|
أوراق اثيوبية
|
أوراق أثيوبية مسكرم.. الشهر الثالث عشر
درجت هيئة السياحة الأثيوبية على نشر الصور السياحية التي تبرز الجمال الأثيوبي من خلال الطبيعة الخلابة وملامح سكان الهضبة التي تمتاز بجمال فريد، تغطي صور الهيئة روعة الطبيعة التي خص بها الله هذه المنطقة و التي عزل سكانها أنفسهم ملتحفين جمالها، كما حباها بمياه غزيرة حتى صارت أكبر مستودع للمياه في العالم، تبرز البوسترات الجمال الأثيوبي الذي تضيف إليه الأزياء الشعبية ألقاً وروعة، وتعليق واحد يتكرر في جميع البوسترات (thirteen month's of sun shine) (ثلاثة عشر شهراً تكسوها الشمس بإشراقها)، والشمس هناك تشتاق إلى الهضبة في فصل الخريف و(تلاوي) السحب لتطل من خلفها وكثيراً ما يهطل المطر والشمس مطلة على حبات الرذاذ، و(الشبورة)، تتجمع السحب فجأة وتسح بلا مقدمات مما جعل الناس هناك يحرصون على حمل (الشمسية) حتى صارت مكملة للزي الأثيوبي الناصع البياض المنسوج بالنول تغزله أصابع نساج (شماني) ماهر تجعل من فتلات قطن (الأكالا) الذي ينمو بوفرة في الهضبة تجسيداً حياً لشعار نلبس مما نصنع، وهم حقيقة يأكلون مما يزرعون. الأثيوبيون هم الشعب الوحيد في العالم الذي يحوي تقويمهم السنوي على شهر اضافي للشهور الاثني عشر التي عرفت بها التقاويم الأخرى، وهو عبارة عن ما تبقى من أيام الأشهر التي لا يتعدى الواحد منها الثلاثين يوماً وقد تقل أحياناً، يسمون هذا الشهر الفالت (مسكرم)، وأيامه القليلة من أكثر الأيام التي يفرحون فيها يحتفلون فيها احتفاءً بـ(مسكرم)، الذي عادة ما يكون في الثلث الأول من سبتمبر. يشهد سبتمبر نهايات الخريف في الهضبة حيث تتجمع الأمطار في المساحات المنخفضة وسط الأحجار والمستنقعات الجبلية وتنتشر الأزهار البرية وأشهرها زهرة الأدي (adday ababa) وهي زهرة شبه مقدسة وواحدة من أشهر لوحات الفنان الأثيوبي العملاق (تكلاي أفورقي) الذي رسم الجدارية الضخمة في قاعة منظمة الوحدة الأفريقية بأديس أبابا، والجدارية العملاقة التي تزين قاعة مجلس الأمن في مبنى المنظمة الدولية في نيويورك. ينتشي السكان هناك في هذا الموسم ويتجمعون حول البرك التي تتجمع فيها مياه الأمطار بين الصخور يستحمون، ويمرحون في الماء، ويزيد القمر اللوحة بهاءً فيذهبون إلى قراهم ليواصلوا الرقص والغناء على انغام الماسكنو (الربابة) وايقاعات الطبول (الكبرو) ويعودون للاستحمام مرة أخرى قبل شروق الشمس، ويستمر هذا التقليد طيلة الاسبوع الذي يسبق الاحتفال بالسنة الجديدة التي تعقب مسكرم حيث يهل عليهم عام جديد بأشهره الثلاثة عشر. ويحرص الأثيوبيون في مهاجرهم في كل أنحاء العالم على العودة للوطن للاحتفال بمقدم العام الجديد بين أهلهم وأصدقائهم ينعمون بطعم الوطن الذي لا يماثله أي مكان في العالم بمذاقه ورائحته وحميميته التي جعلت من سكان الهضبة شعبا متميزا، متحضرا، ودودا، ذا ثقافة عريقة وتاريخ مجيد. احتفل الأثيوبيون الاثنين الماضي الموافق 11 سبتمبر بمقدم العام الجديد الذي يصادف هذه المرة ذكرى أبراج نيويورك والتي لن يهتم بأمرها تسعون في المائة من السكان هناك لأنهم لم يسمعوا بها وهم يفلحون مدرجاتهم ويرعون أنعامهم ويؤدون شعائرهم الدينية. فهم ينتظرون هذا اليوم عاماً كاملاً ليعبقوا صباحات أطفالهم بكلمة انكتاتش (inkotatush) وهي كلمة من قاموس لغة (الجئز) التي هي أصل كل اللغات في الهضبة والتي كادت أن تندثر لولا حرص الكنيسة عليها حيث ينشدون بها (المزامير) والطقوس الكنسية، و(انكتاتش) كلمة ليس لها مرادف في اللغة العربية ولكنها أقرب إلى كلمة (الشعقيبة) في الثقافة الشعبية في السودان، والشعقيبة كلمة ترميها النسوة خلال تجمعهن لمشاط العروس أو دق الريحة في وجه الرجال الذين تجئ بهم الظروف لمكان هذا الطقس مما يلزم الرجل (المشعوق) بدفع مبلغ من المال لدخوله في هذه الورطة، وعلى الرغم من اجتهادي هي غير ذلك. في صباح العيد يلبس الأطفال جديد الثياب ويلبس الكبار الأزياء الشعبية، ترتدي النساء (الزوريا) وهي الفستان الأبيض المزركش المصنوع باليد ويضعن على رؤوسهن (الناتالا) التي تحمل نفس نقوش الثوب، ويرتدي الرجل (القابي) وهو الزي الشعبي الأبيض ملتفحاً ثوبه المكمل للزي والملائم لطقس الهضبة البارد، وكلها ثياب مغزولة بالنول. يحرص الأطفال في صباح يوم العيد على جمع الزهور البرية خاصة زهرة (الأدي) بلونها الأصفر الزاهي، ويتجول الأطفال في مجموعات صغيرة يطرقون الأبواب ويقدمون الأزهار مصحوبة بكلمة (انكتاتش) فيجنون مقابل ذلك الهدايا والنزور التي تتراوح بين (البر) العملة الأثيوبية، والحلوى وقد تصل الهدايا العينية من المقتدرين إلى الأبقار والماعز. أما المناطق التي لا تنبت فيها زهرة الأدي فيرسمها الأطفال في أوراق ويقدمونها بدلاً عن الزهرة، فتحل محلها. لا تخرج العاصمة أديس أببا (الزهرة الجديدة) عن تقليد الريف بزهوره وغنائه وطبوله، ويزدحم مطار (بولي) بالقادمين من أطراف الدنيا ويتسابق القادرون على حجز تذاكر الحفل الذي يقام سنوياً في (شيراتون) اديس أببا تحت رعاية صاحبه (العمودي) السعودي الجنسية ذي الأصول الأثيوبية، هذا الحفل هو أهم ملامح الليلة التي تسبق الاحتفال ويحييه كبار النجوم من الطيور المهاجرة على رأسهم استير وأفريم وتلاهون، ويغني في الفنادق الأخرى (محمود) والآخرون. عند الثانية عشرة من منتصف الليل يتابع سكان العاصمة الألعاب النارية التي تضئ سماء الزهرة الجديدة وتستمر زهاء الساعة ليعودوا بعدها ليواصلوا احتفالاتهم في حاناتهم الشعبية ومنازلهم حتى صباح اليوم التالي، على نغمات الكبرو والماسكنو والغناء الشعبي والحكواتي على نغم الربابة ورائحة الشواء والطج المصنوع من أفضل أنواع العسل في العالم الذي تشتهر به الهضبة. (( قدم الامبراطور اقداح الطج لضيوفه من الرؤساء الأفارقة في اجتماعهم التأسيسي بأديس أبابا عام 1962 تعبيراً عن خصوصية الضيافة التي يقدمها الطج والأنجيرا، ومن الشواء الزلزل والكالامارا)). تتواصل الاحتفالات في صباح اليوم التالي الذي يصادف أول أيام العام الجديد في أرض المعارض وساحات الأحياء والبيوت. (الأزمري) المغني المتجول أو (التربادور) الأثيوبي هو سيد الاحتفالات يغني ويحكي ويقدم مسرحه الارتجالي تصاحبه آلته الأثيرة (الماسكنو) المشابهة لآلة (أم كيكي) ذات الوتر الواحد. بعد رحيل العملاق جمال محمد أحمد تيتمت الثقافة الأثيوبية المكتوبة بالعربية وانقطعت عن قرائها، عفواً استاذي الرطان البليغ.. جمال. عدت من هناك مساء امس الأربعاء لاواصل معكم معالم عيد رأس السنة الأثيوبية في الزهرة الجديدة اديس ابابا.ٍ =============== مقطع أول أديس أببا يازهرتي الجديدة (1) ويا مطلع القصيدة هنا الحسنُ قد جاءَ مختالاً.. وئيدا يمنح العمرَ المزيدا وتنادي (سليمانُ) يدعو بلقيسَ إليه فامتدت على الهضبةِ مزاميرُ داؤودَ (2) ومن الأناشيدِ.. نشيدا (3) أديس أببا أمهرية العينينِ.. والقدِ.. وجيدٍ من رأى غير الأمهرية جيدا يا بنت (شاوا).. (4) قد جاءني الحب.. ترآى لي فرمتُ.. المزيدا (أبَّاي) (5) من الجنةِ دفقٌ روانا فتنامى الحبُ في وجداننا.. ألقاً.. وعيدا من له للزهر عيدٌ؟ ومن له شهَرُ أضاف الشمسَ للعامِ تقويماً جديداً هي أرضُ بلقيس (6) وصحوةُ الحبُ على الربا متناغماً.. ترديدا الآن جئتك أنشد لحظةً هي قلبي المشبوب بالحب إليك يهفو إليها.. وحيداً يا بنت (أكسوم) (7) .. و(تانا) (عيزانا) (.. أتانا أضرم النيران في قلبي فمددت الكف جئتك صافحاً وكتبت إليك مدّاحاً.. مريدا ============== (1) الزهرة الجديدة. (2) المزامير في الكتاب المقدس. (3) نشيد الإنشاد. (4) الاقليم الذي تقع فيه العاصمة. (5) النيل الأزرق. (6) الامبراطورة ماكيدا والدة منليك الأول. (7) عاصمة مملكة أكسوم القديمة. ( الامبراطور عيزانا الذي أضرم النيران في عاصمة مروي القديمة.
|
|
|
|
|
|