|
من أوراق الجمعة (6) .. شاعر الجمال (حدباي)
|
ألهمت كردفان الشاعر الفحل أحمد عبد المطلب (حدباي) العديد من القصائد منها ظبيات الخوى.. والخوى هذه قرية صغيرة بربوع كردفان عمل فيها الشاعر راعيا (للدونكي) الذي يمدها بالمياه و كتب فيها قصيدته (شم النسيم) التي يصف فيها القرويات بالعقد الذي إنفرط وتناثرت حباته عندما فزعن منه وفضضن عند مجيئه حيث فتح لهن صنبور المياه بالرغم من العطلة ويسأل بشفاقية (يا شم النسيم وريني كيفن باتو) في منتصف الستينات اقترب حدباي من عقده السابع وكان لا يزال يعمل في هيئة توفير المياه بالأبيض (بالمشاهرة) وكان يتمتع بصحة جيدة وذهن حاضر وصوت قوي وجهير مليء بالتطريب مكنه من أداء أغنيات صديقه خليل فرح وكان حدباي حريصا على تعطير مجالس الجمعة بأغنيات الخليل مما جعل شاعر عزة في هواك كتابا مفتوحا وصاحب حضور دائم في مجلس حقيبة الفن. وذلك من خلال ذكريات حدباي معه وحديثه عن تلك الأيام التي جمعته مع الخليل حيث كانوا يسكنون في غرفة واحدة في (حي الترس) بالخرطوم وكثيرا ما استعار حدباي صوت خليل فرح في أداءه لرائعة عمر بن ربيعة (عبدة) يشدو بها إنشادا بلغة عربية قرشية المخارج وكم كان مبدعا في أغنيات الخليل الأخرى (بروايته) أي بالأداء الذي غناها به الخليل.. وكأننا كنا ننعم بالندامى في دارفوز.. لم يكن حدباي يرفض متابعته بآلة العود إعترافا منه بجميل صديقه الذي أدخل هذه الآلة إلى فن الغناء السوداني بعد أن تعلمها من شيخ وفد من مصر. عندما ابتدع المبارك إبراهيم برنامجه الخالد (حقيبة الفن) قبل ما يقارب نصف قرن من الزمان لم يجد أروع من أبيات شاعرنا حدباي كشاعر للبرنامج: جلسن شوف يا حلاتن الحمايم حبابن يا الله الناعسات كاحلاتن حبابن يا الله لم يكن حدباي منطويا على نفسه بل كان جزءا من مجتمع الأبيض وكان يحضر حفلات الأعراس في مناسبات أصدقاءه ليستعيد منها بهاء تلك الليلة في عرس صديقه محمد عثمان منصور.. هذه الليلة التى ألهمت خليل فرح رائعته (تم دوره اتدور) والتي يصف فيها جو الحفلة ليلئذ: الخصر مضمر والسباتة حارة والمجال معمر والشعر مضمر ينضح كل طيب عردب المجمر ويخاطب العريس مهنئا مهنئا بقوله: قام محمد بشر.. وهز فوق تيجانن.. سل سيفو كشر نحنا ما بنتفشر.. نحن سياج عروضن.. نحن يوم المحشر قلنا لا تتكبر.. هل رأيت لك عاشق.. بالغرام بتنبر أما حدباي فكانت مشاركته في تلك الليلة بقصيدته (زهر الرياض) والتي أعادها أبو داؤد إلى دائرة الضوء ويستهلها حدباي بوصفه الرائع بدخول الفتيات إلى ساحة الرقص للمشاركة: زهر الرياض بغصونوا ماح واتراخى في الساح أم سماح شايقني طبعو الجماح ولم يفته تهنئة العريس مجاراة للخليل: يا محمد أبياتي القلال تاج في صدورن وليك هلال كانت أيام حدباي في كردفان إجترارا لذكرى أيامه مع الخليل ولم يكد يغفل عن ذكرها حتى تعاوده من جديد فيفيض في القول والغناء. في صباح يوم ندى مغسول بحبات المطر في الطرفة البكاية في منتصف الخريف.. خرج حدباي من الزقاق الذي يسكن فيه في فريق (الحضور) في الأبيض ودلف إلى الشارع الرئيسي في طريقه إلى شجرة النيم أمام مطعم كردفان الذهبي حيث اعتاد على تناول قهوته الصباحية هناك. وقف أمامه باص بنات مدرسة الأبيض الثانوية وهو باص من طراز (كومر) صمم ليكون باصا.. رمادي اللون مكتوب عليه (وزارة المعارف) وهي خدمات كانت تقدمها الوزارة لنقل الطالبات من وإلى مدارسهن.. كان ذلك في زمان زين أشاع العلم والإنسانية للجميع أيام كانت الدولة ترعى مواطنيها من المهد إلى اللحد ولا تتفنن في إهانتهم مثلما يحدث الآن. نظر حدباي إلى الباص وابتسم.. هذه الإبتسامة كانت تحية الصباح التي اعتاد على إلقائها عليهن كل صباح، فبادلنه التحية بإبتسامات مشرقة من خلف نوافذ الباص الذي واصل رحلته الصباحية إلى محطة جديدة. بعد ارتشاف الفنجان الأول من القهوة دندن حدباي يقول: بص المدرسة البصيتو لو بصة عابر ومن داخلو انطلق سهما يولول هابر حش حشاي ما خلى لي عضما جابر كيفن الخلاص يا شعرا فيكم خابر رد عليه سيد مرتجلا: خلاصك في الزواج كان كنت راجلا قادر ......الخ وهي قصيدة من شعر الإخوانيات التي اعتاد الأصدقاء الشعراء على إستخدامه في مداعباتهم وأخذ مساحة من مجالس الجمعة إلا أن الشعر الخشن الذي تبادلوه مع الشاعر محمد علي عبد الله (الأمي) لم يصنف من الإخوانيات لأنه كان قدحا وذما بسبب موقف الشاعر (الأمي) من الجمعية وعدم إنتمائه إليها............... ونواصل.
|
|
|
|
|
|