أعضاء وقراء موقع سودانيز أونلاين الأعزاء.. أستميحكم العذر.. أحب أن أشرككم فى هذه الرسالة المفتوحة تعريفاً بهذه التجربة الإنسانية القديمة الجديدة، وأُحي من خلالها ضحايا التعذيب والحرب فى بلدنا، حيث نذكر الشهداء ونحتفى بالأحياء، ولا نخصص للمعاقين المساحة المستحقة! ==============
خالى وأخى العزيز حسن عثمان، لك كل الود والحب، مصحوباً بزاكيات التحايا. .
وصلتنى اليوم هديتك الغالية والأثيرة.. كتابك الذى يمثل إضافة نوعية للمكتبة السودانية والأدب السودانى رغماً عن عدد صفحاته الذى لايتجاوز الإثنين وخمسين! فلأول مرة أقع على تجربة سودانية مكتوبة عن الإعاقة والمعاق.. يحاول الناس هنا فى البلد الذى أعيش فيه إستخدام مصطلح الناس ذوى الإحتياجات الخاصة "People of special needs" بديلاً لمصطلح المعاق "Disabled" لما قد يوحيه الأخير ب "عدم القدرة" وهو تعبير ليس دقيقاً، وفى ذلك كانت أشارتك ذكية حقاً عندما كتبت "كلـنا معـاقون بصورة أو بأُخرى معنوياً ومادياً واعاقتنا تتفاوت كلٍ حسب إمكاناته "ولايكلف الله نفساً إلا وسعها".. فما أبلغك حسن عثمان ودالحسن ودسلطان!
فى بداية الأمر نظرت للنص الذى أعده الأستاذ/ حسن عثمان بنظرة تعاطف بمعنى إننى لم أكن كثير الحماس للنص وكنت أحرص ما أكون لتقديم يد العون لصديق فى محنة ولكننى بعد قراءة النص تبدل شعور العطف عندى إلى أحاسيس أخرى. فقد فوجئت حقاً بالجسارة والشجاعة التى كتب بها حسن نصه، ولم أجد ما توقعته من مرارة واحباط وأسى، بل على العكس وجدت تفاؤلاً وحباً وإقبالاً على الحياة. وكل هذا حدث بسبب جوهرى هو قدرة الكاتب المذهلة لتجاوز مأساته الشخصية والنظر إليها بمنظور موضوعى وليس ذاتياً وكما قلت فالأمر يبدو وكأن الكاتب لايسرد تجربته بل يحكى معاناة شخص آخر. ربما هنا تكمن قيمة الكتابة، فالكتابة فعل إيجابى وهى "سلاح" يواجه به المرء العالم ويتحدى به الصعاب، لهذا تفوق عبقرى اسمه طه حسين وملاْ الدنيا وشغل الناس ومن قبله رهين المحبسين أبوالعلاء المعرى. والقائمة تطول للكتاب والمبدعين الذين سطروا اسماؤهم بحروف من نور فى سجل الخالدين. وهذا جميعه بفضل الكتابة والحرص على مخاطبة المتلقى وتحويل المعاناة من هزيمة فردية الى نصر للإنسان والإنسانية.
ولعل مفتاح نجاح هذا النصر الذى نحن بصدده هو إحساس الكاتب بالإنتصار على الإعاقة، من هنا جاءت روح الدعابة والسخرية التى يحتشد بها النص، فى واقع الأمر إن حسناً أطل من خلال هذا النص على عالم غنى مدهش هو عالم طفولته فى حوارى الخرطوم وأرصفتها فى الستينيات من القرن السابق، أى الفترة التى شهدت تبلور بعض ملامح الشخصية السودانية وأعقاب خروج الوطن من تجربة إستعمار استمر لأكثر من نصف قرن وقد نجح الكاتب فى تلمس ملامح هذه الشخصية وتجلياتها فى الفن والرياضة والسياسة والإجتماع ومختلف ضروب الحياة.
أما عن شكل النص نفسه فمثل أي نص غنى مكتنز من الصعب جداً تأطير أو تجنيس هذا النص أى إصباغ صفة هذا الجنس السرد الأدبى أو ذاك، وهنا يجىْ فى الخاطر الحوار الطويل حول جدوى التجنيس نفسه، بالطبع ليس هذا محل الإفاضة بالأمر، لكن يمكن القول ان هذا النص هو ذكريات شخصية، أو تداعيات على نمط كتابات يحيى فضل الله، وهو كذلك مشروع لرواية ملحمية تحكى تماسك الإنسان وصلابته فى وجه الألم.
فهذا النص هو كل هذه الأشكال الإبداعية وربما أكثر من ذلك. وخلاصة القول أن القارىء الكريم موعود بمائدة شهية من الجرأة والصدق وتعرية الذات الى جانب التاريخ الإجتماعى والسياسي لواحد من أحياء الخرطوم العريقة.
دكتور محمد المهدى بشرى
ونواصل..
05-07-2005, 08:13 AM
محمد أبوجودة
محمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265
التحية الطيبة ،، والشكر على إشراكنا في الإلمام بهذا المؤلّف النوعي الذي يضيف للمكتبة السودانية ، ويفتح لها آفاقاً جديدة في مسارات الكتابة الإبداعية التى تنبني على تجربة شخصية استثنائية ، يحوِّل فيها الكاتب ، ما يتوقّعه الناس من يأسٍ واحباط الى أملٍ مُفعم بالخير ، مؤمن بالمقادير ..
لاشك ، أن تقديم د. محمد المهدي ، لهذا المؤلّف ، يُمهّد للقارئ الطريق لمعرفة وقائع المحكي عنه خلال صفحات التجربة ..
عند نهاية عرضى للكتاب لدى بعض الملاحظات والنقد حول بعض التعميمات التى توصل إليها الكاتب.. طريقة الكاتب فى السرد وتجربته عموماً ممتعة وشيقة وفيها دروس وعبر.. وفى تقديرى أن هناك (إجمالاً) نوعين من الإعاقة قد تكون أحاسيس المصابون بها يختلف إختلافاً بيناً فطه حسين وهيلين كلر مثلاً ولدوا هكذا.. لم يجربوا النظر ليتذوقوا مرارة فقده، ولكنهم واعون بأن هناك شيئاً ما، فيهم.. مختلف عن بنى جلدتهم، لذا أعتقد أن الأحاسيس قطعاً ستكون مختلفة عند من كان يبصر ففقد تلك الحاسة.. أو كما كان فى حالة صديقنا حسن عثمان الذى كان شاباً –طويل العماد- ممتلئاً نشاطاً وقوة وحركة، وكان يمكن أن يكون نجماً فى كرة السلة بطوله الفارع وشدة ساعده، ولكنه بعد إصابته فقد القدرة على المشى وأشياء أخرى كثيرة سردها فى ثنايا الكتاب الذى نستعرضه الآن..
شكراً لك على المتابعة ورابط بى جاى! ونواصل فى عرض مقتطفات من الكتاب.. --
كانت خيارات عـلمي وأدبي فى المدرسة الثانوية تمثل كثيراً من التحدى، كان توجهـي الفطـرى أدبيـاً كنـت أحـب الأدب ومـازلت ولكن "أدبى" كانت عاراً (الطيـش)، كـنا صـغاراً فعلاً وبذلت مجهوداً ودخلت قسم الرياضيات الإضافية وتركتها بعد فترة إلى الأحياء. لم يكن فى ذهنى أن أكون مهندساً أو طبيباً، بعد يوليـو كان هاجسـي القوات المسلحة وكنت مبرزاً فى التدريب العسكرى وكان هنالك سبب آخر إعالة الأسرة فأنا الأكبر والجميع من حولي يحتج على إستمراري فى الدراسـة أهلى كانوا حول المدرسة فى العربات التاكسي* لايمر يوم دون أن أسمع أطلع ساعد أبوك، كفى دراسة أبوك تعبان". أحسست بأنني لو دخلت الجامعة فقد أكون مجرماً فى حق أسرتي. لم أوفق لأسباب كثيرة من بينها الخوف من القوات المسلحة بعد يوليـو 19 (موت الكثير من أبناء الشماليين) والثاني من الجبهة الديمقراطية وهى عـلى زمننا كانت كالختان أو حنة العرس، هى درجة الوعى المثُلى، لديها الأقوى فى الأدب والشعر والكتاب وكان لها البريق العالمى (أرنستو شى جيفارا) حركات الـحرر العالمية والأفريقية، جمال عبد الناصر، (لم أندم حتى اليوم على شيء فلدى قناعة تامة بأن الندم مضيعه للوقت). --------------------------------------------------------------------- * الكاتب هنا يتحدث عن فترة دراسته فى مدرسة الخرطوم الثانوية الجديدة المطلة على ميدان عبدالمنعم –أو نادى الأسرة- وكان جوار المدرسة موقف لعربات التاكسى يؤمه أبناء قرية الباسا التى ينحدر منها الكاتب، فهو هنا يقصد أهله العاملين كساءقين لسيارات الأجرة، أو "التكّاسّة" الذين ينتظرون الركاب والمشاوير فى تلك البقعة.
ونواصل..
05-07-2005, 11:06 AM
عبد المنعم سيد احمد
عبد المنعم سيد احمد
تاريخ التسجيل: 10-13-2003
مجموع المشاركات: 11824
عبدالمنعم سيدأحمد.. إزيك ياقريبى المقاتل، يكاد يكون صحيحاًويطابق حال أولاد الباسا.. أن فلح للعسكريي وإن فشل للطوريي.. رحم الله أولاد "أب دية" الشهيد عقيد عبدالمنعم محمد أحمد "الهاموش" وأخيه النقيب عبدالجليل، وفى مارس 1985 قدمت الباسا، الشهيد عبدالجليل أحمد طـه أو "جِلَيِلا" كما كان يحلو لنا مناداته.
خليك فى حِدا العنقريب، فالحكي لم ينته بعد، فقط ضيق الزمن مع الواجبات المتراكمة بلا حد، وإنت سيد العارفين..
حين ذهبت للحرب كنت خائفاً من الموت، ولكنى الآن خائف من الحياة. لم تكن العبارة التى قالها (مارلون براندو) فى ذلك الفيلم تعنى شيئاً كثيراً لى إلا حين سمعت الطبيب وهو يحدثنى عن تفاصيل حالتى بعد الحادث، كان زميلى السـائق أميـن أو الأمين متوجهاً إلى القيادة فى (سويحان) كانت حوالى السـاعة السـابعة والنصف جاء يتزود بالوقود كنا نعمل معاً فى القوات المسلحة بدولة الأمارات العربية المتحدة كان العام الثامن لى هناك –الغربة لم تكن هدفاً ولكـنها كانت محاولة لحياة أفضل- طلبت من الأمين الإنتظار لأننى ذاهب معه لمراجعة بعض الحسابات –كان الفرق 0.7 من الجالون فى دوله بترولية- كان لابد من إقناع الكمبيوتر بجبر الكسر لأنه لم ولن يفعل، وكان الثمن غاليــاً.
تحركـنا بهدؤ لأن العـربة مـن صنع إنجليزي شهير (لاندروفر) وكانت متهالكة ويجب إستبدالها. بعد عشرين دقيقة سمعت صوتاً قوياً خلفى وألتفت وحين تحدثت إلى الأمين كان كل شيء إنتهى. لم أكن أعلم أنها الرحلة الأخيرة فى حياتى العملية، لم أفق إلا بعد أيام، من هذه المستشفى إلى تلك وتدحرج كل شيء من حولى، الدموع فى عيون الجميع، ما الـذى يحدث تعال ياصديقى دعوه يدخل لم يكن ذلك سهلاً إنها العناية المركزة، جـاء ويده فى يد زوجته كانت تبكى وكان مرتبكاً لم كل هذا الحشد؟ كانوا جميعاً يعلمـون ولم أكـن أعلم كالعادة آخر من يعلم –مع أني لم أكن زوجاً- ولن أكون بعدها. كانت الدقائق الأولى فى مستشفى زائد العسكرى غامضة وهادئة وكثيرة الـتحرك من الممرضـات بجنسياتهم المختلفة عرب هنود إنجليز فرنسيين أيرلنديين وجامـايكيين وبعضهم من قرينادا وياللعجب كلهم جاءوا لسبب واحد وإن إختلفت جنسياتهم.
اللغة الإنجليزية هى المتاحة بالنسبة لى –قليلاً- أحضرونى صباحاً وعند موعد الـزيارة انفجـر الهـدؤ عن كثير من التواصل فعيادة المريض سلك سودانى فالإسـلام فى السودان نوع من السلوك أكثر منه عبادة ميكانيكية رغم أن علتنا فى ذلك وقـبله وحتى الآن كانت فى التنظير الكثير. وبدأ عمل مجموعة من أطباء السودان، كان الدكتور بله ودكتور ممدوح –متزوج من عراقية وآخر متزوج من قريـنادا وأحدهم من نيوزيلندا أو ماليزيا لاأدري، جاء الأهل كلهم وزملاء المهنة فى القوات المسلحة والأصدقاء وبعض من أعرفهم ومن لاأعرفهم. وطلبت من الطبيب أن يشرح لي، نظر إلى ملياَ وقال "هل أنت مستعد؟" فاليحضر أهلك جميعاً أم.. أم.. أم أم مـاذا يا سيدي؟ أريد أن أعرف وأنا المعني بكل شيء لاأحد يعنيه الأمر أكثر مني!!! إنهم جاءوا من كل أنحاء الإمارات ومن سلطنة عمان والكويت والبحرين وقطر ماذا يحدث؟! لابد أن الأمر جلل. كانت جنازتي، وحضرتها... إذن أنا محظوظ، كــل هذا الحــب؟!.
نواصل..
05-08-2005, 03:56 AM
أبو ساندرا
أبو ساندرا
تاريخ التسجيل: 02-26-2003
مجموع المشاركات: 15493
الراحل العزيز حسن عثمان الحسن ،عليه رحمة الله ، كان من رموز الحياة الإجتماعية والثقافية في الديم ، رجل جميل الطلعة ، رشيق العبارة وفنان متمكن من العزف ، كان نجم ليالي الديم وأمسياته الصاخبة. كانت إصابته التي أفضت للإعاقة قاسية جدآ على ذاك الجيل من نجوم الديم وعلى رأسهم الفنان الماهر في عالم المستديرة يحيي عبدالرحمن شمت ، والبارع عوض علي إسحق { عوض نوبة } أول من فتح عيوننا على الرقص وكان من أفضل كوادر الجبهة الديمقراطية ، والصنديد بدر الدين عبدالتام أو بدر التمام كما كان تحلو مناداته عند الأصدقاء وشقيقه الفنان سيف الدين ، و صلاح موسى وعبدو إدريس والراحل الماهر حسن فضال جميعهم سبقوني بدفعة كاملة لكن زاملت معظمهم في مسارات أخرى وخاصة في العمل السياسي
أدهشنا حسن بصموده الأسطوري وإقباله على الحياة وبهجاتها وهو قد هزم الإعاقة ولم تهزمه قط آخر مرة قابلته قبل رحيله الفاجع بأشهر معدودات في منتدى اللخرطوم الثقافي في مجمع شئون الرياضة / طلعت فريد في أمسية قدم فيها الدكتور مرتضى الغالي والصحفي فيصل الباقر محاضرة عن الشفافية وحقوق الإنسان وقدم حسن عثمان مداخلة رائعة وكالعادة إلتفت حوله البنات الجميلات فقد كانت له كاريزما طاغية نسأل الله ان يتغمده بواسع رحمته
والعزاء موصول لك يا عدلان وللاصدقاء ولشقيقه حسين مارسيدس وللصديق العزيز عصام علي أحمد { أبودية }.
تخريمة :: العزيز بدر الدين عبدالتام أعتذر ، عندما رديت على رسالتك الصباح لم أكن قد طالعت هذا البوست بعد ، وظننتك إلتبست عليك الأسماء ، فهمت أن الموضوع متعلق بنعي الراحل الخاتم عدلان حيث ورد في أحد البوستات أن حسن عثمان قد خطب في المطار عند إستقبال الثمان نيابة عن الحزب الشيوعي في العاصمة القومية
الخــرطوم حبيبــتي. أنظر إليها، وأنظر إلى نفسي.. من المعاق؟ أنا أم هى؟ ربمـا العالم كله معاق وربما السودان بصورة كاملة الآن فى ذهنى معاق بصورة تفتقر إلى العدل وربما نحن، وربما النضال الذى أعيا بدن خليل فرح قد أعيا كل المعاقين، وربما لقمة العيش التى توارت خلف ساعات اليوم القصيرة أصلاً على مجهود من يعمل ولاتكفيه ولن تكفيه، أذكر الآن صغيرة لاتملأ الكف ولكن متعـبة خائـنة وطيـبة ومثل عاهرات الريف لاتبسط كفاً لثمن، تتركه يندس في الصدر.. الله للشاعر والمفلس والصعلوك حينما تضمهم دروبها آخر الليل مشردين، أيـن هو آخر الليل؟! فهو أصـلاً لايبدأ لينتهى.. حتى الأغنيات صارت حتى الحادية عشرة، وقال الشاعر طفلة فى المدائن سيدة فى، أنا كنت أخرج حين أعود إليها كل عام فى أى وقت. أرهقناها بالسهر والجنون ولم تغضب كنا هناك فى الغابة وفى هيلــتـون وفى شوارعها المضيئة كالنهار، وأبناءؤها يرحلون فى مثلثها الرائع بيـن (القود شوت) فى بحرى و(السُكى) و(الريفيرا) أو (الجندول) فى أم درمان وكل أناقة سهر الخرطوم. دون حقد ودون أخرى –من يدفع الحساب؟!!!- كلنا ندفـع، وليدفــع من لديه، والآن ذهبت إلى شارع الجمهورية ليلاً كان له ساقان صــارت ســاقاً واحدة مظلمة وقبيحة بعد أن كانت مضيئة وراقية والشوارع من حوله تضج بعبيرها!!! من المعــاق أنا أم هـى؟!!!!.
صـ22ــ أســتوك مــاندفيل، إسم لمعهد للتأهيل الجسدي للمعاقين جاء الإسم فى حلول مطــروحة بعد أن علمت بأن حياتى ستكون على كرسى متحرك وبعد أن سألت الدكتور عن القدرة على التحكم فى البول والفسحة ومساحة قليلة من الإستقلالية، فأنا أصــلاً كـثير الحركة. تأخر السفر، والتأخير كان يعنى مزيداً من المشاكل، وبدأت مشكلتى التى مازالت تؤرقنى (المثانة) والإلتهاب، دم أسود سيىء الرائحة وأعراض تشابه الملاريا، وكان من نتيجتها أن تحول سفري بعد توصيه من دكتور (بلة) إلى ألمانيــا. وبدأ الحديث يطول والناس تأتى وأمتلأت غرفتى الكبيرة بالناس وعلب الحــلوى والــزهور والــورد ولم يتوقف التلفون من الرنين، كان جسدى يتهالك وتحـرك الجميـع، جمعــوا مالاً لا أعرف مقداره حتى اليوم والأسماء لا أعرفها رفضــت المال. أقنعنى مولانا (الحلو) وأتفقت على أن يُعطى المال لأبي وألا أرى الأســماء. حتى أثبت الأجر عند الله وحتى لا أظلم أحداً كــانت ظـروفه صعبة، بكيت كثيراً أننى أتعرض لذلك، لأول مرة لم يهزنى الشلل مثلما هزنى موقف الرجال من حولى.
صــ26،27ـــ كانت إعادة التأهيل مؤجلة بالنسبة لي فى ألمانيا، لأن المثانة لم تحتمل العلاج الخطــأ فى ابوظبي، ظلو حول مثانتي وتأهيلي حوالي التسعة أشهر عاد مرافقي (عــثمان) بعد أن فقد وظيفته وأجل زواجه عاماً كاملاً من أجلي ومازلت كلما رأيـت إبنه (أحمد) أحس بأننى سرقت عاماً من عمره والأعمار بيد الله سبحانه وتعـالى الذى لم يتخل عنى لحظه واحدة وأشكره على ذلك، سبحانــك ربـى. كـانت الخطـوات الأولى حول التحكم فى المخارج (البول والفسحة)، ثم تمارين العضــلات والتركيز ومحاولة الإعتماد على الذات قدر الإمكان. فالإعاقة لاتكون قاسية إلا إذا فقدت القدره تماماً على الحد الأدنى من الإستقلالية وهو محورها حين يجـد المعاق نفسه عاجزاً تماماً، ودون حد أدنى من الإستقلالية وتنـظيف نفسـه يكون الضيق ملازماً. كان علي من اللحظة التي أعلمنى فيها الأطــباء بإســتحالة العــلاج وشـرحوا لى أن أكثر مايزعجهم فى عملهم إصـابات السلسلة الفقرية وتمنوا كما أتمنى أن يجد العلم مخرجاً لهذه المعضلة. ما حـدث لـي يمكـن أن يحــدث لأى شخص في أى حادث أو عملية من عمليات الغضــروف قد تؤدى لاسمح الله لقطع أو تعطيل في الأعصاب القادمة من أعلى السلسلة مع الدماغ إلى باقى أجزاء الجسم، مما يؤدى أحياناً لشلل رباعى أو نصفى، قابلت أشخاصاً وأحياناً فتية حالتهم أسؤأ بكثير.
كــان على أن أتواءم مع ما حدث نفسياً وجسدياً. كان على أن أصبر على التمارين القاسية (المثانة والعضلات والكتفين) وتحمل التقلصات المزعجة جداً التى سوف تلازمنى مدى الحياة وأن أعلم قبل كل شيء أنه قضاء الله وعلى أن أرضى بذلـك. فذلك أكرم لك وللجميع لأنك رضيت أم أبيت فما حدث قد قد حدث، كان علي أن أجد صـيغة أخـرى بينى وبين نفسى وأسرتى والأهل والأصدقاء والمجتمع تمنحــني القدرة على تحمل العجز الجنسي ولايكون هو الفاصل المعني لرجولتى، وهـو كذلك لدى كثير من الرجال فى هذا العالم. ساعدنى الناس كثيراً بعد الحادث فى أبوظبي الزملاء فى القوات المسلحة والأصدقاء والأهل والمعارف وحتى الذين لاأعــرفهم مـن الجنسيات. ووقفت معى مجموعة من الشباب الرائعين فى ألمانيا أمير الماحي أسماعيل والأخ مضوي ومأمون وحيدر عبدالله شريف وكثيرين من جـنوب السـودان وشرقه وغربه وشماله وأولاد بلد يمنحوك القوة تحس بعدها وأثـناءها أنه من العار أن تخذل كل هؤلاء الرجال ومن قلة الإيمان بل عدمه أن تظـن بالله الظنون. لم يكن كل الذين حضروا يعرفوننى وقد أنسى الكثيرين ولكن أتمنى أن يمنحهم الله الصحة والعافية طول حياتهم.
أعود إلى السودان على كرسى متحرك بعد قليل من الإنتفاضة ولم أجدها إلا فى بعض الأغانى، الحال ياهو نفس الحال، ربما المخاض، وربما الباب المتاكا. كما قال محجوب شريف:
إن خلف الغفلة ردة، والأيادي المستبدة لو حا نسكت مستعدة هيلا هيلا وهيا هيا جمرة أكتوبرنا حية
(محجوب عبدالحفيظ) عليه الرحمة قابلته مرة واحدة دار نقاشـنا حول كيفية التعامل مع مشكلة المعاقين فى بلد يـرزح تحت الحرب القاسية، والحرب أم ولود للمعاقين ولانملك نحن فى السودان معهداً واحداً للتأهيل جسـدياً ولا يعلم المعاق ما الإعاقة؟
وأنا أتحدث قبل ذلك كيف تكون معاقاً بصورة أفضل؟ وكيفية تجاوزها؟؟
فى إحـدى المــرات كـنت جالساً فى داخل عربة تاكسى أمام الفندق الكبير وحول العربة مجموعة من الشباب لاأعرفهم وطلبت منهم "عود ثقاب" أو "ولاعة" إنبرت لى فتاة من بين الجميع وقالت "أبسط حاجة لو الواحد إحتاج إلى حاجة حقو يـنزل من العربية وبعدين يطلب" قلت لها مشيراً إلى الكرسى فى أعلى العربة "ياأخـت الفوق دا صلات طيبة؟".
دائمـاً فى أى بـرنامج كـل الحضور تحتاج إلى كراسى وساهل جداً تمقلب الحضـور لدرجة الحساسية العالية عندنا كسودانيين دائماً بقول بهدوء شديد "أقوم ليـك؟"* بسرعة وبدون تفكير يأتيك الرد "لاياخى خليك قاعد" أضحك كثيراً حين أسـتطيع أن أخـلق جواً من المرح حول الإعاقة محاولاً كسر الحاجز بين المعاق والإعاقة والآخرين وعلى فكرة أجمل حاجة تحضر زواج معاق. ---
صــ43ـــ قـبل أعوام وبالتحديد فى عام 1986م ذهبت إلى زواج أحد زملاء الدراسة ونـزلت من العربة غير بعيد من مكان المناسبة وحين إقتربت من المدعوين وقبل أن أصـل لحق بى أحدهم وطلب منى "سيجارة؟" قلت له "حاضر" وحين بدأت فى إخـراجها حضـر شـاب كان معه –ربما- قال لى "لاتعطيه سيجارة" "ولكن لماذا؟"، قال "لأنه قال (الزول ماشى مُكرهنا.. ومكسر مُكرِّهنا" فقلت له "سأعطيه كـل سيجائرى إن كان قد قال ذلك، فعلى الأقل أحس الآن بكثير من الطمأنينة في أننى قادر على إثارة كل هذا القلق، فما زلت بخير". _______________________________________
* عندما قراءت إلى هذا الحد تذكرت بافل بطل رواية نيقولاي/أوستروفسكي "والفولاذ سقيناه" عندما أصر على الوقوف فى البص على رجليه الصناعيتيين رغم الآلام، لسيدة أظهرت تأففها من كونه شاباً يجلس بينما هى كبيرة السن واقفة!.
يتبع.. فغداً صباحاً –إن الله حيَّانا- سأنشر الحلقة الأخيرة من عرض الكتاب..
صـ50ـــ فى ألمانيـا حـاول الطــبيب الألمانى دون أن أعرف أن يدخل الى عقلى بواسـطة فتاة رائعة اسمها (قابي) كانت تسألنى كثيراً ويوماً ما أحضرت ألواناً وطلبت مـنى أن أرسم أى شيء وحاولت بمجموعة ألوان من الأحمر والأصفر وحتى البنى أن أصنع شيئاً، مجرد دوائر متدرجة الألوان أنا لا أعرف كافي حسين فهو متخصص تلوين، فى النهاية كتبت عبارة وردت فى اغنية (ل جيمى كلف)
What are your doing with your life?
بعد أيام جاءتنى (قابى) حزينة وقالت لماذا لم تخبرنى بأنك تنوى الإنتحار، ســألتها مـن أين أتت بالفكرة قالت ليست فكرة فدكتور (فرنر) قال انك ستنتحر خلال شهر، فضحكت.
مر شهر وشهران ودخل السودان دائرة المجاعة كنا فى نهاية الشهر الثالث ولم انتحر. مر الدكتور وأنا جالس أمام الغرفة وسألنى عن حالى فقلت له ماأزال حياً، توقف وســألنى ماذا تعنى؟ قلت، أنت قلت قبل ثلاثة اشهر اننى قد او أكيد سوف انتـحر خلال شهر والآن مرت ثلاثة أشهر. لاتغضب اذا حاولت ذلك من النافذة فـهى عاليـة جداً والحبوب لاتدعنى الممرضة الا بعد ان ابتلع آخر قرص وليس لـدى مسـدس والسـكين مؤلمة ولست شجاعاً لهذه الدرجة واسترسلت أنا أحترم (فـرويد) فلـقد بنى ابحاثه ونظرياته من هنا، وانا من هناك، نحن نموت من الجوع كما تري فى التلفزيون، ولكن أنتحر فلا.
أعطــنى عنوانك وعندما أعود سوف أرسل لك بطاقة كريسماس كل عام وصدقنى سأطلب من أهلى أن يرسلوا لك أسباب وفاتى ولن تكون إنتحاراً.** ------------------------------------------
** حبيبى حسن عثمـان؛ هل ياترى وصلت رسالتك للدكتور (فرنر) ؟ ولو بعد عام ونصف من وفاتك؟؟ أعرف أنك تبحث دوماً الأعذار للناس.. ولكن لم أفهم حتى الآن كيف أنك أرسلت لى كتابك وفيه توقيعك ورقم تلفونك ولا يصل إلى يدى إلا بعد مضى أكثر من عام ونصف على رحيلك عن دنيانا!! البعض ما أقساهم.. لايعرفون كيف أن هذه الأشياء التى يرونها صغيرة، هى تشكل معني حياتنا ووجودنا.. سأمنحهم العذر والعفو –تأسياً بك- فعلى الأقل لم يضيعوا الوصية، وإن تأخروا فى توصيلها.. لك الحب و السلام عليك فى الخالدين.
عدلان.
-- الكـتاب يقع فى 52 صفحة من القطع المتوسط، الناشر سولو للطباعة والنشر، وليس عليه رقم إيداع أو سعر، أو مكان النشر!.
05-10-2005, 03:59 AM
jini
jini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720
عبدالمنعم سيدأحمد.. إزيك ياقريبى المقاتل، يكاد يكون صحيحاًويطابق حال أولاد الباسا.. أن فلح للعسكريي وإن فشل للطوريي.. رحم الله أولاد "أب دية" الشهيد عقيد عبدالمنعم محمد أحمد "الهاموش" وأخيه النقيب عبدالجليل، وفى مارس 1985 قدمت الباسا، الشهيد عبدالجليل أحمد طـه أو "جِلَيِلا" كما كان يحلو لنا مناداته
السلام ليكم اهلى السمحين وللباسا التى تعلمت فيها فك الخط على يد الراحل شمس العلا عدلان وود التريبيل انتوا لحمي ودمي جني
05-11-2005, 12:28 PM
عبد المنعم سيد احمد
عبد المنعم سيد احمد
تاريخ التسجيل: 10-13-2003
مجموع المشاركات: 11824
قريبى جنى يا لسعادتى ..ارجعتنى لذكريات عزيزة على نفسى فقد درست بمدرسة الغريبة الابتدائية..وتتلمذت على يد مدير المدرسة..عبد الحليم القاضى..زميل الراحل شمس العلا..بمدرسة الباسا ومدرستنا الباسا..كانت تجمع اطفال القرية..بابناء القوز ان كنت..من القوز فلنا اهل وعشيرة وان كنت من الغريبة..فاهلنا هم اولاد عز الدين وكان زميلى بالمدرسة..عمر احمد عز الدين فهاهو بوست الراحل حسن عثمان..شقيق التشكيلى حسين مارسدس..يجمعنا والتحية للانسان الاصيل..عدلان
فوق لمزيد من الاطلاع..واللماحة الم يزل فينا بعض من اذكياء تحياتى العميقة بل ازيد اين..اهل المثاقفة..هاهنا التحية لروح..الثائر..حسن عثمان ولك عدلان محبتى
05-13-2005, 04:47 PM
عماد شمت
عماد شمت
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 3857
لم تتح لي الظروف لقاء الرجل من قرب ، ولكني اذكر هيئة جلوسه وهو يعتلي كرسيه في الظل امام منزلهم ونحن مرورا بالحافلات. اطلعني الاخ صلاح قطبي في ابوظبي على كتابه قبل 3 سنوات تقريبا وبادرت بالاتصال به مشجعا ولكني وجدته في حال افضل مني آنذاك..وطلبت منه ان يكتب لبعض الصحف والمجلات في الامارات ولكنه اعتذر اعتذارا رقيقا .... هذا الجل يستحق التكريم ويستحق التحية حيا وميتا فهو نموذج قليل وطراز نادر عندنا في السودان.
05-14-2005, 04:40 AM
خضر حسين خليل
خضر حسين خليل
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 15087
الصدفة وحدها قادتني لهذا العظيم أذكر جيداً في ذاك المساء في معرض الخرطوم الدولي وعند عودة الفنان محمد وردي للسودان قادني اليه أحد اصدقائي وعرفني علي هذا الرجل . حدثني صديقي عن كتابه تواعدنا للذهاب اليه ولم نوفي بوعدنا ترك لدي في تلك اللحظات القليلة العديد من الانطباعات بشوش الي ابعد الحدود بعد سفري اتصل بي صديقي وأخبرني بوفاته أتمني أن اجد نسخة من هذا الكتاب . له الخلود ودمت
الأعزاء عبد المنعم سيد احمد، عماد شمت، أبوتقى، وخضر حسين خليل، تحيات زاكيات.. شكراً للإضافة وعذراً للتأخير فى الرد.
الأخ عماد شمت، راحلنا الجبار حسن عثمان أفرد مساحة مقدرة فى كتابه عن الامتداد ومربع 11 ومحطة7 وفريق الشبيبة.. هل مازالت الأشياء كما هى؟ أتمنى أن يكون فريق الشبيبة قد صعد إلى إحدى الدرجات!
الأخ أبوتقى تحياتى وسلامى للاخ صلاح قطبي، مازلت أذكر عربة صلاح قطبي "الفلوكسواجن بولمان" وهى تتمخطر فى شوارع الديم والسجانة وبراعته فى اللفّات الضيقة!
لكم الود..
05-18-2005, 01:09 PM
عماد شمت
عماد شمت
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 3857
اخي عدلان انا لي 13عاما من السودان فجأة شاهدته في تلفزيون السودان ويعد البرنامج ترحم عليه المزيع وكانت بالنسبه لي صدمه فقط قلت انا لله وانا اليه راجعون.. وترحمت عليه.. هذه سنة الحياة ربنا يعوضه شبابه بالجنه . اتمني لو اجد نسخه من هذا الكتاب.اخي عدلان ارجو ان تساعدني وانا متكلف بكل النفقات حتي لو اكثر من نسخه . رحم الله حسن عثمان ولاسرته الكريمه التعاذي لك الشكر
سأُحاول الإتصال ب خالد سلطان أو حسين مرسيدس أشقاء الراحل حسن عثمان، عسي أن نعرف منهم كيفية الحصول علي نسخ من الكتاب، وعندما أعرف قطعاً سأعلن ذلك في حينه.. للأسف ليس لدى سوى النسخة التي أرسلها لي المرحوم قبل وفاته والتي لم أستلمها إلا قبل حوالي الإسبوعين!!
شكراً علي إهتمامك والمتابعة، عسي أن تحرك كلمات حسن عثمان المتوهجة صدقاً، ساكناً تجاه المعوقين وقضاياهم وإحتياجاتهم، أو كما عبر عنها هو "كيف تكون معاقاً بصورة أفضل؟" ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة