دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
محمد المكي إبراهيم يكتب: عشرون يوماً من العشق: بين الخراتيم والدرامين
|
عشرون يوماً من العشق: بين الخراتيم والدرامين (1) محمد المكي ابراهيم
أدين بهذه الجموع المبتكرة للسيدة ام نعيم بت العمدة جلد الفيل حرم خالنا المرحوم الخليفة مساعد ود محمد المحبوب، أعظم منشد في تاريخ الطريقة الإسماعيلية، والذي لأسفي الشديد لم يورثني شيئا من جمال صوته وجهارته مع ان الولد خال. وكانت رحمها الله قد عاتبتنا قائلة: (انتو يا وليدات لقيتو الخراتيم والدرامين دي تاني ما بتسألوا في كردفال). ويشهد عالم السرائر أننا لم ننس كردفال ولا طرفة عين، ولتنسني ذراعي اليمين لو نسيتك يا كردفال أو قصرت في غرس محبتك في نفوس اولادي وأحفادي، او تنازلت في اشهار انتمائي اليك وأنا اجوب العالم شرقا وغربا طيلة هذا العمر القصير. قبل مئتي عام خرجت عشيرة الجوابرة من ارض اجدادها في منطقة الدبة والغابة الى رحابة كردفال، وهي يومئذ أرض اللبن والعسل في السودان، وذلك في ركب الغزو التركي او في اعقابه بقيادة شقيقين هما عيسى وجابر. وتلقت العشيرة من الحكم التركي اقطاعا على منطقة الخيران في شمال كردفان، فآلت اليها واحات البشيري والرغاي والطويل وأب قايدة والحمرة وأسحف، ضمن اخريات.. وهي اراضٍ بكر ماؤها الجوفي قريب (كان في زمانه لا يتجاوز المترين وحاليا غار الى الثلاثة والأربعة) فنقلوا اليها حضارة الشمال النيلي وممارساته الزراعية من قمح ونخيل وسواقٍ ترفع ماء الواحات بنفس (القواديس) بالألس والملس (مسميات نوبية) لتوزعه على الترع والجداول وتسقي به هذه الفاكهة والخضروات التي جاء بها الأتراك الى بلاد السودان. ولا يزال اهلنا في الخيران يفاجئون العالم بمحاصيلهم الغريبة على ارض السودان، مثل العنب والتين واللفت والخس والبقدونس، يساعدهم على انتاجها طقس صحراوي متطرف يمكن ان يتحول الى برودة زمهريرية تجمد الماء في اعماق الآبار وتطلق ريح النو (النوء) الشتائية على اشجار الليمون والجوافيا فتحرقها ببردها الشديد. يقول اديبنا الأكبر الطيب صالح (وهو من قراباتنا الذين ظلوا في الشمال) في صفة الصحراء الشمالية: (هذه ارض اليأس والشعر ولا أحد يغني).. ولكنه لو رأى ذلك الجزء الذي يخصنا من صحراء كردفال لقال هذه ارض الوعد والمعاد حيث الكل ينشد ويغني. فلا شئ هنالك اوفر من الشعر والغناء، إذ نبغ في تلك الديار شعراء ومغنون وزهاد وعباد افغموا سماوات الواحات بالشعر والجمال منهم ابا (ابونا) مكي وشقيقه ابا اسماعيل معلم القرآن وصاحب خلوة تحفيظه الشهيرة في حي السيد المكي بأم درمان. ويأتي في خاتمة المطاف اخونا الشاعر الرقيق مكي المجمر عيسى الذي كتب (ونسة بالشعر) فكان ذلك عنوانا على شعره الأنيس. ما الذي اخرجنا من تلك الفراديس وأطلقنا في العالم الغريب المسافر؟ ما الذي حرمنا ان نكون ترابلة سعداء في ارض الأجداد ورمانا في وحشة العالم وظلامه وشردنا من الخليج الى اوروبا الى ما وراء بحر الظلمات ثم الى نهاية الدنيا على حافة الباسفيكي قريبا من خط التاريخ الدولي حيث يتحول اليوم الى الذي يليه على مبعدة قدم واحدة تكفي لعبور ذلك الخط الدقيق؟.. انه نفس الذي اخرجك او اخرج احبابك وأفراد عائلتك ليسيحوا في مناكبها طلبا للعلم او المال، او هربا من جور السلاطين. ولقد تفطن الى ذلك اهلنا في اقاصي الشمال من النوبيين الحلفا والدنقلا فبادروا الى الخروج من ارض (الشعر واليأس ولا احد يغني) وتبعهم بإحسان اهل الطموح والجسارة من داخلية السودان الذين ضاقت بهم البلاد او ضاقت ارواحهم بالبلاد. ولقد كنت واحدا من اولئك الملايين الذين شتوا في الدنيا في هجرة قاصية. وقد املى عليّ وضعي الاجتماعي ان اذهب الى اصعب بلاد الغربة وأقساها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتوجب على المهاجر ان يسترزق من عمل يده ولا ينتظر المنة من الكنائس وجمعيات الرفق بالإنسان، وكان ذلك امرا صعبا في اول الأمر ولكنه هان في النهاية ككل صعب، وحفظنا الله من شرور الغربة ومتعنا بخيراتها، ثم هيأ لنا سبحانه عودة للوطن ربما جاءت في أعقابها عودات، وربما تمخضت عن اقامة دائمة بين هذه الربوع الجميلة التي يزخر بها الوطن من خيران ودرامين وخراتيم او ربما سنار وكوستي وسواكن وشندي وجوبا وغيرهن من مدن الوطن الحسان. عشرون يوما في الوطن لم تكن كافية للتمتع برؤيا الأحباب، او للوقوف على أحوال الوطن عيانا بيانا بلا وسيط، وقد مضت سراعا تلك الأيام الحسان فلم يدر القلب أكنّ دقائقا ام كن ساعا؛ كما يقول احمد شوقي، ووجدت نفسي مقصرا من جديد في حق الكثيرين. فقد اعجزني عبء الاجتماعيات عن زيارة عروس الرمال التي اتخذت أهبتها للقائي واستعد اهلها الكرام لتكريمي والترحيب بمقدمي وإشاعة الضوء في قلبي. وكنت احسب ان قدوم نفر من رجالاتها الى الخرطوم سيشفع لي ويعوضني عن الزورة ولكنه لم يفعل، فقد راح الحضور يذكرني بالغائبين وطيب اللقيا يجعلني استبشع استدامة الفراق. ولم يكن اقل من ذلك ايلاما عجزي عن تلبية عدد من الدعوات بينها دعوة من دولة الرئيس الصادق المهدي، ودعوة من جمعية ابناء الأبيض (بقيادة معاوية الفاتح النور والفاتح ابو رفاد)، ودعوة من خريجي تشيكوسلوفاكيا وخريجي الباكستان، ودعوات من منابر الصحف على رأسها صحيفة (الصحافة) ورئيس تحريرها الأستاذ عادل الباز، ودعوات اجتماعية من العديد من الأصدقاء والزملاء بصفاتهم الفردية.. والله اسأل ان يجعلها في موازين حسناتهم وبين ما اسدوا وقدموا من خير الصنيع. وبالمقابل تمكنت من المشاركة في عدد من المناسبات الأخرى منها ذلك الإفطار المحضور في صالون الصديق كمال الجزولي نيابة عن اتحاد الكتاب بما يمثل تظاهرة سياسو- تقافية جمعت كل من تعلقهم القلب من رجال الفكر والسياسة والأدب، بينهم دولة الرئيس الصادق المهدي والأستاذ علي محمود حسنين وفاروق أبو عيسى ومحمد ابراهيم نقد والشفيع خضر.. وتلك السهرة الراقية عند السفير نصر الدين شلقامي، وقد زانها بحضورهم الشعراء كامل عبد الماجد والدكتور عمر محمود والدكتور مبارك بشير والأحباب ياسر عرمان وخالد احمد صالح، وزانها الفنانان عباس تلودي وياسر تمتام، وكان من غرائب مشاهدها سمكة العجل العملاقة المستقدمة من كوستي والتي اطعمت جيشا من الأحباب مكررة بذلك معجزة السيد المسيح. ثم كانت تلك الأمسية الأكتوبرية في مركز عبد الكريم ميرغني حيث تولى تقديمي الخطيب المفوه عبد المنعم الكتيابي وأكرمني بشدوهم الشعراء محجوب كبلو ومامون التلب وعبد القادر الكتيابي والشاعرة نجلاء عثمان التوم، وأبدع في تصوير الليلة بل وتخليدها الفنان الكبير عصام عبد الحفيظ. ومن بعدها تلك الأخرى في مركز راشد دياب وقد تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت به زينب في نسوة خفرات، وفاح شذى محمد احمد المحجوب من بلاغة شبله الشاعر المتمكن سيد محمد احمد محجوب، وظللت الجمع غيمة وردية اللون نشرها علينا الصديق محمد الوردي وهو يشدو بما كتبنا له أنا وصديقي الشاعر المبدع محجوب شريف.. ثم تلك الأمسية البهية في حديقة الفنان المرهف سليمان العريفي وقد استيقظت العصافير في شجر الليمون لتشاركنا الاستمتاع بشدو الفنان نجم الدين الفاضل وفرقته والفنان سيف الجامعة وأدائه المتميز.. وهي ليلة ضارعت في ادبها وفنها تلك الجلسة الرائعة في شرفات منزل الشاعر عبد القادر الكتيابي، مقر مركز (اشراقة) الأدبي، حيث اعلنت ما بيني وبين الكتياب من صهر عزيز وتحولت صداقتنا الى قرابة اسأل الله ان يديمها ويحفظها من الزوال، وهي جلسة سعدنا فيها بشدو الفنان خوجلي ابراهيم الى جانب بلبل الجامعة وسيفها البتار. تخللت تلك السعادات مشاغبات الإخوة الصحفيين والإعلاميين وكلهم يريد ان يستضيفني ويعلي من شأني بما استحق وما لا استحق، وقد فطنت متأخرا جدا الى حسن نياتهم فقبلت دعواتهم وأصغيت الى قلوبهم الخافقة فرأيت جمالا وملكا كبيرا، وأقول بلا تردد ان حقول الإعلام عندنا وخاصة في التلفزة والإذاعة تعمر الآن بالمواهب الحقيقية خيرا من اي وقت مضى. وفي ذلك المجال لا استطيع ان اقول عن الصديق احمد طه انه موهبة، فواقع الحال انه هبة من السماء لغريب مثلي شديد الافتقار للتوعية واستبطان الأمور، وقد قام بذلك على احسن الوجوه وكان لي مرشدا ومرجعية كبرى في كل ما يتعلق بسنوات غيابي الطوال، وإنني اذ اضمه لباقة الخلصاء الأصفياء احمد ربي الذي جعل طرقنا تلتقي عن كثب بعدما كان ودنا على البعد وخبرا مجردا من الخبر (بتسكين الباء). سأضطر لتحرير لائحة شرف بأسماء الأحباب لو شئت ان استقصي، وهيهات ان استطيع ولذلك اكتفي بتحية وداع سريع للسفير الفاتح عبد الله يوسف والوجيه حريز شلقامي والفنان المبدع محمد ميرغني والموسيقار محمد الوردي والأستاذ محمد علي جادين، مجدد شباب البعث العربي في السودان، ورفاقه الكرام محمد بشير وأمير النقاد السودانيين مجذوب العيدروس. وتحية خالصة واعتذار للقائمين على النادي العائلي (ابولو سابقا) بالخرطوم اتنين وعلى رأسهم الفنان الإنسان عبد الكريم الكابلي. وأخيرا تحية شكر وعرفان للذين جعلوا هذه الزيارة في عداد الممكنات بكتاباتهم واستحثاثهم السلطات المختصة لتجديد جوازي القديم تحاشيا لدخول بلادي بجواز أجنبي وفي طليعتهم الأخ صلاح شعيب وصلاح الباشا والدكتور عبد الله حمدنا الله والكاتبة الأديبة الدكتورة بخيتة أمين والصحفي المقتدر كمال حسن بخيت، وعشرات آخرون كتبوا او بعثوا تعليقاتهم المؤيدة على صفحات الإنترنت. * من وماذا تبقى من مستحقي الذكر؟ بقي شخص بالغ الأهمية كان لتكريمه الباذخ اثره الباقي في هذا القلب وهذا الفؤاد، ولما له من الأهمية سنفرد له الحلقة القادمة من هذه الذكريات ما بين الخراتيم والدرامين.
نقلاً عن جريدة السوداني (العدد الاسبوعي) الجمعة 17 نوفمبر 2006م
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: محمد المكي إبراهيم يكتب: عشرون يوماً من العشق: بين الخراتيم والدرامين (Re: Masoud)
|
شكرا لك ياصديقي الأستاذ الضخم أحمد طه لنقلك لما سطره الأستاذ السفير مكي بالزملية السوداني - فلقد عاد مكي إلي مهجره البعيد بعد رحلة الثلاث أسابيع التي لم نشبع فيها بعد بحلو أحاديثه وندواته الباهرة التي جذبت معظم مثقفي البلد في كل المنتديات التي دعي لها ونسأل الله أن يعيده لنا نهائيا من بلاد الأمريكان إلي ربوع السودان وإلي اللقاء ونكرر الشكر صلاح الباشا / بحري 0912672762
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد المكي إبراهيم يكتب: عشرون يوماً من العشق: بين الخراتيم والدرامين (Re: Abulbasha)
|
تحية طيبة أستاذنا أحمد طه .. لقد كنت سعيداً جداً بزيارة محمد المكي ابراهيم للسودان . عكفت على شعره أقرأه قبلها بسنوات بعد أن طلب مني حسين شريف ( احتار في اللقب الذي يمكن أن أضعه أمام اسمه ) ذلك ، وقد فعلت فكنا نجلس يومياً على المائدة الزجاجية نقرأ القصائد بصوت عال ، ونصحح مخارج الكلمات .. كانت أياماً جميلة وكان ود المكي شريكنا الغائب فيها . وبعد أن إلتقيته في الخرطوم ، إنبسطت جداً لعثوري على إنسان مشرق ومرهف وجميل القلب .. في صوته محبة ووداد ، وهي حاجات كما تعلم أندر من لبن العصفور .
شكراً لك أستاذ أحمد طه ، ولكل من جعل من زيارته عشرون يوماً من العشق ، وهذا أقل القليل .. ويا ود المكي : زارنا النبي ...
... طلال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد المكي إبراهيم يكتب: عشرون يوماً من العشق: بين الخراتيم والدرامين (Re: أحمد طه)
|
التحية لصاحب الظلال والأفيال التحية لأحد رواد الغابة والصحراء الذين جعلوا من الشعر مملكة مترامية الأطراف بعيداً عن التشرزم، والغوغائية الشعرية.
وأمتي، وفي خباء العامرية، ويختبئ البستان في الوردة، وغيرها الكثير من الكتب والمقالات التي أثرى بها الساحة الأدبية، والسياسية والفكرية والثقافية السودانية.
التحية لمن رأى الخضرة في أكتوبر حين لم يبصر الآخرون سوى الدم.
| |
|
|
|
|
|
|
|