في خواتيم السبعينيات من القرن الماضي كان منزلنا بالامتداد مقبل على حدث كبير بمقاييس تلك الأيام.. كان زواج الابن البكر في تلك الأصقاع حدثا يحتاج شهورا كاملة من التحضير والتفاكر.. كان حدثا ملفتا وسط العائلات القادمة من «منحنى النيل».. قرر شقيقي ابراهيم الزواج في صيف ذاك العام بعد تخرجه من الجامعة وعمله لمدة اربعة سنوات.. المناسبة كانت فرصة لترد «أم ابراهيم» هداياها ورقصها على ايقاع الدليب في أعراس الأهل والأحبة.. من ابناء مدشرنا في الخرطوم وعند «جناين البركل».. ستة أشهر ويمتلئ بيتنا بالأحبة والأهل كل جمعة من أجل أن تخرج ليلة الحناء والعرس كما نود.. لائحة المعازيم في الخرطوم.. تلغرافات الأهل في شبا والبركل ومروي والعفاض وقشابي وعطبرة ومدني وكسلا وبورتسودان وسنار.. حجوزات وتصاريح القطار الذي سيأتي بـ«بت بغداد» وعشيرتها من شبا رأسا إلى الخرطوم.. المستقبلين كانوا في السوق الشعبي وسوق السجانة ومحطة السكة حديد بالخرطوم.. قبل أسبوعين من العرس «الحدث» كان بيتنا «يفيض» بالضيوف والأحباب.. «قراريص» هنا و«معراكة كسرة» هناك.. كؤوس الشاي كانت مثل «########يس» ساقية في أوج زراعة القمح.. نكات وقفشات هنا... و«دليب» و«رتوتي» هناك.. صيوان للرجال في نهارات الخرطوم الغائظة بالـ«السَموم».. و«بت بغداد» كعادتها كانت تتوسط القوم ولا تتحرج في الكلام.. فالعرس أصلا حسب اعتقاداتها عرس ابنها وليس حفيدها.. «أنا ربيت ابراهيم».. هكذا كانت تقول.. وهي محقة.. حكت عن حياتها وعن زواجها مرات عديدة وأعادت قصصها وهي تلقي «بسفتها» يمنة ويسارا.. ضحك القوم من حديثها حتى بانت نواجزهم.. الخالات والعمات كنا في الفجر أمام «الكوانين» و«الصاجات».. كان الأمر مرهقا لكنهن يقمن به بمتعة ومحبة كبيرتين.. الزغاريت وصلت عنان السماء... و«أبشروا بالخير» كانت حاضرة.. مع كل ذلك كانت هناك ولادة «قصص حب» جديدة ما بين أخذ «ترامس» الشاي و«صواني» الفطور والغداء.. سنة الله في الأرض هذا «الحب الأزلي» بين المرأة والرجل.. يختلف.. يسبب الفراق والألم.. يجمع بين القلوب لكنه لا يموت.. سيظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن فيها.. اقتربت ليلة الحناء وكان لزاما أن يكون التفكير في «اللعبة» و«الفنان».. اجتمع القوم على أن يكون «الدليب» سيد الموقف حينها.. تاج السر: أنا غايتو حجزت ليكم عثمان اليمني سيد أحمد القروني: اووووووووووووووه دة الكلام ام الحسن بت الجدي: واااااجيدلي عاد زينب ابو دية: دحين «بت النخل» ما كلمتيها يا عاشا عشة بت ابو دية: كيفن ما كلمتها قالوا جات نازلة مع عبد السلام اخوها بتجي باكر أجمع القوم على أن الحناء لن يحييها سوى عثمان اليمني.. وهكذا سارت الأمور حتى ذلك اليوم.. أكل القوم وشربوا ذلك المساء.. والكل يترقب خروج «ود اليمني» من «الصالون» هو و«صفاقيه» ما أن توسط الحفل وبدأ «برميته»: دار أبوك الليلي عيدها وفرحت أمك بي جديدها.. حتى كأنما القوم قد أصابهم «مس من الرقص».. امتلأت «الدارة» بالخالات والعمات وحبيبات «أم إبراهيم».. انزلقت الثياب عن «المساير» و«المشاط» وفعل «الدليب» مفعوله بهن ثم دخلت «بت النخل» كما الوزين يتبعها الصفاقون كـ«الحوت عنبر» وخلفه سرب من اسماك «الميرلان».. كان «ود اليمني» صادقا في احتفائه وغناها.. ما أن ماجت الدار بـ«بت النخل» حتى أردف: عينيك يا أعز الناس*** عينيك فيها أخطر ماس ملأ الرجل سماء يومذاك طربا: عقلي يتوه مع نورة لم تكمل الرقصة*** ترمي الطرحة فوق راسها وتقول كدي تجري تندسى رقصت «نساء شبا» على ايقاعاته مع «الطمبور» حتى تسربت خيوط الصباح.. ابهجنا الرجل وخلق لنا «براحا» من الفرح قل نظيره.. من يومها وكان عثمان اليمني جزءا من وجداني الخاص رغم صغر سني حينها.. لكن مقدرته العالية على التطريب فرضت علي أن يكون جزءا من حياتي طول العمر..
04-15-2014, 01:32 PM
يوسف محمود
يوسف محمود
تاريخ التسجيل: 05-17-2013
مجموع المشاركات: 627
Quote: من يومها وكان عثمان اليمني جزءا من وجداني الخاص رغم صغر سني حينها.. لكن مقدرته العالية على التطريب فرضت علي أن يكون جزءا من حياتي طول العمر
2013and14 مواسم رحيل النوارس عن حياتنا الله يعيده على خير فقد اجتمعت قوافل الانقياء يتوشحون بالابيض كدواخلهم ويتركون فينا بصمة تنزف دما ممزوج بدمع لا ينضب
04-15-2014, 01:39 PM
Tumadir
Tumadir
تاريخ التسجيل: 05-23-2002
مجموع المشاركات: 14699
وفي منتصف السبعينات وجهت لشلتنا دعوة من أخ كريم درس معنا سابقا بالمدرسة الوسطى هوالأخ محمد طه .. وكان اليوم خميسا والزمن جميلا وكانت الجلسة في فناء دار بالديم بدانا جلستنا باكرا في حوش مرشوش وجو رطب وملايات تهبهب وكان أولاد اليمني هم مفاجاة الجلسة حيث كانوا أصدقاء لصاحبنا موجه الدعوة كان عثمان اليمني يعاني وقتها من كسر في رجله ، لكن ذلك لم يمنعه أن يقود الجلسة كلها إلى مصاف الإبداع والطرب رقصنا على أنغام الطمبور وأشعار الشايقية وأشعار ود اليمني نفسه وتسامرنا حتى اقترب الفجر رحم الله الفنان عثمان اليمني فقد كان عاشقا للفن
04-15-2014, 02:24 PM
باسط المكي
باسط المكي
تاريخ التسجيل: 01-14-2009
مجموع المشاركات: 5518
الرحمة لعثمان اليمني .. الله عليك يا طارق يا جميل حكي ممتع حد النشوة .. يا طارق انتبه للقدرة السردية عندك لانها امانة اعطاك لها الله . . عليك ان تكتب وتنشر .. وخاصة انك في بلد النشر فيه متاح وانت في وسط اعلامي وثقافي .. وما يتاح الان قد لا يتاح غداً فيا طارق عليك الله اكتب وانشر
04-15-2014, 04:15 PM
مامون أحمد إبراهيم
مامون أحمد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 02-25-2007
مجموع المشاركات: 5380
Quote: ما أن ماجت الدار بـ«بت النخل» حتى أردف: عينيك يا أعز الناس*** عينيك فيها أخطر ماس ملأ الرجل سماء يومذاك طربا: عقلي يتوه مع نورة لم تكمل الرقصة*** ترمي الطرحة فوق راسها وتقول كدي تجري تندسى
يا الله يا طارق ! كتابة مفرحة في يوم حزين جداً ! ..عثمان اليمني ياطارق نسج لوحة من روائع أعز جزء من أجزاء الشمال في وجد كل سوداني ! .. أتأمل حيشان أمدرمان الوارفة في السبعينيات وهي ترقص طرباً على أنغام الدليب والطنبور العميقة البعيدة الساحرة الضاربة في البعيد ! ... كنا نطارده من دار لى دار ،، وأحياناً نباري الصوت في هدأة الليل البهيم مشياً على الأقدام من العباسية لى بانت ! ... رحم الله الثري الوارف الشامخ / عثمان ود اليمني رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان وبعثه في خير مقام ... أتوسل إلى الله العلي القدير أن يرحمه ويعطيه من الدرجات بقدر حجم إسعاده للشعب السوداني .
إنه حليم كريم كريم ،،، وخير من يجزل العطاء
( إنا لله وإنا إليه لراجعون )
04-16-2014, 08:27 AM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: يا الله يا طارق ! كتابة مفرحة في يوم حزين جداً ! ..عثمان اليمني ياطارق نسج لوحة من روائع أعز جزء من أجزاء الشمال في وجد كل سوداني ! .. أتأمل حيشان أمدرمان الوارفة في السبعينيات وهي ترقص طرباً على أنغام الدليب والطنبور العميقة البعيدة الساحرة الضاربة في البعيد ! ... كنا نطارده من دار لى دار ،، وأحياناً نباري الصوت في هدأة الليل البهيم مشياً على الأقدام من العباسية لى بانت ! ... رحم الله الثري الوارف الشامخ / عثمان ود اليمني رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان وبعثه في خير مقام ... أتوسل إلى الله العلي القدير أن يرحمه ويعطيه من الدرجات بقدر حجم إسعاده للشعب السوداني .
إنه حليم كريم كريم ،،، وخير من يجزل العطاء
( إنا لله وإنا إليه لراجعون )
فقد كبير يا حبيبنا مامون فقد كبير حقيقي ربنا يرحمه يا رب
04-16-2014, 08:26 AM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: الرحمة لعثمان اليمني .. الله عليك يا طارق يا جميل حكي ممتع حد النشوة .. يا طارق انتبه للقدرة السردية عندك لانها امانة اعطاك لها الله . . عليك ان تكتب وتنشر .. وخاصة انك في بلد النشر فيه متاح وانت في وسط اعلامي وثقافي .. وما يتاح الان قد لا يتاح غداً فيا طارق عليك الله اكتب وانشر
يا حبيب الله يجبر بي خاطرك
04-15-2014, 04:00 PM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: وفي منتصف السبعينات وجهت لشلتنا دعوة من أخ كريم درس معنا سابقا بالمدرسة الوسطى هوالأخ محمد طه .. وكان اليوم خميسا والزمن جميلا وكانت الجلسة في فناء دار بالديم بدانا جلستنا باكرا في حوش مرشوش وجو رطب وملايات تهبهب وكان أولاد اليمني هم مفاجاة الجلسة حيث كانوا أصدقاء لصاحبنا موجه الدعوة كان عثمان اليمني يعاني وقتها من كسر في رجله ، لكن ذلك لم يمنعه أن يقود الجلسة كلها إلى مصاف الإبداع والطرب رقصنا على أنغام الطمبور وأشعار الشايقية وأشعار ود اليمني نفسه وتسامرنا حتى اقترب الفجر رحم الله الفنان عثمان اليمني فقد كان عاشقا للفن
الله يرحمه يا ود قاسم كان فنان متفرد شديد
04-15-2014, 03:53 PM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: 2013and14 مواسم رحيل النوارس عن حياتنا الله يعيده على خير فقد اجتمعت قوافل الانقياء يتوشحون بالابيض كدواخلهم ويتركون فينا بصمة تنزف دما ممزوج بدمع لا ينضب
رحل الجميلون يا يوسف للاسف الشديد لهم الرحمة والمغفرة
04-15-2014, 05:29 PM
سيف النصر محي الدين
سيف النصر محي الدين
تاريخ التسجيل: 04-12-2011
مجموع المشاركات: 8995
البركة فيكم يا طارق عثمان اليمني في الحقيقة لم يكن فنانا إقليميا يستمع له أهل منطقة بعينها او قبائل بعينها، بل الرجل كان فنانا قوميا يسمع أغانيه معظم السودانيون و يطربون لها. انا كنت واحدا من "معظم" هؤلاء السودانيين الا أن خذلني ود اليمني عندما ترنم ب"حسبنا و مانا عادينك" في أغنية أساء فيها فناننا غفر الله له لشريحة كبيرة من أبناء الوطن في المنافي و دول الشتات. المهم يا ود اليمني عافي منك لله و الرسول يا زول.
04-16-2014, 08:29 AM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: البركة فيكم يا طارق عثمان اليمني في الحقيقة لم يكن فنانا إقليميا يستمع له أهل منطقة بعينها او قبائل بعينها، بل الرجل كان فنانا قوميا يسمع أغانيه معظم السودانيون و يطربون لها. انا كنت واحدا من "معظم" هؤلاء السودانيين الا أن خذلني ود اليمني عندما ترنم ب"حسبنا و مانا عادينك" في أغنية أساء فيها فناننا غفر الله له لشريحة كبيرة من أبناء الوطن في المنافي و دول الشتات. المهم يا ود اليمني عافي منك لله و الرسول يا زول.
يا وجيه اخبارك ياخ والعيال وامهم
04-16-2014, 08:35 AM
علي عبدالوهاب عثمان
علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12500
استاذنا طارق .. هكذا يتم تعزية المبدعين كالفنان وداليمني وليس ذلك العزاء التقليدي البكاء والعويل .. لأنك مبدع عرفت كيف تجمل الحزن وتجعله اكثر تأثيراً .. له الرحمه المغفرة ..
04-20-2014, 11:13 AM
طارق جبريل
طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
Quote: استاذنا طارق .. هكذا يتم تعزية المبدعين كالفنان وداليمني وليس ذلك العزاء التقليدي البكاء والعويل .. لأنك مبدع عرفت كيف تجمل الحزن وتجعله اكثر تأثيراً .. له الرحمه المغفرة ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة