كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 عبدالنور خليل يكتب عن فيلسوف الكوميدياشارلي شابلن عبقري السينما في كل زمان
|
عبدالنور خليل يكتب عن فيلسوف الكوميدياشارلي شابلن عبقري السينما في كل زمان! قضي طفولته في حي المهرجين والمغنين والممثلين في جنوب لندن كان أبوه مغنيا فاشلا في مسارح الموزيك هول وقتله الإدمان بعد أن افترق عن زوجته وهو في الخامسة واجه جمهور المسرح لأول مرة عندما ضاع أمه وهي تغني فدخل ليغني بدلا عنها بعد إسكتش «ماتش كورة» أصبح شارلي مضحكا معترفا به وخلالي رحلة لأمريكا تعاقد للعمل مع ستوديوهات مارك سنيت في أول أفلامه إرتدي «سباق الأطفال» ظهر يرتدي جلد ديك وفشل فنيا ساعدته زميلته الجميلة ميلدريد نورمان في كسب الخبرة في الوقوف أمام الكاميرا استعار سروال فاتي ارتوجل وسترة أفيري الحقيقية وقبعة دربي وظهر في أشهر «بدلة» سينمائية في العالم ابتكر شخصيته «المتشرد» وقد 15 فيلما مضحكا في ستوديوهات أشهر المضحكين مارك سنهت بعد سنة كاملة نضج وتطورت عبقريته وأذهل العالم بأفلام «أضواء المسرح» و«الأزمنة الحديثة» أسس مع الثلاثي د. و. جريفيث وماري بيكفورد ودوجلاس فيربانكس أول شركة سينمائية شاملة هي «يوناتيد أرتست» أكتشف الممثلة الجميلة ادنايروفيانس وعشقها كالعادة وظلت بطلة أفلامه ثماني سنوات كاملة «امرأة من باريس» أول فيلم درامي أخرجه.. وفشلت بطلته ادنا في أن تكون نجمة لكن شريكها أودولف مانجو صار نجما ظل شارلي شابلن علي امتداد 6 عاما من حياته الملك علي عرش السينما.. بل وحتي اليوم لم يحمل أحد لقب «المهرج العالمي» سواه. شكله بجسده الدقيق معروف، والفكاهة التي يقدمها مفهومة عند مئات الملايين من البشر من كل جنس ولون، وكبر اسمه وكبرت شهرته وطرق أبواب العالم منذ السنوات التي سبقت الحرب العالمية، ومازال حتي اليوم هو العبقري الأوحد في السينما، عبقري كل الأزمان وكل العصور، كما تعرفه الاحتفالية التي تقام له ولأفلامه الآن في مدينة النور باريس.جزء كبير من سحر شابلن وسره هو أنه نحيل الجسد ضئيل الحجم مما كسب له عطف الناس واشفاقهم عليه عندما يتعرض للظلم دائما وأبدا، وخلق له هذا منذ البداية شعبية ضخمة. لقد ولد شارلي يوم 16 أبريل 1889، كما هو ثابت في سجله في الجزء الشرقي بحي وولورث في لندن، وأحاط بمولده بعض المتاعب غير المؤكدة، فليس له شهادة ميلاد ولا سجل رسمي، إلا ما فتئ يردده بعض مروجي الإعلانات عن الأماكن التي ولد فيها شارلي الذي ردد في أوائل اشتغاله بالسينما أنه مولود في مدية فونتينيلو الفرنسية.علي أية حال من المؤكد أن شارلي قضي طفولته في جنوب لندن في مربع كنتجتون وهو الحي المفضل للمثلين والمهرجين، والمغنين في العصر الفيكتوري ، وحيث كان شارلي شابلن، مغنيا في مسارح «المويوزيك هول» وظهرت صورته علي بعض الأسطوانات الغنائية في تلك الفترة، إلا أن الأب تحول إلي مدمن للخمر، البضاعة الرئيسية لهذه «الميوزيك هول» وتحول إلي فنان فاشل، ومن الطبيعي أن الأسرة كانت تعيش مأساة في الوقت الذي ولد فيه شارلي الصغير، وفي خلال سنة وبعض سنة افترق والداه ومات والده وشارلي الابن في الثانية عشرة من عمره، ولم تكن أمه نفسها مغنية مشهورة ولا ناجحة ، ولم تكن كما اعترف هو فيما بعد واضطر هو وأخوه غير الشقيق سيدني شابلن أن يقضيا فترات كثيرة من طفولتهما ضيفين علي ملاجئ الأيتام.واجه الجمهور وهو في الخامسةكان عمل ومستقبل شارلي شابلن يبدو محددا منذ البداية ومحصورا في نطاق ما تحترفه الأسرة، بل إنه وقف لأول مرة أمام الجمهور وهو في سن الخامسة عندما دخل إلي المسرح مسرح «الدرشوت كانتينه» لكي يحل محل والدته التي ضاع صوتها فجأة، وفي سن الثامنة انضم إلي جماعة جاكسون ؟؟؟؟؟ الثمانية وهي واحدة من المجموعات المسرحية الناجحة في دنيا المنوعات، واستأثر هو كطفل بكثير من تعليقات الصحف وكلمات المديح خاصة عندما قدم شخصية الطفل «بيلي» عن شرلوك هولمز، وفي الوقت نفسه كان أخوه غير الشقيق سيدني شابلن قد أصبح نجما كوميديا في فرقة «كارنو» الكوميدية، التي كونها لاعب الأكروبات السابق فريد كارنو الذي ابتكر ما سماه «مصنع الضحك» في شارع كرمويل بلندن، وفيه تحددت ملامح المسرح الكوميدي الإنجليزي لسنوات عديدة قادمة، ونشأت كل نجاحات الكوميديا وأغني اسكتشاتها واتبع سيدني شابلن أسلوب أستاذه «كارنو» عندما قدم شقيقه الأصغر في اسكتش فكاهي عنوانه «ماتش الكرة» ولم تمض سنوات عدة حتي أصبح شارلي مضحكا معترفا به، بل أصبح نجم فرع فرقة «كارنو» التي أرسلت إلي أمريكا في رحلة فنية في أعوام 1910 حتي 1913 ، وفي الجولة الثانية للفرقة تلقي شارلي عرضا بعقد لمدة عام مع شركة أفلام الممثل الكوميدي الكبير مارك سنيت أفلام كي ستوني مارك سنيت ولم يتردد شارلي في القبول تحت أراء الأجر المعروض عليه وهو 150 دولارا شهريا صعف ما كان يتقاضاه من «كارنو».. وسارع سنضم إلي سنيت في كاليفورنيا، وفي البداية لم يرتح شارلي في العمل السينمائي، وشعر بالقلق والاضراب في العمل باستوديوهات مارك سنيت، خاصة وقد وجد خبراء الاستوديو أن طريقته في التمثل الكوميدي بطيئة أكثر مما يجب، وأن الحب مفقود بينه وبين أول مخرجيه السينمائيين هنري ليهارمان، وأنه مضطر إلي الاعتماد علي توجيهات في الإخراج من زميلته الجميلة الشابة أمام الكاميرا مابل تورماند.كان أول أفلام شارلي شابلن «صنع حياة» 1914 قد فشل رغم ثناء الصحافة المتخصصة عليه، ولكن فيلمه الثاني وكانت مدته خمس دقائق وقعت أحداثها أثناء الوقائع التي حمل الفيلم اسمها «سباق الأطفال في فينسيا» 1914 وكان يرتدي أمام الكاميرا ثياب «ديك صياح» علي أنه في تلك الفترة المبكرة اهتدي إلي ارتداء بدلة أصبحت فيما بعد اشهر زي سينمائي في العالم.. وتبعا لما ترويه اسطورة شارلي شابلن - كان زيه السينمائي الجديد مكونا من عدة استعارات من زملائه العاملين في ستوديوهات مارك سنيت .. سروال فاتي أربو كل الواسع الفضفاض وسترة أفيري العتيقة وقبعة دربي اشتهر بها همي أربوكل وحذاء فورد سترلنج، وكانت كلها واسعة فضفاضة حتي أنها كانت ترهق قدمية ثم في النهاية شارب مارك سنيت نفسه.وقد كتب شارلي شابلن فيما بعد:لم تكن عندي أدني فكرة عن الشخصية.. لكن في اللحظة التي ارتديت فيها الثياب اشعرتني الثياب والماكياچ بالشخص الذي سوف اكونه وبدأت أعرفه، وفي اللحظة التي بدأت اخطو فيها إلي البلاتوه، ولدت هذه الشخصية وعلي امتداد سنة قادمة بدأت شخصية شارلي شابلن تتطور إلي ما هو افضل وتفرض وجودها، وأصبح بطل «اضواء المدينة» 1931 و«الأزمان الحديثة» 1936 أكثر جدية وتعقيدا من المتشدد الذي كان في تلك الاسكتشات التي مثلها في ستوديوهات سنيت، التي كان يقف فيها علي الناصية بساق واحدة وهو يمسك قبعته بيده أمام عساكر بوليس مدينة كيستوف الغلظاء الضخام الجثة الغاضبين، علي أن الملامح العامة لشخصية شارلي شابلن والإطار العاطفي لها، والتعاطف الزائد معها إلي جانب ما ركز فيها من نبل وأبعاد إنسانيته الخلاقة لطبيعته، أفادته وطورت تواجده تماما كفنان.أول مشاركة في الإخراج ؟؟؟؟ شابلن عام 1914 في كيستوف مهتما بتطوير فنه من خلال 35 فيلما قدمها ومن خلال الفيلم الثاني عشر فيها «محبوس في الكباريه» بدأ يساهم في الإخراج، وفي الفيلم العشرين «غاز الضحك» كان قد تمكن تماما من الإخراج لنفسه، وعندما نعاود رؤية هذه الأفلام الآن، تبدو بدائية في الغالب بتلك اللغات الكوميدية المضحكة عن أطباء الأسنان والأزواج الغيورين ورجال الشرطة والعنف وانفجارات الديناميت وتصادم السيارات وضربات الملاكمة والسقوط علي الحلبة .. لكنه في النهاية بدأ ينمي موهبته في سرد القصص وكممثل.. وهذه المواهب بدأت تتبلور وتتأكد بسرعة، عندما انتقل في يناير 1915 للعمل في شركة إيستان لكي يزيد من دخله ويحصل علي قدر أكبر من الدعاية .. لكنه في البداية لم يكن مرتاحا ولا راضيا وهو ينتقل إلي شيكاغو مقر شركة إيستان واستوديوهاتها.. وحفزه ذلك علي أن يقدم فيلما صارما عما يجري في دنيا ستوديوهات السينما عنوانه «وظيفة جديدة» 1915 وعندما انتقل إلي الشاطيء الشرقي أخذ معه المصور السينمائي رولاند توثلروه الذي لبث يعمل معه قرابة ثلاثين عاما، وفي مدينة نيلز في كاليفورنيا بدأ شارلي يبني شركة خاصة حول نفسه وكان من أهم اكتشافاته الممثلة إيرنا بورفيانس، وكانت مجرد سكرتيرة لا تدري شيئا عن فن السينما، وكان مقدرا لهذه الفتاة الجميلة أن تكون بطلة أمامه طيلة ثماني سنوات، وكان الدفء الأنثوي الذي تميزت به إيرنا علي الشاشة، يقف نقيضا حادا للمظهر الفكاهي المضحك للمثلة مابل نورماند، فقد كان شارلي بالطبع بحاجة إلي مظهر رومانسي متزايد في أعماله .. وكانت شواهد هذا الاحتياج بادية في اثنين من افلامه الأولي في شركة إيستان.. «العاهرة» و«البنك» 1915، وفي نفس الوقت كان شارلي يزداد طموحا ويستغرق وقتا أطول في أفلامه وينتقل بين الكثير من مواقع التصوير ولا يبخل بتفجير قنبلة لكي ينهي بافنجارها أحد أفلامه، وفي آخر فيلم له في شركة إيستان «بوليس»1916 بدأ يكشف عن اتجاه للنقد الاجتماعي تبلور أكثر في فيلميه «الفتي» 191 و«الحاج» 193 .أجر عشرة آلاف دولار في الأسبوعوفي زحف شارلي شابلن إلي المستقبل أرتفع أجره إلي عشرة آلاف دولار في الأسبوع بالإضافة إلي العديد من الحوافز المادية، وانفق 16 شهرا لكي يقدم 1 فيلما - كل فيلم بكرتين - في ستوديو «وين ستار» قامت شركة موترال بتوزيعها، وكانت هذه الأفلام عادة مفجرة للضحك، وهي محددة الهوية بموقف أو محصورة في مكان يعينه كما تدل بعض عناوينها «صاح الأرض» و«الصياد» و«عامل المطافي» و«خلف الكاميرا» كلها في 1916 و«الشفاء» و«الواحدة صباحا» وذلك قبل أن يعود شارلي إلي الإطار البيتي لكي يخوض معركة مع ثقب الباب وفراش معلق علي الحائط، أو سجادة من جلد النمر والحيوانات المحنطة الأخري، بينما كشفت أفلام أخري مثل «المتشرد» 1916، «والمهاجر» 1917 ، عن النضج الدرامي الساخر عند شارلي الذي مكنه الانتقال إلي عقد جديد للتوزيع مع شركة «فرست ناشيونال ديسربيوش» من تحقيق طموحه في انشاء ستوديو خاص به حيث استمر يعمل لأربع وعشرين سنة قادمة ، كان عقده يلزمه بأن يقدم 8 أفلام في 18 شهرا ولكنه امضي علي الأقل 5 سنوات لينتهي منها مقدما علي الأقل ثلاثة اعتبرت تحفا سينمائية، الأول «حياة كلب» 1918 الذي يعمق أول اتجاهات النقد للشر الاجتماعي المستطير وهو يرسم العلاقة بين الفاسق وكلبه المتوحش.. وكان شابلن أكثر جرأة وهو يجدد اتهامات الذوق الفاسد ساخرا من الحياة علي الجبهة أثناء الحرب العالمية الأولي، والرجال الذين يعرفون ما تتطلبه هذه الحياة و«أسلحة الكتف» 1918 في قلوبهم.الفتي .. العبقري الصغير جاكيبعد نجاح «أسلحة الكتف» 1918 قدم شارلي «الجانب المشمس» 1919 الذي كان فشله الذريع ضربة قاسمة ، في الوقت الذي كان فيه زواجه من ميلدريد هاريس عبئا ثقيلا عليه جعله يعاني من صراع الشك في قدراته وجعله يعترض بأنه كان يذهب إلي الاستوديو يوما بعد يوم ، محاطا بالمجموعة العاملة معه من الممثلين علي أمل أن يجيء الوحي الذي لا يجيء بفيلم جديد، وعندما استبد به اليأس من العثور علي فكرة جديدة ذهب إلي مسرح «ميوزيك هول الأيتام» حيث كان جاكي كوجان يظهر في بعض فقرات البرنامج يرقص رقصات متميزة .. وكان ابنه الطفل يظهر معه في بعض منها وتأثر شارلي بشخصية الطفل القوية وبدأ للحظة يفكر في فيلم يجمع بين «المتشرد» بطله الدائم والفتي الصغير .. كان جاكي كوجان الأب قد ارتبط بعقد مع فاتي أربوكل، لكن جاكي الطفل كان حرا فسارع شارلي إلي الارتباط به.. وبالفعل مثل جاكي الطفل دور الابن الأصغر لشارلي في فيلم «مسرة يوم» 1919 كبداية لدوره الرئيسي في فيلم «الفتي» إذ وجد شارلي في الطفل موهبة تلقائية للتمثيل إلي جانب أنه يتعلم الكثير بسرعة.كانت هناك عدة مباديء رئيسية للتمثيل الصامت «البانتومايم» واستوعبها الطفل بسرعة وتمكن منها تماما .. كان يخضع عواطفه لحركاته، ويخضع حركاته لعاطفته، ويكرر هذه المرة بعد الأخري دون أن يفقد درجة التحكم والإجادة، وكان الإعجاب المتبادل بين شارلي والطفل جاكي واضحا كل الوضوح في فيلم «الفتي» وكانت قناعة شارلي بذلك قد زادت في مشهد مؤثر من الفيلم يبكي فيه جاكي بدموع حقيقية عندما جاء رجال ملجأ الأيتام لاقتياده إلي الملجأ . وكانت الدموع التي تفجرت من عينيه نتيجة لتهديد من أبيه بأنه إذا لم يفعل فسوف يأخذه من الاستوديو إلي أحد المصانع.كان الفيلم يبدأ بلوحة مكتوبة «فيلم يبدأ بابتسامة وربما بدمعة» وعلي الرغم من أن أكثر أفلام شابلن السابقة كانت تبدأ بمقدمة عاطفية، فقد كانت تلك هي المرة الأولي في تاريخ السينما الفكاهية أن يغامر أي مخرج بمزج الدراما التي تقترب من حد التراجيديا بالمشاهد الضاحكة التي تعتمد علي الفارس الصريح، وفي نفس الوقت وصل طول الفيلم إلي «6علب» يصل زمنها إلي 58 دقيقة بسرعة السينما الصامتة، وهو أطول زمن لفيلم قدمه شارلي حتي الآن.. وقد روي فيما بعد أن مشهد افطار الكعكة بين شارلي وچاكي الطفل قد استغرق تصويره أسبوعين واستنفد 50 ألف قدم من الفيلم النيجاتيف لتحقيقه.. كانت خطة تنفيذ الفيلم طويلة ومكلفة.. وبلغت الميزانية التي استثمرها شارلي في إنتاجه نصف مليون دولار وهي أكبر ميزانية استثمرت في فيلم كوميدي حتي هذا التاريخ، وقد أكمل الفيلم في ظل ظروف صعبة إذ تقدمت زوجته ميلدريد هاريس بطلب الطلاق بينما هو مستغرق في عمل المونتاچ للفيلم، وفي ظل الخوف من أن يطلب محامي ميلدريد الحجز علي الفيلم، قام شابلن بتهريب 500 علبة من الفيلم إلي سولت ليك سيتي خزنت في غرفة بأحد الفنادق مع آلة مونتاج صغيرة ليتمكن من مشاهدة مشاهده.وحتي عندما نظم عرض للفيلم بإحدي دور العرض العامة لم يكن شارلي قد شاهده كاملا علي الشاشة ومن العرض الأول اثبت الفيلم جدارته بإقبال الجماهير وتفاعلها معه وتقبل المزج لأول مرة بين الدراما العاطفية العالية ومشاهد الكوميدي المباشر .. في الوقت الذي لم يقتنع فيه النقاد بهذا المزج إذ وجد الكاتب المسرحي ج.م. باري ومعه آخرون أن منظر الحلم لا مكان له في سياق الفيلم، مع أن المنظر كان مبهجا خاصة بظهور الملائكة - وقد كانت واحدة منهن هي الزوجة القادمة لشابلن وهي ليتا جراي - والبعض استهجن مناظر تقسيم دورة المياه وتفقد احساس الطفل بالجنس، وقد لا يجد جمهور اليوم في ذلك ما يثير إذ تتحكم فيه المشاهد والنزعة الرومانسية أكثر، وعندما عاد شابلن بعد نصف قرن تقريبا بتأليف موسيقي أخري تصاحب الفيلم حذف بعض المشاهد التي لم تعد تتلائم مع ذوق الجماهير وظل الفيلم بكل توجهاته الفكاهية والأداء الرائع للصغير جاكي كوجان محتفظا بتميزه وقوته كأحسن الأفلام في زمن السينما الصامتة، لقد جعل الفيلم جاكي كوجان نجما علي اتساع الساحة العالمية، وعندما سافر إلي أوروبا، استقبله البابا ورجال الفاتيكان وملوك ورؤساء الدول، بل صعد إلي نجومية عالمية عندما قام ببطولة «الولد الشرير» 191 وأوليفر تويست 19 لكنه لاقي مصيرا مؤلما عندما مات والده جاكي كوجان الأب في حادث وتصرف زوج والدته ووالدته بجشع في مدخراته وكبر في ظل ظروف مأساوية، وتحول إلي ممثل ثانوي وكان آخر ظهور له في المسلسل التليفزيون «عائلة آدم».موهبة الإخراج أقل من التمثيلفي صيف 1916 وقع شارلي شابلن عقدا اعتبر أميز وأكبر العقود السينمائية حتي هذا الوقت، وكما أشرت من قبل كان العقد مع شركة «موترال» بأجر أسبوعي قدره عشرة آلاف دولار بمنحة وصلت إلي 150 ألف دولار وبحرية مطلقة في الإبداع والابتكار علي أن يقدم 1 فيلما «طول كل منها علبتان» واعتبرت هذه الأفلام أفضل ما قدم شارلي للسينما في رأي الكثيرين وضمت ثلاثة من أنجح الأفلام هي «لكان المفاجأت»1916 و«شارع ايساي» و«المهاجر» 1917 والأخير كان اقواها وأكثرها إبداعا وإن كان يكذب المبدأ الذي ردده البعض بأن عبقرية شارلي كمخرج أقل من تفوقه كممثل.ومنذ المشهد الافتتاحي لفيلم «المهاجر» الذي يظهر فيه «المتشرد» - شارلي - متعلقا بسور السفينة متأرجحا مصابا بدوار البحر إلي النهاية السعيدة في مكتب الحصول علي أذن الزواج قدم شارلي عملا مميزا متكاملا وهو يتنقل من مشهد إلي آخر بسهولة واضحة في المونتاج ومريحة في الربط بين المشاهد معتمدا علي اللقطات المكبرة كعامل مؤثر دائما والفجوات دائما تكمل الخط المتصاعد للفيلم ومعبرا إلي معني آخر ونقلة جديدة موضوعية مثل اعتماد المتشرد علي البقشيش من نمرته كفنان لكي يدفع أجر الرحلة علي السفينة.. ويقود هذا إلي النظرة القاسية بالاحتقار علي وجه الساقي «أريك كامبل» في مشهد المطعم .. مما يوحي بسهولة إلي التعاطف مع المتشرد.و«المهاجر» فيلم اقتصادي قليل التكلفة بمشاهده الأربعة علي سطح السفينة وفي قاعة الطعام وقليل من الممثلين .. شارلي أعطي احساسا بجمهور كبير من المهاجرين علي السفينة، وأعطي الاحساس بمئات منهم رغم أن عدد ممثلين لم يزد علي 16 ممثلا وظفهم جيدا وكان بينهم هنري بيرجمان الذي يتقمص دور الفنان في النهاية، ومشاهد«البانتومايم» التي قدمها شارلي استولت علي قلوب المشاهدين والسفينة المتآرجحة جعلت خطواته الهزلية شيئا عاديا ومقبولا ولعبة الأمساك بالحواجز جعلته أشبه بلاعب باسبول بارع، بينما الخداع في لعبة البوكر والغش بالأوراق تطلبا رقابة لما يجري. اللعبة تقود إلي امتاع حقيقي عندما يخطف المتشرد مسدس المقامر ويستدير ليضع قبعته ويصوب المسدس من بين ساقيه .. وكمثال أخير.. ظلال الملاكمة في المطعم عندما يخاف من أنه سيلاكم وحشا هو كبير السقاة في حركة شجاعة يائسة، إن اللحظات الصعبة في «المهاجر» لا يمكن أن تنسي لوقت طويل إنها تبدو في منظر المهاجرين وهم يستلقون في ضعف علي سطح السفينة، والمتشرد في حركاته أشبه بلاعب أكروبات احتجز المهاجرين بخشونة خلف حبال ممدودة، بينما تمثال الحرية يطل عليهم أكثر من مرة في المشهد . ويساق المهاجرون من السفينة كقطيع من الأغنام إلي المدينة الكبيرة، أمر جميل أقدم عليه المتشرد غير عابيء بأن يخلع قبعته في المطعم وبعدم قدرته علي أن يقرأ لائحة الطعام «الميني».ودائما وابدا كانت «النقود» تلعب دورها، كانوا في حاجة إلي المال .. المال الذي أعطاه المتشرد للفتاة كان في الحقيقة مال أمها الذي سرقه المقامر ثم خسره في لعبة البوكر واستخدم المتشرد عملة سقطت من كبير السقاة وجدها ثم فقدها عندما يسدد ثمن طعامه واكتشف كبير السقاة أنها مزيفة والدولاران اللذان استعارهما المتشرد مما جمعه الفنان انفقا في الحصول علي رخصة الزواج ولا يدري أحد أين ذهبت أرباح القمار التي ظهرت ثم اختفت .. المعني هو أن المال لا يدوم .رحلة العودة إلي الوطنبعد هذين الفيلمين «المهاجر» و«الفتي» قرر شارلي شابلن أن يقوم برحلة عودة إلي وطنه انجلترا وأن يطوف بعدها بأوروبا وبالطبع تلك أجازة من عمله قضاها في الاستمتاع باحتفاليات أقيمت علي شرفه ووجد أنه يثير زوابع عدة في ظهوره الجماهيري ويحظ بتقدير منقطع النظير من عظماء الرجال في كل المحافل الدولية.علي أن الفيلمين اللذين أخرجها بعد عودته كانا متوسطي النجاح «الطبقة الراقية» 191 يعتمد علي موقف كوميدي يلعب فيه شارلي شخصيتين متناقضتين في دورين مختلفين و«يوم القبض» 19 موضوعه شريحة فكاهية من الحياة فيها يحصل شارلي علي وظيفة ويقطن مسكنا ويعيش في أحضان زوجة محبة .. وكما اسلفت لم يصادف الفيلمان نجاحا ملحوظا وتقبلهما الجمهور بقليل من المبالاة.إلا أنه لا يلبث أن يسترد روحه المنتقدة المتمردة في فيلمه «الحاج» الذي يروي حكاية هرب سجين محكوم عليه بالإعدام يسرق ثياب أحد القساوسة الذي كان يستحم ويصبح بطريق الخطأ قسا لكنيسة قرية صغيرة مما يعطي جوا واقعيا للفكاهة والكوميديا والسخرية من البرجوازية والبيروقراطية في أخلاق وسلوكيات مدينة صغيرة، وكان فيلم «الحاج» هو آخر فيلم في عقد شارلي مع «فرست ناشيونال» للتوزيع وأصبح بعده حرا في أن ينتج أول أفلامه لتوزعه شركة يونايتد أرتست التي شارك في تأسيسها منذ أربع سنوات سابقة مع ماري بيلفورد «حبيبة قلب أمريكا» كما كان يطلق عليها، ودوجلاس فيربانكس الأب والمخرج د.و. جريفيث.امرأة من باريس أول دراما سينمائيةكان الفيلم الروائي الدرامي الطويل الأول من إخراج شارلي شابلن هو امرأة من باريس وكان بكل معني دراما جادة وكان هدفه أن يضع بطلته المخلصة الممثلة أدنا بروفنس علي طريق البطولة كممثلة درامية وكان أداؤها الذكي اللامحدود جدير بهذه الفرصة، وعلي الرغم من أن عملها كممثلة لم يلبث أن توقف إلا أن البطل أمامها في الفيلم وهو أدولف مانجو صار نجما .. بينما اكتفي شارلي شابلن بالظهور في لقطات عابرة كان. «امرأة من باريس» يضم كل عناصر الدراما الفيكتورية .. حكاية فتاة قروية تتحول إلي غانية تتقاسم قلبها عاطفتان حبها لفنان وعشقها لشاب لا، إلا أن شارلي وظف كل أسلوبه الفني الذي امتدت آثاره إلي الأفلام الكوميدية فيما بعد ليس في عمل شابلن نفسه، علي آية حال ورغم ترحيب الصحافة المتخصصة كان فيلم «امرأة من باريس» فشلا ذريعا بكل المقاييس وكان علي شارلي شابلن أن يستعيد خسارته المادية وفشله فنيا في فيلميه القادمين «البحث عن الذهب» 195 و«السيرك» 198
عن جريدة القاهرة عدد20-11-2007
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
مطر قادم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست