|
الحداثة الشعرية في هولندا/تأليف الدكتور أحمد عكاشة فضل الله و محسن السراج
|
الحداثة الشعرية في هولندا تأليف الدكتور أحمد عكاشة فضل الله و محسن السراج الإهداء إلى روح الأمير النبيل كلاوس فان أمسبرغ(زوج الملكه بيتريس ) To the noble memory of prince Claus the prince consort of the netherlands مقدمة: سنحت لنا مصادفة الزمان والمكان أن نتعرف على النتاج الشعري الهولندي من اللغة الهولندية مباشرة حسب المتغيرات الجمالية والفكرية التي طرأت من حقبة إلى أخرى ومن مبدع إلى مبدع. لقد عُرف القرن العشرون بـ القرن المدهش (fabulous century) وبعضنا اعتقد بجاهليته، بين هذين العبارتين، ثمة اختلاف شاسع، من التعريف الثاني برزت مشكلات مثل رفض ومقاومة التحديث أو إبطاؤه وبالتالي فقر الإنتاج إذا كان فكراً أو إبداعاً أو إنتاجاً مادياً فيما تعاملت مجتمعات أخرى ـ ومنها المجتمع الهولندي ـ مع متطلبات الحداثة ومابعد الحداثة بأوليات تعكس التجاوب السلس بين الحداثة والفكر والإبداع. هناك إشكاليات قابلت الشعر هنا وهناك، قد تتماثل من تقييد الشعر أو الاسترسال فيه ومنها مشكلات العروض واللغة والصورة الشعرية، وقد قصدنا أن نورد التجربة الهولندية بحكم تواصلنا بها ومعرفتنا باللغة الهولندية ومطالعاتنا لآدابها، بهدف أن يستطيع المبدع شاعراً وناقداً المقارنة بين التجربتين لعله يجد بعض الحلول. نحن لانريد أن نحكم على الإبداع الهولندي من حيث التصنيف أو القيمة بل اخترنا من الشعراء من هو أبعد أثراً بمعنى أنه عرُف واسهم في الحوار الفكري والثقافي أو من وجد شعره أصداءً خارج هولندة وبلجيكا، هناك من هو أقدر منا على إصدار هذه الأحكام ونذكر هنا مثلاً الناقد (هربرت ريد). (يورد الناقد الإنكليزي الكبير (هربرت ريد) إنّ في الأدب الهولندي طابعاً مبهماً من (لونغفلو) و(ورد زورث) بيد أن كلاً هذين الشاعرين الإنكليزييّن، غنيّا الطبيعة، وعايشا الطير والزهرة والصخرة والجدول والنهر، إلا انهما اخفقا في أن يعكسا لنا ما عكسه الشعراء الهولنديون من أدب شمل الإنسان، ليس في نظرته الجمالية فحسب، بل شمل أيضاً نزوعه الإنساني ونضاله ضد الطبيعة على اختلاف العقبات التي تخلقها الطبيعة). ص 4 (ديوان الشعر الهولندي المعاصر) ترجمة وتقديم سعد صائب، منشورات مطبعة الإنشاء بدمشق 1982. فيما يورد الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذكراته رأياً آخر إذ يقلل من أهمية الشاعرية الهولندية بالقياس إلى الشاعرية الإنكليزية والفرنسية وعلى ضوء ما تقدم تركنا للمبدع والقارئ إمكانية التفاعل الذاتي مع التجربة الشعرية لعله يوفيها قدرها, فإن ثراء تجربة الحداثة الهولندية هي في التطورات الفكرية والإبداعية المتلاحقة والسريعة في حين أن التطور الفكري والإبداعي في الحداثة العربية تميز ببطء الوتيرة وبشيء من التقليد والتبعية ونعني بهما انعدام أو قلة التجديد فكراً وجماليات، القصد من التعريف بالأدب الهولندي هو نقل عدوى التطور السريع إلى الأدب والفكر العربي، لماذا قدمنا الشعر؟، لأننا رأينا تجربة حداثية ثرة ومثيرة للاهتمام ولعل التعرف عليها في العالم العربي يمدُّ الكتاب والشعراء ببعض الزاد من اجل النهوض. وتبقى محاولة التعريف بتجربة الحداثة الشعرية الهولندية جهداً مشتركاً لـ أحمد عكاشة أحمد فضل الله، وهو سوداني مهتم بالنقد الأدبي و محسن السراج وهو شاعر ومترجم عراقي له اهتماماته بالشعر الإنساني إبداعاً ونقداً. كتب أحمد عكاشة أحمد فضل الله الشق النقدي من العمل وترجم محسن السراج الأشعار. كل ما نأمله توفر قدر من التوفيق لهذا المؤلَف, في أن يعرّف بالتجربة الشعرية الهولندية وأن يوقد وهج وشغف عميق لدى القارئ العربي للوقوف على الإبداع الأدبي لشعوب القارة الأوروبية والأجزاء الأخرى من العالم. نتقدم بالشكر الجزيل للسيدة (Ineke Majoor) للجهد الذي بذلته في مراجعة النصوص باللغة الهولندية والإنجليزية وللفنان والناشر انتشال التميمي لما أولاه لنا وللمؤلف من ثقة وحسن دراية واهتمام وللشاعرجمال فرحاوي الذي لم يدخرجهداً في مراجعةالكتاب . ـ 1ـ منبت الحداثة الشعرية الهولندية 1 ـ 1 تخطئة الفردانية وهي(مذهب يقول بان مصالح الفرد هي فوق كل اعتبار): عُدّ أدباء وشعراء العقد الثامن من القرن التاسع عشر رواداً للأدب الهولندي الحديث. ولا يحسب مثل هذا الاعتقاد ترفاً أو جنوحاً في التفكير شأنه شأن الحداثة الشعرية، ويصح هذا الزعم نسبة لمطابقته واقعة أن كتاب وشعراء تلك الفترة (الثمانينات من القرن التاسع عشر) كانوا قد تركوا على نحو واضح قيم وأفكار من سبقوهم من أدباء وشعراء هولنديين. على الرغم من كل هذا وخاصة إذا ما فكر المرء من وجهة نظر توالي القرون وتواتر الفترات التاريخية فإن الحركة الأدبية الهولندية التي بدأت في تحديث الشعر والأدب تنتمي من حيث التقويم إلى القرن التاسع عشر، ويزداد متانة مثل هذا الاعتقاد إذ يتوفر سبب آخر هو إرتباط الحركة الأدبية الهولندية في أواخر القرن التاسع عشر بالرمزية الفرنسية وشعر شيليه shelley وكيتس Keats ونثر فلوبيرت flaubert وأدب زولا Zola. وعليه انطلاقاً من وجهة النظر هذه يمكن الإشارة إلى أن ولادة أدب القرن العشرين تقترن بردود الفعل حيال حركة أدباء العقد الثامن من القرن التاسع عشر، وهي ردود الفعل التي بوشر في طرحها بدءاً من نهاية حقبة التسعينات من القرن العشرين واشتد أوارها خلال السنوات الباكرة من ذاك القرن. 1 ـ 1 المحدّث هيرمان قورتير Herman Gorter في عام 1898 أصدر هيرمان فورتير مقالة بعنوان: Kritiek op literaire beweging van 1880 in Holland أي (نقد الحركة الأدبية في الثمانينات من القرن التاسع عشر في هولندا) في هذه المقالة انتقد قورتير فردانية أدباء تلك الحقبة وقد سبق لقورتير أن أضحى مقتنعاً بالفكر الماركسي، وأصبح يعتقد أن الأدب هو نتاج للظروف الاقتصادية, وجرأ بالقول أن الوضع الاقتصادي في المجتمع له الأثر البالغ على الفكر الإنساني، في سياق مقالته هذه تحامل على (ألبرت فيرواي) Albert Verwey متهماً إياه بالجهل في المسائل الاقتصادية وبالتالي توصل إلى قناعات خاطئة حول المشكلات الأدبية. ففي نظر قورتير لم يعد الجمال قيمة وضعية وجمالية فقط وإن الجمال يعد في نظر الأدباء غير الملمين بالاقتصاديات منفصلاً عن المجتمع والقيم الأخلاقية كما كان التفكير بشأنها خلال الثمانينات من القرن التاسع عشر. وحسب قورتير الجمال صيغة من صلب مسألة التغيير والتطور الاجتماعيين, وقد إعتبر تلك الحركة الأدبية سالفة الذكر (حركة الثمانينات من القرن التاسع عشر) آخر مرحلة من تطور الأدب البرجوازي. كذلك اتهم قورتير الشاعر كلووس Kloos على الرغم من ولعه بشعره أنه شاعر استمر في البقاء عبداً ذليلاً للقطاعات الدنيا من الطبقة الوسطى ولم يستثن قورتير ذاته من النقد المرير إذ قال صراحة أن مبدع (مؤلف) mei ـ والذي هو قورتير نفسه يشكل عنصراً مستتراً من عناصر البرجوازية الصغيرة ـ كذلك أشار إلى القصور في الأعمال الأدبية لفان دايسيل Van Deyssel وقد وصف ذاك القصور بأنه ذو طابع اجتماعي وهذا عائد إلى أن (فان دابيسل) لم يفعل مثلما فعل زولا ـ إذ لم يجمع مادته من مدينة كبرى ـ تضم إلى جانب البرجوازية والطبقات الدنيا تضم البروليتاريا أيضاً. وخلال انتقاداته لحركة الثمانينات (من القرن التاسع عشر)، لم يدن جميع أشكال الفردانية ولكنه رفض رفضاً قاطعاً ما اسماه (الفردانية البرجوازية) والتي هي في طريقها إلى الاضمحلال. وقد هوجمت الفردانية على الرغم من أن قورتير ذاته في كثير من إنتاجه الإبداعي كان أكثر شعراء عصره فردانية. في عام 1903 أصدر ديوانه الشعري المسمى ((Verzen)) (الأشعار) وحمل هذا الديوان الشعري الجديد اسم ديوان شعر باكر سبق أن أصدره في عام 1890م. وكان ديوان الشعر الصادر في عام 1903م يضم أشعاراً اشتراكية المضمون والمعاني وتمت صياغة قصائده لتمجيد الاشتراكية والطبقة العاملة (البروليتاريا). وعلى الرغم من أن القصائد عجت بعبارات مثل (الاشتراكية لا محالة قادمة..) و (تحيا الاشتراكية) و (نتانة رأس المال) و (الأخوة بين البشر) وعلى الرغم من أسلوب وتركيب شعره وصوره الشعرية بدت تلك القصائد أقل تطرفاً وحدة من تلك القصائد التي احتواها ديوان شعره الصادر عام 1890، رغم الطابع الأيديولوجي والثوري ـ فإن ديوانه الصادر عام 1903 ضمّ في أغلبه أشعاراً ذات طابع شخصي، إذ أن تلك الأشعار كانت بمثابة التعبير عن الذات (الإفصاح عن ما يدور في خلده) لقد وجد في الاشتراكية سعادته الشخصية وهي التي ألهمت شاعريته. ولم يكن قورتير غافلاً عن حقيقة أنه فردانية القصائد التي ضمها ديوان أشعاره الصادر عام 1903 أن فردانية تلك الأشعار تتناقض مع نظرياته المعادية للفردانية. وهكذا في محاولة لإخضاع فردانيته الموروثة لقناعاته المعادية لكل فردانية تحول من قرض الشعر المعبر عن أفكار الشاعر وعواطفه الخاصة إلى تأليف الملاحم الشعرية و كانت أول ملحمة شعرية يصدرها هي تلك التي صدرت عام 1906 وحملت عنوان: Een Klein Heldendict . (أي الملحمة الصغرى) وعالجت تلك الملحمة مسألة الاشتراكية على نحو محدد على غير ما فعل ديوانه الشعري الصادر في عام 1903 الذي أشار إلى الاشتراكية كمبدأ مطلق ـ تصف الملحمة تردد رجل شاب في المشاركة في أول إضراب عمالي شامل في تاريخ هولندا ـ تناولت الملحمة شأن المرأة التي ترددت كثيراً قبل أن تلتحق بعضوية النقابات العمالية. وضعت الملحمة أجواء الاجتماعات الحزبية لأعضاء الحركات الاشتراكية وأبانت ضرورة قصر يوم العمل على ثماني ساعات فقط وأخيراً تناولت الملحمة الأفكار والنظريات الماركسية بصورة عامة، وعليه فإن هذه الملحمة من حيث مصادر إلهامها وارتباطاتها ـ كانت فراقاً واضحاً وقاطعاً للنهج الذي إتبع إبان الثمانينات من القرن التاسع عشر. خلال تلك الفترة كان الإفصاح عما يعمر به الضمير الاجتماعي. دعك من الدعاية السياسية ـ كانت كل هذه من الموضوعات المحرم تناولها شعراً أو نثراً أو على أي نحو إبداعي آخر. لاحقاً بعد انقضاء ستة أعوام أصدر قورتير ملحمة شعرية ثانية عرفت باسم Pan (الفوضى) وكانت هذه الملحمة أكثر تعميماً وإبهاماً وأكثر رمزية من الملحمة السابقة، ولم تعنى كسابقتها بأمر شخصين بعينهما حاولا إيجاد طريقاً خاصاً بكل منهما إلى الاشتراكية بل إعتنت بمسألة تحرير الإنسانية جمعاء بوساطة الثورة الاشتراكية. في عام 1916 أعيدت صياغة ملحمة (Pan) (الفوضى) وأضيفت إليها أبيات شعرية عديدة بحيث بلغ عدد أبياتها 12000، وعليه إذا أهمل المرء ملاحم شعرية نظمت في القرون الوسطى مثل ملحمة الأديب الهولندي (Jacob cats) ياكوب كاتز وهي الملحمة المسماة (proef steen van den trouring) فأن ملحمة قورتير ـ وهي الملحمة المعاصرة تعد أطول ملحمة شعرية نظمت باللغة الهولندية على الإطلاق وكانت الآمال المعلقة بنظمها عريضة وطموحة للغاية. وقد ازداد طموح ناظمها بنسبة أكبر بحيث انحطت الدرجة العالية لشاعرية قورتير: إذ يندر وجود زهاء 12000 بيت شعري كلها على قدر كبير من حسن الصياغة والجماليات. وهكذا أوضح القدر اليسير من حسن الصياغة والجماليات، ,أوضح في كثير من الأحيان انعدام الإلهام الشعري ذاته حينما نظم بعض هذه الأدبيات وقد وضح هذا في مرات عديدة ومواقع شتى من الملحمة ولعله من المعقول أن توصف هذه الملحمة أنها شعر وقصائد جيدة ارتبط بعضها البعض بنظريات وأفكار ماركسيه, وفشل ناظمها في صنع ملحمة شعرية متجانسه. لابدّ للناقد أن يقرّ أن هذا الفشل لايحط من قدر شاعر مجيد مثل قورتير. ولم يقتصر قورتير على تضمين الدعاية الاشتراكية ضمن أشعاره بل لعب بنفسه دوراً نشطاً في الحركة الاشتراكية. ففي عام 1897 أصبح عضواً في الحزب الاشتراكي الوليد (الذي أنشئ قبل ثلاثة أعوام خلت) وانتمى للجناح اليساري المتطرف فيه، وعقب إضراب عمال السكك الحديدية في عام 1903 احتد الصراع بين الراديكاليين والتحريضيين، في عام 1909 عقب خلاف عميق مع (ترول اسكرا) زعيم حزب العمال، استقال قورتير من الحزب وأصبح عضواً مؤسساً لحزب يساري ماركسي النزعة ـ الحزب الاشتراكي الاجتماعي والذي غير اسمه في عام 1918 إلى الحزب الشيوعي الهولندي. واستمر عضواً بهذا الحزب حتى عام 1920 حينما تسبب صدامه هذا في حدوث هوة واسعة يصعب ردمها بينه وبين لينين، وقد وجه لينين كراسته الفكرية المسماة (الراديكالية ومرض الطفولة اليساري) كانت هذه الكراسة موجهة بصورة رئيسية ضد قورتير. وسرعان ما استقال قورتير من عضوية الحزب الشيوعي في عام 1921. ومن بعد سنوات قليلة توفي هذا المبدع الهولندي في عام 1927 مخلفاً وراءه مخطوطة مطولة حول مشكلات الشعر, وقد نشرت هذه المخطوطة بعد موته وحملت عنوان (de grote dichters) (الشعراء العظماء) وعني بهم أسيخيليس، فيرجل، دانتي، شوسير، شكسبير، ميلتون، فوندل، جوتة، وشيليه، وتناول قورتير في مخطوطته هذه سيرة وإبداع كل شاعر على ضوء البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي عاش فيها. لقد عدّ قورتير أعظم شاعر بين أقرانه المعروفين ـ Tachtigers (شعراء حقبة الثمانينات من القرن التاسع عشر، أن أول عمل شعري له تلقى شهرة واسعة، هو الملحمة المعروفة باسم Mei (الصادرة في عام 1898) وعدت قمة الإبداع بين سائر الشعر الانطباعي (الاتجاه الشعري الغالب في تلك الفترة). احتوت الملحمة في البدء 4000 بيت شعر وبدأت بأشهر أبياتها الشعرية: (ربيع) وليد ورجع (جديد) وتحكي عن ميلاد الفتاة المسماة (Mei) وهي تجسيد للربيع تسود عند ولادتها البهجة والسرور وتخلب الطبيعة الهولندية الألباب أكثر من سحر التلال. ولكن سرعان ما يمضي كل جمال وسحر وتحل محلها شقيقتها المسماة (Juni)عقب حلول النهاية تصرخ الفتاة الراحلة قائلة: .. أشعر بدنوِّ الأجل آه ....هذا ما قدّر لي .. أليس الموت المحتوم هو مآل كل حيٍّ .. الرحيل ....رغبة في الفناء! .. عندما يرفرف الموت يصمت الناس ..... وترتعش أيديهم من الخشية! .. حيث يُوارى الجسد يشوش الردى أذهانهم .. الدوار الناشئ يخفف ثقلهم بما يضاهي زنة ريشة خرجت لتوها من حلبة الرقص .. يبطل السحر فتهوي ولا تنطرح مثلما انطرح جذع النخل الذي احترق .. الزهرة حمراء مثل خد طفل وسط النبت زهرة خشخاش إرتمت في هذه الهنيهة في نهاية المطاف بدت ذهبية اللون .. إذا رفعت الشمس أذيال ثوبها يا للتَّبدد والضياع .. حفرت قبراً كالإخدود .. تحل فيه الرطوبة والسبخ .. وسجّيْتها هناك .. فناحت مع الضحكات أو لعلها غاصت مع الصرخات هناك، ترقد تحت الرمال صغيرتي مَيْ الفتاة التي (جسّدت الربيع) أما الأشعار القصيرة والتي نظمها قورتير إبان نظم ملحمة (Mei )هذه الأشعار القصيرة جمعت في ديوان واحد حمل اسم (Verzen) (أشعار) الصادر في عام 1890 وكان هذا العمل الثاني الذي لقى ترحيباً واسعاً وزاد من شهرة الشاعر، ومن بين القصائد التي ضمها القصيدة المشهورة المسماة (Brandt) انهيار حياتي, ..انهيار حياتي عظيم .. تجربة العيش لن تكرر .. لن ترضى الناقة اليافعة .. لن يرضى الطفل الصغير .. لن ترضى الوردة ...لن ترضى السحابة ذات الخد الفضي والتي بكّرت في الظهور .. أترغب، رهبة الليل؟ .. أيقبل ذاك النجم الساطع؟ .. أترضى الزهرة الميّادة .. جبت العالم طولاً ...عرضاً لم أحصل على مبتغاي ألقيت اللوم على كاهلي هو همّ حرصت على تخفيفه لم تعبأ بي الحياة! هي الشمس وأنا المطر نحن الآن قوس قزح العالم واسع لا حدّ له غير أن حياتي تناثرت لقد كان قورتير رجلاً هاماً وشاعراً ومناضلاً اشتراكياً عرف على المستوى الدولي،و منظِّراً هاماً ولهذا كان فقده عظيماً حين رحل عن عالمنا في 1927، دفعت وفاته شاعراً هولندياً شاباً وهو,A. Roland Holst أن يكتب ما يلي: (منذ أن عرفت بأني لن أراه مرة أخرى كانت لهذه الحقيقة وقعاً مراً وقد أدركت أني فقدت جزءاً عزيزاً مني وإلى الأبد). 2 ـ شاعره هاديه 1 ـ 2هنريت رونالد هولست henriette Roland Holst 1952 - 1869 لم يكن قورتير الشاعر الوحيد في عصره الذي لعب دوراً رئيسياً في فصل السياسة فلعدة سنوات كان لديه مناصراً قوياً ألا وهو الأديبة هنرييت رونالد هولست والتي جرت حياتها على نحو موازي لحياة قورتير. ولدت الشاعرة في عام 1869 والتقت بـ قورتير في عام 1893 وتم لقاؤهما عبر الأديب فيروواي Verwey وقد نهضا معا بدراسة أفكار ماركس وانظما في نفس التاريخ لعضوية الحزب الاشتراكي. وقبل عام سابق كانت هـ رونالد هولست قد أصدرت أول ديوان شعر لها وكان اسمه Sonnetten en verzen in ter zinen geschreven ضمَّ سونتتين (قصيدة تتألف من 14 بيتاً) وقصائد نظمت على نهج التربيت (مجموعة من ثلاثة أبيات) وبصدور هذا الديوان تميزت هذه الشاعرة على نحو فوري عن سائر الشعراء الذين ظلوا يتبعون نهج الحركة الإبداعية في فترة الثمانينات من القرن التاسع عشر. حقاً كان تأثير فيروواي واضحاً في ديوانها الشعري كذلك يظهر من على بعد شاسع تأثير كل من دانتي وسبينوزا. غير أن أهمية العناصر المشتقة والمشتقات سرعان ما تضاءل عند مقارنتها بالأصالة الإبداعية لهذه الشاعرة. ويتضاعف هذا الابتكار الإبداعي في عهد كان فيه من المستحيل اعتبار قصيدة الشعر ناجحة إذا لم يكن الوزن الشعري (الإيقاع، الاتزان والتناغم) وعروضياتها متناسقة ومنظومة. وقد استخدمت أوزانا شعرية متميزة بتغييرات مفاجئة وعروضيات غير منتظمة. الأمر الذي يوضح رفضها لما عرف بالصوت العذب في القصيدة وهو ما دعا إليه كولوس Kloos وقورتير في شبابه. وكان شعرها يتطلب انتباهاً شديداً وتفكيراً مركزاً، وكذلك كان حدسياً (مدرك بالحدس والبديهة) وفاقت حدسيته هذه حدسية شعراء حقبة الثمانينات من القرن التاسع عشر. كانت أول مجموعة شعرية لهذه الشاعرة عبارة عن محاولات مستمرة لاكتشاف الذات، كانت بحثاً مستمراً عن الذات، وبموجب هذا كانت الأشعار شخصانية للغاية. مع هذا فإن المرء سوف يعثر ضمنها على نفس المثالية الداعية للأخوة بين الناس والحب العالمي مثلها مثل قورتير في المراحل اللاحقة من شعره ولكن قناعات هولست لم تكن مرتبطة بالفكر الاشتراكي بعد ومثلها مثل قورتير كانت ذاتية في الصميم وكذلك ماثلته إذ أرّق الانفراد ضمير كل منهما. أما الديوان الشعري الثاني لها فقد عرف باسم De nieuwe Geboort (الميلاد الجديد (الصادر في عام 1902 كان هذا المجلد الشعري الجديد قد صدر عقب أن أصبحت الشاعرة اشتراكية. ولهذا اتصف هذا المجلد الشعري بالحيرة بين الفردانية وقيم المجتمع الجديد. فقد خشيت الشاعرة أن لا تتمكن من الملائمة بين مختلف القيم هذه أضفت هذه الخشية سحنة تراجيدية على قصائد متعددة من هذا الديوان. تدريجياً أضحى شعرها اشتراكياً على نحو إيجابي في ديوانها الشعري التالي المسمى op waartsche wegen (الطريق العليا) والذي صدر في عام 1907. وبه وفيه احتفلت الشاعرة بانتصار الاشتراكية وتوقعت انتصارها في جميع أرجاء المعمورة. وفي نفس الوقت الذي كان فيه الصراع بين الراديكاليين والتحريضيين قد أدى إلى استقالة قورتير من الحزب الاشتراكي فإن هنرييت هولست على الرغم من اتفاقها مع مفهوم (قورتير) للإشتراكية إلا أنها لم تحذو حذوه على الفور. بل سمحت للولاء والإخلاص للحزب أن يعلو على الولاء لصديق ولمدة عامين دافعت الشاعرة عن الأرثوذوكسية الماركسية إزاء التحريفية واستمرت كذلك حتى عام 1911 حينما استقالت من عضوية الحزب الاشتراكي. ولم تنضم إلى عضوية حزب (قورتير) الديموقراطي الاشتراكي وعزفت عن العمل السياسي لسنوات عديدة. ومن بعد في عام 1915 أنشئ الحزب الاشتراكي الثوري والذي اتحد بعد عام مع الحزب الديموقراطي الاشتراكي. وفي الديوان الشعري الثالث والمعروف بـ De Vrouw in het woud (المرأة داخل الغابة) والذي صدر في عام 1912. وصفت فيه أحوال العزلة التي أعقبت تخليها عن عضوية الحزب الاشتراكي. ومثلها مثل دانتي وجدت نفسها تائهة في غابة و لم يأت حادب أو مرشد لإنقاذها: إذ وجب أن تكون هي المرشدة لذاتها. وضاعت الحماسة الزائدة التي تميز بها ديوانها الثاني (الطريق العليا) وحلت محلها أحاسيس الخيبة وانعدام الثقة. ولم يكن الصراع هذه المرة صراعاً بين الانفرادية الموروثة والموجودة داخل النفس وقيم بناء المجتمع الإنساني. إنما كان صراعاً بين الحلم والواقع. أي أنه كان صراعاً بين الشق الفكري والإبداعي والشق العملي أي الواقعي من شخصية الشاعرة. ولقد حارت الشاعرة عند الاختيار فيما بين حلم إقامة دولة اشتراكية تسودها المساواة والعدالة الاجتماعية وبين الجهد القاسي (الثورة) والذي بدونه لا تبنى تلك الدولة المنشودة. لقد استحالت عليها الملاءمة بين الحلم والواقع العملي إذ قالت في هذا الشأن: ( لأن كلاً من الحلم والعمل لا يرغبان في العيش سوياً.. (أي أن يجتمعا في مكان واحد) وشيئاً فشيئاً أضحت تؤرقها فكرة الثورة والعوامل التي تبرر القيام بها: ترى هل يبرر الهدف النبيل الثورة وكل تلك الشرور (المآسي التي تسببها)؟ وتوجد أحيان كثيرة مالت الشاعرة فيها لإعطاء رد بالإيجاب على ذاك التساؤل: إذ أنها كتبت في هذا الشأن: (ومهما تطلب الأمر التضحية بالآلاف المؤلفة من القلوب، يبقى الثمن زهيداً لقاء سعادة البشرية جمعاء. على الرغم من أنه يوجع لآلاف المرات آلاف القلوب..) تدريجياً تحولت الشاعرة بعيداً عن فكرة الثورة وهكذا في ديوانها الرابع المسمى (verzonken Grenzen) (الحدود الغرقى)، والذي صدر في عام 1918 في ذاك الديوان الشعري صرّحت بالقول (.. في نهاية الأمر لابد لقوى الاعتدال أن تنتصر). وفي عام 1923 في ديوان شعرها الثاني المسمى (بين عالمين)tussen twee werelden خطت خطوة بعيده باتجاه رفض مبدأ الثورة إذ رفضتها كالمرض الخبيث، ورأت فيها أزمة حياة وموت تقبض بجسد المجتمع، وإبان مؤتمر الأممية الثالثة والذي انعقد بموسكو عام 1921 كانت الشاعرة من ضمن مندوبي الحزب الشيوعي الهولندي غير أن ذلك المؤتمر الأممي بدد كل وهم كان عالقاً بذهنها فيما يتعلق بأمر الثورة.. ومثلها مثل قورتير قبل عام سابق، عادت من روسيا البلشفية وقد تحطمت كل آمالها وتبلورت ظنونها فيما يتعلق بأمر الثورة في قصائدها الملحمية والتاريخية المسماة helden sage (القصص الزاخرة بالأعمال البطولية) والتي نشرت في عام 1927. وقد احتوت القصائد من جهة على تمجيد الثورة الروسية ومن جهة أخرى تضمنت مهاجمة ما تمخضت عنه على أرض الواقع (الحكم السوفياتي) وفي نفس العام الذي شهد وفاة (قورتير) استقالت الشاعرة من الحزب الشيوعي وأصدرت ديواناً شعرياً جديداً بعنوان Verworvenheden (الإنجازات) وفيه نبذت الماركسية واختارت عوضاً عنها اشتراكية دينية، وهو ديوان شعري عجّ بمراجعة النفس وأبدت الشاعرة أسفها لأنها دعت في يوم ما إلى العنف. وأضحت قناعتها بأن القسر لن يفلح أبداً وتلخيصاً لتجربتها في الحياة لاحظت الشاعرة أن القليل قد تحقق مما عمرت به خطط وطموحات وآمال السنوات الماضية. ولم يكن الديوان الشعري المسمى (انجازات) آخر مؤلف تصدره إذ أنها استمرت في التأليف والنشر حتى زمن قريب لوفاتها عام 1952 غير أن ذاك الديوان الشعري كان آخر إجابة أعطتها للأسئلة والإشكاليات التي طرحتها في أعمالها الأدبية الباكرة. ومن بعد أصدرت دراميات نثرية مثل تلك التي حكت سيرة توماس مور والسيرة الذاتية لدوق لكسمبورغ وسير رومين رولاند وغاندي. كانت المكانة الأدبية للشاعرة رفيعة للغاية وكان تأثيرها بالغا على الحياة الثقافية الهولندية ولمدة طويلة كانت معبودة السواد الأعظم من المواطنين الذين كانوا من أنصار الأفكار الاشتراكية. وعندما خفت حدة الخلاف بين ما هو اشتراكي وغير اشتراكي أضحت الشاعرة شخصية قومية مبجلة حتى من قبل الناس الذين لم يطلعوا على سطر واحد من أشعارها. وكانت أعمالها الأدبية عبارة عن تعليقات متلاحقة حول أحداث حياتها وأوضحت هذه الأعمال جميع أفكارها، آمالها ورغباتها وحتى خيبة أمالها وأوهامها، كل هذه قد انعكست جميعها في الأعمال الشعرية والإبداعية الأخرى. و لم يكن أحد من الشعراء حاضراً في طيات إبداعه الأدبي مثلما كانت الشاعرة حاضرة. وكذلك لم يكن هنالك إجماع حول الجودة الإبداعية لشعرها، ففي حين أبدى نقاد كثيرون إعجابهم البالغ بشعرها اعتبر آخرون أنها مارست حرية زائدة فيما يتعلق بالإيقاع والأوزان والعروضيات، وأعتقد بأن تلك الحرية التي مارستها لا تجوز وأنها فوضى وتخبط . وانطلاقاً من وجهة نظر الشعر وحده وبعيداً عن تأثيرات السياسة فإن أهم ما يميز أعمالها الأدبية هي أنها تمثل قطيعة تامة مع التقاليد الأدبية لحقبة الثمانينات من القرن التاسع عشر. وحينما تلقي نظرة إلى الوراء انطلاقاً من أشعارها على سائر الأعمال الشعرية لتلك الفترة، فإن فكرة (الفن من أجل الفن) تبدو فجأة بعيدة للغاية حقاً. من بين أشعارها، مختارات من الشعر الهولندي الفلامنشي واخترت هنا ثلاث قصائد للشاعرة هنرييت رونالد هولست (العزلة التي عثرت عليها، لن يعكر صفوها أحد) .. الناس أسرى الظنون، .. طلعة كل إله لا تشبه الدهر .. ترى ما الذي لا يعتريه التحول أبداً، .. ما الذي مآله لامحالة إلى العدم، .. يعتريني القلق من الهلع والوساوس .. إلا أن لهمس الدهر صوتاً مجلجلاً .. لايساور قلبي الخوف من فقدان شيء ما .. تعودت على تلبد السحب .. أستطيع رؤية ما يبدو خلال غيمة .. ولدت بطبيعة صلبة .. تنطلق من تلقاء نفسها .. تغوص في لب الأمور .. غير أن كثيراً من السدود تقف في وجهي .. مبتغاي خبأته وسط كل متعاظم وكثيف .. غير أن الغطاء سرعان ما يتجلى .. كما تسفر الظلمة .. أتبين أن الحب مبدأ الوجود وهنالك القصيدة الثانية التي ختمت مختارات الشعر الهولندي الفلمنشي للفترة 1880 ـ 1916: مع الدهر (ما يحدثه الزمن من تغيير) .. ألا يزال في مرآتنا ما أفسده الدهر .. العوالم السالفة بهتت ألوانها .. تنطبق شفاهنا قبل تجدد التحايا . في قلوبنا عناد آخر والشوق يتفاقم .. إلى حلم قديم خسرناه .. وصوب الجديد تتبرعم زهرة العشب البحري .. نجبر على الرحيل من تعاقب السنين العجاف .. هذا التيه بعينه .. كل ما فينا يتزحزح تلقاء نفسه .. كأنما فيضان يغمر الطريق .. يقضي المرء نحبه .. سفينة قذفت به بعيداً .. في بحار غريبة .. يولد وسط أعشابها .. ينتظر ولوج مجرّة .. صخرة كأْداء تعترض سبيله .. سبقتُ هذا المكان .. وحيال جهده.. الذي كلف به .. يطّلع على حماقات صباه .. جميلاً مع كل إشارة نبيلة .. مكللاً شعره بعبق الزهر .. الرذاذ يتلألأ بالأضواء .. المكان زيَّن لإقامة حفل .. غير أن كل جهد بذل سابقاً .. حطم أحلامه .. القلب لم يعد ميالاً .. كان يأمل في نَيْل السعادة .. أيها الرفاق لسنا مثلكم مطبوعين على طي الأميال .. هو ذا فراق الأرض التي تعمر بالهذيان .. في حوزتنا صخب الأيام .. حصدناه مثلما تزهرُ شجرة كنا الجمال .. لم يعد ٌُ في القلوب ُطهرٌ .. ولا مسرّة في العالم الدهر منشغل .. لم تبلغ أصواته مسامعنا .. رحل إلى الأعالي .. في أغوار أعماقنا طنين, .. عسى أوزتنا تغرّدُ .. لعل في الغناء نبتأ جديدا .. من تردد الشفاه .. تتهاوى أناشيد رغباتنا. وأخيراً هذا نموذج شعري ثالث للشاعرة الهولندية هنرييت رونالد هولست، كثيرا ما أورد كدليل على سمو شاعريتها: (صمت الطبيعة) .. كم لصمت الكون من معانٍ .. مليء بإنقطاعات .. في إبحاره وأحاسيسه التي تنساب ببطء .. حتى ترنّ داخل قلوبنا نغمة مضيئة .. ينطلي لونها على الشعر .. عندما نعاود التفكير .. في ما يضمه الكون من أشياء وكائنات .. أنماط سبق أن منحناها فعالية .. تشابهت التوابل في أنظارنا .. وهدوؤنا هو صانع الحب .. الآن يوجد الكثير من الصخب .. الذي لا يسمع إطلاقاً .. ويصعب الإنتباه إليه .. يماثل حالنا الطفل الذي لم تكن له أم .. الزمن يلقن الناس درساً .. من حسن الحظّ يوجد تحت الغطاء وئام .. وإلى جانب ذلك تطفو دماء..... وحمى في أرجاء المدن 3 ـ ألبرت فيروواي Albert Verwey الأديب المجدد: 1 ـ 3 الريادة الفكرية: كان من بين المحررين المؤسسين لمجلة (De nieuwe gids) (المرشد الجديد، ألبرت فيروواي، وكان هذا المبدع قد أدار ظهره أيضاً للأفكار السائدة في الثمانينات من القرن التاسع عشر. واستقال من فريق تحرير المطبوعة في عام 1890 وذلك عقب خلاف مع Kloos ومنذ ذلك الوقت أضحى معارضاً أكثر فأكثر لتلك الفردانية المبالغ فيها والتي كانت الحركة الأدبية الباكرة تدعو إليها. وهكذا أضحت إسهاماته لمطبوعة (المرشد الجديد) تقل وتتباعد بين كل إسهام وآخر. ومن بعد عام 1893 بعث بالعديد من أشعاره إلى الصحيفة الفلامنكية van nu en straks (الآن ومن بعد) التي كانت معتدلة في الترويج للانفرادية مقارنة بحال صحيفة (المرشد الجديد) ولما كان فيروواي رائداً وليس بمساهم فقط, فقد أنشأ في عام 1899 صحيفة جديدة سماها Twee maandelyssch tydschrift أي (المجلة التي تصدر كل شهرين مرة واحدة) وكان فيروواي في أمس الحاجة لهذه المطبوعة كما أوضح في رسالته للطابعين وكانت حاجته تماثل حاجة الواعظ الديني إلى المنبر) وشاركه في تحرير هذه المجلة أديب آخر وهو (Lodewyk van deyssel) لودفيج فان ديس يل، ولم تكن الشراكة بين فيروواي وفان داي سيل موفقة. وكان هذا ما لاحظه فان داي سيل منذ البداية، وبعد إصدار العدد الأول من تلك المطبوعة كتب فان دي سيل إلى فيروواي (ينعدم لدي الشعور بأن مساهمتي في هذه المجلة يماثل إسهام رائد ناشط لحركة فكرية، إنما هي من نوع مساهمة مدير معهد دراسي أو مطبوعة ما(، ومن ناحية أخرى فإن فيروواي كان يشعر على الدوام أن من واجبه توفير الريادة وكلما ازدادت ثقته في مقدراته هذه زادت ريادته(تزعمه للحركة الأدبية) متعة ووجد فيروواي وهو الطامح إلى إضفاء طابع دولي لمطبوعته، المطبوعة الألمانية Blatter fur die kunst ملائمة لمزاجه وطبيعته واحتياجاته، وعثر فيها على أعمال stefan george استيفان جورج، ففي عام 1895 استعرض العملين الأدبيين لجورج الذي عرف أحدهما بـ Algabal وعرف الآخر بـ Pilgerfahrten وقد أدى استعراض هذين العملين الإبداعيين إلى التقاء فيروواي وجورج ونشأت بينهما صداقة امتدت إلى أعوام طويلة. وأيضاً تعاون الأديبان في مجال الإبداع إذ بدأ كل منهما في ترجمة الأعمال الأدبية العائده للآخر، وكان أول ثمرة لتعاونهما وصداقتهما ترجمات جورج لأشعار هولندية: أشعار وولسن، فيروواي وقورتير، وكانت ثمرة صداقتهما قد نضجت في عام 1896 ونشرت في مطبوعة Blatter Fur de kunst وكذلك عكست الأشعار التي نظمها كل من فيروواي وجورج في نهاية حقبة التسعينات من القرن التاسع عشر دلالات واضحة على العلاقة الراسخة والوثيقة التي جمعت بين هذين المبدعين. وهكذا فإن العمل الإبداعي لجورج المسمى Das Jahr der steele والصادر في عام 1897 عكس رابطة تجمع بينه وبين الديوان الشعري لفيروواي المسمى Aarde (أي الأرض) الصادر في عام 1896 فثمة رابطة حميمة بين العمل الإبداعي الآخر لجورج والي عرف بـ (Algabal)وذلك العائد لفيروواي والذي عرب بـ de nieuwe tuin (الحديٌقة الجديدة) ونشر في عام 1889 لقد عبر جورج عن تواصل فيروواي بأعضاء الدائرة الاجتماعية الثقافية لجورج مثل فيدريك جون دولف، كارل ولفس كهيل، لودفيغ كال كيس، وفيدريك فالترز.؟ في بداية القرن العشرين وجدت روابط قوية بين الأديبين الألماني والهولندي. وقد كان الرابط بين جورج و فيروواي هو إدراكهما لدور الشاعر، وكان كل منهما قد ثمن كثيراً دوره في المجتمع. وكذلك جمع بينهما إيمان برسالة الشعر. وعلى الرغم من هذا كانت هنالك الخلافات بينهما، فمقابل عبادة جورج لذاته عبد فيروواي الحقيقة. وعليه قضى خلافهما هذا على أول خطة لهما لكتابة مؤلف مشترك حول الفن في كل من ألمانيا وهولندا. ارتطمت خطتهما هذه بخلافاتهما، استمر فيروواي لبعض الوقت في الدفاع عن مبدأ الطبيعية (Naturalism) وهو المبدأ الفكري الذي نشأ عليه. وهذا ما كان يردده على الدوام، وفي المقابل كان الرفض التام من قبل جورج لهذا المبدأ الفكري ولسنوات طويلة كان هنالك التفاهم المبدئي بينهما فيما يتعلق بوجود خلافات فكرية، استمرا في التعاون وبذلا جهوداً إبداعية مشتركة على الرغم من بعد الثقة الفكرية بينهما، وفي عام 1903 نشر جورج وجون وولف مجلداً حوى أشعاراً مترجمة لفيروواي، ورد فيروواي جميلهما بترجمة أعمال شعرية لجورج وشعراء ألمان آخرين منهم جون دولف، وولفس وهوف مانرت هال. ومن بعد اصبح الخلاف حاداً وأضحى هنالك تمايزاً واضحاً بين فيروواي (الواقعي) وجورج الحالم، ولقد تأسف فيروواي على الميل المتزايد لدى جورج نحو نظم الشعر المعد لفئة قليلة أو المفهوم من قبلها وحدها، وقد شعر فيروواي بالأسف خاصة بعد نشر عملين أدبيين لجورج أحدهما ذاك المسمى Der siebente ring الصادر في عام 1907 والآخر المسمى Der stern des bundes الصادر عام 1914، وحينما اندلعت الحرب العالمية الأولى كانت العلاقة بين جورج وفيروواي قد أضحت سيئة للغاية، لقد تباعد فروواي عن جورج نتيجة محاولة هذا الأديب الألماني والأديب الآخر وولفس كيهل تبرير موقف ألمانيا، ورفض فيروواي للشوفينية الألمانية الذي اعتبره جورج ولفس كيهل رفضاً لصداقتهما معه. في عام 1929 سرد فيدريك والتزر تفاصيل العلاقة التي ربطت بين جورج وفيروواي في مؤلفه stefan george und die blatter fur de kunst . وقد رد فيروواي على ما ورد فيه من تفاصيل في مؤلفه: Myn verhouding tot stefan George (علاقتي بستيفان جورج(، والذي يجب أن يقرأ إذا ما أريد تصحيح ما أورده والترز حول الصداقة المشتركة للشاعرين. في ذات الفترة حوّل فيروواي صحيفتهTweemaadndelykse tydschrift إلى مطبوعة شهرية أطلق عليها اسم twintigste Eeuw (القرن العشرون) في عام 1905 اتسعت شقة الخلاف بينه وبين فان دابيسل، وفي نفس العام أصدر فيروواي مجلة جديدة سماها De beweging (الحركة) والتي كان محررها الوحيد، بالرغم من أن اسم المجلة يشير على نحو مباشر إلى الحركة الأدبية في حقبة الثمانينات من القرن التاسع عشر إلا أن مجلة (الحركة) كانت في واقع الأمر ردّة فعل قوية على جزء من تراث حقبة الثمانينات من القرن التاسع عشر , وقد عارضت (المذهب الطبيعي) و (الإحساسية) ورفضت ما سمي بـ (فن الكلمات) وحبذت عوضاً عنه (فن الفكر) وكذلك حبذت الشعر الفلسفي عوضاً عن الشعر الإحساسي (الحسي) وهو النوع السائد من الشعر إبان تلك الفترة المتأخرة من القرن التاسع عشر. وكذلك عارضت المجلة الانفرادية الفردية , وتحولت على نحو تدريجي إلى الدفاع عن التقليدية (التمسك بشدة بالتقاليد خاصة في المسائل الشعرية). ففي خلال العامين 1911 و 1912 دعا شاعران انتميا إلى نفس المجموعة التي التّفت حول مجلة (De beweging) وهما الشاعران J.c.Bloem Geerten Gosaert، دعيا إلى العودة إلى البلاغة أي السبل التقليدية للخيال الشعري ,وكان فيروواي قد جهر بالقول عالياً داعياً للالتزام بها. وفي مقالة كتبها فيروواي في عام 1913 حملت عنوان: De richting van de Hedendaagsche poezie (اتجاهات الشعر المعاصر) وفيها حبّذ بشديد من الحذر المطالبة بالعودة إلى التقاليد مع الاستمرارية وأوضح قناعته بأن الإبداع والخلق ينطلقان من الذات بدون أن يستوعب المرء شيئاً من المجتمع، وأشار إلى أن مثل هذا الإبداع يبقى رائعاً إلا أنه يعد خطيراً. إلا أن عنصر البلاغة لم يلق ترحيباً واسعاً، وكان Bloem قد سمى هذا العنصر (البلاغة الملهمة). لقي هذا المعنى معارضة واسعة وبالتالي لم يصبح اتجاهاً رئيسياً للشعر فقد عارضه منذ البداية شعراء سبق وان نشروا إنتاجهم الشعري في مجلة (De beweging) ومن بين هؤلاء الشعراء المعارضين Aart van der leeuw و P.N.Van Eyck وعلى الرغم من الرفض فإن الدعوة كانت ردة فعل طبيعية وقعت في مطلع القرن العشرين حيال الفردية التي سادت في فترة الثمانينات من القرن التاسع عشر، وكذلك كانت هنالك معارضة الاشتراكيين المعادين للفردانية مثل Harman groter و H.R.Holst فلم يساند هذان الأديبان (اللذان تناولنا مسيرتهما وشاعريتهما منذ البداية) لم يساندا نلك المجله بما فيه الكفاية، وعوضاً عن ذلك كانا ينشران في مجلة De nieuwe tijd (العصر الحديث) وهي مجلة اشتراكية صدرت في عام 1898 وفيما يتعلق بشعر فيروواي فإن هذا الشاعر قد نما من شاب عاشق للجمال أو كما قال كلوس Kloos بخبث (مؤمن بمذهب كالفين (البروتستانتية) غشته نوبة حمى الجمال وتحول إلى شاعر متفلسف ووسع علاقته بالجمال إلى علاقة (بالكل)كذلك تحول إلى شاعر أخذ على عاتقه مهمة التعبير عن الوحدة بين الشاعر و (الوجود) هكذا في المقدمة لديوانه الشعري الذي أصدره في عام 1912 وهو المجلد الذي حمل عنوان verzamelde Gedichten (مجموعة أشعار) ففي تلك المقدمة صاغ ما أشار إليه (بجوهر الشعر) وعرّفه بأنه الخيال الخلاق (المبدع). 3 J.H. Leopold الشاعرية الفذة والإنسانية المتواضعة! ولا يدخل على نحو فوري في القصائد ولكنه يشكل الإحساس الطبيعي للإنسان وهو الإحساس الممتزج بالحياة ذاتها. وفي جميع مؤلفاته اللاحقة ,ومن أهمها Het zichtbaar geheim 0(السر المفضوح)والتي من أهمها De Weg van het licht (طريق الضياء) و De Getilde last (التبعات الملقاة على العاتق) و Figuren van de sar kotaag (شخصيات للتابوت الحجري) وقد صدرت هذه المؤلفات خلال الفترة ما بين عام 1915 ـ 1930 ومن خلالها حاول التعبير عن ما أسماه بالفكرة ـ وهي (القوة الدافعة إلى الأمام) والتي تشكل جوهر الحياة ـ ولاتبدو واضحة إلا إذا اتخذت شكلاً معيناً. وهذا الشكل هو ما اعتقد Simon vestdyk أنه مرتبط بعناصر وحدة الوجود (المذهب القائل أن الكون مادي والإنسان ليس إلا مظاهر للذات الإلهية) وتشمل هذه العناصر: المطلق، الإرادة واللاوعي، وقد أدى انشغال هؤلاء الشعراء النظري بـ (الفكرة) إلى بروز وترشيد أقوى اتجاه فكري وفلسفي في الشعر الهولندي. ولم يكن هذا من قبيل الصدفة إذ أن فيروواي كان يحس برابطة قوية تجمعه بـ مبدع آخر هو ) everhardus johannes potgiete وعدَّ فيروواي هذا المبدع بمثابة مثله الأعلى للحلم والانضباط اللذين يميزان الخيال الشعري ووضوح الفكر. ففي عام 1903 كتب فيروواي (حياة بودت خيتر) وكانت دراسة أظهرت تقديراً عميقاً لحياة ذلك المبدع وإنتاجه، وأوضحت عبر أسلوبها الوشائج التي جمعت بين (بودت خيتر) وفيروواي. ورغم أنه كان شاعراً ذا أهمية فائقة فإن فيروواي مثله مثل بودت خيتر ملك أثراً قوياً كناقد أدبي. وفي مقالاته النقدية التي جمعت في عشرة مجلدات عرفت باسم proza)) (النثر) كانت معاييره المطلقة لتقييم أي عمل أدبي تشمل: المحتوى الثقافي والقيم الأخلاقية، الإبداع الأدبي والخلفية الفلسفية للعمل الأدبي والعبر المستقاة منه، أي أنه كان يستخدم معايير فكرية وأخلاقية وليست جمالية لتقييم أي عمل أدبي وعليه فإن فيروواي يضع نصب عينيه المحتوى الفكري والطابع الفلسفي والعبر الأخلاقية وقد اصبح نقيضاً للمتعاون معه بصورة وثيقة لودفيغ فان داييسيل والذي كان يقتصر على نحو مطلق على المداخل الجمالية للأدب والشعر. وكان فيروواي باحثاً في تاريخ الأدب وكان أول من أعاد اكتشاف العمل الإبداعي ((Jan Van der Noot)) وهو عمل أدبي اندثر أثره بعد مرور ثلاثة قرون مضت وإلى جانب دراسته حول(van der Noot)أصدر كتباً حول (Hendrick spiegel) وكتاباً آخر حول القوافي (السجع والتقفية) والقياس (Ritme en metron) كذلك أصدر مؤلفاً ثالثاً عن شعر فوندل (Vondel). وفي عام 1924 عين أستاذاً للأدب الهولندي، وتوفي في عام 1937 حين كان يعمل في تأليف كتاب آخر حول (Vondel). 1 ـ 4 الإلحاح على الفردية (الذاتيانية):: في العهد الذي كان فيه البرت فيروواي وهنرييت رونالد هولست وهيرمان قورتير وأدباء آخرون قد ثاروا بقوة على مبادئ الحركة الأدبية في الثمانينات من القرن التاسع عشر، وحينما كانوا يحاولون على مستوى النظرية والممارسة دفع الأدب في اتجاه جديد، كان هنالك الشعراء والكتاب الذين استمروا في نهج الحركة الأدبية السالفة (مدرسة الثمانينات من القرن التاسع عشر) وقد تمثل هذا الاتجاه بوضوح بواسطة (J.H.Leopold) و ((P.C.Boutens)) في هولندا وبواسطة ((Karel Van De Woestijn)) في بلجيكا. ولد جان هندريك ليوبولد في عام 1865 ودرس الكلاسيكيات بليدن وعمل بمدرسة إعداديه بروتردام حتى تاريخ وفاته في عام 1925 وبالمقارنة مع شعراء حقبة الثمانينات من القرن التاسع عشر والذين بدأوا في نشر إنتاجهم وهم لا يزالون يافعين (السنوات المتأخرة من الصبى والباكرة من الشباب) فإن ليوبولد درس بهمة على نحو متأخر، وقد نشرت أولى قصائده في (Nieuwe Gids) (المرشد الجديد) في عام 1893. وفي نفس العدد من المطبوعة نشرت القصائد الأولى لهنرييت رونالد هولست، وكانت مساهمته المتأخرة نسبياً مؤشراً للتحفظ والتواضع والخجل الذين يشكلون طابع شخصية ليوبولد. فقد كان رجلاً يحبذ العزلة ولديه ميل عفوي للانزواء بعيداً وقد تدعم هذا الميل لديه بواسطة فقدانه المتدرج للسمع وكذلك بدت حياته ظاهرياً رتيبة للغاية مثلها مثل حياة (Stephane Mallaume) الشاعر الفرنسي من أدباء حركة الرمزيه (Symbolisme) والذي جمعته به هموم مشتركة. ولعل ليوبولد هو اكثر وأنقى الشعراء الهولنديين رمزية. ودلت معالجته للمجازات والاستعارات على الابتكار والإبداع في مجال الشعر. وكذلك يدل الطابع المثير للذكريات والعواطف لشعره على وجود علاقة وثيقة بين شعر ليوبولد وشعر (Mallarme) ومع هذا فإذا كان هناك شاعر متفرد ومستقل بذاته، فإن ذلك الشاعر هو ليوبولد، وقد لا يتعسر العثور على تأثير ما لقورتير غير انه يبقى من شبه المستحيل الخلط بين قصيدة لليوبولد وقصيدة أخرى لقورتير أو بين قصيدة أخرى لشاعر من بين معاصريه، وتنعدم إمكانية الخلط بين شعر ليوبولد وشعر الآخرين نتيجة لأن قصيدة لليوبولد يمكن التعرف عليها فوراً بنعومة الوقع النغمي (النغمات) وخفة الرنين بالمقارنة مع ارتفاع صوت الأبواق المنبعث من أشعار قورتير. وفي عام 1912 حينما أطلع الشاعر (Boutens) على المجلد الأول لأشعار ليوبولد المعروف بـ (Verzen) )أشعار( اطلع على المجلد وهو تحت الطبع ـ كتب على الرغم من معارضته لاتجاهات ليوبولد الشعرية، كتب ذاك الشاعر مقدمة قصيرة وصف فيها الأسلوب والأداء الخافت في شعر ليوبولد ووصفهما بأنهما استغراق في التفكير والشاعرية يسمع بوضوح على الرغم من الاستغراق الذي يقارب الصمت وعلى عكس الألوان الزرقاء الذهبية التي دأب قورتير على التواجد وسطها فإن أشعار ليوبولد توجد في عالم ألوانه رمادية، نصفها ظلال ونصفها الآخر شعاع من انبلاج الفجر). على النحو الذي ضمّنه قصيدته التي نظمها بمناسبة 5 ديسمبر والمسماة(Voor 5 December) وحتى حينما نظم شعراً حول جمال وروعة حديقة للزهر كما فعل في مجلده ((Albumblad 1)) (صفحة من صفحات ألبوم ) (ألبوم بمعنى مختارات أدبية وشعرية), يبدو كأن ليوبولد قد صنع رقائق ملونة خلطت ألوانها على نحو يخلق مختلف أطياف اللون الرمادي. في حين أن أكثر شعر قورتير كان قد نظم بتدفق وفي حالات من النشوة وتزاحم المشاعر ,فإن المزاج السائد في شعر ليوبولد هو ذاك الذي يسوده الإحساس بالضياع والرهبة. ومثله مثل قورتير وفيروواي كان ليوبولد منجذباً بقوة إلى فلسفة سيبنوزا وكان الاعتقاد بأن وجود علاقات أو روابط فيما بين الأشياء وأن الإنسان يعد جزءاً من الطبيعة والكون. وكان لديهم الاعتقاد ان هذا الإدراك يساعد في إيجاد الحلول لمشكلات الفرد والمجتمع، وفي قصيدة تعد من أهم وأكبر إنتاجه الشعري والتي نشرت في عام 1910 وحملت عنوان (Oinou Hena Stalagman) (قطرة واحدة من النبيذ) في تلك القصيدة وصف ليوبولد عبر صور تفصيلية كيف أن شأن قطرة واحدة من النبيذ هو شأن كافة مياه المحيطات. وكذلك أوضح أن قطع تفاحة واحدة قد يؤثر على توازن الكون بمجمله، وعلى هذا النحو فإن تفكير الفرد منا يأثر على كل الأرواح التي تبدو متفرقة (كل منها له شأنه الخاص) وبدوره فإن فكر الفرد يتأثر بفكر كافة هذه الأرواح، وفي نفس الوقت فإنها كانت في واقع الامر قصيدة فيما يتعلق بالشعر ذاته: إذا صورت الأدوار الإبداعية والفكرية للشاعر. وبعد أربعة أعوام عاد ليوبولد إلى نفس الموضوعات في قصيدة مطولة حملت عنوان (Cheops) (اسم فرعون مصري)، واعتبرت هذه القصيدة من أكثر إنتاجه الشعري تعقيداً واستعصت على الفهم. وقد أدى هذا إلى اختلاف وجهات نظر النقاد حولها. ولعل الأمر الوحيد الذي اجمع عليه النقاد هو أن ليوبولد قد جسد وحدانيته وعزلته في شخص الفرعون المصري وصور رحلة الفرعون عبر وجوده في الحياة الآخرة وهي الرحلة التي تجيء عقب الموت وقد صور ليوبولد الفرعون ضمن هؤلاء الذين انضموا إلى مسيرة (من نهضوا عقب أن تطهروا من الخطايا والذنوب، نهضوا من رقدة الموت. ويشكل هؤلاء البسطاء اللذين كانوا لابد لهم من الخضوع لفرعون(الذي كان طاغية لا يعصى له أمر) والخنوع لأوامره ومتطلباته. وقد أضحى هؤلاء الذين نهضوا من رقدة الموت عقب الغفران مجتمع الفرعون, ولكن يوجد قيد إذ كان يجب على الفرعون التحكم في إرادته وتطويعها. وفي الجزء الثاني من القصيدة يبتعد عن سائر الموتى ويعود إلى وحدته داخل الأهرام وداخل تابوته الحجري حيث يبقى أسيراً لأطياف الماضي، واختلفت وجهات نظر النقاد حول مغزى القصيدة: فهناك نقاد اعتبروا القصيدة تجسيداً لإبداع الشاعر واعتقد نقاد آخرون أنها دليل على عثور ليوبولد في نهاية المطاف على عزلة الإنسان الفرد. ويعد هذا الرأي الأخير أكثر إقناعاً خاصة وان ليوبولد قد أضحى مهتماً للغاية بأمر العزلة في أعماله الشعرية اللاحقة. وخير مثال لهذا التطور يوجد في تبني ليوبولد لرباعيات عمر الخيام والتي تعرف عليها في عام 1903 بعد ان ترجمها E.H.Whinfieled)) 2 ـ 4: الترجمات الشعرية لليوبولد: عنت إعادة اكتشاف الرباعيات الأمر الكثير لليوبولد فقد تعرف على نفسه في طيات الفلسفة الحياتية لعمر الخيام في قدريته (إيمانه بالقدر) وفي هوسه بعشق الحياة وكذلك في اللحظات العابرة مابين الشعور بالمرارة لدى الخيام ولحظات غضبه وثورته. وفي أول مجموعة للرباعيات أصدرها ليوبولد تحت عنوان (Oostersch1) (الشرقيات) الجزء الأول كان المنحى منصباً بصورة رئيسه على دقة حجم (ضآلة شأن) الوجود الإنساني. .. يبقى العالم دائماً وأبداً .. في حين لا يطول الأمد على أي ذكرى لي .. تنقضي القدرة على الإدراك .. لم يفتقدني أحد قبل أن أجيء إلى هذا الوجود .. وعلى هذا النحو يمسي الأمر بعد رحيلي .. ولا يختلف تعرف ليوبولد على ذاته في عمر الخيام، ولعله ليس من شك في أن تكون هنالك روابط وثيقة وطبيعية بين الشاعرين. وقد سبق أن كانت الصلة الوثيقة بين الخيام وإدوارد فيتزجرالد والذي عرّف ليوبولد بالخيام عبر ترجماته. ومن جانب آخر فإن الرباعيات على النحو الإبداعي الذي نظمه ليوبولد تعد اكثر من افتتان صادق بشاعر الرباعيات، وعموماً كلما ركز الدارس لشعر ليوبولد أكثر يسهل عليه إدراك ذاك الشاعر الهولندي. وفي الترجمات اللاحقة لشعر عمر الخيام وشعراء كثيرين من بلاد فارس وهي ترجمات عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى الهولندية، وكان في هذه الترجمات يركز( ليوبولد) على المرارة وتفاهة العيش والنأي عن إقامة صلات بالناس ..إن معرفة البشر .. والاقتراب النسبي .. منهم .. كلاهما داء محتوم وعذاب دائم.. كانت ترجمات ليوبولد قصائد جديدة ومبتكرة وهي في الوقت ذاته ترجمات من الشعر الفارسي. لقد كانت قصائد مبتكرة نظمت بدوافع فارسية وكانت فارسية من حيث شكل الأستانيت ـ المقاطع الشعرية وكذلك وصفها الشاعر والناقد (T.Weeversi) وعلى الرغم من أن الرباعيات المترجمة إلى اللغة الهولندية لم تلق رواجاً واسعاً مثلما لقيت التراجم باللغة الإنجليزية عقب قيام فيتزجرالد بنشرها في عام 1859، وعلى الرغم من عدم رواج الترجمات الهولندية هناك عديد من الشعراء الهولنديين الذين حذوا حذو ليوبولد. إلا أنه ما من ترجمة يمكن ان تعلو على ترجمات ليوبولد. ولم يقدر شاعر واحد منهم على إظهار موهبة ومقدرة مثل تلك الموهبة الشعرية لليوبولد والتي بانت في ترجمته للرباعيات ولم ينجح أحدٌ منهم في أن يضفي على ترجمته طابع الشعر المبتكر. ولتوضيح أبعاد شاعرية ليوبولد نورد نماذج من شعره شكاية! .. كم من الوساوس في رأسي .. أْثقلت كاهلي .. أطْبقت فمي وسرَقتْني .. وقفت في الأقاصي .. توجت رغباتي ذلك ما يسكنني حقاً .. لن أفكر بالتوحش وهذا الوجه الحيواني .. تحطم كل ما هو حميمي .. حيث فتية حالمون قد صدّعوا أو هزموا .. الحياة ذاتُها خُنقت .. ما من إشارة ترسل .. متاعب جمة وفراغ تام .. المنتحِب بالكاد يبكي .. ضائعا في العزلة والأيام المهجورة وهنالك قصائد أخرى كثيراً ما تورد من المختارات الشعرية للتدليل على شاعرية ليوبولد (مثال المختارات المسماة غابة العندليب) .. المهد يهتز.. لعله يرقص .. الصمت لا يقلق أبداً .. اهتزاز لعله المخاض .. دلالة على أن الوليد .. ينبغي أن يكون قانعاً وسعيداً .. متعباً هو رغم قناعته .. العين التي كانت تومض .. أغمضت بهدوء ..... (Toe Zyn Gegleach) .. ومن بعد سوف تأتي فتاة الأحلام .. استعارت كلمات الفخر استبْدلتها بألوان المنفى والسمو .. فقدت الأمل خسرت معركة .. وهذا ما يعتم عيشي .. ويغرب الخير الذي هو شمسي .. حسناً سوف لايقوى فمك على كتمان الأمر .. والآن لمرة واحدة يجرؤ على النطق .. أنا على دراية بأسس كل مخلوق .. أتعلم أن حياتنا محاولة للإنجاز؟ .. هذا ما يزعمه كل إنسان .. أمر واحد غامض .. وتوقع منعدم الأنفاس 5 ـ ((P.C.Boutens)) الشاعر الصوفي 1 ـ 5 ـ الابتهالات يبقى Boutens الشاعر الهولندي الذي شارف على الاقتراب من إنجاز ليوبولد ولم يقم(.Boutens) بترجمة الرباعيات بناءً على الترجمة الإنكليزية التي قام بها( Whinfield) والتي ترجمها للهولندية ليوبولد. وكذلك ترجم (.Boutens) عدداً من الرباعيات من طبعة فرنسية ضمت أشعاراً فارسية نقلت إلى اللغة الفرنسية وكان ليوبولد قد استخدم تلك الطبعة الفرنسية أيضاً. وقد شكلت مصدر الرباعيات التي ترجمها إلى الهولندية بعنوان (Oud perzische Kwatrynen ) (رباعيات فارسية قديمة) وتلك التي ترجمها ليوبولد حملت عنوان (Soefisch) صوفيات وتلقي كل ترجمة للرباعيات الضوء على التباين بين الشاعرين الذين هما رضيعان في دنيا الإبداع الشعري. وكان أهم موضوع للرباعيات في نظر ليوبولد هو نبذ الحياة الدنيا, في حين اختار (Boutens) الابتهالات الصوفية. وعليه فقد تنوعت مداخلهم للشعر الفارسي وتباين اختيارهم القصائد الشعرية الفارسية ولم يقع اختيارهما المشترك إلا على ثلاث رباعيات فقط. وحينما نشر (Boutens) رباعياته في عام 1913 لم تكن الرباعيات الأخرى الـ (Oud Perzische Kwatrynen) قد صدرت من بعد, إذ أنها نشرت مؤخراً في عام 1930 آنذاك وكان (Bouten) معروفاً كمؤلف لدواوين شعر متعددة مثل (Verzen) (أشعار) وهو الصادر في عام 1889 و (Praeludien) (المداخل) نشر في عام 1902 و (Stemmen) (الأصوات) المنشور عام 1907 و (Carmina) (أغنيات) الصادر في عام 1912 وكذلك أصدر اقتباساً عصرياً لشعر القرون الوسطى بعنوان (Beatrys) (مرجونيات الإيقاع) والذي صدر في عام 1908. وكان هذا العمل المقتبس قد لقى ترحيباً واسعاً وشهرة كبيرة. وهو المولود في عام 1870 كان (Boutens) يصغر ليوبولد بخمسة أعوام ولكن كلاهما كانت جذوره ضاربة في تقاليد الفردانية (الذاتيانية) وهي الفلسفة التي كانت سائدة في الثمانينات من القرن التاسع عشر. وكذلك جمع بينهما الإعجاب بقورتير, تأثرت الأعمال الباكرة لـ (Boutens) بالمذهب الحسي لـ قورتير ومن بعد قورتير تأثر هذا الشاعر بـ ليوبولد الـ 47 عاماً ولم ينشر واحداً من أعماله الشعرية، فرض (Boutens) إرادته على ليوبولد بطلب نشر ديوان شعري متكامل وكان (Boutens) قد اقترح على ليوبولد نشر مجموعة من القصائد التي سبق وأن ظهرت على صفحات المجلات الأدبية. ويبدو أن ليوبولد وافقه في البداية لكنه بعد حين أبدى اعتراضه ولم يسمح بإصدار أشعاره في ديوان. إذ أن الطموح إلى المجد الأدبي وحب الشهرة أو الكسب المادي لم تكن من طبيعة ليوبولد. وحينما سئل نفض يديه عن نشر مؤلفاته الشعرية، وأشار باحتقار إلى (Boutens) بالقول (لقد أشار ذاك الرجل إلى نقود ما..) وحقاً كان (Boutens) مختلفاً عن ليوبولد وكان يفتقد النزعة الأرستقراطية لـ (ليوبولد) التي دفعته لاحتقار الماديات غير أنه (Boutens) كإنسان واقعي كان على صلة وثيقة بالحياة اليومية إلا أنه كان مثالياً في شعره. وكان غاطساً لأذنيه في أغوار الفلسفة الأفلاطونية و منشغلاً على الدوام بالواقع الذي يوجد خلف كافة المظاهر الخارجية وتدريجياً تحول (Boutens) من البداهة الانشادية إلى أشعار فلسفية تخاطب العقل إلى جانب الوجدان. وحافظ طوال الوقت على ميله التقني إلى الفضيلة وهذا مكّنه من صياغة أشعار لها جمال يشبه جمال الرّخام البارد إذ في كثير منها لم يضع قلبه في تأليفها. وكان ليوبولد و (Boutens) يحملان مؤهلاً جامعياً في الكلاسيكيات وقاما بتدريس اللغتين اللاتينية والإغريقية في المدارس الثانوية، حيث عمل (Boutens) بالتدريس لمدة قصيرة فقط وعمل ليوبولد لأعوام طويلة. ويبدو من باب الفضول أن يلحظ المرء أنه في السنوات السابقة لفترة الثمانينات من القرن التاسع عشر كانت دراسة علم اللاهوت (الدراسات الدينية) شرطاً لبلوغ مكانة ما في الأدب الهولندي. وشهدت فترتا الثمانينات والتسعينات من القرن التاسع عشر أدباء لامعين. ومن قبل اشتهر (Beets) الذي كان كاهناً كنسياً ومن بعد أستاذاً لعلم اللاهوت وهناك أيضاً (Busken Huet) الذي كان قساً وتحول إلى الصحافة وكان هنالك Bakhuizen Van dan Brinn)) و (Drost) و (Van lennep) وعدد كبير من الكتاب والشعراء الذين قلت شهرتهم جميعهم تابعوا في وقت ما دراسة علم اللاهوت. وبعد عام 1880 انزوى علماء اللاهوت وحل محلهم (Kloos) و (Groter) و (Leopold) (Boutens) الذين تخلصوا من الشعر الأخلاقي (الواعظ) الذي غلب آنذاك والذي نظمه من كان يدرس علم اللاهوت. ووهب هؤلاء الأدباء الجدد أنفسهم لعبادة الجمال. وارتقت أهمية الجمال (القول أن مبادئ الجمال أساسية وأن المبادئ الأخرى كمبادئ الخير مشتقة منها، في الوقت الذي ظهر فيه (Groter) (Henriette R.Holst) وجميعهم تعبد للفن والشعر وبدأوا في تحدي الاتجاهات الأدبية السائدة من قبل. لقد وضح أثر دراسة الكلاسيكيات في أعمال هؤلاء الشعراء الجدد ولقد وضح هذا الأثر في إدخالهم خواص محددة خلال فترة الثمانينات من القرن التاسع عشر ومن بين تلك الخواص التشبيه (بلاغيات هومر) الهومري التي عجت بها سونيتات (Kloos) (قصيدة من 14 بيت) وملحمة (Groter) المسماة (Mei) وكذلك التشبيهات بالفجر والنهار والقمر وهي التشبيهات التي غلبت على شعر Boutens, يبدو أثر دراسة الكلاسيكيات واضحاً في تكريس الجزيئات البنائية والتي أعطت شعر ليوبولد طابع الغرابة المتفتحة بلا حدود. ولم يقصد بالإشارة إلى وجود تشابه في خلفيات الشاعرين، لم يقصد به وجود تطابق فيما بين الشعر الذي نظمه كل منهما, وبدون شك توجد الروابط بين شعر كل من (Groter) و (Leopold) و (Boutens) غير أن درجة الاختلاف بين نظم كل منها تماثل درجة التشابه خاصة في تعاملهم مع الأساليب التقليدية للغة والأشكال. و(Groter) إبان الفترة الوجدانية من تجربته الإبداعية قطع كل صلة له مع الـ (Syntax) (بناء الجملة بترتيب كلماتها في أشكالها وعلاقاتها الصحيحة وكذلك صحة إعرابها) التقليدي في حين أن (Boutens)من جانب آخر كان قد قبل به تماماً وحسنه وارتقى به بل أنه صنع به ما يشبه المعجزات ونفس القول ينطبق على الأطر التقليدية للشعر فقد أهملها (Groter) لسنوات عديدة وعاد إليها (Boutens) ولكن (Leopold) اتخذ موقفاً وسطاً بينهما فقد استخدم بعض هذه الأطر على نحو صارم وإلتزم بها في قصائد كان فيها كل مقطع وكل حسن وكل وقفة قد حسبت تماماً. هذا إلى جانب أشعاره التي خلت من كل قيد وإطار تقليدي مثل (Cheops) الفرعون المصري، وكاتب أبيات تلك الملحمة الطليقة التي تقصر أو تطول أبياتها بدون حساب. ونورد نماذج لشعر (Boutens) وهو الشعر الذي تورد منه أكثر النماذج في ظل مختارات صدرت للأشعار الهولندية وتشمل المختارات المسماة Het Nachtegalen bosje (غابة العندليب) وأول نموذج هو القصيدة المسماة: الخمر المعتق. .. خمر السعادة المعتقة .. حُفظت في قبو ما .. هي آمالي وأناشيدي .. تومض فوق مائدتي نقية .. حزنها يشع كالبلور .. مثل الذهب أصبحت رقيقاً وصعب المراس .. لنخبكم أحتسيها .. إبان أعياد الشباب .. سكبت خمراً آخر مطلياً بالسواد .. الآلهة خلقت الأيام الهادئة والممتدة .. أنا وأنت .. نزاحم نقاوتها المستهلكة .. نحس بلسعتها الذهبية المحمومة .. تروي قلوبنا المتعطشة .. الفتوة تولد من جديد .. خمر السعادة جعلت البوح ثملاً .. والهناءة ربانية لطيفة .. كل شربة لهثت وراء الأقداح .. أنقى وأعذب من الرفقة والسمو .. أنا احتسي بهجتك حقاً ونموذج آخر لشعر (Boutens) ب.س بوتنس هو قصيدته القصيرة المعبرة المسماة: ليل الوحشة. .. أفتقد عينيك .. كان ضوئك قد نأى بعيداً .. ليل انعدم فيه الشدو .. وتوارت النجوم .. صمت رهيب ساد في الأعالي والأعماق . ذاك هو الجِد .. الذي كان يجب الحكم عليه بالإعدام .. يدي شراع او زهرة .. زينت الافتتاح العظيم .. كيف تقاوم وهي ظل ميت! .. كيف أفهم القسوة؟ .. هل في الصمت ألم الحطام؟ .. الحطام الذي يحنّ إلى الجمال ومثال ثالث هو قصيدة" ليلة الهدوء والسكينة" .. صمت عمّ .. يعقب هدوء الليل . السكينة التي أضفتها الآلهة .. جلبت بترقب محموم .. ما لايقوى على العيش .. من نفس إلى نفس .. ينطق عبر الأيام همساتها المحمومة .. من جراء تمدد الهواء .. خافتةً وتشابه النجم .. يسطع وسط الأضواء .. لا يخلّف أثراً لكلمة أو إشارة .. مثلما يحل الإله فينا وأخيراً نعطي نموذجاً آخر وهي قصيدته التي حملت عنوان : "بهاؤك" .. نحن من يعتمر بالعزلة .. مثل الآلهة .. تهنأ بالحب .. ياللروعة .. أيُّ دار رغبنا في تشييدها؟ .. الشطآن والبحار تصير الباحة .. ضوء الشمس ونور القمر .. يسقّفان الحجرات .. وخلف النجوم تطوى الصفائح .. نهنأ بالحب .. يا للروعة .. حبيبي .. هذا هو قربك مني ..يامن ملكتني .. كيف يكون الأمر بخلاف ذلك؟ . في الوضوح الشديد والصادق .. في الغموض المجهول .. ينفضح سر عدم مناعتنا .. فكر غير محجوب بالغمام .. شتات مؤتلف .. يوحّد مشاعرنا .. يا حبيبي .. الحياة هي النمو .. يا للروعة .. تمشي الهوينا على ظهر البسيطة .. هي الطهر الذي لا نلاقيه .. هي اللقى المحروسة .. تضطجع وتسند رأسها في الليل الطويل.. ويسعد ذلك الوليد .. بالأحلام الجميلة ـ جمال الفراشات .. ما أروع الحال .. روعة مرعبة .. تتبدل رأسي للمرة الألف .. لكن الحال سرمدي ومثال شعري آخر ورد ضمن مختارات من الشعر الهولندي والفلامنكي (الجزء الناطق بالهولندية من بلجيكا) ونورده أدناه: 6 ـ محاولات إنشاء كلاسيكية معاصرة: (Karel van de Woestyne) الشاعر الرمزي والتقليدي معاً 1 ـ 6 : على الرغم من صغر سنه مقارنة بإعمار ليوبولد وبوتنس كان الشاعر الفلامنكي فان دوفوستاين المولود في (Ghentl) في عام 1878، إلا أنه يعد من أبناء جيلهم. لم يكن مثلهما دارساً للكلاسيكيات إذ أنه كان قد درس اللغات الجرمانية وعمل من بعد أستاذاً للأدب الهولندي بجامعةgent في الفترة 1921 ـ 1929 . وعلى الرغم من أنه لم يقم بدراسة الكلاسيكيات إلا أنه كان متعمقاً مثلهم في الأدبين الأغريقي واللاتيني. وكان شعره قوياً ولديه روابط وثيقة بالرمزية والانطباعية. وقد غلب على شعره الاهتمام الانطباعي بالتصور الحسي والا ستبطان (فحص المرء لأفكاره ودوافعه ومشاعره الخاصة) يبرز شعره إخلاص الرمزيين للأصداء الخاصة بالقصيدة. وفي نفس الوقت كان هذا الشاعر تقليدياً فقد وجد في شعر فترة النهضة )خصوصاً شعر الشاعر الهولندي (Hooft) الشكل المطلوب لنظم القصائد، وفي ميله للتقليدية هذا حذا حذو الشاعر الفرنسي (Jean Moreas) والذي كان شاعراً يونا ـ فرنسي (Greeco - French) وقد عدّ هذا الشاعر من مؤسسي الرمزية، وأبرز شعره الاهتمام الانطباعي بالتصور الحسي (Introspection) وإخلاص الرمزيين للأصداء الخاصة بالقصيدة. وهو الرجل الذي أعطى الرمزية اسمها. ومن بعد تحول هذا الشاعر الفرنسي عن رمزيته , في بداية القرن العشرين بدأ يدعو إلى التبسيط والأشكال المنتظمة للنظم السائدة في حقبة النهضة. لقد وضع (فان دو فوستاين) موراس في مقام رفيع ومن بعد وفاة هذا الشاعر الفرنسي كتب قصائد عديدة في رثائه وتأييد برنامجه الأدبي الهادف إلى إنشاء كلاسيكية معاصرة, أبان في مقابلة صحفية أجريت معه في عام 1913 واوضح هذا المبدع الفلامنشي ما يريد تحقيقه قائلاً (عبر الفردانية توصلنا إلى كلاسيكية حديثة وحقبة أدبية جديدة، أضحى الناس فيها على وعي تام واضحوا يعبرون عن أنفسهم بإخلاص تام وتجاهلوا كل شيء يتعلق بأوضاعهم الخاصة، تخلصوا من كل أمر ذي طبيعة شخصية أو يشكل نوعاً من الأنانية). لقد جعل جمع ((Van de Woestyne) بين الانطباعية والرمزية وأضاف إليهما الكلاسيكية الجديدة, إلى جانب حبه لـ (جان موراس) جعل هذا المزج أعماله الشعرية فرجة أو خلطة نادرة الاتجاهات مختلفة عن الشعر الأوروبي, وقد كان هذا الشاعر الفلامنكي مديناً بالكثير لعدد من شعراء الثمانينات من القرن التاسع عشر (ففي الدرجة الأولى كان مديناً لـ (كلوس) (Kloos) ولمجلة (من الآن وبعد) (van nu en straks) وطوق عنقه جميل الشعراء البلجيكيين الناطقين باللغة الفرنسية والذين انتظموا في منتدى (La jeune Belgique) ومن أهم هؤلاء الشعراء (Emile ver haeren) و (Maurice maeterlinck) كذلك كان مديناً لشعراء آخرين مثل Bauderlaire – Henri de Regnier – Jules Laforgue وعلى الرغم من وجود كل هذا الجمع من التأثيرات والاتجاهات الشعرية المتنوعة لا يمكن اعتبار تعداد أسماء الشعراء والاتجاهات مصدراً يستوحي منه (فان دوفوستاين) إلهامه المبدع. شعره الذي كان (Van de woestijne ) نفسه يصفه بأنه سيرة شعرية رمزية ـ يعد انعكاساً دائماً لمحاولاته لتحقيق تناسق وانسجام بين العناصر المتنافرة لطبيعته أو ليعطي عدم القدرة لتحقيق الانسجام المطلوب مسحة تراجيدية متفردة. وسميت أعماله الباكرة (بيت العائلة) (Het Vader Huis) الصادر في عام 1903 و (بستان الطير والفاكهة) De Boom Gaardden Vogelen en der vruchten الصادر في عام 1905 و الظلال الذهبية ((De Gulden Schaduw)) الصادر في عام 1910 وتبع صدورها نشر مجلدات أخرى شملت رجلاً من طين Muddern Man ) والذي نشر في عام 1920 و (الآلهة على شواطئ البحر) (Goden aan Zee) وقد صدر في عام 1921 و (البحيرة الجبلية) (Het Berg Meer) والذي سبق أن صدر في عام 1920. وقد تميزت أعماله الشعرية الأخيرة هذه بمشاعر دينية ذات مسحة صوفية معتدلة واسفرت عن نوع من الصفاء والسكينة في داخل الشاعر وأعطته قوة العزم . وفي عام 1915 بدأ مع صديقه (Herman Teirlinck) في تأليف كتاب حوى رسائل وحمل اسمDe leemen Torens (أبراج الطين) وكان فان دو ستاين أشار في مذكراته إليه, فقد سطر قائلاً (.. إننا نبني أبراجاً مشيدة من الطين، وحينما يرتفع البناء فإنه سرعان ما تنهار الأبراج من تحتنا وتذوب بعيداً..) وقد لازم هذا الشعور بالتشاؤم الشاعر ولم يغب عن أشعاره قط. ولإعطاء فكرة عن شعرVan de woestijne نورد بعض قصائده وقد اختيرت نسبة لأن أغلب مؤلفي المختارات الشعرية يختارونها إهداء إلى والدي (Wijding aan Mijn Vader) .. يا من كتب عليه الغناء المفجع .. ورحل بعيداً .. خلّفني استنفد عيشي .. علّمني بحنوه أن أحيا .. بعباراته اللطيفة .. وبمسحة يده الراعشة .. أورث ابنه بعض الحكمة .. أضحيت مثل المسافر بليلٍ .. مضنىً ومتعباً .. ترك الاستجمام .. سبح بمفرده .. تدفعه الرياح الصيفية الخفيفة .. تزج به في شعاب صخرية .. بعثرت في أمسه زهرة المياه العذبة .. وصدحت بأغنياته .. وتلوت فوق المياه المتدفقة .. المراعي أصغت إلى أنفاسها .. السنين التي تطوق الحياة الهانئة .. ليوم لم يعمرْ بالحركة .. تنعمت تحت الظلال .. هي وأحلامي .. تُماثل خطى أب صالح .. منحتني الأيام سعادةً غريبةً .. جعلتني أُدرك سر هروب الحسناوات .. كل مساء .. يعبق بنسمات صيفية واهنة .. تملأ أشرعة ضعفاء الناس .. مثل الليل الذي أرخى سدوله .. يطحن الفاكهة .. مسبغاً عليها .. دكنةً ناعمةً راسية فوق الأشجار الساكنة .. لقد ضعنت في سلام .. ألزمت أوهام الموت .. على الإنحناء وتقديم القرابين .. لهدوء المرايا .. وسكون البحار العميقة ومن القصائد التي لقيت إعجاباً واسعاً وأوردت في كثير من المختارات قصيدة أغنية الحقل. Voor zang .. في دار آبائي .. نبشت الليالي آثارها .. ران عليها الصمت .. ورقد تحت أفياء الظلال .. في الحديقة .. في هجعة الأبواق المقوسة .. كنت طفلاً .. يرافق عيشه الضحك .. من أسى التي لم تسعد .. إزاء تلك الأشياء .. وغسق الأشجار والأعوام .. رتابة يوم لم يعتمر بحدث ما .. حينما أتيتِ .. أقمتِ في جوانحي .. كنا مثل الزهر في المساء .. آه يا صغيرتي .. إني أفتقدك .. هكذا أضعت فتياتٍ عديداتٍ مذ جمعتْ وصيفاتك إشارات التوسل .. أحببتك .. عيناك عطوفتان .. بدتا كالزهرتين الواقفتين بإعتدال .. هكذا .. إن ما أحبه وأفكر به .. أجد فيه عزائي .. في دار آبائي (Herman Teirlinck) هيرمان تيرلينك وآخرون: اجتماع الشاعرية والروائية معاً: أما هذا الشاعر والروائي فإنه يصغر صديقه (Van Woestyne) بعام وانتمى منذ البداية إلى جماعة ( van Nu en straks). وحينما بدأ في التعاون معه كان (Teirlinck) معروفاً كمؤلف لديوان شعر ومجموعات من القصص القصيرة والروايات المتنوعة ومن أهم هذه الأعمال الأدبية، السيد سيرجان زوون ( mij n Her o.B.Serjanzoon) و (Orator didaceus) وقد صدرا في عام 1908 القرد العاجي (Het Ivoren Aapje) الصادر في عام 1909. ولعل أهمية (Teirlinck) تتمركز أكثر في جهوده الهادفة إلى الارتقاء بالمسرح الفلامنكي التي قام بها في الفترة الواقعة مابين الحربين. وكان (Teirlinck) شخصية محورية ضمن الجهود التي بذلت لتحديث المسرح الفلامنكي خاصة بعد اكتشافه إمكانات المسرح الدرامي التغييري عقب عام 1920 . وعبر المشاركة الفعالة في إخراج الأعمال المسرحية وتدريب الممثلين المسرحيين, ألف مسرحيات متعددة من بينها (التعليم بطيء الحركة) (Vertraagde Film) و ( أنا أعمل) ( Ik dien ) (القمح على حبل المشنقة) (Exster op de Galg) وكتب من بعد أعمالاً روائية ففي عام 1940 (عام استئنافه كتابة الرواية) كانت آخر أعماله الروائية (Het Gevecht met de Engel) الصراع مع الملا ئكه . لقد كان (Teirlinck) كاتباً مثقفاً لدرجة بالغة جعلت من العسير عليه أن يحظى بشعبية واسعة وهكذا حظى بالشعبية غيره ألا وهو استروفيل الذي كان مقرباً من الشاعر (Guido Gezelle). ـ وأضحى استروفيل أشهر كاتب للنثر من بين أقرانه جميعاً، على الرغم من فقدانه الخلفية العلمية الراقية والخبرة بالحياة المعاصرة، حياة الحواضر الرئيسه والمدن الكبرى (كانت هذه خلفية كل من (van woestyne) و (Teirlinck) ,استروفيل عاش في مدينة صغيرة غربي فلاندريا وعمل خبازاً. وعلى الرغم من بساطة خلفيته الثقافية لفتت القصص التي ألفها انتباه (van woestyne) و (Teirlinck) و لقيت أعماله إعجاب المجلة (Van nu en straks) (من الآن وبعد) ومن أشهر أعماله روايته المسماة بـ (حقل الكتان) (De vlas chaard) الصادرة في عام 1907 وهي رواية تزعم أن الإنسانية قد تحررت من قبضة الطبيعة، وعلى الرغم من كل هذا لايزال للأقدار أثرها الفعال. إن فلاحي زراعة الكتان لا يزالون بلا حول ولاقوة من هول العوامل الطبيعية على الرغم من التقدم العلمي والحرص على النجاح. وإلى جانب هذه الرواية كانت هنالك أعماله الأخرى: منها مجموعة قصصه الأولى والتي جمعت في مجلدات مثل (الحياة في الربيع) (Lente leven) و(الريف في الصيف)zomerland و (مد وجزر الشمس)zonnetje وكانت هذه الروايات نشرت فيما بين عامي 1896 و 1898. وتلى إصدارها نشر مؤلفات لاحقه, وقد جمعت هذه المؤلفات الجديدة بين عناصر الشعرية والملحمية ومن أهمها مجلد (الكادحون) (Werkmenschen) والذي صدر في عام 1926 وقد ضم هذا المجلد أحسن قصة له على الإطلاق وهي التي حملت عنوان (الموت والحياة في أست) ( ِAst Het leven en dood in) وهي عمل أدبي قلّ من اعترض على روعته. ولقى كذلك حسد الكثيرين وحينما توفي استيروفيل في عام 1969 عن عمر بلغ الـ 98 عاماً ,ترك وراءه ثروة أدبية ضمت خمسين مجلداً من النثر الأصيل ولايدخل ضمن هذا المجموع المجلدات العديدة التي حوت ترجمات وأعمال كثيرة لهذا الأديب إلى اللغات الأخرى خاصة اللغة الألمانية. لم يكن في هولندا من أديب علت قامته الأدبية لتطال قامة استيروفيل بين معاصريه, كان هنالك أدباء إقليميين وحركات أدبية متفرقة خلّفت أثراً من حيث الأسلوب والموضوع. 7 الاتجاه نحو الرومانسية الحديثة 1 ـ 7 الاهتمام بالطبيعة الفلسفية للإبداع الأدبي: كان التحول نحو الواقعية والاتجاه نحو الرومانسية الحديثة والذي أدى إلى الاهتمام مجدداً بالرواية التاريخية, كانت هذه الروايات قد أهلت من قبل أدباء الموجة الطبيعية، الاتجاه الغالب على الحركة الأوروبية خلال الثمانينات من القرن التاسع عشر وعلى عكس مناصري المذهب الطبيعي الذين أهملوا المادة التاريخية واهتموا بالمشكلات المعاصرة، اهتم الكلاسيكيون الجدد والذين بدأوا في نشر اعمالهم في التسعينات من القرن التاسع عشر، اهتم هؤلاء بالماضي خاصة القرون الوسطى وموضوعاتها وأحداثها، وكان من بين هؤلاء Adrian Van oordt أدريان فان أورت الذي نشر روايتين هما Irmelo و Warhold اللتين نشرتا على التوالي في عامي 1896 و 1906 إلى جانب هذا كان إبداع Arij Prins (آري برنس) الذي كان على اتفاق تام مع فيروواي ومع شعراء الحركة الأوروبية المسماة (De beweging) (الحركة) فقد اعتبروا جميعاً أن عهد (جمال الكلمات) قد ولّى وعوضاً عنه جاء وقت (جمال الفكر) وأدّى هذا إلى الاهتمام بالطبيعة الفلسفية للإبداع الأدبي، وخير مثال على مثل هذا الاهتمام الجديد هي الأديبة Augusta Dewit أغستا دوفت التي عالجت موضوع العلاقة بين الحضارتين الشرقية والغربية في عملها الإبداعي Orp heus in de dessa الصادر في عام 1903. وإلى جانب هذا كان إبداع وفكر الشاعر الروائي الهولندي Aart van de leeuw أرت فان درليو الذي كان أهم مفكر ضمن جماعة (De beweging) ومن أهم اعماله رواية (أنا ادرى بلعبي) Ik ken mijn spel والتي عالج فيها الارتباط بين الأقدار والحركة الإنسانية وموضوعات مماثلة أخرى لذلك قرض van de leeuw الشعر وعدّ من أميز شعراء وأدباء القرن العشرين في هولندا، ونورد مثالين شعريين له واولهما: قصيدة liedje الأنشودة .. يدهشني كل شحرور .. يتمايل على وقع أغاريده .. أسرني عملاق الغابة هذا .. وأحكم وثاقي .. أقاوم مشاعر الفرح والسرور .. فبأي شراع أمسك .. وأرافقه في الإبحار .. أنا خفيف كبذرة ..رقيق كالريشة .. أصاحب في الترحال .. قطرات المطر ..أعلو فوق البحر .. أنهمل وأدمدم .. أتضاعف لثقتي في الحظ .. أبحر والآن .. أشابه الزهرة .. التي حان موسم تفتحها أريجها يفوح .. ويعطّر شراعي .. أنا مثل الأوزة .. تشع بسماتي .. وامضاً .. كدلالة على المعجزة الإلهية الأغنية الراقصة .. لا أتعرف على صوتك .. الطائر يرقص .. أوراق الأفنان تهتز طرباً .. المراعي جذلة .. الشمس تلقي بشباكها .. في الانهار ..الرياح والسحب يتمايلان ..العالم يرقص ..وأنت تمسكين بيدي اليسرى .. تطبطبين على يدي اليمنى .. وسط حلبة الرقص/ يسقط وشاح الراقصين 2 ـ 7 P.H Van Moerkerken فان موركيركن الشاعر والناقد الساحر: ومن أهم محاولات إعادة الرواية التاريخية هي تلك التي بذلها فان موركيركن وهو المولود عام 1877 وعمل لسنوات عديدة مديراً للأكاديمية الحكومية للفنون الجميلة في أمستردام. ,ألف روايات تاريخية إلى جانب قرضه للشعر. وكانت رواياته ساحرة وناقدة. ومن بين رواياته التاريخية القريةالآفله de ondergang van het dorpوالتي نشرت في عام 1914 والرواية الأخرى هي تلك المسماة (المحررون) de bevrijdersوقد نشرت في أعقاب الاحتفالات في عام 1913 وهو عام مرور مئة عام على هزيمة نابليون وتحرير هولندا، وتعددت الروايات التاريخية لهذا المبدع ونشرت في مجلد جامع وشامل حمل اسم (فكر العصر) de De gedachte der tijdenوقد نشرت هذه الروايات في الفترة بين عامي 1915 و 1924 وجمع بينها إلهام واحد ألا وهو الطموح الإنساني إلى الحرية وإلى نيل السعادة عقب القرون. كانت أولى إبداعاته روايته المسماة (anabaptists) في القرن السادس عشر، وأعقبتها رواية (الخارجون على القانون) de verwilde والتي تصف بداية حروب الثمانين عاماً وتلت هذه رواية (أركاديا حديقة المتعة) Lusthof Arkadieوهي رواية وصفت الخلافات الدينية في القرن السابع عشر. وكانت الرواية الرابعة هي (سؤال بدون جواب) de vraag zonder antwoord وتناولت أحداث الفترة من منتصف القرن السابع عشر إلى عهد الثورة الفرنسية. وكان اهم ما شغل بال الروائي في كل أعماله الروائية هو سؤاله: لماذا لا يأتي العهد الحديث بدون إراقة لكل هذه الدماء؟ وكان أخر عمليين أدبيين لـ فان مورن كيركي هما: الرواية المسماة (جزيرة الشيطان) Het de monische Eland وتناولت أحداث كميونة باريس والرواية الثانية هي (العمر الطويل لهاب هاب لاخو) Ieven van Habhab algo وشكلت هذه الرواية وجهة نظر عميقة فيما يتعلق بسير التاريخ. وهكذا أضحت هذه الأعمال أخيراً محاولة جديده بواسطة الرومانسيين الجدد في تاريخ الأدب الهولندي المعاصر. 3 ـ 7 Arthur van Schendel ارثور فان شخندل، اول الرومانسيين الجدد: يعود شرف كتابة أول رواية للرومانسيين الجدد إلى Arthur van Schandel والذي يعد من أهم الروائيين الهولنديين المحدثين، وبحكم مولده في عام 1874 كان يكبر Van moer keytenبثلاث سنوات. وقد نشرت أول رواية له في عام 1896 وكانت رومانسيته أكثر من ردة فعل حيال الطبيعة أو الواقعية كما كان يشير إليها. وكان van Schendel قد كتب إلى صديق له قائلاً: (..كنتيجة للمادية وهو مبدأ حياتي له الغلبة، يجب التمسك بالواقعية والتي تقوم على تراب عقيم وأرض قاحلة ووحدهم الشعراء وفقِّوا في المحافظة على توازن جميل. بيد أن كتّاب النثر في هذا العصر جانبهم مثل هذا التوافق، لأن اهتمامهم قد إنصب بصورة مطلقة على العالم المحسوس..) وقد جرأ الكاتب على هذا القول حينما أصدر مؤلفه (Dorgon) والذي كان ردة فعل شخصية حيال الواقعية. وكان مؤلف (Dorgon) عملاً أدبياً لشاب في العشرين من العمر هدف إلى إيجاد اتجاه أدبي جديد ومغاير وقد عكس هذا العمل الأدبي هذا الإصرار. قد أحاطت به أجواء من الاجتهاد غير أن معايير جودة أنغامه وأساليبه عانت من إنعدام المساواة. ويدور السرد حول فارس من القرون الوسطى تلعب الأقدار دوراً رئيسياً في حياته: عدم المقدرة على المشاركة في حملة صليبية إذ أنه يسعى عوضاً عن الجهاد الصليبي للبحث عن خاتم علقت به قطرة من دم المسيح. وفي نفس الوقت كان ولعه وهيامه بزوجة أخيه: رغبتان أحداهما رومانطيقية مثالية واخرى شهوانية يتصارعان في وجدان هذا الفارس ويحكمان سلوكه ,في النهاية تصرعه الأقدار. وقد عولجت المشكلات التي شغلت بال مؤلف (Dorgon) على نحو أكثر نجاحاً في رواية (رحالة عاشق) Een Zwerver verliefd الصادر في عام 1904 ويماثل بطلها بطل الرواية الأولى في وحدانيته وتحكمت رغبتان في أقداره, أحداهما رغبة رومانطيقية مثالية والأخرى الشهوة الجنسية حيال زوجة صديقه. ومثلما كانت الرغبة الشهوانية قاتلة في الرواية الأولى. تضحى أداة في يد القدر فيقتل البطل صديقه وعن طريق غير مباشر تسبب في وفاة الزوجة المشتهاة. لقد رأى أن القدر هو الذي صحح الأوضاع الأخلاقية. وتكررت هذه الموضوعات في رواية ثالثة ,ميرونا والرجل النبيل Merona و Edelman وقد صورتا في عام 1927 هدف الكاتب إلى القول أن فساد الأحلام يؤدي إلى إنزال غضب أو لعنة القدر. وفي حوالي عام 1930 هجر الكاتب الرومانسية الحديثة وسلك نهج الكلاسيكية الحديثة ففي ذاك العام أصدر روايته (البارجة الحربية المسماة يوهانا ماريا) Het Fregatschip Johanna Maria والتي أعقبها على نحو متتالي بروايات استعرض فيها الموضوعات العائدة إلى القرون الوسطى وإلى التاريخ الأوروبي في تلك العهود, استعيض عنها بموضوعات هولندية معاصرة، أوموضوعات في فترات مقاربة للعصر الحديث. وفيها أسلوب van Schendel وطابعه الشاعري، وأضحى أكثر واقعية وصرامة. أما الموضوعات القديمة فإن محتواها قد بقي إلا أنها نضجت وأضحت أكثر كثافة ووضوحاً. و أصبحت الأهداف الرومانطيقية والمثالية أكثر اهمية وبروزاً في حين توارت إلى الخلف النزعات الجنسية والأهواء حتى أهملت تماماً في أعمال أدبية لاحقة. وعوض أن يكون القدر منتقماً من جراء الخطايا, أضحى موحداً وازدادت قسوته في تعامله مع البطل وسفينته. وقد تكرر موضوع الرجل والسفينة في روايته الجديدة (السّقاء) De Waterman الصادره في عام 1933 واتسمت روايته ببناء روائي متين وتحديد بيّن للشخصيات الروائية ووصف جيد للطبيعة الهولندية الخلّابة: المساحات الخضر، الأنهار والسهول والوديان والسماء الملبدة بالغيوم, وقد أعقبت هذه الرواية أعمال أدبية أخرى شملت مأسآة هولندية Een Holland Drama والرجل الغني de rijke man والطيور الرماديةDe Grauwe vogels وقد نشرت هذه الأعمال تباعاً في الفترة مابين عامي 1935 و 1937. وخلال السنوات الباكرة من القرن العشرين حينما كان van Schendel يؤلف الروايات الرومانسية الحديثة كانت مجلة Ver Wey المسماة De Be weging أهم مطبوعة أدبية, وقد رحبت بالرومانسية الجديدة كرد فعل على المذهب الطبيعي ولم يقتصر إطراء أو اهتمام De Bweging على الرومانسية الجديدة بل تعداها إلى الاتجاهات الأخرى و لم يكن إبداعها ليماثل الإبداع الخلاق للكلاسيكية الحديثة التي إرتقت بالشعر والنثر. 8 التطلع إلى نموذج فكري وفلسفي للشاعرية Johan Andreas der Mouw يوهان أندرياس در ماو وخارج اتجاهات الرومانسية الجديدة والكلاسيكية الحديثة, كان الشاعر الوحيد الذي اقترب إلى النموذج الفكري والفلسفي للشاعرية عند Ver Wey هو يوهان أندرياس المولود في عام 1863 وكتب أشعاراً لسنوات طويلة ولم يقم بنشرها حتى بلغ الرابعة والخمسين عاماً. وبالفعل فجأة بدأت أعماله في الظهور في عام 1918 وبدأ بنشرها تباعاً في مجلة De be weging ومجلة (De Nieuwe Gids) )الدليل الجديد(، كما نشر في صحيفة أسبوعية تدعى الـ (De Amsterdammer) ومثله مثل الشعراء المعاصرين له، كان هو الآخر مولعاً بالكلاسيكيات، كان فيلسوفاً له شأن وكان ذا معرفة واسعة بالرياضيات والعلوم. وكفيلسوف كان معارضاً لهيجل وعارض على نحو أشد الهيجلية الحديثة. وفي الواقع أن كرهه لجهود هيجل في بناء المنظومات، وهذه الكراهية هي التي قادته إلى الأنغماس أكثر في الفلسفة الهندية غير المعنية إطلاقاً بالمنظومات( Systems) وقد سميت الفلسفة الهندية التي استهوته بفلسفة (Upanishads) والتي وجد فيها التعبير عن وحدة الوجود والنفس, وهي الوحدة التي شكلت الموضوع الرئيسي لإشعاره. وتبقى وحدة الوجود والنفس، هي المفتاح الرئيسي لأعماله وأضحى براهمان رمزاً لهذه (الوحدة) والتي تشكل كل شيء بدون إدماجه ضمن منظومة ما، وقد نشر أعماله الشعرية Brahman 1 و Brahman 11 خلال الفترة 1919 و 1921 وحملت أعماله الشعرية أسما سانسكريتي ألا وهو Adwaita أي من هو قادر على قهر الإزدواجية. وكان Der Mouw متصوفاً في شعره من نوع (التصوف الفريد والمتوحد) unio Mystica. لقد كان متصوفاً في درجة خاصة به وكان شعره في أحيان كثيرة وجدانياً, غير أنه بقي على الدوام على هيئة منتظمة للقصيدة الشعرية: كان شعراً جاداً وفي نفس الوقت فكهاً. كان إنتاجه الشعري فلسفياً، ويفرض فهمه أعباءاً كبيرة على القارئ غير أنه متصالح مع لغة الحياة اليومية. ومن بين أشعاره التي احتواها ديوان شعره Ik ben Brahman. Maar we Zitten Zonder Meid إنني براهمان لكننا نجلس بلا جارية وينتهي قائلاً: dan Voel Ik een zelfde adoratie branden Voor zon. Bach, Kant en haar verette handen أشعر بذات الوله اللافح للشمس، وباخ وكانت وإلى يديها الجاسئتين. حقاً في عام 1919 يبقى من غير المعهود أن يوجد رد فعل خارج مجموعة ضمت Ver Wey و Kloos و Van Eeden فقد قيم هؤلاء تقييماً عالياً شاعرية Der Mouw وعقب موت الشاعر في عام 1919 سرعان ما طوى النسيان حياته وإبداعه ولم يعاد اكتشافه إلا بعد سنوات عديدة لاحقة إذ اكتشفه لمرة تالية كتاب مجموعة جماعة المنتدى (Forum) وحقاً كان شعر Der Mouw تاج (الشعر) ذي الفكر. وكان الشعر الحاوي على الفكر من أحب أنواع الشعر لدى Ver Wey ,عنى موت Der Mouw نهاية ذاك النوع من الشعر. ولعله كان هنالك مغزى أو عبرة خفيين،إن مجلة De Beweging توقفت عن الصدور في عام 1919 عام وفاة هذا الشاعر. 9 (التقليدية في الشعر) قبل أن يشرع Der Mouw في نشر أشعاره كانت هنالك الكلاسيكية الحديثة لـ Geerten Gossaert وهو الاسم المستعار لـ F.c.Gerretson . وكان هنالك أيضاً J.C.Bloem والذي ترك خلال فترة معينة أبعد الأثر في شعر وأدب مجموعة الـ Beweging . وقد بدأ Gossaert بنشر مقالة مطولة حول Swinburne وهو أديب سبق أن توفي قبل عام من نشر هذه المقالة. وفيها بدأ بالإندفاع نحو (الشعر البلاغي) وعني بالشعر التقليدي والتصوير والخيال المتعارف عليهم. وفي العام التالي ساند وجهات نظره الشاعر J.C.Bloom الذي قام بنشر مقالة نقد بها الشاعر النيوكلاسيكيJean Moreas وهو شاعر فرنسي. في تلك المقالة دافع Bloem عن (الشعر البلاغي) على الرغم من اعتراضه على مثل هذه التسمية وتحبيذه لاسم آخر,البلاغة الملهمة , هذا هو الاسم الذي إختاره (بلوم) للشعر البلاغي وفيما يتعلق بأشعار Moreasوديوانه Stances كتب Bloem قائلاً: (لقد استطعنا أن نلاحظ كيف يمكن للمرء أن ينظم شعراً حقيقياً وأصيلاً عند استخدام الصور والأشكال المألوفة. وقد عدّ Bloem ديوان Moreas خير دليل على استخدام الصور والأشكال التقليدية. أما شعراء مجموعة De Be weging الآخرون مثل Aart Van der Leeuw , van Eyck فقد أيدوا شكوكهم في صحة نظريات Gossaert و Bloem وقد أشار الأديبان السابق ذكرهما إلى عدم جدوى المخاطرة الكامنة في الرجوع المقصود إلى البلاغيات الشعرية وكان van Eyck وهو شاعر في قامة VerWey, كان خليفته في مليء كرسي دراسات الأدب الهولندي بجامعة لييدن. كان van Eyck معارضاً شرساً للبلاغة الجديدة. وبدون أن يرفض مبدأ التقليدية, إعترض على لفظ الشعر البلاغي موضحاً أنه لامعنى لمثل هذه التسمية. وقد عارض فكرة ضرورة استخدام الشاعر لصور جاهزة الصنع. أما Ver Wey فكما سبق أن أشرنا إليه أعطى تأييداً متحفظاً ومحدوداً للغاية لهذه النظرية واتخذ موقفاً وسطاً بين المعسكرين. وقد أوضح التاريخ أن خصوم البلاغة كانوا على حق. فلم تكن البلاغة ملهمة أم غير ملهمة مبدءاً جمالياً أساسياً ليقتدي بها الشعر. وخير مثال للبلاغة الملهمة هو ديوان شعر Gossaert المعروف باسم(تجارب) Experimenten الصادر في عام 1911. وكان هذا الديوان الشعري مجلداً غير عادي إذ أنه إرتبط ببلاغة De Costa Belder Dyk وبأساليب الشعر في القرن السابع عشر مع بعض تأثير Swin burne و Baudelaire واشتمل على أشعار إحتوت على كلمات وعبارات قوية وكذلك صيغت الأشعار في أشكال تقليدية. وقد إنصب الإهتمام على البراعة في استخدام الأدوات الشعرية. وركز على الإيقاعات وعلى العاطفة والأحاسيس وعلى توسيع المعرفة والفعل. بقي ديوان (تجارب) تجربة فريدة من نوعها في الشعر الهولندي ودلّ على هذا النجاح العظيم الذي لقاه الديوان هو طباعته لمرات عديدة بلغت اثنتي عشرة مرة. وعلى الرغم من النجاح الذي لقيه فإنه لم يشكّل بداية لفجر جديد في تاريخ الشعر الهولندي. ولم يطل العهد بـ Gossaert حتى طغت عليه شهرة شعر Bloem الذي برهن الزمن على أنه يعد أكثر قيمة من حيث المكانة الأدبية والقيمة الجمالية والتأريخية لإبداعه الشعري. 2 ـ 9J.C. Bloem والكلاسيكية الحديثة: حينما بلغ Bloem الرابعة والعشرين من عمره وهو المولود في عام 1887 دعا إلى التقليدية في الشعر وصاغ عبارة البلاغة الملهمة، ونشر في عام 1911 أول مجموعة من أشعاره في مجلة De beweging وكانت لهجة هذه الأشعار حازمة وقد عنى باختيار الكلمات و تركيبتها, و تفوقت قصائده على قصائد لمعاصريه Gossaert و Van Eyck. كانت جذور هذه القصائد ضاربة في التقليدية. لعلها كانت خير مثال للكلاسيكية الحديثة التي سادت خلال تلك الفترة وفي نفس الوقت فإن الأسس العاطفية لتلك الاشعار كانت رومانطيقية. ومثلما كان عليه حال الروايات الباكرة لـ Van Schendel كانت الصورة المتكررة للحنين الذي يميز بين النفس الشاعرة و غير الشاعرة.(بلوم) إعتقد أن الحنين ليس بمثابة الشعور بعدم الرضا بل هو الإنعدام المقدس لإمكانية تحقيق الأماني وهو الشعور الذي يمّكن النفس من التغلب على عقبات الحياة. لمّا كان الحنين لايملك اسماً خاصاً به ولايمكن تجسيده (تحويله إلى شيء ملموس) مثلما كان أبطال روايات Van Schendel يحاولون تجسيده فإنه لم يكن ليستجيب إلى كافة المتطلبات, ولهذا فإن Bloem يشبهه بالعزم والتصميم. وفي ديوان شعره الباكر المنشور في عام 1921 والمعروف أيضاً باسم (الحنين) Het Verlangen فإن التصميم كان مأمولاً في أحيان كثيرة، متوقعاً إن لم يتحقق. وفي المجلد الثاني و المنشور في عام 1931 وحمل اسم Media Vita (لمحات من سيرة الشاعر) وقد غلب على هذا الديوان الإحساس بخيبة الأمل، لم يتمكن فيه إطفاء الحنين وعوضاً عن هذا فإنه يقود حياة وصفها Bloem في مقالة أخرى، ربما إرواء حنينه إلى الطموح الذي تاق إليه في ديوانه الشعري الأول. دفعته هذه المشاعر نحو التصور ، ويعود أصل تسمية ديوانه الشعري إلى مأثورة من القرون الوسطى (حينما نبلغ منتصف العمر فإننا نقترب من الموت). وهو أمر يدل على إنشغال الشاعر بفكرة الموت. وعنى الديوان الشعري الثالث المسمى (الهزيمة) De Nederlaag والذي صدر في عام 1937، ففيه تبلغ خيبة الأمل قمتها وتشتد المرارة على نحو يفوق قدر المرارة التي عرفتها الأعمال الشعرية السابقة. فقد اصبح الحب بلا معنى وقد كان في السابق يحمل الأمل في ملء الخواء الروحي ولو جزئياً. و يبتغي العزلة والموت. ألقت القصيدة الأولى للديوان الصادر في عام 1945(حمل اسم الرماد Sintels) ظلالاً من الشك حول قرض الشعر الذي كان الشاعر يعتبره محور وجوده: .. ترى .. هل تكفي بضعة قصائد من الشعر؟ .. لتبرر وجود إمرئ ما! وكان Bloem سبق أن نشرمقالة قبل عشرين عاماً من نشر ديوانه هذا المشار إليه وكانت المقالة تدور حول الشاعر الفرنسي (بودلير) وفيها أورد أبياتاً من قصيدة للشاعر الفرنسي هذا يجيب على التساؤل حول كيف يمكن لقرض الشعر تبرير وجود الشاعر، وقد بلغ Bloem بالحياة أبعاداً واسعة بحيث قرر حرمان نفسه من التمتع بشعور الرضا الذي كان يستمده من قرض الشعر والمجد الأدبي، وفيما يلي نورد أمثلة لأشعار كل من Gossaert وBloem و Van Eyck. قصيدة للشاعر Gossaert Gerten الأم De Moeder .. يحدق بعينيه .. وداعاً يا أمي .. إني لا أنوي العودة .. عبْر الدروب .. تشيعه نظراتها .. يجدّف باللعنات .. بيد أنه يبكي بحرقة .. ربما لم ينبس بكلمة .. ربما يُعّبر عن بهجة .. كيما يهجع تحت ظل دوحة .. دع بحيرة الخلد .. توفر المضاجع تزدان بالمصابيح ..لتبقى بوابتها مشرعة .. حيث مفتاح القلعة ملقىً على البلاط .. حين تنقضي الأعوام .. يصاب أحد الباعة .. الجوالين بالجذام .. يملّ النواح .. في أروقة القلاع .. هاقد عاد ابنك . فرأيته قادماً .. ولقد بكيت من الفرح .. حتى جفت الدموع وهنالك القصيدة الشهيرة التالية المسماة: الجمال المهيب li bera nos domine .. تهبُّ الريح .. وتطيح بتلك الدار المنعزلة .. عصفت إبان الساعات المتأخرة .. من الليل .. حينما ولج الغريب .. تخطى عتبة الباب إتخذ مجلسه قرب الموقد .. لم ألحّ في السؤال ..عمّن يكون ؟ .. في ذلك الحين .. أومأ بإشارة ولم ينطق .. لم أوجه دعوة .. لكنه قبالتي .. و قربي .. لحظة تناول وجبة العشاء .. ارتجفت شفتاي .. خفق فؤادي .. واضطرم بالحقد العارم .. غير أن ابتسامته .. فرضت ذاتها .. وأسرني جماله المهيب .. إنني قادر على أن أرى وأتكلم .. بيد أني لاأعرفك .. ماذا تصنع قرب موقدي؟ .. لم يجبني .. بل لمسني بأنامله .. تقاسم الخبز معي .. تذكرت عند إنبلاج الفجر .. إني قد ذهبت بعيداً .. مرة أخرى .. وردد آخرُ أنشودتي .. هي أنشودة مرعبة .. إنشودة لايقوى على فهمها .. إلا الإله الخالق وحده خير نموذج لشعر Bloem (1966 ـ 1887) قصيدة de dapper straat(طريق الشجعان) لما لها من طابع إيجابي. .. تؤوب الطبيعة .. إلى قانعٍ أو فارغٍ أو خالي الوفاض .. وبعد هل الطبيعة .. لاتزال موجودة؟ .. في هذه البلاد .. غابة ضئيلة .. تقضم مثلما تبدو الصحيفة .. تل وبيت .. المعنى الرمادي اللون .. الشارع يشق الحواضر .. يقيس الوقت بدقة .. في الأرصفة وأطراف المجاري .. السحب التي لم تكن بهذه الروعة تحف .....النوافذ .. أزيز الرياح للغابة .. لمن لم يكن يرجو الكثير .. نعشق الحياة .. أعاجيبها المخبأة تتجلى فجأة .. في أبهى مظاهرها .. هذا ما فكرت فيه طوال حياتي .. ما أفسده المطر .. في نهار تلبّد .. طريق عامر .. ياللحظ .. طريق الشجعان وهنالك قصيدة أخرى وهي المسماة (Insomnia) .. تأمل الموت يحفزني على السهاد .. والسهاد يدفعني إلى تأمل الموت .. في اليقظة .. أتلصص على الفناء .. بطراوة تنساب الحياة .. فيما الكائن البشري راضخ .. في مسلخ العدم .. لكن من أجل الشجاعة .. كيف يدوّي الهلع العقيم؟ .. جوار أبواق الحرب المدويّة .. وهي تدعو رجلاً هرماً وغلماناً مهندمين .. امرأة تهب نفسها طواعية .. وسيان أن تلد أو لا .. يترعرع الصبي في حضنها .. أواه، المخلوقات كلها مطعّمة بالعدم .. ما تعلّة الولادة .. إلا تأهيل الموت! وهنالك قصيدة لشعر P.N Van Eyck (1954 ـ 1887) وتعد من أشهر قصائده سماها البستاني والموت de Tuinman en de dood .. عندما ينبلج الصبح .. يهذي البستاني .. يبرِّح به الفزع .. أيها السيد، يا أيها .. أرجوك لحظة فقط .. أشذِّبُ الشجيرات .. لمّا التفتُّ .. وقع نظري على الموت .. واقفاً يترصدني .. كظَّني الفزع .. فتعجلت السير .. لمحته .. أيها الفارس .. هيا إمتطِ صهوة جوادك . دعني هائماً .. أدركُ تماماً .. حلول الليالي في أصفهان .. في منتصف النهار .. غادر المكان .. هل التقيت بالموت .. داخل سور حديقة السدر .. تساءلت في نفسي .. إذا كان الموت .. يترقبنا في صمت .. هل أرعبت في الصباح خادمي؟ .. أجابني ..وقد علت البسمة شفتيه .. ليس ثمة تهديد .. ذهلت .. قبل أن يهرب البستاني .. أكتنفني الصمت .. رأيته وهو يجدّ في طلب الليالي .. في أصفهان الرومانسية والاغتراب شعر أدريان رونالد هولست Adriaan Roland Holst مثل شعر Bloem شكلت الرومانسية قاعدة شعر Holst غير أن رومانسيته كانت من نوع آخر بالمقارنة مع تلك العائدة لـ Bloem. كان كل جانب من جوانب رومانسية Holst عظيم الشأن: فقد زاد حنينه وكبرت خيبة أمله، وطال اغترابه عن الواقع المعاصر. وحينما تحدث Bloem عن الماضي أشار إلى ماضيه الخاص الذي اشتمل على ذكريات بعضها كان مليئاً بالسعادة وأثقل البعض الآخر كاهله. أما فيما يتعلق بهولست فإن ماضيه خيالي (مفترض) ويقع خارج دائرة عصرنا. ويشكل عالماً لم يتأثر بعد بفظاظة وتدهور عالمنا المعاصر, بقي فيه الإنسان منعزلاً وأكثر روعة مما عليه حال الناس الآن. وكثيرا ما يتخذ هذا العالم الشكل الذي سادت فيه تقاليد السلتيين (تقاليد إيرلندا، اسكوتلندا وويلز..) وهو الذي أعاد خلقه الشاعر Yates وفيه وجدت الآلهة والأبطال وعازفوا المزامير والقيثارات. في عمل نثري قصير حمل اسم (خلفياتي الشخصية) Eigen achtergronden الصادرة في عام 1946. وفيه يتذكر Holst أنه حينما كان طالباً في جامعة أوكسفورد خلال الفترة 1908 ـ 1911 عثر على ترجمة إنجليزية لرحلات The voyages of Bron. son of Febal وكان لهذا المؤلف أثره إذ استيقظت ذكريات الشاعر. وفي تلك الفترة تيسر له الوقوف على شعر Yates والذي ـ وفقاً لما صرح به Holst نفسه ـ ترك أعظم الأثر على أعماله الشعرية. وعند عودته إلى هولندا في عام 1911 نشر أول ديوان شعري له حمل اسم (Verzen) (أشعار) وكان ديوان الشعر هذا قد ضمّ قصائد نظمت بعناية فائقة ورقي تام غير أنها كانت قصائد تقليدية وقد تفوقت القصيدة الأخيرة في ذاك الديوان على سائر القصائد وتضمنت تأكيداً حازماً بأن النجاة تكمن في العزلة (العيش في وحدة تامة) وفي ديواني شعره التاليين (قسْم الصمت! Belydenis van stilte و (خلف الطرقات) Voorby de wegen كان قراره بالانصراف عن العالم قاسياً. ولم تعد لديه أهمية ما للذكريات إذ أن الحقيقة والنقاء يوجدان فقط فيما وراء الذكريات ,في ملاذ مفقود يعج بأصداء العواصف وهدير البحار. وشكلت هذه الخواطر نواة لتحول ما، جرى على نحو تدريجي إلى الخرافة الشخصية لـ Holst وإلى محاولته الربط بين حياته والعالم الذي يضمها والربط بينهما وبين القوى التي تتحكم في العالم بأسره. وكان الشاعر يعد نفسه منفياً من الأرض المفقودة وكان يحلم بالعودة إلى سابق العهد وهو يعلم باستحالة العودة، ومرد هذه الاستحالة فقدانه لطهارته ونقائه وإصابته بعدوى شرور الإنسانية. بيد انه كان قد حافظ في داخله على جزء من الحقيقة التي افتقدتها الإنسانية منذ عهد طويل. كان Holst هو الكاهن الأعظم، أو أحد الذين دُّربوا على معرفة ماكان يجب أن يكون. في ديوانه الشعري (الأفق المتوحش) De Wilde kim والصادر في عام 1925 يتحول الكاهن الأعظم إلى نبي يؤكد دنو نهاية العالم ويتوقع الدمار والخراب ه قصيدة يوم الحساب .. وحيداً ويقظاً .. يقاسي البرد .. تجيش عواطفه .. هل لايزال البحر أعتى القوى؟ .. ماهي الفطرة الأخيرة .. لهذا الغيهب المدلهم؟. ثورٌ خاوٍ بلا نهاية .. يستحوذ على مياه ..متواشجة رهوة على الشواطئ .. الأحلام تُنسى .. مثل الصنوج النحاسية .. التي يضرب بها القضاء والقدر .. المياه لا تأتلي .. تقرع الحياة .. صراخ الموتى .. يرتفع وراء الأسوار الواقية والمتاريس .. يرهف السمع .. كل من ذرف العبرات .. أو عانى الوحدة .. أوقاسى البرد والنفي في القفار .. إنها النغمات المتآلفة .. للقيثارة التي تعلن عن يوم الحساب وفي الأعوام التي أعقبت نشر ديوان الأفق المتوحش نادراً ما كتب Holst. وطال به العهد حتى عام 1937 حينما نشر مجلداً جديداً لأشعاره وهو الديوان الشعري المسمى (شتاء بقرب البحر) Een Winter aan Zee وفيه أيضاً كان الشاعر العرّاف الذي يخبر عن دنو نهاية العالم وكانت نبؤته هذه قد صيغت بعبارات واضحة ومباشرة وفي أحيان أخرى كانت مغلفة برموز تضمنت عبارات وداع يائس لحب ضائع. وتضفي وحدة الموضوع وانسجام الأشعار المنظومة في ثمانية مقاطع شعرية لكل قصيدة على الديوان مظهر قصيدة واحدة طويلة للغاية. كان هذا المجلد قمة مجد وإبداع Roland Holst وكأنه آخر تغريدة للبجعة الرومانسية الجديدة في هولندا. وختاماً نورد بعض الأمثلة لشعر Roland Holst العزلة De verlatene .. الريح والجو الرمادي .. يعصفان باتجاه قلبي .. في مكان ما .. فوق السطوح .. كنت أعشق .. الشتاء قارس .. والشجيرات علاها السواد .. تهب الريح .. فوق بقعة ما .. هناك سيكون مرقدي .. لابدّ لي أن أوقد وهجاً .. إذا اقتربت مني . هنا، كسالف الحال .. في الحكاية القديمة .. حكايتها .....حكايتي .. وقفت قرب النافذة .. حيث تزداد قسوة الشتاء .. تنقضي الأعوام قصيدته الأخرى المرارة أو لعلها القسوة Bitterheid .. قفار ضئيلة القدر .. أطبق عليها الصمت .. غطاها الزهر .. لم تنأى عن البحر .. حجرة مفردة ونافذة صغيرة .. المطاردات مستمرة .. نعم و المخاض يفسد .. مثلما يحل مساء الحيوات الواعدة .. في كل آن .. يبقى الوعد وفي المجلدات الأخيرة لشعره وخاصة ديوانه المسمى (الخصام مع العالم) Tegen de wereld الصادر في عام 1941 بقي Roland Holst نبياً ينذر بقرب وقوع السوء, ولعله بسبب وقوع الحرب العالمية الثانية أضحت نبوءاته أكثر صرامة. وفي ديوان شعره المسمى (إصولي يعني ماضية وخلفياته الثقافية والاجتماعية) Eigen Achter gronden في ذاك الديوان فرق Roland Holst بين الحال والواقع وقد ماثل العلاقة و الفرق بينهما، كالتماثل والفرق بين نغمات موسيقا باخ وضجيج الشوارع والجادات، وكثيراً ما نبذ الواقع ولكن في أشعاره المتأخرة كانت أعمال Roland Holst خاتمة عهد الرومانسيين المحدثين، هؤلاء يشكلون مجموعة من الشعراء التقليديين شملت Gossaert و Van Eyck و Bloem وVan nylen لم تكن مجموعتهم متجانسة أو حركة أدبية موحدة. إن اكثر ما جمع بينهم الاعتقاد أن الشاعر إذا أراد أن يستوعب من قبل المجتمع ومحبي الشعر ,لابد له من مراعاة تقاليد الشعر. ويمكن للشاعر أن يحسّن هذه التقاليد و يطورها ويزيد عليها، وإلا سينعزل اجتماعياً إذا أهمل هذه التقاليد الشعرية. كانت تقاليد الشعر التي شكلت القاعدة التالية لأشعار Holst وBloem وغيرهم من الرومانسيين الجدد، هي تقاليد هولندية عائدة إلى الثمانينات والتسعينات من القرن التاسع عشر والتي أرساها Leopold و Groter و Kloos ..الخ ولم تتأثر كثيراً بالاتجاهات الأدبية السائدة عالمياً آنذاك. في الوقت الذي تأثرت فيه بشعراء أجانب إلا أنهم كانوا شعراء تقليديين أيضاً مثل Moreas و Regnier و yates. وعليه ضعف تأثير اتجاهات فكرية وإبداعية عالمية مثل الدادائية والسيوريالية والانطباعية وهي اتجاهات حاولت القطيعة مع الماضي ولم تترك هذه الاتجاهات أثراً يذكر على الشعر الهولندي. وحتى عام 1920 كانت نقطة تجمع هؤلاء الشعراء الهولنديين التقليديين هي مطبوعة (الحركة) وفي هذه المطبوعة ولدت الحداثة الشعرية أيضاً. إذ بدأ Martinus Nyhoff مارتينوس نيهوف أول أعماله الشعرية في عام 1916 الحداثة الشعرية HET MODERNISME 11ـ لقد جسّر الشاعر مارتينيوس نيهوف المولود في عام 1894 الفجوة بين جيلين من الشعراء، ويبدو أنه قد ولد متأخراً ليتمم لجيل الشعراء التقليديين الذين بدأوا نشر أشعارهم في حوالي 1910. ولم يكن ليعد أول الشعراء المحدثين, كان الشعراء المحدثون قد بدأوا في تجميع أنفسهم حول المطبوعة الجديدة (المد والجزر) Het Getij وقد أقاموا تجمعهم هذا في حوالي عام 1916. وعلى كل حال وفي جميع الحالات يصعب اعتبار Nijhofشاعراً ثورياً إذ أن ارتباطه بتقاليد الشعر كان قوياً وبقي كذلك، فمن أول إنتاج شعري لـ (السونيتات العشر) التي نشرها في مطبوعة (الحركة) إلى آخر قصائده (ساعة الصفر) الصادرة في عام 1942، كان تركيزه على نوع السونيتات أكبر دليل على ارتباطه بالتقاليد الشعرية. وهنالك دليل آخر على قوة مثل هذا الارتباط هو ديوان شعره المعروف باسم (المتجول) de wandelaar قد احتوى على مجموع 48 قصيدة شكلت السونيتات مجموع 36 قصيدة من جملتها. وقد ضم الديوان الشعري (المتجول) الصادر عام 1916 برنامجاً متكاملاً بحاله. ففي القصيدة التي حملت اسم الديوان، صور الشاعر نفسه كشخص يسير منفرداً عبر الطريق والمسافات ليدخل غرفته في نهاية المطاف. وخلال تجواله تقمص شخصيات متعددة: الراهب وفنان عهد النهضة والشاعر على نمط بودلير ومن وراء كل قناع, كان يراقب العالم بدون أن يلعب دوراً ما في الحياة. بقي الشاعر بمثابة المتفرج غريباً وقد كانت الحياة في نظمه عبارة عن فسيفساء، وهي بلا اتجاه وبدون هدف ما، ويشكل هذا النأي عن الحياة محاولة للتغلب على الخوف الناجم عن إدراك حقيقة أن الحياة لا معنى لها وأنها تعمر بالفوضى. وكان الخوف من الحياة يعبر عن ذاته في الحنين إلى الموت. وهذا ما ميز ديوانه الشعري التالي المسمى( الاشكال)والذي صدر في 1924. كانت العلاقة بين الشاعر والعالم علاقة إشكالية, شابهت أوضاعه أوضاع بلوم وهولست إلا أن ردة الفعل لدى (نيهوف) لم تماثل ردود الفعل لديهما فلم يكن Nyhof رومانسياً مثل Bloem ولم يتنبأ مثل Roland Holst الذي رفضت نبؤاته الوجود بحاله. لقد كان لردة فعل Nyhof شقان: ففي بعض الحالات حاول التوافق مع العالم عبر الأشخاص الذين كانت حياتهم لايكدر صفوها أمر ما ولحياتهم مغزى، ويمثل هؤلاء البسطاء: الأم، الطفل، الفلاح، الجندي، وقد هيمن التردد بين اعتزال العالم ومسايرته على شعره الباكر، وصاحب هذا التردد مواقف حائرة أو ثنائية الطابع: الروح والجسد، السماء والأرض وقد أضفت جميعها غموضاً على شعر نيهوف تساءل حوله النقاد بدون ان يتوصلوا إلى إجابة شافية بشأنه.. وقد تساءلوا: هل يتفضل الشاعرالحقيقي بتوضيح خياره؟ وحقاً أن الشعر الباكر لـ نيهوف لم يشكل وحدة متكاملة جسد به Roland Holst علاقته بالوجود. والدليل على تعددية أشكال وشخصية وطابع شعر Nyhof هو ديوان شعره (المتجول). وأشكال Vormen اللذان بيّنا التعقيد في شعره، إذ في كثير من الأحيان تنقسم شخصيته على ذاتها، ولم يتمكن من التغلب على التناقضات والتعارضات في شعره إلا أن حدتها خفت كثيراً في المتأخر منه. في ديوانه الشعري الجديد (قصائد جديدة)Nieuwe Gedichten اختفى الخوف إزاء الحياة وزال هذا التوجس تماماً وقد طغى على الأعمال الشعرية الباكرة، في هذا الديوان الجديد مال الشاعر إلى الحكم لصالح الأرض وليس لصالح السموات وفضل الجسد على الروح. إن اول قصيدة تشهد على حدوث مثل هذا التطور هي قصيدة العبَّارة (المعدية ـ المركب الناقل بين شطين) وفيها يتحسر الشهيد (سان سبستيان( قراره بالتضحية بالحياة والشهادة من أجل الروحانيات، وتضمن الديوان قصيدة أخرى سميت (أغنية النحل الغبي) Het Lied der dwaze Bijen وفيها صفى الشاعر حساباته مع الرعية الصوفية للوصول إلى ماوراء العالم: إذ أن النحل يطير إلى أعلى فأعلى غير أن هدف النحل يبقى مبهماً، ويليه موت النحل.. وحسب Nyhof أن النحل يسبح في حلقات باتجاه الأسفل لعله في طريق العودة يصل إلى مأواه. إن أشعاراً كهذه تدلي بتصريحات حول ما يجب أن يكون أو لا يكون، ومايجب أن يحدث أولا يحدث، ترفض العالم ولكنها لاتقدم مقترحات بديلة. توجد قصائد أخرى في ديوان Nieuwe gedichten والتي تعمر بمواقف إيجابية تجاه الدنيا، في قصيدة تمهيدية قصيرة ـ على سبيل المثال ـ تأمل الشاعر في مسائل مثل الوحدة، العصمة، الفناء. من بعد على نحو فجائي وفي الشطر الأخير يُذِّكر الشاعر نفسه أن في المجتمع الحديث توجد إمكانية إقامة حياة جديدة. كعمل أدبي إبان عهد الكساد الاقتصادي العظيم فإن ديوان (الأشعار الجديدة) إحتوى أيضاً على قصيدة (الطيور) De Vogels و هذه القصيدة الوحيدة التي ضمَّنها نقداً اجتماعياً، ولعل أكثر أشعاره تفضيلاً و إقناعاً فيما يتعلق برغبة الشاعر في إقامة صلات مع العالم هي قصيدة Awater وهي القصيدة الأخيرة في الديوان. أبان الشاعر مضمون Awater في شعار القصيدة (أنا ابحث عن رفيق سفر)Ik Zook een reis genoot وكان الشاعر قد فقد أخاه، ولما كانت لديه الرغبة في السفر بحث عن شخص قد يحل محله، عندما وقع نظره على رجل يدعى Awater ماراً عبر الطريق، ظنًّ الشاعر أن الرجل يمكن أن يتحول إلى صديق حميم. في أمسية تتبع الشاعر الرجل عبر طرقات المدينة. لاحقه من المكتب الذي يعمل فيه، إلى صالون الحلاقة, إلى المقهى الذي دأب الشاعر وأخوه على زيارته. وامتدت ملاحقة الرجل إلى المطعم وميدان يقع خارج المحطة. في ذلك الميدان كان جيش الخلاص المسيحي يعقد اجتماعاً جماهيرياً. وعند الميدان هذا يفرق الطريق بينهما، فعلى الرغم من انه يمكن أن يكون قد عرف الشاعر إلا أنه فضلّ مواصلة الاستماع للخطباء. وفي ذاك الوقت انصرف الشاعر وولج داخل المحطة ووراءه Awater. يسافر الشاعر وحيداً. لقد صور نيهوف Awater كرجل عادي مثله مثل سائر البشر ولم يحدد أوصافه بدقة. كذلك جعله يؤدي أفعالاً كثيرة غير أننا لانعلم شيئاً عن أهدافه وأفكاره وحقاً فإن اسم Awater يشير إلى انعدام الدقة عند اخيتاره إذ أن حرف A يعني أيضاً الماء وهكذا فإن Awater تعني الماء في المرتين (هذا والماء الآخر) وكثيراً ما استخدم نيهوف الماء كرمز في شعره للتعدد والكثرة، عدد البشر وجماعاتهم. إن Awater هو مثل للبشر ولايهمّ أي بشر. وهو بشر نموذجي اي أنه يمثل النوع البشري بأسره. ومدّ Awater الشاعر بشعور من الانتماء المشترك بين الناس، خاصة في ظروف المجتمع الحديث. فمن خلال Awater ودّ الشاعر في إقامة علاقة بينه وبين المجتمع. ولم تقم علاقة حقيقية إلا انه في نهاية المطاف يختار العزلة. من الجائز أن يكون Awater نجح في إتمام المهمة المطلوبة منه (إقامة علاقة حقيقية بالإنسانية) غير أن العلاقة المتباعدة ولحظات الامل فيها قد أعطت الشاعر الجرأة والمقدرة على القيام برحلته منفرداً. أو أنه من جهة أخرى يجوز أن يشير Awater إلى خيبة أمل الشاعر، الذي يكون قد توصل إلى قناعة بأنه لاتوجد سبل للانخراط بالمجتمع وبالتالي فإنه لم يتوفرلديه خيار آخر عدا العزلة. إن قصيدة Awater ليست القصيدة التي تفصح بسهولة عن أسرارها. ومهما كان مغزاها فهي لم تختتم على نحو دراماتيكي أو مأساوي. إذ يحتمل أن يكون الشاعر ربح استقلاليته أو أنه قد اقتنع بضرورة وحدانيته (عزلته) وفي كلا الحالتين , بقي غير مهتم بالنتائج ولم يفصح عن عواطفه. قد لاتكون قصيدة Awater عاطفية أو أنها كانت عبارة عن هتاف من أجل النصر أو صرخة من أعماق القلب إلا أنها تبقى قصيدة ذات طابع شخصي خالص وكذلك تبقى دراما شخصية بطلها الشاعر نفسه. فقد أسفر فيها عن النفس (الذات) الشاعره، ولم تعد النفس الشاعرة في حاجة لتضع قناع راهب من القرون الوسطى أو أن تلبس مسوح شاعر متلهف للّذة من القرن التاسع عشر مثلما كان الشعراء السابقون يفعلون، ففي قصيدة نيهوف تُطرح النفس الشاعرة في هيئة إنسان بسيط بلا أبهة أو خيلاء جديرة بالشعر والشعراء. في قصيدة Awater بدا نيهوف شاعراً من نوعT.S.Elloit. أليوت إذ لم يكن كل واحد منهما شاعراً بوهيمياً رومانسياً وكذلك لم يتحصن أحد منهما في برج بل انتمى كل منهما إلى عامة الناس، أي أن الشاعر أضحى إنساناً عادياً. ولعل من المهم أن نشير إلى حقيقة أن نيهوف حينما شرع في نظم Awater عزم على إضفاء طابع Potgieter (الشاعر الهولندي من القرن التاسع عشر) على بطل قصيدته المذكورة وكان Potgieter مثالاً للشاعر المتواضع والوثيق الصلة بالناس. أشار نيهوف إلى أليوت وإلى غوته اللذين استعان بهما حينما نظم قصيدة Awater. وهكذا إذا أراد المرء أن يجد موقعاً لـ نيهوف في الشعر الأوروبي فإنه ينتمي إلى المدرسة التي ضمت أليوت. كان الشاعران كلاهما من نوع المبدعين المصلحين الملتزمين بالتقاليد الشعرية ولم يكن أحد منهم ثورياً. وقد أقر نيهوف بصلته الوثيقة مع أليوت عبر قيامه بترجمة العديد من أشعاره وإبداعه الأدبي المسمى Cocktail party وعلى الرغم من هذا يبقى التقييم الدقيق للمدى الذي تأثرت به أشعار نيهوف بأشعار اليوت عسيراً, ويمكن للمرء أن يشير إلى وجود بعض التوازي بين أسلوبيهما أو أي ميل مماثل إلى المعالجة المتشككة للملامح الرومانسية للماضي والتاريخ إلا أنه يقل وجود إثبات ما للتأثير المباشر. وفيما يتعلق بالموازاة الملحوظة بين أعمالهما الشعرية أي استخدام كل منهما بنجاح بالغ للكلمات والمصطلحات والإيقاعات المألوفة فإنه بلا أدنى شك كان نيهوف يصعد بالبناء من تلك القواعد التي أرساها شعراء آخرون ,قورتير، دير موييو، وبلوم، وذلك عوضاً عن الاقتداء بأليوت. هناك نقطة التقاء أخرى بين نيهوف وأليوت وتتمثل في حقيقة أن كلاً منهما يفرض تبعات كثيرة على القارئ. قد لاتكون قصيدة Awater من أكثر القصائد إبهاماً مقارنة بقصيدة أليوت المسماةthe wastes في درجة الاستعصاء على الفهم نسبة للإشارات الغامضة المستوحاة من الكتاب المقدس ومن شعر Ulysses و Joyce من الأساطير. وتعد ثاني أطول قصيدة لـ نيهوف هي (ساعة صفر) Het uur u وهي التي نشرت لأول مرة عام 1937. وقد بدت أهون وأسهل على الفهم من سابقتها وتمثل هيكلة الـ couplets الإيقاعية، فيها البساطة مقارنة مع شكل قصيدة Awater وكانت تصوراتها بينة وواضحة واستقامت مراجعها وسهل العثور على موضعها وقاربت اللغة المستخدمة في نظمها لغة التخاطب اليومي، أكثر من اللغة التي استخدمت في نظم قصيدة Awater وجمع طابع الحوار بين قصيدتي Awater و Het uur u غير أنه في حالة القصيدة الأولى لعب الشاعر دوراً رئيسياً إذ كان هو الشخص الذي حاول التعارف مع Awater إلا أنه في القصيدة الثانية لم يعد هنالك شخص الشاعر النشط إنما كان هنالك المشهد الذي يراقب ويشجب بدون أن يلعب الشاعر دوراً ما. فقد كان هناك رجل يتجول عبر الطرقات في ظهر يوم من أيام الصيف. وكان لهذا الرجل تأثيره الغريب على الشوارع والناس الذين يعيشون بها، تصبح أنابيب الماء والغاز وأسلاك الكهرباء الموجودة تحت الأرض واضحة للعيان ويخَّيم الهدوء والصمت على المكان ويتوتر الجو. ويتخيل الطبيب الذي يعيش بالشارع أنه قد عاد إلى عهد كان فيه طبيباً تحت التمرين ويجهر القاضي بجواز ارتكاب الخطايا ويعترف بسبق اقترافه خطايا ما. وتجد المرأة التي كانت تعرف بـ (الفاجرة نفسها عارية مثل الإلهة ديانا وقد تعرت هكذا في غابة ما وشربت ماءاً حياً. ولهنيهات قليلة يشعر الجميع بالسعادة، وتبع الأطفال الذين كانوا يلهون في الشارع رجلاً كان قد أنعطف في سيره عند زاوية الطريق، وحين ذاك يزول السحر وتعود الحياة إلى مسيرتها الطبيعية. وعندما كان هذا الرجل ماراً عبر الشارع عاش الناس الذين يقطنون فيه لحظات مواجهة الحقيقة واطلّعوا على نفسياتهم من قبل أن تصبح حياتهم منحرفة، لقد زال إلى وقت وجيز الانحراف وأضحى الناس أبرياء ونقيين مرة أخرى وماثل طهرهم الحال السابق لارتكابهم الخطايا. وكانت للرجل المقدرة على مواجهة الناس بإنسانيتهم الحقيقية وهو أمر يجعلهم يتفاعلون حياله بمزيج من الخوف والنشوه، وحينما زال السحر ارتدّوا مجدداً لواقعهم المرير: يتقابلون وجهاً لوجه إلى جانب فشلهم وخيبة آمالهم إلا أنهم كانوا منهوكين ولم يتأثر الرجل بخطاياهم أو خيبة آمالهم. وقد اقتصر أثر الرجل على البالغين ولم يتأثر به الأطفال الذين ظلوا على براءتهم وطهرهم، وبقي هذا الرجل غامضاً وجهل أمره نتيجة غياب الحقائق المتعلقة بشخصه. وقد تركزت جميع محاولات تفسير مغزى القصيدة على هذا الشخص فقد شبّه بالمسيح وتضحياته وربط بعلامات الموت وهي تشبيهات توفرت بدون أدنى شك في تصرفاته وفي كل أثر تتركه، أو لعل أهم ما يميز الرجل هو جهلنا بهويته. وفي عام 1942 نشرت قصيدة Het uur u (ساعة الصفر) في هيئة كتاب بعد أن أعيدت طباعتها على نحو واسع، وكذلك نشرت مع آخر قصيدة مطولة لـ نيهوف قبل وفاته في عام 1953. وحملت هذه القصيدة اسم idylle (الإنشودة الرعوية أو الأنشودة البسيطة) وعلى الرغم من مظهرها، فموضوعها لا يشابه مظهر وموضوع قصيدة Het uur u فهنالك علاقة وثيقة بين القصيدتين، ففي قصيدة idylle تمكن (لبروتستلاس أول إغريقي لقي حتفه إبان حصار طروادة من العودة لساعة واحدة فقط حتى يتمكن من زيارة زوجته (لأوديميا) وحينما تحل ساعة الرجوع إلى دار الخلود. تأتي الزوجة إلى سفينة العبور وتتوسل إلى هيرمس (إله عالم ما بعد الموت، أن يسمح لها بالعبور بصحبة زوجها. وقد وجد تشابه بين صور ورموز عديدة حفلت بهما القصيدتان، فمثل Het uur u تم التعامل مع ساعة الحقيقة ,غير أن التجربة في القصيدة الأولى كانت مرعبة ولفتت نظر الناس الذين كانوا يقطنون الشارع المذكور، إلى عيوبهم، فيما مكنت القصيدة الأخيرة توفير لحظة مباركة يتجاوز فيها الحب حدود الحياة والموت وحقاً اعتقد نقاد كثيرون أن القصيدتين تشكلان وجهين متقابلين لصورة فوتوغرافية واحدة ألَّفت أحداهما الشق الإيجابي لتلك الصور وجسدت الأخرى الشق السلبي. ويبقى أمر أخير واحد ألا وهو استخدام (نيهوف) للغة المعتادة كلغة للشعر. فقد استخدم اللغة المألوفة دائماً في شكل تقليدي وترك هذا أبعد الأثر على الشعر الهولندي المعاصر. فاق أثره ما تركه أي شاعر ثوري آخر. إن نيهوف لم يكن ثورياً بل كان مصلحاً، فلم يصغ أي برامج أدبية ولم يشارك في أية حركة أدبية بل بقي بعيداً عن شعراء مختلف الحركات الأدبية. وقام بنشر إنتاجه في مطبوعات تقليدية مثل De Gids ,De Beweg ing ونشر مرة واحدة فقط في مجلة الحداثهGetij . 11 ريادة الشعر الحر والانطباعية في الشعر الهولندي Herman Van der Berg حين أصدر Eernst Groenevelt وهو أحد محرري مجلةGetijفي عام 1919 إنتولوجيا شعر لمجموعةGetij، أوضح للأنام، رفض نيهوف الإعلان عن نفسه كأحد أمراء هذه الجماعة من الشعراء، إلا أن خمس قصائد لنيهوف قد ختمت هذه الأنتولوجيا، في هذا الشأن بيّن Groenevelt أن لدى نيهوف الإحساس بانتماء ما لمجموعتنا، ومن المرجح أن يكون Groenevelt قد جانب الصواب، ومرد هذا أن لا الثنائيات التي ميزت الأشعار الباكرة له ولا خمود العاطفة الذي ميّز أشعاره المتأخرة يجعلان من الممكن نسب أشعاره إلى أشعار المبدعين الذين ضمتهم مجموعة HetGetijوكانت مجلة HetGetijقد صدرت في عام 1916 وأضحت منبراً لمجموعة من الأدباء الشباب الذين تمردوا على انعدام الدفء العاطفي والمثاقفة الذي تميز به شعراء المجموعة التي إلتفت حول مجلة (حركة) De Bew eging وقد جهر هؤلاء الشعراء الشباب بالدعوة إلى مزيد من الفردانية وكان المتحدث الرئيسي باسم هؤلاء (هيرمان فان دربرخ) الذي ارتبط اسمه ببدايات الحركة الانطباعية في هولندا. وقد استخدم تعبير الانطباعية لأول مرة في هولندا من قبل Albert Verwey (فيروواي)في عام 1913. إلا أنه استخدمه على نحو معمم في إشارة إلى الشعر الذي لايعد انطباعياً. ويبقى من غير المحتمل أن يكون Verwey على علم بأشعار شعراء انطباعيين مثل Bennو Wefel و TraklوStramm أو Heym، التي نشرت في ذاك العام أو في الأعوام السابقة له, من غير المحتمل أن يكون Herman van derBerg قد عرف هؤلاء الشعراء. لقد بقيت هولندا على الحياد إبان الحرب العالمية الأولى وكانت حدودها مغلقة وعليه لم تعرف أشعار الشعراء الانطباعيين في هولندا إلا بعد عام 1918 وليس قبله. وقد زعم Van der Berg أنه حين نظم أشعاره التي ضمها ديوانه المعروف باسم (القوس) De Boog والذي نشر في عام 1917 أنه قبل نظم هذه القصائد لم يقدر له الاطلاع على شعر اي شاعر انطباعي ألماني. وأيضاً في مجموعة المقالات التي ضمها مجلده المسمى (السلوك الجاد المعاصر) NieuweTuchtوكان هذا المجلد قد ضمّ مقالاته التي كتبت خلال الفترة 1917 ـ 1922, في هذه المقالات لم يشر ولو لمرة وحدة إلى كلمة الانطباعيين ولم يشر كذلك إلى أي شاعر ألماني انطباعي. ويعود التقارب المدهش بين تنظيم وتتابع الكلمات والصور الشعرية وإضفاء الألوان، وهو التقارب الذي يجده المتابع لإعمال van der Berg وأعمال الشعراء الانطباعيين الألمان ويعود هذا إلى تطور مماثل مستقل عن التأثير المتبادل. بالمقارنة مع ديوان نيهوف المسمى (المتجول) الذي نشر قبل عام سابق ,إن ديوان شعرVan der Berg والمسمى De Boog (القوس) يبدو قد فتح آفاقاً جديدة واسعة، لقد ولى إلى غير رجعة شكل السونيتات الـ (Sonnet Form) واختفت قناعات الشعراء بالفارق بين الروح والجسد وذهبت حيرتهم عند المفاضلة بينهما. فقد كان شعر Van der Bergلكل من الأرض والجسد وتحبيذ مدوٍّ للخصوبة و عبّر عن الطبيعة الأرضية (الدنيوية) بحماسة وشدة. يتعارض هذا مع النغمات الخافتة التي كانت تصدر من شعراء مجموعة (الحركة) De beweging وتعارضت مع شعر (نيهوف) ,كان شعر vander bergشعراً ذا رؤيا ، وبدى خيالاً متراكماً على خيال آخر. وأحيانا يتراكم الخيال بعضه على الآخر على حساب الوضوح. كان يجب على الناقد الذي قال عن نيهوف إنه ينظم الشعر وكأنه يهمس به في إذن المرء، على ذلك الناقد أن يقول إن شعر (vander berg) يماثل أنغام الأبواق النحاسية وقد ترك تجديد وصخب شعر vander berg أعمق الأثر على الشعر الهولندي، فقد قال بشأنه شاعر شاب هو الشاعر Hendrik Marsmanهندريك مارسمان أنه قد قرأ ديوان شعر vander berg المسمى (القوس) بقداسة وتقدير. وحقاً فإن شعر marsman يبقى شاهداً على إعجابه الشديد بشعر vander berg وعلى الرغم من الحماس الزائد الذي أبدى إزاء صدور ديوان vander berg فإن اثر الديوان الشعري المسمى De Boog كان محدوداً على الإطلاق ولم تدم آثاره طويلاً, مما يدل على محدودية أثره عدم تحول مبدع واحد إلى الانطباعية من بين الشعراء والكتاب الشباب. لم يكن هنالك إلا Marsmanالذي تأثرت أشعاره الباكرة بالانطباعية وفيما عدا هذا لم تترك الانطباعية أثراً على الأدب الهولندي. الشعر المرسل والرؤى الوجودية Hendrik Marsman هندريك مارسمان كان Marsman معجباً للغاية بالشاعر البلجيكي VanOstajenوكتب عن شعر هذا الأخير (... أنت ترغب طوال الوقت في شعر حداثي ,في حين أنني أريده فقط لبعض الوقت..) هذا ما صرح به Marsman في عام 1925 وأظهرت هذه التصريحات شعوره غير الثابت إزاء الحداثة الشعرية. ولد Marsman في عام 1899 وبدأ ينظم شعراً على النمط الانطباعي وكان واقعاً آنذاك تحت تأثيرHerman van der berg . إلى جانب الشكل الحر والمرسل والذي كان أكثر انطلاقة وتحرراً من شعر Vanderbergتميز شعر Marsman بالرؤى الوجودية، إذ أن الشاعر كان يحس نفسه تشكل جزءاً من الوجود وأحياناً أخرى كان لديه الإحساس أنه المتحكم في هذا الوجود (الكون). ما برح هذا الإحساس متضمناً في كثير من إنتاج الشعراء الانطباعيين أمثال Herwarth Walden وHerman Kasaok. غير أن ذاك الإحساس لم يجد التعبير المطلوب والقوي مثلما وجده في الأعمال الباكرة لـMarsman . وفي عام 1921 قام Marsman بجولة عبر ألمانيا التقى خلالها بـKasack و Walden اللذين كانا قد تعرفا على أشعاره قبل عام مضى. ولعله قد تعرف على أشعارهما في العام السابق لقيامه بتلك الجولة من خلال الانثولوجيا التي قام بنشرها في عام 1920 وحملت اسم Menschheits damnerung. قد يكون تعرف على أشعارهما عقب نشرها في مطبوعات مثل Dersturm وAktion، وكنتيجة لتلك الجولة نظم مجموعة من القصائد وصف فيها مختلف المدن الألمانية والهولندية التي قام بزيارتها وقد جمعت هذه الأشعار في مجموعات ضمها الديوان المسمى (الإشارات) Sienen الذي بدا منذ الوهلة الأولى نوعاً نقياً من الشعر الانطباعي، وفيه بدى المظهر الخارجي للقصائد وكأنه من صياغة August stramm خاصة فيما يتعلق باستخدام المقاطع الشعرية ذات الكلمة الواحدة. لكن لا يوجد شاعر ألماني انطباعي صاغ مثل هذه الصور الانطباعية للمدن، فقد كان الانطباعيون قد صبوا جل همهم في التجريد (التجريدية) ووصفوا المدينة والمدن بصورة عامة ومطلقة، وحاولوا عكس أجواء المدينة مثلما هي. في الوقت الذي كان فيه Marsman مهتماً بالانطباعية الطرقية والتي كان يستوحيها من كل مدينة على حده (أي الأثر والانطباع الذي توصل إليه عند كل مدينة)، وفي مثل هذه الأشعار يكون اللغو انطباعياً وتكون الرؤية أكثر قرباً إلى الانطباعية. وعقب نشر ديوانه الشعري المسمى Verzen (الأشعار) وهو الصادر في عام 1923، أدار ظهره للانطباعية وتنحى إعجابه بشعر Stramm, heynicke, kasack, ففي مقالة حملت عنوان (عشر سنوات من بعد نشر الاثنولوجيا المسماة....) Tien jaar na Menscheitsdamnerung وهي المقالة التي سطّرها في عام 1929، لقد توصل Marsman إلى استنتاج مفاده ,الممكن الإبداعي للانطباعية كان على قدر كبير من التواضع، فقط هنالك شاعران هما heym,Traklوأشعار متفرقة لشعراء قليلين يمكن استثناؤهما من مثل هذا الحكم الجازم. واستطرد Marsman قائلاً (ليس الشعر بمادة تفجير (ديناميت) ولكنه الماس بعينه). وبعد عامين بخّس كثير من شعر Van oestijne الذي كان شعراً انطباعياً أيضاً ـ ووصفه بأنه هراء إنساني، في ذلك الوقت شهد شعر Marsman تغيرات جذرية إذ كانت أشعاره الباكره عموماً متحمسة وعاطفية ونشطة ومتفجرة. وقد عدّ الشاعر نفسه جزءاً من الكون كما هو الحال في مجده الشعري المسمى Verbevene (الرفعة). كان هذا المؤشر العام في ديوانه الشعري الآخر المسمى، الحاكمHeerverhevene كان الشاعر وحيداً بيد أنه كان مكتفياً بذاته. وبسبب جرأتها ونقمتها الفعالة والنشطة فإن قصائده كان يشار إليها بالشعر (الناشط). غير أنه في العديد من أشعار تلك الفترة كانت توجد نغمات انهزامية وأخرى تصدح بالفشل والموت. هذه هي النغمات التي ارتفع رنينها تدريجياً حتى أضحى قوياً الشعور بالوحدة والعزلة وهو الشعور المتوقع دوماً. كان هذا الشعور جزءاً من الواقع المعاش للشاعر، وقد انصب جلّ الهم في أشعاره المتأخرة مثل (الجنة المستعادة) Paradise Regained والذي صدر في عام 1927 وحمل نفس الطابع ديوان Porta nigra الصادر في عام 1934 إذ إهتمت القصائد بذات الشاعر أكثر فأكثر مما اعتنت بالنفوس الأخرى. وعكست هذه الأشعار رغبة في التغلب على العزلة من خلال الحب والصداقة وسجلت خيبة الأمل والخسران وعبرت عن الخوف من الموت وهو الخوف الذي كثر في الأعمال الأخيرة، وفي نفس الوقت ـ كما هو شأن نيهوف فإن أسلوبMarsmsn في قرض الشعر أصبح مبسطاً على نحو كبير. لقد إنمحت الكلمات الضخمة التي كانت في أشعاره الباكرة، وهي سمة العظمه والتألق ـ غير أنها في أحيان كثيرة بدت جوفاء. استعيض عن هذه الكلمات الرنانة بسبل تعبير متواضعة وعادية. في عام 1940 أصدر Marsman ديواناً شعرياً جديداً حمل اسم (المعبد والصليب) Tempel en kruis. وكان هذا آخر إنتاج شعري له. وبإلقاء نظرة عابرة عليه يبدو عملاً متجانساً لأشعار متناسقة هي الأخرى. تراوحت بين أشعار مرسلة وأخرى مقيدة (مقفاة) وأخرى من نوع الحوار وأخرى كانت أنشودات. وفعلاً كان هذا الديوان الشعري مترابطاً إذ يجمع الموضوع الرئيسي بين سائر القصائد المضمنة فيه. لما كان Marsman ينظم الشعر في الفترة السابقة على نحو مباشر لوقوع الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي هددت فيها الفاشية والنازية أسس الحضارة الأوروبية. حاول تعريف ما أعتبره أساساً وقيماً رئيسة لحضارات أوروبا ولهذا ميَّز بين عنصرين رئيسيين: تراث اليونان القديمة (المعبد) والديانة المسيحية (الصليب). ومن وجهة نظره كانت المسيحية عقيدة دينية في بدايتها على قدر كبير من الشجاعة والجرأة وكانت مثيرة للخيال إلا أنها تردت إلى طقوس وعقائد جامدة وبالتالي لم تعد تهم الشاعر. وزيادة على هذا رفض الشاعر الاعتقاد بالخطيئة الأصلية. غير أنه في بحثه عن مجتمع يمكن أن ينتمي إليه ويمكن في داخله التخلص من الشعور بالخوف من الموت ولهذه الأسباب مال الشاعر إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وفي آخر لحظة يتراجع الشاعر, ومنذ تلك اللحظة يعتبر أن الإقتراب من الكنيسة يعد خيانة في حق الحياة. ونتيجة لغلبة الشعور باليأس تجول في أرجاء بلاد البحر الأبيض المتوسط حيث وجد نفسه في أجواء العالم القديم طليقاً من تأثير ذكريات صباه نتيجة لهذا وجد الشاعر نفسه حراً ومعتوقاً من أسر ماضيه الاضطهادي في الجزء الرابع من القصيدة المسماة (المعبد الذي لا يزال قيد التشييد) Onvol tooide Tempel صرح الشاعر بالقول: (... لقد تسلل القرن العشرون رويداً رويداً دون أن ينفث زفرة هواء واحدة أضحى يسرع نحو النهاية..) وبالتالي ينفسح المجال للسكينة التي يوفرها عالمنا السالف وعهودنا القديمة) كانت خاتمة هذا الديوان الشعري هو أن يكتب في روح هذا البحر وأن يختار القديم من العهود وأن يقع الاختيار على عنصر الدانيوس الخاص بالحضارة المعاصرة. هذه النظرة توضح حقيقة أن Marsman عند قيامة بنظم الشعر المتأخر هذا كان واقعاً تحت تأثير نيتشهNietsche الذي كان مؤلفه (هكذا تحدث زارادشت Also sprach Zarathast )وقد ترجم إلى اللغة الهولندية. ولما كان ديوان (المعبد والصليب) آخر إنتاج شعري له، أُعتبر خير أشعاره وأشهى ثمرة لشاعريته. لعل أكثر إفادة أن يعتبر هذا الديوان الشعري منطلقاً جديداً تماماً: إذ كان ديواناً دورياً (يحتوي على مراحل فكرية وإبداعية متعددة) واحتوى تحليلاً تحقيقياً للأوضاع الخاصة للشاعر. في واقع الأمر جعل الجمع بين التحليل الفكري والموهبة الشعرية هذا الديوان يحتل صدارة أعماله وجعلت هذه العوامل هذا العمل الشعري الرائع يتفوق على الإنتاج الشعري لسائر الشعراء الذين عاصروه. بعد عام 1940 كان الأمل معقوداً على أن يعطي الشاعر الكثير في مجال ترقية الإبداع الشعري. بيد أن عطاؤه أُوقف فجأة، إذ فقد الشاعر حياته حينما غرقت السفينة التي حاول Marsman الهروب بواسطتها في عام 1940 من فرنسا إلى إنجلترا وكانت السفينة قد أصيبت بطوربيد ألماني خارج بوردو. كانت موهبة (مارسمان) موهبة شاعر من الدرجة الأولى، وبالتالي ركز هذا المبدع جهده على نظم الشعر. وفيما يتعلق بتلك الفترة كانت الشاعرية عبئاً عليه في أغلب الأحوال. بعد كتابة بعض القصائد النثرية ولعلها نُظمت على نهج Trakl، وكذلك كتب بعض القصص، شرع مارسمان في كتابة رواية بعنوان Vera والتي شكلت مثالاً للفشل التام والمبين. كان الشاعر قد أعاد صياغتها عدة مرات ولم تر النور إلا في عام 1968 حينما نشرت على هيئة كتاب. أما فيما يتعلق بروايته التالية (موت الملاك ديخروس) De dood van Asde Degroux فإنها كانت أكثر إقناعاً رغم ضعفها التركيبي، كان موضوع الرواية هو ضعف قدرة الشخصيات الرئيسة فيها على التغلب على عزلتهم الذاتية, وهو موضوع لم تخلُ منه أشعار Marsman. كانت هذه رواية عامرة بالأفكار عوضاً عن الشخصيات وهناك مقاطع شعرية، على الرغم من حسن نظمها وبلاغتها إلا أنها دائماً بدت خارجة عن الإطار، نجح في إدخال مثل هذه المقاطع على نحو متجانس في مؤلفه (أنا الحاضر وأنت الغد) الصادر عام 1937. وكان هذا عبارة عن مؤلف روائي كتبه مع Simon Vestdijk وكان الشكل الذي صاغه للرواية قد مكنّه من أن يكون النفس الشاعرة التي أراد أن يكونها من دون ضغط على المحتوى الحواري للرواية، وفيما يتعلق بـ Marsman الناقد أيضاً ,هو في نهاية المطاف وفي الدرجة الأولى شاعر وهكذا عبّر عما يجيش بخاطره بصورة جمالية وشاعرية. نقده ليس موضوعياً، كانت الموضوعية في نظره انحيازاً جباناً، وخيار ألا تكون لديك ميول و أمور محببة، وكان Marsman يعتقد أن النقد هو مصادمة بين شخصيتين ـ شخصية العارض (المؤلف) والأخرى المستعرض (الناقد) وبموجب هذا كان نقده غير متساوي القدر، ففي بعض الأحيان تمكن من تكوين وطرح آراء ذكية ومجدية، وأحيان أخرى منعه عدم موضوعيته من التعامل على نحو فعال مع كافة الوقائع والحجج ودفعته إلى التصريح بآراء قطعية وغير مستورة. وقد طغت على نقده الباكر, ظهر بعضها شبيهاً بالبرامج الأدبية وبدت كأنها تسن القوانين للأدباء وتشير إليهم بما يجب أن يكتبوا حوله وما لا يجب الكتابة بشأنه. كان زعيماً متحمساً وتقبل زعامته هذه شعراء وأدباء العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. ففي عام 1825 أصبح محرراً لمطبوعة (الصفحات الحرة) De vrije Bladen وهي مطبوعة صدرت في عام 1924 وذلك عقب إغلاق مطبوعة (المد والجزر) Het Getij في ذلك العام. استطاعت هذه المطبوعة تحقيق نجاح كبير وأصبحت مطبوعة الأدباء الجدد. غير أن رئاسة التحرير من قبل (مارسمان) لم تكن بذاك النجاح المطلق. هنالك خيبة الأمل التي أحس بها عندما فشلت المقالات الساخنة التي دبجّها وحاول عبرها إلهاب الحماس بين الأدباء ولم تثمر تلك المقالات نتائجاً ملموسة وفي أحيان متعددة أخرى أدت إلى نتائج غير مرغوبة. فقد أختار أدباء أقوياء الشخصية الطرق الخاصة بهم ولم يتأثروا بلسعات سوط مارسمان. ولَّدت هذه القسمة توترات كبرى وسط المساهمين في تحرير مطبوعة (الصفحات الحرة). التطاحن بصدد الإتصالية والتخاطبية للشعر وجمالياته في عام 1931 كان هناك الشعور الحاد وسط الأدباء والشعراء الذين أسهموا في تحرير De vrije Bladen، وكان أكثرهم توجساً هو مينوترياك، Menno terr Broak الذي كان أقوى كاتب للمقالة ضمن تلك الحقبة الأدبية، ففي هجوم على (السّبق الصحفي) الذي جرى في صفوف الأدباء المساهمين في المطبوعة كان السبب في هذا الهجوم هو صدور إثنولوجيا للشعر المعاصر( الموشور) Prisma والتي أشرف على إصدارها D. A Bennendijk وهو أحد محرري DevrijeBladenفي مقالة تحسر ter byak على التشابه والتماثل بين الشعراء الذين ضمتهم الإثنولوجيا، ودعا إلى المزيد من الأصالة والتعبير المستقل، سرعان ما تحول النقاش المستمر والمتسع عن مناقشة الأصالة والتعبير المستقل وأصبح يركز أكثر على المشكلات النظرية الهامة في مجال الأدب: جماليات الإبداع الأدبي وشخصية الأديب ـ أي من يقف خلف العمل الأدبي. وقد اقتصر الشاعر J. C. Bloem موضوع الجدل في عبارة واحدة فقط ,الشكل أم الشخص Vorm of Ventوإذا ما عُكس الجدل في إطار عالمي فإنه يعكس آثار الجدل القديم والتناقض بين الجماليات Aesthetic ومدرسة القيم الأخلاقية The mordistopprooch أو التعارض بين (الفن من أجل الفن) و/ أو (ضرورة الألتزام). وقد إختار الشاعر (مارسمان) موقفاً حيادياً في هذا الجدل. كان Marsman قد استقال من رئاسة تحرير De vrije Bladen في عام 1926، ثمّ عاد فتولى رئاسة تحريرها لمرة أخرى خلال الفترة 1929 ـ 1931. إبان فترة الجدل والصراع إعترف بعدم أصالة شعراء عديدين وفي نفس الوقت نأى بنفسه عن اعتقاد Ter braak بأهمية الشخصية الأدبية(النفس الشاعرة) فيما يتعلق بالشعر وتفوّق أهميتها أهمية (المسائل الجمالية) ,كان لذلك نتائج على الحياة الأدبية في هولندا: إذ انفصل عن المجموعة De vrije Bladen وأسس مع كل من Duperronوالكاتب الفلامنكي Maurice Roelants مجلة Forumوهي المجلة التي تركت أبعد الآثار على تطور الأدب الهولندي، وقد صدر أول عدد من المجلة في عام 1932 وفيه اتخذ المحررون موقفاً معارضاً حيال (تقديس الشكل) على حساب (الإنسان المبدع) ويعود سبب قوة تأثير مجلة Forumعلى الموهبة الخطابية والبلاغية لكل من Ter Braak و Du perron وقد خرجا منتصرين من المناظرة حول (الشكل أم الشخصية الإبداعية) وبعد انتصارهم على Binnendijk دفعا Marsman إلى اتخاذ مواقع دفاعية. وهكذا سادت أفكار Forumخلال الفترة 1930ـ 1940. طوال هذه الفترة كان كل أديب أو شاعر مرتبطاً بصورة ما بمجموعة Forumوينطبق هذا على Marsman أيضاً، وعلى الرغم من التشابه بين تحيزاته وتحيزات ,Du Perron, Ter braak, فإن Marsman يتشكك في موقفهما أزاء الشعر إلا أنه أصبح مساهماً في المجله في السنوات الأخيرة من حياته, فقد نقده طابعه الشامل والكاسح وأصبح يبدي رغبة متزايدة في الدخول في عالم من صنع الأديب حتى وإن لم يكن يخصه. وأما فيما يتعلق بنقد Ter Braak فقد تميز إنتاجه الأدبي بالحاجة إلى فضح القيم الزائفة وملاحقة كل تلاعب بالكلمات. وبحكم نقائه وصدقه في الأفكار التي عبًّر عنها خلال المناظرات حول الإثنولوجيا الشعرية Prisma كان دائماً مهتماً بالأديب (النفس الشاعرة) وليس بالنتاج (الإبداع الأدبي شعراً أم نثراً) لم يلقِ بالاً للكيفية التي يتم بها تقديم الإبداع الأدبي، إذ أن جلَّ همه كان منصباً على الجانب التخاطبي، والإتصالي للشعر وأعطى القليل من الإهتمام إلى الجانب الجمالي (زهو وجمال الشعر) وكثيراً ما أشار Ter Braak إلى الشاعر Der mouw الذي أعيد اكتشافه بعد أن طواه النسيان لسنوات طويلة وكان كثيراً ما يشيرإليه كمثالٍ جيدٍ للشعر الإتصالي عوضاً عن الشعر المجمل (الذي عليه طلآوة وزهو) وضمن مجموعة forumكان صديق Ter Braak وشريكه في تأسيس مطبوعة charles du perron وقد أتى هذا الأديب من خلفية مغايرة تماماً، إذ أنه ولد في جاوا (أندونيسيا الحالية) ولم يستقر في هولندا بل اختار فرنسا مهجراً, إذ قطن في باريس وعاش فيها حياة بوهيمية, ليس بسبب الحاجة أو العوز إنما لأن قراءاته منحته طعم مونت مارتير فأراد أنه يتذوقه بالفعل. وجمعت عرى الصداقة بينه وبين العديد من الرسامين والأدباء المقيمين في فرنسا ومن ضمنهم Andre Malraux, Pascal pia. (وفي عام 1933 أهدى Malraux كتابه La Condition Humaine لصديقه Du perron ولم تقتصر ثمار العيش في باريس على نظم الشعر وكتابة المقالات النقدية بل شملت أيضاً رواية Een voorbereiding (إعداد ما). وكان نقد Du perron مبنياً على نفس المبادئ والأسس التي بني عليها نقد Marsman ونقد Ter Braak إلا أن نقد الأول كان له طابع شخصي زائد: إذ يشكل نقد Du Perron (النقد وجهاً لوجه). وكان Du Perron قد أوضح جلياً أنه لا يريد أن يعتبره الناس ناقداً تقليدياً وقد عبَّر عن رغبته هذه في مقدمة لعمل أدبي حمل عنوان (صحائف أحد القراء). Cashiers Van een lezer ولم يزعم أن آراءه النقدية تسري على شخص آخر بعينه ,إنما عليه وعلى عدد قليل من أصدقائه الذين يشاركونه الاعتقاد المماثل حول بعض مشكلات الشعر والأدب. وقد ضمن هذا الرأي (الذاتي) أحد أشهر مقالاته النقدية والتي تعد من أهم المقالات التي كتبت حول الإبداع الأدبي لـJaen slauerhoff وهو شاعر وروائي كان ضمن مجموعة Forum وكان Du perron قد كتب قائلاً (يجب الانتباه إلى حقيقة أنني وإذا دعت الضرورة للتأكيد ـ وحدي فقط المعني بدرجة كبيرة بقصيدة Dsjengis (إحدى قصائد Slaurhoff ولا تعنيني على الإطلاق قصيدة Leopold المسماة Cheops) وكان نقد Duperron موجهاً بصورة رئيسة لغرض التعرف على النفس الشاعرة, أي المبدع الفرد الذي يقف خلف الإبداع الأدبي ومعرفة إذا ما كان هذا الأديب أو الشاعر الفرد ضمن الأعداء أو في عداد الأصدقاء. وهذا ما أوضحه جلياً عنوان أحد المجلدات النقدية والذي حمل عنوان vriend of vijand(أعدو أم صديق). وحقاً كان Du perron يستخدم العمل الأدبي كمعيار لتحديد وجهة العداوة أو الصداقة في حالة كل مبدع على حدة. لقد تبيّن الأثر الذي تركته مطبوعة Forumعلى الأدب الهولندي، بصورة جلية في مجال النقد الأدبي والرواية أكثر مما في الشعر. أغلب الأدباء الذين ضمتهم هذه المجموعة هم من كتاب النثروالشعر. وفي جميع الحالات عدا Slauerhoff طغت كتابتهم للنثر على قرضهم للشعر: إذ لم يقم TerBraakبنظم الشعر، في حين أبدعDu permon بعض الشعر, وبقي ديوانه Parlando جديراً بالقراءة غير أنه ليس بإبداع رجل عمد للتعبير عن خواطره من خلال الشعر. وإجمالاً كان شعراء مجموعة Forum شعراء ذوي شأن متواضع, تجنبوا العظمة والرفعة الجمالية واستخدموا الكلمة الاعتيادية واختاروا الخوض في موضوعات الحياة اليومية. شعرهم يحمل طابعاً رومانسياً إلا أنه متزن ومسلٍّ, وفيما يتعلق بشكل القصيدة فإنهم تقليديون, ويعد الشاعر Jan Greshoff أباً لشعر مجلة Forum. إنتمى هذا الشاعر، وهو المولود في عام 1888 إلى جيل سابق لكل من Du perron, Ter praak وترك آثاره على الأدب منذ عشرين عاماً سابقة لتأسيس جماعة ومطبوعة Forumوخلال العشرينات من القرن العشرين إتجه Greshoff عن عمد إلى استخدام نوع من التعبير الاصطلاحي المصاغ بلغه العامة Colloquial idoms، يضاف إلى هذا الطابع الشخصي لإنتاجه الأدبي. وقد تمكن عبر هذا من ترك أبعد الآثار على الشعر الهولندي إبان العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. وحينما تأسست Forum أصبح Greshoff مساهماً منتظماً, وعندما توقفت عن الصدور في عام 1935 أستمر في دعم أهدافها بصفته محرراً لمطبوعة (هولندا الكبرى) Groote Nederland وهي مجلة أدبية صدرت خلال الفترة الواقعة بين 1903 و1944. كان الأديب الوحيد من بين أعضاء مجموعة Forum الذي جمع بين الشعر والرواية هو Slauerhoff وكذلك كان أبرزهم من حيث مقدار الطابع الشخصي في إنتاجه الشعري والنثري. وقد بلغ مقدار طابعه الشخصي شأناً عظيماً بحيث يصعب ضمه لشعراء مجموعة Forum أو أي مجموعة أدبية أخرى. وفيما عدا الملاحظات القاسية بشأن بعض الأدباء والتي أثارت غضباً واسعاً عليه، كذلك عدا فترة قصيرة عمل خلالها كناقد أدبي لصحيفة, فإنه لم يكن نشطاً ومساهماً دائماً في الحياة الأدبية مثلما فعل Ter Braak ,Du perron ,Greshoff Marsman. ولد J. Slauerhoff بمدينة ليواردن في عام 1898 ودرس الطب بأمستردام. عمل كطبيب ملحق بالسفن وذلك عقب تخرجه في عام 1923. بهذه الصفة تمكن من القيام برحلات متعددة إلى الشرق الأقصى, جزر الهند الغربية, الصين, أفريقيا. ولفترة وجيزة قبيل وفاته عام 1936 شارك بصفته شاعراً في الحياة الأدبية. كانت أول مساهماته في Het Getij إبان عام 1921 و نشر بصورة مستمرة في Vrije Bladen منذ بدء صدور هذه المجلة . غير أن الاعتراف الواسع بشاعريته جاء من قبل مجلة Forum، أول من قيَّم شعره هو Du Perron الذي نشر في عام 1930 مقالته النقدية الهامة (الحديث بشأن الشاعر Slauerhoff) Gesprek over slauerhoff كان slauerhoff قد أصدر ست مجلدات من الشعر من بينها (مجموعة الجزر البركانية) Archipel وقد صدر في عام 1923 وتبعه Lair Obscur الصادر في عام 1927 وتلاه Oost-Aziaآسيا الشرقية وكان قد صدر في عام 1928. كانت هنالك دواوين شعريه أُخرى: Eldorado الصادر في عام 1928، Satrunus الصادر في عام 1930 وSerenade والذي صدر في نفس العام 1930. وفي مجموعها لقيت قدراً واسعاً من الترحيب وكذلك لقيت مقاومة عنيفة. أما Marsman فإنه وازن بدقة بين الحسنات والسيئات وكتب يقول (..شعر Slauerhoff أصيل وشاهد على الجمال الشعري وفيه نقاء وعمق, إلى جانب شيءٍ من الرقي والعذوبه,من جهة أخرى فإنه عدَّ ذاك الشعر (.... مهملاً ـ غير مرتب ـ وكانت أنغامه وأوتاره متقطعة وكثيراً ما عانى من فقر المشاعر...). أما Du Perron الذي كان طاغياً فإنه رفض وجهات نظر Marsman إذ قال (.. لعل Marsman ينتمي إلى تلك الفئة من الناس الذين حينما يعشقون إمرأة ويصدف أن يكون لها أنف معكوف قليلاً وأن يكون لها يدان ضخمتان بعض الشيء فإنهم يعمدون إلى جدع تلك الأنف أو بتر تلك الأيدي). كان الصدام بين وجهتي نظر، إحداهما انتقائية ومتحفظة مقابل قبول آخر غير مشروط، كان هذا هو طابع النقد الذي لقيه شعر وأدب Slauerhoff ، لقد شكل Slauerhoff طرازاً غريباً من الشعر الهولندي إبان العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين: إذ كان فيه من القرن التاسع عشر طابع الشعراء الذين يشار إليهم ب poetemaudit وعلى وجه الخصوص كان في Slauerhoff ملامح من الشاعر Tristan Corbiere الذي تحمس له الشاعر الهولندي لبعض الوقت، وقد اهتم Slauerhoff بموضوعات مثل الحب، البحر، السفن، القرية، اللاانتماء. شعره يبدو كالشعر الرومانسي اللاحق (، غير أنه كان من نوع الشعر الرومانسي الذي ينتهي دائماً بنغمة من الشكوك أو الشعور بالمرارة، أسلوبه المباشر (الواضح والسلس) على درجة عالية من الحداثة. وهذا ما إلتفت إليه Marsman . كان هناك حضور دائم لـ Slauerhoff في جميع أشعار Du perron. حقاً لا يوجد شعراء كثيرون تمكنوا من التعبير عن ذاتهم بلا حدود مثلما فعل Slauerhoff: كانت هنالك مثاليته, شكوكه، ظنونه، وحنينه للسلم. شكلت هذه المتناقضات والصفات المتنافرة التي اجتمعت وغطت معظم أشعاره وأدت إلى عدم التساوي من حيث القيمة الجمالية والشاعرية والاضطراب بين مستويات إبداعه الشعري. بقي شعره ذا طابع شخصي: إذ كل ما نظم كان تعبيره الذاتي وحدسه وتميز بنغمته الخجوله, كما أشاع Greshoff لقد كانت نغمات شعره نغمات الهوس وخيبة الأمل واليأس أحياناً. كل هذه أدت إلى إنعدام العناية بالإيقاعات والشطور والأبيات وتناسقها، كان هذا ما عنى النقاد من قصور على الرغم من المذاق الجذاب وإلى جانب هذا كان الزعم بوجود فوارق في المستويات (الجمالية) لقصائد Slauerhoff, وعزوا هذا إلى عيب في أسلوب نظمه، غير أن مثل هذا الزعم يُدحض إذا ما قورنت أشعاره خاصة تلك القصيدة الرائعة (الرقصة الصينية) Chines Dans التي تشكل دُّرة ديوانه الشعري مجموعة الجزر البركانية Archipel . وقد أوضحت القصيدة من بدايتها إلى نهايتها أن Slauerhoff كان يملك أسلوباً شعرياً قوياً قلَّ أن يتمتع به شاعر معاصر له. الشكل أم الموهبة ـ قضية أخرى من قضايا الشعر Simon Vestdyk ـ سيمون فستدايك دون أدنى إجحاف بحق أي شاعر أو أديب يمكن القول أن جميع شعراء وأدباء النصف الأول من القرن العشرين قد غمرتهم ظلال عبقرية Simon Vestdyk. ولد Vestdyk في عام 1898 وتوفي في عام 1971. كان ظاهرة أدبية نادرة في تاريخ الأدب الهولندي ولعله قد يندر في العصر الحديث وجود شخصيات أدبية لها نفس المقدرة والموهبة والفعالية، كانت إنتاجيته مذهلة بحيث لا يمكن وضع سجل ثابت لها. ألهم هذا الوضع A. R. Holst ليصف Vestdyk بـ(... من يكتب بسرعة تفوق السرعة التي يقرأ الرَّب بها) وقلّ أن تجتمع الروعة والجودة الفائقة في أعمال أدبية شتى ولزمن طويل, ولعل أكثر ما يميز أعمال هذا المبدع أن روعتها وجودتها توجدان معاً وفي أغلب أعماله. إقترن هذا مع سمو معرفة وإهتمامات Vestdyk, ولم يقصر جهده على تأليف وإصدار حوالي خمسين رواية وسبع مجلدات للقصة القصيرة واثنين وعشرين ديوان شعر وثماني عشرة مجموعة من المقالات والنقد وترجمات جديدة. كذلك أسهم Vestdyk في مجالات أخرى غير الأدب. فقد كتب في الحقل النظري للموسيقا والأديان، وعلم النفس وتناول العلاقة بين التنجيم والعلوم وكتب في فلسفة الزمان, ولم يخل عمل من هذه الأعمال الأدبية والفكرية من معرفة واسعة وإدراك عميق، وقد دلَّ أكثرها على أن Vestdyk كان باحثاً جاداً لديه أفكاره الخاصة به والأصيلة ومعرفته العميقة. ومثل Slauerheff تلقى تعليمه بمدينة ليواردن, ودرس الطب بأمستردام وقام برحلات بحرية إذ عمل كطبيب ملحق بالسفن. ومنذ عام 1924 كرس جهده بصورة مطلقة للتأليف والأدب ونظم الشعر والأبحاث. في عام 1932 ترك أثره الأدبي العميق بديوان شعر حمل اسم Verzen أشعار، وفيه وكما في سائر الدواوين الشعرية اللاحقة برهن Vestdyk على أنه شاعر من طراز Nijhoff, Van Eyek, Der Mouw، وفيما يتعلق بالشكل كان Vestdyk شاعراً تقليدياً, لم يكن حداثياً مثل Marsman, Vanoostajen كان شعره يتطلب إنتباهاَوتفكيرا َويتميزبالهدوء الى جانب التحفظ, وفي السنوات الباكرة صاغ الشعر على النحو المفضل لدى جماعة Forum. كان شعره يصاغ على هذا النحو مضافاً إليه سخرية تماثل سخرية Du perron ,وفي مرحلة تالية أصبح شعره أكثر إنشاءاً. لم يكن إنشاؤه من النوع المسرف في التعبير عن العاطفة عوضاً عن هذا ظل على الدوام هادئاً وذا طابع فكري, وكان شعراً وصفياً,هو يعد الشعر ثالوثاً للصوت، الطيف (الخيال الشعري) والفكر: ويبقى الطيف في الوسط مثله مثل الجزء الشهي من سمكة مشوية. وهذا وصف لاشك ينطبق على شعر Vestdyk الذي شكل التصوير (الطيف) أهم عنصر فيه ـ وعلى الرغم من أنه كان صديقاً دائماً لـDu Perron, Ter Braak وكونه أيضاً أحد محرري مطبوعة Forum خلال الفترة 1934 ـ 1935 فإن شعره المتحفظ إلى جانب ثراء في الإفصاح عما يجيش به صدره، جعلاه عضواً مختلفاً عن سائر أعضاء مجموعة Forum ـ إذ يمكن اعتباره بمثابة المتردد، الغريب عن أفراد هذه المجموعة بحكم كونه ناقداً، ففي عام 1934 كتب قائلاً لـMarsman (... إنني إنحزت على نحو فردي وبشكل تام إلى الموهبة، متى ما تطلب الأمر إصدار حكم على شخصية أدبية متواضعة الدرجة (القيمة الأدبية) (وقد عُدَّ قوله هذا هرطقة في نظر أعضاء مجموعة Forum الذين كان همهم (الشكل أم الأديب) (الموهبة أم الشخص) وكان Vestdyk قد تمادى في معارضة وجهة نظر جماعة Forum إذ أعلن أن المشكلة التي تشغل أذهان أعضاء هذه الجماعة تشابه المشكلة وليست بمشكلة في حد ذاتها، وقال إنه لا جدوى ترجى في مناقشة الموهبة دون التطرق إلى المبدع. وأعتقد أن لا جدوى من تناول المبدع بدون التطرق إلى الموهبة. وفي نقده كان Vestdyk مهتماً بالدرجة الأولى بالإنتاج الأدبي ذاته وليس المبدع الذي يقف خلفه. وفيما يتعلق بسلوكه كان أقل حدة بالمقارنة بسلوك كل من Du Perron, Ter braak. كان أكثر منهما موضوعية ومقالاته النقدية عبارة عن دراسات جادة خاصة، مقالاته المطولة حول Emily Dickson, Jouce, Valery, Rilke قد كان بمثابة الدراسات والأبحاث فيما يتعلق بالعمل الأدبي الذي كان Vestdyk يستعرضه أو ينقده. بغض النظر عن القيمة الفائقة لشعره ومقالاته النقدية إلا أن Vestdyk عُرف كروائي من الدرجة الأولى. فقد تعددت أشكال وأنواع رواياته: ضمنها السيرة الذاتية، الرواية التاريخية، الرواية الخيالية، وعُدت بعضها كروايات سيكولوجية وعموماً تقع رواياته خارج عرضنا هذا لمشكلات شاعريته. كذلك يجدر بالذكر تسلسل الأدب الهولندي خلال سنوات الحرب وكان Terbraakقد توفي وتوفي Du Perron وغرقت السفينة التي أقلت Marsman في عام 1940. في ذلك الحين كان Slauerhoff قد قضى نحبه قبل أربع سنوات خلت حين وضعت الحرب العظمى أوزارها، كان أهم شعراء البلاد خلال تلك الفترة قد توفوا ومات ناقدان هامان. خلال تلك الفترة 1940 ـ 1945 حاول النازيون توجيه الحركة الإبداعية وإعطاءها طابعاً اشتراكياً وطنياً (الفكر النازي). جرت هذه المحاولة عبر إنشائهم في 1945 ما سمي بـ(غرفة الثقافة) kultuur kamer التي فرضت على كل شاعر أو كاتب الانتماء إليها إذا أراد أن ينشر إبداعه الأدبي، وكانت النتيجة أنه لم يصدر إبداع ما يستحق الاهتمام خلال الفترة 1942 ـ 1946. حينما استعيدت حرية النشر إتضح أن الأدباء المنتمين إلى جيل ما بعد الحرب يتفوقون من أوجه شتّى على جيل الأدباء للفترة السابقه. فقد كان هؤلاء الأدباء السابقون، خاصة أعضاء مجموعة Forum أخلاقيين من الدرجة الأولى. لم تكن أخلاقياتهم متجاوبة على الدوام مع القواعد التي أتبعها المجتمع الذي إنتموا إليه، غير أنهم كانوا مهتمين بهذه القيم، أي أنهم إتفقوا معها أو رفضوها. أو اقترحوا قيماً جديدة أو أعادوا تعريف القيم القديمة. ورغم كل هذا فإن أعمالهم كانت على الدوام مشغولة بالعلاقة بينهم ومجتمعهم، قد يكون بعضهم متشائماً أو هدّاماً، ً خلال الثلاثينيات من القرن العشرين وفي أحيان متعددة كان يشار إلى Ter Braak و Du Berrop على أنهم سلبيون أو غير أخلاقيين, لكن خواصهم السلبية كانت تتعارض مع دفاعهم الحماسي عن القيم التي كانوا يؤمنون بها. كان أدباء الجيل اللاحق للحرب العظمى الثانية مختلفين, نقطة الانطلاق فيما يتعلق بهم هي إدراكهم أن الحياة لا هدف لها وأنها نوع من العبث وأن التبشير بالقيم لا معنى له. ولم يكن لديهم اهتمام بالتحليل النفساني بل انصبّ جلَّ اهتمامهم على تقديم المادة (الأدبية). لقد كان هنالك الخلط بين الأخلاقيات والحكاية في أعمال Marnix Grijsen (هو الاسم المستعار لـJ. A. Goris) وهو المولود في (أنتوويرب) في عام 1898 هذا يجعله من جيل Vestdyk وWalschap أو Marsman هذا وقد أصدر Gijsen في عام 1925 ديوان شعر إنطباعي حمل عنوان (Het Huis) (البيت). ومن بعد مارس النقد الأدبي وأصدر مؤلفات عن أدب الرحلات وفجأة تحول إلى روائي كبير، كان أول أعماله الروائية والذي لقي انتشاراً واسعاً هي روايته المسماةJaachim van Babylon الصادرة في عام 1947، كانت روايةً مكّنت مؤلفها من التعامل مع مشكلات هامة ومتعددة مثل: الجمال، الفلسفة، المعتقد الديني، المجتمع. أما فيما يتعلق بالشعر فإن الحرب العظمى الثانية قد حدّت من تطور الأدب الهولندي, وهو التطور الذي سجله إبان فترة الثلاثينيات من القرن العشرين ـ الفترة التي سبقت اندلاع الحرب، كذلك عطَّلت تلك الحرب تطور النثر فعقب موت Marsman , Slauerhoff وكذلك نتيجة موت Bloem, Nijhoff وكان A. R. Holst هو الصلة الوحيدة التي لم تنقطع أحياناً بين شعر الفترة السابقة واللآحقه للحرب العالمية الثانية. كانت هنالك صلة إضافية وهي تلك التي توفرت عبر الشعراء اللذين إنتموا إلى مجموعة الميزان Criteriumوهي مجلة صدرت في عام 1940 أي قبل أشهر قليلة من وقوع الغزو الألماني، لم تكن هذه المجلة تمثل وجهة نظر جديدة حول الحياة أو الأدب بل كانت تشكل نقطة إلتقاء لشعراء من مختلف الاتجاهات الأدبية ,وحينما أنشأ الألمان (الغرفة الأدبية) في عام 1942 توقفت المجلة عن الصدور في ذاك العام، وحينما أعيد نشرها في عام 1945 عاد إليها المساهمون الأساسيون في تحريرها وشمل هذا M. Vasalis, Eduard Hoornik, Adrian Morrien, Bertus Aafijes, عاد هؤلاء جميعاً للإسهام في تحرير هذه المجلة وبعودتهم, أمَّنوا بعض الاستمرار لما أسماه Hoornik بـ(الشعر الرومانسي المتعقل), وفي السنوات اللاحقة للحرب العظمى أصبح جلياً على الرغم من الموهبة العظيمة لأغلب أعضاء هذه المجموعة, أن أعظمهم موهبةً هو Gerrit Achterberg. الشعر الرومانسي المتعقل Gerrit Achterberg خيرت اختربرخ هنالك شعراء قلائل نذروا أنفسهم بصورة مطلقة مثلما فعل Achterberg إذ أنه لم يكتب نثراً يذكر, ولم يقم بتأليف روايات أو قصص أو مقالات نقدية تذكر,و لم يشارك هذا الشاعر في الصراع السياسي في مجال الأدب. ولد Achterberg في عام 1905 وقام بإصدار أول ديوان شعري في عام 1931 حمل ذاك الديوان اسم (الرحيل) Afvaart. ومنذ ذلك التاريخ إلى حين وفاته في عام 1962 كرَّس جهده وطاقاته للشعر, وهكذا أضحت تجربته إحدى أكثر التجارب الشعرية ثراءً وغرابةً إذ هدفت إلى خلق عالم ينتفي فيه موت المحبوبة. ففي كل قصيدة من ديوان شعر إلى آخر، كان الشاعر يُعِّبر عن أمله و مخاوفه ,كان يُصِّرح بإعتقاده أن شعره كفيل برد محبوبته إليه، أفصح عن كفره في (مقدرة الكلمات). في ديوان الشعر الثاني المسمى (جزيرة الروح) Eiland der Ziel وهو الصادر في عام 1939، في هذا الديوان كان المنحى الإيجابي والتفاؤل، كذلك إعتقاد الشاعر في المقدرة الكبيرة لشعره, سيجعل اللقاء مع حبيبته ممكناً. وقد إنهار هذا التفاؤل في ديوان شعره الثالث المنشور في عام 1940 والذي حمل اسم Dead End (النهاية المغلقة) وفيه إندثر التفاؤل وإنفسح المجال أمام الشعور بالنقص، وعبر أشعاره التي ضمَّت أربع مجلدات شعرية حملت عنواناً شاملاً Cryptogamia, وقد صدرت هذه المجلدات الشعرية خلال الفترة 1946 ـ 1961, عبر القصائد تحوَّل لفظ (المحبوبة)واتسع وأُبدل بلفظي (أنتَ أو أنتِ). يشير كل من اللفظين إلى ما هو أبعد من المحبوبة التي ماتت. أضحت الإشارة إلى (الحب) إلى (الموت)، إلى (الرب) وحتى إلى الشعر (ذاته)، حقاً إن جلَّ شعره موجهاً إلى معنى متشابك وأكثر تعقيداً إذ يجتمع كل من (المحبوبة), (الحب), (الموت), (الإله), (الشعر), (الجمال), (المطلق), في شعره. كانت كل هذه المفاهيم تمتزج على نحو رومانسي وتشكل من بعد طموحاً مطلقاً يصعب تحقيقه، في أحيان أخرى تصبح جانباً من جوانب التصوف عبر طموح الشاعر والارتباط به. فقط يمكن لشاعر واحد على مقدرةٍ شاعريةٍ كبرى التركيز على موضوع واحد لمدة ثلاثين عاماً وعبر خمسة وعشرين مجلداً شعرياً دون أن يكون مملاً. وعليه لابد من إعتبار Achterberg منتمياً لفئة الشعراء العظماء. وقد إعتمد على كافة المصادر الطبيعية للغة في خلق عالمه الخاص, زعم بعض النقاد أنه لجأ أحياناً لاستخدام المصادر غير الطبيعية للغة، تطلبت محاولاته لتعريف تعقيدات معنى (المحبوبة) موارد لغوية هائلة وأدى هذا بدوره إلى بروز تراكيب تعبيرية هي أشبه بالمنطق الرمزي الحديثNeo-logism وقد صعب ملائمتها مع بعض التعابير العادية المستخدمة في المخاطبة، كانت هنالك المتطلبات الكثيرة للتصوير الشعري، استوحى الشاعر الصور الشعرية من محاولات شتى ومتعددة, بحث عن الأطياف الشعرية في مجالات متنوعة حتى يتمكن من تصوير (المحبوبة). في البداية الطبيعة ثم مختلف مجالات العلم، شمل هذا الرياضيات، العلوم الطبيعية، علم الأحياء، التكنولوجيا، التصوير الفوتوغرافي، علم الآثار، الآداب واللغات، الفلسفة وعلم اللاهوت، وعلم الاقتصاد، ولا تكتمل القائمة وقد إحتج بعض النقاد على استخدام Achterberg للمصطلحات العلمية وأدانوها على أساس أنها غير (شاعرية)، أما فيما يتعلق به فقد برهن على أنه لا يوجد شيء لا يمكن أن يستوحى منه طيفاً شاعرياً. إذا أمكن لأحد أن يأخذ اللغة كرهينة، كما قال A. R. Holst فإن Achterberg قد أسرها وتلقى أكبر فدية رُصدت لتخليصها وعلى الرغم من أن شعر Achterberg ليس بمعزول على نحو تام عن التقاليد الشعرية للفترة السابقة للحرب العالمية الثانية، يمكن للمرء أن يشير إلى تأثره بـ. Holst, Leopold و Marsman إلا أن شعره كان متنوّعًا على نحو جديد وشكَّل بدايةً لمرحلة شعرية جديدة. إنطبق التجديد على نحو كبير على استخدام التصوير والأطياف الشعرية وفي التركيز على فعل ووظيفة الشعر. وفي السنوات الأولى من الخمسينات من القرن العشرين، نظَّم مجموعة من الشعراء الشباب أنفسهم تحت راية (التجريبية) وتمردوا على شعر من سبقهم من الشعراء وأشاروا إلى Achterberg على أنه الشاعر الوحيد من شعراء الجيل السابق الذي فتحت أعماله آفاقاً جديدة أمام الشعر الهولندي. بين Achterberg والشعراء التجريبيين يقف تبعاً للعمر والإبداع Leo vroman وهو المولود في عام 1915 وفي ذروة الثورة التجريبية يبدو للوهلة الأولى وكأنه قد جرى إهماله في الإثنولوجيا التي أصدرها Simon Vinkenoog في عام 1951 والمسماة Atonnal وهي التي عُّدَّت أول دلالة على وجود شعر تجريبي وأبرزت مظاهره، وقد أغفل ذكر Vroman في حين جاء ذكر شعراء سابقين مثل Herman Groter, Pierre Kemp, Van ostaije, ,Achterberg وقد أشير إليهم كشعراء أسسوا مسرى الشعر التجريبي الحديث. جرى إغفال Vroman مع أنه كان تجريبياً مثله مثل أحسن هؤلاء الشعراء, وكان أحد الظواهر الأصيلة والمجددة في الشعر الهولندي الحديث، ولعل ما يميزه للوهلة الأولى من سائر معاصريه ,هو النغمة الشخصية والمثيرة للانتباه لشعره وهو يستخدم لفظ (أنا) كثيراً مثلما استخدم Achterberg لفظ أنت وقصد بالإشارة إلى (أنا) خلق علاقة حميمة بينه وبين قاريء شعره, وهو المدعو للتطلع على الحياة الخاصة للشاعر. يخبر الشاعرالقراء عن زوجته Tineke وعن ابنتيه، وعما يدور بخلده حول أمريكا حيث عمل كعالم في حقل علم الأحياء، ويخبر عن حال هولندا التي هاجر منها عند اندلاع الحرب العظمى، وكثيراً ما يترك الإنطباع بأنه يضع ذاته عارية تماماً ، إلا أنه لا يفضح أسراره الشخصية ولا يوضح مدى تطابق لفظ. (أنا) وشخص Vroman ـ الشاعر توجد جوانب عديدة لشعر Vroman ففي بعض الأحيان يكون مستبشراً فكاهياً وظريفاً, وتوجد لحظات يكون فيها مرَّوعاً ورهيباً وأحياناً أخرى يكون متشككاَ ومرتعباً. يبدو Vroman حريصاً على فتح الأبواب جميعها في شعره ناشراً الحلاوة والنور ويمطر القاريء بالحب والعاطفة الجياشة، وهي عاطفة كثيراً ما بلغت أقصى الحدود. بيد أنه في أحيان أخرى يغلق هذه الأبواب في وجه القراء ويحدق في أعينهم بحدقات عالِم الأحياء الخالي من العاطفة. عالِم أحياء لا يرى في الإنسان غير السوء وعدم الفعالية. من وجهة نظر اللغويات كان Vroman أكثر شعراء فترة ما بعد الحرب العظمى اختراعاً وتجويداً, في بعض الأحيان، تُعرب وتُركب وتُستعمل الكلمات من قبل الشاعر وتُصك المنطقيات الرمزية الصعبة بحيث يتعسر تفسيرها بالمقارنة مع الأوجه التي كان يصكها Achterberg. على الرغم من كل هذا فإن أساس شعرهما، هو نفس الأساس: لقد كانا شاعرين عقليين وهذا ما ميزهما عن شعر سائر الشعراء التجريبيين الذين بدأوا في نشر إنتاجهم الشعري في بداية الخمسينيات من القرن العشرين. في الدرجة الأولى تميز شعر التجريبيين بإحتلال التصوير والتطييف المركز الرئيسي في القصيدة , كانت همزة الوصل بين هؤلاء التجريبيين ضيقهم بشعر فترتي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، لقد تبرَّموا كثيراً بشعر مجموعة Forum ومن تبعهم، الذي كان شعر تعقل, ومقابله الشعر المنطلق (المرسل) والبداهي والحدسي. فعوضاً عن المنطق والتدبر استخدم المزيد من التطييف ولم يكن شعر الشعراء التجريبيين يجادل أو يوضح أو يحكي ولا يقف بل يتحرك قفزاً وتدنياً من طيف إلى طيف. هؤلاء الشعراء يؤمنون أن القصيدة عبارة عن تجميع للأطياف (الصورة الشعرية) ولم يكونوا معنيين على الإطلاق بالشعر (الإعترافي)، الذي كانت تنظمه الأجيال السابقة من الشعراء. ُيقصد بالشعر الإعترافي, الشعر الذي يسرُّ فيه الشاعر للقارئ، بوجهات نظره الخاصة وأفراحه وأتراحه، لم يودِ الشعراء التجريبيون أن يكونوا مفكرين أو مرشدين أو وعاظاً أخلاقيين، كان هدفهم هو عكس واقع المرحلة التي عاشوا فيها, صوروا ذاك الواقع على نحو ممكن عبر تأويلات الشاعر. عادوا إلى الحدسية واتخذوا أسلوب الدادائية (وهو مذهب أدبي يتميز بالتأكيد على حرية الشكل تخلصاً من القيود التقليدية). حينما بدأ الشعراء الهولنديون في نظم أشعارهم ,أوردوا أسماءاً عالمية في دنيا الشعر مثل عزرا باوند، هانس آرب، بول اليوار، رينيه شار، هنري ميشو، أنطوانين أرتو، وقد أورد الشعراء الهولنديون هذه الأسماء الشهيرة دعماً لأفكارهم وشاعريتهم، كان لديهم الشعور أن الشعر الهولندي قد تخلَّف في السعي، وكانوا يودَّون الإرتقاء به إلى مصاف الشعر العالمي. غير أن هذه المجموعة من الشعراء حافظت على الطابع الهولندي للشعر، و على المنجزات التي تحققت في مجال تقنيات نظم الشعر (من أهمها دور التطييف Imagery وإمكانات استخدامه). ويعود الفضل في تحقيق هذه الإنجازات لكل من Achterberg,, Vroman وعلى نحو غير مباشر يعود الفضل إلى كل من Gezelle, Van Ostajnen أكثر مما يعود إلى أحد من عرابيهم الأجانب. حالما بدأت هذه المجموعة من الشعراء في الظهور، أعطت الإنطباع أنها تشكل جبهة متحدة وصلبة مثلها مثل شعراء الثمانينيات من القرن التاسع عشر. أخفت حداثة إنتاجهم الخلافات الشخصية فيما بين الشعراء التجريبيين. خلال السنوات التي انقضت على إنشاء هذه الجماعة تبيَّن أن شأنها فيما يتعلق بعدم التجانس مثل شأن سائر المجموعات الأدبية. في شأن هذه المجموعات الجديدة من الشعراء, قال أحد النقاد الساخرين: (إنهم عدد من الشعراء الذين نظَّموا الحروف الكبيرة ونقاط الوقف والشولات). سرعان ما ثبت أن Lucerbert (هو الاسم المستعار لـ L. Jswaanswyk وهو المولود في عام 1924). تبيَّن أنه ذو موهبة شعرية فائقة بين شعراء هذه الحقبة، وكان Lucerbert رساماً إلى جانب كونه شاعراً مبدعاً. تنوعت مواقفه الشعرية فقد بدا مراقباً هادئاً للعالم من حوله، ومن طرف آخر بدا وكأنه منغمس بحماس بالغ في المجتمع ، في أحايين أخرى نأى بنفسه عن المجتمع، ولقد جمع بين الإستهتار والغضب والسخرية، في قصائده كانت التصاوير الشعرية تتلاحق أو تتراكم ببطء. أكثر من أي شاعر تجريبي آخر كان التطييف هو المحتوى الرئيسي لشعره. أضحى الخيال عاملاً مستقلاً في أشعاره. ينادي كل طيف على الطيف الآخر ويترابطان بواسطة التأثيرات الصوتية والأنغام الرتيبة (المعادة والمترددة كثيراً). كانت نبرة شعره تتراوح بين الصراخ والهمس وتجب قراءة أكثر شعره بصوتٍ عالٍ كما قال الشاعر حتى يترك الأثر المرجو، لقد كان هذا الشاعر جامعاً لمواقف متطرفة ومتباعدة, كان أيضاً شاعر الإيماءات الضخمة, تتطلب قراءة أشعاره الكثير من قرائه. إذ تطلبت الإدراك والمعرفة الواسعة والحس المرهف حتى تُفهم، ظهر هذا الأمر جلياً بشأن ديوانيه الشعريين (المثلث في الأحراش) Triangel in de jungle وهو الذي صدر في عام 1951 والديوان الآخر المسمى Aprocrief الصادر في عام 1952. فقد صعب فهم التصوير الشعري فيهما. أما فيما يتعلق بالديوانين الشعريين اللاحقين: (حول الارتفاع والشخص المعلق في الهواء) الصادر في عام 1953 والديوان الشعري الآخر المسمى Amulet الصادر في عام1957. ففيهما أضحى نظمه للشعر أكثر سهولة و التصوير الشعري أكثر شفافية وعموماً صارت أشعاره أكثر هدوءاً وتقليدية على نحو ما, غير أنها لم تفقد حدة سخريتها أو تشككها أو ظُرفها. بعد أول هجوم مشترك على التقاليد الشعرية تفرق شمل الشعراء التجريبيين, وسلك كل منهم طريقه الخاص. إنطبق هذا على Jan Elburg, Simon Vinkenoog, jan Hanlo, Hans Andreus, Remco Campert, Hugo Claus, Gerrit Kouwenaar, Paul Snoek, Sybren Polet في حين بقي بعض هؤلاء الشعراء أوفياء للمبادئ الأساسية ـ وخير مثال على ذلك هو Jan Elburg ـ لقد فضَّل آخرون العودة إلى الأشكال التقليدية للشعر وهذا ما فعله Hans Andreus وأختار آخرون تطوير نوع من الشعر الفكري مثال Gerrit Kouwenaar. إلى جانب الشعر التصويري والتوحيدي الذي نظمه الشعراء التجريبيون، شهدت فترة الخمسينيات من القرن العشرين بروز حركة قوية للواقعية الإبداعية وتمثلت هذه الحركة الأدبية الجديدة بمجلتي (الحرس الأهلي) Gard Sivik في بلجيكا وفي هولندا تمثلت بمطبوعة Barbarber. كان الشعراء المنفيون في هذه الحركة الأدبية قد اختاروا نوعاً من الشعر هو نتاج (لشخص) أي شاعر ـ عبر قيامه بالجمع بين عناصر الواقع المعيش وقد أعتقد هؤلاء الشعراء أن عزل جزء من الواقع هو الوسيلة لتكثيفه وبالتالي تحويله إلى مادة للشعر. أعطى Armando مثالاً جيداً لهذا الاعتقاد في مؤلفه (طوال شهر سبتمبر في القطار) (September in de Trein) الصادر في عام 1963 الذي أورد فيه عدداً من الأحاديث التي سمعها إبان سفره ليعطي تفسيراً لما سمعه وضمَّنه في كتابه. وتعادل النظرية التي إنطلق منها الشعر التجريبي، في القيمة الفكرية والجمالية المفاضلة بين الاختيار (اختيار مادة الشعر) ونظم الشعر. وهكذا فإن الشعر من وجهة نظر أتباع هذه النظرية من الشعراء لا تربطه علاقة بالتعبير الذاتي (تعبير الشاعر عن ذاته) وعوضاً عن التعبير عن الذات يجب على الشاعر لفت الأنظار إلى الواقع المعيش والقائم من حولنا.., في أنقى وأصفى أشكاله فإن هذا النوع من الشعر والمكون من صيغ جاهزة الصنع سرعان ما يذوي ويذبل، لهذا سارع هؤلاء الشعراء إلى إضافة بعد جديد إلى نماذجهم من الواقع الحي الذي سبق أن عزلوه (إختاروه من بين مختلف جوانب الحياة). تبدأ الدورة التي أوردها Armando في ديوانه (September in de Trein) بإنشاء مبسط للغاية: ... هل تترنح عربة القطار هذه؟ ... آه، يمكن الجزم، ... إنها العربة الأخيرة .. أجل، ما من شيء يجيء خلفها.. حوار مبسط للغاية ومسلي ولعل هذا راجع إلى الابتذال الواضح الذي يميزه، غير أنه يحتل بعداً إضافياً للمعاني وذلك نسبة لأن هذه الأبيات إحتلت نهاية الديوان الشعري ودعت على نحو جاد إلى عدم الإلتفات إلى ما يجيء من بعد (من شعر). نجح شعراء آخرون مثل Buddingh وهو المولود في عام 1918 وJ. Bernlef (الاسم المستعار لـ H. J. Marsman) المولود في عام 1937 في تحقيق نتائج مثيرة بإستخدامهم للصيغ الجاهزة الصنع لتحقيق مهام بعينها داخل القصيدة. في النهج الذي سلكوه حيال الواقع فإن شعراء جماعتي Barbarber, Gard Sivik كانوا قد ثاروا ضد الأسس التطبيقية لشعر الشعراء التجريبيين الذين أنتجوا في الخمسينيات من القرن العشرين. وفي شعرهم كانت هنالك الرجعة الملحوظة إلى الحكاية والوصف والمنطق، والتمعن في كافة الأمور. أما جماعة Barbarber فقد قيَّموا الشعر التجريبي وأنعكس هذا منذ أن أُسست مجلتهم في عام 1958. في حين أن مجلة Gard sivik ألقت بتحيات الوداع للحركة الشعرية لفترة الخمسينيات من القرن العشرين. وذلك حينما حوى غلاف أحد أعدادها الصادرة في عام 1964 إشارة من إشارات حركة المرور عليها الرقم 50 وقد شُطِّبت بجرة قلم بصورة واضحة المعالم. لم يكن الشعراء تحت لواء أيٍّ من المجلتين الوحيدتين المعارضتين للشعراء التجريبيين. ففي عام 1957 صدرت مجلة دورية جديدة، سميت Tirade وجذبت إليها مجموعة أخرى من الشعراء الذين لم يصدروا بيانات أو برامج صارخة وعوضاً عن إصدار البيانات إتبعوا نظم شعر مباشر وغير متقوقع ولم يكن هذا الشعر على نفس الدرجة العالية من الواقعية التي اتصف بها شعر مجموعتي Gard sivik و Barbarber. في نفس الوقت كان شعر الشعراء الجدد أكثر صدحاً وإنشاء بالمقارنة مع شعر التجريبيين وقد استخدم شعراء مجموعة Tirade صيغاً ليست جاهزة الصنع ومن بين هؤلاء الشعراء. Hanny Michaelis (المولودة 1922)، Jan Emnens (1924 ـ 1971) Rutger Kopland (المولود 1934) Judith Herzberg (المولودة 1934). Rutgerالاسم المستعار لـ van de Hoof Dakker وعوضاً عن الصيغ جاهزة الصنع كان هؤلاء الشعراء يراقبون عن كثب الواقع اليومي وكانوا يتجنبون كل المواضيع العظيمة الشأن والأهمية وعلى هذا النحو يمكن اعتبارهم ورثة تركة مجموعة Forum وحقاً أنهم ورثوها عقب أن توقفت مجلة مجموعة Forum عن الصدور نهائياً في عام 1953 (بعد أن كانت تحت الحماية القضائية منذ عام 1948) خلال الستينيات من القرن العشرين جرت المعارضة القوية لتقاليد مجموعة Forum المعارضة التي عبرت عنها المجلة الجديدة Merlyn التي حاولت خلال القترة 1962 ـ 1966 إبدال المنطلق الشخصي في النقد بنهج جديد منصب على نواحي عملية مثل الجهد ـ جهد الشاعر وهو منهج مماثل لنهج Paul van Ostarjen ونهج النقاد الأمريكيين الجدد ونهج الفورميليين الروس. صادفت هذه المجلة نجاحاً كبيراً وبعد أربعة أعوام قرر محرروها الأربعة (J. Jorerstegen, Oliverni, H. V. Terruram, kees Fen) أن مهمتهم قد انتهت وتوقفوا عن إصدارها. كان أحد المساهمين فيها بصورة دائمة الشاعر H.C.ten Berge وقد أصدر في عام 1967 مجلة Raster التي استمرت في الصدور حتى عام 1973 ومن بعد صدرت بواسطة ناشرين آخرين في عام 1977. في أول عدد صادر طرح Ten Berge (وهو المولود في عام 1938) آراءه حول الإتجاه الذي يجب على الشعر نهجه. ضمنها عارض كافة أشكال الشعر العاطفي وطرح عوضاً عنه Logo Poeta والتي عرَّفها بـ(الشعر الذي تكون البصيرة والفكرة موجودتين فيه على الدوام ويشكلان قوة الدفع فيه ,هو الشعر الذي له هدف واضح وجلي مثلما كان لشعر Cantos, Pound، ولم يرفض Ten Berge شعر الحركات الشعرية للخمسينيات من القرن العشرين ,غير أنه إقترح أن يكون الشعر أكثر متانة ووعياً و أن يستعين بالإمكانات التي توفرت عبر الحركة الشعرية وإجتهادات Pound، أراد أن تكون متانة الشعر مثل صلابة حجارة الجرانيت ، وأن (قوة الشعر توجد في صدقة ومقدرته على الإيضاح والإبانة). وقد طبَّق Ten Berge عند نظمه الشعر كل ماسبق أن دعا إليه وجرَّد شعره من كل المشاعر الشخصية المباشرة ,أعطى البهجة الفكرية مكانة الصدارة والفخر. ففي خمسة دواوين شعرية شملت Poolsneeuw الجليد القطبي 1964) وإكليل أسود Swart Krans الصادر في عام 1965 (الساحر الأبيض) De witte Sjamaan الصادر في عام 1973 Van Banque الصادر في عام1977 وفيها جميعاً اقتباس من كافة الثقافات والآداب العالمية من روايات Noh اليابانية وأساطير الهنود الحمر في أمريكا الشمالية والأناشيد المقدسة من أواسط المكسيك. استخدمت هذه الاستعارات إلى جانب نهج الشعر الغربي وكان لهذا أعظم الأثر خاصة عند القيام بالمقارنة وترجمة العواطف الشخصية عموماً. لا توجد حاجة ماسة للإضافة إذ أن مثل هذا المنهج يضفي على الشعر غموضاً يماثل غموض لغة الشفرة. إن لم يكن غموضه يماثل غموض كل ما هو سحري ومتعلق بالكيمياء القديمة. القارئ يحتاج إلى قدر كبير من المعرفة الواسعة والقراءات المتعددة إلى جانب المهارة المتطورة في فك الطلاسم حتى يقف على المعاني الخفية لشعر Ten Berge ,خلال السبعينيات من القرن العشرين ,تعايشت إتجاهات شعرية متعددة وبقيت جنباً لجنب: كان هنالك التيار الفكري والشاعرية الشخصية لكل من شعراء جماعة Tirade وكانت هنالك أصداء جماعتي Barbarber, Gaard sivik وإلى جانبهما كانت الأصداء البعيدة لـ(النيو ـ نيورومانسية) التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وترددت أصداء ما بعد الحداثة ,ومن بعد هذه الاتجاهات تبلورت نظريات أدبية جديدة وجماعات جديدة من الشعراء، وحين يطلُّ الحاضر يحني التاريخ قامته وينزوي. Andreus 1926 – 1977 Credo الشعراء يعلمون ما لا يعلمون يتحدثون بلغتهم الغريبه، يذهبون إلى بداية الموت، يكتشفون الحياة ينظرون العالم ببراءتهم العاشقة يُغيِّرون الأرض إلى أرض حقيقية. Remco Campert الشعر عمل للكينونة. أؤكد أنني أحيى، لا أعيش وحدي. الشعر مستقبل، تفكير في أسبوع قادم، في أرض أُخرى، تفكير فيك إذا هرمت. الشعر هواء أتنفسه، يحرك أقدامي، التي تردد أحياناً، على أرض التساؤل. فولتير أُصيب بالجدري، غير أنه شفي بالشراب 120 لتر ليموناده: ذلك هو الشعر. أو خذ اللُجًّة. انكسار موجة على الصخور ليس تحطماً، لأنها تعود موجةً من جديد. كلُّ كلمةٍ كُتبت هي ضربةٌ حنوٌ للشيخوخة في النهاية يربح الموت، حقاً، هو الصمت في القاعة، بعد ذلك رنَّتِ الكلمة الأخيرة، الموت إنفعال. J. Bernlef 1937 هكذا أشعر دائماً: في وسط التقاطع ضاع حذائي، مختفياً تحت شراع مركبٍ عن عيون الشرطة والمطر، أمسك في الليل أُذنيَّ هل لازالتا كلتيهما؟ أم صلمتا بمقاصيص طُهاة الملك، أيها البربريان، شكراً للرعب: لا يزال هناك يعدو عَبْرَ حافات بلاد الطفولة، اللُجَّام في رأس حصانه كحشرةٍ ضبابيةٍ قفزت ليلاً من ورق الحائط وفتشت جيوبي. كان ظلي على الممر الذي وطأته مسلحاً بحذائي كان البيت كله يقظاً. God Fried Bomans 1913 – 1971 بسأمٍ لا يوصف جلست خلف النافذة. تمنيت لو أكون كلبين: إذن، لاستطعنا أن نلعب معاً. Toon Herman 1916 النحل.. يئزُّ حول المعسلَه، يثابرعلى خطةٍ دؤوبةٍ، بالعسل الحلو يعتني، ونحن هناك نملأ إناءاً. M. Nyhoff نَيْهوف (المُعاقبان) آه، ياشجرةً مُعْمرًّةً، كم هو حائل وأجرد تاجك، أتساءل: هل لا تزالين حية ً؟ كي تعطي بالكاد فاكهةً. آه، يا كاتباً متوحداً خلف كوة العزلة هجرتْك زوجتك وطفلك أتساءل: هل لا تزال تكتب؟ الفرادة هي ما يتبقى بَعْدَك إصغِ للعندليب استأنف غناءه في قلب المدينة، هناك، مَنْ شيَّد أَبنيةً مِنْ حجرٍ صلدٍ ومن خشبٍ لامعٍ Willem Kloos أغاني للموت في قلبي, يبكي الشتاء ، في البريَّة تدلهمُّ البيارقُ، كمتوحشين يمكثون في الحزن، إثر نهارات الصيف البهية العيون الناعسة تنغلقُ، الطحلب الملتهب، لا يحتمل التبرعم وجدارة الكائن، آه، يا أسى هذا الوجه الأرضي ليعمَّ الجفاف، بلا تذمرٍ، يتلاشى القلب وخيط الشمس. Willem Kloos لا تمضِ، إبقَ معي، دعني أكابدُ ، هذه فسحة لطفٍ معدةٌ لي، أملاكك باهتةٌ دونك، خاوٍ غريب، حدّ أني لا أشعر، أهرب نحو بلاد الموتى علَّني أنسى رهبة العتمة والموت في الحياة، في حلقةٍ مفرغةٍ أدور، لستُ سوى شيء بسيط أترنحُ معكِ بالوساوس ذاتها، بينما هادئةٌ هي أصواتنا الرائقة مثل جوقتين تغنيان في ظلامٍ دامس. Judith Herzberg لائحة يستيقظ الرعب مبكراً موقظاً أفكاري وخططي التي تكسوه، لماذا لا تستيقظ الطمأنينة؟ أو المسرّة؟ لماذا لا يمكن التحكم بالفزع الذي يتفاقم دائماً؟ ـ سيدتي، سيدتي، أنا الأول، ـ نعم، لقد أدركت ذلك، ـ عُدْ مطمئناً إلى مكانك، ـ لا تتحدث قبل أن يأتيك الدور. هذا المساء. عَبْرَ درس التأريخ لك أن تسرد كلَّ ما تعرف عمَّا حدث من قبلُ. البحر البحر تسمعهُ بيديك فوق أذنيك، بصَدفةٍ، بقِدْر عجينة الخردل، أو عند البحر، Gerrit Achterberg خيرت أختربرخ نظام ملكيتي خساره، حياتي مُدانة للموت، يمكنني أن ابتسم له بعينين مغلقتين، أن أُتمتم له بكلمات موصوفة، أن أنحني للثالث صاحب الجلالة، هو الذي انتزع المواثيق، من فؤادي، سأخرج بهذه الأُغنية، ضعْني عارياً على لهبٍ وحُكمٍ مُبرمٍ، لكنك لن تستطيع أن تُكبِّل ولادتي حتى، وإن فتكَ الذئبُ بالحمل. Gerrit Achterberg رعب يا هلع الروح في المنازل، كلُّ بدايةٍ هروب، تهبط ثانية في الخراب الهائل، أو ترتفع إلى الفصول، تلك الشواقيل تتأرجح بين السقف والباب، كلُّ صرخةٍ، تُحدث شرخاً في رقعة الأحلام المنسوجةِ بالحذر، خارج البوابة التي تقرؤنا، هناك، على الجدار. Gerrit Achterberg ميدان ضوء بين الملائكة ومكائد السادة الغرباء، صدر الحكم، حربٌ بين الضوء و الضباب، على بساط الساعات الملغوم، المعدّ لي، العزلة والنجوم، يتنافسان على إمتلاك الضعفاء، ملفٌ أجرَّهُ وفق ولادتي، إلى كل الجهات، لكن، عَبْرَ سادةٍ محليين حشَّدوا الجدران بين الفضاءات، ثمة فوتونات ضوء ضدَّ الأوراق. M. Vasilis شرابٌ غير مسدد الثمن لا تثق بالشراب! ففي مدار كلامٍ فصيح، يرزح رأسي ذو الطاقية البنّية والمُضيَّف المنقاد تؤْمن روحي بالخلع في أعماقي حشدُ وحوشٍ خيولٌ نافرةٌ، وحفيفُ غاباتٍ. بإيقاعٍ تتزحلق على طحالبي، قبائلٌ زنجية تُحيي أعياداً مقدسة. أيُّهما أفضل؟ شراب (بورت) أو (شري) أم الشاي ألذُّ ؟ ـ بلى سيدتي لا، عارياً أغوص في بحيرة آه، أغوص بنصفي، لا أكثر، آه، كيف يمكنني أن أطيل الحديث، هل سيلحظن ما خفي مني هل أستطيع، حقاً، مقاومة الشراب الثقيل هل أذناي حمراوان، كفاية؟ آه، إذا ساندنا ذات مرةٍ، قطَّةً غير مزيفةٍ تحمل ثلج الأزهار على ظهرها، لا أحد يعرف كم هو وحشيٌ وفظيع، أن أعدو مفككاً في مسارها، بشَعر كثٍ . هنا، لن يعرفني أحد إذا سُلخِتُ على حين غرّة، ذلك، أنهم يعرفون جلدي ، و أجزاء أخرى، آه، يا عروساً بنيَّةً هادئةً، من (تاهيتي) أو (مولوكن) لقد تكاثف ظلام الغرفة، الظلام المسَّاقط بصمت، الظلام الماثل في الخارج، إذ يتعثر الثلج فوق الأخضر الشفيف يا للجمال، عليَّ أن أتأمل حافة الكأس، جنب دنان الخمر، كلما سطعت قطعة ثلج في الكأس، بكيت على أكتافها، ومذ ذاك، تناثرت نتف الثلج وذابت، لَمْ تحبني حدَّ الوله ودونما سبب هجرتني. J. Slauerhoff رحلة إلى النبع عيناك عميقتان بحريتان كأمواج الأرخبيل، خاملتان وأحياناً مسالمتان، وحشيتان، تارة حزينتان، يتراءان إثر اللَّذة وكأنهما من قماشة الإعصار، إرتشفت مِنَ النبع ماءً عمَّق قاع ظمئي، مستلقياً أشهق وأزفرُ، بعيداً عنك، ترى أيصيِّرُ الإله هذه الآهات قُبلاً؟ لمرة واحدة على الأقل، كلما هربت منك، تعثرت بشباكك، بعيداً عن هواجسي تنجب صورتك ظلالاً راقصةً. Lucebert لوسيبرت إنكماش الريح غضب الأخضر يُحتم عليك أن تبقي خروفك مشوياً، أن يكرر نفسه نيئاً، جلد وعظم وعند الضرورة، مع عظامٍ مكدسةٍ، جوار فزَّاعةٍ ومنجلٍ، يمكنك أن تصنع شحاذاً، في حقل قمحٍ، مكيدةً مغطاةً بأزاهير عاريةٍ ودموعٍ غضب الأخضر، والرماد المتناثر في كل الأمكنة، موانئ مكتظةٌ بفاكهةٍ وحيوانات معافة سُلخت تواً، مصابةً بموتٍ أعرج في بحر من كلَّابات مدببةٍ، الوقت يتصلب حدَّ النهايات، في دوامة السذاجة، في الطيش الأحمق، يخسر الفلاحون، فيما البحارة الهواة يصارعون السُحُب، في ماخورٍ قذر، أنشدوا أغانٍ: معلف الروح الطاهر صار سائلاً كريهاً، أغنياتٌ من نشيج طفلٍ، تصطفي سيد الأعشاب والموت، عارية في الغابة، لكن تحت المعطف فاتورة وفي العنق رصاصة، أخضر، أخضر لا يتحرر، إلا إذا إزَّرق الفلاحون، بَعْدَ حرائق الحقل، الصيادون جذلى، كنوارس بَعْدَ الوليمة، اليائس يعرف أنها إلى زوال، بينما المتألق يشرق كعرسٍ سماويِّ. Adrian Morrien أدريان مورين حظ مقنن قطيعُ غمام في ضحى الشتاء، يتعين الآن، أن تصل رسالةٌ من رجل يقبع في مدينةٍ مهجورةٍ، رسالةٌ منذورة للنسيان، ها قد، أزفت الساعة الرابعة، في هذه اللحظة، ما أكثر النساء العاريات في هذه المدينة الأليفة، يا للصدفة المشتهاة، أن تلتقي بإحداهن في الميدان، آه، والليل يُعمِّرُ أكثر من النهار. Adrian Morrien نوايا أستطيع أن أبتر ساقاً، لأدَّخر وقتاً لازماً، للعودة بترنحٍ كجنديٍ عائدٍ من الحرب، الأهوال التي رأيتها كفيلةٌ أن تصيبني بالعمى، ولعنة الحظ العاثر على فمي، أن استرد سنين طفولتي، محفِّزاً أسلافي، على النهوض من أصفادهم، أن أنتف ريش العصفور، أن أجلو الدقيق عن جناح الفراشة أن أعقد موعداً مع الشمس، كي تفد، مِن أجل، لا شيء. Toon Tellegen ماذا تريد، يسأل الأول أجمل سنين حياتي، يقول الآخر، ينحني الأول ليجلب الشروق، ويهبه ، ثم يجلسان تحت الغُبار، أروع السنين، يقول الآخر، ويُلمِّعُ بردن ردائه، ياله من بصاقٍ، يدور ويدور، دعْه يسطعْ في الشمس، فَجْأَة، يخطف الأول الدرب يصرخ الآخر؛ أنا نصف الطريق، دونما جدوى، تصرُّ البوابة الآخر يرمي السنين في مكان ما، على الجانب المعشب من الضفة، يختفي في البعيد، بشبكاته العنكبوتية الهائلة، حيث لا ذبابة تُخْطأُ. Simon Vinkenoog سيمون فنكن أوخ المَبْخره من بخوري الذي يحترق، تفوح رائحةٌ طيبة، إني نويت هذا المساء، أن أرفع الزمن إلى ذروته، لأدرك ما يصنعه بالأيدي المّزرَّقّه، صخبُ بابٍ أخرس، يلوح مشرعاً، يجذب لهب شمعةٍ، الجفاف يتكاثف فيَّ، كمجففٍ يعصف بخصلات شعري، النبيذ يأتلق في الكأس، ثمة غبش محدودب، وهذا لائقٌ بالإحتفاء، المساء يترَّنح في الكرستال، نسمةٌ عذبةٌ، تهمس لي سراً، وراء ذلك، يترآى ساحلي الآمن. Neeltie Maria Min نيلكه ماريا من أحضروني إلى هنا، مغممةً، مصفدةً وقالوا: هذه الليلة ستقرئين أجمل الأشعار، ليس صحيحاً، ليس صحيحاً، عبارة واحدة، تكررُ مراراً، في رأسي: لا أريد رجلاً، لا أريد بيتاً، لا أريد قمراً، أريد أن يفد الموت كي أتبرعم ثانيةً. Anna Enquist ضد المطبخ انا وصديقتي ذات الشعر الرمادي، نتبرعم بحيويةٍ ورونقٍ، أشدّ من أيِّ وقتٍ مضى، قبيل أن تُقطع جذوع الأشجار الهرمة، نسرد أجمل حكايا النساء المصانة، عن التعاليم التي ترصفنا أرقاماً في لوائح العالم، تسألني ً: لماذا نخشى من انفسنا حقاً، بمسرّةٍ وخوفٍ هائلٍ، أبحرُ عَبْرَ سلالم البيت أيّ مشروع أبدأ أية حقيقةٍ خشنةٍ أصف، راكضة نحو لهب يصنع الحرب. Ch. J. Van geel لجوء أبحث عن ملجئ مع كلبٍ، مع قطةٍ تركض في الشارع، مع كلِّ شيء، لا صوت له، على أقدامٍ ناعمةٍ يمشي، مع الشجر والبط وكل من ينام. H. Marsman في ذكرى هولنده مُفكراً بهولنده، أرى أنهاراً واسعةً بطيئة تنساب في أراضٍ واطئة، صفوفٌ لا تتخيلها من أشجارِ حورٍ كخُصلاتٍ مسدولةٍ على الجرف، في فضاءٍ لا متناهٍ تمتد الحقولُ عَبْرَ الآفاق، بساتينٌ، قرىً، أبراجٌ مشذبةٌ كنائسٌ ودردارٌ في تناغمٍ حميمٍ، السماء خفيضةٌ والشمس ببطئ تتخضبُ بألوان أبخرةٍ رماديةٍ، في كلِّ الأقاليم صار خريرُ الماء بكوارثهِ الأبدية مرعباً ومسموعاً. J. H. Leopold شِكاية كم من الوساوس في رأسي، التفاصيل اليومية أثقلت كاهلي، أطبقت ثغري، وسرقتني، بيد أني توجت رغباتي بولعٍ موهوب، لن أفكر بالتوحش وهذا الوجه الحيواني، لقد تحطم كلُّ ما هو حميمي، حيث فتيةٌ حالمون هُزموا وصُرعوا، متاعب جمَّة، وفراغ تام المنتحب بالكاد يبكي، في العزلة والأيام الخاوية. J. C. Bloem In Somina تأمل الموت يحفزني على السهاد السهاد يدفعني إلى تأمل الموت، في اليقظة أتلصص، بطراوة تنساب الحياة، فيما الكائن البشري، راضخٌ في مسلخ العدم، من أجل الشجاعة، كيف سيدُّوي الهلع القديم؟ إذ نزوةٌ تكافحُ في الميدان قرب أبواق الحرب المدوّية، تدعو رجلاً هرماً وغلماناً مهندمين، كامرأة تهب نفسها طواعية، وسيان أن تلد أو لا.... يترعرعُ الصبيُّ في حضنها، أواه، المخلوقات كلها مطعَّمة بالعدم، ما تعلّة، الولادة، إلا تأهيلٌ للموت Menno Wigman مينو فيخمان استيقظت على حُلمٍ، كان يسري في جسدي، لَمْ أستطع الفرار، لست (جوانك تشي) الذي حلمُ ذات مرة، أنه فراشه، وتساءل في مطلع الصباح، هل هو إنسان، يحلم أنه فراشه، أم فراشه تحلم أنها إنسان.؟ لست سوى إنسان، هيكلٍ عظميِّ، ذو أثنين وثلاثين سناً، وبصيرة مأساوية، تسيِّر عقارب الساعات، لكنني وقفت وقفةً شبه مقدسة، فيما تخشخش أفكاري المغلقة، هذا هو نهاري، هنا، بمحبةٍ تنظر المرآة، إلى ضوءٍ مدهشٍ وهناك، تحترق الفراشة، التي كانت أناي. Trees Steeghs عازف العود قطرات الندى تعلق في أنامله، يدعها تتقافز في عوده، جرس ضوئي مكتنز، اصغ! ثمة قطرات تأخذ الآن مكانها، (أربعون) أحياناً تضع الدُّمية جوارالدّب وعلى سريرٍ ثانٍ تغني لهما. إعتنِ بالورود التي أقتنيها، لتهمس لك عن الخريف والزوال، عن الجمال والأسى، مصانة هي وتعرف جيداً سرَّ الأشياء. Ilia Leonord Pefifer إيليا ليونارد يفيفر دولورس توقعت أني سأقابلك بعينين مأساويتين، بفستانٍ أبيض أسود مهفهف الأذيال، تحلقين في ذراعي، لكنك لَمْ تأتِ، ومنذ الإستحالة، ومنذ التأخر، أتيت بقطارٍ سريعٍ لا يتأخر عادة، حجزت طاولةً مغطاةً ، من أجل كلامٍ طويل، لكنك، رأيت عشيقاً واستدرجته معي، حلمت بمساء حتى الفجر، ثملاً كنت، أتمايلُ عَبْرَ شوارع آمنةٍ، لكنك، أكدت على رحيلك، وبقيت على أبواق جسدك ذي السيادة الغامضة، جسدك المعمر ألف عام، نفح سريري صلوات رحلة الحجيج، تلك ليالٍ، تسف كسولةً، فيما الصخرة تبكي، لكن في السرير، تعيّن عليك مهاتفة سرير آخر، Hugo claus Ik schrijf je neer الأمهات أطفال مقلع القمامة يفتشون عن حفنة نقودٍ في جيوب الموتى، الأمهات بأحذيتهن القماشية يثرثرن حول آلام الطلق والموضه، الهواء منعش وأنا لستُ مرتاحةً زوجي لا يملك مصروف جيبه هذا الحال سيدوم حتى وهو تحت التراب نحن سلالٌ بلا قعر بعيداً، في بلاد العجائب شخصٌ ما يضاعفُ بركة الخبز، Leo Vroman Querido أنا وليلتي عندما كانت الليلة يافعةً ما زلتُ نائماً، كيف تنهّدتْ ، غنًَّتْ، أو نادَتْ مشتْ غاضبةً عَبْرَ النوافذ لَمْ ألامسْها عن قرب. عندما شاخت تماماً حلمت بدفئها: تمددنا على عُشبٍ أكثرَ سواداً، ضحكتْ وبالت بولتها السوداء على جلدي وشعري، لكنها، أخيراً يجب أن تموت أقفُ الآن فوق شرفتنا يتدفق دمُها عبرالجلد والسماء تحيتُها عند منتصف اللَّيل لأنَّ مثلَ هذا لا تفعله الشمس، H. C. Ten Berge Materia Prima 1963 - 1993 إكليلٌ أسود منقباً في خندق الرجل (كلُّ طبقةٍ أرضيةٍ عقوبة موتٍ سالف) فوق النفق صدعٌ في المرآة بينما جندي أحمق يحرس القطيع حتى تقف السكاكين في نخاع عظم المتوحشين موتى آخرون يعاندون بقدرات واهنة ببطيءٍ المخاريط تنغرسُ في الأرض الطائرة تتأرجحُ عالياً لكنني لا أصلح لشيء، هم يحفرون عن كلمةٍ، عن جد حيواني إذ لا شرف يستحق أن يُحمل في الأضراس تتوجعُ أعصابي اللسان يحتجُّ بأقاويلَ بدائية الصفائح الأرضية تنزاحُ الزمن أيضاً يزيحُ فكيَّ حيث قردٌ جنوبي يُمسّد عُرفَ جمجمتهِ عندي منظرٌ حر ليس إلا. Bertus Aafijes بانوراما في يومٍ حافلٍ بأوراقٍ ذهبيةٍ عبرت سفح الجبل قطفت أجمل لحظة جلست تحت شجرة سرو بعينيين هانئتين رأيت مدينةً عشقتها مذ عرفتها انسكبت دموعي مويجة مويجة القباب طفت فقاعات المعابد, الكنائس,الاقواس صارت طيفا ًضبابياً فؤادي سعى أن يستحم من الأ شنات والأصداف بإيقاع مضيت نحو القمة أخيراً أسترحت ردّدت ضجراً روما, روما بالصلاة توسلت خلال سماءٍ ذهبيةٍ مسَّورةٍ هذا هو البخت أريد أن أحيا هناك حيث تمتد مدينة أبي. المراجع الأجنبيه • Ongrijpbare jeugd. Nijmegen (Maas & Jaspers) 1982 [als Peter Coret, samen met Jos Versteegen, bij tekeningen van Peter Yvon de Vries; niet in de handel] • Het lustprieel. Baarn (De Prom) 1984 [als Peter Coret, samen met Robert Alquin, deels light verse]* • Vanitas. Utrecht (Sub Signo Libelli) 1985 [als Peter Coret, gedichten, bibliofiele uitgave, gezet en gedrukt door Ger Kleis] • O, dat je doodgaat. Amsterdam (Amor Vincit) 1986 [als Peter Coret, bibliofiele uitgave, gezet en gedrukt bij de Veerpers] • Sebastiaan. 's-Gravenhage (Tight End Press) 1987 [als Peter Coret, bibliofiele uitgave] • Goffert. Gedichten bij tekeningen van Paul Lemmens. Amsterdam (Dirty Trix) 1988 [als Peter Coret, bibliofiele uitgave, gezet en gedrukt door Hein Elferink] • Vanitas. Amsterdam (De Woelrat) 1988 [als Peter Coret, gedichten]* • Het kind de vis. Amsterdam (Phoenix Editions) 1991 [gedichten, met tekeningen van Ciska Muller, bibliofiele uitgave, gezet en gedrukt door Hein Elferink] • Van liefde en een niet te lessen dorst. Gedichten 1998 - 1973. Nijmegen (Vita) 1998 [verzamelde gedichten]* •
• Wie zegt dat ik na veertien regels zwijg? Bloemlezing uit Nederlandse sonnetten van 1966 tot 1980. Amsterdam (C.J. Aarts) 1980 [gedicht] • Droggen zijn bedroom. Nederlandse nonsenspoëzie uit de 19de en 20ste eeuw. Amsterdam (Sijthoff) 1984 [gedicht] • De 200 bekendste, mooiste, tederste, leukste sonnetten. Amsterdam (Sijthoff) 1985 [gedicht] • Dichter bij Anne. Dichters geïnspireerd door Anne Frank. 's-Gravenhage (Leopold) 1985 [ten bate van de Anne Frank Stichting; gedicht] • Dichters over dichters. Amsterdam (Sijthoff) 1986 [gedicht] • Hoe kan ik jou in woorden vangen. Een bloemlezing van homo-poëzie. Utrecht (Athmer) 1986 [gedicht] • Reve jaarboek 3. Baarn (De Prom) 1986 [gedicht] • Plezierdichters en hun vak. Amsterdam (Bulkboek) 1986 [gedichten en interview] • Meulenhoff's dagkalender Nederlandse poëzie 1987. Amsterdam (Meulenhoff) 1986 [gedicht] • De muze vermomd. De Nederlandse poëzie vanaf 1880 in pastiche & parodie. Oosterbeek (Bosbespers) 1987 [gedicht] • De Nederlandse poëzie van de negentiende en twintigste eeuw in duizend en enige gedichten. Amsterdam (Bert Bakker) 1987 [achtste herziene en vermeerderde druk; één gedicht] en 1996 [tiende herziene en vermeerderde druk; drie gedichten] • Pas op, de dichter lacht. 800 jaar spel, spot en humor in Nederlandse verzen. Apeldoorn (Walva-Boek) 1987 [gedicht] • "Ik kan wel raden wat u zit te lezen". Nijmegen (De Gelderlander) 1989 [gedichten]** • Van voeten en schoenen. Nijmegen (Literair Agentschap PPS) 1989 [gedicht]** • Meulenhoffs dagkalender 1990 Nederlandse poëzie. Amsterdam (Meulenhoff) 1989 [gedicht] • twintig - een - negentig. Nijmegen (Anneke van der Putte) 1990 [teksten van Paul Lemmens en Drs. P, op muziek gezet door Constant Rogmans] • Jaap Bakker, Rijmwijzer. Amsterdam (Bert Bakker) 1990 [gedicht] • Uit liefde en ironie. LIBER AMICORUM Elisabeth Eybers. Amsterdam (Em. Querido's Uitgeverij B.V.) 1990 [twee gedichten] • Jules de Corte, Ingelijst. Hilversum (Red Bullet) 1990 [Ingelijst uitgelicht, inleiding bij booklet cd] • Schoonheid & kracht. Nijmegen 1990 [programmaboekje bij de gelijknamige korenmanifestatie, ed. Boudewijn van der Wagt, liedtekst]** • Meulenhoffs dagkalender 1991 Nederlandse poëzie. Amsterdam (Meulenhoff) 1990 [twee gedichten] • Mijn oog komt niet tot rust. Dertig gedichten, twaalf musea. 's-Gravenhage (Federatie van Musea in Zuid-Holland) 1990 [gedicht] • Meulenhoffs dagkalender 1992 Nederlandse poëzie. Amsterdam (Meulenhoff) 1991 [gedicht] • Cantus Obliquus in concert met Drs. P en Dubbel Zang. Nijmegen (Cantus Obliquus) 1991 [boekje met liedteksten bij het gelijknamige concert]** • Jantje zag een pruikje hangen. Nederlandse priapeeën door de eeuwen heen. Rotterdam (Ad. Donker) 1991 [gedicht] • Eenling is geenling. Bijbel en homoseksualiteit. Kampen (Uitgeversmaatschappij J.H. Kok) z.j. [1992; gedicht] • Zonder vrienden kan ik niet. 101 liedteksten en gedichten over vriendschap. Utrecht (Kwadraat) 1992 [gedicht] • O, reisgenoten op dit narrenschip. De geestigste gedichten uit vijftig nummers van De Tweede Ronde. Amsterdam (Bert Bakker) 1993 [gedicht] • Op een pad van briefpapier. Brieven in de poëzie. Wormer (Vroom & Dreesmann) 1993 [gedicht] • Meulenhoffs dagkalender 1994 Nederlandse poëzie. Amsterdam (Meulenhoff) 1993 [gedicht] • Sebastiaan. Martelaar of mythe. Zwolle (Waanders Uitgevers) 1993 [gedicht] • Meulenhoffs dagkalender 1995 Nederlandse poëzie. Amsterdam (Meulenhoff) 1994 [gedicht] • Ik ben geboren in Apeldoorn. Groot parodieënboek. Amsterdam (Nijgh & Van Ditmar) 1994 [twee gedichten] • Nieuwe Psalmen. Nijmegen (SUN/PARMENTIER) 1995 [gedicht] • De Nederlandse poëzie van de negentiende en twintigste eeuw in duizend en enige gedichten. Amsterdam (Bert Bakker) 1996 [tiende herziene en vermeerderde druk; drie gedichten] • Constant Rogmans, Liederen voor koor en ensemble. Nijmegen (De Stiel) 1996 [liedteksten/gedichten]** • Zie je ik hou van je. De mooiste liefdesgedichten van alle tijden. Utrecht (Kwadraat) 1996 [gedicht] • Is God thuis? Amsterdam (Anthos) 1997 [gedicht] • Br. O. Nr. Brieven met postzegels naar De Brief van Vermeer. Arnhem (GBK) 1997 [prozatekst]** • Ik hou van Holland. Liedjes, conferences en light verse. Amsterdam (Nijgh & Van Ditmar) 1998 • Tien bij tien. Tien gedichten van Nijmeegse dichters Nijmegen (De Nijmeegse Zondagmiddagsalon) 1998 [twee gedichten]** • Vaders in beeld en taal. Breda (Derde poëziebijeenkomst over beeldgedichten) 1998 [drie gedichten]** • Jaap Bakker, Rijmhandboek. Praktische gids voor het schrijven van gedichten en liedjes. Amsterdam (Bert Bakker) 1998 [22 gedicht] • Gedroomd gebouw/Gebouwd gedroom. Nijmegen 1998. [uitgave als beeldend kunstwerk van het gelijknamige gedicht door Jac. Splinter] • Reisverslag 1998. Nijmegen (Novio NV) 1999 [gedicht in jaarverslag busonderneming Novio, n.a.v. het project Poëzie in de bus]** • Ik ben geen vreemder andere dan jij. Nijmegen (Van twee tot twaalf/Tien uur poëzie in Nijmegen) 1999 [kwintijn verspreid over affiche, flyer, spandoek, boomerang card en programma]** • Buschman, Knibbe, Van der Pluijm (red.), Vaders. Beelden & Gedichten. Beschouwingen. Teteringen (Stichting Beeld & Taal) 1999 [gedicht + twee analyses]** • Ver zien... Nijmegen/Tilburg (Jac. Splinter) 1999 [gedicht in glas gegraveerd in monumentaal beeldend kunstwerk; in particulier bezit]** • Ik zou de ander kunnen zijn... Nijmegen/Arnhem (Jac. Splinter) 1999 [twee gedichten op eetservies, beeldend kunstwerk, kerstgeschenk Regina Pacis, Arnhem]** • Meulenhoffs dagkalender voor het jaar 2000 Nederlandse en Vlaamse poëzie. Amsterdam (Meulenhoff) 1999 [gedicht] • Makkers staakt uw wild geraas. Dordrecht (Uitgeverij Liverse) 2000 [gedicht]** • Het Binnenste Buiten. Nijmegen (RC) 2000 [vier gedichten]** • Geld Geldt. Dordrecht (Uitgeverij Liverse) 2000 [gedicht]** • De light scheurkalender 2002. Amsterdam (Nijgh & van Ditmar) 2001 [twee gedichten] • Bestek. Nijmegen 2001 [gedicht gedrukt op een schort, behorende bij het kerstpakket van UMC St. Radboud en KU Nijmegen]** • De light scheurkalender 2003. Amsterdam (Nijgh & van Ditmar) 2002 [twee gedichten] • Meulenhoffs dagkalender van de Nederlandse en Vlaamse poëzie 2003. Amsterdam (Meulenhoff) 2002 [gedicht] • Nooit te laat. 45 (eigen)zinnige varianten op Boutens' Liefdesuur. Goirle (Literaire Kring Goirle) 2003 [gedicht]** • Ik wou dat ik twee hondjes was. Nederlandse nonsens- en plezierdichters van de twintigste eeuw. Amsterdam (Uitgeverij Bert Bakker) 2003 [gedicht] • Nu extra vers. Nijmegen (Jac. Splinter) 2003 [gedichten op taartschoteltjes en in bijbehorend boekje, beeldend kunstwerk, relatiegeschenk De Waalboog, Nijmegen]** • Het Latijn van Japan. Dordrecht (Uitgeverij Liverse) 2003 [13 gedichten]** • Komrij's Nederlandse poëzie van de 19de tot en met de 21ste eeuw in 2000 en enige gedichten. Samenstelling Gerrit Komrij. Amsterdam (Bert Bakker) 2004 [twee gedichten] • Instituut Kootwijk. Amsterdam (www.instituutkootwijk.org) 2004 [vier gedichten]** • Elf geboden. Dordrecht (Uitgeverij Liverse) 2004 [twee gedichten]** • Alles voor de liefde. De mooiste gedichten over de liefde. Amsterdam (521 Uitgevers) 2004 [gedicht] • We weten elkaar altijd te vinden. De mooiste gedichten over vriendschap. Amsterdam (521 Uitgevers) 2004 [gedicht] • De light scheurkalender 2005. Amsterdam (Nijgh & van Ditmar) 2004 [elf gedichten]** • Navel van 't land. Nijmegen in gedichten. Amsterdam (521 Uitgevers) 2005 [acht gedichten]** • Kastanjegedichten. Dichters op de bres voor de paardenkastanje. Groningen (Uitgeverij Passage) 2006 [twee gedichten]** • Arnhem Prent 10 jaar 1997-2006. Nijmegen (Intermedi-Art) 2006 [een gedicht]** • Chrétien Breukers (red.), 25 jaar Nederlandstalige poëzie, 1980-2005, in 666 en een stuk of wat gedichten. Nijmegen (BnM uitgevers) 2006 [zes gedichten]** • Jules de Corte, Ik zou weleens willen weten. Utrecht (Digimode Entertainment) 2006 [inleiding bij booklet dvd] • Meindert Burger en Jos Versteegen (red.), Zo klinkt dus weggesmeten geld. De geestigste gedichten uit De Tweede Ronde. Amsterdam (Mouria) 2007 [zes gedichten] Bibliografie deel 5 22 gedichten geciteerd in 'Spiegel van de Nederlandse poëzie door alle eeuwen 1900-1940' ... [Met een Achteraf van ARH voorin en een bibliografie achterin]. ... www.xs4all.nl/~nil/biblgr5.htm - 34k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Resultaten 31 - 40 van circa 194.000 voor nederlandse bibliographie gedichten (0,09 seconden) Zandbergen - Nederlandse poëzie 6 (feb. 2004) - nrs. 606-708 [linnen band, met Beknopte bibliografie van S. Carmiggelts gedichten, 101 pp.] 8,50 ..... Bloemlezing uit Nederlandse sonnetten van 1966 tot 1980. ... www.dickzandbergen.nl/catalogi/Nederlandse%20poëzie%206...20nrs.%20606-708.asp - 34k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Bibliografie [In aanbouw]. Aan deze website wordt nog gewerkt. Bibliografie ... Elk Surinaams gedicht heeft een Nederlandse vertaling. Voor de titels van de gedichten ... www.margomorrison.nl/mm%20bibliografie.htm - 10k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Louis Couperus - Biografie en bibliografie Biografie | Bibliografie | Tijdladder. Louis Couperus wordt door velen .... Op 4 juni wordt hij benoemd tot ridder in de Orde van de Nederlandse Leeuw. ... www.louiscouperus.nl/LouisCouperus.htm - 26k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Akademiebibliotheek - Links In NetUit, de weeklijst van de Nederlandse Bibliografie, worden wekelijks nieuwe .... Bevat duizenden gedichten en vele tientallen toneelstukken, romans, ... www.iisg.nl/collections/akademiebibliotheek/links-nl.php - 20k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
bibliografie 1998 - Het groot verkeerde-spreekwoordenboek der Nederlandse taal. (Bzztôh – Den Haag). 1999 - De hap van Adam. (gedichten, de Arbeiderspers - Amsterdam) ... www.driekvanwissen.nl/bibliografie.html - 18k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Excite Nederland - M > Auteurs > Literatuur > Kunst > Nederlands ... http://home.tiscali.be/jan.m.meier/ • Meijsing, Doeschka Nederlandse schrijfster van romans, verhalen en gedichten. Bibliografie en bestelformulier. ... www.excite.nl/directory/World/Nederlands/Kunst/Literatuur/Auteurs/M - 42k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Gedichtbespreking Nederlands Marsman: bespreking dichtbundel ... Marsman is de belangrijkste Nederlandse expressionist. Zelf omschreef hij zijn werk met de term ... 5) Bibliografie: > H.Marsman ‘verzamelde gedichten’ ... www.scholieren.com/werkstukken/20397 - 19k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
GiGaGo - Gedichten. Engelse liefdesgedichten liefde. SMS gedicht. Biografie, bibliografie, interviews, en dichtbundels. ... Soepboer, Albertina Friese en Nederlandse gedichten, ze schrijft veel voor jongeren, vertaalde een ... gedichten.gigago.nl/ - 30k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Bibliografie van de Literaire Tijdschriften in Vlaanderen en ... Annotatie: Over: 'Gerrit Komrij's Nederlandse poëzie van de 19de tot en met de 21ste eeuw in 2000 en enige gedichten' (Bert Bakker, 2004, 13e dr.). ... bltvn.kb.nl/browse.php?type=3&ts=1034153063&jrg=-2125495784&afl=937127481 - 10k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Steunpunt Nederlands als vreemde taal: Bibliografie Bibliographie pour le néerlandais comme langue étrangère ... Die gedichten waaruit enkele regels bij eenieder bekend zijn worden in dit boek volledig ... www.snvt.org/bibliografie/formulier_titel.html?id=6091&lang=fr - 20k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Ilja Leonard Pfeijffer - bibliografie En daarnaast ook met gedichten die ontroeren door hun evocatieve directheid. ... vlijmscherpe stukken over Nederlandse grootheden (onder wie Faverey, ... www.iljapfeijffer.nl/boekboek/servlet/nl.gx.siteworks.c....ShowObject/id=67896 - 34k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Nederlands | Enquist, Anna | Het Geheim Haar Zweedse man Bengt, cellist in het Nederlands Kamerorkest, bracht haar op .... Bibliografie Primaire bibliografie 1991 Soldatenliederen (gedichten). ... www.collegenet.nl/studiemateriaal/verslagen.php?verslag_id=13347 - 46k - In cache - Gelijkwaardige
Wijsheden.net | Biografie van Adriaan Morriën Bibliografie. 1939 - Hartslag (gedichten); 1942 - Landwind (gedichten) ... 1979 - Sigmund Freud Nederlandse editie van Sigmund Freud (28 delen) ... wijsheden.net/nl/auteurs/detail/auteur-13 - Martinus Nijhoff - Netencyclo, Nederlandstalige Encyclopedie ... Hij deed dat gewoonlijk in toegankelijk Nederlands. In de gedichten Awater (uit ... 2 Martinus Nijhoffbrug; 3 Prijzen; 4 Bibliografie; 5 Externe links ... www.netencyclo.com/nl/Martinus Karel van de Woestijne (1878 - 1929) - Gedichten.nl: Biografie In 1921 werd hij benoemd tot hoogleraar in de Nederlandse letterkunde te Gent. ... Bibliografie :. * Laethemse brieven over de lente (1901) * Het Vaderhuis ... www.gedichten.nl/biografie/Karel+van+de+Woestijne - 18k - In cache
Hugo Claus op boekbesprekingen.nl 1971, Nederlands, Contravormen naar 5 Oostakkerse gedichten van Hugo Claus ..... 1972, Nederlands, Over gedichten vol liefde en verrukking ... www.boekrecensie.nl/cgi-bin/auteur.cgi?auteur=311748 - 202k Campert Twee jaar later keerde Campert alleen weer terug naar de Nederlandse hoofdstad. .... Primaire bibliografie. 1950 'Ten lessons with Timothy' (gedichten). ... www.schenkt.nl/Biografieen/campert.htm - 29k - In cache - Gelijkwaardige pagina's
Herman Gorter In deze gedichten laat Gorter de normale syntaxis van het Nederlands los ... Bibliografie Herman Gorter. * 1889 - De interpretatione Aeschyli metaphorarum ... www.hermandeconinck.be/herman-gorter.php - 10k -
المراجع العربيه مختارات من الشعر الهولندي: صائب سلام مذكرات عبد الرحمن بدوي
|
|
|
|
|
|