عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 08:33 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بكرى ابوبكر(بكرى ابوبكر)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-19-2007, 04:13 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7)

    Sudaneseonline


    تحية طيبة

    يظل موقفنا المبدئي الثابت دوما هو وقوفنا وبقوة ضد حجب أي رأي مهما اختلف الناس حول هذا الرأي، وضد تكميم أفواه المطبوعات وكسر الأقلام مهما كانت المبررات. هذه ليست كلمات مجردة، بل مغطاة بمواقف ذاتية ندفع فواتيرها لأكثر من ربع قرن بلا منّ أو أذى لهذا الوطن العزيز في نفوس أبنائه وبناته، ولو أعاد التاريخ نفسه لدفعته مجددا عن سعادة لا توصف. للكلمة شرف لا يدانيه شرف، ونحن حرّاسه نظل ندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة ومقدرات. لذلك سوف نقف بقوة ضد إغلاق موقعكم أمام المتلقي في السودان. ما أتعس الحكم الذي يرتعش أمام الكلمة، وإنه العار البائن بينونة كبرى أن نرى من ينسب نفسه إلى محراب الكلمة وهو يحرض مثل شقي ثمود على كسر وعاء يحمل الكلمة إلى الناس. محراب الكلمة مقدس وبراء من مثل هؤلاء، مثلما الدين كله بريء من الذين ينادون بكسر الأقلام وسد منافذ المعرفة والرأي حتى لو كانت غرة صلاته في مساحة الوجه.. وكل القفا !.

    وتأكيدا لموقفي، أبعث لموقعكم بالحلقات السبع الكاملة (زمن الصديد) والتي أتناول فيها تجربتي الشخصية مع مثل هؤلاء قبل ربع قرن ونيف، ففيها ما يؤكد أن ما تمر به الكلمة في سودان اليوم هو فرع من خضراء دمن نبتت في ذلك الزمن.. زمن الصديد. ولسوف أوافي موقعكم لاحقا بعدد من التحليلات الأخرى

    لكم تحياتي

    سالم أحمد سالم
    باريس
    [email protected]

    انتهت الرسالة


    ملاحظات خاصة:
    أرجو نشر جميع الحلقات دفعة واحدة خدمة للقراء الذين قد يتعذر عليهم العثور على بعض الحلقات
    أرجو وضع عنواني الالكتروني مع الموضوع
    أرفق لكم صورتي مع المواضيع
                  

11-19-2007, 04:14 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7


    عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7)

    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]

    من الناس من لا يسمعون بسبب علة أصابت حاسة سمعهم. لهؤلاء مني كل التقدير والاحترام لأنهم من أصحاب الاحتياجات الخاصة. لكن من الناس من يتمتعون بحاسة السمع البيولوجية، لكنهم لا يفقهون ما يسمعون. يقع ضمن هذه الفصيلة الأخيرة ما يُدعى صلاح عمر الشيخ يكتب في جريدة (أخبار اليومِِ) السودانية. فقد تأكدنا انه يتمتع بحاسة الأذن لأنه كتب يقول انه (شاهد) نشرة أخبار العاشرة من التلفزيون السوداني، والتي تحدثت أنا خلالها حديثا مقتضبا عن المؤتمر الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس حول دارفور. كتب المذكور في الجريدة المذكورة تعليقه تحت عنوان (مؤتمر باريس أم سالم). وللحقيقة فقد علمت بما كتب أثناء مكالمة هاتفية مع ابن أختي، ثم عبر اتصال هاتفي وردني من أخ كريم لم أكن اعرفه عن قرب، لكنه يعمل في نفس الصحيفة المذكورة. فقد كان محدثي الأخير غضبان أسفا، ووصفني في حديثه صادق الانفعال بأنني (واحد من أساتذة الأجيال الذين لا ينبغي أن يتطاول عليهم أمثال هؤلاء...) وأمسك أنا بدوري عن ذكر النعوت التي أسبغها محدثي على المذكور، كما لا أجدني بحاجة إلى استخدام المعلومات التي أطلعني عليها محدثي الكريم الذي لا املك إلا أن اشكره وأقول له لو كنت استحق أن أكون احد أساتذة الأجيال، فذلك جزء يسير من ضريبة درجنا على دفعها. ومع ذلك لا نقول لكل الجاهلين سلاما، لاسيما (ما) يحاولون تجاوز الحدود المرسومة بدقّة... فنبطش بهم جبّارين حتى لو جمحوا إلى مغارات في الأرض أو اتخذوا إلى السماء سلّما...

    المهم، مما كتبه المذكور تأكدنا أن المذكور لا يفهم ما يسمع لأنه تقوّل علينا بما لم نقله، مثلما تغّول على مذيع النشرة بما لم يقله وبما لم يفكر فيه المذيع!. ولسوء بخت المذكور فان تعليقي لا يزال مسجلا لدى التلفزيون السوداني.. أو هكذا أتمنى!

    وللحقيقة ثانية، ليس من طبائعي أن أرد على مثل هذه الكتابات التي لا تنفع الناس ولا تمكث في الأرض. فالكتابة مسؤولية عندي مقدسة، والأمر عندي (أعجل من ذلك). فالمذكور وما كتبه لا يشكلان عندي سببا لكتابة هذا السياق، بل سوف اتخذ من كليهما معا (المذكور وما كتبه) موضوعا مخبري لتشريح جانب من مسببات الأزمات التي يصطرع فيها السودان منذ حقب مضت والى اليوم. وعليه نبدأ بتثبيت بعض المبادئ والحقائق ثم نعود لاحقا إلى موضوع مؤتمر باريس. وإليك:

    عنصرية على صفحات جريدة سودانية

    أول ما لاحظنا من أول كلمة كتبها، أن المذكور يبدأ كتاباته حسب عادته بكلمة (أبيض) متى ما كان الموضوع في نظره جيدا أو ايجابيا أو حسنا. ثم يبدأ المذكور كتابته بكلمة (أسود) إذا ما بدا له الموضوع سيئا أو قبيحا. أبيض للجيد الحسن وأسود للسيئ البغيض إلى نفسه. هنا لابد أن نضع مبضع التشريح ونضغط. فكما نعلم فإن إسقاط الدونية والسوء على اللون الأسود هي من إسقاطات الأساليب العنصرية العرقية بغية تبرير تجارة استرقاق أصحاب البشرة السوداء من الأفارقة وشحنهم على تلك الصورة البشعة إلى أسواق الرقيق في الولايات المتحدة الاميريكية. وبالمقابل رمت تلك الأساليب إلى ترفيع أصحاب البشرة البيضاء إلى مصاف السيادة على أصحاب البشرة السوداء. وبرغم أن تاريخ الاسترقاق في العالم لم يكن حصرا على السود، إلا أن هذا الفهم تنامى منذ تلك الحقبة وانقسم العالم إلى سادة بيض وعبيد سود، وبقيت المدلولات العرقية اللونية حتى بعد انقشاع الرق الرسمي.

    في السياق لابد لي أولا من أن ألفت نظر أصحاب جريدة (أخبار اليوم) السودانية إلى مغبة تكريس مثل هذه المفاهيم العرقية اللونية المدمرة وخطورة نشرها. فالسودان يستشرف وحدة جاذبة، وإخوتنا في الجنوب من أصحاب البشرة السوداء من الراحل الدكتور قرنق إلى سلفاكير إلى الصبية الصغار الذين لابد أن تتم تنشئتهم على الثقة في النفس بأن لونهم ميزة ومفخرة وليس دونيا يتوارى به صاحبه. والمسكوت عنه في محنة دارفور ينطوي على كثير من هذا الوصم. ثم إن السودان كله تتماوج ألوان أهله من اللون الفاحم إلى الأسمر.. بما فيهم من يظن انه ابيض!، وإنه لسقوط في المحظور إسقاط الدونية على أمة السودان بأجمعها.

    لقد أخبرنا العلماء أن الطيور وربما الحشرات أيضا ترى الأشياء باللونين الأبيض والأسود فقط. فإذا كان للمذكور صلاح عمر الشيخ (عيون دجاج) أو (عيون صرصار) بأيهما سمّه إن شئت، فلا يرى إلا اللونين الأبيض والأسود، فمن أول واجبات جريدة أخبار اليوم كف الأذى والإيحاء العنصري البغيض عن أهل السودان، ناهيك عن إلزامية الانصياع لأوامر الدين الذي يحرم ذلك... أوَلمِِ يهدِ لهم أن محمدا رسول الله قد غضب غضبته المشهودة عندما سمع أن جماعة تتحدث بمثل هذا القول، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يجر ثوبه جرّا حتى صعد المنبر وخطب في الناس؟... أم هي إلا وحدتكم الجاذبة من تلابيب جرح كنا نتمنى له أن يبرأ؟. لقد وفد هذا الاستخدام البغيض إلى قواميس الحياة السودانية وتفاقم خلال الاستعمار التركي ثم تمدد بواسطة أطقم الإدارات المصرية التي خدمت الاستعمار البريطاني، حتى أكتسب إلصاق الدونية باللون الأسود الصفة الاعتيادية، والتي يزيد في انتشارها مثل هذا الاستخدام علنا على صفحة جريدة يومية لدرجة أن الأمر لم يعد ملفتا (اليوم الأسود، نهارك أ سود، القرش الأبيض لليوم الأسود.. السوق الأسود.. أسود أبيض.. القائمة السوداء..) إلى غير ذلك مما تبثه الأفلام والمسلسلات العربية. كلها عبارات يجب اقتلاعها فورا من قواميس الحياة.

    لذلك أوصيكم ونفسي بالانتباه إلى خطورة مثل هذه الإسقاطات التي أصبحت اعتيادية. فمن مثل هذه التراكمات غير المرئية تتعمق جراحات غائرة في النفوس يصعب الإفصاح عنها فيستعصي علاجها، ومن ثم تتوالد الأحقاد الاجتماعية التي تتفجر إلى حروب مريرة. فإذا كان المذكور (يجهلون) مغبة الفرز اللوني وإسقاطه الدونية على اللون الأسود، فليس على الناس إلا العودة إلى جادة حكمة المجتمعات السودانية، إلى حيث تعبّر المرأة السودانية عن الحزن بثوب أبيض وعن الفرح بثوب أسود. والأمل نعقده على من يهمهم الأمر في أعلى هرم الحكومة السودانية الراهنة بتبني سياسات وإجراءات تحد من مثل هذه الاستخدامات الخطرة. والنداء موصول إلى جميع الصحف ووسائل الإعلام ومنظمات العمل المدني في السودان إلى تنظيم توعية غير جارحة للحد من تفشي مثل هذا الفرز اللوني، بل قد تكون هنالك ضرورة ملحة إلى إضافة فقرات دستورية صريحة وقانونية جزائية تناهض مثل هذه الاستخدامات وتعاقب عليها مثل سائر الدساتير الأوروبية.

    تزوير التاريخ

    وأما المبدأ الثاني، نلاحظ أن البعض في السودان استغل الظرف الشمولي الراهن وشرع في سرقة وتحريف التاريخ حتى ظن هذا البعض أنه أصبح في مقدوره دخول التاريخ من شدة غفلة الناس. اللص لا يسرق إلا إذا أيقن في نفسه أن الناس نيام أو (غافلون)!. وينغمس سارق التاريخ في غواية التحريف وخداع نفسه وتصديقها حتى أنه لينسى أن بعض رموز التاريخ مازالوا على قيد الحياة!. قرينة ذلك أن المذكور نسب نفسه إلى جيلنا في الصحافة السودانية بأن قال في إحدى عباراته التي تعج بالأخطاء وأصححها من عندي (إن أبناء جيلنا يعرفون سالم جيدا والذي عمل في (الأيام) ثم انتقل إلى الإمارات ثم إلى باريس).

    أنا شخصيا لا أعرف شخصا بهذا الاسم عمل خلال تلك الحقبة أو قبلها في الصحافة السودانية أو في حواريها أو في ضهاريها. بالتأكيد ليس المذكور هدفا في حد ذاته بقدرما أكشف في سياق هذه الحلقات عن بعض الحقائق، أولا لكوني شاهد عصر مشارك في وقائع عصره ضمن نطاق حركتي في الزمان والمكان. وثانيا أعرض إلى هذه الحقائق خدمة للأجيال الناشئة وللذين لم يقفوا عن قرب على صيرورة تلك الحقائق حتى لا تنطلي على الناس عمليات تزوير التاريخ المستشرية في هذا البلد حتى كاد أن يخرج على الناس من يقول أنه هو الذي رفع علم الاستقلال وحفر مجرى النيل. وبهذه المناسبة أدعو الجميع إلى تسجيل وقائع حياتهم ونشرها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. كما أنني أكتب من ذاكرة صافية صقلت الغربة تصاويرها، ولم يصبني والحمد لله فقدان الذاكرة. بل مازلت أتمتع بذاكرتي تلك القوية التي كانت محل إعجاب وتندر عدد من الصحافيين والصحافيات. فقد كنت أجري حوارات مطولة بدون ورقة وقلم أو جهاز تسجيل، من ذلك الحوارات التي جرت بيني وصديقي الشاعر عبد الرحمن الابنودي، والتي نشرت في سلسلة حلقات في جريدة الأيام، ومن ذلك الحوار المطول مع فاروق القدومي في مطار دبي. ومن ذلك أيضا الحوار المهم الذي أجريته مع الأستاذ علي عثمان طه نائب رئيس الحكومة السودانية الراهنة عندما كان زعيما للمعارضة في آخر برلمان سوداني (والذي نشرته جريدة الأسبوع آنذاك، إدارة أخبار اليوم حاليا. وقد نكصت جريدة الأسبوع عن الاتفاق بنشر الحوار في وقت واحد في باريس والخرطوم وعاجلت بالنشر..!). بديهي إذن أن أذكر زملاء تلك الحقبة، بل والذين سبقونا من الأساتذة الأجلاء ومن أتى بعدنا من الذين عاصرونا أو تدربوا على أيدينا من الصحافيين والصحافيات، حيث لا تزال الاتصالات قائمة بين بعض منا. ومع ذلك ألتمس من رعيل تلك الحقبة من أمثال الأساتذة حسن ساتي ومحي الدين تيتاوي أن يذكّرونني إن كان المذكور قد عاصرنا إن كنت نسيت. وإن لم يفعلوا ولن يفعلوا، فعلى المذكور أن يقدم إلى القراء الأعزاء سيرته المهنية.. في أي صحيفة عمل وفي أي قسم أو وظيفة أو مهنة؟

    ذلك اسم لا يُسمع له ركزا (ولفائدة المذكور فإن كلمة ركزا قرآنية فصيحة)... ذلك جيل ليس فيه المذكور. ذلك جيل عبد القدوس الخاتم ومصطفى سند وآمال عباس وعز الدين عثمان وإبراهيم موسى الخير وعبد الرحمن الأبنودي ومحمد المهدي المجذوب ومحمد عفيفي مطر وصلاح حافظ وسالم أحمد سالم وعثمان خالد وحسن ساتي ومحي الدين تيتاوي وسيد أحمد الحردلو وعمر واسماعيل الحاج موسى وكواكب سونا وقطبها الأعظم مصطفى أمين ومحمود محمد مدني واسماعيل حسن ولد حد الزين وأحمد حسن محمد صالح وصلاح أحمد إبراهيم وعلي المك والدكتور الكرسني وبكري ملاح ومرتضى الغالي والنور عثمان أبّكر وعمر عبد التام وفايزة شوكت وسعيده رمضان ومحمد صالح يعقوب وأبو آمنة حامد وموسى المبارك ومحمد الحسن دكتور وهاشم صديق والتيجاني سعيد والفاتح التيجاني ومحمد يوسف موسى وحسين خوجلي وكمال الجزولي وعلي مهدي واسحق الحلنقي وحسن موسى وكمال حسن بخيت وفضل الله محمد وملك محمد أحمد وعبد الله عبيد وعلي عثمان المبارك وتوفيق صالح جاويش وميرغني أبو شنب وليلى المغربي ومحمود شمس الدين وأحمد وإسماعيل العمرابي وعلم الدين حامد وأبو العزايم وطلحه الشفيع والياس فتح الرحمن وسامي سالم والطيب محمد الطيب وعبد القادر حافظ وعبد الكريم الكابلي وأحمد وعبد الكريم قباني وعبد الله جلاب وحسن عبد الوهاب وآمال مينا وعبد الرحمن زروق وعبد المنعم فرح وأحمد عثمان الحاج ومختار عجوبة وجعفر عبد الرحمن وحسب الله الحاج يوسف وشيخ إدريس بركات وعبد الله جلاب ومحجوب خيري.. وغيرهم وغيرهن من مثلهم من قبيل الصحافة والإعلام. القائمة تطول والمساحة تضيق.. ثلة من الأولين وقليل من الآخرين.. جمعتهم تلك المرحلة على اختلافاتهم ومستوياتهم.. بعضهم من أهل المبتدأ والخبر، وبعض من أهل الفكر والنثر والشعر والتوثيق والألوان، وآخرون هم أهل الرأي الذين لا يخشون أحدا بالمطلق حتى سمعت الدنيا صرير أقلامنا... ذلك جيل ليس فيه المذكور لا بالميلاد ولا بالتبنّي.. فلا تدّعيه.. أوعك.

    أما معرفة المذكور لشخصي من موقع (التتبع الأمني) وكتابة التقارير المخابراتية الكيدية عن الصحافيين والإعلاميين خلال تلك الحقبة بواسطة أفراد المخابرات المحلية والأجنبية الذين يتم زرعهم في دور الصحف أو بواسطة (المتعاونين) معهم، فهذا ما سوف نعرض له في الحلقة التالية. . صمتنا عنكم طويلا حتى ظننتم أن الأمن قد استتب لكم، فلنأتينّكم بما لا قِبل لكم به.

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-19-2007, 04:15 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)




    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7

    نحن الخبراء... وتلك شنشنة أعرفها من أخزم (2 من 7)


    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]


    وعدّتكم في الحلقة السابقة أن أتناول موضوع (التتبع الأمني) للصحافيين السودانيين خلال حقبة حكم مايو للسودان. لا أبدل الوعد، ولكني أبدأ هذا الجزء من السياق بموضوع المؤتمر الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الفرنسية باريس، وما كتبه المذكور صلاح عمر الشيخ في جريدة أخبار اليوم السودانية حول التعليق الذي تفضلنا به للتلفزيون السوداني حول المؤتمر. وكما ذكرت في الحلقة السابقة، فإن المذكور مضافا إليه ما كتبه لا يشكلان عندي موضوعا للرد بقدرما أتخذ من كليهما معا حالة مختبرية اشرّح من خلالها الأجزاء غير المرئية من جبل مسببات أزمات السودان الراهنة الغارقة تحت مياه التاريخ القريب. لذلك، وحتى لا ينقطع سياق الحلقات القادمة، أبدأ بتناول جزئية مؤتمر باريس باعتبارها نقطة عارضة لا ينبغي استصحابها معنا في بقية أجزاء وحلقات هذا السياق. وإليك:

    مما ذكره المذكور أن التلفزيون السوداني قدمني بوصفي خبير في العلاقات الدولية. واضح من اللغة التي اجتهد المذكور في أن يبرز بها عبارته أنه يستكثر عليّ صفة الخبير في العلاقات الدولية!. واسمحوا لي أن أنزع عني جبّة التواضع الصوفي حينا من الدهر لكي ألقول بأنني لست خبيرا في العلاقات الدولية، بل أستاذ في العلاقات الدولية ومرجعية فيها. ولو كان المذكور يعرفني أو أنه أحد أبناء جيلنا في الصحافة السودانية كما ذكر وأدّعي، لكان ربما فهم بأنني عندما غادرت السودان كنت {رئيس القسم الدولي} في جريدة الأيام السودانية. كان ذلك قبل 33عاما بالتمام والكمال. وما أدراك أن يكون المرء رئيسا للقسم الدولي في تلك الحقبة من الصحافة السودانية. هي ببساطة أن يكون المرء خبيرا في العلاقات الدولية!.

    وبذات البساطة فقد كنت خبيرا في العلاقات الدولية قبل 33 عاما فما بالك اليوم بعد هذه السنوات التي كتبت خلالها آلاف المقالات والتحليلات والبحوث والدراسات والكتب في العلاقات الدولية، والتي تقلدت خلالها العديد من المواقع المتقدمة في الصحافة العربية الدولية. خبير في العلاقات الدولية منذ آنذاك الزمن لأن مقالاتي وتحليلاتي كانت في ذلك الوقت ضمن مراجع طلبة الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الخرطوم (نرشد المذكور وجريدة أخبار اليوم إلى التفتيش في كراريس طلاب تلك الفترة مثلما كانوا ينبشون إبان حكومة مايو في أدمغة الطلاب وجيوب التلميذات بحثا عن معارض). خبير في العلاقات الدولية منذ ذلك التاريخ البعيد لأن تحليلاتي في الشؤون الدولية، سواء تلك التي تنشر في الجريدة أو التي كتبتها خصيصا، كانت ضمن المحاضرات حول العلاقات الدولية التي يقدمها فرع التوجيه المعنوي في القوات المسلحة السودانية للضباط والجنود... وغالبا ما يكون بين أولئك الضباط الضابط المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الحكومة السودانية الراهنة. ثم كانت تحليلاتي وآرائي السياسية ضمن مراجع ومصادر تقارير وكالات الأنباء والصحف الأجنبية حول السودان والشؤون الأفريقية والشرق أوسطية (راجع تقارير هيئة الإذاعة البريطانية، رويترز، وكالة السودان للأنباء وغيرها).

    منذ ذلك التاريخ البعيد كانت كتاباتي والزملاء في القسم الدولي بمثابة مفاتيح المعرفة للشعب للوقوف على مجريات العالم وتفاعلاتها وانعكاساتها على السودان أثرا وتأثيرا. كانت تحليلاتنا تنتهي إلى اقتراح المفيد الذي كان ينبغي أن تتبعه تلك الحكومة. من ذلك أننا كثفنا الكتابة عن حركات التحرير الأفريقية التي كانت تخوض حروب التحرير في أنغولا وموزامبيق وجنوب أفريقيا، حتى تعرّف الرأي العام السوداني عن كثب على مجاهدات تلك الثورات ورموزها مثل أوغسطينو نيتو وسامورا ميشيل ونلسون مانديلا وغيرهم. كانت تلك من بواكير حلقات الترابط والتعاطف الشعبي السوداني مع عمقه الأفريقي وقضاياه. وقد شكلت كتاباتنا ضغطا قويا على تلك الحكومة فرضخت فكان السودان من أوائل الأقطار إن لم يكن أولها اعترافا بحكومة الحركة الشعبية في أنغولا. في حينها قال أحد رموز تلك الحكومة: .. جريدة الأيام هي السبب في اعترافنا بحكومة أنغولا.. (راجع السيد أبو القاسم محمد إبراهيم). ثم الدور الذي قمنا به تجاه القضية الفلسطينية عندما نبهنا منذ أكثر من ربع قرن من مغبة تحويلها إلى قضية فلسطينية صرفة معزولة عن محيطها العربي، وهذا ما حدث للأسف، ثم ما كتبه كاتب هذه السطور قبل 25 عاما من اندلاع ثورة أطفال الحجارة من أن (الثورة تبدأ من الداخل) ـ راجع جريدة الأيام ـ. ثم كتاباتنا المستفيضة عن حرب التحرير في فييتنام إلى غير ذلك من القضايا الدولية، فأسهمنا بدور واضح في تشكيل وجدان الرأي العام السوداني.

    ومنذ أن غادرت السودان فإنه لجد ما يشرفني أن أكون أحد أبناء السودان الذين أسهموا في إثراء الفكر السياسي والمهني، وتقلد مواقع مرموقة في المجال الصحافي. حيث كنت أول رئيس تحرير لأول صحيفة عربية يومية تصدر من باريس. أما كتابي قبل الأخير {الطريق إلى الدولة} فقد كان مرجعا أساسيا لثلاث شهادات دكتوراه وماجستير تم تسجيلها وإجازتها في الجامعات الفرنسية لثلاثة دارسين عرب أحدهم سوداني واثنان ليبيان. أما جريدة القدس العربي اللندنية اليومية فقد نشرت تلخيصا للكتاب في تسع حلقات متتابعة، كل حلقة صفحة كاملة. كما قدمت عنه إذاعة مونت كارلو الدولية عدة برامج كنت أنا ضيفها حول الكتاب، وأيضا كمفكر وخبير في العلاقات الدولية!. وفي السودان كتب عنه الأستاذ كمال حسن بخيت في جريدة الأضواء، وكذلك بعض الصحف الخليجية. وبرغم أن الكتاب قد صدر عام 1999 إلا أنه يتمتع بحيويته السياسية، حيث وجد صداه في (صدى) الأستاذة آمال عباس التي كتبت عنه ثلاث حلقات متتالية الأسبوع قبل الماضي

    خمس وثلاثون عاما وآلاف المقالات والتحليلات والبحوث والدراسات والكتب والمؤتمرات والسفر بين أركان الدنيا جعلت مني هذا الخبير أو بالأحرى الأستاذ في العلاقات الدولية الذي تعرفه مؤسسات الإعلام العربية والدولية. وكم تمنيت أن يستفيد السودان من خبراتي وخبرات العديد من أبنائه الخبراء في الداخل والخارج لأن السودان لن ينهض كما نأمل إلا عندما تكون فيه الولاية للكفاءة وليس للولاء الحزبي. وهنا تعود إلى ذاكرتي تلك المذكرة التي وجهتها للأستاذ علي عثمان طه في بداية عمر الحكومة الراهنة، والتي أشرت له فيها إلى ضرورة تقديم الكفاءة على الصفوة من أهل الولاء... ولا زلت عند رأيي!. ولو آمنوا بذلك لأكل السودان من فوق رأسه ومن تحت أرجله.

    لا شك أن القارئ الكريم يدرك بفطنته بأنني لست في حاجة لتقديم هذه اللمحة الموجزة للغاية عن زملائي ونفسي إلا من أجل أن تجلس الحقائق على كراسيها التي نسجت عليها عناكب الكذب الكؤود. نعم نحن خبراء في العلاقات الدولية منذ 33 عاما أكملنا خلالها مشوارنا إلى الأستاذية ونسعى قدما دون أن نفقد إحساس التلميذ تجاه التحصيل وزيادة المعارف وصقل التجربة. ولا ريب أن المحافل الإعلامية الدولية لا تجاملنا عندما تطلق عينا صفة الخبير أو الأستاذ في العلاقات الدولية... ثم ليس ضمن مسؤولياتنا أن توقّفت جريدة أخبار اليوم ومذكورها شقيها وصاحبها عند المرحلة الثالثة من حلقات تطورهم!..

    ثم إن صفة الخبير التي استكثرتها علينا جريدة أخبار اليوم السودانية، ليست تلك الصفة الخطيرة التي تستدعي استلال الخناجر في ظلام الشمولية القائم. ذلك أن صفة (الخبير) من المفردات العادية المتداولة لدى المجتمعات الأوروبية، يستوي في ذلك ميكانيكي السيارات وموظف شركة التأمين وخبير العلاقات الدولية أو مجموعة الخبراء الذين قادوا الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي، أو أولئك الذين أطاحوا بلير عن رئاسة الحكومة. كلهم (خبراء) كل في مجال اختصاصه. ونحن خبراء في مجال اختصاصنا في الشؤون والعلاقات والسياسات الدولية.. ونعلم أننا لن نصل ذات يوم إلى (ازدواجية التخصصات) مثل التي تتقنها إدارة جريدة أخبار اليوم السودانية..

    ومع ذلك فإن صفة الخبير ليست على العواهن يتمنطقها من يشاء أو يخلعها من يشاء على من يشاء. فالخبير لابد أن يتمتع بالأساس العلمي، ثم التجربة العملية الطويلة في مجال اختصاصه، ثم الذكاء كشرط لحسن الاستيعاب ثم الملكة أو الموهبة التي تمكنه من الإبداع والإضفاء وسرعة المعالجة اتكاءاَ على العلم والتجارب. زد على ذلك أن التداخل بين الاختصاصات يفرض على الخبير أن يكون موسوعة معلوماتية تجاوز خط تخصصه. صفة الخبير إذن ليست شهادة يمنحها أحد، بل هي (الدور) الذي يقوم به المرء صاحب الخبرة في مجال تخصصه. والإنسان الخبير يظل تلميذا أبد حياته في مجال تخصصه.

    وأما الخبير في مجال الصحافة والكتابة فلابد أن تنطبق عليه الشروط المذكورة كافة، علاوة على أهمية تمتعه بشرطين إضافيين هما الموهبة الربانية ـ التي لا تأتي بالاكتساب أو التكسب أو المال ـ ثم شرط الحرية المطلقة. ذلك لأن الشخص المنتمي إلى تكوين سياسي أو (جهاز) أو له مآرب مادية يفقد شرط الحرية لأنه يظل مقيدا يعجز عن التعبير إلا وفق توجهات حزبه أو تدابير الجهاز الذي ينتمي إليه أو المال الذي يجمعه بصرف النظر عن موقع الحقيقة. فإذا تحرر المرء من هذه القيود انعتق نحو احتمال أن يصبح صحافيا أو كاتبا فيما لو كان مؤهلا، وإذا أبقى عليها يبقى على صعيد زلق يركس فيه. للحرية ضريبتها ولغيرها ثمنه المقبوض.. وعلى ذلك قس !!.

    ننتهي في حرثنا هذا أن استكثار (أخ بار اليوم) ما هو إلا شنشنة أعرفها من أخزم. أما إذا قصدنا مكان توالده فإنه يرجع إلى التصور الساذج المسيطر عند هؤلاء بأن الخبير هو شخص ابيض اللون أزرق العينين أشقر الشعر يرتدي بدلة كاملة وربطة عنق ويحمل في يده حقيبة سوداء.. خواجه يعني!. هذه الصورة هي بدورها إسقاط للدونية على الأسود وترفيع الأبيض وتسييده. إنه ذلك الفرز اللوني والعنصرية العرقية البغيضة التي تنشرها جريدة أخبار اليوم على رؤوس الأشهاد حسب ما أشرت إلى ذلك في الجزء الأول من هذا السياق... الأسود في نظر جريدة أخبار اليوم لا يحق له الارتقاء إلي مصاف السيد الأبيض الخبير، والسود والملونون لا يصلحون إلا أن يكونوا (موضوعا) للخبير الأبيض. هذا نموذج محكي عن ظاهرة الحسد والاستكثار المتفشية في المجتمعات السودانية، والتي يقول عنها أهل الخليج العربي (السودانيون يحسدون بعضهم)!.
    إذن ليس التلفزيون السوداني أو غيره هو الذي يخلع عليّ صفة الخبير في العلاقات الدولية أو يخلعها عني. وبهذه المناسبة كان بوسعي أن أكون مديرا للتلفزيون السوداني منذ سنوات بعيدة (راجع الأستاذ المحبوب عبد السلام الذي عرض عليّ الفكرة خلال السنوات الأولى من عمر هذه الحكومة أثناء لقاء بيننا داخل السفارة السودانية في باريس). وبالمناسبة أيضا فان الأستاذ المحبوب برغم التباين بيننا في الوسائل لا الأهداف، إلا أنه أحد الخبراء الذين ينبغي أن يستفيد منهم السودان بصرف النظر عن الخلاف والاختلاف.. فهل يصل السودان ذات يوم إلى هذه الدرجة الرفيعة من التسامي؟ وهل تنجح حكوماته في اختراق حاجز الولاء لمصلحة الكفاءة؟.. عسى ولعل..! ). والى أن نستكمل نختم بالقول: لو شاءت جريدة أخبار اليوم ومذكورها ومحرضه فليطوفوا من حولي.
    سنواصل بمشيئة الله

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-19-2007, 04:16 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7

    لقاء باريس وجحود الحكومة السودانية (3 من 7)

    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]

    نعم! نحن كنا أول من دعا إلى عقد مؤتمر في باريس حول دارفور تحت مسمى ( لقاء باريس). وجهنا الدعوة إلى الأطراف في المرة الأولى في ديسمبر 2006. وعندما تباطأت الحكومة السودانية في الرد جددنا الدعوة للمرة الثانية بتاريخ 17 ابريل 2007. من جانب الحكومة السودانية شملت الدعوة كلا من السيد سيلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الحكومة السودانية أو من ينوب عنه، والأستاذ علي عثمان طه نائب الرئيس، والسيد مني أركو مناوي كبير مستشاري رئيس الحكومة السودانية. أما لجهة الحركات الدارفورية فقد دعونا السيد محمد إبراهيم دريج، والدكتور خليل إبراهيم، وعبد الواحد محمد نور. من الحكومة ثلاثة ومن الحركات ثلاثة.

    في الشكل والموضوع

    تم توجيه الدعوة باسم (منظمة حقوق الشعوب العربية والأفريقية)، وهي منظمة عمل مدني فرنسية المنشأ أتشرف أنا برئاستها. تم تسليم خطابات الدعوة إلى السيد أحمد حامد سفير السودان لدى فرنسا، الذي اجتمعنا به ورحب بالفكرة، وطلب إضافة فقرة نؤكد فيها أن المنظمة سوف تتولى على نفقتها تكاليف استضافة وفد الحكومة السودانية. وقد تمت إضافة الفقرة لنص الدعوة إضافة إلى خطاب إلى السيد السفير بهذا المعنى. وحسب الأعراف الدولية المتبعة فقد وجهنا خطابات الدعوة معنونة إلى السيد وزير الخارجية السوداني الدكتور لام أكول. هذا من حيث الشكل.

    أما لجهة الموضوع، لابد أن نوضح أولا بان الدور الذي تلعبه منظمات العمل المدني الفرنسية والأوروبية عموما لا يقتصر على تقديم الأغذية والأدوية والخيام وغيرها من عمليات الإغاثة الإنسانية. فالمنظمات والجمعيات الأوروبية ضالعة ونافذة في عمق الحياة السياسية الداخلية، وذات تأثير قوي على الرأي العام والسياسات الخارجية في جميع الدول الأوروبية. فالأحزاب السياسية الفرنسية في حد ذاتها هي جمعيات عمل مدني مرخص لها بموجب القانون الفرنسي الصادر في عام 1901.. مثل جمعيتنا تماما!. ونسبة للقوة والمكانة التي تتمتع بها جمعيات العمل المدني الفرنسية، فإنها تحظى باعتبار كبير لدى الأحزاب والحكومات والرؤساء. وتكفي الإشارة إلى أن السيد برنار كوشنر وزير الخارجية الفرنسي الحالي هو مؤسس جمعية أطباء بلا حدود والتي قوّت من وضعه داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي قبل طرده منه بسبب قبوله المنصب في حكومة ساركوزي اليمينية. من هذه المكانة التي تتمتع بها منظمتنا مثل سائر الجمعيات الأوروبية قدمنا الدعوة إلى (لقاء باريس) حول دارفور.

    وبما لا يخرج عن صلب الموضوع، ننوه إلى الاهتمام الذي حظيت به منظمتنا من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عندما خاطبناه في موضوع (المركز الفرانكفوني السمعي البصري) الذي حرصت جمعيتنا على إنشائه في السودان. فقد تلقينا رسالة رد سريعة وإيجابية من مكتب شيراك، وحولت الرئاسة الفرنسية المشروع على وجه السرعة إلى وزارة الخارجية. ثم بعد أيام قلائل تلقينا رسالة من السيد شارل جوسلا وزير الفرانكفونية والتعاون الدولي الأسبق الذي أثنى على المشروع وأكد حرصه على دعمه. وعلى ذكر المركز الفرانكفوني، فقد كان الهدف من المركز إحداث نقلة نوعية في مدارك ومعارف ملايين التلاميذ والطلاب في السودان عن طريق ربطهم بحركة العصر والتطور التقني والعلمي في العالم ببث الأفلام الوثائقية عن كل جوانب العلوم والحياة المعاصرة. كان من المفترض أن يتم البث من محطة المركز في الخرطوم ليستقبله التلاميذ والطلاب داخل فصولهم الدراسية، حيث كنا بصدد تزويد المدارس بـأجهزة تلفزيونية. المركز الذي قدرت كلفته بحوالي مليون يورو كان هبة من منظمتنا.

    هذا المشروع قد تم ذبحه على عتبة وزارة الخارجية السودانية على يد الدكتور التيجاني فضيل وزير الدولة الذي اعتقل الملف المرسل إلى السيد رئيس جمهورية السودان.. ليس في الأمر ما يثير دهشتكم لأن مثل هذا التصرف أضحى أمرا دارجا في السودان!. هؤلاء الذين لا يرحمون ولا يتركون الرحمة تأتي حتى للأطفال والطلاب. مثل هذا التصرف يؤدي عادة في أوروبا إلى تنحية المسؤول ومحاكمته لا لكونه حجب رسالة عن رئيس حكومته فحسب، بل لأنه حجب فائدة عن فئة اجتماعية.. أما في السودان فمن الظواهر الغريبة اللافتة أن الحكومة الراهنة على وجه التحديد لا تسائل مسؤولا فيها ولا تعاتبه ناهيك عن إبعاده عن موقع المسؤولية... كل الأخطاء مبررة ومسكوت عنها. (راجع الدكتور غازي صلاح الدين الذي تلقينا منه رسالة رد على رسالتنا إليه حول هذا الموضوع).

    واضح من حيث الشكل والإجراء أن منظمتنا كانت سباقة في الدعوة لمؤتمر أو (لقاء باريس) حسب التسمية الأصلية. وقد ذكرت هذه الحقيقة للتلفزيون السوداني أثناء تعليقي متناهي القصر حول المؤتمر الذي عقدته فرنسا مؤخرا. وأثناء حديثي قاطعني المذيع بسؤاله (بأي صفة ؟)، فلو تركني المذيع أكمل الجملة لكان قد علم!. ثم أنني لم أقل للتلفزيون أننا دعونا إلى مؤتمر باريس، بل قلت( نحن أول من دعا إلى مؤتمر في باريس حول قضية دار فور). والتمييز بين الجملتين هين لا يحتاج إلى ذكاء. لكن وكما ذكرت في حلقة سابقة فإن جريدة أخبار اليوم السودانية تسمع ما لا تفقه أو تفقه خلافا لما تسمع أيهما شئت. ثم أننا لا نحتاج إلى صفة حكومية لكي ندعو لمؤتمر، إذ تكفينا صفة رئاسة المنظمة، فهي صفة كافية ويزيد للدعوة للمؤتمرات ولمخاطبة الرؤساء والمنظمات الدولية الأخرى بما فيها مجلس الأمن الدولي الذي سبق لنا مخاطبته. لذلك لا يحتاج كاتب هذه السطور أن يكون سالم أحمد سالم ممثل الإتحاد الأفريقي الذي نحترمه ولا نجد له فوقية أو ميزة علينا، ولا نجده أكثر قدرة أو أشد حرصا منا على طي ملف دارفور.

    واضح من هذه الجزيئة أننا نقع بين التقدير والمكانة التي تحظى بها المنظمات المدنية في فرنسا وأوروبا، وبين القدر الموازي من عدم الاعتبار الذي نجده عند الحكومة السودانية الراهنة حتى في الحالات التي نسعى فيها إلى معالجة قضية خطيرة مثل قضية دارفور، أو أن نقدم فيها علما نافعا للأجيال الناشئة في السودان. دعم نجده من الخارج يقابله سد منافذ وجحود من جهة حكومة الخرطوم. لماذا إذن تعطب الحكومة السودانية الراهنة كل خطوة قد تفيد السودان وشعبه ؟. سؤال محوري نجيب عليه لاحقا.

    في المضمون

    أما لجهة المضمون فقد كانت خطتنا أن يكون لقاء باريس لقاء سودانيا صرفا، تشارك فيه فرنسا بصفة مراقب يمثل الأطراف الدولية. ولاشك أن المؤتمر الذي دعت له الخارجية الفرنسية له أهداف مغايرة تماما عن تلك التي قصدنا. فمؤتمر الحكومة الفرنسية لم يخرج عن عملية الإشهار التقليدية التي تقوم بها كل حكومة فرنسية جديدة بتوجيه رسالة مزدوجة للرأي العام الداخلي والدولي. ولا غرابة أن تتمحور العملية الفرنسية حول دارفور بحكم الموقع الذي تحتله هذه القضية عند الرأي العام الفرنسي والدولي. في كل الأحوال فإن دعوتنا للقاء باريس قد سبقت تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة ببضعة أشهر.. فالمهم دائما هو الفكرة، أي فكرة (مؤتمر أو لقاء في باريس حول دارفور).. بعد ذلك يستطيع كل طرف توجيه الفكرة نحو الوجهة التي تخدم مصالحه. بالمقابل فقد استنسخت الحكومة السودانية بدورها من نص رسالة دعوتنا ما تريده ورمت بالباقي وولتنا ظهرها دون عبارة شكر. فقد أخذت الحكومة فكرة توحيد وتقليص المبادرات، وبالتالي الحد من قسمة الغرماء بين الوسطاء. ويمكن ملاحظة (مقتبسات) الحكومة السودانية من الفقرات الأساسية التي وردت في خطاب الدعوة الذي سوف ننشره كاملا حتى يتعرف الناس على الأجزاء التي اقتبستها الحكومة السودانية.

    لقد كان هدفنا أن يستفيد السودان من( لقاء باريس) في تضييق الفجوة بين الحكومة الراهنة وبين جبهات دار فور والاقتراب بالأطراف من اتفاق الحل النهائي، وفي نفس الوقت دفع الحكومة نحو قبول الحل الديمقراطي الشامل الذي يعالج مشكلات السودان كافة. تلك هي الفائدة التي نبغي، سواء أن نسبت الحكومة السودانية الفكرة لنفسها غصبا أو ردت الأمر إلى أصحابه عدلا.. فقد بلغ الحوت مجمع البحرين ولا يهمنا بعد ذلك أن اتخذ طريقه إلى البحر عجبا.

    على أننا نأخذ على الحكومة السودانية الراهنة أنها درجت على أخذ جزئية من كل فكرة ومن ثم إعادة صياغة جزئية الفكرة وتمويه معالمها حتى لتبدو الفكرة وكأنها من بنات أفكار الحكومة. هكذا تفعل الحكومات الشمولية عادة بسبب حالة الإفلاس الفكري الذي تنتهي إليه والذي يدفع الحكومات الشمولية إلى سرقة وابتسار مقترحات وأفكار الآخرين بدم بارد (وهذا مبحث نعود إليه في تشريح لاحق). المعيب في هذا الأسلوب أن جزء الفكرة الذي تستخلصه الحكومة الشمولية لا يكون الجزء الهام من الفكرة الأساسية، كما أن الأجزاء التي تضيفها الحكومة لن تصبح جزء من الفكرة الأصلية!. وبذلك تخرج الحكومة الشمولية إلى الناس مخلوقا مشوها هو فرانكشتاين بعينه الذي يبدأ بتدمير صاحبه. ولتأكيد هذه الحقيقة، نلخص أهدافنا من الدعوة إلى( لقاء باريس) في الآتي:
    أولا: أن يكون اللقاء سودانيا صرفا لأننا على علم أن اللقاء السوداني ـ السوداني هو أقصر الطرق التي تمهد للاتفاق. هذه خاصية يمكن معرفتها بالنظر إلى التراث الاجتماعي السوداني في حل المنازعات بما فيها حالات القتل. خير ما نستشهد به على ذلك تلك الحوارات التي بدأت مريرة بين الراحل الدكتور جون قرنق والأستاذ علي عثمان طه، والتي انتهت مشرقة باتفاق السلام. كل وساطات الدنيا لم يكن لها أن تحقق ذلك بدون حوار سوداني ـ سوداني. ولذلك تعمل الأطراف الدولية والوسطاء الإقليميون كل ما بوسعهم لمنع هذا الحوار، لذلك اقترحنا استبعدنا الوسطاء.

    ثانيا: إشراك فرنسا كمراقب نسبة للثقل الفرنسي الذي تتمتع به فرنسا في الأقطار الأفريقية المتاخمة لدارفور مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وأقطار غرب أفريقيا، والتأثيرات المتبادلة بين دارفور وهذه الأقطار. الحضور الفرنسي من شأنه أن يحد نوعا من غلواء التدخل الأميريكي البريطاني المباشر أو عبر مجلس الأمن. ففرنسا تتعرض لضغوط أميريكية بريطانية عنيفة تكاد أن تقصيها عن أقطار غرب أفريقيا. ومهما يكن حجم التقارب الفرنسي الأميريكي فإن الرأي العام الفرنسي لا يجامل في مسألة وضع المصالح الفرنسية في موضع الأولوية. وأشد ما يؤخذ على الرئيس المنتخب ساركوزي تقاربه الشديد مع الإدارة الأميريكية. لذلك كان في من شأن (لقاء باريس) الذي اقترحناه أن يشكل فرصة لتقارب فرنسي سوداني ينضاف إلى مصالح الصين مع السودان بما يعيد بعض التوازن لموازين القوى الدولية تجاه مسألة دارفور.
    ثالثا: من الملاحظ أن الأثر الأميريكي المباشر على مباحثات السلام في جنوب السودان كان واضحا. هذا الأثر يعود في جزء عظيم منه إلى الروابط التاريخية الثقافية والسياسية الأنكلو أميريكية بالسودان عموما وبالحركة الشعبية على وجه الخصوص. فالسودان مصنف كقطر انكلوفوني. وبالنظر إلى دارفور وأقطار وسط وغرب أفريقيا فهي أقطار فرانكفونية ذات روابط ثقافية وسياسية عريقة مع فرنسا. فالعالم، شئنا أم أبينا، مقسم إلى فرانكوفوني وانكلوفوني. نخلص من هذه المقاربة أن فرنسا هي الدولة الأكثر تأثيرا على أقطار وسط وشمال وغرب أفريقيا. وقد كان من الممكن استقطاب دور فرنسي يساعد في الحل أو على أسوأ الفروض يحد من الاستفراد الأميريكي.

    كان هدفنا الأساسي من (لقاء باريس) هو الوصول إلى مرحلة تمهيدية تسبق الحل النهائي. ففي حكم المستحيل التوصل إلى حل نهائي قبل هذه المرحلة التمهيدية. لكن وكما لمسنا فقد استقطعت الحكومة السودانية جزء ثانويا من فكرة اللقاء، ثم ألقت بالقضية من جديد في أتون الإتحاد الأفريقي ووساطات أقطار الجوار ومجلس الأمن الدولي الذي لا يعدو كونه مقاصة دولية تمتلك واشنطن غالبية أسهما وشركاتها. ثم ماذا كان يضير الحكومة السودانية لو أنها جرّبت معنا هذا الطريق وقد جربت بأسنانها كل هذه الحجارة ؟. الجواب من عندي هو أن تجاهل الحكومة السودانية جزء أصيل من إسقاطات ترفيع الغريب ومعاداة القريب التي أشرت إليها في الحلقات السابقة من هذا السياق. هذه الإسقاطات جزء من (قوائم الحظر السرّية) التي صنفتها ووضعتها الحكومة السودانية الراهنة، وهي قوائم تضم أسماء العديد من السودانيين في مختلف التخصصات والمهن.
    ونواصل

    سالم أحمد سالم
    باريس يوليو2007
                  

11-19-2007, 04:17 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7

    لماذا ذبحت حكومة مايو الصحافة السودانية ؟! (4 من 7)


    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]

    منتصف سبعينات القرن الماضي أطلقت الصحافة العربية والدولية مسمى (مذبحة الصحافة السودانية) على تلك القرارات التصفوية التي أصدرها رئيس الحكومة العسكرية الثانية (حكومة مايو) في حق الصحافة السودانية. فقد طالت تلك القرارات نخبة خيرة من الأقلام والكفاءات المهنية الصحافية السودانية بالإبعاد عن العمل الصحافي والتشريد، والنقل التعسفي إلى مواقع وظيفية خارج الأطر الصحافية، أو بالتقليص المهني وأبقت على من أبقت عليه على حال من الخوف والتدجين. كانت تلك القرارات بمثابة الضربة القاصمة التي لم تتعافى منها الصحافة السودانية إلى يوم الناس هذا.

    ذكرت في الحلقة السابقة أنني سوف أتعرض إلى مسألة التتبع الأمني والتقارير الكيدية وعمليات التشفي التي تعرض لها الصحافيون في السودان إبان فترة الحكم العسكري الثاني، والمعروفة بحكومة مايو. فقد أقدمت تلك الحكومة على ارتكاب سلسلة لا تحصى من التصرفات فادحة الثمن طالت كل القطاعات الاجتماعية والمهنية، بما فيها القطاع الرياضي حيث أصدرت تلك الحكومة قرارها الفذ بإلغاء الفرق الرياضية !. وكما هو ملموس فقد انتهت تلك القرارات إلى نتائج مدمرة مثل تكسير هياكل البلاد الاقتصادية وتشريد الكفاءات ونشر الرعب والمسغبة والندرة والغلاء والخروج من المحافل الرياضية الإقليمية والدولية. وقد كان نصيب قطاع الصحافة والإعلام تلك المذبحة التي سارت بها ركبان الإعلام العربي والدولي.

    وسبق أن أشرت أيضا إلى ظاهرة استشراء عمليات تزوير التاريخ في السودان كواحدة من افرازات الحكم الشمولي الراهن. وقد قدمت نموذجا على هذه الظاهرة بما كتبه شخص يدعى صلاح عمر الشيخ في جريدة أخبار اليوم السودانية، حيث كتب بلا حياء أو تردد بأنه من جيلنا في الصحافة السودانية!. لذلك، وحتى لا يمرق عليكم المذكور أو أحد على شاكلته بفرية تزوير جديدة أو محاولة مواربة تلك المجزرة الصحافية، فإنني أنوه منذ الآن بأن بحوزتي وإلى اليوم نسخة من تلك القرارات بتوقيع رئيس تلك الحكومة العسكرية جعفر محمد نميري تضم أسماء جميع الصحافيين الذين طاولتهم نلك القرارات بالإبعاد أو النقل التعسفي، وأولئك الذين تم الإبقاء عليهم في وظائفهم. لقد احتفظت طيلة السنوات بتلك الوثيقة مع غيرها من الوثائق التي قد لا تخطر على قلب أحد لأنني مؤمن بأهمية التاريخ ودوره في الحاضر والمستقبل، وربما كان هذا الإيمان هو الذي جعلني من هواة جمع الوثائق والمستندات.. والقصاصات !.

    اسمان تصدرا قائمة (صحفيون مبعدون) عن العمل الصحافي من جريدة الأيام هما سالم أحمد سالم وكمال حسن بخيت. أما كمال حسن بخيت فقد صدر الحكم بإبعاده عن العمل الصحافي بتهمة (الانتماء إلى حزب البعث العربي)، أما أنا سالم أحمد سالم فقد كانت جريرتي هي أنني (ضد ثورة مايو) حسب ما ورد في ملفات القرارات التي شاء الحظ أن اطلع عليها وعلى التقارير المكتوبة بخط اليد والتي تعرفت على أصحابها واحدا واحدا!. شغل كمال منصب رئيس قسم الأخبار الداخلية، بينما كنت رئيس القسم الدولي بالجريدة، القسمان الرئيسيان بالجريدة في موازاة إمبراطورية (الريّس) عمر عبد التام الرياضية!. كان كمال مخبرا صحافيا من الطراز الأول تربطه علاقات شخصية وطيدة مع عدد كبير من رموز الحكومة، وإن كان لا يخفي تبرمه شتما أثناء المكالمات الهاتفية.. ولم نكن ندري أن هواتفنا كانت تحت رقابة أمنية مجهرية!. وقد سجل قسم الأخبار الداخلية السبق الصحافي وراء السبق برغم الانتشار العريض لوكالة السودان للأنباء (سونا) وحنكة ومهنية وقوة شخصية مديرها مصطفى أمين وأطقمه الصحافية المتمرسة.

    أما في القسم الدولي فقد فتحنا ملفات حركات التحرير الأفريقية على مصراعيه فأطل القراء بوضوح على الثورات المستعرة في الأدغال الأفريقية. ساندنا وشرحنا القضية الفلسطينية وقضايا التحرير في فييتنام، وعرّينا السياسات الأميريكية والاستعمارية في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وفي كل مكان. نشرنا أدب الرحلات الصحافية مثل كتابات حسن ساتي من الهند ومصر، وما كتبته أنا من رحلاتي إلى بعض دول شرق أوروبا (حكايات من بلاد توتيانا) وإلى بعض دول المتوسط. بادرنا في القسم الدولي إلى فتح أفق للتعاون مع بقية أقسام الجريدة، فكنا نترجم المواضيع والتقارير العالمية الرياضية والفنية والثقافية والغرائبية ونقدمها إلى بقية أبواب وأقسام الجريدة.

    لم نقف عند حدود ما كنا نقدمه ضمن اختصاصاتنا العملية. فقد فتح كمال حسن بخيت بمعية أحمد عمرابي صفحة فنية اسبوعبة تتناول قضايا الفن والموسيقى والشعر الغنائي، حيث حققت تلك الصفحة رواجا لدى القراء والمطربين والشعراء الغنائيين الذين أخذوا يتقاطرون على الجريدة. أما أنا فقد قمت بتحرير صفحة أدبية فكرية (حوار الكتابة) التي يذكرها الكثيرون إلى اليوم. وفي الحقيقة لم يكن هدفي الاكتفاء بنشر الأعمال الأدبية بقدرما كان مناقشة قضايا الفكر والأدب واستقطاب الأقلام التي عزفت عن النشر بسبب الجو السياسي الخانق وتحول الصحف وأجهزة الإعلام إلى أبواق دعاية للحكم العسكري الثاني. وبفضل جرأة الطرح والحوار، تنادى الكثير من الأدباء والمفكرين إلى تلك الصفحة رويدا رويدا.ولا نعدو الحقيقة أن تلك الصفحة قد حركت ساكن الحياة الأدبية والفكرية في السودان، من ذلك أنها حلت (اتحاد أدباء الحكومة) وقمنا بتشكيل اتحاد أدباء شارك في تكوينه أدباء من مختلف أنحاء السودان، كما شارك فيه أدباء ومبدعون مغضوب عليهم من حكومة مايو العسكرية. وقد شرفتني الجمعية العمومية بانتخابي في عضوية إدارة الإتحاد برئاسة الشاعر الكبير عبد الله الشيخ البشير، والذي رفض الحضور في بادئ الأمر حتى ذهبنا إليه بسيارتي مع الشاعر اسماعيل حسن. وقد كان لتلك الصفحة الفضل في نشر قصيدة عبد الله الشيخ البشير(المسيد) في أول إطلالة لها على جمهور القراء. (راجع الدكتور إسماعيل الحاج موسى الذي كان وقتها وزير دولة بوزارة الثقافة والإعلام، والذي تنازعه موقعه الرسمي وصحة ما كنا نكتبه في تلك الصفحة!).

    ومن المخاطر التي اقتحمتها صفحة (حوار الكتابة) عندما فتح عدد من الأدباء المصريين (محمد عفيفي مطر، عبد الرحمن الأبنودي) ملفات القضايا الفكرية السياسية في مصر. وعند ذلك الحد طلب مني رئيس مجلس الإدارة إيقاف الصفحة (حسب طلب القصر.. ) على حد قوله، إلا أنني هددت بتقديم استقالتي فصرف النظر عن الموضوع بسبب الرواج الذي حققته تلك الصفحة. وإحقاقا للحق فقد قال لي أنه سوف يتولى موضوع القصر بنفسه. إلا أن فتح الجبهة المصرية كان له خطر كامن سنعرفه لاحقا!.

    كنا مندفعين بروح الشباب، وكنا نؤمن أو بالأحرى نظن بأن الصحافة مجال إبداع الفيصل فيه لمعايير الكفاءة والملكة والموهبة وحسن الأداء. ارتدينا (الأيام) شعارا والسودان عقيدة، فعملنا بلا راحة وأحيانا على حافة الإفلاس.. وفي أحايين نعيش على أكواب الشاي والقهوة والماء القراح.. من قاعات التحرير إلى المطبعة والقسم الفني حتى ينعقد الليل. كانت جريدة الصحافة المنافس الرئيسي لنا، إلا أن (الأيام) تجاوزتها بمسافة واسعة تجسدت في اهتمام القراء وارتفاع التوزيع، حيث تنفذ (الأيام) من محلات بيع الصحف بعد ساعات من طرحها في الأسواق. بالتأكيد لم يكن سالم أحمد سالم وكمال حسن بخيت وحدهما وراء تلك الطفرة. فقد كان كاريكاتير عز الدين عثمان ونشاط فرقة عمر عبد التام وإسهامات قسم التحقيقات والصفحة الأدبية والحوارات السياسية و(العمق العاشر) آمال عباس، و(المرأة) فايزة محمد شوكت، والاقتصاد والمنوعات وغيرها من الصفحات التمخصصة، إلي غير ذلك من أقلام الأدباء والسياسيين والنقاد والمؤرخين والقراء والتشكيليين والمسرحيين. ثم مجاهدات الأقسام الفنية وسكرتارية التحرير والمطبعة.

    بالقطع لم تكن (الأيام) مجتمعا يوتوبيا فاضلا. كان هناك الاقتتال وكان الاختلاف، وفي بعض الحالات بأساليب لا تخلو من التآمر الرخيص والوشايات والكيد. ومع ذلك عملنا معا حتى حققنا تلك الطفرة الصحافية التي يتحدث بها الناس إلى يوم الناس هذا. فقد جاوزنا بالتوزيع المائة ألف نسخة يومية، رقم صعب عجزت الصحف السودانية مجتمعة كسره. ولن يغيب عني أن أذكر ذلك التراث الصحافي العريق الذي ورثناه عن رعيل الصحافة السودانية كالأساتذة محجوب محمد صالح ومحجوب عثمان ورحمي سليمان وغيرهم، وما كنا نتعلمه من الصحافة العالمية.

    ونحن على تلك القمة المعنوية من التفاني والإنجاز المهني والفكري وقعت تلك الكارثة بغتة، كارثة القرارات التي ذبحت الصحافة السودانية من الوريد إلى الوريد.

    قد يبدو من غير المنطقي لدى البعض أن تقدم الحكومة العسكرية الثانية على ارتكاب تلك المذبحة في وقت شهدت فيه الصحافة السودانية نهضة نوعية. لكن الذي ينظر إلى الوقائع من زاوية تلك الحكومة العسكرية سوف يجد أن المصداقية مع النفس والقارئ أصابت تلك الحكومة بحالة عنيفة من الإرباك والذعر:

    ـ فقد أصبحت الأيام جريدة خارجة عن النص الحكومي وخارجة عن طوع الحكومة. حتى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لم تعد لهما هيمنة كاملة على أدائنا. أما رئيس التحرير فقد انكفأ على كتابة صفحة (آفاق ثورية) مع المجموعة التي كانت تكتب معه في تلك الصفحة، كتابات لا تعدو كونها ضمن مقررات الإتحاد الاشتراكي، فبدت تلك المقالات معزولة عن إيقاع وحيوية بقية ما يكتب في الجريدة!.
    ـ في غمرة عملنا الدؤوب وتنافسنا على التجويد سواء بين أقسام الجريدة أو من أجل تكريس (الأيام) في موقع الصدارة، لم ندرك ساعتها أننا ألغينا عمليا قرارات مصادرة الصحف !. فالناتج المهني الذي كنا نقدمه للقراء كان يختلف تماما عن الأهداف التي سعت الحكومة إلى تحقيقها من قرارات مصادرة الصحف واستملاكها بواسطة الاتحاد الاشتراكي!.
    ـ أدرك القراء بفطنتهم أن جريدة الأيام أصبحت جريدتين في جريدة واحدة. صفحة أو صفحتان مع الافتتاحية وبعض المقالات تعبر عمّا تريده الحكومة. والباقي يعبر عما يريده القراء ويستهوى رغباتهم. وبفضل ذلك الوعي أقبل الجمهور على شراء جريدة الأيام ليقرأ ما يراه موضوعيا وجاذبا ومعبرا عنه، ويعزف عن قراءة تلك الصفحات الحكومية الإجبارية.. ولا بأس من دفع قيمة الجريدة كاملة!. هذه الحقيقة تفسر ذلك الإقبال الشعبي على شراء (الأيام) وارتفاع معدلات توزيعها غير المسبوقة والتي لم يقترب منها توزيع جريدة سودانية إلى اليوم. فقد أصبحت (الأيام) ملاذا للمجتمع والمعبّر عن تطلعاته.. بعيدا عما تريده الحكومة!.

    العبرة التي قد تستخلصها الصحافة السودانية الراهنة هي أن المهنية العالية القرينة بالمصداقية قد وصلت بنا إلى مصاف الموقف القوي المنطقي الذي تعارض تلقائيا مع سياسات الحكومة العسكرية الثانية. فقد كنا نكتفي بتقديم المعلومات والحقائق والقرائن الدامغة والتحليل المنطقي الذي يربط بين المعطيات بموضوعية ونترك الباقي لفطنة القارئ. في اعتقادي أن تغليب هذا الأسلوب له فاعلية تفوق بكثير فاعلية تغليب الرأي في المادة الصحافية. فالرأي حمال أوجه ويمكن الرد عليه، أما الحقيقة فلا يمكن الرد عليها إلا بحقيقة أخرى إن وجدت. ولعلني أوصي صحافة اليوم إتباع هذا المنهج. ضعوا الحقائق بين يدي الشعب واتركوه.. فالشعب السوداني ذكي بفطرته ولا يحتاج إلى تلقين بهذا الكم الهائل من أعمدة الرأي التي تسيطر على جل مساحة الصحافة السودانية.

    وهكذا أسقط في يد تلك الحكومة العسكرية الثانية فأصابها الذعر فقفزت فوق المنطق وفوق النجاح وفجرت الصحافة السودانية بتلك القرارات. طبعا لم يكن من الصعب على الحكومة وأعوانها داخل الصحف إبداء الذرائع وتلفيق التقارير.. هذا بعثي.. هذا شيوعي.. وهذا ضد ثورة مايو. لم يكن لدينا مانع أن نقع في خانة (ضد) أولا إذا ما كانت مايو ثورة لتحقيق التطلعات بيد الشعب وإرادته الحرة وليست ثورة لتدمير تلك الإرادة، وثانيا إذا كان الضد والعداء هو المجاهرة بالرأي وتبيان الحقائق فإننا نجد فيه منتهى سعادتنا وأشواقنا. في كل الأحوال كمال وأنا كنا أفضل حالا من الوليد إبراهيم الذي وصفه التقرير المكتوب بيد صديقه رئيس التحرير والذي جاء فيه بالحرف بأن الوليد إبراهيم (فاقد الإحساس بالزمن) !! .. ذلك زمن الصديد.. وما خفي كان أعظم.. فابقوا معنا !!

    ونواصل

    سالم أحمد سالم
                  

11-19-2007, 04:17 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7

    صحافيون ضباط مخابرات.. وآخرون يلفقون التقارير ضد زملائهم !! (5 من 7)



    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]

    جاء في هذا السياق أن ناتج العمل الصحافي المهني الذي قمنا به في جريدة الأيام منتصف سبعينات القرن الماضي قد أخرج الجريدة عن النص الحكومي وعن طوع إرادة الحكومة. قصدنا ذلك أم لم نقصده، فقد كانت تلك هي النتيجة!. فالصحافي في مثل تلك الظروف يجد نفسه أمام طريقين، إما تغليب وجه الحقيقة أو إتباع رغبة الحكومة التي تجافي تلك الحقيقة. ويبدو أنني وعدد من الأقلام قد غلّبنا وجه الحقيقة باعتباره الركن الأساسي الذي لا تستقيم المهنية الصحافية بدونه أبدا وإن صحّت بقية الفرائض والسنن.

    الخروج عن النص الحكومي كان يعني من الوجهة العملية أن قرارات مصادرة الصحف قد انتهت أو أنها أصبحت عديمة المعنى لا تحقق هدف تلك الحكومة. إذ لم تعد الصحافة، على الأقل في جزء عظيم منها، ذلك الطبل الذي تقرعه الحكومة فيرن بأمجادها كذبا. كان ذلك كافيا أن يطير صواب الحكومة العسكرية الثانية فأوردها موارد الذعر، فلم تتورع عن تدمير الصحافة السودانية بقرارات الإبعاد والنقل التعسفي والتقليص والتدجين. تلك القرارات التي أطلقت عليها الصحافة العربية والدولية اسم (مذبحة الصحافة السودانية).

    وكما ذكرت فإن قرار الإبعاد عن العمل الصحافي في جريدة الأيام قد استهدفني وكمال حسن بخيت دون سائر فريق العمل. إلا أن الذين تم الإبقاء عليهم ظلوا في وضع جد مأساوي لجهة مهنة الصحافة. فقد وجدوا أنفسهم في مناخ ينعدم فيه الحد الأدنى من أكسجين الحرية المهنية، وأمام خيارات ثلاثة، إما الانزواء وتوسيع الهامش الذي فرضته الحكومة، أو الترّحل والهجرة، أو قبول الأمر الواقع والسباحة مع تيار الحكومة وفي مياهها. فترحّل من ترحّل وهم كثر، وانزوى من انزوى، وسبح من سبح !... فذهبت الصحافة السودانية أيدي سبأ، وانقطع وتين التواصل المهني بين الأجيال. لذلك قلت في جزء سابق من هذا السياق أن تلك القرارات كانت الضربة القاصمة التي لم تتعافى منها الصحافة السودانية.

    وجدير بالملاحظة أن تلك القرارات صدرت بتوقيع رئيس الحكومة المخلوع جعفر محمد نميري. كان من الممكن أن تصدر القرارات بتوقيع رئيس مجلس الإدارة مثلا. وأذكر جيدا عندما أخطرني فضل الله محمد نائب رئيس التحرير بالقرار قلت لهم ساخرا (... لم أكن أعلم أنني على هذا القدر من الأهمية والخطر حتى يصدر رئيس الحكومة قرارا بإبعادي!.. القرار نوط جدارة سوف أعتز به كل حياتي !). والواقع أن توقيع رئيس الحكومة على القرارات لم يكن عفويا، بل كان المقصود منه قطع كل خطوط الاستئناف أو الاعتراض أمام جميع الذين شملتهم تلك القرارات.

    كانت القرارات مشبعة بالتشفي. إذ لم يكتفي أصحابها، بإبعادنا عن العمل الصحافي في جريدة الأيام فحسب، بل حرّم علينا العمل أو ممارسة الصحافة أو الكتابة في أي جريدة أو مجلة أو مطبوعة أو مؤسسة إعلامية سودانية، أو حتى اعتمادنا كمراسلين لوكالات أنباء أو صحف أجنبية داخل السودان!. عند هذا المفصل لابد من وقفة تشريح في ضمائر أولئك الذين صاغوا تلك القرارات والرئيس الذي وقّع عليها. إذ مهما بلغت حدة انتقاداتنا لحكم مايو، ما كان ينبغي أن يصل التشفي إلى حد سد كل منافذ العمل وتأمين متطلبات الحياة العادية للمرء وأسرته. هكذا تجردت ضمائر أصحاب تلك القرارات عن الواعز الديني والأخلاقي وعن أدنى معايير الأعراف التقليدية، فضاهت في بشاعتها قرارات محاكم التفتيش. لذلك عندما وضعنا مبضع التشريح على تلك الضمائر وضغطنا خرج لكم هذا الصديد الذي أصابكم بالغثيان. هو ذات الغثيان الذي أصاب السودان حتى لفظ حكم مايو، وإن بقي منه شيء يعلو ويهبط في مريء الوطن، مثل الذي أشرت إليه في الأجزاء الأولى، ولابد أنه ذاهب إلى حيث ينبغي له أن يكون.

    قبل صدور القرارات المذبحة حاولت إدارة التحرير زحزحتنا عن مواقعنا بشتى الأساليب. من ذلك أن رئيس التحرير إبراهيم عبد القيوم ومساعده للشؤون المحلية الطيب شبشة قالا أثناء اجتماع التحرير بأنني لا أكتب عن (مشاريع التنمية التي أقامتها ثورة مايو) على حد قولهم بأفواههم. قلت لا بأس سوف أكتب !. كتبت موضوعين ميدانيين. الموضوع الأول كان عن غزو الفئران لمشروع الجزيرة، كتبته تحت عنوان (انهيار مشروع الجزيرة) ـ راجع أرشيف جريدة الأيام ـ. استقيت معلوماتي من بعض أصدقاء مرحلة الدراسة الذين تخرجوا من كلية الزراعة وباشروا عملهم في مشروع الجزيرة، ومعظمهم من قرية ود الترابي!. زرت معهم المشروع ووقفنا على الحقيقة المؤلمة. والحقيقة أقول أن هدفي من كتابة التحقيق كان لفت نظر المسؤولين لتدارك الأمر.. لكن قامت القيامة !. فقد أصدرت وزارة الزراعة التكذيب وراء النفي عبر كل أجهزة الإعلام والصحف. وتلقى رئيس التحرير حصته المعهودة من البهدلة. أما أنا فقد تلقيت نقطة إضافية من تهمة (ضد ثورة مايو). لكن بعد ستة أشهر تقريبا لعبت الفئران في عب وزارة الزراعة، حيث تكاثرت جحافل الفئران ودمرت جداول الري وقضت على المحاصيل وانتشرت في قرى الجزيرة. وبعد الدمار الشامل اضطرت الحكومة للاعتراف بالغزو وباشرت حملة مكافحة الفئران!. وتلك كانت بداية إرهاصات تدني هذا المشروع المهم.

    أما الموضوع الثاني فقد كتبته عن خزان الروصيرص بعد زيارة قمت بها للخزان. نزلت إلى غرف الخزان بصحبة نخبة من الشباب المهندسين الذين شرحوا لي بإسهاب الخطر المحدق بالخزان. فقد كانت هنالك جزيرة من الحجارة والطمي وكتل الأشجار التي يحملها النيل الأزرق بدأت تتكون قبل الخزان وتتقدم نحوه ببطء. وحذر المهندسون أن الجزيرة الزاحفة سوف تغلق بوابات الخزان والمولدات في غضون سبعة أعوام إذا لم يتم تدارك الوضع.. وهذا ما كتبت. وأذكر أن الزميل إبراهيم موسى الخير المقيم حاليا بالسويد حمل الموضوع بنفسه إلى مطابع جريدة الصحافة بسبب عطل فني في مطابع الأيام، وعاد به جاهزا ونشرناه على صفحتين ـ راجع أرشيف الأيام ـ.. فقامت قيامة أخرى.. وحدث كالذي حدث في المرة السابقة!. . هنا عدّلت إدارة الجريدة عن فكرة أن أكتب عن (مشاريع التنمية التي أقامتها ثورة مايو)!!. وبعد مضي سنوات وأنا خارج السودان قرأت أن الجزيرة قد زحفت بأمن وأمان وغلّقت الأبواب وقالت من هنا يبدأ تاريخ القطوعات الكهربائية المستمر إلى يوم الناس هذا.

    المهم! فات على الذين كانوا وراء قرارات ذبح الصحافة السودانية أن قراراتهم لم تستهدف موظفين عاديين داخل إدارة أو وزارة، بل تمس قطاعا له اتصال وتفاعل يومي بالمجتمع هو قطاع الصحافة. فالصحافي الصحافي هو نجم من نجوم المجتمع لا يمكن إخماده بقرار حتى لو بتوقيع رئيس. لذلك كان من الطبيعي أن يكون للقرارات صداها في أوساط الرأي العام خاصة القطاعات الاجتماعية ذات الصلة المباشرة بالصحافة والإعلام. زد على ذلك لم يكن من الممكن أن تمر تلك القرارات دون أن تكون لها تداعياتها داخل الحكومة نفسها نظرا لتركيبة الحكومة العسكرية الثانية من عدة أجنحة متصارعة مثل غيرها من الحكومات الشمولية كالحكومة السودانية الراهنة. وقد تجسدت تلك التداعيات في موجة معاكسة داخل الحكومة أنكر فيها كل جناح ضلوعه في تلك القرارات، وسعى كل جناح تحميل المسؤولية لجناح آخر.

    وهكذا فتح ملف تلك القرارات فجوة إضافية في أوساط الحكومة وبين أجنحتها. وتحولنا فجأة إلى مركز اهتمام الأجنحة المتضاربة ورموز تلك الحكومة. وبلغ الأمر ذروته عندما تحدث بعض رموز تلك الحكومة إلى جعفر نميري وأبلغوه صراحة خطأ اتخاذه تلك القرارات. ولله جنود السماوات والأرض.. فقد انبرى من بين صفوفهم ما يقر بالخطأ الفادح. بعضهم كان صادقا مستنكرا، والبعض أراد توظيف المسألة في تصفية حسابات الأجنحة وليس دفاعا عن الصحافيين!. ولعلني أدركت من تلك المزايدات أن ما نكتبه كان فعلا على قدر كبير من التأثير كرهوه أو أحبوه. لكن ما كان يثلج الصدر حقا فقد كان ذلك التواصل الكثيف من جانب القراء، تواصل كان يؤكد لنا أن ما نكتبه يحدث تأثيره ويحظى باحترام المجتمع فيدفعنا قدما. وبتلك المناسبة أذكر أن تلك الحكومة أصدرت خلال تلك الفترة قرارا بمنع بث أغنيات محمد وردي من الإذاعة والتلفزيون، فكان للقرار تداعياته في المجتمع وداخل الحكومة حتى اضطرت الحكومة لسحب قراراها... النجم دائما أقوى من القرار!.

    في غمار تلك الأثناء وردتني مكالمة هاتفية من مكتب أحمد عبد الحليم الذي كان مساعد الأمين العام للاتحاد الاشتراكي كي أحضر لمقابلته، فاعتذرت ثم تكرر الاتصال حتى كلمني الأستاذ أحمد بنفسه، فقد كانت له روابط وثيقة مع الصحافيين. وبعد حديث مطول دار بيني وآمال عباس حضر جانب منه زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، قالت آمال (طالما الأستاذ أحمد طلب مقابلتك أحسن تمشي تقابله وتسمع منه..). وفعلا ذهبت وفي نفسي تصميم همست به للسيدة آمال سأفصح عنه لاحقا.

    لقد ذهب الأستاذ أحمد عبد الحليم إلى ذمه الله فلا يستطيع أن يفنّدني أو يؤيدني، لذلك سوف أعرض الآن عن كثير ممّا قاله عن الذين كانوا وراء تلك القرارات، وأكتفي فقط بما يخدم هدف هذا السياق وهو تبيان الحقائق والوقائع وأنا شهد عصر.. إلا إذا اضطررت إلى مزيد من التفصيل!

    في أول اللقاء بادرت الأستاذ أحمد عبد الحليم بقولي (لقد أبعدتموني من العمل الصحافي بقرار رئيس، فماذا تريدون بعد ذلك ؟) فقال (.. طلبتك حتى لا تظن أنت والصحافيين إنو عمك أحمد عبد الحليم وراء هذه القرارات. سوف أطلعك على ملف سري للغاية.. بالنظر من بعيد فقط !). وتناول ملفا على طاولته وفتحه وقربه مني وهو ممسك به دون أن يتركه لي وأخذ سألني،
    ـ هذا خط من ؟
    ـ هذا خط إبراهيم عبد القيوم (رئيس التحرير آنذاك)
    ـ وهذا خط من ؟
    ـ هذا خط السّر حسن فضل
    ـ وهذا خط من ؟
    ـ خط الطيب شبشة

    لم يكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك. فقد وضح المقصود والرسالة وصلت!. هؤلاء إذن هم الذين كتبوا التقارير!.. كلهم كتبوا انك ضد ثورة مايو وكلهم مسؤولون في الجريدة.. التقارير كتبها زملاء يعملون معكم في الصحف.. وأذكر أنه ضحك وقال ( كيف عاوز مايو تخلي واحد ضدها يشتغل في جرايدها؟!). قلت له أنكم تقرأون ما أكتب. فقال نقرأ ما تكتب ونستفيد مما تكتب.. حتى نميري نفسه قال أنه يقرأ كتاباتك. (والواقع كان كذلك.. فقد تضمن أحد خطابات نميري فقرة كاملة تم نقلها بحذافيرها من إحدى مقالاتي! وسأعود لاحقا لتلك الواقعة).

    عقب ذلك اللقاء حدثت تطورات كثيرة أعود لها لاحقا حتى لا ينقطع سياق هذه الجزئية الخاص بدوافع وتداعيات القرارات. أما جزء من محتويات الملف فقد كان تقارير أمن تلك الحكومة الذين (لم يهبطوا من السماء!) كما قيل.. إنهم حملة بطاقات صحافية وأمنية ويكتبون التقارير الأمنية والسياسية بأنفسهم أو بتلقين من بعض الذين كتبوا التقارير السياسية، وكل ذلك يتم تحت الإشراف المباشر لرئيس التحرير!.

    قبل صدور القرارات لاحظنا أن رئيس التحرير كان يحوم على جميع مكاتب التحرير تصحبه (زفّة) من الغرباء. ولأن الصحافي أشطر من رجل المخابرات في الحصول على المعلومات، فقد فاح في أروقة التحرير بأن تلك الزفّة هي (ناس الأمن). وذهبت المعلومات المتداولة أن رئيس التحرير نفسه ضابط أمن وتلقى تدريبات عسكرية ومخابراتية. وعلى طريقتي في طرح الأسئلة، سألت رئيس التحرير في مرة من المرات: سمعنا أنك ضابط أمن وأنك تلقيت تدريبات عسكرية وأمنية. فأجابني ( أنا تدربت عسكريا في كتائب مايو.. وأمن ثورة مايو مسؤوليتنا...). كنت أعلق على تلك المعلومات بقولي نحن لا نحمل أسلحة رشاشة.. نحن نحمل أقلاما.. نكتب ونضع أسماءنا تحت ما نكتب. وهكذا كان ديدن عدد من الصحافيين. كانوا يعبرون عن آرائهم في تلك الحكومة صراحة أثناء اجتماعاتهم ومكالماتهم الهاتفية لا يلقون بالاَ لمتابعات أمن الحكومة أو الرقابة المحكمة على هواتف الصحف!. انتقاد الحكومات في المناسبات الاجتماعية والمركبات العامة سمة يتميز بها الشعب السوداني عجزت كل الحكومات الشمولية عن انتزاعها ولن. ولا أجدني أذيع سرا أن اختم هذه الفقرة بأن أحد (زفّة) رئيس التحرير في جريدة الأيام آنذاك يتبوأ اليوم موقعا مرموقا في الصحافة السودانية.. وإن كنت لا أدري (الرتبة الموازية) التي وصل إليها اليوم. (راجع الأجزاء السابقة من هذا السياق)...

    وحتى بعد صدور القرارات كانت أجهزة أمن الحكومة تتبعنا، وإن كانت طريقتهم مكشوفة تدعو للرثاء. والى اليوم لم أجد سببا يبرر ذلك التتبع إلا أن يكون بدافع الخوف من انكشاف أمر التقارير التي كتبوها. جزء من فريق التتبع كان بقيادة رئيس التحرير ومساعدوه الجدد الذين تم تعيينهم ومنحهم بطاقات صحافية. كانوا يتصيدون أخبار حركتي بالهواتف وأحيانا الحضور إلى المكاتب التي كنت أتردد عليها مثل وكالة السودان للأنباء (سونا). فقد كنت أزور الأستاذ مصطفى أمين مدير وكالة السودان للأنباء الذي كان غاضبا من تلك القرارات. ففي أكثر من مرة أجد ملاحظة أن شخصا أو (محرر جديد من الأيام) جاء أو اتصل هاتفيا يسأل إذا كنت قد مررت على (سونا)!.

    أثناء ذلك اللقاء مع الأستاذ أحمد عبد الحليم، أعاد فتح الملف مرة أخرى ورفعه إلى وجهه واستمر في قراءة صامتة استمرت حوالي ربع الساعة. ثم أغلق الملف وعاود الحديث في أمور عامة. ثم سألني بعد برهة عما حدث بيني وبين (الصحافيين المصريين) الذين زارونا في (الأيام). ورغم أنه تعمد أن لا أربط بين سؤاله وبين ما قرأه في الملف، إلا أنني تخيلت الرابطة، فكانت فرصة مواتية لي أن أروي تفاصيل تلك الواقعة مع تلك المجموعة من المصريين. وتلك بؤرة من بؤر صديد ذلك الزمن سوف أوثق لها في هذا السياق.

    ونواصل

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-19-2007, 04:18 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7

    السقوط في قبضة المخابرات الأميريكية المصرية (6 من 7)


    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]

    قبل فترة وجيزة من صدور قرارات مذبحة الصحافة السودانية، والتي وقعت منتصف سبعينات القرن الماضي، زارنا في مكاتب جريدة (الأيام) مجموعة من المصريين تم تقديمهم لنا بأنهم صحافيون يزورون الصحف السودانية. اجتمع المصريون بنا في مكاتب التحرير بالخرطوم. لم يكن هنالك حوار كما تصورنا. فقد شرع المصريون في الحديث من موقع الأستاذية. لكن المفارقة أنهم لم يتطرقوا إلى الأداء الصحافي أو تقنياته أو مستجداته أو حتى الإخراج الفني أو أي شيء من هذا القبيل.. فكانت أستاذية خارج الموضوع!.

    اقتصر حديث المجموعة المصرية على قائمة من (التوجيهات) الإدارية غير ذات الصلة الحصرية بالأداء الصحافي، الأمر الذي أثار انتباهنا فأخذنا نتبادل النظرات المتسائلة التي لا تخلو من سخرية صامتة يغلفها التهذيب السوداني المعهود في مثل هذه الحالات. وفوق ذلك لم نسمع من المجموعة المصرية أي ملاحظة إيجابية عن الصحافة السودانية ولو من باب المجاملة.. أو من باب مداراة عدم معرفتهم بجوانب الموضوع الذي يتحدثون فيه!. الأمر الوحيد المفيد الذي خرج به الصحافيون السودانيون من اللقاء أنه كرس قناعتنا أن الصحافة السودانية كانت في ذلك الأوان متقدمة على الصحافة المصرية لجهة المضمون والمهنية والشكل والسبق، وهي قناعة أقرها العديد من الصحافيين الأوروبيين والعرب الذين كانوا يزرون السودان. فبرغم بيانات الحكومة ومقالات كتّابها، فقد كنا نستدرج الجريدة نحو أفق العالمية، وذلك أحد أسرار نجاحنا خلال تلك الحقبة القصيرة.

    لكن اللافت في ذلك اللقاء أن المجموعة المصرية كانت حريصة على التعرف علينا فردا فردا على طريقة (إنت اسمك إيه يا شاطر!)، وكانوا يدونون المعلومات باهتمام واضح. كنا على شفا انتظار أن ينتهي اللقاء حتى ننصرف إلى مهامنا الصحافية.. إلى أن انبرى أحد أفراد المجموعة المصرية قائلا وقد سالت من فمه ابتسامة ساخرة: (أجمل شيء لاحظناه في الصحف السودانية أنكم تكتبون دائما عبارة"الرئيس القائد" قبل اسم الرئيس في كل المواضيع والأخبار... هذا شيء عظيم جدا ونوصيكم بالاستمرار فيه)!.

    كان ذلك ما فيه الكفاية أن أنهض وأقول للمجموعة المصرية (في الواقع أن أسوأ شيء يكتب في هذه الجريدة هو عبارة "الرئيس القائد" ليس من باب الإقلال من شأن الرئيس أو خلاف ذلك.. لكن لأن هذه العبارة بالذات تحول الجريدة إلى مجرد منشور حكومي... وحتى لو كان الهدف هو خدمة الحكومة فإن هذه العبارة تجرّد الجريدة من المصداقية عند القراء فلا تستطيع الجريدة خدمة هدف الحكومة.. إن المعنى الوحيد لإظهار إعجابكم بهذه العبارة ينطوي على نوع من السخرية.. وإذا كانت هذه العبارة عاجباكم فلماذا لا تستخدمونها في صحفكم في مصر؟.. ولماذا أنتم تستخدمون في الصحف المصرية عبارة "الرئيس السادات" ونحن علينا أن نكتب "الرئيس القائد".. لماذا لا نصف الرئيس مثل كل صحف الدنيا بعبارات رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.. ثم أن الصحافة المصرية ليست بأي حال أفضل من الصحف السودانية، فهي أولى بنصائحكم الغالية.. ). لم يعقب المصريون على كلامي، لكنه قوبل بارتياح لدى عدد من الصحافيين السودانيين باستثناء نائب وأعوان رئيس التحرير الذين نهضوا يناهضون قولي، وقدموا اعتذاراتهم الشخصية للمجموعة المصرية..!

    تلك قصتي مع المجموعة المصرية لا زيد ولا نقصان. وبرغم أن ما قلته لهم كان أمرا عاديا، فقد تعمد المصريون تضخيم الحكاية ونشرها على الآفاق !. فقد سألني أكثر من صحافي ومن مسؤول في تلك الحكومة عما حدث مع المجموعة المصرية.. فكنت كمن ذبح بقرة مقدسة في معبد هندوسي!. وعندما سألني الأستاذ أحمد عبد الحليم نفس السؤال أثناء الاجتماع به في مكتبه وقراءته المطولة قي الملف، أيقنت أن المجموعة المصرية قد أودعت تقريرها في هذا الملف الذي اتخذ بموجبه جعفر نميري قرار إبعادي عن العمل الصحافي. ثم استوثقت في مرحلة لاحقة أن المجموعة المصرية قدمت تقريرها مباشرة إلى جعفر نميري بنسخة إلى رئيس تحرير جريدة الأيام إبراهيم عبد القيوم. ثم وضح للصحافيين السودانيين أن المجموعة المصرية لم تكن إلا فرقة من فرق المخابرات المصرية جاءت للسودان بموافقة الحكومة السودانية من أجل (غربلة) الصحافة السودانية حسب حرفية الكلمة التي تم استخدامها في تعريف مهمة فرقة الاستخبارات المصرية التي تبرقعت تحت الهوية الصحافية.

    فرقة المخابرات المصرية التي استهدفت قطاع الصحافة السودانية لم تكن الوحيدة. فقد أرسلت مصر فرقا مماثلة كتبت تقارير عن مختلف القطاعات المهنية السودانية. وقد لعبت التقارير المصرية دورا لا يستهان به في عمليات تصفية وتشريد مئات آلاف الخبرات السودانية خلال تلك الحقبة وحدها.

    نعم، من السائد أن يسعى كل بلد في سبيل مصالحه إلى التغلغل بأجهزته في البلدان الأخرى. ومن المعلوم أن ترفع المخابرات تقاريرها إلى حكومات بلدانها. هنا لابد أن يتساءل المرء: بأي وجه حق تقدم المخابرات المصرية تقاريرها عن مواطنين سودانيين إلى حكومة سودانية؟. والسؤال المهم كيف تسمح حكومة لأجهزة أجنبية بالتحري وكتابة التقارير عن مواطنيها بعلمها وتحت بصرها وسمعها؟. أما السؤال الأهم فهو كيف تتصرف حكومة سودانية ضد مواطنيها بموجب تقارير مخابرات أجنبية؟.

    طبعا مثل ذلك التصرف يجرّد أي حكومة في الدنيا من الصفة الوطنية. ومع ذلك سوف نقرأ الإجابة على هذه الأسئلة في ضوء الوقائع والأحداث السياسية والعسكرية التي شهدها السودان، وعلى وجه التحديد منذ حركة 19 يوليو1971 الانقلابية باعتبارها نقطة مفصلية في تسارع تداعيات الأحداث عن وتيرتها العادية. وألخص الوقائع في النقاط التالية:

    ـ المتغيرات السياسية الداخلية في السودان كانت تتميز بنوع من الاستقلالية النسبية عن التأثيرات الدولية المباشرة والقوية التي تؤثر بشكل فوري ودراماتيكي على العديد من أقطار الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد نردّ ذلك إلى كبر مساحة السودان وتنوع مجتمعاته وعزوف أهله عن التبعية وصعوبة احتوائه وانزوائه الجغرافي نحو منتصف القارة الأفريقية. إلا أن هذه الخصائص لم تعزل السودان عن التأثيرات المتبادلة الاقليمية والدولية. فقد كان السودان خلال سبعينات القرن الماضي في قلب الصراع بين القوتين العظميين الإتحاد السوفييتي والولايات المتحد الأميريكية.

    ـ أحداث المراحل الأولى من حركة 19 يوليو الانقلابية كانت إلى حد كبير عملا سودانيا خالصا، طبعا نستثني من ذلك احتجاز ليبيا لبعض القيادات العسكرية التي قادت الحركة الانقلابية وتأثير التدخل الليبي في إفشال المحاولة الانقلابية، ثم نجاح حلف القاهرة دمشق طرابلس في استقطاب رئيس الحكومة العسكرية الثانية وبعض الضباط وإحداث انقلاب داخلي أطاح بعض أعضاء ما كان يعرف بمجلس قيادة الثورة. لكن برغم مساعي الاحتواء والتأثيرات الإقليمية والدولية، إلا أن الخلاف بين العسكريين كان في طبيعته سودانيا، والحركة الانقلابية كانت ردة فعل سودانية، وإحباطها تم وفق المعطيات العسكرية والسياسية الداخلية السودانية دون أن يكون للقوتين العظميين تدخل مباشر في حسم الصراع على السلطة.

    ـ لكن بعد ساعات قليلة من فشل الحركة الانقلابية بدأ التدخل الأجنبي المباشر والقوي في السودان. من الوجهة العملية لم تحرك موسكو ساكنا. لم تسند المحاولة الانقلابية ولم تتدخل لتخفيف آثار فشلها. أما واشنطن فقد تحركت بقوة وبسرعة مذهلة عبر البوابة المصرية. فقد وجدت واشنطن في هزيمة العسكريين التقدميين الفرصة المواتية لتوجيه الضربة القاصمة واستئصال القطاعات الاجتماعية الوطنية السودانية التي ظلت تناهض السياسات الأميريكية في السودان وتساند حركات التحرير الأفريقية. هي قطاعات اجتماعية غير منتظمة في حزب، لكنها كانت حاملة لوعي الشعب السوداني ولتطلعاته نحو التطور.

    ـ كان من الطبيعي أن تخلف المحاولة الانقلابية حالة من الضعف واهتزاز في الثقة لدى العسكريين الذين استعادوا السلطة العسكرية في البلاد، خاصة وقد كان هنالك أكثر من جناح عسكري مستتر سعى للاستئثار بالسلطة خلال تلك المعارك خلافا للجناحين المتصارعين. حالة الضعف واهتزاز الثقة كانت من أبرز العوامل التي ساعدت في تسهيل العملية الأميريكية المصرية المشتركة في السودان.

    ـ أما رئيس تلك الحكومة جعفر نميري فقد أصبح فاقد الثقة نهائيا في كل من كان حوله من بشر وجماد، مثلما فقد الثقة في امكانية الاستمرار في الحكم، خاصة وأن الألوية العسكرية التي أعادته (المدرعات في قاعدة الشجرة) بدأت تتحرك للتمرد عليه. وفجأة وهو على تلك الحال تمتد له اليد الأميريكية في قفاز مصري لتسحبه إلى بر الحكم والأمان. فقد أدركت واشنطن أنه الشخص المناسب لإحكام السيطرة عليه وتوظيفه. ومع الساعات الأولى لفشل المحاولة الانقلابية انفتح جسر جوي من القاهرة إلى الخرطوم تدفقت عبره مئات أطقم المخابرات المصرية بدعم لوجستي ومعلوماتي من المخابرات الأميريكية لهدف أساسي هو تأمين استمرارية رئيس الحكومة العسكرية الثانية. فانتشرت المخابرات المصرية في كل المرافق خاصة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

    ـ ومنذ ذلك اليوم وقعت الحكومة العسكرية الثانية بالكامل في قبضة الحكومة والمخابرات المصرية والإدارة الأميريكية. وقد لعبت الحكومة المصرية بكفاءة عالية دور(الوكيل الإقليمي) المتكفل بالملف السوداني بالأصالة وبالنيابة عن الإدارة الأميريكية. تغلغلت المخابرات المصرية في السودان وباتت تعرف أدق تفاصيل الأجهزة والإدارات السودانية وكنا نعلم أثناء عملنا الصحافي في السودان، مثلما يعلم السودانيون بحركة أطقم المخابرات المصرية وإن كانت تتستر تحت أغطية البطاقات الصحافية والوفود المهنية والنقابية ولجان التكامل. كانت التطابق شديدا بين الدور الذي لعبته "مصر التركية" في استعمار السودان وبين دور "مصر الأميريكية" في إحكام السيطرة على الحكومة العسكرية الثانية.

    ـ يسود اعتقاد عام أن استمرار رئيس تلك الحكومة 16 عاما على سدة الحكم يعود إلى قدرته على اللعب بالمتناقضات السياسية السودانية وعقده الاتفاقات والتحالفات مع الأحزاب العقائدية والطائفية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. هذا اعتقاد خاطئ من كل الجهات. أولا لأن القدرات الشخصية المتواضعة لرئيس الحكومة العسكرية الثانية لم تكن تؤهله لتلك اللعبة مع قيادات الأحزاب السودانية التي تفوقه في الدهاء والخبرة والمواهب. وثانيا لأن تلك الحكومة لم يكن لها سند شعبي يفرض استمراريتها. فالتحرك العسكري الذي أعاده والتظاهرات التي خرجت آنذاك لا تعدو كونها ردة فعل حرّكها توجس عسكري وشعبي مخافة أن يحكم حزب شيوعي السودان. وقد فاقم التوجس خروج تظاهرات مؤيدة للانقلاب ترفع أعلاما حمراء.. وتلك كانت حماقة تضاهي الحماقات التي وقعت فيها الجبهة السياسية الإسلامية لاحقا!. وثالثا لم يكن لتلك الحكومة جماعات شعبية مسلحة تدافع عنها، ولم يكن لها فكر سياسي برامجي تؤمن به قاعدة اجتماعية غالبة. ورابعا لم تكن القوات المسلحة مدعاة للطمأنينة في تلك الظروف وبعدها. فمن أين لرئيس الحكومة العسكرية الثانية القدرة أو الموهبة على الاستمرار في الحكم؟. هي إذن تلك المحفة الأمنية المصرية الأميريكية التي حملته رئيسا طيلة تلك المدة إلى أن تم إنزاله عنها في مطار القاهرة.. بعد انتهاء مدة صلاحيته. وحتى زعامات التيارات الحزبية التي تحالفت معه مثل الصادق المهدي وحسن الترابي، فقد تحالفوا بإيعاز أميريكي ضمن سيناريوهات بدائل الطوارئ وخطط ترسيم المنطقة. السياسي الوحيد الذي فطن إلى ذلك كان الشريف حسين الهندي، فرفض كل صيغ التحالف وصمد أمام ضغوط أميريكية عنيفة حتى جاءه اليقين خارج الوطن.

    نعم لا يوجد شيء في السياسة بالمجان. فقد كان التدبير الأميريكي المصري استئصال شأفة التيارات الوطنية تحت جنح تلك المحاولة الانقلابية وإيجاد تابع إقليمي للدور المصري مقابل ضمان استمرارية رئيس الحكومة العسكرية الثانية. لكن الواقع أن رئيس الحكومة العسكرية الثانية كان أشد حرصا على إعدام أكبر وجبة بشرية من العسكريين والمدنيين على أمل أن يستعيد بعضا من طمأنينة الاستمرار في الحكم. وهكذا تلاقحت رغبات ذلك الرئيس بالتدابير الأميريكية المصرية فولدت شرا مستطيرا لم يبرأ منه السودان. وقد تجسد ذلك الشر في المذابح والإعدامات التي طالت المدنيين، ثم التصفية الجسدية للحزب الشيوعي السوداني، والتي كانت على رأس الأجندة الأميريكية. وعليه، وبمجرد وصول طلائع الأطقم المصرية كانت قوائم الموت جاهزة قبل اعتقال جميع العسكريين الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية، أو المدنيين الذين اتهموا بالضلوع فيها، وقبل بدء (محاكمات الشجرة) الصورية الشهيرة. قوائم الموت كانت جاهزة بدليل أن بعض العسكريين الذين لم يشاركوا في الحركة الانقلابية (فاروق حمد الله وبابكر النور) قد تم إعدامهم على الهوية الوطنية والفكرية.

    كما تجسد الشر في تصفية التيارات الوطنية، فكانت مذبحة الكفاءات السودانية التي أقصت مئات آلاف الأطباء والمهندسين والعمال المهرة والإداريين والصحافيين والفنيين والتجار. فقد كانت الفرصة أيضا مواتية لعديمي الكفاءة والأخلاق لتلفيق التقارير الكاذبة عن الكفاءات. وهكذا وقع السودان بأسره بين كلاّبة تدخل أجنبي أحكم قبضته على رأس الحكم وباشر تنفيذ أجندته بتفكيك المجتمعات واختراق المؤسسات بغية تكسير البنى الاقتصادية كجزء من استكمال السيطرة والتبعية. ومن الجهة الأخرى كلاّبة الجهل الوصولي المحلي الذي سيطر على مقاليد الأداء في المرافق العامة. وقد نجم عن ذلك الإطباق حالة الدمار الاقتصادي الشامل الذي خلّفته الحكومة العسكرية الثانية والتصحر المهني الذي ضرب القطاعات الإنتاجية إلى اليوم. لذلك نجد أن شر مذبحة الكفاءات قد فاق بكثير شر التصفيات الجسدية.

    فإذا كانت الأجهزة المصرية ضالعة في أمور سيادية وخطيرة كالتي ورد ذكرها، يصبح في حكم البديهي أن ترفع الأجهزة المصرية تقاريرها عن الأفراد والمؤسسات السودانية إلى رئيس الحكومة العسكرية الثانية.. ليس لمجرد العلم أو التنوير، ولكن من أجل أن تتخذ تلك الحكومة السودانية القرار بموجب التقارير المصري ـ أميريكية.. وكله بعلم تلك الحكومة!. لا داعي إذن أن تذهب التقارير من الخرطوم إلى القاهرة واشنطن ثم تعود للخرطوم.. فهنا القاهرة وهنا صوت أميريكا..!. لكن هل تذكرون الصحافية المصرية مريم روبين ؟

    نواصل

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-19-2007, 04:19 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    زمن الصديد.. الحلقات الكاملة من 1 إلى 7

    فتح الملفات الأمنية وتسريح أصحاب البطاقات المزدوجة..! (7 من 7)


    سالم أحمد سالم ـ باريس
    [email protected]

    لعل البعض يذكر الصحافية المصرية مريم روبين التي كانت تجلس بصفة دائمة في مكتب رئيس الحكومة العسكرية الثانية أثناء أحداث 19 يوليو1971. فقد نشرت الصحف والمجلات صور روبين وهي تجلس إلى جانب رئيس الحكومة العسكرية الثانية جعفر محمد نميري أثناء مطالعته وتوقيعه أحكام الإعدام التي طالت العسكريين والمدنيين. لا الزمان ولا المكان كانا يسمحان بوجود صحافي بصورة دائمة أو غير دائمة داخل مكتب رئيس حكومة. وحتى إذا قلنا أن ذلك الجو المشبع بالتوتر وروائح الدماء والبارود هو الجو المناسب للصحافي، تظل دائما تلك المسافة التي يضربها الرؤساء بينهم وبين الصحافيين وإن كانت بينهم حميمية كالتي ربطت محمد حسنين هيكل وجمال عبد الناصر. فللحكومات أسرارها، ومكتب رئيس أي حكومة هو معقل الأسرار الوطنية. فالرئيس، أيا كان، يتلقى الاتصالات الحساسة ويناقش ويوقع على قرارات بالغة الأهمية لا يطلع عليها حتى زوجته وأفراد أسرته. وإذا افترضنا في سذاجة متناهية أن (المهمة) صحافية، فمن باب أولى أن يكون الصحافي أو الصحافية سودانيا لا أجنبيا!.

    أفضنا في الحلقات السابقة من هذا السياق أن أطقم المخابرات المصرية المدعومة أميريكيا تدفقت على السودان بعد سويعات قليلة من فشل المحاولة الانقلابية لهدف أساسي هو (تأمين) استمرارية رئيس الحكومة العسكرية الثانية. وعليه سوف نكون على درجة عالية من الغباء إذا سألنا بعد ذلك من تكون مريم روبين أو الجهة التي فرضت تواجدها لصق رئيس تلك الحكومة بدوام كامل خلال ظرف مفرط الحساسية. فقد عرف الناس بعد ذلك أن روبين كانت حلقة الاتصال مع الأجهزة المصرية.

    عملت روبين ومن كان حولها في اتجاهين متسقين. أولا رصد كل كبيرة وصغيرة من أسرار السودان بصفة عامة، ثم إطلاع القاهرة عما إذا كانت الأحكام التي تصدرها محاكم قاعدة الشجرة العسكرية تسير وفق الوجهة المصرية الأميريكية. وثانيا نقل التوجيهات إلى رئيس الحكومة العسكرية وتلقينه بتقارير مختلقة ومخاطر لا وجود لها تزيد من مخاوفه ليندفع من تلقاء نفسه في الطريق المرسوم له بدقة!.. طريق التصفيات الجسدية والتشريد. وبذلك تم إحكام السيطرة عليه من على بعد بضع سنتيمترات!. وبعد تلك الأحداث بسنوات وهدوء الأحوال كشف العارفون بدقائق تلك الساعات الحرجة أن روبين كانت السبب في تبديل أحكام السجن على بعض المدنيين إلى أحكام بالإعدام بموجب الردود التي كانت ترد عبر قناة الاتصال المفتوحة من واشنطن إلى القاهرة إلى القصر الجمهوري في الخرطوم. وبناء عليه رفض جعفر نميري التوقيع على أحكام السجن وأعاد ملفات الأحكام مرة أخرى وطلب من المحاكم (رفع) الحكم إلى الإعدام. وبذلك سجل رئيس الحكومة العسكرية الثانية سابقة غير مسبوقة. فقد درج العرف العالمي أن يخفف الرؤساء من الأحكام لا العكس!

    كانت المحاور الأساسية لعملية (تأمين الرئيس) هي: أولا توجيه ضربة مميتة للتيارات الوطنية السياسية السودانية عن طريق الإعدامات والسجون وإشاعة الإرهاب. وقد نجم عن ذلك عدم تبلور أحزاب أو تيارات سياسية برامجية مؤهلة لقيادة النهضة التي يأمل فيها الشعب السوداني. وبالمقابل سيطرت الأحزاب الطائفية والعقائدية وتراجعت الآلية الديمقراطية. ثانيا تشريد الكفاءات السودانية حاملة الوعي الوطني في التطوير الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم استولى الجهل الوصولي على مواقع الإدارة في المؤسسات والوزارات. وبديهي أن ينتهي كل ذلك إلى تكسير هياكل الاقتصاد السوداني وانحطاط النمو الاقتصادي التقليدي وظهور بواكير هذا الواقع الاقتصادي المرير. وهكذا تم استكمال التبعية والارتهان. وبكل القرائن فقد سجلت تلك الحقبة أول تدخل أجنبي عسكري مباشر في السودان.

    وفي إطار خطة (تأمين الرئيس) فقد شملت التصفيات أعضاء ما كان يعرف بمجلس قيادة الثورة بإحالتهم للتقاعد وقطع علاقتهم بالجيش خشية إقدامهم على تنحية الرئيس ضمن موجة (الثورات التصحيحية) التي انتشرت في الأقطار العربية. والواقع أن رئيس الحكومة العسكرية الثانية كان على هواجس من الشك تجاه أولئك الضباط باعتبار أنهم كانوا العنصر المتبقي القادر على تنحيته، فكان يباغتهم في مجالسهم الخاصة ويتهمهم بالتخطيط لإطاحته. لذلك فإن قرار تنحيتهم تماهى مع رغبته. ويبدو أن تنحية رفقاء الانقلابات دخلت التراث السوداني. فقد طبقتها الحكومة العسكرية الثالثة الراهنة!.

    السودانيون ينفرون، بحكم تجاربهم، من أي تواجد أجنبي مباشر له صفة عسكرية أو بوليسية. لذلك قوبل الانتشار المصري بامتعاض عام، فبات في حكم المستحيل أن تستمر المخابرات المصرية في أداء مهمة (تأمين الرئيس) على تلك الصورة المباشرة المكشوفة. إذن كان لابد من جهاز يتشكل من عناصر محلية يكون بمثابة الواجهة المحلية في أداء المهمة.. مهمة تأمين الرئيس. لكن لم تكن للسودانيين تجربة في مضمار المخابرات، وأقصى ما عرفوه في تلك الفترة لا يتجاوز حدود (البوليس السّري) الذي لم يكن يخفي هويته حسب التقاليد السودانية آنذاك... وكان الناس يرددون نكتة الرجل الذي كتب على باب منزله "منزل البوليس السرّي فلان الفلاني"!. على تلك الأرض البكر تم تكوين جهاز الأمن القومي كنسخة طبق الأصل عن جهاز الأمن القومي المصري. فقد تم اختيار أطقم الجهاز السوداني بعناية من بين أوساط الموظفين والعاملين في الدوائر والوزارات والقوات النظامية والشركات والمؤسسات والصحف والجامعات والمهن الأخرى. كما تم تعيين المئات من العاطلين عن العمل والذين لا يحملون مؤهلات وإلحاقهم بالعمل في مؤسسات البلاد. أسلوب العمل كان أيضا على الطريقة المصرية، طريقة ازدواجية البطاقتين الأمنية والمهنية. فقد كان على كل واحد من هؤلاء أن يعمل في نطاق دائرة عمله، أي أن يكتب التقارير عن زملائه ونشاطاتهم ويرفعها إلى إدارة (الجهاز) التي كانت تأخذ بما ورد في التقارير دون مفاصلة. ثم قام تحالف تلقائي بين الموظفين المخبرين وبين محدودي الكفاءة. وهكذا ساد الشك بين الأقربين واستشرت التقارير الكيدية والملفقة وتصفية الحسابات الشخصية والتشفي والحسد المهني التي أدت إلى تصفية مئات آلاف الكفاءات السودانية، فاستحوذ الوصوليون والأقل كفاءة على مقاليد إدارة مرافق البلاد، وإن بقي بعض أصحاب الكفاءات هنا وهناك سواء بفقه الضرورة أو بسبب غفلة من كتبة التقارير وحملة الأختام.

    من سوء بخت السودان أن جهاز الأمن تم تكوينه في زمن حكم شمولي الأمر الذي أوقعه في جملة من الأخطاء التأسيسية. من ذلك أن مفهوم الأمن أصبح وإلى اليوم هو أمن الحكومة وليس أمن الوطن والمواطن. وبسبب هذا المفهوم صار المواطن هو المستهدف وليس أي قوة خارجية. كذلك لم يتم تكوينه كجهاز مستقل قائم بذاته من حيث كوادره، بل اعتمد على ازدواجية البطاقة التي أشرنا إليها. كل هذه العوامل تفسر حالة النفور والبغضاء التي يكنها عموم الشعب السوداني لأجهزة الأمن بسبب العنت والظلم الذي تعرض له الشعب من أول لحظة تم تكوينه فيها. ففي ذلك الزمن الذي أتحدث عنه كان (أمن النظام) يعني إما أن يكون الشخص مع ثورة مايو أو ضد ثورة مايو. والمفاصلة بين (ضد) و(مع) تقوم على القول لا على الفعل. ذلك أن مجرد كلمة واحدة ينطق بها مواطن يكفي أن يفسرها أو يريد لها المخبر أن تقع في خانة (ضد) فتكون كافية لاعتقال أي بريء وإهانته وسجنه وطرده أو بالأحرى إخلاء وظيفته. وبرغم تصاعد وتيرة الاعتقالات والتعسف فقد استمر السودانيون في النقد والكلام!.

    كان من الطبيعي أن تؤدي الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومة العسكرية الثانية إلى تصاعد المعارضة الشعبية والتذمر العسكري. وتبعا لذلك قامت الحكومة بتضخيم أجهزتها الأمنية. وخلال السنوات الأخيرة من عمر تلك الحكومة أصبحت الأجهزة الأمنية موازيا للقوات المسلحة وتتفوق عليها من حيث الصلاحيات المطلقة. لذلك كانت الأجهزة الأمنية هي آخر المعاقل التي أسقطها الجيش.

    ليس هدفنا من هذا السياق مجرد سرد الوقائع التاريخية، بقدرما أن نستفيد من تجارب التاريخ في إثراء الواقع وتصحيح المسارات. والأجهزة الأمنية هي في المنتهى أجهزة وطنية نثمن عاليا الدور الذي ينبغي أن تقوم به تجاه أمن الوطن والمواطن أمام القوى الخارجية.. وليس استهداف المواطن الذي ينبغي أن يتمتع بشرط الشخص الأولى بالرعاية والحماية والطمأنينة. والحكمة تقول أن السودان لا محالة خارج من شرنقة الشمولية إلى آفاق الديمقراطية وإن طال السفر!. والمرحلة الانتقالية الراهنة إن صدقت النوايا والأقوال تقتضي انتقال المؤسسات تدريجيا من الحالة الشمولية نحو ما يؤكد الفترة الانتقالية وبما يمهد صدقا للمرحلة القادمة. وعليه لابد من الآتي:

    أولا: تنقيح الأجهزة الأمنية من مفاهيم الشمولية الأجنبية التي تأسس عليها. فالذي يصلح في مصر أو أي قطر آخر لا يصلح بالضرورة في السودان. سوف أعترف أن الحكومة الراهنة برغم شموليتها، إلا أنها سعت حثيثا للخروج من كنف ذلك التغلغل الأجنبي. وعلى الحكومة الراهنة أن تعي إن الضغوط الدولية الخارجية التي تتعرض لها ترمي في جزء عظيم منها إلى عودة التغلغل الأجنبي المصري. ما ذهبنا إليه في مجمل السياق لا يقدح في الأخوة وخصوصية العلاقة بين السودان ومصر، فالمصري شقيق لكنه أجنبي لأن ولاءه لمصر أولا. لذلك لابد من علاقة متكافئة وندّية، ومن واجب كل السوداني أن لا ينسى هذه المعادلة في كل علاقات السودان مع الأشقاء.

    ثانيا: إلغاء ازدواجية البطاقة الأمنية والمهنية بتسريح جميع أطقم الأمن من حملة البطاقة المزدوجة من مهامهم الأمنية. ونشر أو تسريب قوائم أسماء جميع الذين تم تسريحهم مثلما تفعل المخابرات الأميريكية. إن حملة البطاقات المزدوجة بشر لهم نزواتهم وعداواتهم المهنية، وتقاريرهم مجروحة وشهادتهم منكولة برغم غليظ القسم. إذ يكفي أنهم أسهموا في تشريد مئات آلاف الكفاءات الوطنية.. وأنا بذلك شاهد عصر!.

    ثالثا: فتح جميع الملفات الأمنية القديمة أمام أصحابها للأسباب التي ذكرنا، ومنح كل مواطن سوداني حقه الدستوري المشروع في قراءة ملفه الأمني، ومواجهته بكل ما كتب عنه لتثبيته أو تفنيده. فالذي يقوم على باطل يظل باطلا ومضللا للحق والعدل والدين.

    رابعا: إجراء مواجهات صريحة بين المواطنين وبين المخبرين الذين كتبوا التقارير على غرار المواجهات التي جرت في جنوب أفريقيا بعد تصفية الحكومة العنصرية. مثل هذه المواجهات من شأنها تصفية النفوس وتصحيح الأخطاء وإشاعة الطمأنينة لدى المواطن وإقامة العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية على قاعدة التعاون لحماية أمن الوطن وليس الخوف والبغضاء.

    في هذه الجزئية أوجه النداء الحار إلى شريكي نيفاشا والأحزاب السودانية ومنظمات العمل المدني إلى أخذ هذه المقترحات خطوة إلى الأمام.

    وبعد
    إن ازدواجية البطاقة تعيدنا إلى أول حلقة من هذا السياق فنربط بداية الحلقات بنهاية حبلها هذه الحلقة فتكتمل الدائرة وفي النفس شيء من حتى!. ازدواجية البطاقة تضع يدنا على ذلك التماهي غير المسبوق الذي كان قائما بين أجهزة أمن الحكومة العسكرية الثانية وبين بعض العاملين في قطاع الصحافة. ليس مجرد تماهي، بل تداخل وازدواجية في البطاقات تم استغلالها في خدمة المآرب الشخصية وإلحاق الأذى بالأبرياء وفي تصفية الكفاءات الوطنية وتصفية الحسابات الشخصية. لست وحدي من تعرض لتقارير كيدية مهنية من قبل حملة البطاقات المزدوجة أو تقارير أجهزة أجنبية اعتمدتها حكومة يفترض أن تكون سودانية في ذلك الزمن الصديد. نظرة فاحصة واحدة كافية شاهدة أن السودان قد خسر جل خبراته في التخصصات كافة بسبب الكيد والدس.. الفرد يستطيع أن يعالج أوضاعه الخاصة ربما بأحسن مما كان عليه بعون من ربّه.. ويبقى الوطن هو الخاسر الأكبر. ومسك الختام قول الحق:
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُِ} سورة الحج الآية 73

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-19-2007, 04:50 PM

عبدالأله زمراوي
<aعبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: بكرى ابوبكر)

    أنتهت الحلقات وسنعود فيما بعد للغوص أكثر.

    سؤالي للزميل بكري: لماذا لا تمنح أمثال الأستاذ سالم أحمد سالم عضوية بهذا المنبر الوطن بعد أن ضاع منا الوطن الجميل السمهري!

    كثيرون ممن صنعوا التأريخ أو عاصروا صناعته بالسودان، لا نسمعهم الا لماما.

    وبثقافة شفهية، صرنا نؤرخ لتأريخنا. لذلك أصبحنا من أكثر شعوب الأرض نسيانا للماضي السعيد او الماضي الأغبر. وأخرجنا للعالم بكل براعة: عفا الله عما سلف! وجاءنا التتار كلما هممنا بالوقوف مثل سائر شعوب الأرض، فنسقط كالطفل المشلول!

    أرجو ان يكون بيننا الأستاذ سالم ليحدثنا كيف صنع جيله التأريخ. ويحدثنا عن كل ساقط حتى نحافظ على وطن بعنفوان مكانته التي يستحقها بجدارة بين أمم الأرض.

    والسلام على أهل السودان في أرضهم او في مهاجرهم القسرية.
                  

11-21-2007, 11:46 AM

عبد الواحد أبراهيم
<aعبد الواحد أبراهيم
تاريخ التسجيل: 08-13-2006
مجموع المشاركات: 2690

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: عبدالأله زمراوي)



    حـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرام يا بكرى


    مثل هذا البوســــــــــــــــــــــــــــــــت



    مكانه فووووووووووووووووووووووووووووق..فوووووووووووووق.


    التحية للاستاذ سالـــــــــم احمد سالــــــــــــم


    يا له من رجل عظيم .

    لقد قراءت هذا البوست ثلاث مرات من روعته وادهاشه وجمالياته.

    متعه الله بالصحة والعافية واعاده الله الى وطنه واعاد الوطن الينا .

    لنا عودة .
                  

11-21-2007, 12:11 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: عبد الواحد أبراهيم)



    التحية لكاتب هذه المقالات الرصينة ... رصانة تنم عن دربة وتجويد واضحين للعمل الصحفي

    اضم صوتى لصوت الاخ عبد الإله لاستكتاب هذا الرجل فى المنبر
                  

11-21-2007, 12:26 PM

Muna Khugali
<aMuna Khugali
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 22503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: حيدر حسن ميرغني)

    Quote: ومنذ أن غادرت السودان فإنه لجد ما يشرفني أن أكون أحد أبناء السودان الذين أسهموا في إثراء الفكر السياسي والمهني، وتقلد مواقع مرموقة في المجال الصحافي. حيث كنت أول رئيس تحرير لأول صحيفة عربية يومية تصدر من باريس. أما كتابي قبل الأخير {الطريق إلى الدولة} فقد كان مرجعا أساسيا لثلاث شهادات دكتوراه وماجستير تم تسجيلها وإجازتها في الجامعات الفرنسية لثلاثة دارسين عرب أحدهم سوداني واثنان ليبيان. أما جريدة القدس العربي اللندنية اليومية فقد نشرت تلخيصا للكتاب في تسع حلقات متتابعة، كل حلقة صفحة كاملة. كما قدمت عنه إذاعة مونت كارلو الدولية عدة برامج كنت أنا ضيفها حول الكتاب، وأيضا كمفكر وخبير في العلاقات الدولية!. وفي السودان كتب عنه الأستاذ كمال حسن بخيت في جريدة الأضواء، وكذلك بعض الصحف الخليجية. وبرغم أن الكتاب قد صدر عام 1999 إلا أنه يتمتع بحيويته السياسية، حيث وجد صداه في (صدى) الأستاذة آمال عباس التي كتبت عنه ثلاث حلقات متتالية الأسبوع قبل الماضي

    خمس وثلاثون عاما وآلاف المقالات والتحليلات والبحوث والدراسات والكتب والمؤتمرات والسفر بين أركان الدنيا جعلت مني هذا الخبير أو بالأحرى الأستاذ في العلاقات الدولية الذي تعرفه مؤسسات الإعلام العربية والدولية. وكم تمنيت أن يستفيد السودان من خبراتي وخبرات العديد من أبنائه الخبراء في الداخل والخارج لأن السودان لن ينهض كما نأمل إلا عندما تكون فيه الولاية للكفاءة وليس للولاء الحزبي. وهنا تعود إلى ذاكرتي تلك المذكرة التي وجهتها للأستاذ علي عثمان طه في بداية عمر الحكومة الراهنة، والتي أشرت له فيها إلى ضرورة تقديم الكفاءة على الصفوة من أهل الولاء... ولا زلت عند رأيي!. ولو آمنوا بذلك لأكل السودان من فوق رأسه ومن تحت أرجله.



    والله ماعرفت أعمل اقتباس لشنو وأخلي شنو..
    هذه قراءات تجعلك كالطفل في لحظة الأكتشاف..نفسي قام ولسه يادوب في الحلقه الثالثه!
    شكرا بكري..
    وقبلك الشكر للأستاذ الخبير الدولي رغما عنهم..سالم أحمد سالم..
                  

11-22-2007, 06:42 AM

Aymen Tabir
<aAymen Tabir
تاريخ التسجيل: 12-02-2003
مجموع المشاركات: 2612

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Muna Khugali)

    شكرا استاذنا الجليل سالم احمد سالم
    نعم انه تزوير التاريخ والعنصريه على صفحات الجرايد
    شكرا لافادتك التاريخيه ..
    شكرا بكري
    وهكذا يسقط شانقي الكلمه الى قاع التاريخ .
                  

11-22-2007, 09:50 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Aymen Tabir)

    أستاذنا سالم

    غيابكم عن ساحات الكتابة والابداع والرصد والتحليل، وأنا هنا لا أعنيك أنت فقط، فمن وراءك أنادي جيل من الأساتذة الأجلاء من أصحاب الأقلام الأمينة، والتي ظلت منحازة للحقيقة، والحقيقة فقط دون تزييف أو تزويق أو تجميل، فغيابكم وأولئك فتح الأبواب على مشراعيها لطيور الظلام بإعادة صياغة التاريخ وفق رؤاهم القاتمة.

    أدعوك والأخ بكري أن تجمل صفحات هذا المنبر بمثل هذا الرصد لفترة هامة من تاريخ الشعب السوداني.


    ***
    كلما تأملنا في كم الاختلاف في روايات تاريخنا الحديث والذي ما زال شهوده أحياء بيننا، زادت قناعتي بعظم المسؤولية الملقاة على عاتق أولئك الذين نأوا بأنفسهم عن تصحيح وقول كلمة الحق، رغم علمهم بتفاصيل الحقيقة.
                  

11-23-2007, 05:46 PM

Adam Mousa
<aAdam Mousa
تاريخ التسجيل: 09-15-2007
مجموع المشاركات: 1668

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: nadus2000)

    شكرا استاذنا سالم فقد امتعتنا بما كتبت ...وجعلتنى اسير هذه السطور لساعات طوال ...
    شكرا بكرى ابوبكر لجعلك لهذا البوست عاليا ..واضم صوتى لاخى حيدر فى ان تستكتب الاستاذ
    فهو اضافه عظيمه للمنبر.. وليكن هذا البوست فوووووق...
                  

11-23-2007, 06:20 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Adam Mousa)

    Quote: وأما الخبير في مجال الصحافة والكتابة فلابد أن تنطبق عليه الشروط المذكورة كافة، علاوة على أهمية تمتعه بشرطين إضافيين هما الموهبة الربانية ـ التي لا تأتي بالاكتساب أو التكسب أو المال ـ ثم شرط الحرية المطلقة. ذلك لأن الشخص المنتمي إلى تكوين سياسي أو (جهاز) أو له مآرب مادية يفقد شرط الحرية لأنه يظل مقيدا يعجز عن التعبير إلا وفق توجهات حزبه أو تدابير الجهاز الذي ينتمي إليه أو المال الذي يجمعه بصرف النظر عن موقع الحقيقة. فإذا تحرر المرء من هذه القيود انعتق نحو احتمال أن يصبح صحافيا أو كاتبا فيما لو كان مؤهلا، وإذا أبقى عليها يبقى على صعيد زلق يركس فيه. للحرية ضريبتها ولغيرها ثمنه المقبوض.. وعلى ذلك قس !!.

    يعنى الهندى الزومة وعبدالرحمن عزالدين يمشوا يتعينو خفراء فى الجهاز!
    جنى
                  

12-05-2007, 06:46 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: jini)

    مساء الخير يا جيني.. الساعة في باريس الآن السابعة والنصف!

    ليتهم كانوا مجرد خفراء لهان الأمر.. إنهم ارفع (رتبة) من ذلك سواء كانت رتبة رسمية ضميرها مستتر وجوب المهنة مثل الفريق رئيس تحرير احدي صحف الخرطوم، او رتبة موازية يؤدي اصحابها نفس الخدمة ويقبضون نفس الأجر خال من الضرائب !. أنا ياجيني احترم ذلك الخفير الذي يجلس امام تلك البوابة لأنه يؤدي وظيفته في العلن وعلى مرأى من الناس كافة، لكن ما اكثر الذين يختبئون وراء الأقلام والمناصب العامة. الاسماء اللي انت ذكرتيها باحثون عن شهرة بأي وسيلة كانت حتى لو كانت الوسيلة ان يلعنهم الناس واللاعنون، لذلك ينطبق عليهم المثل (إشتهر ولو بـ...)

    اكتبي لعيون هذا الوطن الجميل.. وصورتك حيرتني لأن عيونك فيها نضج المعرفة وقسماتك طفولية!!.. ولن يفوتني ان اهديك نسخة من كتابي (الطريق الى الدولة) لأنه يعنى باشأن السوداني، ولعله يبشر بميلاد دولة في السودان.

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

12-05-2007, 05:49 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Adam Mousa)

    الاخ العزير آدم موسى

    كلماتك شهادة ترسخ في النفس انني اكتب ما يفيد. ويسعدني ان ألبي دعوتك والاخوة والاخوات أن اكتب لسودانيزاونلاين، وقد بعثت للموقع آخر ما كتبت تحت عنوان (أبلغوها مأمنها) حول قضية الرهينة المعلمة البريطانية. واتمنى ان يتسع وقتك لمطالعته.

    اكرر الشكر واهدي لك كتابي (الطريق الى الدولة)، الذي اتناول فيه قضية غياب الدولة عن عديد الأقطار العربية والافريقية. كما اعالج في جزئية من الكتاب الخطأ الشائع أن الحكومة هي الدولة، والأمر ليس كذلك !. اتناول في الكتاب قضايا الحكم في افريقيا والشرق الأوسط واتخذت السودان نموذجا محوريا. يمكنك استلام نسخة من دار جامعة الخرطوم للنشر والتوزيع

    لك التحية والشكر

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

12-05-2007, 05:11 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: nadus2000)

    الأخ عبدالجليل عبدالحليم

    أطيب تحياتي والأمنيات لك بدوام التوفيق

    لعلك نسيت كتابة اسمك عند نهاية التعليق، لذلك رجعت الى عنوانك البريدي حيث وجدت الاسم. والله لم اتغيب عن الكتابة والحديث السياسي في الشأن السوداني بصفة خاصة سواء في الصحافة العربية او الدراسات او الكتب او الحديث الى بعض القنوات الاوروبية مثل القناة الفرنسية فرانس 24. كتبت سلسة مقالات لجريدة الأيام السودانية العام الماضي (الديموقراطية طوعا او كرها). أما بقية الصحف السودانية فقد رسمت لنفسها سقفا دون سقف الشمولية، ورايي الصريح أن الأعمدة التي تعج بها صحاقة الخرطوم تقدم خدمة فاخرة لتكريس الشمولية لأنها تجرف الرأي العام السوداني خلف التقاصيل بعيدا عن القضية المحورية، قضية الحكم الشمولي، التي تفرز التفاصيل. خذ مثلا كثيرا ما طلب مني بعض رؤوس تحريرها مثل كمال حسن بخيت أن اكتب لهم، لكنهم يتراجعون ألف فرسخ بمجرد أن تصلهم كتاباتي !!. أستطيع أن أفهم أن يرسم الكاتب او الصحافي الذي يعمل خارج وطنه هامشا يتقي به معارك الجاليات في المؤسسات الاعلامية العربية، لكني لا افهم ان يحول الكاتب داخل وطنه الكتابة الى مجرد اكل عيش وتربية عيال

    بين هذه وتلك تنفذ طيور الظلام وتعشعش في كنف التاريخ السوداني، لذا علينا أن نسلط عليها كل مصابيح الكلام...!!

    لك التحية

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

12-05-2007, 09:50 AM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Aymen Tabir)

    الأخ أيمن طاهر

    لا أملك إلا أن اشكرك

    لا شك ان استخدام الالوان للتمييز بين الناس في بلد كالسودان يقع في باب الخطيئة والحماقة. خطيئة لأن الرواسب الاجتماعية في السودان تعطي تفسيرات متفاوتة ومتدرجة صعودا او هبوطا في سلم العلاقات الاجتماعية حسب غلبة اللون. إذ كلما غلب اللون الأسود نظرت عين المجتمع الى اسفل، وكلما فتح اللون نظر الناس الى أعلى. أما الحماقة فلأن الاسرة السودانية الواحدة عبارة عن علبة ألوان فيها كل درجات اللون من القمحي الي الفاحم. لكن العيب الكبير ان تتبنى جريدة سودانية هذا التمايز اللوني للتعبير عن الجيد والسيئ. مثل هذا التوظيف ينم عن جهالة جهلاء كالتي تقع فيها جريدة اخبار اليوم السودانية التي كان ينبغي ان يتم منعها عن ذلك بقوة القانون إن كان بالسودان قوانين. ولا انسى ان اقدم لك نسخة من كتابي الطريق الى الدولة

    لك تحياتي

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

12-05-2007, 09:30 AM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Muna Khugali)

    عزيزتي منى خوجلي

    لك التحية والشكر

    آليت على نفسي أن أرد على جميع مداخلاتكم، لكن بعض المشاغل حالت الأيام الأخيرة دون ذلك، ثم نبتت في أوحال الخرطوم قضية الرهينة المعلمة البريطانية، والتي كان من صميم واجبنا الحضاري والوطني أن نعمل على تخليصها قبضة الخاطفين. لعلك قرأت ما كتبته حول هذه القضية.

    كلماتك تدل على احساك بوجع الكتابة، فذلكم هو قدرنا الذي اخترناه عن طواعية ومحبة أن ننافح الظلم الذي يتجسد دوما في الأحكام الشوملية كالذي هو كائن في السودان. ويسعدني أن أهديك كتابي الطريق الى الدولة سواء على عنوانك البريدي او ان تحصلي على نسخة مجانية طبعا من دار جامعة الخرطوم للنشر والتوزيع

    لك التحية

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-28-2007, 03:18 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الأخ حيدر حسن ميرغني

    شكرا على كلماتك الطيبة

    بالتأكيد أنت من الجيل الذي لم يقرأ ما كنا نكتبه في الصحافة السودانية منتصف السبعينات. وطبعا من الصعوبة بمكان المامكم بما كتبته لا حقا وما اكتبه في الصحافة العربية والدولية المقروءة والمرئية. من حسنات هذا الموقع انه اضحى يشكل نقطة للتعارف وتبادل المعارف. وحتى لا تظن اننا من جيل العواجيز، فمن ابناء دفعتي الدكتور بدر الدين الهاشمي والشهيد عصمت ميرغني طه الذي كان جاري بالفصل وصديقي.

    لكن كما تعرف فإن الحكومات الشمولية لا تقبل من الكاتب إلا كلمة نعم. ولأنني لا اتقن استخدام كلمة نعم في الكتابة، فقد غادرت السودان ونقلنا معركة الوطن الى الاعلام الدولي والعربي، وها نحن نتواصل معكم بفضل ثورة المعلوماتية هبة الله لعباده كافة إن طوروها بدلا من استخدامها فقط..

    يسعدني أن اهديك ايضا نسخة من كاتبي (الطريق الى الدولة) تجده عند دار جامعة الخرطوم للنشر والتوزيع

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-28-2007, 12:31 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: عبد الواحد أبراهيم)

    الأخ عبد الواحد ابراهيم

    انت فوق ووطنك فوق وأصله ثابت وفرعه في السماء.. شجرة ورافة مثمرة فلا تتركوها لبغاث الطير تحتلها فتأكل ثمرها وتكسر فرعها وتتركها قاعا صفصفا... المسؤولية تطال الجميع ولسوف اواصل الكتابة

    لك الشكر

    سالم أحمد سالم
    باريس
                  

11-28-2007, 12:19 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: عبدالأله زمراوي)

    الأخ زمراوي

    لك التحية والشكر

    كتابة التاريخ مسؤولية اجتماعية لا تستثني فردا، ولطالما ناشدت في كتباتي المجتمع السوداني تسجيل وقائع حياته اليومية...هكذا يكتب التاريخ ! فأنت ترى المواطن الأوروبي البسيط لا يكف عن تدوين الأحداث العادية التي تمر به او يمر بها خلال يومه العادي. ومن مثل هذه الكراسات البسيطة يتم رصد التاريخ. وليت العدوى تنتقل الى مجتمعاتنا السودانية.

    بدأت كتابي (الطريق الى الدولة) بمقدمة تاريخية حول أهمية التاريخ وكيفية تراط فصوله. ويسعدني أن أهديك نسخة منه حيث تقوم بتوزيعه في السودان دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر. او على عنوانك البريدي في حال أرسلته لى على البريد الالكتروني

    سالم أحمد سالم
    باريس فرنسا
                  

11-28-2007, 03:58 PM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: سالم أحمد سالم)

    مشكور يا أستاذ بكري ومرحباً بك يا أستاذ سالم ونأمل أن يطيب لك المقام والمقال،

    سؤال يا أستاذ بكري: هل سحبت مداخلة بشاشا على سبيل المجاملة لأول مشاركة للأستاذ سالم بهذا المنبر وعلى سبيل الترحيب به أم أن ذلك سيكون ديدنكم مع كلِّ ما هو مثل تلك المداخلة؟

    وددت لو تركت تلك المداخلة بحيث يرد عليها الأستاذ سالم بما يراه، مع إن هذا لا ينطبق في حالة أنّكم قرّرتم التعامل مع ما هو مثل تلك المداخلات بمبدأ السحب.

    مع أكيد شكري وكامل تقديري لجهدكم في إدارة هذا المكان.

    * لو المداخلة المعنيّة ما كانت موجودة من أصلو، فأنا أكيد كنت حلمان (بالأحرى، ماسكني أبْ كبّاس) ولو ما زالت موجودة فأنا أكيد مطشِّش
                  

12-05-2007, 07:30 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عنصرية على صفحات الجرايد.. وتزوير للتاريخ (1 من 7) (Re: Adil Al Badawi)

    الأخ عادل البدوي

    أطيب التحيات والشكر على حسن الاستقبال


    بشاشا مخلوق جالس على بشاشته !!

    لقد قرأت ما كتبه آنذاك. وإن صدق تحليلي، وأظنه يصدق لبساطة الحالة ولكونها كتاب اكثر من مفتوح، فإنه حاول بما كتب ان يجرني الي منطقة تخصه هو... منطقة اثنية في نفسه، سواء كانت بسبب عقدة لون أو عقدة خواجة او عقدة اقليم.. او عقدة لوجه الله !!. وإن جاز لي الوقت تشريح الحالة اكثر مما ذكرت، فيبدو لي انها بسبب الحياة في خارج السودان إن كان صاحبها قد غادر السودان، او بسبب انفصام بين ما بقرأ صاحبها وبين واقع يعيشه في وطنه الأم.. سيان!. ما يهمنا هنا انها محاولة للزج بي في قضيته الاثنية، لكنها كما ترون محاولة فطيرة لأنه لم يعرف من يصطاد وبماذا يصطاد مثلما لم يتبصر اذا كان من يريد صيده قابل للصيد ام لا. وليته لو طلب مني بوضوح أن أطرح رأيي في القضية التي تشغل تفكيره قبلت او اعتذرت

    في كل الأحوال اتمنى له التوفيق وله أطيب تحياتي.. اما بخصوص دعوته لي أن (أقوم أٌقد) فمعاذ الله، وعليه ان لا يفتري على الله الكذب (!) ودمتم

    سالم أحمد سالم
    باريس



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de