عدا نواب الجبهة الاسلامية .
** الطواف والتكريم والأوسمة:
بعد فوزي في الانتخابات ، وصلتني دعوات من فروع الاتحاد النسائي والنقابات وبعض الاحزاب والشخصيات – وقد كرموني تكريما عظيما – ومنحوني الاوسمة الذهبية التالية :
1. ميدالية نقابات عمال السودان .
2. ميدالية العمدة سرور السافلاوي .
3. ميدالية من الاتحاد النسائي السوفيتي .
4. ميدالية من هيئة نساء حزب الشعب الديمقراطي .
5. ميدالية اسرة السيد عمر خير الله .
6. ميدالية اتحاد عمال السودان بعطبرة.
7. ميدالية اسرة السيد احمد رجب بعطبرة .
8. ميدالية حزب الشعب الديمقراطي ببورتسودان .
9. ميدالية نساء الاتحاد ببحري .
10.ميدالية السودانيين بالولايات المتحدة ومعها سلسل للرقبة .
11.ميدالية اسرة مستشفى عطبرة .
12.ميدالية مدرسة بنات مدينة اروما .
13.ميدالية اتحاد الشباب باروما .
14.ميدالية اتحاد الشباب بعطبرة .
15.ميدالية اتحاد الشباب بكسلا .
16.ميدالية فرع الاتحاد النسائي بعطبرة .
17.سيمافور ذهبي من عمال السيمافورات .
18.ميدالية فرع الحزب الشيوعي بكسلا .
19.ميدالية فرع الاتحاد النسائي بكسلا .
20.هنالك اوسمة اخرى فقدت اوراقها .
- هذا ومن اهم واعظم الاوسمة ، رسالة الناظر بابو نمر ، ناظر قبيلة المسيرية التي وجهها لي في مذكراته ، والتي ترجمها إلى اللغة الانجليزية ، السيد فرانسيس دينق والتي قال فيها :"قولوا لفاطمة انا ساويت ليك النساء في قبيلتي بالرجال" ، وطبعا هي موجهة عبري للاتحاد النسائي . - وكذلك دعوة الناظر مادبو ، ناظر قبيلة الرزيقات لي عندما حضر إلى العاصمة في عام 1989 لاقابله ، وبالفعل قابلته ، وكان كذلك تعبيرا عن احترامه وتأييده للاتحاد النسائي ولي ، واقتناعه بدعوتنا للمساواة بين الجنسين ، وبنفس القدر ، فان وسام العمدة سرور السافلاوي ، واقامته لحفل تكريم لي بمنزله العامر ، اكد تأييده لمساواة المرأة واحترامه للاتحاد النسائي ممثلا في شخصي ، وهذا في مجموعه اكد ان الاتحاد النسائي قد سلك الطريق السليم لمساواة المرأة مما اقنع تلك الشخصيات الوطنية من اقاليم السودان ، هذا ولي الشرف ان اذكر الوسام العظيم الذي قلدنا له (الشفيع وشخصي) الرئيس عبد الناصر ، الا وهو علاقته القوية بنا ، والتي تجلت في اخطاره لنا بخططه من اجل تطوير الشعب المصري والشعب السوداني ، وطلب منا المساهمة بخبراتنا في مجالي الحركة النقابية والحركة النسائية في مصر .
- وايضا لي الشرف ان اذكر العلاقة القوية التي تربطني بالرئيس زين بن علي رئيس جمهورية تونس الشقيقة ، وقد قابلته لاول مرة في مؤتمر الحكومات الافريقية التحضيري ، لمؤتمر المرأة العالمي ببجين ، فأشدت بخطابه وبموقفه من قضية المرأة ، وخصوصا ان تعدد الزوجات ممنوع في تونس منذ عهد الرئيس بورقيبه ، وحتى الان ، ثم قابلته في قصر الرئاسة بتونس بدعوة منه ، عندما طلبت مقابلته ، فاستقبلني استقبالا حارا ، وكان الغرض من طلب المقابلة ان يكون على رأس اللجنة المقترحة لقيادة الحملة العالمية لتطبيق الخطة التي اقترحتها لتنفيذ اتفاقية الامم المتحدة الخاصة بمساواة المرأة "سيداو" فوافق مشكوراً ، ولكن بكل اسف قد اجهضت الخطة زميلاتي من الدول الغربية العضوات في لجنة قيادة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي ، ومنذ ذلك الحين ظل الرئيس زين العابدين بن علي يرسل لي سنويا ميدالية ذهبية ، وصندوقا مزخرفا ، مملؤا ببلح تونس اللذيذ ، وزجاجات مليئة بزيت الزيتون النقي ، وكرتا بتوقيع سيادته – وهذا تشريف لي – بارك الله فيه . - هذا وبالرجوع لطوافي بعد فوزي بعضوية البرلمان ، لا بد ان اذكر ما حدث لي بمدينة ملكال – فقد نظم لي فرع الاتحاد النسائي ليلة سياسية ناجحة ، تحدثت فيها عن مشكلة الجنوب والحرب ، والحل الديمقراطي لها ، وبعد ان عدت لمنزل الرئيسة كتيره يس التي استضافتني ، خبط الباب في وقت متأخر – واتضح انه وفد من منظمة الانانيا (المتمردين ضد حكومة الشمال) فشكروني على خطابي الذي انصفهم ، ووجهوا لي الدعوة لمقابلة بعض قياداتهم في الغابة وزيارة قرية سكانية في الغابة – فوافقت فورا – ومن جانبهم وعدوا بارسال عربة ، وبها قابلة جنوبية لتصحبني وتقوم بالترجمة – فاعترض صاحب الدار وفي اليوم التالي اتصل بي مدير المديرية – وهو من الشمال – معترضا بحجة انهم متمردين وضد الحكومة – فذكرته بان مهمتي كنائبة برلمانية ان استمع لمشاكل المواطنين وادافع عنهم – وفي اليوم التالي احضروا عربتين بهما مدافع لحراستي – ذهبت للغابة واستمعت لمظالمهم وزرت القرية – وما رأيته جعلني ابكي بكاءا حارا ، والتزمت لهم ان ادافع عن قضاياهم واطالب بحلها ، اما ما رأيته في القرية ، فقد جعلني ابكي بكاءا حارا البرد قارس والسكان عراة وكالهياكل العظمية – وبخاصة الاطفال – ولهذا فانهم يسكنون في كهوف – فعاهدت الله ان اواصل نضالي من اجل انصافهم – وفي طريقنا للرجوع إلى المدينة – رأينا سكان القرية يجرون ويؤشرون لنا ان نتوقف – واتضح ان "الكجور" شيخهم قادم لمقابلتي – وبالفعل جاء وشكرني – وطلب مني ان اسمح له بمباركتي – وبالفعل تم ذلك .
** زواجي من الشفيع احمد الشيخ : - تم زواجي من الشفيع عام 1966م وكنت عضوا بالبرلمان ، فقررنا تنفيذ قرار الاتحاد النسائي بمحاربة غلاء المهور ، والصرف البذخي في حفل الزواج ، فكان مهري عشرة جنيهات فقط دفعت للماذون مقابل اجراء عقد الزواج ، ونسبة لكثرة المعارف والاهل ، فقد قررنا توجيه الدعوة عن طريق الصحف والاذاعة – وعلى ان يقام الحفل في ميدان عام – وان نقدم للضيوف بلح فقط وماء بارد – فكان الحضور رهيبا ، وامتلأ ميدان الربيع حيث اقيم الحفل – وذلك لان سائقي البصات بشارع الاربعين القريب من منزلنا ، فقد وجهوا الدعوة للركاب ولهذا فقد حضر عدد كبير من المتسولين والباعة – فلم ينتظروا حتى يقدم لهم البلح – بل هجموا عليه واختطفوه كله – فوقفت واعتذرت للحضور ، وعبرت عن سعادتي لان هؤلاء المساكين قد شرفوني وحصلوا على البلح في حفل زواجي . - ولد احمد في يوليو سنة 1969وتخرج من كلية الطب وتزوج من زميلته في الدراسة بكلية الطب سارة زروق والان له ثلاثة بنات وابن ، وهنا لا بد ان اذكر بالتقدير والشكر كل الذين ساهموا بهداياهم المادية والعينية ، وخاصة هؤلاء الذين تولوا مهمة التحضير والاشراف واستقبال الضيوف ، والفنانين الذين ابهجوا الحضور بدون مقابل – جزاهم الله عنا كل خير .
- وهنا لا بد ان اذكر ما تعرض له ابني من هزات نفسية ، بسبب هجوم رجال الامن علينا ليلا ونهارا ، وانتزاعه من حضني ، مما سبب لي الاما نفسية ، وقلقا شديدا ، واصبحت بين نارين ، وخيارين احلاهما مر ، هل اتخلى عن مقاومة الحكم العسكري والقتلة الذين يتموه وابقى بجانبه ؟ ام اواصل مقاومتي ونضالي ضدهم من اجل ابناء الشعب السوداني ، لقد دفعت ثمنا غاليا ، كنت اقاوم بشراسة نهارا ، وابكي بكاءا حارا ليلا وسرا .
** حكم نميري والانقسام وحقوق المرأة:
- بعد تسلمه السلطة في مايو سنة 1969 ذهبنا له كوفد من الاتحاد النسائي وطلبنا منه ان يواصل في حقوق المرأة التي حققها لها الاتحاد النسائي – فوافق بشرط ان نؤيده – وبعد فترة طلب مني ، ان ارافقه ضمن وفده لزيارة الاتحاد السوفيتي فاعتذرت بحجة حرصي على استقلال الاتحاد النسائي ، هذا وبعد فترة كان الشفيع مسافرا لحضور مؤتمر في الخارج ، فاتصل به نميري وطلب منه ان يحضر له ، وبالفعل مر عليه في طريقه للمطار ثم سافر وفي نفس اليوم اتصلت بي زوجته ، ودعتني لتناول الغداء معهم فذهبت لهم واثناء الاكل عرض علي نميري منصب وزيرة المرأة والشئون الاجتماعية ، فاعتذرت عن قبول المنصب ، واقترحت عليه ان يوجه الدعوة للنساء ليجتمعن وينتخبن وزيرتهن ، فما كان منه الا ان خبط المنضدة بيديه حتى طارت الصحون ، وصاح غاضبا :"انت وزوجك اتفقتما على اهانتي برفض عرضي لكما بتلك المناصب الكبيرة فأكدت له انني لم اقابل زوجي ، ولم يتحدث معي تليفونيا ، لان وقته كان ضيقا ، وميعاد قيام الطائرة قد حان – ثم انصرفت – وعلمت فيما بعد انه عرض على الشفيع منصب وزير العمل ، فاعتذر عن قبوله .
- هذا وفي احتفالنا بعيد تأسيس الاتحاد ، ومهرجان اسبوع المراة والذي يبدأ عادة في 31 يناير من كل عام ويستمر لسبعة ايام ، دعونا نميري ووزراءه ، والسلك الدبلوماسي ورجال الاعلام ، فاعلن في خطابه انه لن يطبق حقوق المرأة لأنها مستوردة ، وفي خطابي الذي القيته بعده ، ذكرت له ان الحقوق لا تستورد وانما المستورد ملابسه ، وعليه فاننا نسحب تأييدنا له ، فانسحب من الجلسة ومعه كل وزراءه ، وبعد ذلك بدات تظهر ارهاصات الانقسام في الاتحاد النسائي في بداية الاستعداد للدورة الجديدة – وكان واضحا اهتمام القصر بها – ونزلت المنقسمات بقائمة منفصلة ، وضعن اسمي على رأسها للتمويه والخداع – ففزت بمنصب الرئاسة بالاجماع – وفازت قائمتنا كلها – ولم تفز أي واحدة من المنقسمات ، وفي ابريل سنة 1971 اعلن نميري حل الاتحاد النسائي ، وكونت المنقسمات اتحاد نساء السودان التابع لحزب نميري "الاتحاد الاشتراكي" وفي ابريل سنة 1971 كنت مريضة وممنوعة من الحركة ، ولهذا بقيت بمنزل والدي بأم درمان اتصل بي احد موظفي وزارة الاعلام تليفونيا واخطرني ان صحفية بريطانية تود مقابلتي في نفس اليوم لانها مسافرة في الغد ، فاعتذرت عن عدم مقابلتها لانني مريضة ، ولدهشتي جاءت الصحفية ومعها زوجة السفير البريطاني برغم اعتراضي على حضورهما ، وبعد الاعتذار قدمت الصحفية السؤال عن سبب رفضي ورفض زوجي للمناصب الوزارية التي عرضها علينا نميري ، فاستغربت وقلت لها بغضب شديد : من الذي اخبركم ؟ طبعا نميري ، ام جاء الاقتراح منكم ؟ لن ارد عليك وارجو ان لا تتدخلوا في شئوننا الداخلية – فردت زوجة السفير بغضب شديد قائلة :"معاك حق لاننا ما قتلناكم – وانصرفتا . ** المقاومة والعقاب: اثناء تعذيب الشفيع في معسكر الشجرة باشراف الوزير المجرم ابو القاسم محمد ابراهيم اتصل احمد سليمان المحامي (صديق الشفيع سابقا ، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي سابقا) وزوج صديقتي عضو قيادة الاتحاد النسائي سابقا ، اتصل باخوة الشفيع ، وطلب منهم ان يخطروني بان اذهب إلى الشجرة مع طفلي احمد ، لاطلب من نميري ان يوقف تعذيب الشفيع واعدامه ، وكان الغرض من ذلك واضحا ، ان احضر إلى معسكر الشجرة ، وينكلوا بي وبابنه امامه حتى ينهار ، لان التعذيب لم يهده ، وقابله بشجاعة نادرة .
واتصل بي شقيقي صلاح ونقل إلى اقتراح احمد سليمان فقلت له :"اتصلوا بالخائن احمد سليمان وقولوا له :"الشفيع لم يرتكب جرما ، ولم يعرف بالخيانة طوال حياته ، واخطروا الدكتاتور السفاح نميري ، بانني لن استجديه ، لو قطع الشفيع اربا امامي ، ولو قطعني اربا سابصق في وجهه قبل ان يبدأ في تقطيعي- وخير للشفيع ان يموت وهو مرفوع الرأس ، من ان يعيش وهو منكس الرأس" ولكن كان قلبي يقطر دما – وبعد فترة قليلة ارسلوا عربة ضخمة مليئة بالجنود ومعهم ضابط – وما ان رأيتهم حتى ادركت انهم نفذوا جريمتهم – فأخذت اهتف ضد القتلة المجرمين – فصوب احد الجنود بندقيته نحوي ، ولكن احد رفاقه نكس البندقية ، وقال له : الاوامر ان نعتقلها ، لا ان نقتلها – واخذوني إلى مركز الشرطة بأم درمان – وكان رئيس الشرطة ينوي ارسالي إلى المستشفى ، لان حالتي كانت سيئة ، ولكن ابو القاسم محمد ابراهيم ، وزير الداخلية آنذاك امر بارسالي اليه في وزارة الداخلية وتم ذلك بالفعل – وكانت الشرطة في حالة استعداد تام – فأخذت اهتف : "يسقط القتلة المجرمين" ثم اغمى علي ، وعندما عدت إلى رشدي ، لاحظت ان بعض الجنود كانت دموعهم سائلة ، وبعدها ارسلوني إلى مدير المديرية – فاخطرني بأنه تقرر حبسي بالمنزل لمدة عامين ونصف ، لا اخرج خلالها ، ولا يدخل علي سوى افراد اسرتي ، ونفس الشئ نفذ في نساء الشهداء ، فلما وصلنا منزل والدي بالعباسية ، وجدنا الشارع مكتظا بالناس ، والنساء يبكين بشدة فنزلت من عربة الشرطة ، ورفعت رأسي عاليا ، ووجهت التحية للمحتشدين وطلبت منهم ان يكفوا عن البكاء لان الشفيع ورفاقه لم يموتوا وانما مات نميري ورفاقه المجرمين ، وستظل اسماء الشهداء في سجل الوطن ابطالا ، وفي ضمائر ابناء شعبهم خالدين ، واذا بعربة جيش صغيرة تأتي مسرعة من الاتجاه المعاكس ، وتخترق الحشود متجهة نحوي ، وانشل الجميع ، وبما فيهم رجال الجيش والشرطة ، من ناحيتي لم اهتم ولم اتحرك وفجأة توقفت عربة الجيش على مسافة مني ، ونزل منها ضابط الجيش ، واتجه نحوي بخطوات عسكرية ، ورافعا كفه بالتحية العسكرية ، إلى ان وقف امامي ، وادى التحية العسكرية ، ثم رجع نحو عربته بنفس الخطوات ويده لا زالت مرفوعة بالتحية العسكرية ، وقادها بسرعة رهيبة ، ومن هول المفاجأة لم يفكر ضباط وجنود الجيش والشرطة في تسجيل رقم سيارته ، هذا وبعد انتهاء فترة الحبس الشرعي تنكرت وخرجت برغم وجود الحراس ، وزرت قبر الشفيع ، وبعد التلاوة والترحم عاهدته على ثلاثة قضايا :
1. ان لا يدخل علي رجل بعده .
2. ان اربي احمد تربية تشرفه وهو في قبره .
3. ان اسير في نفس درب النضال من اجل الفقراء والمضطهدين ، حتى ولو ادى بي إلى نفس مصيره – ولقد اوفيت بكل ذلك ولا زلت .
هذا وبعد انتهاء فترة الاعتقال ، نظمنا تجمعا امام القصر من ارامل الشهداء واطفالهم ، لتقديم مذكرة للسفاح نميري – طالبناه فيها بكشف الجرائم التي ارتكبها الشهداء وادت إلى اعدامهم – فواجهنا بقوات الشرطة – فرفضنا تسليم المذكرة لمندوب القصر – وطالبنا باحضار قاضي لاستلامها وبالفعل تم ذلك – وبعدها ذهبت مباشرة للمحكمة العليا ، وبدون معاد مسبق دخلت على قاضي القضاة بدون اذن وسلمته مذكرة طالبت فيها بمحاكمة السفاح نميري والمجرم ابو القاسم محمد ابراهيم لتعذيبهم للشفيع واعدامه بدون وجه حق – فاندهش قاضي القضاة – وبعد الحاحي طلب مني تسجيلها في مكتب ادارة المحكمة – وبالفعل تم ذلك – واقترحت على ارامل الشهداء ان يفعلن بالمثل – وفي لحظة وصولوي إلى منزلنا ، هجم علي رجال الامن ، واخذوني وطفلي احمد يصرخ ، إلى حراسه بمنطقة اللاماب بحر ابيض ، وهي ضيقة المساحة ، وبها زنزانتين فيهما قتله ، والبقية لصوص ومدمني مخدرات ، وكلهم رجال ، ومعهم رجل شرطة في نفس الغرفة ، تنازل لي من كرسيه ، وعندما دخلت ارتدوا ملابسهم ووقفوا جميعا ، وخلال الثلاثة ايام التي قضيتها معهم ، لم يرفعوا رءوسهم ، ولا عيونهم من اتجاه الارض ، ولم يتحدثوا على الاطلاق ، واضربوا عن الطعام لانني رفضته ، لانه سيئ للغاية ، وفي اليوم الثالث شعرت بانني سادخل في غيبوبة ، فطلبت من الشرطي ان يخبر الضابط ان يحضر لي قاضي قبل ان يغمى علي ، وبالفعل جاء القاضي وثار ثورة شديدة ، لاعتقال امرأة مع رجال مجرمين ، وامر باحضار الطبيب ، وجاء الطبيب وقرر نقلي إلى المستشفى ، فوقفت وانا اترنح ، وقلت للقاضي : هؤلاء ليس مجرمين – ليس هناك طفل يولد وهو مجرم – المجرم الحقيقي هم الحكام وعلى رأسهم نميري ، الذين لم يوفروا لهم العمل الشريف ، وسد احتياجاتهم ، لقد كانوا في منتهى الادب والتأثر ، فوقفوا جميعا ، وشددت على ايديهم واحدا تلو الاخر حتى الذين في الزنزانات ، ثم اغمى علي ، فنقلت إلى المستشفى . ** المحكمة العسكرية:
تحصلت على تأشيرة خروج للسفر إلى لندن للعلاج ، وقبل سفري علمت ان رجال الامن انزلوا اسرة بابكر النور من الطائرة ، فاتصلت بالسيد رئيس الامن ، واخبرته بما حدث لاسرة بابكر النور ، وطلبت منه ان يخبرني اذا كان في نيتهم تطبيق نفس المعاملة معي ، لالغي السفر ، لانني لن اسكت وسأهاجم النظام في المطار ، فأكد لي ان ما حدث لاسرة بابكر النور ، حدث من قسم اخر من الامن ، وهم لم يمنعوني طالما منحوني الاذن ، فذهبت للمطار ومعي طفلي احمد واذا باثنين من رجال الامن ، يعترضان طريقي إلى الطائرة ويأخذان جوازي فما كان مني الا ان وقفت وسط المطار ، وكان المطار مزدحما بالمسافرين والقادمين ، وحكيت لهم باعلى صوتي عن جرائم نميري وسرقته وسرقة شقيقه للاموال العامة ، فجاءني شرطي ضعيف جدا ، وابلغني بادب ، والم ظاهر ، بانه سيلقي القبض علي فقلت له :"نفذ الاوامر وانا لا الومك ، لان هذا عملك ، ولكني اقول لك ولكل هذا الجمهور ، انني افعل كل ذلك ، وادخل السجون من اجلكم ، لنوفر لكم العمل الشريف ولنقضي على الفقر والامية والمرض والعطالة ، ولهذه الاهداف اعدم الشفيع ورفاقه – ثم وجهت له الحديث وقلت له :"انت رجل بوليس عملك يتطلب ان تكون قويا ولكن اذهب وانظر في المرآة انت ضعيف كالهيكل العظمي وفاقد سوائل – فنقلوني للحراسة – وفي الصبح الباكر اعلن نميري بكل وسائل الاعلام ، انه سيقدمني إلى محكمة طوارئ عسكرية للحكم علي بالسجن مدى الحياة – أي انه نطق بالحكم قبل تشكيل المحكمة – وفي اليوم التالي اخذوني إلى المحكمة – فلم استطع الدخول لان الجماهير تجمعت وانفجرت الجماهير بالهتاف عندما وصلتني ابنة اختي ، مريم العاقب وهي تحمل ابني احمد الذي قفز إلى صدري – واجلت الجلسة إلى اليوم التالي – وزاد عدد المتجمهرين – وامتلأت القاعة بالحضور – ورأس الجلسة القاضي ومعه ممثلين ، واحد من القوات المسلحة والاخر من الشرطة – وكان يجلس بجانبي نقيب المحامين ليساعدني في الدفاع عن نفسي – هذا وقبل النطق بالحكم ، اتصلت هيئة المحكمة بالسفاح نميري واخطروه بأن اصدار أي حكم ضدها سيؤدي إلى انفجار جماهيري – فقرر ان يطوف بنفسه بطائرة "هيلوكبتر" ليرى المحتشدين وبالفعل رأى الجمهور ، ووافق على اطلاق سراحي .
الحب العظيم ، ونحن والردى:
عندما قدمني نميري لمحكمة الطوارئ العسكرية ، كان شقيقي صلاح رحمه الله ، سفيرا بالجزائر – فلما سمع بالامر ، طلب من كل اعضاء السفارة ان ينصرفوا ، وعقد مؤتمرا صحفيا بالسفارة ، دعى له رجال السلك الدبلوماسي والاعلام كشف فيه جرائم نميري وسرقاته وسرقات شقيقه للمال العام ثم غادر إلى باريس ، بدون ان يقدم استقالته وهناك سكن في غرفة ضيقه ثم نظم قصيدة الحب العظيم ، التي جاء فيها :-
ما قيمة الدنيا اذا بعنا المدارك بالخوان
ما قيمة الدنيا اذا اغفى الكريم على هوان
ما قيمة الدنيا اذا ....
كلماته وبنفس نفس العنفوان ورأيت في عيني زادي كله
كف تلوح لي وتمسك احمدا
كف بها رفعت مهيرة كفها فوق الرجال تقول .. زحفا للعدا
ماتت امي في شهر يونيو سنة 1971 وقبل ان تكمل الاربعين يوما ، اعدم الشفيع – فنظم صلاح قصيدة رثاء بعنوان "نحن والردى" جاء فيها :-
يا منايا حومي حول الحمى واستعرضينا واصطفي
كل سمح النفس ، بسام العشيات الوفي
إلى ان يقول:-
وامان الله منا يا منايا
كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر
شرفي ....
تجدينا مثلا في الناس سائر
نقهر الموت حياة ومصائر
وارسلها لي من باريس لاعلق عليها فلما قرأتها شعرت بانقباض شديد ، ولما اتصل بي ، ليسألني عنها وعن رأيي فيها ، اخبرته بما انتابني من حزن وتشاؤم – فضحك وسخر مني وبعد ذلك تتالت علينا الاحزان – فقد ترملت شقيقتي التومة ، وانا في الحبس الشرعي ، والاعتقال العسكري بواسطة نميري – ثم ترملت شقيقتي نفيسة بعدها – وانضمت الينا في الحبس ، ثم توفيت شقيقتي نفيسة والتومة وصلاح ، وآخرون من الاسرة ، وبالتأكيد هذا حدث بمحض الصدفة ، ولا علاقة له بالقصيدة – انها الاجال المحددة .
** نظام الترابي – البشير العسكري:
- لقد تم تعطيل الاتحاد النسائي ضمن الاحزاب والمنظمات الديمقراطية ، كما هي عادة الانظمة العسكرية – وبناء على التصريح الذي ادلى به الرئيس عمر البشير ، بأنه يفتح الباب للمواطنين لينتقدوا سياسته – فجهزنا مذكرة من الاتحاد النسائي ، انتقدنا فيها سياسته واخذتها للقصر وسلمتها لسكرتاريته – وفي اليوم التالي تم اعتقالي في غرفة بجهاز الامن مع مجموعة من النساء والرجال – في تلك الفترة كان مقررا سفري إلى لندن لاجراء عملية – فتدخلت منظمة العفو الدولية ، وتم اطلاق سراحي – وفي شهر نوفمبر سنة 1990 ، وصلت إلى لندن واجريت لي العمليات ، وكنت انوي الرجوع – لكن اسرتي قررت عدم رجوعي ، على اعتبار انني لن اسكت وساتعرض للاذى – فبقيت بلندن مجبرة وما اقسى الغربة الجبرية .
- سجل الاتحاد النسائي عضويته في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في عام 1953 حينما وجهت لي الدعوة لزيارته في مقره ببرلين الشرقية ، التي انتقل اليها من باريس – واصبح الاتحاد النسائي السوداني عضوا في لجنته التنفيذية – هذا والجدير بالذكر ان الاتحاد النسائي العالمي ، اكبر تنظيم نسائي في العالم ، يضم 146 منظمة نسائية من 121 قطرا وله صفة استشارية في الامم المتحدة .
- عقد الاتحاد النسائي العالمي مؤتمره الدوري العام في ابريل عام 1991 بمدينة مانشستر بالمملكة المتحدة تم ترشيحي للرئاسة بواسطة الوفود العربية والافريقية – ففزت بمنصب الرئاسة – وتلك اول مرة في تاريخه ، تتولى رئاسته امرأة من العالم الثالث ، والاخيرة حتى الان – وتلك كانت اغنى فترة من فترات نشاطي واكتشفت ان معظم المنظمات مجرد منظمات فوقية ، تم ترشيحي بواسطة مكتب الاتحاد العالمي التنفيذي لجائزة الامم المتحدة لحقوق الإنسان على اعتبار انني اول امرأة من العالم الثالث تفوز برئاسة الاتحاد النسائي العالمي فاعترضت على اساس انني لم اصل إلى ذلك المنصب لولا نضال الاتحاد النسائي السوداني قيادة وقاعدة – وعليه يجب ان تمنح للاتحاد النسائي السوداني – فاعترضت المندوبة الفرنسية بحجة ان اتحادها اولى لانه اسس الاتحاد العالمي – واخيرا تم الاتفاق ان يوضع اسم الاتحاد النسائي السوداني بجانب اسمي ، وتسلمت الجائزة من الامين العام للامم المتحدة آنذاك ، السيد بطرس غالي في قاعة الجمعية العمومية للامم المتحدة ، وبحضور ممثلي كل الحكومات الاعضاء في الامم المتحدة – وهكذا اصبح الاتحاد النسائي ، اول تنظيم نسائي في العالم كله ، ينال جائزة الامم المتحدة لحقوق الإنسان ، والاخير حتى الان – لان ما حققه للمراة السودانية لم يتحقق في أي بلد اخر – وبما فيها البلدان الغربية . - هذا وما المني حقا ، ان نفس اعضاء مكتب الاتحاد النسائي العالمي ، لم يدعمنني لتنفيذ خطتي المقترحة ، لتحقيق مساواة المرأة على نطاق العالم ، بالعمل على تطبيق اتفاقية الامم المتحدة ، الخاصة بمساواة المرأة ، لقد كان واضحا من كل تصرفاتهن ، انهن لم يتقبلن ان تفوز عليهم امرأة من العالم الثالث ، وتقود الاتحاد النسائي العالمي ، الذي كونته تنظيماتهن ، هذا مع انهن ديمقراطيات ويساريات ولكنها طبيعة البشر . ** نشاطي بلندن: - لقد كونت مع مجموعة كبيرة من الجنسين من مختلف الانتماءات الحزبية "اللجنة السودانية للتصدي لانتهاكات حقوق النساء والشباب والطلاب" عندما بلغنا نبأ جلد طالبات كلية الاحفاد لانهن غير محجبات ، ونبأ اختطاف الشباب والطلاب من الجامعات والشوارع ، وارسالهم إلى مناطق الحرب ، وما تبع ذلك من مسرحية عرس الشهيد ، التي ادعى فيها د. الترابي ان الذين يقتلون في الحرب ضد الجنوبيين سيرفعون إلى الملأ الاعلى ، وسيعقد قرانهم على بنات الحور ، وظللنا نسير المواكب إلى مقر رئيس الوزراء والى ممثل الامم المتحدة ببريطانيا ونقدم لهم المذكرات حول انتهاكات حقوق الإنسان ، وحول الحرب ، وحول ما تتعرض له النساء .
- تكون فرع الاتحاد النسائي بلندن ، واحتفلنا باليوبيل الذهبي للاتحاد النسائي وكان حدثا عظيما بلندن .
- انشأنا مركزا لتأهيل وتدريب القيادات الشابه وانضم اليه حوالي مائة وخمسون شابه وشاب ووضعنا برنامج دراسات ، اشتمل على محاضرات من مختصين في كل ما يتعلق بالسودان ابتداءا من تاريخه وفتحنا الباب لاسرهم لحضور كل المحاضرات والانشطة ليستفيدوا ويتأكدوا من انني لا ارمى إلى التأثير عليهم سياسيا وكونا فرقة كورال وطني من الشباب الموهبين فنيا ، واعددنا معرضا ، يعكس منتجات وازياء الاربعة اقاليم بالسودان ، والغرض ان نعرف الشباب بكل ما يتعلق بوطنهم ومشاكله ونغرس بداخلهم الرغبة في الرجوع للوطن متى توفرت الفرصة ، ومن ضمن البرنامج ايضا اصدار نشرة دورية لتدريبهم على الكتابة . - في فترة وجودي بلندن دعيت لمؤتمرات اقليمية ومحلية وعالمية عامة ونسائية اخرى ، وتمكنت من حضور اغلبها بكل من القاهرة ، بلجيكا ، السويد ، سوريا ، نيروبي ، هولندا ، السنغال ، بيروت ، المغرب ، امريكا ، البرازيل ، الجزائر ، اليمن ، اثيوبيا ، اريرتريا ، ايرلندا ، تونس ، المانيا ، كوريا ، الكويت ، هذا وتم تنظيم اجتماع لي ، مع النائبات بالبرلمان الاوربي . - هذا واما احدى رحلاتي إلى المغرب ، فانها تستحق التسجيل بعد انتهاء المؤتمر الذي دعيت للاشتراك فيه بمدينة الرباط وجه لى لفيف من الطلاب السودانيين بجامعة الرباط الدعوة لتقديم محاضرة عن السودان بالجامعة وكانت القاعة ضخمة ومليئة بالحضور وكان واضحا ان اغلبهم من الاحزاب الاسلامية ، ومن ضمنهم بعض السودانيين ، وفي مقابل المنصة كان يجلس رجل ضخم ، ذو لحية طويلة وبدأت الحديث عن قضية المرأة واوضحت رأي الاسلام فيها ، وفي تعدد الزوجات وقدمت الايات الشريفة التي تدعم وجهة نظري فاذا بالرجل الضخم يهجم علي ويخنقني بكلتا يديه ، حتى جحظت عيناي ، وتطايرت منها الدموع ، وانشلت القاعة وانشل الطلاب الذين يقفون بجانبي للحراسة ومن جانبي لم اشعر باي خوف ولم احاول المقاومة ، وكنت متاكدة انه سيلوي عنقي ليكسره ، ولكن لدهشتي ، اخذ يردد جملة "انت على حق اغفري لي" وفك قبضته على عنقي ، وعيناه جاحظتان إلى اعلى ثم اخذ يتراجع نحو الخلف إلى ان نزل بكل ثقله على الكرسي وبسرعة شديدة اختفى اصحاب اللحى من القاعة . - وجهت لي الحركة الشعبية الدعوة لزيارة الاراضي المحررة واستقبلوني بحرارة وكرم عظيم ، ونظموا لي جولة ولقاءا مع عدد ضخم من المواطنين والمواطنات في الغابة وما لفت نظري واثلج صدري ذلك الوعي الذي تمتع به هؤلاء المواطنين البسطاء ففي اغانيهم الشعبية يؤكدون حرصهم على الوحدة لان السودان وطنهم من جوبا للخرطوم ، ومن كسلا لجبال النوبة وما المني حقا انحراف صحة المواطنين وبخاصة الاطفال ، وحرق مساحات ضخمة من الغابات واشجار الفواكه وهروب اعداد ضخمة من السكان للدول المجاورة وتواجد الالغام في جهات كثيرة هذا وقد تكرمت الحركة بمنحي عضويتها في التنظيم النسائي ، وفي اخر مؤتمر لهم لم اتمكن من تلبية الدعوة بسبب مواعيد مسبقة لقد اوحت لي زيارتي للاراضي المحررة جنوب السودان ان نسير قوافل سلام إلى البرلمان الاوربي ، ولبعض المؤتمرات باوربا تمثل فيها الاقاليم السودانية الاربعة ، بالاضافة لاطفال من الجنوب ، وعند نشر الفكرة ، اتصل بي سكرتير اتحاد الشباب العالمي وعرض علينا تعاونهم معنا لتحقيق المشروع وبالفعل تكرم بتمويل اول قافلة سلام إلى الاراضي المحررة بالجنوب عبر نيروبي واشترك فيها ممثلون عبر منظمات حقوق الإنسان ، واتحاد الشباب ، والصحافة والنقابات من المانيا ، واتحاد الشباب السوداني والالماني ، والصحافة ، والنقابات من المانيا ، والاتحاد الشباب العالمي والسوداني ، واستقبلتنا الحركة الشعبية بترحاب وكرم فياض ومن حسن حظنا ان تاخرنا قليلا فاذا بطائرة حكومية ترمي قنابل في المكان ، الذي كان مفروضا ان نصله في نفس تلك اللحظة وفي المكان الذي كان محددا لنزول طائرتنا ، وفيما بعد اتضح ان الشخص الذي يتلقى المحادثات التليفونية بمكتبهم بنيروبي هو الذي ظل ينقل الاخبار إلى الحكومة . - واما قافلة السلام الاخرى فقد سيرناها وحدنا إلى مؤتمر السلام العالمي بمدينة "هيق" بهولندا فلما وصلتني الدعوة لحضور المؤتمر ، كتبت إلى لجنة المؤتمر وشرحت لها فكرة قافلة السلام وطلبت منهم ان يسمحوا لي باحضار الشباب لانهم هم الذين سيعملون لتحقيق السلام في الوطن ، ولنلفت الانظار لحربنا الطويلة المهملة من قبل العالم وحركات السلام وبالفعل وافقوا وساعدونا في قيمة التذاكر والاقامة فسيرنا القافلة وشرحنا لهم قضية حربنا الاهلية الطويلة . - اما قافلة السلام الثالثة فقد كانت بحق رائعة لقد وصلتني الدعوة من اتحاد امهات السلام العالمي بفرنسا ، لحضور مؤتمر السلام العالمي الذي سيعقد بالتعاون مع منظمة العفو الدولية في مدينة ليل بفرنسا فطلبت منهم باحضار وفد من مركز تدريب القيادات الشابة لان الشباب هم الذين سيتولون مهمة تحقيق السلام في السودان فاذا بالرئيسة ترد علي بالموافقة وتبدي استعدادهم لتوفير الاعاشة والسكن لهم جميعا وكان عددنا 46 ، وبما فيهم فرقة كورال السلام واخذنا معنا معرضا لاقاليم السودان فاستقبلونا استقبالا عظيما وخصوصا في الاحتفال الاخير الذي اقامه عمدة المدينة للوفود ، وقدمت شابة من الجنوب عضوة في القافلة كلمة جيدة حول الحرب والوضع في السودان ورقصت وفود المؤتمر على انغام واناشيد كورال الشباب حول الديمقراطية والسلام وبناء الوطن ووحدته ، هذا وكنا ننوى تسيير قافلة اخرى للبرلمان الاوربي . - تسلمت دعوة من جامعة برلين لحضور مؤتمر نسائي عقده قسم دراسات المرأة بالجامعة واعددت ورقة عن السودان وقضايا المرأة والاتحاد النسائي ، وفي ورقتي قدمت الاقتراحات التالية للامين العام للامم المتحدة ليساعد على وضع حد للحروب : •قبول الامم المتحدة للانظمة العسكرية في عضويتها بشكل انتهاكها لحقوق الإنسان في تلك البلدان ويشجع الجيوش للانقضاض على السلطة بالسلاح والقوة . •منع بيع الاسلحة والكيماويات للسودان وهذا امر هام لوضع حد لحربنا الاهلية الطويلة المهملة من كل العالم .
•المساندة الشخصية لنا لتنظيم حملة واسعة على نطاق العالم لاقناع الاسر بعدم شراء لعب الحرب للاطفال .
•اقناع الحكومات بمنع وسائل اعلامها من عرض مشاهد وافلام العنف .
•اقناع الحكومات الاعضاء باضافة ثقافة السلام للمناهج المدرسية وفي برامج وسائل الاعلام الرسمية والاهلية .
هذا وكان يجلس معنا في المنصة بروفسير من نفس الجامعة مكلف بالتعليق على الاوراق المقدمة في النهاية فأعرب عن اعجابه بالمقترحات ، واقترح على ان اكتب رسالة للامين العام للامم المتحدة اضمنها تلك المقترحات . ومن جانبه وعد بتوصيلها له شخصيا ، لان له علاقة قوية به ، وفيما بعد علمت انه احد مستشاريه وبالفعل اعددت الرسالة وسلمتها له واتصل بي فيما بعد واكد لي انه سلمها له باليد ولكني سافرت مباشرة .
** جامعة كليفورنيا لوس انجلوس والدكتوراة: في الشهور الاولى من عام 1996 وصلتني رسالة من قسم الدراسات الافريقية بجامعة كاليفورنيا لوس انجلوس عرض علي فيها الاشتراك في المنافسة التي اعلنتها الجامعة ، لاختيار باحثة او باحث اول وثاني لاعداد بحث عن المرأة الافريقية ، لم اتحمس في البداية لمشغولياتي ولكن اتصل بي بعض السودانيين من امريكا ومن لندن وشجعوني على الاشتراك وبالفعل اشتركت وفاز مشروع البحث الذي قدمته بالدرجة الاولى فتم اختياري كباحث اول ومنحت درجة الزمالة والدكتوراة الفخرية وفازت بالدرجة الثانية شابة نيجرية حائزة على دكتوراة ، وتعمل محاضرة في احدى الجامعات الامريكية ، ذلك الفوز لا يعني انني عبقرية ، ولكنه عكس نجاح وتفرد تجربة الاتحاد النسائي ، وانجازاته العظيمة التي اهلته لجائزة الامم المتحدة وهو الاول والاخير حتى الان ، وعندما وصلت وجدت انهم اعدوا لي مكتبا وكتبوا امام اسمي في اللافتة لقب "دكتورة" فأخذت اللافتة الصغيرة وذهبت لسكرتيرة العميد واخطرتها بانني لم ادخل الجامعة وكل ما فعلته ان كتبت تجربة الاتحاد النسائي – فردت السكرتيرة متسائلة بخبث "هل نكتب اللافتة باسم د. الاتحاد النسائي؟" وانفجرت ضاحكة – فضحكت واستسلمت وكان البرنامج المعد ان اقدم محاضرات حول بحثي بالجامعة بحضور العميد والأساتذة والطلاب وان اشترك في التحضير لمؤتمر حول المراة الأفريقية وأقدم ورقة حوله وقد تم كل ذلك . ** الكتب التي اصدرتها :
1. حصادنا خلال عشرين عاما .
2. المرأة العربية والتغيير الاجتماعي .
3. حول قضايا الأحوال الشخصية .
4. قضايا المرأة العاملة السودانية .
5. آن آوان التغيير ولكن !
6. صرخة راوية لتهز ضمير العالم (باللغة الانجليزية) وقبل مدة بدأت في كتاب بعنوان "رسالة إلى ابني احمد وجيله" لم انجزه واخر عن الشفيع عجزت عن الاستمرار فيه .
** عيوبي ونواقصي: اول من انتبه للتناقض الكبير في شخصيتي شقيقي صلاح وعبر عن ذلك بقوله : ان لفاطمة شخصيتين متناقضتين شخصية قوية لدرجة المجازفة في الامور السياسية ومواجهة الحكام وبخاصة رؤساء الانظمة العسكرية ، وشخصية اخرى عاطفية وضعيفة حيال القضايا الانسانية المتعلقة بالظلم والفقر والاضطهاد وقضايا النساء والاطفال بالذات ، لدرجة البكاء والانهيار ، لقد صدق شقيقي صلاح "رحمه الله" في تحليل شخصيتي واود هنا ان اضف من جانبي ظاهرة ثالثة تولدت من هذا التناقض وهي سرعة الانفعال وشدته وفي تقديري انها محاولة لا شعورية لتغطية الجانب الضعيف وتفادي البكاء العاطفي والانهيار . وعيب اخر بدأ ينمو بداخلي ، الا وهو الظن والشكوك وهذا في تقديري نتج عن المشاكل والمؤامرات التي تعرضت لها من اقرب رفاق ورفيقات دربي ، ولكن برغم ذلك فان ظاهرة الشك والظن خطيرة جدا ، لانها قد تؤدي إلى ارتكاب الظلم ، وكما هو معروف فان بعض الظن اثم . هذا والجانب العاطفي حيال افراد اسرتي متطرف للغاية وادى إلى تطرف في الشفقة والخيال المخيف وقد زادته سوءا المصائب والفقد الاسري المتتالي ولا يفوتني هنا ان اذكر مؤشرات كبر السن ايضا . وفي الختام لا بد ان اذكر حقيقة مؤكدة وهي :"ليس هنالك قيادي او رئيس يصنع التاريخ وحده واليد الواحدة لا يمكن ان تصفق مهما بلغت من القوة. وصدق مثلنا الذي يقول : الخيل تقلب والشكر لحماد ، وانا حماد. والنصر المؤزر للاتحاد النسائي ولشعبنا العظيم . |
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: جيل العطاء فاطمة احمد ابراهيم مثالا (فاطنة السمحة) لمن ينكر ضوء الشمس من رمد!! (Re: jini)
|
Quote: بروفيسور د. أولريكه فرايتاغ السيدة إبراهيم، السيد بشناق، سيداتي وسادتي
يشرفني أن أكون معكم اليوم لنحتفل بتقديم جائزة ابن رشد للفكر الحر للسيدة فاطمة أحمد إبراهيم. ويسرني بشكل خاص أن أرحب بصاحبة الجائزة، عضو البرلمان الحالي في السودان هنا في برلين. بتكريمها اليوم تكون مؤسسة ابن رشد قد كرمت بشكل خاص سيدة سياسية فاعلة لم تناضل فحسب لتحقيق المساواة للنساء، وإنما عملت أيضاً من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ليس فحسب في السودان بل خارجها أيضاً وعلى نطاق واسع. ومن المؤسف أن التطور السياسي في الدول الإسلامية في عصرنا الحديث مرتبط عادة بتضحيات شخصية كبيرة كما في حالة السيدة إبراهيم. بدأ التزام السيدة إبراهيم بالشأن العام وهي ما زالت على مقاعد الدراسة. كطالبة في الثانوية أصدرت صحيفة حائط ونشرت مقالاً في صحيفة محلية طالبت فيه من مديرة المدرسة البريطانية الجنسية بإقرار نفس منهج مدارس الأولاد – وبذلك الحصول على نفس الفرص للدراسة الجامعية. كان موقف الفيلسوف ابن رشد موقفاً مؤيداً لتساوي التعليم بين النساء والرجال. بالطبع لم يكن أمامه هذه الحالة المحددة التي واجهتها فاطمة إبراهيم: كانت المديرة للمدرسة الوحيدة للتعليم الثانوي للطالبات في السودان قد قامت بإبعاد مادة العلوم الطبيعية من برنامج التعليم واستبدلته بمادة التدبير المنزلي والخياطة. وبهذا فقدت طالباتها فرصة التقدم لامتحانات القبول للجامعة لدراسة الطب وكليات العلوم الطبيعية الأخرى. وبذلك فإن احتجاج الطالبات على تغيير المنهج التعليمي يتناسب مع روح ما نادى به المعلم الأكبر ابن رشد. رد فعل المديرة كان بطرد الطالبات من المدرسة مبررة ذلك بأن النساء السود لا يمتلكن الذكاء الكافي للدراسة الجامعية، وأن مهمة المدرسة إعدادهن ليصبحنّ مربيات منزل محترفات. ولولا الإضراب المنظم من كل الطالبات وخروج تلك الواقعة إلى العلن لم تكن الطالبات لتتمكن من تحقيق ما كن يرغبن فيه. لقد أسهبت في الحديث عن هذه الواقعة كونها تلقي الضوء على العديد من المواضيع لها أهمية ليس على مسيرة فاطمة إبراهيم اللاحقة فحسب بل على العلاقة الصعبة ما بين المنظمات النسائية الغربية وغير الغربية. يتضح لنا على سبيل المثال أن موضوع "تحرر النساء المسلمات" الذي يعتبر اليوم من صميم مطالب السياسة الغربية صيغ كمحك اختبار وهمي كوني "لتحضر" المسلمين لم يكن إطلاقاً في مركز الصدارة في عصر الاستعمار. نحن هنا على الأرجح أمام تسويق مثاليات الحياة العائلية، التي تعود إلى المرحلة الفكتورية والتي ترتبط بمعاني عنصرية. من الناحية القانونية لم يكن للنساء شخصية اعتبارية أثناء العهد الاستعماري. في نفس الوقت كان هناك اختلاف كبير حول التعليم ومشاركة المرأة في سوق العمل في بلد أم المستعمر نفسه. وبالتأكيد فإن المديرة البريطانية ومدرستها كان لا بد أن تبدوان من وجهة نظر سوداني محافظ كنموذج تحرري غربي مستورد ومرفوض – وهي وجهة نظر توجد بالطبع في دول أخرى كثيرة. ليس من الصدفة أن الرد الفعل العام على الحركة النسائية كان هو إلصاق صفة التغريب والتباين الثقافي – في هذه الحالة صفة الخروج عن الدين الإسلامي. هذا يدل على أن رؤية المنظمات النسائية الغربية من أنه يوجد إخاء عام للمنظمات النسائية في العالم رؤية ساذجة وذات إشكالية. رغم أنها جميعها ترفض النظام البطريركي (الأبوي) ولديها بهذا أساس مشترك، إلا أنها تتحرك في سياقات مختلفة، تعتمد على تجارب مختلفة غالباً ما تكون متناقضة وتخاطب مجموعات مختلفة. هذا الأمر يبدو لي مركزياً من أجل فهم ما تواجه الحركات النسائية العربية والإفريقية من صعوبات خارجية، بل وصعوبات في تعريف ذاتها وموقفها (ولا يقتصر الأمر على هذه الحركات النسائية فقط). أريد هنا الإشارة بوضوح، بأن أهدافنا الغربية وتصوراتنا أيضاً صادرة من سياق محلي، إلا أننا غير واعيين من ذلك لا نشك في مصدرها (المحلي) ونعممها بأن ندعي أنها صفات عالمية. هذا لا يعني من عدم وجود أهداف عالمية مشتركة من أجل تحقيق المساواة تستحق العمل المشترك من أجلها - والحركة النسائية السودانية دليل واضح على ذلك. ولكن دعونا نعود للسيدة إبراهيم: بالتأكيد نشاطها السياسي لم يكن فقط نتيجة للواقعة المذكورة ولكن نتيجة انتمائها إلى عائلة شديدة الوعي بأهمية التعليم. والدها معروف بموقفه الواضح ضد الاستعمار، يتناقش الوالدان بالسياسة، أخوها ناشط سياسي. وأكثر من هذا فإن تجربة شخصية فريدة من نوعها لفتت نظرها على الظلم مما دفعتها إلى السياسة: كانت في بيت جديها امرأة تدعى أم فضل الرحمن اعتبرتها فاطمة لفترة طويلة كواحدة من أقاربها، وعرفت فيما بعد بأنها أمة من جنوب السودان. " اكتشاف هذه الحقيقة"، هكذا كتبت فاطمة إبراهيم "غرس بداخلي احساسا مؤلما بقسوة تجارة الرقيق، وتجاه الظلم والاضطهاد بشكل عام – وبخاصة تجاه المواطنين من الجنوب وجبال النوبة ودارفور"[1]. وفي الحقيقة يتوجب علينا تكريم السيدة إبراهيم ليس فقط بفضل دورها كمدافعة عن حقوق المرأة بل أيضاً لكونها برلمانية كرست نفسها (جهدها؟) منذ بداية الصراعات حول جنوب السودان من أجل مساواة السودانيين. أرادت السيدة إبراهيم اللحاق بالجامعة لدراسة الآداب بعد إنهائها الدراسة الثانوية، لكن والدها رفض هذا بعد ضغط من أحد الجيران كون الدراسة الجامعية مختلط من الجنسين. مما جعلها تركز اهتمامها على الصحافة. شاركت في عام 1952 بتأسيس الاتحاد العام لنساء السودان، والذي تطور ليكون من أكبر الاتحادات النسائية العربية في ذلك الوقت وتولت رئاسته لأول مرة في عام 1956. من المطالب التي نادى بها الاتحاد كمحور أساسي في عمله أن يعتبر الجنسين متساويين في القيمة ولا يوجهان بعدائية على بعضهما البعض. كما أكد على أهمية محافظة الحركة النسائية على هويتها الثقافية الخاصة بها والابتعاد عن النموذج الغربي. وحسب تعبير السيدة فاطمة أحمد ابراهيم عن الاتحاد النسائي فأهم شئ بالنسبة للاتحاد يتمثل بحصول المرأة على حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويتبع هذا إمكانات العمل وتأمين البنى التحتية الضرورية في مجال رعاية الأطفال وكذلك أيضاً حق المرأة في الطلاق، وحضانة الأطفال- ومحاربة تعدد الزوجات، وعلى الأخص حقها بالمشاركة السياسية بالانتخابات لتتمكن من تمثيل مصالحها. علقت السيدة إبراهيم أهمية كبيرة على استقلالية المنظمة النسائية عن الأحزاب كي لا تؤثر سلباً على قاعدتها الشعبية لنيل حقوق النساء. رغم ذلك انضمت في عام 1954 إلى عضوية الحزب الشيوعي – في نفس السنة التي نال السودان فيها على استقلاله. وكان الحزب أول حزب أسس منظمة نسائية في البلاد عام 1946 عنيت بالمساواة بين الجنسين ولم تتخذ موقفاً معادياً ضد الدين كما فعلت الأحزاب الشيوعية الأخرى. أسست فاطمة إبراهيم في عام 1955 مجلة صوت المرأة من أجل خلق منبر إعلامي لطرح مسائل النساء. فهل كان من الأصل ممكناً أن تصدر النساء صحيفة خاصة بهن؟ لم تكن لتحصل على الترخيص لولا تدخل رئيس الوزراء لصالح إصدار المجلة - بشرط ألا تطرح المواضيع السياسية ضمن موادها! كان هذا العمل في السياق العالمي مشجعاً: ففي الخمسينيات من القرن الماضي هبت في كثير من الدول العربية رياح التغيير، آخذةً بمواضيع مثل حقوق المرأة والحقوق الاجتماعية بعين الاعتبار لاقت رواجاً بعد نيل الاستقلال. إلى جانب أنهن تلقين الدعم خاصة من جانب الشيوعيين وكذلك من الأحزاب ذات التوجه الاشتراكي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حاولت السلطات على الدوام وبالذات بعد حصول العديد من الانقلابات في الخميسنيات والستينيات من فرض سيطرتها على المنظمات المستقلة. هذه التطورات في السودان والتي سوف أختصر تطرقي لها بخطوط عريضة بإمكانها من هذه الناحية أن تعتبر صورة عن واقع المنطقة. في أول الأمر فشلت المعركة السياسية التي خاضتها نساء السودان من أجل حقهن في الانتخابات بسبب مقاومة الإخوان المسلمين. أولئك يتهمون النساء كما أشير سابقاً بالتبعية للغرب ومخالفة السلوك الإسلامية، والآخرون يجاوبون باقتباسات من القرآن والحديث بإمكانها أن تفسر لصالح النساء. هذا النوع من الحجج والبراهين سوف يتطلب استخدامه بشكل متزايد في سنوات لاحقة وفي سياقات أخرى كما تقول فاطمة مرنيسي: " اليوم أكثر من أي وقت مضى تأتي الحجج التاريخية بشكل رئيسي في السؤال المتعلق بحقوق النساء من الثيوقراطية الاسلامية (حكم الدولة الدينية) يعلم التقدميون من الجنسين في العالم الاسلامي أن السلاح الوحيد للكفاح من أجل حقوق الإنسان بشكل عام و من أجل حقوق النساء بشكل خاص في بلاد لا يوجد بها فصل الدين عن الدولة يتمثل في تعليل الأهداف السياسية وبربطها بالتاريخ الديني."[2] مما يلفت النظر أن لهذا الاتجاه التحليلي كما يبدو أرضاً خصبة في السودان: حتى حسن الترابي، القيادي البارز في تنظيم الإخوان المسلمين ولاحقاً لفترة من الزمن أهم عقل مفكر للحكم العسكري برئاسة عمر البشير يعتمد منذ عام 1973 في جدله من أجل تحقيق المساواة الكاملة للنساء على الدين الإسلامي. في كل الأحوال يظهر التناقض الحاد في حالته بين هذا الشكل من التنظير وممارسته السياسية الاستبدادية. عندما ساد الحكم العسكري عام 1958 اضطرت الحركة النسائية أن تزاول عملها بالسر. كذلك توقفت صحيفة (صوت المرأة) عن الصدور لبعض الوقت بسبب نشرها أحدى الرسومات الكاريكاتورية. بعد الانتفاضة الشعبية عام 1964 بدأت مرحلة ليبرالية وفي عام 1965 نالت النساء في السودان حق الترشح والاقتراع في الانتخابات، سبقت السودان في ذلك مصر بعشر سنوات ، وإيران بسنه أما الأردن فقد سبقتها السودان بتسع سنين. انتخبت السيدة إبراهيم كأول برلمانية في السودان عام 1965 وتمكنت من تحقيق نجاح مهم في عام 1968 عندما تمت الموافقة على معظم المطالب الخاصة بحقوق العمل. وبالتالي نالت النساء السودانيات على حق ممارسة العديد من المهن وبالتالي على الأجر المتساوي للعمل المتساوي وعطلة الولادة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر كما أن عمل الأطفال أصبح ممنوعاً. وكذلك في مجال الأحوال الشخصية حققن مزيداً من النجاحات: رفع سن الزواج، ضرورة موافقة المرأة على عقد الزواج، أصبحت المحكمة هي الجهة الوحيدة المسؤولة بقضايا الطلاق بما فيها قوانين خاصة بحق النفقة وحضانة الأطفال، وتم الحد من مسألة تعدد الزوجات. كانت مساواة المرأة مع الرجل بالقانون ولو لفترة وجيزة من الأمور التقدمية جداً بالسودان مقارنة بالبلدان العربية، والشكر بذلك لمجهودات السيدة فاطمة ابراهيم. إن تقديم جائزة هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للاتحاد النسائي في السودان في عام 1993 ولو أنها تأخرت إلا أنها تعد تقديراً لهذه الإنجازات.
في هذه الفترة، فترة الانفتاح والنجاحات السياسية، تزوجت السيدة إبراهيم من الشفيع أحمد الشيخ القائد النقابي المعروف على الصعيد العالمي وزميلها في الحزب. وتمشياً مع الشعارات النسائية التي تنادي بالشفافية في الحياة الخاصة تم عقد القران في حفل زفاف علني تميز بالبساطة مع التخلي عن المهر. وعن قصد ضربت بهذا الموقف العادات التفاخريه السلعية. كان المهر العالي وما زال إلى اليوم يعتبر من أهم عوائق الزواج. غالباً ما يكون له تبعات سلبية على المجتمعات التي تعتمد الزواج كأساس شرطي للعلاقة الجنسية، بغض النظر عن ارتباطها بالتبعية التي تأتي كنتيجة لهذه العلاقة التبادلية. جاء انقلاب النيميري في عام 1969 لينهي هذه المرحلة الليبرالية في السودان. وبعد فترة قصيرة من الغزل مع الحزب الشيوعي انقض عليهم وحاول النميري كذلك اخضاع الحركة النسائية لسيطرته عن طريق تأسيسه منظمة نسائية خاضعة له وتحت إشراف السلطة. اتهم الناشطات النسويات المستقلات هو أيضاً بالدعاية للغرب وبترويج أفكار غير اسلامية. والغيت كثير من القوانين سبق أن أصدرت عام 1968. أثر انقلاب فاشل عام 1971 تم اعتقال وإعدام كثير من أعضاء الحزب الشيوعي والنقابات ومن ضمنهم الشفيع أحمد الشيخ. وضعت فاطمة إبراهيم سنتين ونصف تحت الإقامة الجبرية. بعد الإفراج عنها عادت لتزاول نشاطها تحت الأرض. تفاقم وضع النساء سوءاً عندما حصل التحالف بالسلطة عام 1983 بين النميري والجبهة الإسلامية. ولم يشهد هامش الحركة أي تطور إلا بعد إزاحة النظام عام 1985. عاودت الحركة النسائية عملها رغم ضعفها الشديد وانقسامها بفعل النميري، لبناء ائتلاف نسائي عريض من أجل نيل المساواة وحق المشاركة السياسية والاجتماعية الكاملة. انتقال السلطة إلى الجبهة القومية الإسلامية بقيادة حسن الترابي وعمر البشير عام 1989 أدى مرة أخرى إلى تراجع المساعي من أجل سودان ديمقراطي. بعد إلحاح من عائلتها ومع تعرضها مجدداً للضعوط اختارت فاطمة إبراهيم السفر إلى المنفى في لندن. وهناك استمرت في السعي كرئيسة للاتحاد النسائي العالمي من أجل التعريف بمشاكل السودان وبشكل خاص بأوضاع حقوق الإنسان. وتُعتبر عودتها إلى السودان عام 2005 مثالاً على إرادتها الصلبة لمواصلة نشاطها، تمشي إثر سيل صغير من العائدين استغلوا الانفراج السياسي عام 2000 للعودة من منفاهم. وكرست السيدة إبراهيم طاقتها مجدداً كنائبة في البرلمان السوداني من أجل حقوق المرأة والإنسان.
أتمنى لك أيتها السيدة الجليلة فاطمة إبراهيم كل التوفيق وفوق كل شيء النجاح، بما تقومين به ويتوقف علية تحقيق ما تحتاجة بلدك. وبشكل خاص أهنئك شخصياً لنيلك جائزة ابن رشد للفكر الحر، تقديراً لأهمية هذا العمل ليس بالنسبة للسودان فحسب بل نموذجياً بالنسبة للعالم العربي.
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جيل العطاء فاطمة احمد ابراهيم مثالا (فاطنة السمحة) لمن ينكر ضوء الشمس من رمد!! (Re: jini)
|
Quote: كلمة فاطمة أحمد إبراهيم بمناسبة فوزها بجائزة إبن رشد لفكر الحر برلين 8/12/2006
السادة قيادة وأعضاء مؤسسة ابن رشد للفكر الحر السيدات والسادة، الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حقاً أن لساني لعاجز عن شكري وتقديري لكم، ولمؤسستكم العظيمة، لتكريمكم لي بأكثر مما أستحق. إن قيمة هذا التكريم الحقيقية، تكمن وتتجسد في أمرين هامين:
الأول: اهتمامكم بالمرأة وأدائها. والثاني: تشجيعكم ودفعكم للمنظمات النسائية في العالم العربي لتطوير أدائها. وتشجيع القيادات النسائية لبذل المزيد من الاهتمام والجهد، لتطوير جماهير النساء، وبخاصة الأجيال الناشئة. الأمر الذي سيؤدي إلى تطوير المجتمعات. هذا والمعروف إن اليد الواحدة لا تصفق، وأن القيادات هي تجسيد نشاط وإنجازات منظماتها، وعليه فإنني أعتبر تكريمكم العظيم المقدر لي، هو تكريم موجه للاتحاد النسائي السوداني قيادة وقاعدة– أتمني لكم المسير قدماً في هذا الطريق.
السيدات والسادة، الحضور الكريم أرجو أن تسمحوا لي أن أقدم لكم نبذة عن تاريخ ونشاط الاتحاد النسائي السوداني، الذي أتشرف برئاسته – وتجربة نساء رائدات وضعن أساساً متيناً لنضال المرأة ومهدن طريقاً وعراً لكل الأجيال. لقد تكون الاتحاد النسائي في 31 يناير 1952. وهو أول تنظيم نسائي بعد رابطة المرأة المثقفة التي تكونت في عام 1947، توقف نشاطها تماماً بعد عامين فقط. وفي ذلك الحين، كانت بلدنا لا تزال ترزح تحت حكم الاستعمار البريطاني. وكانت جماهير النساء أكثر أمية و اضطهاداً. وكان اضطهادهن مجسماً حتى في تصميم المنزل، حيث يخصص القسم الأكبر والأجمل للرجال. وبالرغم من أن المرأة هي التي تقوم مثلاً بإعداد الطعام، إلا أن المطايب تقدم للرجال أولاً، ثم تأكل النساء ما تبقى. وهذا لا يزال جزء من التقاليد في بعض أنحاء بلادنا. وما زلنا نواجه بعادة الخفاض الفرعوني (ختان الإناث) الضارة التي تجري للبنت وهي في سن الطفولة، بغرض حماية بكارتها. وكذلك تجرى عملية الشلوخ – رسم بآلة حادة على جلد الوجه – عند معظم القبائل كجزء من التجميل للبنات، وكتمييز للقبيلة، والتي تتم في سن مبكرة، وهي لا تقل بشاعة وألماً عن الخفاض الفرعوني. هذا والفتاة في كثير من الحالات لا تستشار عند زواجها، وعند كثير من القبائل تحجز لابن عمها منذ ولادتها. وباختصار فإن حقوق الأسرة تصب في مصلحة الرجل، وتمنحه سلطة مطلقة على المرأة، ومن حق الرجل أن يتزوج أربع نساء، ومن حقه أن يطلق حسب مزاجه، وفي حالة الطلاق، فقد منح قانون الطاعة الزوج حق إرجاع زوجته إذا غيّر رأيه، بواسطة الشرطي، بدون وضع اعتبار لرغبتها، ومدى تضررها. إضافة إلي ذلك فان قانون الأسرة قد منح الأم حق حضانة الابنة حتى التاسعة، والابن حتى السابعة، ثم ينتزعهما الأب. ولم يكن يوجد قانون يلزم الأب بالإنفاق على أطفاله في حالة الطلاق. والغريب في الأمر، إنه حتى في جنوب السودان، حيث تدين الأغلبية من السكان بالدين المسيحي، نجد أيضاً تعدد الزوجات، بالرغم من أن الدين المسيحي لا يسمح به. والسبب في ذلك أن المرأة هناك تشكل أيضاً قوة اقتصاديةً هامة في الإنتاج الزراعي، وإنتاج مواد الطعام. وعليه كلما زاد عدد الزوجات، كلما زاد دخل الزوج، وكلما زاد عدد أبنائه، الأمر الذي يكسبه ثروة ومكانة اجتماعية. وهذا مثال واقعي يثبت أن تأثير التقاليد والمكاسب الاقتصادية أقوى من تأثير الأديان، هذا وفي كثير من الحالات، وبخاصة بالنسبة للإسلام، يتم خلط متعمد بين العادات والإسلام، لضمان تمسك الشعوب بالعادات حتى لو كانت مضرة. هذا وعلى نطاق المجتمع، تتعرض المرأة السودانية أيضاً للاضطهاد وعدم المساواة بالرجل، مثلاً نسبة الأمية بين النساء أعلى بكثير من نسبتها بين الرجال، بالرغم من أن الأم هي التي تُنتج المجتمع كله، رجالاً ونساءً، وتنشئ الأطفال. وكذلك فإن عدد مدارس البنات أقل بكثير من عدد مدارس البنين. والأغلبية العظمى من النساء لا تخرج للعمل. ولوقت غير قصير كان عمل النساء محصوراً في التعليم والتمريض فقط. كما كانت تتقاضى المرأة أربعة أخماس (80%) أجر زميلها في العمل، بالرغم من أنها تحمل نفس المؤهلات وتؤدي نفس نوع وكمية العمل ولا تتساوى المرأة بالرجل في فرص العمل، ولا في التأهيل والتدريب والترقي والمعاش، ولا تُمنح عطلة ولادة مدفوعة الأجر. وقانون المشاهرة يجبر المرأة العاملة على الاستقالة بعد الزواج، لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت، شهراً بشهر، مما يعرضها للفصل من العمل في أي وقت، ويحرمها من فوائد ما بعد الخدمة. أما في مناطق الزراعة، فإن عمل المرأة يعتبر جزءاً من عمل الرجل، ولا تتقاضى أجراً عليه. وفي بعض المناطق مجرد ذكر اسم امرأة أمام الغرباء يعتبر عيباً وإساءة للأسرة. خطتنا لتحقيق المساواة والديمقراطية والسلام منذ البداية كان واضحاً أمامنا، أننا لن نستطيع تحويل الاتحاد إلى تنظيم جماهيري واسع القاعدة، حتى يصل النساء في بيوتهن وقراهن، وفي مدارسهن وأماكن عملهن، إذا لم نحافظ على استقلاله من أي نفوذ حزبي أو سلطوي، وبالفعل حققنا ذلك ثم قمنا بتكوين فروع له في كل أنحاء السودان، وبما فيها الجنوب. وفي كثير من المدن، كونا فروعاً في الأحياء السكنية.هذا سهل مهمة الوصول للنساء في بيوتهن. ووفر فرص تدريب كوادر قيادية شابة في نفس المدن والقرى والأحياء. وبالطبع لأنهن أدرى من القيادات المركزية بأحوال ومطالب النساء العاجلة في تلك الأماكن، وأكثر تأثيراً في مناطقهن. ثم كون الاتحاد النسائي لجاناً قيادية من الطالبات داخل المدارس الثانوية. وكذلك كون روابط للطالبات في الجامعات. إضافة إلي ذلك فقد حرص الاتحاد النسائي على تخصيص مقعد في اللجنة التنفيذية لمندوبة من نساء الجنوب، حتى يربط فروع الجنوب باللجنة التنفيذية مباشرةً وكذلك خصص مقعداً للنساء العاملات النقابيات. وهدفه أن يشجع النساء العاملات على الاشتراك في النقابات، وفي نفس الوقت يضمن تعاون النقابات مع الاتحاد النسائي، للعمل سوياُ من أجل مساواة المرأة العاملة بزميلها في العمل. أما تجربة الاتحاد النسائي في بناء فروع له في القرى، فقد كانت فريدة. كان أهل الريف وبالأخص قرى ريف الخرطوم منفتحين من البداية يرحبون عملنا ويشجعوننا كل التشجيع. كون الاتحاد النسائي لجاناً مختصة بكل قضية من قضايا المرأة، من الأعضاء في القاعدة، تقودها إحدى العضوات من اللجنة التنفيذية. ونتيجة لذلك تمكنا من تنظيم جمعيات ربات البيوت التعاونية بالأحياء، والفكرة كان الهدف منها أن تكتشف ربة البيت، الارتباط الوثيق المباشر بين حياتها الخاصة ومعيشتها وبين سياسة الدولة الاقتصادية وقوانينها، ومدى تأثيرها على لقمة عيشها، وتعليم أبنائها، وإلى جانب ذلك، كنا نعقد اجتماعات أسبوعية لممثلات من فروع الأحياء بالعاصمة، لتدريبهن فيها على إدارة الاجتماعات وابتكار الأنشطة وإدارتها. تبلور الوعي وتغير تكتيكاتنا الإستراتيجية في بداية تكوين الإتحاد، بدأنا بالنشاط الإصلاحي والخيري، إذ قمنا بتكوين مدارس لمحو الأمية بين النساء، وتقديم دروس عن الاسعافات الأولية، وأنشأنا مدرستين متوسطتين للبنات وكذلك كنا نقوم ببعض الأعمال الخيرية بجمع النقود والمواد الغذائية وتوزيعها على الفقراء. ولكن سرعان ما أدركنا أن النشاط الإصلاحي والخيري لن يحل مشاكل المحتاجين، وإن إمكانياتنا المحدودة لن تحل مشاكل التعليم، ولن تمحو أمية النساء. وأن توزيع الطعام والنقود والملابس، لن يحل مشكلة الفقر والاحتياج. والاتحاد النسائي بالطبع يعلم أن حل مشاكل الجماهير يقع على عاتق الحكومة. وعليه قرر القيام بحملة مطلبيه سلمية لدفع الحكومة للعمل على حل تلك المشاكل على مستوى القطر. مع الاستمرار في العمل الإصلاحي والخيري، وفي نفس الوقت أدرك أن مساواة المرأة بالرجل، والقضاء على اضطهادها، لن يتم إلا بمطالبة الحكومة بتغيير سياستها وتشريعاتها، التي أدت إلى عدم مساواة المرأة بالرجل في الحقوق. وبالتأكيد لن تستجيب السلطة الحاكمة لمطلبنا، إذا لم نحول المرأة إلى قوة سياسية تتبارى الأحزاب للحصول على صوتها في الانتخابات، لتصل إلى كراسي الحكم. ولنحقق ذلك، أدركنا ضرورة وجود منبر صحفي نسائي، ليرفع مستوى وعي النساء، ويوحد جهودهن. ولهذا قدمت اقتراحا للجنة الاتحاد النسائي التنفيذية بإصدار مجلة نسائية، ولكن رفض اقتراحي بأغلبية ساحقة، بحجة أن المجتمع يرفض اشتغال المرأة في الصحافة، بل وحتى مجرد نشر أسمها في الصحف. فقررنا إصدارها باسمي بالتعاون مع الزميلات، اللائى أيدن الاقتراح، فقدمنا طلبنا للجهات المسئولة لإصدارها. فرفضته السلطات المختصة، فذهبت للسيد إسماعيل الأزهري، رئيس الوزراء آنذاك، فوافق على أن يتدخل، ولكن بشرط أن لا نتدخل في السياسة، فلم نلتزم بذلك أمامه. وبالفعل صدرت صوت المرأة في يوليو 1955. وقد سبقتها في الساحة مجلة بنت الوادي التي أسستها تاكوي سركسيان، ولكنها توقفت سريعاً. هذا وقد لعبت مجلة صوت المرأة دوراً كبيراً في توعية النساء، وفي الدفاع عن حقوقهن، وفي نقل تجارب النساء في جهات العالم الأخرى. مع كل ما تقدم يتضح أن الأنظمة السياسية الحاكمة هي المسئولة عن انتهاك حقوق الإنسان، وعن الاستغلال الطبقي، وعن الاضطهاد العنصري، وقوانينها هي التي تكيف المجتمع، وبالتالي تكيف حياة الجماهير. والملاحظ أن العالم كله يحكمه الرجال، مع حفنة بسيطة من النساء، اللائى ينتمين إلى الأحزاب الحاكمة، ويلتزمن بسياستها، حتى لو كانت ضد بنات جنسهن، وضد حقوق الأطفال. وعليه فإن انتشار الحروب والعنف وكل أنواع الاستغلال والاضطهاد هي نتائج سياستهم وتشريعاتهم. والنساء والأطفال هم أول الضحايا. وعليه فإن النساء لن يستطعن إيقاف الحروب وتحقيق العدالة الاجتماعية، ما لم يصبحن جزءً من صانعي القرار. ولتحقيق ذلك، يجب أن يوحدن جهودهن، ويتعاون مع الرجال الذين يؤيدون مساواة المرأة، إذ ليس كل الرجال ضد مساواة المرأة، وليست كل النساء مع مساواة المرأة. والآن تواجهنا مشاكل إزالة أثار الحرب المدمرة التي استمرت في جنوب السودان لعدة عقود وتلك التي ما زالت نارها تشتعل في غرب السودان وشرقه، والتي يعاني منها علي وجه الخصوص النساء والأطفال علي مختلف وجوهها الاجتماعية والنفسية والمادية. هذا وبعد كل ما تقدم فقد طالب الاتحاد النسائي بحقوق المرأة السياسية، حق التصويت وحق الترشيح في عام 1953، فشنت الجبهة الإسلامية، وأئمة المساجد حملة شعواء ضد الاتحاد، بحجة أن الإسلام ضد حقوق المرأة السياسية وضد مساواتها بالرجل. واستقالت على أثر ذلك امرأتان من عضوية الاتحاد باللجنة التنفيذية، وعندها أدركنا مدى خطورة تلك الهجمة على الاتحاد النسائي، باسم الإسلام، في قطر تدين غالبية سكانه بالإسلام. ومعظمهم أميين، لم يقرءوا أحكام الإسلام من مصدره الأساسي، القرآن الكريم، بل تلقوها من شيوخ اعتمدوا على من سبقوهم في تفسيرهم. وتم خلط بين أحكام الإسلام والعادات، ولهذا أدركنا أن الوسيلة الوحيدة لصد تلك الهجمة الظالمة هي استعمال سلاح الدين نفسه. وبدراسة القرآن الكريم، وبمساعدة بعض رجال الدين، أصبح في إمكاننا، تقديم أدلة قاطعة، بأن الإسلام لم يفضل الرجل على المرأة، ولم يحرمها من المساواة. ولم يبح تعدد الزوجات بصورة مطلقة. ولم يحرم اشتراك المرأة في السياسة. هذا وفي عام 1964 نالت المرأة السودانية الحقوق السياسية، حق التصويت وحق الترشيح. فإذا بالجبهة الإسلامية، بدون حياء ترشح ثريا امبابي لدخول البرلمان. فنظمنا حملة كشفنا فيها تلاعبهم بالإسلام. قبل عشرة سنوات نكروا أن مجرد المطالبة بالحقوق السياسية ضد الإسلام. وبعد نيل الحقوق أقبلوا على ممارستها للاستفادة منها. فهل تغيرت أحكام الإسلام خلال تلك المدة؟. هذا وفي الجانب الأخر تم ترشيحي، ففزت وأصبحت أول عضو في برلمان منتخب في نظام تعدد حزبي ديمقراطي، في السودان. والسبب الأساسي في حصول الاتحاد النسائي على الحقوق السياسية، وفوز مرشحته في الانتخابات، هو نجاح الاتحاد النسائي في إشراك جماهير النساء، وبما فيهن ربات البيوت في مقاومة حكم إبراهيم عبود العسكري. وفي داخل البرلمان قدمت لجنة الدفاع عن مساواة المرأة العاملة، ومثلت فيها النقابات واتحادات الشباب والطلاب وبعض الشخصيات الرجالية والحزبية مشاريع القرارات التي أعدها الاتحاد النسائي. ونظمت تلك حملات واسعة لإقناع قيادات الأحزاب والنواب، لإجازة مشاريع قوانين حقوق المرأة. وبالفعل أجاز البرلمان الحقوق التالية في عام 1968: • حق الاشتراك في كل مجالات العمل، وبما فيها القضاء والقضاء الشرعي، والسلك الدبلوماسي، والقوات المسلحة، وجهاز الشرطة. وقد كان عملها من قبل محصورا في التعليم والتمريض فقط. وعلى اثر ذلك، أخذت المرأة السودانية، تشترك في الأحزاب السياسية والنشاط العام، وفي المؤتمرات داخل البلاد وخارجها. • الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والمساواة في العلاوات والمكافآت، والبدلات، وفي حق المعاش، وفي الترقي والتدريب والتأهيل. • عطلة الولادة مدفوعة الأجر للأم العاملة، أسبوعان قبل الولادة وأربعة أسابيع بعدها، مع ساعات للرضاعة. تم إلغاء قانون المشاهرة، الذي يفرض على المرأة العاملة، تقديم استقالتها بعد الزواج، لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهراً بشهر. مما يعرضها للفصل في أي وقت، ويحرمها من فوائد ما بعد الخدمة. إنجازات الاتحاد النسائي في مجال قوانين الأسرة لقد تقدم الاتحاد النسائي بمذكرة لقاضي القضاة الشرعي، يطلب فيها إجراء بعض التعديلات في قانون الأسرة. ودعمها ببراهين من مبادئ الإسلام، فلم يتردد قاضي القضاة في الاستجابة، وهي: • منح الفتاة حق الاستشارة عند الزواج – وأي زواج يعقد بدون رضاها، يمكن فسخه بواسطة المحكمة الشرعية. • منع زواج البنت قبل سن البلوغ. • إلغاء قانون بيت الطاعة، الذي يجبر الزوجة على الرجوع لزوجها بواسطة الشرطي في حالة تراجع الزوج عن الطلاق، وبغض النظر عن رغبتها حتى ولو كانت متضررة. ولكنهم أضافوا جملة (على أن ترد له المهر). • منحت الأم حق حضانة الابنة حتى الزواج، والابن حتى سن البلوغ. وقد كان من قبل، الابنة حتى التاسعة، والابن حتى السابعة، ثم ينتزعهم الأب. • إلزام الأب بإعاشة أطفاله بعد الطلاق، ولم يكن من قبل ملزماً بذلك، ولكنهم أضافوا جملة: (في حدود نصف دخله). وبهذا لم يضعوا أي اعتبار لعددهم واحتياجاتهم. لكل تلك الإنجازات، منحت الأمم المتحدة الاتحاد النسائي جائزة حقوق الإنسان في عام 1993. وهكذا أصبح أول تنظيم نسائي في كل العالم ينال تلك الجائزة، والوحيد حتى الآن. الاتحاد النسائي ومقاومة الأنظمة العسكرية بعد انقلاب إبراهيم عبود العسكري، لم تعطل الحكومة العسكرية مجلة صوت المرأة لان ترخيصها ليس باسم الاتحاد، ولكنها منعت الاتحاد النسائي. فانبرت مجلة صوت المرأة لتوعية جماهير النساء وتعبئتهن لمقاومة النظام العسكري. فخصصت صفحتين في الوسط للكاريكاتير الساخر، وهي أول صحيفة سودانية تستعمل الكاريكاتير للمقاومة السياسية. وحتى بالنسبة للنساء الأميات كان فهم الغرض منه سهلاً. وهذا أدى إلى زيادة نسبة توزيعها لدرجة عالية وفي نفس الوقت عرضها للمحاسبة والتعطيل، ولكن برغم ذلك، فإن حكومة عبود العسكرية لم تعتقل النساء. هذا وقد حدث انقلاب جعفر النميري مباشرة في شهر مايو 1969 بعد إجازة حقوق المرأة التي قدمتها للبرلمان في عام 1968. ولهذا قابل وفد من الاتحاد النسائي الرئيس العسكري نميري، وطلب منه تحقيق تلك المطالب، فوعد خيراً، وطلب من الاتحاد في المقابلة أن يتعاون معه. ولهذا عندما قرر السفر للاتحاد السوفيتي، أقترح علي أن أكون ضمن وفده المرافق له. ولكني اعتذرت بحجة أن مبادئ الاتحاد النسائي، هي أن يحافظ على استقلاله من السلطة ومن الأحزاب كلها بدون استثناء. وفي مرة أخرى عرض علي، منصب وزيرة المرأة والشئون الاجتماعية، فاعتذرت أيضاً عن قبول المنصب واقترحت عليه أن يمنح جماهير النساء حق اختيار وزيرتهن، فثار ثورة شديدة. وفي أسبوع المرأة، الذي درج الاتحاد النسائي على إقامته سنوياً ابتداءً من 31 يناير (تاريخ تأسيسه) فاجأنا الرئيس في كلمته عندما صرح أنه لن يمنح المرأة تلك الحقوق لأنها مستورده. هذا بالرغم من أنه التزم من قبل بتحقيقها، فما كان مني كرئيسة الاتحاد، إلا أن عقبت علي ذلك في كلمتي، بتذكيره بوعده. وأكدت له أن حقوق المرأة ليست مستورده، وإنما المستوردة ملابسه، فانسحب الرئيس من الاحتفال وانسحب معه الوزراء وحاشيته. وزاد الطين بله. صادر نميري مبلغ العشرة آلاف دولار التي تبرعت بها منظمة اليونسكو للاتحاد النسائي لدعم نشاطه في القرى لمحو الأمية بين النساء والتوعية ضد العادات الضارة، وبما فيها الخفاض الفرعوني وتدريب النساء على الإسعافات الأولية، ولهذا عطل نميري الاتحاد النسائي، بعد أن انقسمت عنه بعض عضوات القيادة وكوّنّ تنظيماً بديلاً، إتحاد نساء السودان التابع للاتحاد الاشتراكي، حزب الحكومة العسكرية. بالرغم من الملاحقات والمضايقات للاتحاد النسائي من قبل الحكومات العسكرية والتهديد بالسجن واصلتُ العمل سرياً حتى بعد ما أصابني على النطاق الشخصي عندما قام الطاغية نميري بإعدام زوجي القائد النقابي الشهير الشفيع احمد الشيخ سنة 1971 وتم وضعي في الإقامة القسرية لمدة عامين ونصف، عدا حالات الاعتقال المتكررة من قبل أجهزة الأمن. نشاطي بلندن: هذا كان بإيجاز تجربتي مع الاتحاد النسائي في السودان. وفي المنفى ما زلت أعمل في نفس المجال في الكفاح عن حقوق المرأة والإنسان في السودان بما فيه تأسيس "اللجنة السودانية للتصدي لانتهاكات حقوق النساء والشباب والطلاب" حينما بلغنا نبأ جلد طالبات كلية الأحفاد، لأنهن غير محجبات، ونبأ اختطاف الشباب والطلاب من الجامعات والشوارع، وإرسالهم إلى مناطق الحرب. كونا فرعاً للاتحاد النسائي بلندن. وزرت جنوب السودان بدعوة من الحركة الشعبية لتحرير السودان. ومن نشاطاتي الاجتماعية تأسيس مركز لتأهيل وتدريب القيادات الشابة لتدريبهم على الكتابة وتعريفهم خلال المحاضرات والمعارض بالثقافة السودانية وتشجيع المثقفين السودانيين الذين أجبروا على مغادرة وطن وتشتتوا في كل أنحاء العالم على العودة للوطن، متى تهيأت الفرص المؤمنة، ومن ضمن البرنامج إصدار نشرة دورية. رجوعي إلى السودان رجوعي إلى السودان كان مناسبة تاريخية بالنسبة لي بعد قضاء ثلاثة عشر عاماً مرغمة بلندن خارج وطني. سافرت برفقة زميلتي، السيدة زهراء الباهي، رئيسة فرع الاتحاد النسائي بمدينة بورتسودان، والتي هي نفسها قد غادرت مع أطفالها السودان بسبب ما تعرضت له من سجون، هي وزوجها. تم ترشيحي مع أثنين من الرفاق من قبل سكرتارية الحزب الشيوعي لتمثيل الحزب في المجلس الوطني وذلك بعد أن تم الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية، وتقاسما السلطة، وفتح الباب أمام القوى السياسية، للاشتراك في المجلس الوطني. وفي البداية لم أكن مقتنعة بالاشتراك بالمجلس الوطني، ولكن عندما دخلت، أحسست بالفائدة الكبيرة من دخولنا إذ لنا الفرصة على التعرف على سياسة الدولة وقراراتها من الداخل والاشتراك في تعديلها أو على الأقل كشفها وإشراك جماهير الشعب في العمل على نقدها وتعديلها. بعد وصولي السودان وجدت زميلاتي بدأن تجميع فروع الاتحاد بالعاصمة. وبالطبع لم تكن المهمة سهلة، بعد تعطيله خلال كل تلك المدة الطويلة، منذ استلام الجبهة الإسلامية السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في عام 1989 لكني أعلنت بأنني سأتخلى عن أي منصب قيادي، وأترك المجال لتلك العناصر الشابة الناجحة. إنها صرخة داوية ... أطلقها: يا نساء العالم وحدن جهودكن، كفانا ظلماً واضطهاداً وآلاماً! لنوحد جهودنا لنحصل على حقوقنا وحقوق أطفالنا! لنصبح قوة مؤثرة ضاغطة، ونفرض وجودنا في كل الميادين وعلى كل المستويات! فلنتوحد لنتمكن من بناء مجتمع محلي وإقليمي وعالمي تسوده الديمقراطية والسلام والاستقرار وتتوفر فيه حقوق الإنسان والعدالة لاجتماعية ولنقضي على كل أنواع الاضطهاد العنصري والطبقي والجنسي والديني والفكري والسياسي! ليس هناك قيادي ورئيس يصنع التاريخ وحده واليد الواحدة لا تصفق مهما بلغت من القوة. والنصر المؤزر للاتحاد النسائي ولشعبنا العظيم ولجماهير الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. فاطمة أحمد إبراهيم |
| |
|
|
|
|
|
|
|