إنغا مدي فين فونغ إنغا مدي فين فونغ أككون كونديال ثرلان ثرلان ثرلان يوشيمني كونشيمني كيوا بنسي بنسي بنسي... هذه إحدى ترانيم صديقي كول لوال.. لا أدري إن كنت قد كتبتها كما هي أم أنني بترت وغيرت فيها مع طول الزمن.. فالذاكرة كانت مرنة مطواعة لكن الكثير من الأحداث انزلق عنها وذهب إلى حال سبيله.. لا أدري ما الذي دفع بكول لوال إلى سطلح الذاكرة اليوم، وأنا على بعد آلاف الأميال من «منحنى النيل» وعشيرتي وأهلي وأحبابي هناك.. هكذا دون مقدمة وجدتني استحضر صوته الجميل والحنين حين كنا «طُلبا» نعاني شظف العيش ونبذل مجهودات مضاعفة في الترقي الاجتماعي كي نصبح «بنوآدميين» كباقي القوم.. تعرفت على كول عندما بدأت العمل مع «الأسطى»، البناء الذي أمضيت جزءا كبيرا من حياتي ألازمه كي أضمن شيئا من «مصاريفي» في «الإجازات» المدرسية.. كان كول قد سبقني للعمل بأسبوعين فقط، لكنه كان أكثر خبرة مني في أعمال البناء المختلفة بحكم أنه عمل في المجال لأكثر من عامين، فالأمر يحتاج دراية كبيرة فـ«المونة الحرة» تختلف كثيرا عن «المونة» العادية. وخلطة «صبة البيم» لديها عدد معين من «صفائح الرملة» و«الخرصانة» مع الأسمنت.. منذ اليوم الأول تفاهمنا، أنا علي «الطوب» وهو «المونة»، حتى أتقنت «الخلطات» جيدا صرنا بعدها نتبادل مواقعنا، وكانت كلمات «الأسطى»: «بيم»، «بياض»، «طوب أحمر»، «خفجة» و«صبة» كافية لفك طلاسم نوع البناء الذي سنقوم به يومنا ذاك ونشرع في تجهيز المطلوب.. كانت أحب لحظات ذلك الزمان إلى قلبي هي «فترة الفطور».. كان كول يدمن «الفول بالسمسم» كأنه جرعة مخدرات.. ما أن نفطر ويشرب بعضنا الشاي حتى «يقنطر» كول سفته ونعود إلى مكان العمل قبل حضور «الأسطى»، فيضع كول طوبة على الرمل ويرمي بجسده ورأسه على الطوبة، ثم يحلق في سماوات الله ببصره وشمس مايو ويونيو اللاهبة تقف فوقنا كحارس لمارقين وقطاع طرق، يترك كول لنفسه أن تجول بخواطر «القرية» هناك والحكايا و«الحبيبة» في منطقة «البحيرات» حيث «السحر والغموض والأعمال الفاضحة»، فما أن يبدأ: إنغا مدي فين فونغ.. إلا ويزول التوتر عن أركان فمه من فعل «الصعوط» ويصبح صوته شجيا وفيه «أنين» ودموع حبيسة صدره.. حدثني كثيرا عن حبيبته «.....».. كان يحسب الساعات والأيام والشهور ليعود إلى هناك حيث حبيبته.. كانت عاطفته هذه لافتة ليافع مثلي... كان وفيا لـ «.....»، لا يحادث أي فتاة من منطقته حديثا آخر غير التحايا والسؤال عن الحال، كان يطوي قلبه على «ريدة» عميقة يكد ويعمل من أجلها ليل نهار.. بعد ثلاثة أعوام من عملنا سويا أتى إلى دارنا ذات مساء وجلسنا نضحك كعادتنا ثم رمى في وجهي قراره: تارق أنا ماشي جنوب.. بقر بقى كتيييييير وكويس.. ماشي لـ «.....».. أنا نجيب «نجركوك» يكون «تارق»... أقسم لي حينها أنه سيسمي ابنه القادم «تارق».. كان صادقا وهو يقول لي ذلك.. ذهبت معه إلى «الزلط»، سيذهب إلى «بهري» لتوديع أصدقاء هناك ثم ستوجه إلى «كوستي» ومن هناك إلى البحيرات.. دلف إلى الحافلة وجلس بقرب الشباك ثم رفع لي يده مودعا و«سبيبة الفيل» تحدث صوتا خفيفا عند معصمه.. غابت الحافلة وسط زحام السيارات وبقيت أنا واقفا في مكاني لا أدري ماذا أفعل.. دون سابق إنذار طفرت من المآقي دمعة سخينة كانت شاهدا على محبة كبيرة كتب لها الله اليوم أن تكون مقسمة بين دولتين.. أينما كنت يا «كول» اليوم.. سواء أن سميت ابنك «تارق» أو «لوال» فلك محبة في أعماق الذات أنت تعلمها..
01-17-2016, 01:07 PM
علي عبدالوهاب عثمان
علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12500
حبيبنا ود جبريل ... أينما حللت جنوباً أو شمالاً يأتي معك الجمال .. إنت زول جميل .. وسردك رائع .. نحن كنا في الجزر النائية في الشمال النوبي .. أول جنوبي رأيته وعمري حوالي عشرة سنوات كان إسمه ( أوبالدو)
شكراً لهذا النموذج من الوفاء والسرد الجميل ..
01-17-2016, 07:06 PM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: حبيبنا ود جبريل ... أينما حللت جنوباً أو شمالاً يأتي معك الجمال .. إنت زول جميل .. وسردك رائع .. نحن كنا في الجزر النائية في الشمال النوبي .. أول جنوبي رأيته وعمري حوالي عشرة سنوات كان إسمه ( أوبالدو)
شكراً لهذا النموذج من الوفاء والسرد الجميل ..
كول كان جميلا يا حبيب كان جميلا حد التخمة ياخ
01-22-2016, 03:01 PM
ملهم كردفان
ملهم كردفان
تاريخ التسجيل: 02-16-2013
مجموع المشاركات: 4742
نفس القصة ولكن بمسالك أخرى حدثتْ لي مع صديقي الدينكاوي الأصيل ( ألبينو ) كان يسكن جارنا في البراري ، ثم سلّمْته التاكسي الذي عمل به بإخلاص لا أقارنه مع أحد ثم وبواسطة من أبن عم لي تم توظيفه في بنك السودان ثم بطموح نادر واصل دراسته بمدارس كمبوني ثم كورسات مكثفة في المحاسبة بعد الإنفصال جاءني حزينا مودعا إلى جوبا حيث يعمل ببنك السودان الجنوبي هو مسيحي ، كنا نذهب سويا لرفع الفاتحة في الأموات في أي بقعة في الخرطوم ، فيرفع معاي الفاتحة لا زال يهاتفني من حين لآخر
01-27-2016, 10:35 AM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
نفس القصة ولكن بمسالك أخرى حدثتْ لي مع صديقي الدينكاوي الأصيل ( ألبينو ) كان يسكن جارنا في البراري ، ثم سلّمْته التاكسي الذي عمل به بإخلاص لا أقارنه مع أحد ثم وبواسطة من أبن عم لي تم توظيفه في بنك السودان ثم بطموح نادر واصل دراسته بمدارس كمبوني ثم كورسات مكثفة في المحاسبة بعد الإنفصال جاءني حزينا مودعا إلى جوبا حيث يعمل ببنك السودان الجنوبي هو مسيحي ، كنا نذهب سويا لرفع الفاتحة في الأموات في أي بقعة في الخرطوم ، فيرفع معاي الفاتحة لا زال يهاتفني من حين لآخر
الله الله يا حبيبنا ياخ
01-25-2016, 12:52 PM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة