* الإلحاد والتعصب الديني وجهان لعملة واحدة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 02:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-24-2007, 03:08 AM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
* الإلحاد والتعصب الديني وجهان لعملة واحدة

    * الإلحاد والتعصب الديني وجهان لعملة واحدة ينطلقان من سيكلوجية الأزمة الشاملة * عهد الخليفة عمر بن الخطاب يقدم أهم النماذج المضيئة في تنزيل الدين لأرض الواقع.. والفقه الإسلامي منذ وقت بعيد أوقف أحد مصارف الزكاة.. وحرّم الرق.. ووضع شروطًا للجهاد * تجاوز السلبيات يتطلب تطوير علم أصول الفقه عدا القرآن والسنّة كنصوص حسب معطيات العلم في عصرنا الراهن * شرط تواصل التحديث والتنمية يتطلب حشد الجهود لصياغة فقه عملي يفصل بين الدين والدولة.. ويحافظ ـ في الوقت نفسه ـ علي ما يشبعه كل منهما من احتياجات الناس * اهتمام الطبقات الحاكمة وحلفائها بالدين ظل قائمًا علي مدي التاريخ بسبب تأثيره البالغ في حركة المجتمع.. لكنها لم تهتم أبدًا بجوهره الإيجابي.. وحرصت فقط علي استغلاله سياسيا * العلمانية وحدها لا تبني دولة الحقوق والحريات.. والدولة الدينية وحدها لا تكفكف الشرور والهموم * حلقات الذكر والطبول الصوفية تنتشر بين أوساط الطلبة والطالبات داخل حرم الجامعات السودانية * في ردّ فعل علي تسييس الدين وإضفاء القداسة علي قمع وفساد الإسلامويين بدأت مظاهر الإلحاد في بعض الصحف الحائطية بالجامعات * هجمة الإسلامويين علي حياة الناس العامة والخاصة ولّدت ردّ فعل مضادا من جنسها هو موجة إلحاد خام.. مشابهة لموجة التدين الخام غير المصقول * الإسلامويون كانوا يرفعون شعارات الاشتراكية الإسلامية في سنوات فقرهم.. ولما اغتنوا وتمتعوا بالبترودولار تحولوا للقول إن الأصل في الإسلام هو حرية الاقتصاد
    في التاريخ الإسلامي يمكن القول إن مرحلة الخليفة عمر بن الخطاب في إطارها العام، تشكل أهم النماذج المضيئة قياساً علي منهجه في تنزيل الدين لأرض الواقع، علي الرغم من شدته ودرّته الشهيرة. والتقييم هنا ينطلق من عموم منهجه في النظر للنصوص واستخلاص الأحكام منها قياساً علي ظروفها الزمانية والمكانية. وفي هذا السياق فإن موقف الخليفة الأول أبي بكر الصديق فيما يتعلق بتوريث العبيد، كان أقرب لهذا المنهج في هذه المسألة بالذات، عند المقارنة بموقف الخليفة الثاني «عمر بن الخطاب» الذي خالفه الرأي. ولأن الدين يحسب ضمن البنية الفوقية للمجتمع مع الثقافة والقيم والتقاليد..إلخ، فإن اهتمام السلطة ـ الطبقة الحاكمة وحلفائها ـ بالدين ظل قائماً علي مدي التاريخ الإنساني. لا شك أن ادراكها لمدي قدرته علي التأثير في حركة المجتمع كان دافعها لاستخدامه سياسياً. ولم يكن الدين بجوهره الإيجابي مطلوبها. أكبر دليل علي ذلك أن معظم مراحل التاريخ الإسلامي اكتنفتها ظواهر القمع والظلم والاضطرابات الاجتماعية والثورات. تجاوز السلبيات والوصول لبر الأمان يتطلب ضمن إجراءات أخري، عمل تطويرات علي علم أصول الفقه: يبني علي إيجابياته ويتجاوز سلبياته كعلم إنساني اخترعه الفقهاء قبل أكثر من ألف سنة، حسب معطيات العلم في عصرهم وما بذلوه من جهد. فهو محض إاجتهاد فقهاء لهم أجر أو لهم أجران.
    وأصول الفقه عدا ـ القرآن والسنة كنصوص ـ بما في ذلك المعالجات الفقهية في التفسير واستنباط الأحكام من القرآن والسنة، إنما هي اختراع الفقهاء. وسنة التطور تقضي بتطوير أصول الفقه ـ باستثناء القرآن والسنة كنصوص ـ حسب معطيات العلم في عصرنا الراهن؛ وبالتالي تطوير كافة المعالجات الفقهية. فالفقه منذ وقت بعيد أوقف أحد مصارف الزكاة الذي يقول بإعطاء المؤلفة قلوبهم حقهم من الزكاة، ليطل من جديد بتحريم الرق وتشريط الجهاد. يفصح ذلك عن إمكانية ولادة علم أصول فقه متطور ضمن بنيةٍ فوقيةٍ جديدة تشكل حوافز حقيقية لعمليات التنوير والتحديث والتنمية؛ بدون أدني تعارض مع مفاهيم وتطبيقات حقوق الإنسان والحريات العامة وحقوق النساء. وهذا حراك وتطوير لا يمكن تفسيره إلا في إطار مفاهيم العلمية ـ أي الموقف العقلي والمبادئ والأساليب التي يتبعها العلماء ـ ومصالح الناس ـ كما تنص عليها كتب «أصول الفقه» ـ الحاكمة.
    كما أن ما تثيره مسائل تحريم الرق وتشريط الجهاد من جدل حتي الآن، تقدم من جانبٍ آخر إشارة بليغة علي صعوبة البناء الفوقي بما لا يقارن مع البناء المادي برغم ما بلغته تلك المسائل من تطوير حتي الآن. بلا شك فإن البنية الفوقية الراقية تجعل المعالجة للجوانب المادية سلسة وتلقائية، دون أن يعني ذلك بأي حالٍ من الأحوال عدم التكامل بين البنيتين المعنوية والمادية؛ رغم احتياجاتهم وإشباعاتهم المتمايزة. تتعزز هذه الأفكار ـ حسب معطيات الواقع ـ من جهة أن التوسل بأصول فقه متطورة وبالتالي فقه مستنير يعني الفهم العلمي والعملي لأهمية الدين وضرورات تطويره حتي لا يتناقض مع مفاهيم التنوير والتحديث والتنمية؛ من جهةٍ أخري فإن عدم المساهمة في هذا التطوير من قبل أنصار مشروع الاستنارة والتنمية «القادرين»، لا يعني فقط انعدام الجرأة الفكرية، بل قد يعني أيضاً في المقام الأول، نوعاً من الانتهازية التي تستنكر هذا النوع من العمل، وتركد انتظاراً لوصول المجتمع لفهم ديني مستنير عبر جهد ونحت الآخرين.
    طريق التنوير
    يبدو المشهد السياسي/ الفكري عند النظر إلي قضية علاقة الدين بالدولة منقسماً بين علمانيين ينادون بدولة مدنية، ودينيين كل همهم الدولة الدينية. والوقوف عند حدود هذا التعريف فقط بممكناته المفتوح عليها، يصبح من قبيل ما يمكن أن يوصف بالتبسيط الضار الذي يصادر أمل الديمقراطية والتنمية المنشودتين. فليس الاصطفاف مع العلمانيين ـ في حد ذاته ـ بجالب لدولة الحقوق والواجبات السليمة في الدولة المدنية، كما أن الوقوف علي أبواب الدولة الدينية لا يعني كفكفة شرور الهم والتحزين. الشاهد ليس فشل الدولة الدينية الذي يفقأ الأعين، أو المتخلق في أرحام المتربصين بالديمقراطية والتنمية معاً، ممن يظنون أنهم يمثلون صحيح الدين والقادرين علي تطبيقه بما يصلح الدين والدنيا حينما يعيدون من جديد سيرة السلف الصالح. سواء علي طريقة حذو النعل للنعل، أو بنعلٍ وحذوٍ مختلفين.
    الشاهد الحقيقي جذوره أعمق مما نتصور.
    ففي الواقع أن جذور فكرة الدولة الدينية هي في شكل الإسلام الخام من جهة، وقابلية المجتمع السوداني للتجاوب مع الشعارات والصياغات الدينية من جهةٍ أخري، كما يقول المفكر «عبد العزيز حسين الصاوي» في كتاب «الهوية والديمقراطية». وهذا يعني بعبارة أخري الإسلام التقليدي ـ الصوفي ـ وقدرته الفائقة بصياغات سياسية علي تحريك الجماهير السودانية، سلباً أم ايجاباً.
    وإذا كان الأمر كذلك، وهو ما عليه الحال؛ فإن الجاهزية والاستعداد المسبق هما حتي الآن حليف نسخة البديل الديني السلفي من الإسلامويين ـ الذين يدعون أنهم يمثلون صحيح الدين ويكفرون الآخرين ـ متمثلاً في أنصار السنة والسلفيين والإخوان المسلمين والقرآنيين.. إلخ. فبالإضافة إلي المنافسة القوية من قائمة البديل الديني السلفي لقائمة المعارضة المكونة من التجمع الوطني الديمقراطي والمتحالفين معه، بما فيهم حزب الأمة في انتخابات اتحادات الطلاب، فإن كون الإسلامويين ـ رغم انقسامهم علي قائمتين ـ منافسا أساسيا لتحالف المعارضة بجامعة الخرطوم رغم ذاكرة الجامعة ومساهمتها الفاعلة في ثورة اكتوبر 1964، وتبادل النصر والهزيمة مع الإسلامويين في جامعات أخري، والمظاهر غير المعهودة من حلقات الذكر والطبل الصوفي بين أوساط الطلبة والطالبات داخل حرم الجامعات، التي لا تترافق معها رؤية كاملة بديلة للحالة القائمة، والتمدد غير المنظور للبديل السلفي علي أرضية الإسلام التقليدي في مناطق السودان المختلفة وما ظهر عليه حتي الآن من حوادث عنف غير مسبوق وتكفير للآخرين، بالإضافة لبعض مظاهر الإلحاد في بعض الصحف الحائطية بالجامعات التي لا يمكن النظر لها إلا في إطار ردة الفعل علي تسييس الدين وإضفاء القداسة علي ممارسات الإسلامويين في القمع والفساد السياسي والاقتصادي.
    ما حدث ويحدث حتي الآن يدل علي أن الأمر لا يقتصر علي مجرد انفلات عناصر ماركسية ووصول ذلك إلي مرحلة تغيير الديانة في أوساط عناصر شمالية مسلمة يوضح مدي الأزمة والتأثير غير المنظور لشعار الإسلام دين ودولة. المؤكد أن هذا لا ينفي وجود جذور أعمق للإلحاد في الثقافة العربية الإسلامية كما يقول «حسين مروة» في كتابه حول النزعات المادية . سوي أن ترسيخ الديمقراطية في التربة والمجتمع السودانيين مع الثقة بأن الدين ـ أي دين ـ قادر علي مقارعة الحجة بالحجة لدي خصومه؛ وإلا فما فائدته؟ إنما ينطلق في تصوره من رؤية دينية مستنيرة ضمن إيجابيات بضخامة إلحاح عملية التجديد الديني المطلوب بشدة. كل ذلك وغيره يؤكد علي فشل سياسة الهروب إلي الأمام القائمة حتي الآن.
    وإذا كانت عمليات التنوير والتحديث والتنمية في السودان ترتكز اليوم بشكل كبير علي خلق الأرضية الملائمة لانطلاقة مستدامة بإنجاز عملية التجديد الديني، فإن المدخل السليم لذلك وهو الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي تبدو بلا اختلافٍ كبيرٍ علي أهميتها الراجحة. إذ لم يدخر عدم إنجاز تنمية حقيقية بسبب الصراع علي السلطة والثروة شيئاً كبيراً يحسب لمن كانت بيدهم السلطة في الديمقراطيات السابقة، فلا دامت لهم السلطة كما أرادوا، ولا بقي الصراع علي السلطة والثروة كما كان. وظلت مشكلة التنمية شاخصة كما انفضحت البنية الفوقية للمجتمع السوداني (التدين التقليدي، التعصب القبلي، ضعف رسوخ الديمقراطية داخل منظومة القيم.. إلخ) بشكل لم يسبق له مثيل، لعل أبرز ما فيه تحول مصطلح الجنجويد لمصطلح عالمي في مظاهرة للشهرة السلبية ـ المنكورة ـ التي لا يتشرف بها أحد تحت ظل أو/ لهيب حكم الإنقاذ. تأسيساً علي مجرد مراجعة سريعة لخطاب الرئيس البشير في تبرير إانقلابه العسكري يقول فيها إنه لولا الإنقاذ ـ الانقلاب ـ لتم إلغاء الشريعة ولبلغ سعر الدولار عشرين جنيهاً سودانياً ولوصل جون قرنق إلي كوستي، ومعالجات الإسلامويين لتلك المشاكل عبر تطبيق الشريعة وأسلمة الاقتصاد والدعوة للجهاد (حسب فهمهم). تلك السياسات الإسلاموية التي أنتجت دماراً مهولاً. والتي تؤكد علي طريقة زرقاء اليمامة أن الأمر يحتاج لوقفةٍ ومراجعةٍ لشكل التدين التقليدي سيرةً ومسيرةً؛ لكي لا يكون بديل الإسلامويين بديلاً إسلاموياً أكثر تعصباً.
    العقدة علي ضوء الخبرة السودانية والخبرة الإنسانية بشكل عام وأشواقها لإله ودين (مثال وقدوة) وملاذ (آخرة/ أخير) تلجأ وتفزع إليه حين تغلق بوجهها الأبواب، ليست في الدين في حد ذاته بكل تأكيد. فما يحققه الدين من طمأنينة وتوازن نفسي ليس بالأمر الهين حتي يهدر بلا بدائل مقنعة علي المستوي الفردي والمجتمعي. ومن أهم ما ينبغي تقديم معالجات ديمقراطية/ دينية فيه كمدخل لعملية التجديد الديني: أمر النظر لأي مسألة مطروحة، سواء أكان النظر لها من داخل إطار الدين أم من خارجه. المصطلح السائد إسلاموياً يسمي الإيمان في مقابل الكفر أو الإلحاد. وبالطبع هو مصطلح له أبعاده ومحمولاته الثقافية، كما له معانيه ودلالاته. وفي هذا الصدد يلاحظ أن المتعصبين دينياً ينظرون إلي أندادهم ـ الكفار والملحدين ـ علي أساس أنهم يمثلون الإباحية وكافة الموبقات، وقد يردفون أن أولئك النفر ـ الكفار ـ من البشر ولكنهم أقرب للحيوانات. ولا تقل نظرة أولئك النفر للمتعصبين دينياً سوءاً، ففي نظرهم أن المتعصبين ليسوا سوي متخلفين وعنيفين في غير مبرر. وهكذا فإن كل طرف ينظر للآخر من آخر تمثلات النتائج (التعميمات) السلبية للنظرية، دون مرور أصلاً بالفرضية وأسبابها، مع مرور عابر علي تحليلاتها (أي محاولات الفرضية للوصول إلي نظرية).
    التعصب والإلحاد
    الخلاصة هي أن الإلحاد والتعصب الديني في أغلب حالاته ينطلق من ذهنية ونفسية واحدة، هي ذهنية ونفسية الأزمة الداهمة عندما تقترن بالضعف الإنساني في تمظهراته السلبية المتفاجئة وغير المتوازنة التي تبحث عن مخرج. إذ إن الإلحاد أو التعصب الديني الذي ينطلق من موقف فلسفي ونظري متكامل ضئيل للغاية في الواقع. وفي يقيني أن هذا صائب تماماً للدرجة التي يمكن أن أُقرر فيها أن الاثنين معاً (الإلحاد والتعصب الديني) هما أحد تعبيرات الأزمة الشاملة.
    الأمر الذي يؤكد طوباوية وعدم علمية الدعوة لفصل الدين عن الدولة دون منهج يؤسس لذلك، ودون فقه مستنير بديل، ودون تحقق قدر من الديمقراطية السياسية والاجتماعية ـ الاقتصادية ـ يكبح ويعقلن جماح اللجوء إلي الغيب في شأن دنيوي بسبب ظروف الواقع وضغوطه المادية والمعيشية الباهظة وما يخلقه ذلك من إحساس بانغلاق أبواب الدنيا بحيث تبدو الهيستريا الإسلاموية في نشدان الاستشهاد الإسلاموي بين غالبية فئات الفقراء المضللين، محض إسقاط وتعويض وتشوق نفسي لضروريات وحاجيات وتحسينيات عجز النظام عن توفيرها لهم في الدنيا.
    يتأكد ذلك من ملاحظات مباشرة لي أثناء دراستي بكلية الدراسات العليا بجامعة الخرطوم وأثناء زيارات متعددة لعدد من الجامعات بولاية الخرطوم (من 1997 وحتي 2001 م) حيث برزت مظاهر حادة للتعصب الديني والإلحاد؛ تجاوزت مهاترات أركان النقاش السياسي والعنف البدني المحدود إلي البيانات السياسية والمقالات بالصحف الجدارية، كما وصلت مداها بإعلانات اهدار الدم ومحاولات الاغتيال السياسي وإزهاق الأرواح. وقد كانت تلك الأحداث ضمن واقع سيادة الإسلام الخام وشكل التدين التقليدي في المجتمع السوداني تفرز ما يمكن تسميته بالموقف السياسي السلبي في أوساط غالبية شريحة الطلاب، علي العكس من طبيعتها الحراكية الناشطة والمفهومة؛ وذلك بما تخلقه من ضبابية في الرؤية السياسية وتثيره من غبار علي طبيعة الصراع السياسي خاصةً عندما تكون الهجمة الدينية موجهةً ضد تيارٍ سياسي معارض بسبب انفلات أحد عناصره، إذ يلتقط حينها الإسلاميون القفاز ليكيلوا الاتهامات بالجملة لكافة قوي المعارضة.
    وبالرغم من التكتيكات الممتازة لقوي المعارضة الطلابية التجمعية حينها في أحداث من هذا النوع بجامعة الخرطوم (1999)، تمثلت في ثلاثة محاور هي:
    * اعتذار تنظيم الجبهة الديمقراطية ـ الشيوعي ـ ببيان عما ورد بصحيفته في جامعة الخرطوم.
    * التأكيد علي حق أي إنسان أو أي تنظيم في قول ما يراه بشأن الدين بأي وسيلة من وسائل التعبير وحق الآخرين في الرد عليه بشرط عدم التجاوز علي أدب الخطاب والا ختلاف السياسي وبدون تجريح أو إساءة شخصية.
    * اعتبار أي اعتداء علي أي عضو من أعضاء التجمع اعتداء علي التجمع ومن حقه اتخاذ أي اجراء لحماية عضويته. وهو الأمر الذي سعت له ونسقت لأجله قيادات من جبهة كفاح الطلبة ـ البعثية ـ بطلب من الجبهة الديمقراطية ومركزية التجمع الطلابي، ليعبر عنه «فتحي مادبو» من قيادات طلاب حزب الأمة معلناً تضامنهم مع التجمع في مخاطبة سياسية بجامعة الخرطوم. برغم أن حزب الأمة كان قد خرج حينها من التجمع. مما أنقذ الشيوعيين والبلاد من تداعيات كانت ستكون أسوأ من تداعيات حادثة معهد المعلمين في ظل انفراد الإسلامويين بالسلطة.
    لكن التأثيرات السلبية لهذه الأحداث والمتمثلة في تجميد الصراع السياسي وزيادة سلبية الطلاب (لحين) لم يكن ممكناً تلافيها. يلتقي ذلك مع ما ذكره «عبد العزيز الصاوي» في كتاب الهوية والديمقراطية من " أن قوة هجمة الإسلاميين علي حياة الناس العامة والخاصة ولدت رد فعل مضادا من جنسها هو عبارة عن بداية موجة إلحاد خام، مشابهة لموجة التدين الخام غير المصقول بالمعاناة الفكرية والتي تتغذي منها الهجمة، وإن كنا لأسباب مفهومة لا نلمس من الموجة الإلحادية علي السطح حتي الآن إلا وجهها المخفف بالنكتة والتشنيعة علي هامش الموضوع الديني، بينما يقتصر ظهور أشكالها الواضحة والصريحة علي الدوائر الحميمة ". كما يحدث تراجع عن الإلتزام الديني بنسبة عالية في إيران بعد عقدين من تجربة إيران الإسلامية بحسب رئيس الشئون الثقافية في بلدية طهران كما ورد في الكتاب السابق. المطلوب ـ لا مناص ـ فقه مستنير يخدم قضايا التنوير والتحديث والتنمية، ومادام الدفع بأن الإسلام أو أي دين آخر ضد العلم أو ضد مصلحة الناس بالضرورة أمر قابل للدحض ببراهين متنوعة، فإن إمكانية الاتفاق حول تفاصيل الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي (آلة اشتغال التنوير والتحديث والتنمية) متوفرة في حدها الأدني علي أقل تقدير. بذلك فإن شرط استدامة التحديث والتنمية والتطوير في الفقه والتطبيق السياسي والاقتصادي.. إلخ، يرتكز بشكل كامل علي حشد الجهود لفقه عملي يفصل بين الدين والدولة، مبيناً طبيعة الاحتياجات والإشباعات المتمايزة والمتكاملة لكل من الدين والدولة بالنسبة للفرد والمجتمع. ويستند أيضاً إلي تتبع فلسفة وشكل العلاقة بين الدين والدولة في المسيحية والإسلام والتجربة السودانية، بما في ذلك العلاقة بين القضاء الشرعي والقضاء المدني في الدولة السودانية في العهدين الوطني والاستعماري الذي يعكس بالإضافة لتمظهراته الأخري نوعاً من الصراع علي المصالح والامتيازات كما يحكي عنها «د. عبد الله علي إبراهيم» في كتابه «الشريعة والحداثة». يظهر ذلك مثلاً في تحول الإسلامويين من القول بالاشتراكية الإسلامية في عقود فقرهم، إلي القول باقتصاد السوق الحر والأصل في الإسلام الحرية في الاقتصاد، عند عهود غناهم وتمتعهم بالبترودولار الخليجي والدولة/ القاعدة في السودان. وهم بذلك إنما استخدموه (الإسلام/ القرآن) حمال أوجه من العيار الثقيل. بينما ما يمثل العلمية ومصالح الناس (أي التحديث والتنمية بعبارة أخري) ما زال كامناً في منهج الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عندما غلَّب العلمية ومصلحة المسلمين علي النصوص. مبتدعاً منهجاً ينظر للنصوص من داخل ظروفها وملابساتها وسياقها التاريخي (الزماني والمكاني).
    لي الصعيد السوداني فيما يتعلق بالكتابات السياسية السودانية المقاربة، تبدو كتابات الجمهوريين، وكتابات حزب الأمة والأنصار (الجديدة)، بالإضافة إلي البعثيين، كتابات داعمة ومفيدة في هذا الاتجاه بسبب طبيعة منطلقاتهم واهتماماتهم. وذلك علي الرغم من عناية البعثيين بالعموميات وجحد التفاصيل فيما يتعلق برؤيتهم الدينية. وفي هذا السياق فمن المؤكد أن الفقيه العصري الذي يلم بعلوم الأولين في اللغة العربية والقرآن والسنة والقياس.. وعلوم المحدثين مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم اللغويات وتحليل الخطاب ومبادئ العلوم الطبيعية واستخدامات الكومبيوتر.. إلخ هو أكثر علماً وفقهاً بمراحل من الأصولي أو الفقيه القديم.
    العلمانيون مذاهب شتي
    العلمانيون السودانيون يختلفون علي مدي الفصل بين الدين والدولة. وهم بذلك إنما يختلفون علي مدي علمانية الدولة، سواء أكانت العلمانية نسبةً إلي العلم كما يقول البعثيون السودانيون أو إلي العالم (الدنيا) كما يقول الشيوعيون السودانيون. وللخروج من هذا المأزق تم الاتفاق علي ما اصطلح بتسميته بالدولة المدنية الديمقراطية في أوساط التجمع الوطني الديمقراطي. وهو توافق كان يمكن تحقيق اختراق أكثر تقدماً فيه بالقول بعلمانية الدولة نسبةً إلي العلم لولا عدم حضور البعثيين السودانيين لاجتماع أسمرا للقضايا المصيرية؛ فقد جمدوا عضويتهم في التجمع الوطني الديمقراطي قبل مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية بسبب اختلافات داخلية في الخط السياسي والفكري تفجرت لاحقاً وأسفرت عن معاودة فصيل منهم لنشاطه بالتجمع الوطني الديمقراطي مجدداً منذ أواخر 1997م.
    وهكذا فالديمقراطية (غير العلمانية) في معاني الفصل بين السلطات والحريات العامة وحقوق الإنسان والدولة المدنية الديمقراطية، تصبح بلا أفق أو رؤية حاكمة، كما تخلق مصاعب كثيرة، خاصةً عندما يتم التقييد علي الحريات والحقوق المعطاة بالدين. بينما مفهوم الدين يبدو بلا معالم محددة له ولمدياته، كما أن الكثير من الفقه الديني ـ خاصةً عند الإسلامويين ـ يقدم مفاهيم متخلفة لمسائل الدين بما يشكل عوائق حقيقية أمام ضروريات عمليات التنوير والتحديث والتنمية. ونظرة مؤتمر التجمع الوطني للقضايا المصيرية المعروفة بالتقييد الديني للشأن النسوي لا تكفل مشاركة كاملة للمرأة، ولا تساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات. الأمر الذي أفرز ما يمكن تسميته بثورة النساء بوجه قيادات التجمع بسبب المادة الخامسة من الدين والسياسة في السودان التي تنص علي الآتي "يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد علي دورها في الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان"، وللاحتجاج مبرراته الموضوعية فالرؤية غائمة فيما يختص بأسئلة من نوع: أي دين؟ وأي فقه؟ ولأي مدي؟
    وهذا الطرح للتجمع فيما يختص بالمادة الخامسة يبرز تناقضاً فاضحاً عند قراءته مع مادة سابقة له هي المادة الثالثة من الدين والسياسة في السودان التي تنص علي "لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس علي أساس ديني". ولا يمكن فهم أبعاد هذا التناقض علي حقيقته إلا باستحضار حقيقة تخوف التجمع من قابلية الشارع السوداني للتجاوب مع الشعارات والصياغات السياسية للدين مع عدم وجود فقه مستنير متفق عليه. بالإضافة لتمسك الذكور بشكل عام، بمكاسبهم من منتوج الثقافة الذكورية السائدة في الريف والمدينة علي اختلاف درجة تمثلاتها الحقيقية علي أرض الواقع وما أضفوه عليها من طابع ديني. وهو ما ناقشته بشكل مباشر الأستاذة هادية حسب الله في دراسة بعنوان (من التحديات والمشاكل التي تواجه تمكين ومساواة المرأة)، كما ناقشه الدكتور عبدالله علي إبراهيم من خلال الصراع بين القضاة الشرعيين والقضاة المدنيين في كتاب الشريعة والحداثة. ما يتبين هنا ليس هو هذا التناقض البارز فقط، وإنما أيضاً أبعاد إشكالية علاقة الدين بالدولة في الذهن والنفسية التجمعية المعارضة التي جعلت الرؤية الحاكمة قائمة علي "كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان"، في تعبير عن العجز وإيثار السهولة رغم مايهيئه ذلك من أجواء ملائمة لإسلامويين متعصبين بثوب جديد.
    http://www.alkaheranews.gov.eg/shivo/index/main.[/B]
                  

10-24-2007, 04:05 AM

نصار
<aنصار
تاريخ التسجيل: 09-17-2002
مجموع المشاركات: 11660

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: * الإلحاد والتعصب الديني وجهان لعملة واحدة (Re: altahir_2)

    العزيز ضياء
    و كل واحد بيوصل للتاني
    اغلب دواعي التعصب الديني انه الناس معرضة عن العقيدة و بكدا تندفع الجماعات في اتجاه تكفير الافراد و الجماعات و يخوضوا فيهم بالعنف المتاح للجماعات كتعويض للجهاد الماعندهم ليهو قدرة..
    و الحانقين من التصرفات دي بحاكموا بيها الدين و يجدوهوا مذنب و يفارقوا دربوا
    بالمناسبة في السودان في بلاوي ح تظهر بعد ذهاب الانقاذ.. زي حال الايرانيين القدروا اتخارجوا من ايران بعد ثورة الخميني.. اغلبيتهم العظمي كفروا بالدين تماما,,
                  

10-25-2007, 06:31 AM

Abdalla aidros

تاريخ التسجيل: 12-07-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: * الإلحاد والتعصب الديني وجهان لعملة واحدة (Re: نصار)

    الاخ ضياء

    كتابة ثرة تدعو لمزيد من القراءة المتمعنة

    فقط لفت نظري قولك :
    Quote: الخلاصة هي أن الإلحاد والتعصب الديني في أغلب حالاته ينطلق من ذهنية ونفسية واحدة، هي ذهنية ونفسية الأزمة الداهمة عندما تقترن بالضعف الإنساني في تمظهراته السلبية المتفاجئة وغير المتوازنة التي تبحث عن مخرج. إذ إن الإلحاد أو التعصب الديني الذي ينطلق من موقف فلسفي ونظري متكامل ضئيل للغاية في الواقع. وفي يقيني أن هذا صائب تماماً للدرجة التي يمكن أن أُقرر فيها أن الاثنين معاً (الإلحاد والتعصب الديني) هما أحد تعبيرات الأزمة الشاملة.


    الامر الذي يدعو للتساؤل: ماهو تعريفك للالحاد ؟ وهل تقصد الالحاد أم معاداة الدين والتدين؟
    ولماذا تعد تخلي الناس عن قناعتاهم الدينية بمثابة مأزق للمجتمعات التي ضربت بها مثل (كايران)
    والا يعد اختيار المعتقد حق اصيل في الدولة الديمقراطية حتي لو كان هذا المعتقد من خارج الاديان المعروفة او بتحديد اكثر عدم الاعتقاد بالاديان عموما؟
    والا يمكن للدولة الديمقراطية ان تحفظ لهؤلاء حقهم في التعبير ايضا؟

    ودمت
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de